إسلام ويب

ورتل القرآن ترتيلاًللشيخ : عبد الرحمن صالح المحمود

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن الكريم له مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة؛ لأنه كلام الله عز وجل، ولذلك فإن الاهتمام به وتلاوته وتدبره والعمل به أمر مهم جداً، فيجب على كل مسلم أن يوثق صلته بكتاب ربه جل وعلا، وأن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وأن يجعله قدوته ودستوره في كل شيء.

    1.   

    وجوب تدبر كلام الله وتطبيقه والخشوع عند تلاوته

    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1]، امتن علينا بأن أنزل علينا أفضل كتبه، وأرسل إلينا أفضل رسله وخاتمهم، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله الذي نزل عليه القرآن في غار حراء أول ما نزل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، فتلقى وحي الله وبلغه إلى أصحابه، وجاهد في ذلك أعظم جهاد، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى أصحابه الكرام البررة الذين حلموا هذا القرآن فحفظوه، ووعوه، وعملوا به، وبلغوه إلى الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، فرضي الله عنهم جميعاً، وعن التابعين لهم وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة في الله! نحن على مقربة من قدوم ضيف عزيز جداً، ضيف طالما ترقبه المؤمنون الصادقون تبعاً للسلف الصالح رحمهم الله تعالى؛ فإنهم كانوا قبل قدومه بشهور يتحرونه، ويدعون الله سبحانه وتعالى أن يبلغهم هذا الشهر العظيم شهر القرآن، شهر قيام الليل والتراويح، شهر الصيام، شهر تتلى فيه آيات الله في كل مكان في المساجد والبيوت وفي كل مكان، شهر القرآن والصيام والصبر، ولو لم يكن في هذا الشهر الكريم إلا أن ربنا تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وعدنا بالمغفرة في هذا الشهر، وذلك من خلال ثلاثة أحاديث: أولها: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ثانيها: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ثالثها: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا فيه يا رب ممن صامه وقامه على الوجه الذي يرضيك عنا. أيها الإخوة! وماذا نقول عن كلام رب الأرض والسموات؟ وماذا نقول ونحن نتحدث هذه الليلة عن القرآن العظيم؟ إن القرآن العظيم تكفل الله بحفظه؛ فهو محفوظ إلى أن يرفع في آخر الزمان، كما ورد بذلك بعض الآثار، فالقرآن العظيم هو كلام الله سبحانه وتعالى وليس كلام بشر، سواء كان ملكاً، أو رئيساً، أو غنياً، أو شريفاً، أو مشهوراً، أو أديباً، أو غير ذلك. ومن هنا أيها الإخوة! فإننا لن نستطيع أن نقف معه الوقفة التي تتناسب مع قدره وعظمته، ولكن حسبنا الذكرى ببعض المسائل، والذكرى تنفع المؤمنين. أيها الإخوة في الله! أقول في البداية: لقد وقفت مع عدد من الآيات فرأيت أن من تأملها وجد فيها عجباً، وهي آيات بينات واضحات، ولكنها تحتاج من القلوب المؤمنة إلى وقفات: يقول الله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، في أربع آيات في سورة واحدة. وقال عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، وأقول: إن من أعظم نعم الله أن هذا القرآن يتلوه الجميع، يتلوه العالم والمتعلم والعامي والمرأة والرجل، كل منهم إذا تعلم مبادئ القراءة والكتابة تلاه؛ بل قد يتلوه ولو لم يتعلم مبادئ القراءة والكتابة. وكم من عامي لا يقرأ ولا يكتب يحفظ القرآن كاملاً، أليس هذا دليلاً على هذا التيسير العظيم؟! الآية الثانية: يقول تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16]، ألم يأن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم للقرآن؟ كلا! والله! لقد آن لقلب كل مؤمن أن يخشع للقرآن ولقراءة القرآن. الآية الثالثة: يقول الله تبارك وتعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21]، أي: لو أنزل الله هذا القرآن على جبل صخر أصم لا تهده إلا الآلات الضخمة لرأيت هذا الجبل خاشعاً متصدعاً متشققاً منهداً من خشية الله، فكيف لا تخشع قلوبنا وهي من لحم ودم؟! الآية الرابعة: يقول الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23]، تقشعر قلوب المؤمنين لأن هذا القرآن مثاني يشبه بعضه بعضاً في البلاغة والإعجاز والفضل والعظمة، وإن كانت بعض الآيات أفضل من بعض، لكن كله فضيل؛ لأنه كلام رب العالمين. الآية الخامسة: يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:57-58]. فإذا رأيت الناس يتنافسون على جمع الدنيا فأقبل على قراءة القرآن؛ فإنك تجمع من الحسنات والفضل العظيم ما ترتاح له نفسك يوم تقف بين يدي ربك يوم القيامة.

    1.   

    وجوب معرفة عظمة القرآن العظيم

    إن من المهم جداً ونحن نتلو هذه الآيات وغيرها من كتاب الله تبارك وتعالى أن نعلم ونوقن به يقيناً عملياً؛ فإن اليقين النظري نحن مصدقون به جميعاً، لكن لابد أن نعلم وأن نوقن يقيناً يؤثر على أعمالنا وحركاتنا وأفعالنا أن هذا القرآن العظيم حق لا ريب فيه، وأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، فالقرآن كلام الله ليس كلاماً مخلوقاً ولا كلاماً لغيره كما يدعي بعض أهل البدع، بل هو كلام الله؛ تكلم الله سبحانه وتعالى به إلى جبريل فأوحاه إليه، ثم أوحاه جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105] ، ويقول تعالى عن هذا القرآن العظيم: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6]، فالقرآن العظيم تصدعت له القلوب لما نزل أول مرة، تصدعت له قلوب عباد الله المؤمنين، فاستجابوا وصدقوا وتغيرت حياتهم كلها، ومن لم يعظه القرآن، ومن لم يخشع بالقرآن، ومن لم يتصدع إيماناً ويقيناً وخشوعاً بالقرآن فبأي شيء يتصدع؟! قال تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6]. ويقول سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل:6]. ويقول سبحانه وتعالى: الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة:1-3]. ويقول سبحانه وتعالى مميزاً أهل العلم الذين يعرفون قدر هذا القرآن: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سبأ:6]. ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:48-49]، والذين أوتوا العلم هم الذين قرءوا القرآن وفقهوه في جميع أموره؛ ولهذا فإن من المهم جداً أن توقن أيها الأخ المؤمن وأنت تتلو كلام الله سبحانه وتعالى أنه كلام الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول تعالى: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:1-3]. ويقول سبحانه وتعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]. ومن هنا أيها الإخوة في الله! فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، كما قالت عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما.

