إسلام ويب

أصول أهل السنة والجماعة - عقيدتنا في القضاء والقدرللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان العبد إلا به، واعتقاد أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر اعتقاد وسط ينجو المرء به من البدع والضلالات، فالعبد له إرادة ومشيئة مندرجة تحت إرادة الله ومشيئته، دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين، وبذلك يتميز أهل السنة والجماعة عن الفرق الضالة كالجبرية الذين نفوا عن العبد الاختيار مطلقاً، أو القدرية الذين أنكروا القدر مطلقاً.

    1.   

    وسطية أهل السنة والجماعة في الاعتقاد في القضاء والقدر

    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ما زال الكلام موصولاً عن وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الأمة، وتناولنا طرفاً من هذه الوسطية في الخطب الماضية، واليوم بمشيئة الله تعالى موعدنا مع وسطية أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بأفعال الله عز وجل، وهو المعروف في لسان الشرع بالقدر، والقدر غالت فيه فرق، كما فرطت فيه فرق، فبعضهم آمن بالقدر، لكنه غالى فيه أيما غلو، حتى نفى الإرادة والمشيئة التي أثبتها الله تعالى لعبده. فقال: العبد مجبور مقهور على أفعاله لا علاقة له بها، وهؤلاء يلزمهم أن يقولوا: إذا كان هذا العبد مقهوراً على فعله، فمن الظلم البين أن يحاسبه الله عز وجل على أفعاله؛ لأن الفاعل الحقيقي هو الله عز وجل، فلم يعذبهم إذاً؟ هذه نتيجة لابد من الوصول إليها مع أصحاب هذا المذهب، وهؤلاء هم المعروفون بالجبرية، قالوا: العبد مجبور على أفعاله ولا علاقة له بما يتعاطاه من أعمال وأفعال.

    وعلى الطرف المقابل فريق هم أضل من هؤلاء أسماهم العلماء بالقدرية، هؤلاء قالوا: لا علاقة ألبتة لله عز وجل بفعل العبد، فالعبد مخير اختياراً مطلقاً في أفعاله، ولا علاقة لله عز وجل من جهة المشيئة ولا الإرادة بفعل هذا العبد! ولذلك هؤلاء يلزمهم أن يقولوا -بل هم قد قالوا حقاً-: إن الله عز وجل لا يعلم أفعال العباد إلا بعد أن تكون! فنفوا عن الله عز وجل صفة من صفاته الأزلية، وهي صفة العلم، وصفة الإرادة والمشيئة كذلك.

    أما أهل السنة والجماعة فهم وسط بين الفريقين، حيث قالوا: العبد له إرادة ومشيئة والله عز وجل له إرادة ومشيئة، ومشيئة العبد وإرادته مندرجة تحت مشيئة الله عز وجل، مستشهدين في ذلك بآيات من كتاب الله عز وجل، وبأحاديث من سنة النبي عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، فأثبت الله تعالى في هذه الآية مشيئة للعبد ومشيئة له سبحانه وتعالى، لكن مشيئة العبد مندرجة تحت مشيئة الله عز وجل، وأن الله تعالى هو الذي خلق في العبد القوة والإرادة والمشيئة، فالعبد أحياناً يقوى على الشيء لكنه لا يريده، كما أنه يريد الشيء أحياناً لكنه لا يقوى عليه، حتى يخلق الله عز وجل فيه الإرادة والقوة والمشيئة، فإذا توفر ذلك في العبد -أي: خلق ذلك كله في العبد- أراد العبد الشيء بإرادة الله، وباشر العمل بخلق الله عز وجل.

    فالأعمال كلها مخلوقة لله عز وجل، والإرادة من الأعمال، والقوة من الأعمال، والمشيئة من الأعمال، فالأعمال كلها مخلوقة لله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى خالق كل صانع وصنعته)، فهذا باب عظيم جداً من أبواب الإيمان ثبتت فيه أقدام أهل السنة والجماعة، وزلت فيه أقدام أهل البدع والضلالة، فمنهم من غالى أيما غلو في إثبات مشيئة العبد على فعله، ومنهم من نفى مشيئة العبد مطلقاً، ولكن أهل السنة والجماعة توسطوا بين هؤلاء وبين هؤلاء.

    1.   

    أهمية الإيمان بالقدر

    الإيمان القدر من واجبات الإسلام، بل هو من أوجب واجبات الإيمان بعد الإيمان بالله ورسوله؛ ولذلك لما أتى جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام يسأله عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر)، أفرد هذا بجملة مستأنفة. قال: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)، أي: أن يؤمن العبد أن الخير من عند الله، وأن الشر كذلك من عند الله عز وجل.

