قوله: باب ما جاء في التطير، التطير: هو فعل الإنسان الذي يصدر منه، مستدلاً بما يقع له من فعل الطير، ويلحق به الحيوانات وكلام الناس، وما يشاهد من أفعالهم؛ فإنه إذا تشاءم بهم يكون متطيراً.
وسيأتي أن الطيرة شرك، والشرك من أكبر الذنوب وأعظمها، ولكن شرك الطيرة شرك أصغر، والشرك الأصغر لا يخرج الإنسان من الإسلام، غير أن كثيراً من العلماء يقولون: إنه لا يغفر، بل لابد من أن يعاقب صاحبه؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فجعل المغفرة لما دون الشرك، وقوله: (أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) يدخل فيه جميع أنواع الشرك: أكبره وأصغره، هذا هو دليل الذين يقولون: إن الشرك -وإن كان صغيراً- لابد أن يعاقب عليه الإنسان، ولا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة، فإذا تاب الإنسان -ولو كان شركه شركاً أكبر- فإنه يغفر له، ولكن إذا مات بدون توبة فإنه لا يغفر، وذلك أن الذنوب -ما عدا الشرك- إذا مات الإنسان عليها بدون توبة فإن أمره إلى الله إن شاء غفر الله له بدون عقاب، وإن شاء عاقبه عليها، أما الشرك المذكور في الآية ففي الآية دلالة على أنه لا يغفر لصاحبه، وإذا كان لا يغفر فإنه يعاقب عليه، فعلى هذا يكون الشرك عظيماً وإن كان صغيراً، فيجب أن يجتنب وأن يحذر منه.
وقد تكون الطيرة من الشرك الأكبر؛ وذلك إذا كان المتطير يعتقد أن الطير أو غيره هو الذي يجلب النفع ويدفع الضر.
أما إذا كان يعتقد أن هذا سبب، وأن الله ربط النفع والضر بهذه الأسباب، وأن ذلك لم يكن سوى دليل على وقوع المقبول أو وقوع المحذور، فإن هذا يكون من الشرك الأصغر.
وأصله التطير بالسوانح والبوارح، من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشارع وأبطله، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر].
كثير من العلماء يقولون: إن السانح: هو الذي يأتي عن يمين الإنسان، والبارح: هو الذي يأتي عن شمال الإنسان، وبعضهم يعكس. والمقصود أنهم إذا خرجوا لحاجتهم فرأوا طائراً على شجرة أو غيرها أطاروه، ونظروا أين يتجه، فإن جاء عن اليمين تفاءلوا ومضوا، وقالوا: هذا يدل على الخير، وإن جاء عن الشمال تشاءموا ورجعوا وقالوا: هذا يدل على الشر، وإن هذا السفر أو هذا المخرج الخروج فيه مصيبة!
ومن المعلوم أن الطائر وغيره من الحيوانات ليس عنده شيء من علم الغيب، وليس عنده شيء من النفع والضر، وإنما هذا شيء يلقيه الشيطان في نفوسهم؛ ليهينهم ويذلهم، فلهذا جاء النهي عنه، ثم ألحق بفعل الطير كل ما كان مثل هذا المعنى من فعل الحيوانات، فإذا رأوا مثلاً ثعلباً يتفاءلون ويمضون، وإذا رأوا أرنباً يتشاءمون ويرجعون؛ لأن الأرنب ضعيفة فتكون عرضة لكل سهم ولكل صائد، وبالتالي يكون الخارج عرضةً للألم والعذاب والإصابة فيرجعون، بخلاف الثعلب فإنه ماكر، عنده القدرة على حفظ نفسه -حسب زعمهم- وبالتالي يفرحون به، وهكذا سائر الحيوانات، وقد يكون التشاءم بالإنسان، فترى أحدهم إذا خرج من بيته فلقيه إنسان به عيب: كالأعور أو الأعرج أو الأعمى أو ما أشبه ذلك تشاءم ورجع، وهذا من وسوسة الشيطان، والفعل يكون شركاً.
أما إذا لم يلتفت إلى ذلك -وإن وقع في نفسه شيء- فإنه لا يضره.
فعلى الإنسان إذا رأى شيئاً من هذه الأمور أن يقول: (اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك) ويمضي، فإن ذلك لا يضره ولا يلتفت إليه، ولا يكون ممن دخل في الطيرة.
وكانت الطيرة في العرب كثيرة جداً، وهي وهم من الشيطان، وليس فيها شيء مما يعرف به المستقبل أصلاً.
ومن يهتم بالطيرة قد يبتلى من الله جل وعلا؛ لأنه صرف قلبه إلى غير الله جل وعلا، وكلما سمع كلمة صار يفسرها، مثل لو سمع كلمة سفرجل، وهو خارج خلف بائع السفرجل، أو رآه وهو خارج من منزله قال: هذا سفر وأجل أي: أنه سيموت، فيرجع إلى منزله، فتراه كلما سمع كلمة راح يفسرها في نفسه تفسيراً سيئاً، ويلقي الشيطان في قلبه أنه سيصاب بما فسره، بخلاف الذي يعتمد على ربه ويتوكل عليه، ولا يلتفت إلى هذه الأشياء ويمضي، فإنه لا يصيبه أذى.
ومن المعلوم أنه لا يقع شيء إلا بقدر الله وقضائه ومشيئته، فالمؤمن يؤمن بذلك، ويتوكل على الله، ولا يلتفت إلى شيء مما يصنعه الشيطان، ويلقيه في نفوس الكثير من الناس، وإذا علم الله جل وعلا ذلك منه، فإنه لا يضره شيء من هذه الأمور، لا في دينه ولا في بدنه.
قال الشارح رحمه الله: [قال المدائني : سألت رؤبة بن العجاج قلت: ما السانح؟ قال: ما ولاك ميامنه، قلت: فما البارح؟ قال: ما ولاك مياسره. والذي يجيء من أمامك فهو الناطح والنطيح، والذي يجيء من خلفك فهو القاعد والقعيد.