    1.   

    ذكر فضائل القرآن وفضائل حملته

    وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لنا فضل القرآن العظيم، وسأذكر في ذلك بعض الأحاديث: منها: ما رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لله تعالى أهلين من الناس -انظروا إلى التعبير- أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)، رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم ، وهو حديث صحيح. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كلام الله كان له به عشر حسنات، أما إني لا أقول: ( الم ) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، رواه الترمذي ، وهو حديث صحيح. وقد روى البيهقي في (شعب الإيمان) حديثاً حسنه بعض العلماء ومنهم الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو جمع القرآن في إهاب ما احترق)، أي: لو جمع القرآن في جلد ما أحرقه الله في النار، وهذا فيه إشارة وبشرى وأمل ورجاء لمن يحفظ كلام الله ألا يحرقه الله في نار جهنم. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). وقد روى أبو داود والنسائي والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وأطراف النهار)، أي: أنه مغبوط على ما وهبه الله ووفقه من حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى. وأختم هذه الأحاديث بحديث رواه الترمذي والحاكم وهو حديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله -حله: من الحلية-، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقول: اقرأ وارق فيزداد بكل آية حسنة)، ففي هذا فضل عظيم لكلام الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    فضل تعليم القرآن الكريم

    وقد ورد الفضل العظيم في تعليم القرآن، والأحاديث في هذا كثيرة يجب أن ينتبه لها الآباء ومدرسو حلق القرآن في المساجد وغيرها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في البخاري : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ، ولهذا سئل سفيان الثوري رحمه الله تعالى عن الجهاد وإقراء القرآن أيهما أفضل؟ فرجح إقراء القرآن، واحتج بهذا الحديث: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ، ولهذا قال أبو عبد الرحمن السلمي الثقة: فذلك الذي أقعدني مقعدي هذا، وأبو عبد الرحمن هذا هو الذي قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. وأبو عبد الرحمن السلمي هذا هو غير السلمي الصوفي المتأخر، فهذا تابعي جليل، ولذا يقول: فذلك الذي أقعدني مقعدي هذا. وعلم القرآن منذ زمن عثمان حتى بلغ عهد الحجاج بن يوسف . ولهذا روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يغدو كل يوم إلى بطحان العقيق أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين -أي: ناقتين عظيمتي السنام- في غير إثم ولا قطيعة رحم، فقلنا: يا رسول الله! كلنا نحب ذلك. فقال: لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)، سبحان الله! ما أبخلنا على نفوسنا ونحن نهجر هذا القرآن العظيم، ما أبخلنا على نفوسنا ونحن نهجر كتاب الله سبحانه وتعالى شهوراً متطاولة! والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً، ولهذا فإن مما يعظم قدر منزلة هذا القرآن عند المؤمن أن يعلم وأن يوقن أنه إنما يتلو كلام الله، وهو بتلاوته يعبد الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    أثر قراءة القرآن وترتيله

    ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة ما يدل على أثر قراءة القرآن وترتيله، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، رواه مسلم . وعن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما). فيا أيها الإخوة! تذكروا هذا الموقف يوم القيامة، تذكر أيها الأخ حينما تأتي يوم القيامة وقد يبس منك لسانك، وشخصت عيناك، وبلغ منك الخوف مبلغه؛ لأن الجميع يخاف، ولا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل حين تزفر جهنم إلا خاف، فتذكر يا عبد الله! حين تأتي يوم القيامة في تلك العرصات وقد غضب الجبار غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ثم تأتي وأمامك القرآن، فهل يمكن أن تعذب وأمامك القرآن؟ بل وأمامك سورة البقرة وآل عمران تحاجان عنك، فتدبر يا أخي هذا الموقف، واجعل القرآن في قلبك حفظاً وتلاوة وعملاً وتدبراً. ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة وهو عند أحمد والترمذي وأبي داود وهو حديث حسن قال: (إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له)، هذه السورة هي: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1])، أي: سورة الملك. وروى ابن حبان والبيهقي وصححه الألباني رحمه الله تعالى من حديث جابر رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق -ماحل: أي مدافع- من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه قاده إلى النار) . ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم أهل القرآن؛ حتى إنهم كانوا حينما يستشهدون في سبيل الله يدفنون في مكان واحد يقدم صاحب القرآن. وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه يجعل شوراه في أهل القرآن شيوخاً وصغاراً، ولهذا كان معهم ابن عباس ، وكان ممن يحضر مجلس شورى عمر بن الخطاب وهو يومئذ حدث صغير رضي الله عنهم جميعاً؛ لأنه كان حبر الأمة وترجمان القرآن.

    1.   

