لم يراع دين أو نظام كرامة المرأة مثل الإسلام، فقد أعزها بعد أن كانت ذليلة، وأكرمها بعد أن كانت مهانة، ونعق الغرب -كما هي عادته- في ديار الإسلام بتحرير المرأة، وهو في الحقيقة يريد سلخها من الدين والقيم والعفة، حتى تنساق وراء شهواتهم وما يريدون، فهم في الحقيقية لا يريدون لها الخير ولا السلامة، إنما يريدون لها أن تكون دمية بأيديهم يقلبونها كما يريدون.
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
فحيا الله إخواني وأخواتي، وأسأل الله عز وجل الذي جمعني بكم على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة في جنته ودار مقامته؛ إنه وليُّ ذلك ومولاه.
أيها الأحباب! إننا نشهد اليوم هجوماً شرساً من أعداء الله على الإسلام، لا على الفرعيات والجزئيات، بل على الثوابت والأصول والكليات، ويعلنون حرباً شرسة على المرأة بدعوى أن الإسلام قد ظلمها، وهم يدعونها الآن إلى التحرر من ضوابط وقيود الإسلام، فالزوج سجان قاتل -هكذا يزعمون- والأمومة تكاثر حيواني، والبيت سجن مؤبد، والإسلام قيد حركة المرأة.. إلى آخر هذه الدعاوى.
ومن خلال هذا المنطلق فأنت ترى الآن حرباً على الإسلام؛ لأنه ظلم المرأة، ومن ثمَّ ترى دعوات بعد دعوات؛ لتتحرر المرأة ولتتفلت من هذه الضوابط، ومن هذا الدين بالكلية، فأرجو من أختي المسلمة الفاضلة أن ترجع سريعاً إلى التاريخ- وما زالت صفحات التاريخ مفتوحة-؛ لتقرأ سريعاً تاريخ المرأة عند اليهود، وتاريخ المرأة عند الهنود والإغريق، والرومان، بل لتقرأ تاريخ المرأة في الجاهلية عند العرب أصحاب الشهامة والرجولة قبل الإسلام، وستعلم يقيناً أن المرأة كانت مهانة، بل وستعلم أن العرب -أصحاب المروءة كان بعضهم يقتلها ويدفنها وهي حية خشية الفقر والعار، قال الله تعالى:
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9].
أدلة تكريم المرأة
هوان المرأة في بلاد الغرب
وهنا وقفة مع الغرب الذي يدعي الآن أنه كرم المرأة، فانظر إلى المرأة في بلاد الغرب- وأنا أخاطب كل منصف وكل منصفة- وسترى المرأة في بلاد الغرب مهانة، يتسلى ويستمتع بها وهي جميلة حسناء، ثم ترمى بعد ذلك في دور العجائز والمسنين.
ولقد رأيت ذلك بعيني عندما كنت في زيارة للمجر، ودعاني الإخوة لإلقاء خطبة الجمعة في قاعة استأجروها بالمال في (بودباست)، وأنا في الطريق إلى القاعة قبل الجمعة بساعات رأيت امرأة مجرية تجاوزت السبعين من عمرها تلاعب كلبها،ولم يلفت نظري مثل هذا؛ لأن هذا أمر متكرر! لكن الذي لفت نظري أنني دخلت وخطبت الجمعة، وألقيت درساً، وتناولت الغداء مع إخواني، وأجبت على أسئلتهم، ومكثت ما يزيد على خمس ساعات، فلما خرجت رأيت نفس المرأة جالسة تلاعب كلبها، فتعجبت وقلت للأخ المترجم معي: أريد أن أتحدث مع هذه المرأة قليلاً، وقلت له: اسألها منذ متى وهي تلاعب كلبها؟ قالت: منذ سبع ساعات. قلت: اسألها أليست عندها أسرة؟ فضحكت، وقالت: لقد تركني أولادي منذ سنوات طويلة، وأنت تعلم أن الابن والبنت بعد سن السادسة عشرة في هذه الأسر يخرج، وقالت: تركني أولادي منذ سنوات طويلة، ومات زوجي.
قلت: اسألها: لماذا تعيش؟ قالت: من أجل أن ألاعب الكلب! انظر إلى الغاية! من أجل أن تلاعب الكلب وأن تستمتع بجمال الطبيعة، فقلت: اسألها: أين أولادها؟ قالت: خرجوا، قلت: ألا يأتي الأولاد لزيارتك؟ قالت: يأتون في كل عام مرة، فيما يسمونه احتفالات عيد الميلاد. قلت: فهل أتى أولادك إليك في هذا العام؟ قالت: لا، انشغلوا بأعمالهم واتصلوا عليَّ بالتلفون. قلت: صلى الله على محمد وعلى آله الذي بين لنا أن المرأة ما كرمت إلا في دينه، وما رفع قدرها إلا في الإسلام.