ولما كانت الطيرة من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب؛ لكونها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، ذكرها المصنف رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد؛ تحذيراً مما ينافي كمال التوحيد الواجب.
الآية في سياق قصة الرسل الذين أرسلهم الله جل وعلا ليدعونا إلى عبادته وتوحيده، فمنهم من قال للرسل: إنا تطيرنا بكم، فقالت لهم الرسل: طائركم عند الله، ومعنى: (تطيرنا بكم) يعني: أن الشيء الذي أصابنا من العذاب أو القحط أو المرض أو الفقر أو ما أشبه ذلك فإنه بسببكم وبعد مجيئكم، فقالت لهم رسلهم: (طائركم عند الله)، يعني: ما أصابكم فهو من الله جزاء أفعالكم، أو أن العذاب سيصيبكم إذا رجعتم؛ بسبب شؤمكم، وبسبب ذنوبكم وأفعالكم، هذا معنى الآية.
قال الشارح رحمه الله: (قوله: وقول الله تعالى: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ .. [الأعراف:131]الآية)، ذكر تعالى هذه الآية في سياق قوله: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف:131] المعنى: أن آل فرعون كانوا إذا أصابتهم الحسنة أي: الخصب والسعة والعافية -كما فسره مجاهد وغيره- قَالُوا لَنَا هَذِهِ، أي : نحن الجديرون والحقيقون به، ونحن أهله.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ، أي: بلاء وقحط، تطيروا بموسى ومن معه، فيقولون: هذا بسبب موسى وأصحابه، أصابنا بشؤمهم. فقال الله تعالى: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:131].
قال ابن عباس : (طَائِرُهُمْ): ما قضى عليهم وقدر لهم، وفي رواية: شؤمهم عند الله ومن قبله، أي: إنما جاءهم الشؤم من قبله، بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله].
ذكر هذا في قصة موسى، وفي قصة الرسل أيضاً، فإن الكفار قالوا لهم: (تطيرنا بكم)، فهذا يدلنا على أن التطير من سنة كفار العرب وغيرهم فهو قديم، وقد ذكر الله جل وعلا عن الكفار الماضين أنهم يتطيرون برسلهم، وأخبر الله جل وعلا أن هذا من الأوهام التي لا حقيقة لها، وأن الشيء الذي يصيبهم إنما هو جزاء أعمالهم، وإن زعموا أنه بسبب شيء يشاهدونه أو يرونه أو يسمعونه، فهذا ليس بصحيح.
بهذا يتبين أن كل من يفعل شيئاً من ذلك فإن قدوته أولئك المتطيرون وهو من جنسهم.
قال الشارح رحمه الله: [ قوله: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:131] أي: أن أكثرهم جهال لا يدرون، ولو فهموا وعقلوا لعلموا أنه ليس فيما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام إلا الخير والبركة والسعادة والفلاح؛ لمن آمن به واتبعه.
المعني -والله أعلم- حظكم وما نابكم من شر معكم؛ بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين، ليس هو من أجلنا ولا بسببنا، بل ببغيكم وعداوتكم. فطائر الباغي الظالم معه، فما وقع به من الشرور فهو سببه الجالب له، وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله، كما قال الله تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36].
ويحتمل أن يكون المعنى: طائركم معكم: أي: راجع عليكم. فالتطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم، وهذا من باب القصاص في الكلام، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم) ذكره ابن القيم رحمه الله].
قوله: (وعليكم) ليس المقصود أنه رد، ولكن المقصود أن اليهود كانوا إذا سلموا قالوا: السام عليكم، والسام: هو الموت، فهم يدعون بالموت على المسلمين ويسترون كلامهم، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم) يعني: أن نقول لهم: وعليكم فتعود الدعوة عليهم، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: (أنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا).
أما إذا سلم اليهود، وقالوا: السلام وعليكم فإنه يرد عليهم، ورد السلام واجب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سلموا عليه رد عليهم بقوله: وعليكم.
قال الشارح رحمه الله: [وقوله تعالى: (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) أي: من أجل أنّا ذكرنّاكم وأمرناكم بتوحيد الله قابلتمونا بهذا الكلام (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ). قال قتادة : أئن ذكّرناكم بالله تطيرتم بنا؟! ومناسبة الآيتين للترجمة: أن التطير من عمل أهل الجاهلية والمشركين، وقد ذمهم الله تعالى به ومقتهم. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطير، وأخبر أنه شرك، كما سيأتي في أحاديث الباب].
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) هذه الأمور الأربعة متفق عليها عند البخاري ومسلم ، وزيادة مسلم : (ولا نوء ولا غول) فتكون ستة أمور ورد النهي عنها.
المعنى الثاني: أن تكون (لا) هذه ناهية، (لا عدوى) يعني: لا يتسبب أحد بإعداء أحد، ويدل على هذا آخر الحديث، ويدل عليه أيضاً الحديث الذي في الصحيح : (لا يورد ممرض على مصح) وفيه أيضاً: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد).
وذلك أن مخالطة الصحيح للمريض قد تكون سبباً، والعدوى قد اتفق على وقوعها بين الأطباء، وبين العلماء، وأنها قد تتعدى إلى الصحيح، وجاءت النصوص بهذا، فثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم إليه وفد من وفود العرب كان فيهم مجذوم فقال له: (ارجع فقد بايعناك)، والحديث الذي ذكرناه سابقاً: (لا يورد ممرض على مصح)، وكذلك قوله: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد) ونحو ذلك من الأحاديث، وهذه كلها تدل على أن المعنى في قوله: (لا عدوى)، المقصود به النهي، يعني: لا يكن أحدكم متسبباً في عدوى غيره، وهذا واضح ظاهر.