    القرآن شفاء للأمراض

    ومن أعظم آثار القرآن أنه شفاء للأمراض الحسية والمعنوية، ولهذا ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يدعو الإنسان أن يجعل الله القرآن العظيم ربيع قلبه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصيبه هم أو حزن أو غم فيقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي وحزني، إلا أذهب الله عنه ما يجد)، رواه أحمد والحاكم ، وهو حديث صحيح. ولهذا فإن من أعظم ما يرقى به الإنسان في أمراضه كلها كلام الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    الأمور الواجبة على حامل القرآن

    المسألة الثالثة: ماذا يجب على حامل القرآن العظيم؟ يجب على من تلا كتاب الله سبحانه وتعالى سواء كان ممن يتلو هذا القرآن أو ممن يحفظه أو يحفظ آيات منه يجب عليه أن يراعي عدة أمور: أولها: الإخلاص لله تعالى في تلاوته وحفظه وتعلمه وتعليمه، وذلك بأن يكون مقصده ربه سبحانه وتعالى. الثاني: أن يأخذ نفسه بتلاوة القرآن، وأن يكون ممن عرف بتلاوته ليلاً ونهاراً، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون). وهذه كلها آثار على قارئ القرآن، وعلى تالي القرآن، وعلى حافظ القرآن، وعلى من يعمل بالقرآن. الثالث: أن يحذر من أن يقصد بحفظه للقرآن أو تلاوته له شرف المنزلة عند أبناء الدنيا، وإذا دخله شيء من ذلك مما يوسوس به الشيطان فليتق العبد الله، وليراجع قلبه ونفسه، ليتق الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكون بتلاوته للقرآن وحفظه له قاصداً به وجه الله، لا يريد به شرفاً، ولا ليقال: القارئ الفلاني، ولا ليقال: ما أحسن صوته! أو ما أجمل قراءته! فكل هذه الأمور خداعات يُخدع بها الإنسان؛ فإن كانت مدحاً من مؤمن صادق فعليه أن يشكر الله سبحانه وتعالى، ويجعلها عاجل بشراه، لكن بشرط ألا يؤدي به ذلك إلى الغرور، وألا يؤدي به ذلك إلى العجب، وألا يؤدي به ذلك إلى الترفع على عباد الله سبحانه وتعالى؛ بل قراءته للقرآن، وحفظه له، وتلاوته له، ينبغي أن يزيده خضوعاً لله سبحانه وتعالى وزهداً فيما عند الناس ورغبة فيما عند الله تبارك وتعالى. الأمر الرابع: أن يعمل بالقرآن؛ لأن فائدة التلاوة والقراءة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: فضيلة التلاوة، وهو عبادة لله سبحانه وتعالى. القسم الثاني -وهم المهم وهو الذي يؤثر حتى على القسم الأول هو-: العمل بما تقرأ وتتلو، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف:43]، أي: استمسك به عملاً، واستمسك به اتباعاً، واستمسك به تحكيماً. ويقول الله سبحانه وتعالى عن أولئك الذين يكتمون بعض آيات الله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:174]، فاحذر يا عبد الله! أن تكون ممن يقرأ القرآن ولكن لا يعمل به؛ بل اعمل بالقرآن، واحرص على العمل به، ولكن هذا جزء من تدبره وجزء من آثار تدبره، كما سيأتي. الأمر الخامس: خطورة هجر القرآن العظيم، يقول الله سبحانه وتعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]؛ وهجر القرآن على أنواع: النوع الأول: هجر تلاوته والتعبد به، وهذا كثير، وهو ذو أثر خطير على الناس. فلماذا تكثر المشاكل، وتكثر الأمراض النفسية؟! ولماذا يغلبنا الهوى؟! ولماذا نحس بضعف الإيمان؟! إن هذه الأمور من أسبابها الكبار هجر كتاب الله سبحانه وتعالى، أي: هجر تلاوته والتعبد به، ولو تعلق قلب المؤمن بهذا القرآن يتلوه كل يوم لأثر في قلبه، ولأثر على أفعاله، ولأثر في كل تصرف من تصرفاته. النوع الثاني من الهجر -وهو أخطرها-: هجر العمل به وتحكيمه، ومن المؤسف حقاً أننا نجد المسلمين اليوم إلا ما عصم ربي قد هجروا كتاب الله، أي: هجروا الحكم به؛ وكم من بلد ينتسب إلى الإسلام اتخذ كتاب الله وراءه ظهرياً، واستبدل به قوانين وأنظمة البشر في جميع شئون الحياة، أو في غالب شئون الحياة، ويدعوهم الداعون المخلصون ويقولون لهم: هلموا إلى تحكيم كتاب الله، وإلى تطبيق شريعة الله، فإن العزة والنصر من الله، وإن الاستقلال من التبعية لأعدائنا، وإن نصرنا وتغير أحوالنا، ونزول البركات على مجتمعاتنا؛ إنما يكون بتحكيم هذا القرآن العظيم، ويصرخ الدعاة إلى الله ولكن يا للأسف! لا يستمع إليهم من بيده الأمر، إلا ما عصم ربي، بل مما يجعل في النفس حزازة وأي حزازة ألا يشكر هؤلاء الدعاة، وألا يقال لهم: جزاكم الله خيراً. وإنما يقابلون بالحرب والتشريد والسجون، ويقال لهم: أنتم أصوليون إرهابيون وأنتم وأنتم وأنتم! حقاً إن مما يؤسف له أن كثيراً من بلاد المسلمين هجروا كتاب الله وتحكيمه، فجاءت نظمهم ودساتيرهم وأحكامهم في الحدود وفي مسائل الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والسياسية وغيرها لا ترجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى، وإنما تعتمد على أنظمة وأعراف وقوانين البشر! إذاً: أيها الإخوة في الله! الأمة الإسلامية أصيبت بمصيبتين: إحداهما: هجر كتاب الله وتلاوته إلا ما عصم الله، والثانية: هجر الحكم به والعمل به إلا ما عصم الله. الأمر الثالث من أنواع هجره وهو تابع للأمرين السابقين: هجر التأدب به والتخلق بأخلاقه، فالقرآن العظيم كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كانت حياته عليه الصلاة والسلام حياة المؤمن الصادق في كل قولة أو فعلة أو كلمة أو ذهاب أو مجيء أو .. إلى آخره. فكان عليه الصلاة والسلام في جميع أموره متخلقاً بخلق القرآن، ومتأدباً بأدب القرآن، وكذلك كان أصحابه رضي الله عنهم، فإن مما يؤسف له أن يهجر كثير من المسلمين التخلق بأخلاق القرآن وآدابه. الأمر السابع: وجوب تدبر القرآن العظيم، وتدبر القرآن العظيم جاءت فيه أكثر من آية، يقول الله سبحانه وتعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]. ويقول تبارك وتعالى في آية أخرى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

    1.   