وقد تتصور أخت فاضلة أن الله فرض عليها الحجاب للتشكيك في أخلاقها، أو أن الله حرم عليها الخلوة بالرجال الأجانب؛ لأننا لا نثق في عفتها، وهذا فهم مقلوب.
وأنا أسأل وأقول: لو أنك امتلكت أيها الفاضلة جوهرة ولؤلؤة، ففي أيِّ مكان ستضعين هذه الجوهرة واللؤلؤة؟ لا شك أن الأخت الفاضلة عن آمن أماكن البيت، وربما تلف هذه الجوهرة واللؤلؤة بقطعة من الحرير، ويليها قطعة من الحرير، وتضع هذه اللؤلؤة بعد ذلك في آمن الأماكن في البيت. وأقول: أنتِ عندنا أغلى من اللؤلؤة، وأنت عندنا أغلى من الجواهر.
يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يبغونها للهو واللعب
يا حرة قد أرادوا جعلها أمة غربية العقل غريبة النسب
هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب
وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب
فلا تبالي بما يلقون من شبه وعندك الشرع إن تدعيه يستجب
هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث فاكسبي خيراً أو اكتسبي
سبيل ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يحجب ولم يغب
وكنت في إحدى الزيارات في ألمانيا، فجاءت أخت ألمانية لتعلن إسلامها، فقلت: قبل أن تعلني الشهادة أيتها الفاضلة! أود أن أسألك: ما سبب إسلامك، وحالنا -نحن المسلمين- لا يسر عدواً ولا حبيباً؟
فردت عليَّ هذه الأخت رداً عجيباً جداً، فقالت: يا أخي! أنا أسلمت؛ لأن الإسلام دين العفة. فقلت: أنا أعلم أن الإسلام دين العفة، لكن ماذا تقصدين أيتها الأخت الفاضلة بأن الإسلام دين العفة؟
فقصت عليَّ أمراً عجيباً، قالت: إنها كانت في جولة في هولندا، ورأت جمعاً كبيراً جداً من الناس في ميدان عام، وسمعت ضوضاء وجلبة وصياحاً فاقتربت فرأيت في هذا الحلقة الضخمة رجلاً يزني بامرأة على مرأى ومسمع من الجميع. قالت: فاتصلت بالتلفون مباشرة على صديقة ألمانية مسلمة، وقلت لها: هل في الإسلام يفعل الرجل بالمرأة هذه الفعلة الشنعاء بهذه الصورة؟ فقالت: بل لا يجوز للزوج أن يأتي زوجته أمام ولده أو أمام ابنته، فكيف أمام الناس؟! قالت: فعلمت أن الإسلام هو دين العفة.
وفي أمريكا شرح الله صدر أخت أمريكية كنيتها أنا بـ
أم عمر، ويسر الله لها أن تزوجت أخاً مسلماً، وبعد سبعة أيام أصرت هذه الأخت الفاضلة أن أذهب إلى البيت لأتناول الغداء معها ومع زوجها، وجلست هذه الفاضلة لتسألني وأنا أجيب، فقلت لها: يا
أم عمر! أود أن أتعرف -الآن- على مشاعرك نحو الإسلام. فقالت لي: والله! يا شيخ! أود الآن أن أصرخ بأعلى صوتي؛ لأسمع كل امرأة أمريكية أنني أخيراً وجدت ديناً يحفظ للمرأة كرامتها.
فلا ينبغي أيتها الأخوات! أن نغالط أنفسنا، ويجب على الأخت الفاضلة أن ترجع إلى التاريخ لتعلم يقيناً أنها ما كرمت ولا شرفت إلا في دين النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا أقترح أن نفرد حلقة كاملة لنتكلم عن حق المرأة في الإسلام.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة متجسدة في الناس لاسيما مع الأطفال، وأتمنى أن ينتبه إخواني وأخواتي في البيوت لأخلاق المربي الأول وأستاذ البشرية الأعظم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتعامل مع الأطفال؟ وكيف كان يرحم الطفل؟ وكيف كان يربي الطفل؟ وهذا أمر مهم؛ لأننا الآن بكل أسف إذا أردنا الآن أن نربي أطفالنا وأولادنا نبحث عن كتب تربية غربية لا تتفق مع عقيدتنا ولا مع أخلاقنا، بل تصطدم اصطداماً مباشراً مع الدين والقرآن وخلق النبي عليه الصلاة والسلام.
ونحن لا نمنع على الإطلاق أن نربي أولادنا على كل ما هو جديد في عالم العلوم والتكنولوجيا، بل نحن نشجع أيَّ شيء يربي أولادنا على التقدم العلمي ما دام هذا لا يصطدم اصطداماً مباشراً أو غير مباشر مع عقيدتنا وقيمنا وديننا وأخلاقنا، بل إن أمتنا هي أمة العلم، ويجب على أولادنا وإخواننا أن يعلموا علم اليقين أنه في الوقت الذي كان فيه المسلمون ينطلقون انطلاقاً في الجانب العلمي كانت أوروبا ما زالت تعيش في الظلام، واقرءوا تاريخ الأندلس لتعلموا ذلك، لكن في الوقت الذي قفز فيه الأوروبيون بحضارتهم على هذه الأصول والجذور، تخلف المسلمون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
فأنا لا أنكر على الإطلاق أن نربي أولادنا على كل ما هو حديث في عالم التكنولوجيا وفي عالم التقدم والعلوم؛ بشرط ألا يصطدم ذلك مع قيمنا وأخلاقنا وديننا، لكنني أقول: الذي يؤلم القلب أننا قد نبحث في كتب التربية التي تصطدم مع عقيدتنا وأخلاقنا؛ لنربي على هذه الكتب أولادنا وأطفالنا، مع أن الأصل أن الله عز وجل قد رزقنا بمنهج تربوي كامل متكامل، كيف لا، والمربي الأول والأعظم محمد صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن؟! وكان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال في غاية الود والرحمة والرقة، وكانت وسيلة العقوبة آخر وسيلة يستعملها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأذكر لكم قصة وهي: أن رجلاً من الأفاضل اشترى أنتريهاً جديداً، وكان فاتح اللون، ولما وصل إلى البيت وضع (الأنتريك) في الصالة، وهو في غاية السعادة به والفرح، وذهب إلى عمله، وعاد في نفس اليوم فوجد (الأنتريك) قد تحول إلى كاريكاتير؛ لأن ولده البالغ من العمر أربع سنوات أمسك القلم الجاف -وهو لا يعي ولا يدرك- وحول (الأنتريك) إلى ألوان؛ بقي أربع ساعات يرسم رسومات وأشكال، ولما رأى الرجل المشهد ظل يصرخ ويصرخ، وقبل أن يعاقب الطفل عاقب أمه، ثم عاقب الطفل فضربه ضرباً شديداً، وليته اكتفى، وإنما ربط يد الطفل في رجل كرسي، ويده الأخرى في رجل الكرسي الأخرى بقسوة شديدة، وظل الطفل يصرخ ويصرخ، وأمه لا تجرؤ أن تقترب منه؛ لأنه أغلظ لها القول، وظل جالساً في غضب شديد حتى انقطع صراخ الطفل تماماً، فظنوا أنه نام! فأقبلت الأم فرأت عجباً!! رأت أن يد الطفل قد تحولت إلى اللون الأزرق الداكن، وقد أغمي على الطفل، فصرخت، فجاء المسكين أبوه يجري، وفك يده وحمله على كتفه، وأسرع به إلى أقرب مستشفى، وهنالك في المستشفى قرر الأطباء بتر الكفين!!
وأنا أتمنى أن تتصوروا العذاب والألم والضنك الذي عاش فيه هذا الوالد وعاشت فيه هذه الأم بعد أن خرج الطفل بلا كفين.
إن هذا خلل في المنهج التربوي، وقد يأتيك مثلاً أحد إخوانك ومعه طفل أو طفلة، وتسأله: كم عمرك يا بني؟! قد يقول: عشر سنوات. فتقول: ما شاء الله، كم تحفظ من القرآن؟ فيقول: الحمد لله؛ أحفظ عشرين جزءاً، فتنظر إلى ولدك وتقول: تسمع يا خايب! أنت وأبوك، انظر هذا يحفظ عشرين جزءاً، وأنت لا تحفظ إلا جزءاً وبمجرد ما ينصرف هذا الأخ الصديق وولده تضرب ولدك ضرباً مبرحاً، وتريد أن تختزل تقصيرك أنت في حق ولدك في سنوات مضت في دقيقة واحدة أو في ساعة واحدة!
وهذا خلل في المنهج التربوي، فلماذا لا نرجع إلى المربي صلى الله عليه وسلم؛ لننظر كيف ربى الأطفال؟ وكيف تعامل مع الأطفال؟ فالطفل يحتاج إلى الرحمة والحنان والود، ولا حرج على الإطلاق أن تستخدم وسيلة التأديب، لكن اجعل هذه الوسيلة آخر وسيلة من وسائل التربية وبرحمة، ويكون العقاب متفقاً مع الجرم والخطأ.
-
معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال
-
معاملة النبي عليه الصلاة والسلام للفقراء
-
معاملة النبي عليه الصلاة والسلام للعصاة