أما الإجماع: فإنه ثبت أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام ومعه الصحابة، وفي أثناء الطريق جاءه خبر: أن الطاعون وقع في الشام، فاستشار الصحابة، فقالت طائفة: (خرجت لأمر فامض إليه، وتوكل على الله)، وقالت طائفة أخرى: (معك بقية أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ووجهاء الناس فلا تقدم بهم على هذا الوباء)، فرجع، فعند ذلك قال له أبو عبيدة : (أفراراً من قدر الله؟ فقال: لو غيرك قالها، نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، ثم قال له: أرأيت لو كان لك إبل ومررت بواد له جانبان، جانب فيه مرعى، والجانب الآخر مجدب، أيهما ترعى؟ فقال: الذي فيه مرعى، فقال: أفليس ذلك بقدر الله؟ قال: نعم، فقال: كذلك ما فعلنا)، فهذا كلام واضح وإجماع من الصحابة، وقد رجعوا بعد أن سألوا عن ذلك، ورأوا أنه ليس مخالفاً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت عند الأطباء -ثبوتاً لا مجال لإنكاره- أن كثيراً من الأمراض تكون بسبب الجراثيم الصغيرة، وأنها تنتقل من المريض إلى الصحيح، فيحدث المرض بسبب ذلك، والشرع لا يأتي بالشيء الذي يخالف الواقع، بل يكون موافقاً له ودالاً عليه؛ لأنه وحي من عند الله جل وعلا، ويكون هذا المعنى في قوله: (لا عدوى) أرجح من المعنى الأول.
والتفسير الثاني: أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون أو بعضهم: أن الإنسان إذا قتل مظلوماً ووضع في قبره يخرج من هامته طائر، فلا يزال يصيح ويقول: اسقوني اسقوني على قبري، حتى يؤخذ بثأره ويقتل قاتله، أما إذا لم يقتل قاتله، فإنه لا يزال كذلك، هذا شيء كان يعتقده بعض العرب.
فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا لا حقيقة له، والمعنيان كلاهما صحيح، وكلاهما منهي عن اعتقادهما أو فعلهما.
التفسير الثاني: أن المقصود: النسيء الذي ذكره الله في القرآن عنهم، وهو أنهم كانوا يؤخرون شهر محرم إلى صفر، ويقدمون صفر ويجعلونه بدل محرم في السنة، وفي السنة الثانية يتركونه كما هو، يؤخرونه عاماً ويقدمونه عاماً، ويتركونه على ما هو عليه عاماً.
فبين صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل الجاهلية وأنه باطل، وذلك أن القتال في محرم محرم لا يجوز، وكانوا يعتقدون هذا ولا يقاتلون في شهر محرم، ولكن لما كانت الأشهر الحرم ثلاثة متوالية: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم صاروا يقولون: طال علينا الأمد بترك القتال، مما جعلهم يقاتلون في محرم ويحرمون صفر، وهذا من التحريف والتغيير لدين الله جل وعلا.
فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا لا يجوز، والله جل وعلا أخبر أن ذلك زيادة في الكفر، إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37]وهذا هو النسيء: ينسئون صفر إلى محرم، ومحرم يؤخرونه ويقدمون بدله صفر، ومرةً أخرى يتركونه على ما هو عليه، هذا هو النسيء.
التفسير الثالث: أن المقصود بصفر: دابة أو حية تكون في صفر، وأنها تعدي أشد من إعداء المجذوم، فهذه العقيدة باطلة لا حقيقة لها.
والصواب أن هذه التفاسير كلها باطلة أبطلها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما كان في الحديبية وقع مطر في الليل، فلما صلى واستقبل المسلمين، قال لهم: (أتدرون ما قال ربكم الليلة؟ قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب)، فالأنواء: هي الكواكب التي هي منازل للقمر، بمعنى أنه كل ليلة يكون موازياً لواحد منها، وسميت: أنواء؛ لأنه كلما طلع واحد غرب واحد مقابله من الغرب، وعددها ثمان وعشرون نوءاً، منازل القمر كل ليلة في واحدة منها، ويرى منها أربعة عشر، كلما غرب واحد خرج مقابله واحد من الشرق، ويكون منها أربعة عشر فوق الأرض تنظر، وأربعة عشر تحتها مغطيةً لها، وهي مدبرة مأمورة تسير بأمر الله تعالى، وقد أخبر جل وعلا أنه قدر القمر منازل؛ وأن ذلك لمعرفة عدد السنين والحساب حكمةً من الله جل وعلا.
وسيأتي أن الكواكب خلقت لأمور ثلاثة -وأن من اعتقد غير ذلك فإنه ضال-: خلقت رجوماً للشياطين، وزينةً للسماء، وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر في المسير.
كما أنها أيضاً علامات على عظمة الرب جل وعلا، وآيات دالة على أنه هو الخالق المتصرف، وأنه هو الذي يجب أن يعبد، ومن اعتقد غير ذلك فهو ضال، فليس عند النجوم تقدير وليس عندها سر من الأسرار، وإنما هي مدبرة مأمورة مطيعة لله جل وعلا، فهذا معنى قوله: (ولا نوء) يعني: أن ما يعتقده أهل الجاهلية من أن المطر ينزل بالأنواء لا حقيقة له وباطل، بل هو من الشرك.
وجاء عن بعض الصحابة أنه قال: كان أحد الصحابة عنده طعام، وكان قد وضعه في مكان، وكانت الغيلان تأخذ منه... إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على وجود الغيلان.
أما ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن الغيلان تتسلط على الناس، وتضلهم في أسفارهم، فهذه عقيدةٌ باطلة، ولا حقيقة لها.
وليس المعنى نفي وجود الغيلان، ولكن المعنى أنهم لا يستطيعون أن يضلوا أحداً إلا من تولى الشيطان، فإن هذا قد تضله الجن والشياطين، وقد تلابسه، وقد تؤذيه، وقد تقتله.
