بدأ هؤلاء الذين يسمون بالنخبة بإعلان الحرب على الصحابة، وأود أن أوضح أنني سوف أكرر هذه السلسلة في كل مكان أذهب إليه؛ لأنه مرض العصر الآن.
بدءوا بإعلان الحرب على الصحابة، وهذا هو أول لقاء أستهل به هذه السلسلة التي أسميتها بالحرب على الثوابت، وكعادتي سيكون الحديث في نقاط محددة حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، وهذه النقاط هي:
أولاً: حرب سافرة.
ثانياً: مكانة الصحابة عند الله وعند رسوله.
ثالثاً: وهل يسب الأطهار؟
رابعاً: هم القدوة فاعرفوا لهم قدرهم.
فأعيروني القلوب والأسماع جيداً أيها الأخيار! والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18].
الطعن في الصحابة زندقة
أولاً: حرب سافرة:
ظهرت الآن كتب خبيثة في السوق تشن حرباً على الصحابة بألفاظ قذرة فاجرة يعف اللسان الطيب عن ذكر فقرة من هذه الفقرات، ووالله لولا أننا نود أن نثبت بالدليل خبث عقيدتهم. وفساد طويتهم لما ذكرت كلمة واحدة من كلماتهم الخبيثة التي شحنت بها الكتب، والتي تطبع الآن وتروج في المعارض والأسواق والمكتبات.
وقبل ذلك: لماذا بدءوا بإعلان الحرب على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟
يقول الحافظ
أبو زرعة في جوابه على السؤال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي فاعلم أنه زنديق، وذلك لأن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به النبي من عند الله حق، والذي نقل إلينا كل ذلك هم الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا الصحابة ليبطلوا القرآن والسنة.
ويقول الإمام
مالك إمام دار الهجرة: من وجد في قلبه غيظاً على أحد من أصحاب النبي فقد أصابه قول الله تعالى:
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
وقال الإمام
الطحاوي في عقيدته المشهورة: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، فحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
أمثلة لطعن أهل الأهواء المعاصرين في الصحابة
ليس من الفقه ولا من الحكمة أن أذكر أسماء هؤلاء أو أسماء كتبهم حتى لا أروج لأسمائهم ولا لكتبهم من حيث لا ندري.
يقول أحدهم بالحرف: (إن الصحابة كانوا يمثلون مجتمعاً متحللاً مشغولاً بالرذائل والهوس الجنسي) هل تتصور أن مجتمع الصحابة هكذا؟! الصحابة الذين رباهم رسول الله، يقول هذا الرتيع الوضيع: (ولم تكن التجاوزات مقصورة على مشاهير الصحابة، بل تعدتهم إلى صحابيات معروفات).
ثم يقول: (ولما كان التقاء الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر طقساً يومياً من الطقوس الاجتماعية المعتادة في مجتمع يثرب، فقد اضطر محمد رفعاً للحرج أن يبيح لهم أن يمروا في المسجد وهم جنب). هل تدبرتم هذه الكلمات الخبيثة؟
وهكذا تبين كلماتهم الخبيثة فساد طويتهم وخبث عقيدتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ويقول هذا الرتيع الوضيع أيضاً: (لما أرسل
علي بن أبي طالب ابنته
أم كلثوم إلى خطيبها
عمر بن الخطاب بادر
عمر بمعاينة ساقيها؛ ليتأكد من جودة البضاعة أو جودة الصنف).
أتحدى هذا الأثيم أن يتطاول على قسيس، أو على وزير، أو على رئيس الدولة، لكن التطاول على أطهر الخلق بعد الأنبياء أصبح أيسر الطرق للشهرة الكاذبة، للشهرة الخبيثة، ما على أحدهم إلا أن يملأ قلمه بمداد نجس، بمداد عفن؛ ليتطاول على أطهر الخلق بعد الأنبياء.
أيها الأحبة! أود أن تنتبهوا لهذا التأصيل المهم: لا يجوز البتة لرجل زائف العقيدة، مريض القلب، مجوف الفكر، أن يتطاول أو أن يكتب عن أصحاب النبي؛ لأن الحديث عن الصحابة يتطلب صفاء في العقيدة، وأمانة في النقل، وإخلاصاً في النية، ودقة في الفهم، ونظرة فاحصة مدققة لأراجيف المغرضين والكذابين والوضاعين.
على أي حال؛ أنا لا أرى لهؤلاء الأقزام الأنذال الذين يتطاولون على أهل الطهر مثلاً إلا كمثل ذبابة حقيرة سقطت على نخلة تمر عملاقة، فلما أرادت الذبابة الحقيرة أن تطير وتنصرف، قالت لنخلة التمر العملاقة: تماسكي أيتها النخلة؛ فإني راحلة عنك، فردت عليها النخلة العملاقة وقالت: انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة! فهل أحسست بك حينما سقطت عليَّ لأستعد لك وأنت راحلة عني؟! هل يضر السماء نبح الكلاب؟! هل يضر السماء أن تمتد إليها يد شلاء؟
أيها الحبيب! هل يسب هؤلاء؟ هل يسب هؤلاء الذين زكاهم الله وعدلهم وزكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يسب الأطهار؟
هل يسب
أبو بكر ؟ هل يسب
عمر ؟ هل يسب
عثمان ؟ هل يسب
علي ؟ هل يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
الصديق أحب الرجال إلى رسول الله
يسب صديق الأمة رضوان الله عليه، ذلكم العملاق الكبير، وهل تظن أنني أرفع من قدره وأنا أدافع عنه؟! لا وربي، بل أرفع من قدر نفسي ومن قدر إخواني بالذود عن
أبي بكر رضي الله عنه وعن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه.
هو
صديق الأمة ، ورفيق النبي في جميع الأحوال، وصاحب النبي في الأسفار، وجار النبي صلى الله عليه وسلم في الروضة المحفوفة بالأنوار، السابق إلى التصديق، المؤيد من الله بالمدد والتوفيق، أحب الناس إلى قلب سيد الرجال، ففي صحيح
البخاري من حديث
عمرو بن العاص قال: (
يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة ، قال: من الرجال؟ قال: أبوها. قال: ثم من؟ قال: ثم
عمر).
الصديق الذي لم يتلعثم في إيمانه قط، ولم يتردد طرفة عين، بل كان شعار هذا العملاق الطاهر الكبير إذا تشككت الصدور، وتلعثمت الكلمات والألسنة: (إن كان محمد قد قال ذلك فقد صدق)، قال ذلك في الإسراء وفي الإسلام وفي الحديبية.
ولذلك قال
عمر -والأثر في مسند
أحمد بسند حسن-: (لو وزن إيمان
أبي بكر) بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان
أبي بكر ، هذا هو الذي سبق به
الصديق جميع أصحاب رسول الله، لو وزن إيمان
أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان
أبي بكر رضي الله عنه.
الصديق يدعى من أبواب الجنة كلها
الصديق أقرب الصحابة من رسول الله وأعلمهم به
أعظم موقف للصديق
من خلال مطالعتي لسيرة هذا الطاهر العملاق أرى أن أعظم وأجل موقف وقفه
الصديق لهذه الأمة يوم مات المصطفى صلى الله عليه وسلم وطاشت عقول الصحابة، حتى قال الفاروق الأواب
عمر : إن رسول الله ما مات، بل ذهب إلى لقاء ربه كما ذهب موسى بن عمران، وليرجعن فيقطع أرجل وأيدي المنافقين الذين يزعمون أنه قد مات. هذا ما قاله
عمر الفاروق، فما ظنك بما قاله سائر الصحب الكرام؟
إلا أن الله قد ثبت
الصديق رضي الله عنه، وتجلى في هذا اليوم إيمانه، واستوى على عرش اليقين يقينه، فشق الصفوف ودخل على غرفة حبيبه رسول الله في حجرة
عائشة ، فوجد المصطفى مسجى، وعلم أن الأمر قد تم وأن المصيبة قد وقعت، وأن رسول الله قد مات، فقبل
الصديق رسول الله، وفي الرواية التي حسنها
الألباني في مختصر الشمائل أنه نادى عليه وهو يبكي ويقول: وا نبياه وا نبياه. وا صفياه وا صفياه. وا حبيباه وا حبيباه. وا خليلاه وا خليلاه. ثم قال -كما في لفظ الصحيحين-: (
أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتها، ولا ألم عليك بعد اليوم)، وخرج
الصديق إلى الناس وهو يقول لـ
عمر : على رسلك يا
عمر. أي: اصبر يا
عمر فخطب الناس خطبة عصماء، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على حبيبه المصطفى، ثم قال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقرأ قوله تعالى:
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، فعقر
عمر وسقط على الأرض، وعلم أن حبيبه قد مات.
أيا عبد كم يراك الله عاصيـاًً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا
إذا المرء لم يلبس ثيابـاً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا
ولـو كانت الدنيـا تدوم لأهلهـا لكـان رسول الله حيـاً وباقيـا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنـوب والمعـاصي كمـا هيا
إذاً: يا راية الله رفرفي إذاً يا خيل الله اركبي إذاً: يا جند الله سيروا. فليتقدم
الصديق ليرفع الراية وليواصل المسيرة بعد حبيبه ومصطفاه، إن هذا الموقف كان بمثابة الأسوة الحقيقية التي شدت اتجاه التاريخ إلى هذا العملاق، إلى صديق الأمة الذي لم تنته بركاته على أمة الحبيب محمد، بل بعد موت رسول الله أرسل بعث
أسامة ليؤدب القبائل التي اعتدت على حدود الدولة الإسلامية.
ومن بركاته على الأمة أنه جمع القرآن بعد معركة اليمامة التي مات فيها عدد كبير من حفاظ القرآن من أصحاب رسول الله، ولم تنته بركاته على الأمة، بل قبل أن يلقى الله اختار
عمر بن الخطاب خليفة مكانه لهذه الأمة، وقال: إن سئلت عن ذلك بين يدي ربي أقول: وليت عليهم أقواهم فيما أعلم.
فهل بعد هذا يسب
الصديق ؟
والله إن القلب ليحترق، وإن الكلمات لتتوارى على خجل واستحياء، والله لا أجد في قواميس لغة أهل الأرض جميعاً ما أستطيع أن أعبر به عن هذا الظلم الذي نحياه، أيسب
الصديق ؟! أيسب أطهر رجل في الأمة بعد المصطفى؟! ما هذا الذل والهوان؟!
يا رب! ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تؤاخذنا بما قال السفهاء منا.
بعض الناس يسب
عمر الفاروق الأواب التواب، أيسب الفاروق
عمر ؟
عمر الذي قدم للناس أسوة لا تبلى ولن تفنى، إنها قدوة تتمثل في رجل كبير أتت الدنيا كلها على عتبة داره بأموالها وذهبها وزخرفها وسلطانها، بأموال كسرى وبأموال قيصر، خضعت كل هذه الزخارف تحت رجل
عمر وتحت قدم
عمر ، فوالله ما تغير، بل قام وسرحها سراحاً جميلاً، وطلقها طلاقاً لا رجعة فيه، قام ليدرأ عن الناس فتنها وشبهاتها ومضلاتها، وقام لينثر في الناس من هذا المتاع الدنيوي خيراً، ثم لما نفض يديه من هذا المتاع الدنيوي الحقير الزائل قام ليستأنف سيره.
وانظر إليه، ستراه هنالك بعيداً يجري تحت حرارة شمس محرقة تذيب الصخور والحديد والحجارة، وينظر إليه
عثمان ويتساءل: من هذا الذي خرج في هذا الجو القائظ القاتل؟ ولما دنا منه فإذا به أمير المؤمنين، إنه
عمر بن الخطاب ! وينادي عليه
عثمان : يا أمير المؤمنين! يا أمير المؤمنين! ما الذي أخرجك في هذا الجو القائظ؟ فيقول
عمر الورع التقي النقي الفاروق الأواب العدل: شرد بعير -جمل- من إبل الصدقة -يا
عثمان- وأخشى عليه الضياع فيقول
عثمان : تعال إلى الظل يا أمير المؤمنين! وتعال إلى الماء البارد، وكلف أحد عمالك ليأتيك بهذا البعير الشارد، فيقول
عمر : عد إلى ظلك، عد إلى مائك البارد يا
عثمان أأنت ستسأل عنه أمام الله يوم القيامة؟
وتراه هنالك في موكب آخر قد حنى رأسه، ذلك الرأس العظيم الذي تطاول -ورب الكعبة- ليعانق كواكب الجوزاء، أو إن شئت فقل وأنت صادق: التي تواضعت كواكب الجوزاء لتُشَرِّف من قدرها وهي تتوج رأس
عمر ،
عمر يحني رأسه تحت قدر على نار مشتعلة، وينفخ
عمر لينضج طعمة طيبة لأطفال يبكون من شدة الجوع.
وتراه هنالك يأخذ امرأته وهي زوجة أمير المؤمنين، فإلى أين يا أمير المؤمنين؟ إلى أين تأخذ امرأتك في هذا الجو المظلم الدامس؟ إلى امرأة مسلمة أدركها كرب المخاض تضع ولا تجد من يساعدها، فيأخذ
عمر امرأته لتساعد مسلمة من المسلمين، إنه
عمر!
وتراه هنالك يمشي ليتفقد أحوال الناس، فيرى إبلاً سمينة عظيمة فيقول
عمر : ما شاء الله! إبل من هذه؟ فيقول الناس: إبل
عبد الله بن عمر.
وكأن حية رقطاء قد أفرغت كل سمها في جوف
عمر ، فقال: إبل
عبد الله بن عمر ! ائتوني به. فيأتي
عبد الله بن عمر ، ومن هو
عبد الله بن عمر ؟! إمام الزهد، وإمام الورع والتقى، وقائم الليل، وصائم النهار، فيأتي
عبد الله ويقف بين يدي والده فيقول له
عمر : ما هذه الإبل يا
عبد الله؟ فيقول: إبل اشتريتها وهي هزيلة بخالص مالي يا أمير المؤمنين، وتركتها في الحمى لترعى أبتغي ما يبتغيه سائر المسلمين من الربح والتجارة. فيرد
عمر : بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين! إذا رأى الناس إبلك قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين. قال: مرني يا أبت قال: انطلق الآن فبع الإبل وخذ رأس مالك فقط، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين.
سبحانك يا خالق
عمر ! سبحانك يا خالق
عمر ! سبحانك يا خالق
عمر ! سبحانك هل يسب هذا؟! هل يسب
عمر ؟! هل يسب الذي قدم لأهل الأرض قدوة يجب على كل مسلم أن يفخر بها؟ وأن يرفع رأسه أنه ينسب لـ
أبي بكر وينسب لـ
عمر وينسب لـ
عثمان وينسب لـ
علي.
هل يسب
عمر ؟! هل يسب
عمر الذي قال النبي في حقه -والحديث في سنن
الترمذي بسند حسن من حديث
عبد الله بن عمر -: (
إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه) ، شهادة الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، ليست شهادة من هيئة اليونسكو، ولا من هيئة الأمم، ولا من منظمة مشبوهة خبيثة، ولا من ناد من أندية الروتاري أو الماسونية، بل إن الذي يضع هذا الوسام على صدر
عمر هو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.
وفي الصحيحين من حديث
أبي هريرة قال المصطفى: (
بينا أن نائم إذ رأيتني في الجنة، يقول: ورأيتني إلى جوار قصر وإلى جواره جارية تتوضأ، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لـعمر بن الخطاب ، فتذكرت غيرتك -يا
عمر- فأعرضت -يعني: أعرضت عن النظر إلى الجارية التي بجوار قصرك- فبكى
عمر وقال: أومنك أغار يا رسول الله؟).
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
بينا أنا نائم إذ عرض علي الناس وعليهم قمص -جمع قميص- منها ما يبلغ الثديا -جمع ثدي- ومنها ما دون ذلك، إذ عرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين).
وفي الصحيحين من حديث
ابن عمر قال: (
بينا أن نائم إذ أتيت بقدح لبن فشربت، حتى أني أرى الري يخرج من بين أظفاري ثم أعطيت فضلتي -أي: ما تبقى في القدح من اللبن -لـعمر بن الخطاب قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم).
وأختم بهذا الحديث الذي في الصحيحين من حديث
سعد بن أبي وقاص قال: (
استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن
عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله -يعني: زادك الله سروراً، ولم يقل: لماذا تضحك يا رسول الله؟ -فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللائي كن عندي، فلما سمعن صوتك قمن يبتدرن الحجاب. قال
عمر: فأنت -يا رسول الله- أحق أن يهبن. قال
عمر: أي عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ قلن: نعم. أنت أفظ وأغلظ من رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً -أي: تمشي في طريق- إلا سلك فجاً غير فجك ).
يا خالق
عمر سبحانك، هذا ما أستطيع أن أعلق به، والله إننا الآن لفي أمس الحاجة إلى
عمر ليطهر شوارعنا من الشياطين التي ملأتها، (لو رآك الشيطان سالكاً فجاً لتركه وسلك فجاً غير فجك).
ثم بعد ذلك يسب
عمر الذي أذل كسرى،
عمر الذي أهان قيصر،
عمر الذي أعز الله عز وجل به الإسلام قديماً وحديثاً، إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، وهل يسب
عثمان ؟ وهل يسب
علي ؟
أكمل بعد جلسة الاستراحة فأراني قد أطلت، وها هي عقارب الساعة تطاردنا، نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجزي عنا أصحاب سيد الرجال خيراً، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد:
بإيجاز شديد سأكتفي بحديث واحد في كل صحابي جليل ممن أود أن أتحدث عنهم فهل يسب
عثمان الحيي التقي
ذو النورين ، وصاحب الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، وزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
عثمان الكريم المعطاء، الذي ما تعرض الإسلام لهجمة إلا ووجدت لتلك الأزمة عثمانها المعطاء، يجود بكل ما يملك بمنتهى الجود والكرم والسخاء،
عثمان الحيي الذي ثبت في صحيح
مسلم من حديث
عائشة (
أن أبا بكر استأذن يوماً على رسول الله وهو في حجرة
عائشة ، وقد اضطجع النبي على يمينه وكشف عن فخذه أو ساقه، فأذن النبي لـ
أبي بكر فدخل
الصديق فكلم النبي والنبي على هيئته لم يتغير، ثم استأذن
عمر فأذن النبي لـ
عمر فدخل فكلمه وانصرف والنبي على هيئته لم يتغير، فلما استأذن
عثمان على رسول الله جلس النبي وسوى عليه ثيابه وأذن لـ
عثمان فدخل فكلم النبي ثم انصرف، ففطنت
عائشة الفقيهة لمثل هذا، وقالت: يا رسول الله! استأذن عليك
أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم استأذن عليك
عمر فلم تهتش له ولم تباله، فلما استأذن عليك
عثمان جلست وسويت ثيابك وأذنت له! فقال النبي: يا
عائشة ! ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟!).
و
عثمان هو الذي وسع المسجد، و
عثمان هو الذي اشترى بئر رومة، و
عثمان هو الذي جهز جيش العسرة،
عثمان الذي ما وجدت أزمة تعصف بالإسلام إلا ووقف لها بكل جود وسخاء وكرم، أيسب
عثمان رضوان الله عليه المبشر بالشهادة والمبشر بالجنة من كلام النبي الذي لا ينطق عن الهوى؟!
وهل يسب
علي رضوان الله عليه وأرضاه؟ اضطر
علي يوماً أن يفخر فقال:
محمـد النبي أخـي وصهري وحمزة سيـد الشهداء عمي
وجعفر ذاك من يمسي ويضحي يطيـر مع الملائكـة ابن أمي
وبنت محمد سـكني وزوجي منوط لحمهـا بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منهـا فأيكم له سهم كسهمي
علي الفدائي الذي علم الدنيا حقيقة الفداء وشرف البطولة، والذي ظهرت مكانته يوم خيبر عند الله وعند رسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (
لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)، وفي رواية
مسلم : قال
عمر : والله ما تطلعت إلى الإمارة إلا يومها، ما تمنى
عمر أن يكون أميراً إلا في ذلك اليوم، لعله من قال النبي فيه: (ويحبه الله ورسوله).
وفي الصباح شق السكون صوت النبي عليه الصلاة والسلام وهو يسأل عن هذا القائد الذي سيفتح الله على يديه، والذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فقال: (
أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: إنه يشتكي عنيه. قال: أرسلوا إليه. فأرسلوا إليه فجاء
علي فمسح النبي على عينه فبرأ، وكأن لم يكن به وجع، وأعطاه الراية وقال: انطلق. فقال: علام أقاتلهم يا رسول الله؟! قال: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وفي لفظ
البخاري : (
فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
حب النبـي على الإنسـان مفترض وحب أصحابه نور وبرهان
من كـان يعلـم أن الله سـائله لا يرمين أبا بكر ببهتـان
ولا أبا حفص الفاروق صـاحبه ولا الخليفة عثمان بن عفان
ولا علياً أبا السبطين نعم الفتى وصى به المصطفى في سر وإعلان
فهم صحـابة خير الخلـق خصهم الإله بجنات ورضوان