    الأمور المعينة على تدبر القرآن

    تدبر القرآن مهم جداً، ولهذا فإن مما يعين على تدبر القرآن أمور ثلاثة: الأمر الأول: طهارة القلب من الكبر والهوى والتكذيب والتعلق بغير الله سبحانه وتعالى، فطهارة القلب من هذه الأمور يجعل الإنسان حينما يقرأ القرآن يستفيد منه ويتدبره، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [الأعراف:146]. الأمر الثاني: طهارة ظاهر البدن، وذلك بأن يقرأ القرآن وهو على طهارة غير محدث، وأن يقرأ القرآن في المكان الطيب وهو متوضئ؛ فإن ذلك أجمع لقراءة القرآن وتفهمه وتدبره. الأمر الثالث: الإنصات، فلابد من الإنصات تعظيماً وهيبة وتدبراً للقرآن العظيم. الأمر الرابع: الخشوع عند تلاوة القرآن، والحقيقة أن مما يؤسف له أن الناس في رمضان يبكون ويخشعون في دعاء الوتر، ولكنهم لا يبكون ولا يخشعون وهم يسمعون تلك الآيات العظيمة تتلى عليهم، فيجب أن نبحث عن السبب -وقد يكون هناك أكثر من سبب- هو: أن منزلة القرآن في نفوسنا ليست عظيمة، ولو عظمنا هذا القرآن حق تعظيمه وتفهمناه وتدبرناه حق التدبر لخشعت له قلوبنا، يقول الله سبحانه وتعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21] ، فلماذا لا تخشع قلوبنا؟ أما إذا جاء عند الدعاء وسؤال المغفرة والإقرار بالذنب والخوف من الموت ومن القدوم على الله سبحانه وتعالى فإن من الطبيعي أن تخشع النفس، وليس هذا بغريب، لكن الغريب أن تخشع عند الدعاء ولا تخشع عند قراءة القرآن وسماع الآيات الكريمة.

    1.   

    الأمور المعينة على الخشوع في القرآن الكريم

    مما يعين على الخشوع في القرآن عدة أمور: أولها: تطهير النفس من الذنوب؛ فإنها تثقل النفس وتكدرها فلا تتدبر ولا تخشع. الثاني: الكسب الحلال؛ فإنه يصفي النفس والجسم. الثالث: العلم بما يتلى؛ فإن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، فإذا عرف الإنسان معاني الآيات وأسباب النزول وما جرى فيها وتدبر ذلك فإنه عند تلاوة القرآن يتأثر؛ لأنه يعلم. ثم إن العمل بالقرآن يؤدي إلى الخشوع، فالعمل بالقرآن سبب للخشوع ونتيجة للخشوع، فمن عمل بالقرآن وصار مؤمناً تقياً، يعمل الصالحات، ويجتنب المحارم، وصار مؤمناً يتأدب بأدب القرآن فلابد أن يخشع، ولابد أن يتأثر.

    1.   

    أحوال السلف عند قراءة القرآن

    السلف الصالح رحمهم الله تعالى كانت لهم أحوال عند قراءة القرآن: فعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر : كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ فقالت: (تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم، كما نعتهم الله). وقال قتادة رحمه الله تعالى: ما أكلت الكراث منذ قرأت القرآن. أي: تعظيماً للقرآن الكريم، وإن هذه والله للطيفة من قتادة الإمام التابعي رحمه الله تعالى. وقال رجل لـسليم بن عيسى المقرئ: جئتك لأقرأ عليك القرآن، جئتك لأقرأ عليك التحقيق. فقال سليم : يا ابن أخي! شهدت حمزة -ويقصد به حمزة بن حبيب الزيات أحد القراء السبعة المتوفى سنة 156هـ- وأتاه رجل في مثل هذا فبكى، وقال: يا ابن أخي! التحقيق: صون القرآن، فإن صنته فقد حققته.

    1.   