أما المؤمن الذاكر فإنه يتحصن بذكر الله، فلا يصيبه شيء من أذاهم، فيكون المعنى المراد: أنه لا حقيقة لما يعتقده أهل الجاهلية من أن الغيلان تضل المسافرين وتتراءى لهم، وإنما ذلك يكون بالكفار جزاءً لأعمالهم وكفرهم.
أما المؤمن الذي يؤمن بالله فإنه لا يصيبه ذلك الغول؛ لأنه يتحرز بذكر الله وبالإيمان، والله لم يجعل للشيطان على المؤمنين سلطاناً.
الأول ليس هو الظاهر؛ لأن سراية العلة إلى الصحيح هذا أمر متفق عليه اليوم وقد ظهر، وكذلك معروف أن وجود الصحيح بين المرضى قد يكون سبباً لتعدي المرض إليه.
والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً يخالف الواقع، فيكون المعنى الظاهر للحديث هو النهي، ودل على هذا المعنى النصوص الأخرى، كما دل عليه الواقع الذي اتفق عليه بين الأطباء، وبين من اطلع على ذلك.
قال الشارح رحمه الله: [وفي راوية لـمسلم : أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث بحديث: (لا عدوى)، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يورد ممرض على مصح) ثم إن أبا هريرة اقتصر على حديث: (لا يورد ممرض على مصح) وأمسك عن حديث: (لا عدوى) فراجعوه، وقالوا: سمعناك تحدث به، فأبى أن يعترف به.
قال أبو سلمة -الراوي عن أبي هريرة : - فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر؟]
النسخ لا يكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المعنى: أن أبا هريرة علم أن الأخير قد نسخ الأول فترك التحديث به، علم ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ظاهر هذين الحديثين التعارض، وكلا الحديثين في الصحيح، حديث: (لا عدوى)، وحديث: (لا يورد ممرض على مصح) فكلاهما ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين فإنه لا يصار إلى النسخ، وقد بينا الجمع بينهما، وأنه لا معارضة بينهما، فإذا قيل: إن معنى قوله: (لا عدوى) النهي، يعني: لا يكون أحدكم سبباً لإعداء أخيه، سواءً بنفسه أو بفعله أو بغير ذلك، فإنه يكون على هذا متفق مع الحديث الآخر، : (لا يورد ممرض على مصح) وليس بينهما أية معارضة، بل كل واحد يصدق الآخر ويوافقه، وهذا أولى من أن يقال: إن هذا الأخير ناسخ للأول.
أما كون أبي هريرة رضي الله عنه أنكر أنه حدث بهذا، فهذا لأنه نسي، وهذا نادر جداً، بل لم يأت أن أبا هريرة نسي شيئاً إلا هذا، فإنه كان من الحفاظ، وبدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له بالحفظ، وقد حفظ ما لم يحفظه غيره من الصحابة، وكثرت الأحاديث عنه، ومن أجل ذلك أغاظ كثيراً من أعداء الإسلام فصاروا يقدحون فيه، ومعلوم أن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عدول، عدلهم الله جل وعلا فقال: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [التوبة:100]، فأخبر الله جل وعلا أنه رضي عنهم، وأنهم راضون عنه، فدل هذا على أنهم خير الناس بعد الأنبياء؛ لأنه أخبر أنه أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار، وإذا أخبر الله جل وعلا عن أحد من الخلق أنه قد رضي عنه فلا يمكن أنه يكفر أو يرتد؛ لأن الله علام الغيوب، يعلم ما سيكون، فهو يعلم أنهم سيستمرون على ذلك إلى أن يلقوا ربهم.
وهكذا في الآيات الأخرى قوله جل وعلا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29] إلى آخر الآية، ولهذا اتفق أهل السنة على أنهم عدول بتعديل الله لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوقوع فيهم، فقال: (الله الله، لا تتخذوا أصحابي غرضاً، فإن من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم)، وفي الحديث الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم: (دعو لي أصحابي، فوالله لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه) يعني: لو أنفق مثل أحد ذهباً -لو أمكن هذا- لم يبلغ المد الذي أنفقه أحدهم في سبيل الله ولا نصف المد، وذلك أن الله اختارهم لرسوله صلى الله عليه وسلم، فسعدوا بصحبته، وبتلقي العلم والإيمان من الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمجالسته وامتثال أمره، والقتال بين يديه، وغير ذلك مما فضلهم الله جل وعلا به.
هذا قبل أن يعلم أن كثيراً من الأمراض بسبب الجراثيم، وأن الجراثيم تنتقل من المريض إلى الصحيح، أما إذا علم ذلك فيتبين مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يخالف الواقع.
قال الشارح رحمه الله: [وقال (لا يورد ممرض على مصح)، وقال في الطاعون: (من سمع به في أرض فلا يقدم عليه)، وكل ذلك بتقدير الله تعالى.
ولـأحمد والترمذي عن ابن مسعود مرفوعاً (لا يعدي شيء شيئاً -قالها ثلاثاً- فقال أعرابي: يا رسول الله! إن النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أجرب الأول؟ لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصائبها ورزقها) ].
وهذا معناه أيضاً لا يخالف ما سبق، فالإنسان قد يكون سبباً لمرض غيره، وإذا كان سبباً فليس معنى ذلك أنه هو الذي يفعل هذا، فالأسباب كتبها الله جل وعلا، وقد أمر الإنسان أن يفعل السبب الذي يتوقع فيه الخير، ويجتنب السبب الذي يتوقع منه الأذى والشر، وإن أصيب بشيء من ذلك فيؤمن بأن هذا بقدر الله وقضائه، وأنه لا مفر له من ذلك، وإلا لو كان على ظاهر ما يقال -وهو أن المراد به النفي- فإن فعل الصحابة من رجوعهم من بلاد الشام يكون مخالفاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هم أحرى الناس وأولى الناس في فهم ما قاله، وهم الذين يمتثلون قوله أكثر من غيرهما، ثم قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخالف الواقع؛ لأنه وحي من الله.