    لكن لنا وقفة مع قولنا: والشر من عند الله عز وجل؛ لأن هذا أمر مشكل، خاصة مع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (والشر ليس إليك)، وفي هذا بيان أن الشر المحض الذي لا خير فيه لا يكون من فعل الله عز وجل، ولا من قدره، إنما هو من مقدورات الله عز وجل، فهنا فرق بين القدر والمقدور، فالقدر كله خير، والله عز وجل شاء وقوع الزنا وشرب الخمر والقتل وغير ذلك من سائر المعاصي والمنكرات والذنوب، وإن كان الله تعالى لا يحب ذلك ولا يرضاه لعباده، بل نهاهم عنه، وأمرهم بالخير والطاعة والمعروف، ولكن كثيراً من العباد تنكبوا طريق الطاعة، ووقعوا في طريق المعصية التي نهاهم عنها الله عز وجل، لكن السؤال الآن: هل يكون في كون الله عز وجل غير ما أراد وغير ما شاء، وهل يقع فعل في الكون رغماً عن الله عز وجل؟! الجواب: لا. فالإرادة لنا معها كذلك موقف.

    وقبل أن نبدأ في بيان هذا الأمر الخطير، نقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر)، وأمرنا النبي عليه الصلاة والسلام كما أمر أصحابه الكرام أننا إذا ذكر القدر نمسك عنه، وألا نخوض فيه، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يؤمنون حق الإيمان أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله تعالى خلق بقدرته كل شيء؛ الخير والشر، وإبليس الذي هو رأس الشر الله عز وجل هو الذي خلقه، بل إبليس عليه لعنة الله يعلم أن الهداية والضلال وأن الغواية والهدى وأن الخير والشر وأن الطاعة والمعصية وأن المعروف والمنكر كل ذلك بيد الله عز وجل، إن شاء أذن في وقوعه، وإن شاء رفعه فلم يقع.

    فإبليس هو الذي قال: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر:39]، فهو يؤمن إيماناً جازماً أن الغواية بيد الله عز وجل، والغواية ضد الهداية، وإبليس يؤمن أن الغواية والضلال والانحراف بيد الله عز وجل، لكن هذا أمر عظيم جداً ينبغي أن يضع المرء قلبه على كل حرف يخرج في هذا الباب، وإلا فحرف واحد يخرج المرء من الهداية إلى الضلال؛ ولذلك قال علماؤنا: القدر هو تقدير الله عز وجل للأفعال، فالقدر هو التقدير كما في قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، وقال الله تعالى: فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:23]، أما القضاء فهو الحكم، ولذلك يقول أهل العلم: القضاء والقدر كالإيمان والإسلام، إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا؛ فإذا ذكر القدر كان معه القضاء، وإذا ذكر القضاء فحسب كان معه القدر، وإذا ذكر كل منهما في نص واحد فيكون للقدر معنى وللقضاء معنى آخر، فالتقدير: هو ما قدره الله عز وجل في الأزل أن يكون في قلبك، أي: ما علم الله عز وجل أن العباد له فاعلون وإليه صائرون، فلما علم الله عز وجل ذلك من عباده قبل أن يخلقهم كتبه، بمعنى: قدره، بمعنى: أن ذلك مقدور في أفعالهم وأنهم لا محالة فاعلون ذلك باختيارهم، وبإرادة الله عز وجل ومشيئته أن تقع أفعالهم مخلوقة له سبحانه وتعالى.

    والإيمان بالقدر من أوجب الواجبات، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة، بل هو أهمها بعد الإيمان بالله ورسوله.

    1.   

    فوائد الإيمان بالقدر

    من فوائده الإيمان بالقدر: أنه من تمام الإيمان ولا يتم الإيمان إلا به.

    ومن فوائده كذلك: أنه من تمام الإيمان بالربوبية، وهي من خصائص الله عز وجل، أن الله تعالى إله واحد لا رب سواه؛ لأن قدر الله تعالى من أفعاله، وأفعال الله تعالى في سلطان ربوبيته، وإذا آمن الإنسان بالقدر رد أموره كلها إلى ربه؛ لأنه إذا علم أن كل شيء بقضاء الله تعالى وقدره فإنه سيرجع إلى الله تعالى في كل شيء من حياته؛ ليدفع الضراء ويرفعها، ويجلب السراء ويعرف أنها من فضل الله عز وجل.

    الفائدة الرابعة من فوائد الإيمان بالقدر: أن الإنسان يعرف قدر نفسه، ولا يفخر إذا فعل الخير؛ لعلمه أن الله تعالى هو الذي وفقه إلى فعل الخير، فيكون المتفضل والمنعم على الحقيقة بهذه الطاعة أو بهذه النعمة أو بهذا الإحسان هو الله عز وجل.

    الفائدة الخامسة: إذا آمن المرء بقضاء الله وقدره هانت عليه المصائب التي تنزل عليه؛ لعلمه أن ذلك من عند الله، وأنه ما من مصيبة ولا ألم ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها ابن آدم -أي: المسلم- إلا كفر الله عز وجل عنه بها خطاياه، كما قال الله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]، أي: ومن يؤمن أن كل شيء من عند الله هدأ قلبه واطمأن، فيرضى ويسلم.