    نماذج من أحوال بعض حملة القرآن المعاصرين

    لقد كان لحملة القرآن في عصرنا الحديث نماذج، وسأذكر نموذجين لبعض الأحوال: أحدهما يتعلق برجل صالح من عباد الله، نحسبه والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً، والثاني يتعلق ببهيمة من البهائم. أما القصة الأولى المتعلقة بذلك الرجل الصالح فقد حدثني فيها من أثق به قال: كانوا قديماً يقرءون القرآن في ليالي رمضان، وكانوا في العشر الأواخر منه لا يكادون ينامون، بل كانوا يحييون الليل، قال: وكان من عادتهم أنهم في ليالي العشر الأواخر من رمضان يقومون الليل، فإذا جاءت صلاة الفجر لا يطيل الإمام القراءة، وإنما يقرأ عليهم سورة وسطى من القرآن؛ لأنهم متعبون، ويريدون أن يرجعوا ليستريحوا قليلاً، وفي إحدى صلوات الفجر في العشر الأواخر من رمضان قام الإمام ليصلي بالناس فأطال القراءة، بدأ بسورة طويلة واستمر يقرأ ويقرأ ويقرأ، وكأنه في قيام الليل، وركع وأتى بالركعة الثانية وأيضاً أطال القراءة حتى أسفروا جداً وكادت تطلع الشمس، فلما سلم، قال له بعض أحبابه: يا فلان! لقد أطلت علينا اليوم القراءة! فاستيقظ وقال لهم: هل أنا أطلت القراءة؟ قالوا: نعم. قال: سبحان الله! والله! لقد نمت وأنا أقرأ القرآن! أي: أنه نام ونسي أنه في صلاة الفجر، وصار يقرأ القرآن وهو نائم أو بين النائم واليقظان، أرأيتم كيف عمروا قلوبهم بالقرآن؟! فهل رأيتم إنساناً يقرأ القرآن وهو نائم؟! أما القصة الثانية: فلقد كان هناك جماعة كانوا مسافرين، وكان معهم عدد كبير جداً من الإبل، وكانوا يسرون في الليل، قال أحدهم: وكانت عندي ناقة هزيلة، دائماً هي في المؤخرة، ولا ألحق بأصحابي إلا بعدما ينزلون، قال: فأخذ واحد من القراء يقرأ القرآن وهو راكب ناقته في جوف الليل، ورفع صوته بالقراءة، قال: فصرت أنا أسمع القراءة من بعيد؛ لأنني كنت بعيداً منهم، ثم أحسست بأن ناقتي تنشط شيئاً فشيئاً، وتعجبت لنشاطها، قال: وإذا بها تقدم شيئاً فشيئاً، وتعجبت من أمرها إلى أين ذاهبة! وتعجبت من نشاطها وهي هزيلة! قال: وما زالت تقدم شيئاً فشيئاً حتى جاءت إلى الناقة التي فيها القارئ فوضعت رقبتها على رقبة الناقة وصارا يسيران سوياً، وصدق الله القائل: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] . أيها الإخوة المؤمنون! يجب أن نعرف قدر هذا القرآن العظيم؛ فنحن في زمن المهلة يجب علينا أن نستغلها بقراءة القرآن والعمل بالقرآن.

    1.   

    مسائل هامة لقارئ القرآن

    وأختم هذه الكلمة بذكر بعض الملحوظات، خاصة ونحن بعد أيام قليلة نستقبل شهر رمضان، فأقول: إن مما يلاحظ عدة أمور:

    قراءة القرآن الكريم قراءة سليمة

    أولها: ضعف كثير من الناس في تلاوتهم للقرآن العظيم، وإنك لتعجب أن يجلس بجانبك إنسان -وهذا على مختلف الأعمار- يقرأ القرآن فيلحن لحناً عجيباً! حتى تضيق، فإن صححت له أخطاءه شغلك ولم يعدل؛ لأنه مستمر في أخطائه، وإن تركته أتعبك نفسياً وأنت تسمع لهذا اللحن العجيب، مع أننا في بلاد -والحمد لله- وفقها الله سبحانه وتعالى بوجود كثير من القراء والحفظة والمدارس، فالمساجد -والحمد لله- في كل قرية ومدينة، سواء كانت مما يشرف عليها الجمعيات الخيرية أو غيرها، وأغلبها يدرس فيها كلام الله سبحانه وتعالى، ولكن للأسف أنه يصلي في المسجد صفان أو ثلاثة، ثم بعد ذلك تجد هذين الصفين يكاد يكون نصفهم عامة، أو قراءتهم للقرآن ضعيفة، ثم لا تجد المقرئ في المسجد يجلس عنده أحد، وما رأيت واحداً من هؤلاء يجلس ويقول: أريد أن أقرأ عليك القرآن، حتى ولو تلاوة لا حفظاً إذا كان لا يستطيع، حتى تصبح ممن يتلوه تلاوة صحيحة؛ فيفقه معناه ويتأثر به. فيا أيها الإخوة الآباء! ويا أيتها الأمهات! ويا أيها الإخوة الشباب والكهول والشيوخ! عليكم ألا تحتقروا هذه المسألة العظيمة، بل عليك أن تجلس لقارئ القرآن فتقرأ ليعدل أخطاءك، فاجلس واقرأ القرآن، فلقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى يقرءون القرآن ويتدبرونه على مقرئين؛ حتى تكون قراءتهم له سليمة، ولهذا تجد بعض الناس يقرأ القرآن -مع أنه عامي- قراءة ممتازة، فتسأله: كيف كانت قراءتك صحيحة وسليمة وأنت لا تقرأ ولا تكتب إلا القرآن تستطيع قراءته؟ فيقول: الحمد لله لقد قرأناه على الشيخ فلان أو الشيخ فلان.

    تدبر الآيات عند التلاوة

    الأمر الثاني: مما يلاحظ أن كثيراً من الناس يحرص في رمضان على كثرة الختمات، وينسى التدبر بالآيات، حتى إنه أحياناً يقرأ الآيات تلو الآيات وقلبه غافل. فيا أيها الإخوة! أحضروا قلوبكم وأنتم تقرءون القرآن، واتلوه وأنتم حاضرو القلوب؛ فإن ذلك مما يزيد في إيمانكم ومما يزيد في تفهمكم ومما يزيد أجركم.

    استمرار تلاوة القرآن طيلة شهر رمضان

    الأمر الثالث: أيضاً مما يلاحظ أن الناس ينشطون في الأيام الأولى في رمضان لقراءة القرآن، ثم يفترون ويضعفون، فحين تأتي في اليوم الأول والثاني تجد المسجد ضاجاً بقراء القرآن، وتجد الناس يجلسون ويقرءون، ثم لا يزالون يتناقصون، حتى لا يبقى في النهاية إلا عدد قليل، وهذا مؤشر محزن؛ إذ كيف تمل القراءة؟! وكيف تمل قراءة القرآن يا عبد الله؟! فهي أيام يسيرة ستمضي، ورمضان إن أدركت أوله قد لا تدرك آخره، وإن أدركت هذا الشهر من رمضان فقد لا تدرك رمضان القادم. فيا أخي! احرص كل الحرص على استغلال وقتك في قراءة القرآن وتلاوته.