قال الشارح رحمه الله: [ فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره، والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء وفي النار، مما جرت العادة أنه يهلك أو يضر، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، والقدوم على بلد الطاعون؛ فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، فالله سبحانه هو خالق الأسباب ومسبباتها، لا خالق غيره ولا مقدر غيره.
وأما إذا قوي التوكل على الله، والإيمان بقضاء الله وقدره -فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتماداً على الله، ورجاءً منه أن لا يحصل به ضرر- ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك، لاسيما إذا كانت مصلحة عامة أو خاصة ].
وهذا الكلام أيضاً فيه نظر؛ لأنه وإن قويت نفس الإنسان وقوي توكله فإنه غير مأمور بأن يلقي نفسه في الضرر، ولا يجوز، إلا إذا كان هناك مصلحة للإسلام والمسلمين ظاهرة، مثل ما يروى أن خالد بن الوليد احتسى سماً، لما قيل له في حصن حاصره: لن ننزل إلا أن تأكل هذا السم، فأخذه بكفه وقال: باسم الله توكلاً على الله وثقة به، فأكله، فأصابه عرق ولم يضره، وهذا لأنه لمصلحة الإسلام، فبين لهم أن هذه آية من آيات الله جل وعلا، وكذلك حدث لـسعد بن أبي وقاص ومن معه عندما مشى على البحر بالخيل، وأصبحت تمشي كأنها تمشي على الرمال، وذلك أنهم وثقوا بالله وتوكلوا عليه، وقالوا: نحن في سبيل الله، وعباد الله، ولن يضيعنا ربنا، فمثل هذا فيه مصلحة عامة ظاهرة، ويجعلها الله جل وعلا آية، أما أن يلقي الإنسان يلقي بنفسه في المهالك بدون معنى ولا جدوى فهذا لا يجوز.
قال الشارح رحمه الله: [وعلى هذا يحمل الحديث الذي رواه أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم (أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة، ثم قال: كل باسم الله، ثقة بالله، وتوكلاً عليه)، وقد أخذ به الإمام أحمد ، وروي ذلك عن عمر وابنه وسلمان رضي الله عنهم].
لا يلزم أن تكون مخالطة المريض على كل حال تعدي هذا شيء، ثم إن المقصود بالنفي: هو المبالغة في المخالطة، لا كما يعتقده، كثير من الناس من أنه لا ينبغي أن يقرب المريض، ولا أن ينظر إليه، حتى إن بعض العلماء أصيب بشيء من الوسوسة في هذا، وكان لا يعود المريض! فلما قيل له: إن هذا جاء في الشرع! فكيف لا تعود المريض؟! قال: ينبغي أن تكون عيادته من بعيد، وأن يكون الكلام والسلام بالإشارة، لا يكون قريباً منه، إن قربانه والإتيان إليه يكون سبباً للعدوى بالمرض، وهذا إسراف في الواقع، والمنهي المخالطة: كأن يأخذ ثيابه، أو يجلس في لحافه، أو ما أشبه ذلك من الأمور التي هي معروفة أنها تكون من الأسباب المعدية، فهذا هو الذي لا ينبغي، والوسط هو المطلوب، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال هذا القول، هو الذي قال القول الآخر، فلا تكون متضاربة ومتخالفة.
أما مشي سعد بن أبي وقاص فكان في نهر دجلة، وذلك لما كان في قتال القادسية، فإنه لما وصل إلى المدائن فر الفرس وعبروا النهر، ثم كسروا الجسور، ولم يبق جسر يعبر عليه المسلمون، فبقوا أياماً على ضفة النهر، وأولئك على الضفة الأخرى، فقال لهم سعد : إنه وقع في نفسي شيء سأقوله لكم، ولا أدري هل ستوافقونني عليه أم لا؟ قالوا: ما هو؟ قال: وقع في نفسي أننا نخوض هذا النهر، فقالوا: تقدم ونحن معك، نحن في سبيل الله، ونحن عباد الله، ولن يضيعنا ربنا، فركب فرسه وقال: اتبعوني، فركب فرسه، وقال: باسم الله، ودخل النهر في غرق، ثم تبعوه، فصارت الخيل تمشي من فوق الماء كأنها تمشي على الرمال، فلما رآهم الفرس صاروا يصيحون: مجانين! مجانين! ليسوا مجانين، وإنما هم وثقوا بالله جل وعلا، فأعطاهم ما رجوا.
وأما أبو مسلم الخولاني فليس صحابياً وإنما هو تابعي، وهو الذي قال له الأسود العنسي : أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع، قال: أتشهد أن محمد رسول الله؟ قال: نعم. فألقاه في النار فلم تضره، ثم جاء إلى المدينة فاستقبله عمر، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم، وكانت النار عليه سلاماً وبرداً كما كانت على إبراهيم.
وسار مرة وهو في الجهاد مع فريق، واعترضهم البحر، فقال: اتبعوني، فتبعوه، فصاروا يمشون على متن البحر، حتى قطعوه على خيولهم، فلما وصل إلى البر وقف وقال: هل فيكم أحد فقد شيئاً، فأدعو الله أن يأتي به، فقال رجل: أنا فقدت قعباً لي كنت أتوضأ به -وكان العقب خلف راحلته- فالتفت وإذا هو قد تعلق بناقته، وهذه قصة مشهورة، وليس معنى ذلك أن الإنسان يلقي بنفسه ويقول: أثق بالله وأتوكل عليه! لا إذا كان الإنسان عنده ثقة بالله تامة، وفي نصرة الله، وخدمة دينه وإظهاره، فتكون هذه آية من آيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي من كرامات من وقعت على يده.