    سادساً: إضافة النعم إلى مسديها، وكثير من الناس يغلط في ذلك غلطاً فاحشاً، إذا أسدى إليك إنسان معروفاً نسبت الفضل إليه هو، مع أن المتفضل بهذا المعروف وهذا الإحسان هو الله عز وجل، وهذا العبد سبب جعله الله عز وجل في عباده لمباشرة الإحسان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)، فالرازق الحقيقي هو الله عز وجل، وجريان الرزق على يد فلان ما هو إلا سبب من الأسباب الشرعية التي هيأها الله عز وجل في الكون.

    سابعاً: أن الإنسان يعرف بالإيمان بالقدر حكمة الله عز وجل؛ لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث فيه من تغييرات باهرة عرف حكمة الله عز وجل، بخلاف من نسي القضاء والقدر، فإنه لا يستفيد هذه الفائدة.

    1.   

    الشر المحض لا ينسب إلى الله عز وجل

    إن القدر منه ما هو خير، ومنه ما هو شر، ويجب الإيمان بالقدر بنوعيه.

    أما قوله عليه الصلاة والسلام: (والشر ليس إليه) أي: ليس إلى الله عز وجل، هذا باعتبار المقدور لا باعتبار القدر، فالشر في القدر ليس باعتبار تقدير الله عز وجل له، لكن باعتبار المقدور، فلدينا قدر ولدينا مقدور، كما أن هناك خلقاً ومخلوقاً وإرادة ومراداً، فاعتبار تقدير الله عز وجل لهذا الفعل ليس شراً محضاً، وكل ما يراه الناس شراً ففيه وجه من وجوه الخير، أنت تتعاطى الدواء المر وهو بالنسبة لك شر، ومع هذا تتعاطاه لأنك تعلم أن هذا الدواء سبب للشفاء، فأنت تسلك الشفاء وإن كان الطريق إليه مراً، الله عز وجل أذن في وقوع الزنا مع أنه قد نهى عنه، وبين في كتابه كما بين رسوله في سنته أنه لا يحب ذلك ولا يرضاه: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7]، وأذن في وقوعه لحكمة عظيمة جداً.

    إذاً: كل أمر في الكون من خير أو شر بحكمة الله عز وجل، فمن الحكم ما أطلعنا الله عز وجل عليها، ومن الحكم ما استأثر بها في علم الغيب عنده، فلو أننا أخذنا مثالاً كالقتل فإنه بالنسبة إلى الناظر شر محض مع أنه ليس كذلك، فالقتل يكفر الله عز وجل به ذنوب المقتول، كما أن القاتل لو تاب من فعلته تاب الله عز وجل عليه، فاستشعر رحمة الله، وإذا أقيم عليه الحد على ملأ من الناس كان هذا جديراً بأن يفكر كل إنسان أنه لو فعل فِعل فلان لفعل به مثلما نزل به من العذاب وإقامة الحد، فكان هذا أعظم رادع لكل من سولت له نفسه أن يرتكب ما يستوجب حداً من حدود الله عز وجل، فالزاني يفكر في العقوبة قبل أن يفكر في الزنا، والقاتل يفكر في العقوبة قبل أن يفكر في القتل، وشارب الخمر يفكر في العقوبة قبل أن يفكر في الشرب.. وهكذا في سائر المعاصي والذنوب.

    ولذلك لما ارتفعت الحدود هاجت البشرية في أوحال المعصية، فلا تكاد تجد إنساناً يعرف المعروف أو ينكر المنكر؛ لأنه اطمأن جانب العقوبة، فانطلق في أوحال المعصية وهو مطمئن أنه لا عقاب يقع عليه من أحد، فلما كان الأمر كذلك وارتفع شرع الله عز وجل من قلوب الخلق استحقوا الذل والمهانة على أيدي شر الخليقة وهم اليهود، الذين يسومون المسلمين بالليل والنهار سوء العذاب وسوء الأدب، وأنزلوا بهم النكال، والبعض يقول: لا نكال ولا عذاب ولا إهانة، فهذا شر ممن يعلم يقيناً أن النكال والخسف واقعان في الأمة، فهذا مسخ قلبه تماماً، وشر البلية أنه لا يعلم ذلك، وهذا أيضاً من قدر الله عز وجل، ومن سننه الكونية في الخلق أنهم إذا فرطوا في شرعه واستغنوا عن الله عز وجل جعلت أمور المسلمين ومقاليدهم وزمامهم بيد غير الله عز وجل، فيلهثون خلفهم بالليل والنهار طلباً للمصلحة ودفعاً للمضرة، مع أن الذي يملك ذلك هو الله عز وجل وحده، فهذا باب عظيم من أبواب القدر.

    أيها السياسيون! تقولون: لو رفعت راية الجهاد ضد اليهود فإننا مغلوبون مقهورون لا محالة! هذا سوء ظن بالله عز وجل، الله عز وجل وعد عباده الصالحين بالنصر والتمكين في الأرض، وذلك إن حققوا شرط الصلاح، وحققوا شرط التقوى.