    قراءة القرآن في ليالي رمضان

    الأمر الرابع: أن كثيراً من الناس يقرأ القرآن في نهار رمضان ولا يقرأه في الليل في رمضان؛ لأنه صائم متعب يقرأ القرآن، فإذا جاء الليل أمضى ليله في الحديث والسمر والسهر، والله تعالى يقول: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6] فاحرص يا عبد الله! أن يكون لك في الليل قراءة، خاصة في آخر الليل وفي الأسحار، ولابد أن تقرأ القرآن وأن تحفظه وأن تتلوه وأنت نشيط، ولا تجعل نشاطك للكلام الذي لا ينفع وفي وقت صومك وتعبك لقراءة القرآن.

    تقسيم الوقت في حفظ القرآن ومراجعته

    الأمر الخامس: بعض الإخوة الشباب يسألون: كيف أقضي وقتي في رمضان؟ هل أقضيه في حفظ القرآن ومراجعته أم في تلاوة القرآن؟ وأيهما أقدم؟ فأقول: إن هذا سؤال مهم جداً، ولا شك أن كثرة قراءة القرآن مع التدبر مطلوبة؛ لأنها تزيد في رفع الدرجة، لكن أيضاً تفهم القرآن وحفظه وتدبر معانيه مطلوب أيضاً؛ لأنه يزيدك مهارة في القرآن، ومن هنا فإنني أقول: بالنسبة للإنسان الحريص على الأمرين جميعاً الأولى له أن يقسم وقته قسمين: القسم الأول: حال النشاط مثل آخر الليل أو بعد الفجر، فهذه الحالة يخصصها لحفظ القرآن ومذاكرته. القسم الثاني: الحال التي يكون فيها عنده بعض التعب، وفي هذه الحالة يجعلها لتلاوة القرآن مثل آخر النهار أو بعد الظهر أو نحو ذلك. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء همومنا وغمومنا، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لتلاوته وحفظه والعمل به، كما أسأله تبارك وتعالى أن يوفق الأمة الإسلامية لأن تعمل بكتاب ربها وأن تحكمه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    أهمية حفظ القرآن الكريم في بداية طلب العلم

    السؤال: ما رأيكم في بعض الشباب الذين اتجهوا إلى السنة المطهرة، وبدءوا يحفظون بعض الأحاديث ولا يحفظون القرآن، أو لا يحفظون إلا قليلاً من القرآن؟ الجواب: منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى أنهم كانوا يبدءون بحفظ القرآن العظيم، والإنسان الذي وهبه الله قدرة على الحفظ تظهر هذه الموهبة في الغالب في سن مبكرة حينما يبدأ في طلب العلم، سواء يبدؤه هو أو يوجهه أهله إلى ذلك، فأول ما يبدأ به حفظ كتاب الله، لهذا فإني أقول: مدارسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة، لكن ينبغي للمؤمن أن يحرص على حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، خاصة إذا وهبه الله قدرة على الحفظ فليتوجه أول ما يتوجه إلى حفظ كتاب الله، والله سبحانه وتعالى يسر هذا القرآن، كما قال عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] .

    تقييم كتاب (في ظلال القرآن) لسيد قطب رحمه الله تعالى

    السؤال: هل تنصح بقراءتي كتاب (في ظلال القرآن) لـسيد قطب ؟ الجواب: كتاب (في ظلال القرآن) لـسيد قطب كتاب جيد، وهو من الكتب التي تقرب الإنسان إلى العيش في ظلال القرآن، ومن هنا فإنني أنصح بقراءته، مع ملاحظة ما عليه من ملاحظات؛ فإنه رحمه الله قد وقع في بعض الأخطاء خاصة المتعلقة بصفات الله سبحانه وتعالى، فقد أول صفة الاستواء وصفة اليد وبعض الصفات، كما أن له تعبيرات لا نوافقه عليها مثل: تسميتها بالموسيقى ونحو ذلك، ولهذا فإننا نقول: يجب أن يكون موقف المسلم من هذا الكتاب لا إفراط ولا تفريط، فبعض الناس يقرأ هذا الكتاب ويظن أنه لا خطأ فيه أبداً، والبعض الآخر يرى أن فيه بعض الأخطاء وأنه لا ينبغي قراءته، وأقول: ينبغي أن يكون الإنسان -والحالة هذه- ناظراً في مثل هذا الكتاب هل نفعه أعم أم لا؟ فإذا كان نفعه أعم والأخطاء ممكن أن تتدارك فينبغي تدارك الأخطاء والاستفادة من هذا الكتاب، ولو أن كل كتاب عليه ملاحظات تركناه لتركنا كتباً لأهل العلم عظيمة وكثيرة لا يستغني عنها أي طالب علم. وأقول: كنا نتمنى أن يطبع هذا الكتاب طباعة جيدة؛ وتذكر عليه تعليقات توضح الأخطاء التي فيه؛ حتى يكون القارئ لمثل هذا الكتاب يستفيد منه بدون أن يترتب عليه أثر سيئ.

    كيفية استغلال الوقت في رمضان

    السؤال: أنا شاب أطلب العلم، ومتردد ماذا أصنع في رمضان؟ هل أراجع حفظي أو أحفظ شيئاً جديداً أو أراجع في كتب أهل العلم أو أجعل كامل وقتي أو جله للتلاوة فقط؟ الجواب: ذكر العلماء أن هذه المسائل مما تختلف فيه الأفضلية؛ فأحياناً يكون هناك وقت الأفضل فيه الجهاد في سبيل الله، ووقت آخر الأفضل فيه قراءة القرآن، ووقت آخر الأفضل فيه -بالنسبة لبعض الناس- طلب العلم، ومن هنا فإنني أقول: بالنسبة لرمضان ولأنه وقت محدود أنصحك بأن تركز فيه على قراءة القرآن وحفظه ومذاكرة ما سبق من حفظه والزيادة في تلاوته، وتجمع إلى ذلك شيئاً من طلب العلم، بمعنى: ألا تغفل عن طلب العلم؛ لأنني أظن -والله أعلم- أن الإنسان ربما يمل فيما لو استمر -في رمضان أو غيره- على وتيرة واحدة، فإذا جعل غالب وقته لحفظ القرآن وتلاوته وجعل أيضاً له بعض الوقت لمدارسة بعض أنواع العلم فهذا لا بأس به.