النفي، أي: نفي الشيء الذي يعتقده الكفار، وليس نفي وجود الطيرة أو ما ذكر معها، فإن هذا موجود ولا ينفى، وإنما ينتفي الشيء الذي يترتب عليها كما هي عقيدة أهل الجاهلية فيها، والنهي موجه لمن يمتثل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يفعل شيئاً من ذلك، وإذا جاء النهي فمعنى ذلك أنه باطل، وهو يشمل أيضاً النفي، وإن كان النفي في مثل هذا أبلغ.
قال الشارح رحمه الله: [ وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومنا أناس يتطيرون، قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم)، فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه بالطير إنما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطير به].
ولكن قد يبتلى الإنسان إذا استرسل مع ذلك، أو تحراه ونظر إليه، فيصاب بالشيء الذي يتخيله أو يتوقعه جزاءً له؛ لأنه مال إلى وهم الشيطان وتخييله وتزيينه، ولو كان توكل على ربه جل وعلا وعلم أنه لا يقع شيء إلا بإذنه تعالى، وأن الطيور والبهائم والدواب وأصوات الناس ومناظيرهم وأحوالهم لا تغير شيئاً، ولا توجد نفعاً ولا ضراً، إذا علم الإنسان ذلك وتوكل على ربه لن يضره شيء إلا بإذن ربه جل وعلا، فالواقع أنه لا حقيقة له، وإنما يزينه الشيطان ويخوف به من ينظر إلى ذلك، فالمقصود أنه قد يبتلى الإنسان، إما فتنة له؛ لينظر هل يميل إلى ذلك ويصدقه، أم أنه سيعرض عنه نهائياً، ويعلم أن هذا شيء وقع بقدر الله، فوافق ذلك الشيء موافقة فقط، وأن ذلك الشيء -أعني فعل الطير، أو الكلام الذي يسمعه، أو الشيء الذي ينظره- لا صلة له بتقدير الله جل وعلا، ولا ما يصيب الإنسان من خير أو شر.
فأوضح صلى الله عليه وسلم لأمته الأمر، وبين لهم فساد الطيرة؛ ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة، ولا فيها دلالة، ولا نصبها سبباً لما يخافونه ويحذرونه، ولتطمئن قلوبهم، وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه، وخلق لأجلها السماوات والأرض، وعمر الدارين الجنة والنار بسبب التوحيد، فقطع صلى الله عليه وسلم علق الشرك من قلوبهم؛ لئلا يبقى فيها علقة منها، ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار ألبتة].
والوحدانية هنا كالربوبية، والله جل وعلا هو رب كل شيء وخالقه، والمتصرف فيه، ولا أحد من الخلق يؤثر في شيء من الوجود إلا إذا جعله جل وعلا سبباً في ذلك، والله جل وعلا لم يجعل أفعال الطيور وأصواتها، وأفعال البهائم، أو أصوات الناس أو ما أشبه ذلك سبباً لجلب الخير أو جلب الشر، وقد أخبر أن الأمور كلها بيده جل وعلا، فيجب أن يوحد الإنسان ربه في هذا، ويعلم أنه هو المتوحد في التصرف والتدبير والخلق والتقدير والمشيئة، لا يقع شيء إلا بمشيئته وتدبيره، وبعد إذنه وعلمه.
ثم بعد ذلك يأتي توحيد العبادة، في أن يتجه إلى الله جل وعلا بالعبادة، ولهذا صار توحيد الربوبية دليلاً على وجوب توحيد الإلهية ؛ لأنه هو المطلوب أولاً، ثم توحيد الإلهية ثانياً، وإن كان توحيد الإلهية يتضمن توحيد الربوبية، إلا أن توحيد الربوبية مستلزم توحيد الإلهية، فإذا عرفت أن الله ربك ورب كل شيء، وأنه هو الذي بيده الخير والشر، وجب عليك أن تعبده وحده، وهذا معنى التضمن، فلهذا أخبر الله جل وعلا كتابه أن الناس -بعد أن أقام عليهم الحجج- يقرون بتوحيد الربوبية في الجملة، ولكنهم يناقضون ذلك عندما يتطيرون مثلاً، أو يجعلون وساطة بينهم وبين الله في الدعوة والتوجه والتوسل وما أشبه ذلك، فيكون هذا منافياً لتوحيد الربوبية، كما قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وكلهم مقرون بأن الله هو خالقهم، وخالق من قبلهم، ومن بعدهم، ليس معه خالق آخر تعالى وتقدس.
ثم قال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، يعني: يعلمون أن الله جل وعلا هو الذي مهد الأرض، وجعلها على هذا الوضع، وهم عليها مستقرون، ويستطيعون الانتفاع بها، والمشي على ظهرها والحرث، والسماء فوقهم ينظرون إليها ويرون عظمها، فما من مخلوق من بني آدم يعتقد أن أحداً شارك الله جل وعلا في وضع الأرض، أو في بناء السماء، كما أنه لا يوجد أحد يعتقد أن شيئاً من المخلوقات أنزل المطر من السماء، وأنبت النبات الذي يأكله الناس والأنعام، ولهذا قال: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، يعني: أنتم تعلمون أنه هو المتفرد فيما ذكر، فكيف إذاً تعبدون معه غيره؟ والعبادة التي تصدر منهم في مثل هذا هي أنهم يجعلون الأشجار والأحجار أو الملائكة أو الأولياء أو الجن وسائط يتوسلون بهم إلى الله، يقولون: ندعوهم، ثم هم يشفعون لنا عند الله، ويتوسطون لنا؛ فمنهم من ليس عليه ذنوب، ومنهم صالحون مقربون عند الله، هذا هو شركهم.