    فبدلاً من أن ندندن أن المعركة لصالح اليهود، والكرة على المسلمين ينبغي -بل يجب علينا وجوباً شرعياً أكيداً- أن نشغل أنفسنا بأسباب الهزيمة النفسية، وأن نوقن أن النصر والتمكين لا محالة إنما يكون للمسلمين الصالحين القانتين المؤمنين الموحدين، فنشغل أنفسنا بما أوجب الله عز وجل علينا. قال الله عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41]، فبين الله عز وجل أن الفساد واقع والذي يباشره هم العباد، هم الذين يفسدون في الأرض والبر والبحر والجو، وأن ذلك لا يكون إلا بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية، ومع ذلك فإن لظهور هذا الفساد حكمة عظيمة: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ، ليكفر عنهم بعض ما ارتكبوا من ذنوب وآثام.

    1.   

    مراتب الإيمان بالقدر

    والإيمان بالقدر خيره وشره واجب على كل مسلم، لكن بيت القصيد وهو الذي كان سبباً في انزلاق أقدام كثير من أهل العلم، أنهم نظروا إلى القدر نظرة عمياء، لكن أهل السنة نظروا إلى القدر نظرة شمولية فعرفوا أن للقدر مراتب أربع:

    العلم الأولي الأزلي لله عز وجل

    المرتبة الأولى: مرتبة العلم، أي: إثبات العلم الأولي الأزلي لله عز وجل، تظاهرت على ذلك الأدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر لا يخفى على أحد، ومنكر ذلك كافر خارج عن ملة الإسلام؛ لأن الله عز وجل أثبت العلم لنفسه في غيرما آية، فالله عز وجل على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، وأحاط بكل شيء علماً، قال الله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59]، وقال: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، وقال الله تعالى: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32]، وقال تعالى: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر:7].. وغير ذلك من الآيات كثير، ومن الأحاديث كثير وكثير في إثبات علم الله عز وجل.

    فلا يحل لأحد أن ينفي علم الله عز وجل عنه، فالعلم الأزلي هو أن الله تعالى علم قبل أن يخلق الخلق ما هم عاملون وما هم إليه صائرون؛ ولذلك قال حميد بن عبد الرحمن الحميري : حججت أنا وصاحب لي، فلما قدمنا المدينة سألنا عبد الله بن عمر قلنا: يا أبا عبد الرحمن ! إنه قد ظهر قبلنا بالعراق أو بالبصرة أناس يتقفرون العلم -وفي رواية يتفقرون العلم- يترفعون فيه ويطلبون دقائق المسائل منه، يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، أي: مستأنف. وهذا يعني: أن الله لا يعلم الفعل إلا بعد أن يقع، أما قبل وقوعه فإن الله لا يعلمه، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أوقد فعلوها؟ إذا لقيتهم فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني.

    قال الإمام النووي : وهذا يعني: أنهم كفار؛ لأنهم أنكروا ما هو معلوم من دين الله عز وجل ومن صفات الله وأسمائه بالضرورة، ومن أنكر شيئاً ثابتاً معلوماً من الدين بالضرورة فإنه كافر بالله العظيم، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام أو في بلد ليس يدار فيه العلم بالليل والنهار، أو ليس بإمكانه أن يطلبه، فإذا أنكر المرء معلوماً من الدين بالضرورة أو ما هو واجب لله تعالى ولا يخفى على صبيان المسلمين فإنه يكفر بذلك ويخرج عن ملة الإسلام.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذه المرتبة والمرتبة التي تليها -وهي مرتبة كتابة مقادير الخلائق- من أنكرهما كفر. قال: وقد انقرض هؤلاء، فلم يبق إلا من ينازع في بقية مراتب القدر، أما هاتان المرتبتان -وهما العلم والكتابة- فقد هلك من كان ينكرهما مع الهالكين في أول الزمن، والعجيب أننا نرى في هذا الزمان من يتبجح بإنكار العلم والكتابة مع انتشار وذيوع الأدلة في الكتاب والسنة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    فهذه المرتبة أعظم مراتب القدر، مرتبة أن الله عز وجل علم كل شيء قبل أن يخلق الخلق، وعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، فعلم الله عز وجل العبد وعمله، وكيف يعمله، ومتى يعمله.

    سئل علي بن أبي طالب عن القدر ما هو؟ قال: انظر إلى هذه. فنظر إلى السبابة أو الوسطى أو الإبهام فأدخلها في لسانه وبلها من ريقه، ثم طبع بها في كفه اليسرى وقال: أؤمن أن الله تعالى علم أزلاً أن علي بن أبي طالب سيفعل هذا في هذا التوقيت وبهذه الكيفية.

    انظروا إلى إيمان الصحابة بأن الله تعالى علم كل شيء كان وسيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون سبحانه وتعالى.