    حكم تحري الصلاة خلف إمام معين لأجل صوته، والتنقل في المساجد لذلك

    السؤال: ما رأيك في اختيار إمام مسجد للصلاة خلفه من أجل صوته أو التردد على مساجد متعددة؟ الجواب: أما أن الإنسان يختار إماماً من أجل صوته فنقول: هذا حق له، فله ذلك؛ لأن الإنسان إذا حضر عند إمام حسن الصوت يخشع في القراءة ويتأثر، لكن أن يتردد على عدد من المساجد فهذا الذي لا ينبغي، بل على الإنسان أن يلتزم مسجداً ويستمر فيه؛ ليتابع القراءة، ولتهدأ نفسه، أما إذا تنقل فإن المشاغل الكثيرة وتغير المسجد وتغير الصوت وتغير الآيات وربما تكررت عليه في مسجدين في ليلتين مختلفتين، فهذا لا ينبغي، هذا رأيي، والله أعلم.

    حكم تقليد الأصوات في تلاوة القرآن الكريم

    السؤال: ما رأيك في تقليد بعض الأصوات، ليحسن المسلم تلاوته وتجويده؟ الجواب: ما أظن أنه يشترط أن يحسن الإنسان تلاوته بتقليد الصوت، بل على القارئ أن يقرأ بصوته، وإنني سمعت كثيرين يقولون: إذا صلينا خلف إمام يقلد أحداً لا نخشع خلفه؛ لأننا أحياناً نكون قد عرفنا كيف ستكون قراءته لهذه الآية التي سيقرؤها، بينما إذا كان القارئ حسن الصوت وقرأها بدون أن يتأثر أو يتصنع التأثر فهو أفضل له.

    وجوب صرف الوقت فيما ينفع

    السؤال: الإنسان أحياناً يكون عنده وقت فراغ فتتشاغل نفسه عن قراءة القرآن، فيصرف الوقت فيما لا ينفع، فما سبب ذلك؟ الجواب: لا يوجد شك أن سبب ذلك هو: أن الإنسان لم يعرف قيمة الوقت ولا قيمة هذا الشهر الكريم، فلو عرف قيمته وقيمة الزمن وراقب نفسه ما ضيع وقته فيما لا ينفع، بل يصرفه فيما ينفع، وقد يغيره من نفع إلى نفع، لكن أن يغيره من نفع إلى ما لا ينفع فهذا مما لا ينبغي للمسلم.

    كيفية تعظيم القرآن الكريم في نفوس الأطفال

    السؤال: كيف نعظم القرآن العظيم في نفوس الأطفال خاصة؟ الجواب: يكون تعظيم القرآن في نفوس الأطفال بأن يحترم المصحف في البيت، وأن تغرس في نفوسهم أن هذا القرآن يرفع، فتقول للطفل: ارفعه، ولا تجعله يقع على ما لا ينبغي، ولا تمزقه ... إلى آخره فتعظمه في نفسه بإعظامك له. وأيضاً: أن تقرئه القرآن دائماً، وأن تعطيه الجوائز على قراءته للقرآن؛ بحيث يعظم هذا القرآن في نفسه، وأن تتدرج معه شيئاً فشيئاً بلا إفراط ولا تفريط؛ وبلا إهمال للأطفال؛ بحيث لا يقرءون القرآن إلا قليلاً، وأيضاً في الطرف المقابل لا ينبغي للإنسان أن يثقل على الطفل بحيث يمل ويضجر من قراءته للقرآن الحكيم.

    الفترة التي ينبغي أن يختم فيها القرآن الكريم

    السؤال: إذا لم يختم الإنسان القرآن في شهر فهل يعتبر هاجراً للقرآن الكريم؟ الجواب: ورد أن: (من قرأ عشر آيات كان من الذاكرين)، ولعله يستأنس في مثل هذا بأن الإنسان يكون له في كل يوم قراءة، لكن كان السلف رحمهم الله تعالى يقسمون القرآن ويحزبونه، وكان كثيراً منهم لا يزيد عن شهرين؛ يقرأ في كل يوم حزباً -نصف جزء- لا ينقص عن ذلك، أما بالنسبة لأكثر ما يقرأ القرآن فإن الإنسان إذا قرأ القرآن كله في أقل من ثلاث ليال ربما لا يتدبر ولا يفهم، فيقرأ القرآن بين ثلاثة أيام وستين يوماً، والأولى للإنسان أن يكون له في كل يوم جزء كامل من القرآن يحافظ عليه.

    كيفية الجمع بين قراءة القرآن والمشاغل الدنيوية

    السؤال: كيف يوفق الإنسان بين مشاغله الدنيوية والدعوية وقراءة القرآن، خصوصاً أنه ليس بحافظ للقرآن؟ الجواب: قال الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ، فالسلف الصالح رحمهم الله تعالى ما كانوا يكسلون في رمضان، بل كانوا يشتغلون، وكانوا يطلبون الرزق ويبيعون ويشترون، لكن أيضاً كان لهم في هذا الشهر حظاً من القرآن يقرءونه، فأنت يا أخي إذا كنت ممن يدرس ويقضي وقتاً كبيراً في الدراسة فعليك ألا تغفل عن القرآن، وإذا كنت تاجراً فعليك ألا تغفل عن القرآن، ولا يحز في نفسك؛ فأنت -إن شاء الله- مأجور بدراستك أو بتجارتك.. أو بغير ذلك، المهم أن تحرص في هذا الشهر الكريم على أن تكون من أهل القرآن، وأن تحرص على تلاوته وتدبره، وألا تكون كما يفعل بعض الناس هداهم الله الذين يكونون في رمضان أقل قراءة للقرآن من غير رمضان؛ لأن أحدهم ينشغل بتجارته أو بغير ذلك، ونحن نقول: لا بأس بالتجارة على ألا تشغلك عن قراءة القرآن، والحمد لله من الممكن أن يجمع الإنسان بينهما.

    المفاضلة بين تلاوة القرآن وحفظه

    السؤال: أيهما أفضل: حفظ القرآن أو تلاوته؟ مع العلم أن نصيب التلاوة أكثر بكثير من الحفظ؟ الجواب: أما كلمة أفضل فهذه علمها عند الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ورد في الفضل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً فله به عشر حسنات)، هذا ميزان، وورد ميزان آخر: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له به أجران) . إذاً: عندنا بالنسبة للفضل أمران: كثرة القراءة، ونوع التدبر والعلم بها وتدبر أسماء الله وصفاته، والخوف من وعيده، فلا يمكن أن نقول: هذا أفضل أو هذا أفضل، لكن على الإنسان في رمضان خاصة أن يحرص على كثرة التلاوة مع التدبر.

    المفاضلة بين تلاوة القرآن بتدبر وبين تلاوته على عجل

    السؤال: أيهما أفضل: التلاوة على عجل؛ ليقطع الإنسان جزءاً كبيراً من القرآن، أو تلاوته بتدبر ولو قلَّت؟ الجواب: بل يتدبر القرآن ولو قلت قراءته؛ لأنه إذا عجل بالقراءة ربما سها وغفل، فعلى الإنسان أن يقرأ القرآن، وأن يكون وسطاً في تلاوته للقرآن، فلا يمدده تمديداً طويلاً جداً، وإنما يقرأه بتدبر وتمعن؛ فإنه يحصل له الأمران: التدبر، وكثرة القراءة، وهذا -والحمد لله- حاصل.

    فضل ختم القرآن في كل شهر في رمضان وغيره

    السؤال: هل من السنة ختم القرآن الكريم في رمضان خاصة، فإني أرى أكثر الناس يحاولون ختمه؟ وما نصيحتكم للذين لا يقرءون القرآن إلا في رمضان؟ الجواب: أما بالنسبة للذين لا يقرءون القرآن إلا في رمضان فنصيحتنا لهم: أن يتقوا الله، وأن يقرءوا القرآن، وأن يعودوا إلى القرآن العظيم؛ ففيه راحة للصدور وشرح لها. أما بالنسبة للختمة فلا شك أن ختم القرآن ورد فيه فضل، بل ورد في بعض الآثار: (الحال المرتحل) والحال المرتحل هو المؤمن الذي يقرأ القرآن ويختمه ويبدأ من جديد، هذا هو الحال المرتحل، أي: أنه يقرن آخر القرآن بأوله، وأيضاً ورد أن الدعاء عند ختم القرآن فيه دعوة مستجابة، فالإنسان إذا ختم القرآن ودعا ربه سبحانه وتعالى فلعل الله سبحانه وتعالى أن يفتح له ويستجيب دعاءه.

    كيفية قضاء الوقت في رمضان

    السؤال: أرشدوني جزاكم الله خيراً إلى برنامج إيماني أقضي به وقتي في رمضان، علماً بأني عاقد العزم على تعديل حالي إلى الأفضل، وسأجعل بدايتي من رمضان إن شاء الله، فبماذا تنصحوني؟ الجواب: أولاً: أنصحك بأن تبدأ من الآن وليس من رمضان، فابدأ من الآن يا أخي! وإذا رجعت الآن فاقرأ قليلاً من القرآن، وعود نفسك على القرآن. أما برنامجك في رمضان فيا أخي! حاول أن يكون لك إخوة زملاء، أو جيران مسجد من الأخيار، حتى تكون معهم، وحبذا لو رتبت معهم برنامجاً في وقت تأنس بهم، ويأنسون بك، وتجعلون لكم وقتاً لقراءة القرآن، ووقتاً لشيء من مدارسة تفسير القرآن، ووقتاً آخر أيضاً لمدارسة شيء من العلم إذا أمكن ذلك، فضع لك برنامجاً في قضاء وقتك، واجعل الجزء الأكبر في تلاوة القرآن، وإذا حدث عند الإنسان نوع ملل فيجعل جزءاً من وقته في مدارسة شيء من العلم ومدارسة السنة والأحكام الفقهية.

    أهمية مجاهدة وساوس الشيطان

    السؤال: إني -ولله الحمد- جيد الصوت في قراءة القرآن، وأجيد أحكام التجويد، ولكني إذا قدمت للإمامة أخاف المدح والرياء، ولكنني أدفع هذه الوساوس وأحاول أن أجعل من حسن صوتي دعوة، فهل تضرني هذه الوساوس، أو أمتنع عن الإمامة؟ الجواب: بل عليك أن تراغم شيطانك الذي يأتي بهذه الوساوس، وتستمر في قراءة القرآن، واطلب ربك، وادع الله سبحانه وتعالى أن يحميك من هذه الوساوس، واستمر في القراءة، وراغم الشيطان، وراقب قلبك، واسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلك من عباد الله المتقين، وأن يجعل حفظك للقرآن وتلاوتك له في ميزان حسناتك يوم أن تلقى ربك. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا في شهر رمضان الكريم من المقبولين، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان. اللهم اجعلنا يا إلهنا! ممن صامه إيماناً واحتساباً، اللهم اجعلنا ممن قام لياليه إيماناً واحتساباً، اللهم اجعلنا ممن وفق لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً. اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من عتقائك من النار. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب همومنا وغمومنا، وجلاء أحزاننا. اللهم اجعله سائقنا ووالدينا إلى جناتك جنات النعيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768239127