فما فيهم أحد يعتقد أن الشجر يدبر مع الله، أو يتصرف مع الله، بل ما فيهم أحد يعتقد أن الملائكة تدبر مع الله، وتتصرف مع الله تعالى الله وتقدس! فالإنسان يجب عليه أن يعرف الشيء الذي خاطب الله جل وعلا به عباده في كتابه، ويعرف الوضع الذي كان عليه المشركون، حتى يستفيد من ذلك، بأن يجتنب ما كانوا يفعلونه.
وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل على جواز الطيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الشؤم في ثلاث: في المرأة، والدابة، والدار) ونحو هذا، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إخباره صلى الله عليه وسلم في الشؤم في هذه الثلاثة ليس فيها إثبات الطيرة التي نفاها الله سبحانه، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعياناً مشئومة على من قاربها وساكنها، وأعياناً مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولداً مشئوماً يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية أو غيرها فكذلك الدار والمرأة والفرس].
قوله: (إن يكن الشؤم في شيء ففي ثلاث) (إن) هنا شرطية، يجوز وقوع الشرط ويجوز عدمه، والمقصود بالشؤم: الأخلاق التي تصدر ممن يتشاءم بأخلاقه وأفعاله، وليس أن هناك أموراً مقدرة في الغائب تقع على هذا في مصاحبته أو مقارنته له، وهذه الأمور الثلاثة غالباً ما تلازم الإنسان: فالمرأة قد تطول صحبتها مع الإنسان، وكذلك الدار، وكذلك الفرس؛ والفرس عند العرب كالولد، فإذا اشترى العربي فرساً فإنه يعتنى بها ويخدمها؛ لأنهم يرون أن بها عزهم ومنعتهم من الأعداء، فلهذا يقدمونها على الأولاد في الإكرام والطعام، ويعتنون بها كثيراً، بخلاف غيرها من الدواب، فإنها سرعان ما تستبدل أو تذهب عند أي مناسبة.
فلما كانت هذه الأشياء تكثر ملازمتها للإنسان، ويصعب مفارقته إياها، فالمرأة قد تكون حسنة الأخلاق مطيعة، وتنظر الشيء الذي يلائم زوجها فتفعله، فيكون فيها سعادة له وبركة، وقد تكون بالعكس، فإذا كانت بعكس ذلك صار ذلك شؤماً عليه من جراء أخلاقها، وليس من الأمور المستقبلة، والدار كذلك قد تكون مثلاً ضيقة، وقد يكون فيها أو حولها ما يتأذى به، وهو يصعب عليه استبدال تلك الدار بدار بأخرى، فيقع عليه الشؤم، ولكن إذا وقع شيء من ذلك للإنسان فينبغي أن يستبدل به غيره، فيفارق المرأة، ويفارق الفرس بفرس غيرها، ويفارق كذلك الدار إلى دار أخرى ترتاح فيها نفسه، هذا هو المعنى المقصود من قوله: (إن كان الشؤم في شيء...).
قال الشارح رحمه الله: [والله سبحانه خالق الخير والشر، والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعوداً مباركة، ويقضي بسعادة من قاربها، وحصول اليُمن والبركة له، ويخلق بعضها نحوساً يتنحس بها من قاربها.
وكل ذلك بقضائه وقدره، كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، كما خلق المسك وغيره من الأرواح الطيبة، ولذذ بها من قاربها من الناس، وخلق ضدها وجعلها سبباً لألم من قاربها من الناس.
والفرق بين هذين النوعين مدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون والطيرة الشركية لون. انتهى].
إذا اعتقد أن عيناً من الأعيان تكون منحوسة أو مسعدة، فهذا هو الذي جاء النهي عنه، لأن المقصود في الحديث إنما هو ذلك الشيء الذي تعمله هذه العين: أخلاقها وأعمالها، فإنها قد تكون شراً، وكإنسان مطبوع على الشر، وعلى كراهية الخير، وأعماله سيئة، فمفارقة مثل هذا راحة ومقاربته شؤم، وقد يكون بخلاف ذلك، فيكون كل من قاربه أو صاحبه مرتاحاً معه، بل يكون معاوناً له على الخير، أما الدار فليس لها أخلاق، ولكن قد يصاب الإنسان فيها بمصائب، فيجد نفسه يكره هذا المكان فله أن يفارقه لأن النفس جبلت على أن تنفر من المكان الذي أصيبت فيه بمصيبة، أما المكان فليس له تأثيراً بداً، هذا هو المقصود، أما أن يعتقد أن هناك مخلوق منحوس ومخلوق سعود، فهذا ليس بصحيح، والصحيح أن أخلاقه وأعماله هي التي تكون نحساً أو سعداً.
قال ابن الأعرابي : كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نعت إلي نفسي أو أحداً من أهل داري، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله.
قوله: (ولا صفر) بفتح الفاء، روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب، وعلى هذا: فالمراد بنفيه ما كانوا يعتقدونه من العدوى، وممن قال بهذا سفيان بن عيينة والإمام أحمد والبخاري وابن جرير .
وقال آخرون: المراد به شهر صفر، والنفي لما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء، وكانوا يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه، وهو قول مالك .
وروى أبو داود عن محمد بن راشد عن من سمعه يقول: إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك].
وهذا معنى ثالث من معاني قوله (ولا صفر)، أي: أنهم كانوا يتشاءمون فيه، فلا يسافرون فيه، ولا يتزوجون فيه، ولا يبنون فيه، فأبطل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك.