    فالكتاب والسنة والعقل تدل على أن الله تعالى عالم بما الخلق عاملون بعلم أزلي، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وهو سبحانه وتعالى الموصوف بالعلم أزلاً وأبداً، أزلاً احترازاً من الجهل، وأبداً احترازاً من النسيان؛ ولذلك أنت موصوف بالعلم، لكن ليس أزلاً ولا أبداً؛ لأنك قبل أن تكون عالماً كنت جاهلاً، وبعد أن صرت عالماً سيذهب هذا العلم منك لكبر السن، أو بالنسيان، أو ضعف العقل، أو آفة تطرأ على عقلك.

    فالله عز وجل متصف بصفات الكمال والجلال، خلافاً لك يا ابن آدم! فأنت متصف بصفات العجز والنقص، فإن كنت لست تعلم فالله عز وجل يعلم، وشتان بين علمك وعلم الله عز وجل، فعلم الله تعالى أزلي أبدي، وأنت لست كذلك.

    علم الله تعالى جميع أحوال عباده من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، كما قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود : (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك بكتب أربع؛ بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد)، أمر الله تعالى الذي ملك الأرحام أن يكتب هذا والطفل لا يزال في مراحله الأولى، أليس الله عز وجل هو اللطيف الخبير؟ بلى، لابد أن نسلم أن الذي يكتب هذا ويعلم أن هذا العبد يرزق بكذا وأجله كذا، وهو من أهل الجنة أو من أهل النار، ومن أهل الشقاء أو السعادة، هو العليم الخبير سبحانه وتعالى، فنثبت له ذلك، فالله عالم بذلك قبل أن يخلق الإنسان.

    فطاعاتنا معلومة لله، ومعاصينا معلومة لله، وأرزاقنا معلومة لله، وآجالنا معلومة لله، فإذا مات الإنسان بسبب معلوم أو بغير سبب معلوم، فإنه معلوم لله، لكنه يخفى على بني آدم للفارق بين علم الله الأزلي الأبدي وبين علم المخلوق.

    كتابة مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة

    المرتبة الثانية من مراتب القدر: هي مرتبة كتابة علم الله عز وجل، فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ولا نقول: قبل أن يخلق بني آدم أو الطير أو البهائم أو الحيوانات أو الوحوش أو السباع، بل قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فهذا شيء عظيم وهائل جداً يجعل المرء يهدأ ويطمئن قلبه تماماً إذا علم أن كل شيء بقدر، وأن الله تعالى هو الذي بيده الضر والنفع وأنه كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ الذي لا يقبل محواً.

    والكتاب كتابان كما قال ابن عباس : كتاب يقبل المحو والإثبات، وهذه الكتب هي التي في يد الملائكة الحفظة الكتبة، يمحو الله تعالى فيها ما يشاء ويثبت بأمره ونهيه، أما اللوح المحفوظ فإن الله تعالى كتبه كتابة لا تقبل المحو؛ ولذلك قال الله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، أي: اللوح المحفوظ الذي لا يقبل محواً ولا إثباتاً بعد أن كتبه الله عز وجل. ولذلك قال شيخ الإسلام: إن المكتوب في اللوح المحفوظ لا يتغير أبداً، والتغيير إنما يكون في الكتب التي بأيدي الملائكة، فأول ما خلق الله تعالى قلم القدرة فقال الله عز وجل له: اكتب، قال: وما أكتب؟ -جعل الله عز وجل للقلم إدراكاً وعقلاً يفهم الخطاب، ففهم القلم الخطاب الموجه إليه، ولكنه خفي عليه نوع الكتابة، فسأل عن النوعية ولم يسأل عن أصل الكتابة- قال القلم: وما أكتب؟ قال الله عز وجل: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.

    ولا تتعجب من هذا الحوار بين القلم المخلوق وبين خالقه سبحانه وتعالى، فإن الجمادات بالنسبة إلى الله تعالى يركب فيها العقل ويخاطبها، كما قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11]، وقال الله تعالى للنار: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] فكانت كذلك، وقال الله تعالى: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سبأ:10] فأوبت معه.

    والحاصل: أن الله تعالى أمر القلم أن يكتب فانفتل القلم وكتب كل شيء إلى يوم القيامة، فما من حركة ولا سكنة لخلق الله عز وجل قاطبة إلا وكتبها القلم في اللوح المحفوظ، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فإذا آمنت بهذا اطمأننت.

    قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جفت الأقلام وطويت الصحف) أي: جفت الأقلام بما أمر الله عز وجل من كتابة مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ، وطويت الصحف فلا محو فيها ولا إثبات -أي: اللوح المحفوظ- خلافاً لما بأيدي الملائكة من الكتب التي تقبل المحو والإثبات.

    وقال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج:70] أي: في اللوح المحفوظ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، أي: كتابة ذلك على الله أمر يسير؛ لأن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

    وقال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ [الحديد:22] أي: ما وقعت مصيبة في الأرض: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] أي: من قبل أن نخلقها: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسلم من حديث عبد الله بن عمرو : (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه وتعالى يقع في مواضع جملة وتفصيلاً كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله.

    والكتابة مراتب، فمنها كتابة ما قبل القبضتين، فالله عز وجل قبل أن يخلق آدم قبض قبضتين فقال: هؤلاء في النار ولا أبالي، وهؤلاء في الجنة ولا أبالي، فهؤلاء مكتوبون أنهم من أهل الشقاء، وأن هؤلاء من أهل السعادة.

    وهناك كتابة كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين عند نفخ الروح، ولا يزال الجنين في بطن أمه.

    وهناك كذلك كتابة حولية، أي: على رأس كل عام كما قال الله عز وجل: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:4-5].

    وهناك تقدير يومي، كما قال الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29].

    فهذه أنواع الكتابة، كتابة القبضتين، وكتابة في علم الأجنة، وكتابة عند نفخ الروح، وكتابة سنوية، وكتابة يومية، وقيل غير ذلك من الكتابات.

    فهذا التقدير الذي هو العلم والكتابة -وهما المرتبتان العظميان في مسألة القدر- وجب الإيمان بهما، ومن أنكرهما كفر بالله عز وجل.

    إثبات مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة

    أما المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقدر فهي: مرتبة إثبات مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، لكنك لابد أن تعلم أن مشيئة الله وإرادته منها ما هو كوني قدري، ومنها ما هو شرعي ديني، وهذا بيت القصيد في هذه المرتبة، ومن خفي عليه هذا التقدير لإرادة الله خفي عليه القدر كله؛ ولذلك صنف علماء السنة الإرادة إلى إرادتين: إرادة كونية قدرية، أي: تقع في الكون بقدرة الله عز وجل.

    أما الإرادة الشرعية الدينية فهي الأوامر التي أمر الله بها عباده، من الطاعات والإيمان.. وغير ذلك من سائر ما يحبه الله عز وجل ويرضاه، وليس بلازم أن يقع، خلافاً للإرادة الكونية القدرية التي لابد أن تقع على مراد الله تعالى ومشيئته الكونية القدرية، أما المشيئة الشرعية الدينية كالصلاة فإن الله تعالى أحب الصلاة وأمر بها، وكذلك سائر الطاعات، لكن لا يلزم من ذلك الوقوع؛ ولذلك أمر الله تعالى بالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر الطاعات، ونجد في المسلمين من لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يحج مع القدرة، ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، فالإرادة الشرعية الدينية مبناها على المحبة والرضا، لكن لا يلزم منها الوقوع.

    والإرادة الكونية القدرية ليس مبناها المحبة، وإنما مبناها وقوع الفعل على مراد الله، والفعل منه ما يقع على مراده تعالى إرادة شرعية وكونية قدرية كالطاعة، ومنها ما يقع من معاص في الكون فذلك على مراد الله عز وجل الكوني القدري، وليس يعني (على مراد الله): أن الله يحب ذلك أبداً، أو أن الله تعالى رخص للعباد أن يقعوا في هذه الذنوب والمعاصي، وإنما لا يقع في كون الله إلا ما أذن الله تعالى فيه؛ لحكمة عظيمة كما قلنا آنفاً؛ ولذلك قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر:44]، وقال الله تعالى: فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً [هود:118]، وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ [البقرة:253]، فوقوع الإيمان في الكون إرادة شرعية، ووقوع الكفر في الكون إرادة كونية قدرية. قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا [البقرة:253]، وقال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30].

    قال العلماء: لا يكون في ملك الله إلا ما أراد وقدر، أي: إرادة كونية قدرية، لا إرادة شرعية؛ ولذلك قد ورد في الإرادة الكونية التي هي بمعنى المشيئة قول الله عز وجل على لسان نوح: وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [هود:34]، فأثبت أن الغواية بيد الله عز وجل، وقال الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله عز وجل لهم).

    أما الإرادة الشرعية التي بمعنى المحبة فقول الله عز وجل: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27]، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185]، فهذه إرادة شرعية دينية؛ لأن مبناها على المحبة، فالله تعالى يحب اليسر، ويحب أن يتوب على عباده، فهذا فارق بين الإرادة الكونية القدرية، والإرادة الشرعية الدينية.

    ورب قائل يقول: هل المعاصي يريدها الله عز وجل؟ نقول: نعم. لكن ليست إرادة شرعية دينية؛ لأنه لم يأمر بها، بل نهى عنها سبحانه وتعالى، إلا أنه أذن في وقوعها لحكمة، فكل شيء الله قادر عليه وجوداً وإعداماً، فإن الله تعالى على كل شيء قدير، أثبت لنفسه القدرة والمشيئة، وأثبت كذلك للعبد القدرة والمشيئة، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله تعالى هو خالقه، فلا خالق غيره ولا رب سواه.

    خلق الله عز وجل لأفعال العباد

    المرتبة الرابعة: خلق الله عز وجل لأفعال العباد، فالله عز وجل خالق كل صانع وصنعته، ولا يستطيع الصانع أن يصنع شيئاً إلا إذا أراد الله عز وجل إيجاد هذا الشيء، فقال: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36]، وقال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الحج:73] أمرنا بأن نستمع لهذه الأمثلة ففيها العظة والعبرة: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج:73]، هؤلاء الآلهة -بوذا وغيرها من الأصنام والمعبودات الباطلة- لو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابة واحدة لا يقدرون على ذلك؛ فضلاً أن يملكوا الضر والنفع لعابديهم؛ ولذلك قال الله عز وجل: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73]، لو أن ذبابة حطت على رأس صنم وأخذت منه شيئاً لا يستطيع هذا الصنم أن يأخذ من الذباب ما قد سلبه منه، فكيف يملك هذا الإله النفع والضر لغيره إذا كان لا يملكه لنفسه؟

    مثل عظيم جداً، قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ أي: تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ، وإذا كانت عاجزة عن الدفع عن نفسها؛ فمن باب أولى أن تكون عاجزة عن الدفع عن غيرها.

    وقال الله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2].. والآيات في ذلك كثيرة، وقال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فأنت وعملك مخلوق لله عز وجل، عملك من خير وشر، من طاعة ومعصية لله عز وجل مخلوق، الله تعالى هو الذي أذن في خلقه، وأراده إذا كان طاعة إرادة شرعية، وإذا كان معصية أراده إرادة كونية قدرية على النحو الذي ذكرنا آنفاً، ومع ذلك فإن الله تعالى أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وأمره بذلك يمكن، فالمأمور مخلوق لله عز وجل، وفعله كذلك مخلوق، ومع ذلك يأمر وينهى.

    وقال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال: لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأنعام:152]، والله تعالى يحب المتقين المحسنين والمخلصين كما قال: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، وانظر إلى الطاعات واقعة في دائرة المحبة، والمعاصي واقعة في دائرة البغض والكره: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:7]، وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، ويرضى الله عز وجل عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين كما لا يحب الفسق، ويرضى الله عن الذين آمنوا كما قال: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [التوبة:100]، والرضا من محبة الله عز وجل، وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [البينة:7-8].

    أما الكفر فقال الله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32]، والله تعالى لا يرضى عن القوم الفاسقين، كما قال: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [التوبة:96]، وقال تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة:18-20].

    لو أن حكومة أعلنت عن وظيفتين إحداهما: بألف جنيه في الشهر، والأخرى بمائة جنيه في الشهر، فإلام تصبو نفسك؟ لابد أنها تصبو للراتب الأكبر، وهذا يدل على أنك مميز تعقل ما ينفعك وما هو داخل في مصلحتك، وإذا كان الذاهب إلى مكة لزاماً عليه أن يسلك أحد طريقين: أحدهما معبد ممهد، والآخر قد امتلأ بالشوك، فأي طريق تسلك أنت؟ لابد أنك ستسلك المعبد الممهد.

    وغير ذلك أيها الإخوة الكرام! مما يدل على أن العبد مختار لفعله، وأن العبد ليس مسيراً ولا مجبوراً على فعله، كما أنه كذلك لا يحل لأحد أن يحتج على المعصية بقدر الله عز وجل، قد نسأل كثيراً من الناس: لم لا تصلي؟ يقول: لم يرد الله بعد. نقول: الله تعالى أراد منك، بل أمرك أمراً جازماً ورتب على ذلك الكفر والعذاب لمن تنكب الطريق، ويقول: ادع لي أن الله يهديني، نقول: الله كتب الهداية وأحبها لك، بدليل أنك تعلم أن الهداية خير لك من الضلال وأنت تطلبها، بل تطلب من الآخرين أن يدعوا لك بالهداية، فإذا كنت تعلم طريق الهداية وأسباب الهداية فلم لا تسلكها؟ وهذا كما لو كنت تعلم أمراً في مصلحتك الدنيوية فأنت تسلكه، وتأبى أن تسلك غيره.

    فلا يجوز الاحتجاج بقدر الله على المعصية؛ لأن كل عبد ميسر لما خلق له، ولذلك سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أرأيت ما نعمل، أفي شيء فرغ منه، أم في شيء بعد باق؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: بل في شيء فرغ منه، -يعني: أن الله تعالى فرغ من كتابته-، فقالوا: يا رسول الله! ففيم العمل إذاً؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، إذا كنت من أهل الطاعة فإن الله تعالى يوصلك لعمل أهل الطاعة، ثم يجازيك بجنة عرضها السماوات والأرض، وإذا كنت من أهل المعصية علم ذلك الله تعالى أزلاً، فإن الله يوصلك إلى فعل المعصية، والسؤال للعبد الذي يقع في معصية الله بالليل والنهار ويحتج بالقدر. نقول له: هل أطلعك الله تعالى على علمه الأزلي السابق أنك من أهل النار؟ الجواب: لا.

    إذاً: لابد أن تعبد الله تعالى بالخوف والرجاء، بالخوف من ناره وعذابه وعقابه، وبالرجاء في جنته ورحمته، ولا يكون ذلك إلا بالعمل الصالح.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله على نبينا محمد.

    1.   

    الكتاب والسنة والإجماع على أن الله خلق أفعال العباد

    الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أجمع علماء الأمة من الصحابة والتابعين والتابعين لهم بإحسان أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل، طاعاتها ومعاصيها.

    فعن طاوس قال: أدركت ثلاثمائة من الصحابة رضي الله عنهم كلهم يقول: كل شيء بقدر، والله تعالى يقول: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله خالق كل صانع وصنعته).

    وعن ابن عباس في قول الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، قال: هم الذين يقولون: إن الله على كل شيء قدير.

    وسئل أحمد بن حنبل عن القدر ما هو؟ قال: هو قدرة الله عز وجل. هل لها منتهى؟ الجواب: لا، لا منتهى لقدرة الله عز وجل.

    وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال: (جاء مشركو مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينازعونه في القدر، فنزلت هذه الآية: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:47-49]).

    وأوصى السلف رضي الله عنهم بترك عيادة مرضى القدرية، وترك الصلاة على موتاهم، وعدم رد السلام عليهم.

    وفي قول الله عز وجل: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] سمع ابن عباس رضي الله عنهما رجلاً يقول: الشر ليس بقدر، فقال: بيننا وبين أهل القدر قول الله عز وجل: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا [الأنعام:148]، حتى بلغ قوله تعالى: فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، هذا يدل على أن الهداية والضلال بيد الله عز وجل.

    قال ابن عباس : حتى العجز والكيس. حتى النشاط والهمة والفتور والعجز بيد الله عز وجل، وبقدر الله عز وجل، وهذا قد رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً رضي الله عنهما.

    وفي قول الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، الله عز وجل يبتلي عباده بالشر فتنة لهم واختباراً وامتحاناً، كما ابتلى إبراهيم بذبح ولده، وبترك زوجه وولده الرضيع في أرض قفر، وكما ابتلى موسى وآدم ومحمداً عليه الصلاة والسلام، وغير ذلك من الابتلاءات التي وقعت بخير الخليقة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أعظم الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)، وقال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29].

    قال ابن عباس في قوله: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أي: نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.

    وقال زيد بن أسلم : والله ما قالت القدرية كما قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، ولا قالت كما قالت الملائكة: لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [البقرة:32]، أي: نفوا المشيئة، فلم يبلغوا ما أمر الله عز وجل به وأخبر، وكذلك لم تقل القدرية بإثبات العلم كما قالت الملائكة، ولا قالت القدرية كما قال الأنبياء على لسان شعيب: وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا [الأعراف:89]، ولا قالت القدرية كما قال أهل النار: غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا [المؤمنون:106]، أي: بسبب أعمالنا، ولا قالت القدرية كما قال أخوهم إبليس: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر:39]، قال الشافعي : لأن يلقى الله العبد بكل شيء -وفي رواية عنه: بكل ذنب- ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه ببدعة، أو قال: ببدعة القدرية، أو قال: بشيء من هذه الأهواء.

    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: القدر طريق مظلم فلا تسلكه، وبحر عظيم فلا تلجه، وهو سر الله في خلقه فلا تكشفه.

    وقال ابن عباس : ما غلا أحد في القدر إلا خرج من الإسلام.

    وقال أيضاً: إياك والقدر فإنه يدعو إلى الزندقة.

    ولما تكلم صبيغ بن عسل في القدر، جيء به إلى عمر فلما دخل عليه، قال عمر : من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ قال عمر : وأنا عبد الله عمر بن الخطاب بلغني أنك تتكلم في القدر يا صبيغ ! وأعد له عراجين النخل وعلقه من رجله في سقف المسجد وضرب على رأسه بالعراجين والجريد، فقال صبيغ بن عسل : كفى يا أمير المؤمنين! فقد والله ذهب الذي كان في رأسي.

    نعم كم في المسلمين اليوم شر من صبيغ ، ويحتاجون إلى من هو أقوى من عمر .

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام في دعاء كثير له: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)، وقال: (اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وعافنا فيمن عافيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت) أي: شر ما قدرت، وهذا يدل على أن الشر بيد الله عز وجل وأن الله يقدره. (وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا خطب، قال: إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له)، فأثبت أن الهداية والضلال بيده سبحانه وتعالى. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء).

    وعن عطاء بن أبي رباح قال: كنت جالساً عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: يا ابن عباس ! أرأيت من صدني عن الهدى وأوردني الضلالة والردى ألا تراه قد ظلمني؟! قال ابن عباس : إن كان الهدى هو شيء لك عنده فمنعكه فقد ظلمك، وإن كان الهدى هو لله عز وجل يعطيه من يشاء فلم يظلمك، ثم أمر به فأخرج، وقال: لا تجالسوا أهل القدر، فإنهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مجوس هذه الأمة).

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وكل ذلك عندنا. اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، اللهم قنا واصرف عنا شر ما قضيت.. اللهم قنا واصرف عنا شر ما قضيت.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768236913