ومعلوم أن التشاؤم بالشهور أو بالأيام من فعل الجاهلية، فالشهور والأيام خلقها الله جل وعلا مطيعة وتقع فيها الحوادث التي تكون من الخلق كالطاعات والمعاصي، وإلا فهي ليس لها تصرف في شيء ولا لها إسعاد أو إنحاس، وكثير من الناس ما زال على ما كانت عليه الجاهلية، فتجد بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، وبعضهم يتشاءم ببعض الشهور، ويتزوج في ليلة معينة؛ لأنه يرى أنها خير من غيرها، وهذا كله من العقائد الفاسدة، فالإنسان ليس له إلا ما قدر له، ولا يجزى إلا بعمله الذي عمله، فإن عمل الخير فله الخير في وإلا أي وقت كان، وفي أي يوم كان، وفي أي شهر كان، فلا شهر يكون فيه خير من شهر إلا بالأعمال التي تقع فيها، ما وقع من تفضيل الله لبعض الشهور والأيام على بعض فيكون العمل في تلك الشهور أو الأيام أفضل من العمل في غيرها: كرمضان مثلاً وأيام الحج وليلة القدر قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] يعني: العمل فيها أفضل من عمل ألف شهر، فهذا إلى الله، أما أن يقول الإنسان: إن هذا الشهر إذا عملت فيه كذا وفقت، أو هذا اليوم إذا فعلت فيه كذا وفقت، واليوم الآخر لو عملت فيه عملاً فلن يأتي التوفيق، فهذا تخييل من الشيطان، وإيهام منه، وهو من فعل الجاهلية.
قال الشارح رحمه الله: [قال ابن رجب : ولعل هذا القول أشبه الأقوال، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء، وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة.
قوله: (ولا نوء) النوء: واحد الأنواء، وسيأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى].
ليس معنى نفي النبي صلى الله عليه وسلم للغول نفي وجود الجن والشياطين، فهؤلاء موجودون، وكثير منهم يريد أذى ببني آدم، ويتعرضون لهم، ويظهرون كثيراً بأنهم أعداؤهم، وقد أخرج أبوهم من الجنة؛ بسبب عداوته لآدم كما هو معلوم، فأقسم لربه جل وعلا أنه سوف يحتنك ذرية بني آدم، يعني: يستولي عليهم ويضلهم، إلا من استثناه الرحمن جل وعلا، فهم حريصون جداً على أذية بني آدم، ومن كان منهم على نهج أبيه فإنه يحرص كل الحرص على أذيتهم بأي شيء كان.
ولكن من رحمة الله جل وعلا أنه ما جعل لهم سلطاناً على المؤمنين، فإن المؤمن يتحصن بحصن حصين لا يستطيعون أن يأتوا إليه أو يقربوه إذا جاء به وهو ذكر الله، فإذا قال: طردهم وحمى منهم، وكذلك تلاوة القرآن، والأذان، وغير ذلك من الأذكار فليس على المؤمنين منهم ضرر.
أما تسلطهم على المشركين والغافلين، فهذا يجوز أن يقع كما هو معلوم للناس، لهذا لا يكون الإيذاء منهم إلا للغافل الذي لا يذكر الله جل وعلا، فلا يتعرضون للمسافر، ولا لغيره إذا كان ذاكراً لله جل وعلا، وإذا ظهر له شيء فذكر الله، فإنه يزول ذلك ويذهب عنه، لهذا جاءت الآثار: (أنه إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان)، يعني: إذا رأيتم شيئاً من هؤلاء فاذكروا الله جل وعلا، فإنهم يهربون.
قال الشارح رحمه الله: [فإن قيل: ما معنى النفي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان)؟ أجيب عنه: بأن ذلك كان في الابتداء، ثم دفعها الله عن عباده].
هذا الجواب غير صحيح، وهي ما زالت موجودة، وقد تتعرض للرجل، فإذا ذكر الله زالت وذهبت واختفت، كما بشهد بذلك الواقع.
قال الشارح رحمه الله: [أو يقال: المنفي ليس وجود الغول، بل ما يزعمه العرب من تصرفه في نفسه، فيكون المعنى بقوله: (لا غول)، أنها لا تستطيع أن تضل أحداً مع ذكر الله والتوكل عليه].
هذا هو الصواب، فلا تستطيع أن تضل أحداً مع ذكره لله جل وعلا والإيمان به، فإنها تذهب وتزول وتنتهي، وإنما يكون تسلطهم على الكافرين المشركين، وعلى الغافلين الذين يغفلون عن ذكر الله جل وعلا، ويعرضون عنه، ويكثرون من المعاصي، ويقلّون من الطاعات.
قال الشارح رحمه الله: [ ويشهد له الحديث الآخر: (لا غول ولكن السعالي: سحرت الجن)، أي: ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، ومنه: الحديث (إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان)، أي: ادفعوا شرها بذكر الله، وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها، ومنه: حديث أبي أيوب : (كان لي تمر في سهوة، وكانت الغول تجيء فتأخذ)].
الغول يعني: الجن الشياطين، والجن من تمرد منهم يكون شيطاناً، وحتى الإنس يكون منهم شياطين، كما قال الله جل وعلا: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، وفي حديث أبي ذر : (تعوذ بالله من شياطين الجن والإنس، فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: نعم) كذلك الحديث الذي في الصحيحين، في قصة زكاة الفطر التي جمعها الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعها في المسجد حتى يفرقها، وسأل أبا هريرة أن يحرسها في الليل، فجاءه رجل وصار يحثو من التمر فأمسكه، فجعل يترجاه ويقول: دعني؛ فإني فقير محتاج وعندي عيال، يقول: فرحمته فتركته، فلما غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما صنع أسيرك يا
فالمقصود أنه يعرض للإنسان، وقد يراه في صورة إنسان يخاطبه ويكلمه، ويظن أنه من بني آدم، ويتخاطب معه، وقد يأتي -مثل ما ذكر- في صورة غول، يعني: صورة منكرة مخيفة، حتى يخيف الإنسان، وهذا الغول مأخوذ من غول؛ لأنه يتصور بصورة منكرة مخيفة، فيرعب الإنسان ويخوفه، وقد يهرب الإنسان عنه حتى يضل ويهلك، وهذا لا يقع للمؤمن الذي يذكر الله جل وعلا، هذا هو المنفي عنه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر