قال الشارح: [قوله: ( إن من شرار الناس ) بكسر الشين، جمع شرير.
قوله : ( من تدركهم الساعة وهم أحياء ) أي: مقدمتها كخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها، وبعد ذلك ينفخ في الصور نفخة الفزع.
قوله: ( والذين يتخذون القبور مساجد ) معطوف على خبر (إن) في محل نصب على نية تكرار العامل، أي: وإن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد، أي: بالصلاة عندها وإليها، وبناء المساجد عليها، وتقدم في الأحاديث الصحيحة أن هذا من عمل اليهود والنصارى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لعنهم على ذلك، تحذيراً للأمة أن يفعلوا مع نبيهم وصالحيهم مثل اليهود والنصارى، فما رفع أكثرهم بذلك رأساً، بل اعتقدوا أن هذا الأمر قربة إلى الله، وهو مما يبعدهم عن الله ويطردهم عن رحمته ومغفرته.
والعجب أن أكثر من يدعي العلم ممن هو من هذه الأمة لا ينكرون ذلك، بل ربما استحسنوه ورغبوا في فعله، فلقد اشتدت غربة الإسلام وعاد المعروف منكراً والمنكر معروفاً والسنة بدعة والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير وهرم عليه الكبير.]
وقال ابن القيم رحمه الله: يجب هدم القباب التي بنيت على القبور؛ لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما في القرافة من الأبنية منهم ابن الجميزي والظهير التزمنتي وغيرهما.
وقال القاضي ابن كج : ولا يجوز أن تجصص القبور، ولا أن يبنى عليها قباب ولا غير قباب، والوصية بها باطلة.
وقال الأذرعي : وأما بطلان الوصية ببناء القباب وغيرها من الأبنية وإنفاق الأموال الكثيرة فلا ريب في تحريمه.
وقال القرطبي في حديث جابر رضي الله عنه: (نهى أن يجصص القبر أو يينى عليه)، وبظاهر هذا الحديث قال مالك : وكره البناء والجص على القبور. وقد أجازه غيره، وهذا الحديث حجة عليه.
وقال ابن رشد : كره مالك البناء على القبر وجعل البلاطة المكتوبة، وهو من بدع أهل الطول أحدثوه إرادة الفخر والمباهاة والسمعة، وهو مما لا اختلاف فيه.
وقال الزيلعي في شرح الكنز : ويكره أن يبني على القبر. وذكر قاضي خان: أنه لا يجصص القبر ولا يبني عليه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن التجصيص والبناء فوق القبر) والمراد بالكراهة عند الحنفية رحمهم الله كراهة التحريم.
وقد ذكر ذلك ابن نجيم في شرح الكنز.
وقال الشافعي رحمه الله : أكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس. وكلام الشافعي رحمه الله يبين أن مراده بالكراهة كراهة التحريم ].
وهذا كثير في كلام العلماء ومنهم المتأخرين حتى قال ابن حجر الهيتمي -وليس ابن حجر العسقلاني - صاحب الزواجر، وهو متأخر وهو ممن صادم دعوة الشيخ محمد وقام ضدها، وكان يكفر ابن تيمية ! وله كتب في هذا، ومع ذلك يقول: يجب إزالة القباب وينبغي أن يُبدأ بقبة الشافعي . هكذا.. لماذا يقول هذا؟ لأنه شافعي رحمه الله؛ ولأن هذا مجمع على أنه ضلال.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [وجزم النووي رحمه الله في شرح المهذب بتحريم البناء مطلقاً، وذكر في شرح مسلم نحوه أيضا.
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة إمام الحنابلة صاحب المصنفات الكبار كالمغني والكافي وغيرهما رحمه الله تعالى: ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى...) الحديث وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام : تعظيم الأموات واتخاذ صورهم والتمسح بها والصلاة عندها. انتهى].
وبالجملة فمن علل النهي عن الصلاة في المقبرة بنجاسة التربة خاصة؛ فهو بعيد عن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يخلو أن يكون القبر قد بنى عليه مسجد، فلا يصلى في هذا المسجد، سواء صلى خلف القبر أو أمامه بغير خلاف في المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وخص قبور الأنبياء؛ لأن عكوف الناس على قبورهم أعظم، واتخاذها مساجد أشد.
وكذلك إن لم يكن بني عليه مسجد؛ فهذا قد ارتكب حقيقة المفسدة التي كان النهي عن الصلاة عند القبور من أجلها، فإن كل مكان صلي فيه يسمى مسجداً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) وإن كان موضع قبر أو قبرين ].
الأئمة يقولون بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، وأن الصواب في منع ذلك ما دلت عليه النصوص، وهو خشية أن تكون العبادة لغير الله جل وعلا؛ لأنه من المعلوم أن الافتتان بالقبر يشتد سيما إذا كان قبر نبي، أو قبر ولي، وهذا هو الواقع.
وأما التعليل بأن النهي عن اتخاذ القبور مساجد؛ لأن ذلك الموضع مظنة للنجاسة فإن هذا تعليل غير صحيح؛ لأن الصلاة في المقبرة لا تجوز سواء صلى على فراش أو صلى من دون فراش فكل ذلك باطل؛ لأن النهي لأجل القبور، ومن المعلوم أن القبور تدفن في أسفل الأرض، وتسوى عليها الأرض، وتأتي الأمطار وتأتي الرياح والشمس وغير ذلك وكل هذا يطهر النجاسة، واستحالة النجاسة يجعلها طاهرة، وهذا كله لو وجد فإن علة النهي باقية.
ثم إنه ليس المقصود أنه لا بد أن تكون على المقابر مساجد مبنية كالمساجد التي يصلي فيها المسلمون، وإنما المقصود أن يسجد الإنسان ويصلي فكل موضع سجود يعد مسجداً.
وقد قال بعض الذين يحادون رسول الله صلى الله عليه وسلم محادة ظاهرة: إن المقصود باتخاذها مساجد أن تضع جبهتك على القبر أما إذا سجدت خلفه أو أمامه أو عن يمينه أو عن شماله فلا بأس! وهذه محادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس المقصود أنه يضع جبهته على القبر، فهذا كذب متعمد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم جرم من يفعل ذلك، والذي يحمله على هذا القول هو التقليد والتعصب فقط، نسأل الله السلامة، والواجب على الإنسان أن يتجرد لله جل وعلا، وأن يكون قصده وعمله لله جل وعلا، وإذا تبين له الحق فيجب عليه أن يقول به وأن يعمل به.
أما إذا بنيت المساجد على القبور لأجل إقامة صلاة الجماعة فيها والتردد عليها فيجب أن يهدم هذا المسجد؛ لأنه أشد من مسجد الضرار الذي اتخذ لمضارة المسلمين، وهذا لمضارة عباد الله المؤمنين، حيث يدعى فيه إلى الشرك عن طريق التعلق بالموتى، وإذا ما قدر أن المسجد كان مبنياً فأدخل فيه القبر فإنه يجب أن ينبش ويزال، ولا يجوز أن يدفن في المساجد أو بالقرب من المساجد؛ لأن هذا قد يجر إلى التعلق بهم وقصدهم، وقصد هذا المسجد لأنه قرب القبور، والتبرك بها وسؤال أصحابها، أو لأن الدعاء عند القبور ترجى إجابته! وكل هذا من البدع التي هي وسائل إلى الشرك الأكبر.
ولا فرق في كون القبر قديماً أو جديداً، ولا فرق بين كونه مسوى بالأرض أو ظاهراً، فلا يجوز أن يتخذ أي قبر مسجداً لعموم النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال ابن قدامة والنووي : إن مبدأ الشرك من هذا الأمر، ويشير بهذا إلى ما تقدم: أن أول شرك وقع في بني آدم بسبب الغلو في الصالحين، وتصوير صورهم ووضعه في أماكن يرونهم وإذا رأوهم تذكروا عبادتهم واجتهادهم فاجتهدوا كاجتهادهم، ثم فيما بعد عُبدوا، وصاروا يُسألون إلى أن صار التعلق بهم شديداً جداً حيث أصبح بعضهم متمسكاً بعبادتها وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23] ويوصي بعضهم ببعض خوفاً من أن تؤثر دعوة الرسل عليهم! مع أن الرسل جاءوا يدعونهم إلى أن يعبدوا الله وحده، فهذا هو المبدأ، ولهذا السبب جاء النهي.
ولا تجوز الصلاة في مسجد بني في مقبرة، سواء كانت له حيطان تحجز بينه وبين القبور، أو كان مكشوفاً، قال في رواية الأثرم : إذا كان المسجد بين القبور لا يصلى فيه الفريضة، وإن كان بينها وبين المسجد حاجز فرخص أن يصلي فيه على الجنائز ولا يصلى فيه على غير الجنائز، وذكر حديث أبي مرثد عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تصلوا إلى القبور) وقال : إسناده جيد. انتهى.
ولو تتبعنا كلام العلماء في ذلك لاحتمل عدة أوراق، فتبين بهذا أن العلماء رحمهم الله بينوا أن علة النهي ما يؤدي إليه ذلك من الغلو فيها وعبادتها من دون الله كما هو الواقع والله المستعان.
وقد حدث بعد الأئمة الذين يعتد بقولهم أناس كثر في أبواب العلم بالله اضطرابهم، وغلظ عن معرفة ما بعث الله به رسوله من الهدى والعلم حجابهم، فقيدوا نصوص الكتاب والسنة بقيود أوهنت الانقياد، وغيروا بها ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم بالنهي وأراد، فقال بعضهم: النهي عن البناء على القبور يختص بالمقبرة المسبلة، والنهي عن الصلاة فيها لتنجسها بصديد الموتى، وهذا كله باطل من وجوه:
منها: أنه من القول على الله بلا علم، وهو حرام بنص الكتاب.
ومنها: أن ما قالوه لا يقتضي لعن فاعله والتغليظ عليه، وما المانع له أن يقول : من صلى في بقعة نجسة فعليه لعنة الله، ويلزم على ما قاله هؤلاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين العلة، وأحال الأمة في بيانها على من يجيء بعده صلى الله عليه وسلم وبعد القرون المفضلة والأئمة، وهذا باطل قطعاً وعقلاً وشرعاً، لما يلزم عليه من أن الرسول صلى الله عليه وسلم عجز عن البيان، أو قصر في البلاغ، وهذا من أبطل الباطل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، وقدرته في البيان فوق قدرة كل أحد، فإذا بطل اللازم بطل الملزوم ].
وهذا من مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله، ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: أن يشهد شهادة يقينية بلا تردد ولا شك أنه رسول من عند الله جاء برسالة الله فبلغها عن الله، وأداها كما أمر الله جل وعلا، وإذا اعتقد أن الرسول ترك شيئاً من الجوانب المهمة أو غير المهمة مما يلزم الناس في دينهم ولم يوضحه ويبينه، فشهادته أن محمداً رسول الله غير سليمة.
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله جل وعلا بالبلاغ، وقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67]، وإذا لم يبلغ الرسالة ماذا يكون؟ توعده الله جل وعلا، ولهذا كان صلوات الله وسلامه عليه يخاف في بعض الأحيان ويستشهد الناس فيقول: (إنكم مسئولون عني فكيف تقولون؟) فيقولون له: نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وقمت بما يلزم، ويستشهد ربه ويقول: يا رب اشهد عليهم، اشهد أنهم شهدوا لي بالبلاغ؛ لأنهم سيسألون يوم القيامة، وهو يسأل كما قال الله جل وعلا: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف:6-7].
فلا بد من سؤال المرسل إليه والرسول، ولهذا يقول العلماء: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون ولا بد إذا وقفوا بين يدي الله: ماذا كنتم تعبدون؟ وبماذا أجبتم المرسلين؟ فلا بد أن يكون ذلك صحيحاً.
فإذاً: يكون معنى شهادة أن محمداً رسول الله: أن يشهد الإنسان أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ كل ما أمره الله جل وعلا، وقد قال الله جل وعلا في آيات كثيرة لرسوله: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44] وقد بين صلوات الله وسلامه عليه كل ما يلزم، وما ترك شيئاً مما يلزمنا إلا ووضحه وبينه غاية البيان.
حتى إنه علمنا آداب الأكل، وآداب قضاء الحاجة، وقال: (إذا أراد أحدكم أن يقضي حاجته فليبعد، ثم ليستتر، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)، وما أشبه ذلك من الآداب، وكذلك إذا دخل المنزل يقول: باسم الله، نسأل الله خير المولج، وإذا قدم الطعام يسمي، إذا أوى إلى فراشه يقول: كذا وكذا، وهذه أمور لو تركها الإنسان فليس عليه شيء، ومع هذا فقد بينها صلى الله عليه وسلم، فهل بعد هذا يعتقد أنه يترك الشيء الذي إذا فعلناه أثمنا وربما هلكنا؟ لا يجوز هذا أصلاً.
كيف يقال: إن العلة في هذا النجاسة! إنما العلة أن تخلص العبادة لله، وأن لا يدخل العبادة شيء مما يشوبها أو يفسدها أو يبطلها نهائياً، ولا يحسبن حاسب أن الذين يقصدون القبور ويتبركون بها ويدعون أصحابها: أنهم كلهم عوام، بل فيهم علماء، وهؤلاء العلماء هم الذين أضروهم في الواقع، ففيهم من يحتج به ويقال: إنه عالم، وهو إما يقر ذلك أو يفعله.
وربما تجد من هؤلاء من يدعو الناس إلى عبادته قبل موته، فهذا أحدهم يقول لأصحابه: إذا كانت لأحدكم حاجة بعد موتي فليأت إلى قبري وليسألني! فلا خير فيمن يحول بينه وبين قضاء حوائج أصحابه ذراع من تراب! فهذه دعوة إلى عبادته.
وآخر يقول: إذا كان يوم القيامة نصبت خيمتي على النار فلا أدع أحداً يدخلها! ينصب خيمته على النار! نعوذ بالله من هذا الهوس، وما أشبه ذلك من أقاويل أناس ضلوا في عقولهم بعد ضلالهم في أديانهم، أو أناس ضعاف من دعاة الشيطان يدعون إلى عبادة غير الله جل وعلا، وكل هذا مما يلبس على كثير من الناس ويضرهم.
ومعلوم أن من فعل ذلك وتبعه عليه من تبعه، أن عليه وزره ووزر من تبعه من غير أن ينقص من أوزار الأتباع شيئاً؛ لأنه لا عذر لأحد في ذلك، فالذي يقتدى به ويؤتم بأقواله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، أما غيره من الناس فيجب أن تعرض أقواله على أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن وافقت أقواله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت؛ لأنها وافقت قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا لأنها أقواله.
فلا أحد يحكم على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما الحجة فقط، وبهما يقوم العذر، أما أفعال الناس وأقوالهم وتقدريراتهم، فليست حجة ولن تنجي الإنسان؛ ولهذا ذكر الله جل وعلا في القرآن عن الملأ من الناس -يعني: الكبراء والعلماء والقادة- أن الضعفاء يشكونهم عند الله يقولون: رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا [الأعراف:38] فهل ينفعهم؟ كلا، لا ينفعهم.
وكذلك هؤلاء الذين يعبدون القبور ويدعون أصحابها، ويلتجئون إليهم عند الضر وعند الشدائد أو عند الرغبة التي يرغبون فيها أن يهبوا لهم أولاداً أو أموالاً أو غير ذلك كما هو الواقع، وإذا كان يوم القيامة يقال لهم: اذهبوا إلى أولئك الذين كنتم تدعونهم فليجيروكم من عذاب الله!
فيقولون: ربنا ضلوا عنا، يعني ذهبوا عنا فلا نجدهم، وربما كذبوا على أنفسهم، وقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، يكذبون على أنفسهم! وهل يخفى على الله شيء؟ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6] يعني: إذا جمعوا جميعاً وقيل لهم: اذهبوا إليهم، تبرءوا منهم وأظهروا لهم العداوة، وقالوا: ما أمرناكم بهذا، ونحن نبرأ إلى الله منكم ومن أعمالكم ونكفر بها وبكم، وصاروا أعداء لهم.
فمن كان هذا سعيه وهذا عمله وهذا رجاؤه، فيبدو له يوم القيامة ما لم يكن يحتسب، وهذه هي المصيبة، ثم تتضاعف الحسرات فتكون حسرات مع عذاب ونكال، نسأل الله العافية.
فليس هناك طريق ينجي إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وكل الطرق تؤدي إلى جهنم إلا الطريق التي تكون خلف المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فمن سلك هذا الطريق نجا وفاز، أما إذا حاد يميناً أو شمالاً مع الطرق الكثيرة فإن هذه الطرق تؤديه إلى النار، نسأل الله العافية.
الأنبياء في قبورهم أحياء، فلا تتطرق إليهم الأرض بأكل أجسادهم أو شيئاً منها، ولكن هذه الحياة لا نعرف ما كيفيتها، فهي حياة برزخية غير معروفة، ولكن حياتهم أكمل من حياة الشهداء، وقد نهانا الله جل وعلا أن نقول لمن يقتل في سبيل الله إنه ميت وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154] وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، هذا في الشهداء.
أما الأنبياء فهم أكمل حياة من الشهداء، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـجابر بن عبد الله : (أتدري ماذا قال الله لأبيك؟ -وأبوه قتل في أحد- فإنه قال له: يا عبدي! تمن علي، فقال: ماذا أتمنى وقد أعطيتني ما لم تعطه أحداً من الناس؟! ثم يقول: تمن علي ثم تمن علي، فلما رأى ذلك قال: يا ربي! أريد أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك مرة أخرى) للشيء الذي رآه.
وقد جاء أن معاوية رضي الله عنه أراد أن يجري عيناً من أحد إلى المدينة، وذلك بعد أربعين من وقعة أحد، فجاءت بالقرب من مقبرة شهداء أحد، فقيل للناس: من كان له ميت فليزله من هذا المكان، فلما أزالوهم وجدوهم كما هم، وكأنهم دفنوا الآن، ومع الحفر ضربت المسحاة قدم أحدهم أو يده فسال الدم.
وكذلك يقول جابر : إن والده دفن مع رجل، يقول: وبعد وقت ما سمحت نفسي حتى أخرجته فوجدته كما هو، وهذا كثير، ولكن كلام الله أبلغ من هذا، وهو الذي يجب أن يصدق ويؤمن به. فهذا في آحاد الناس أنهم أحياء وأنهم يرزقون عند ربهم، والرزق حقيقي كما قال الله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] إذا كان يقول: ( عند ربهم يرزقون ) فليس الرزق للأرواح فقط، بل يعم البدن والروح.
وإذا كان هذا للشهداء فحياة الأنبياء أكمل بلا شك، وحياة رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل بلا شك؛ ولهذا فإن النبي صلوات الله وسلامه عليه حي في قبره ولكن مثلما قلنا: حياة برزخية لا نعرف كيفيتها، ولا يحتاج معها إلى ما يحتاجه في هذه الحياة، ومع ذلك ما طمع الشيطان في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم ويقول لهم: إنه حي في قبره فاذهبوا واسألوه عن المشاكل التي تقع بينكم، وكان أحدهم يبكي وإذا قيل له: مالك؟ يقول: لأني ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا وكذا.
فتؤخذ هذه الحكاية المكذوبة الواهية وتجعل دليلاً على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتترك النصوص التي جاءت في هذا الباب وغيره ويضرب بها جانباً، ويقال: إن هذا رأى رؤيا! وهذه عمدة الذين يعبدون غير الله، عمدتهم الرؤى التي مستندها الشيطان الذي يضحك عليهم، ويزور عليهم، أو عمدتهم أمور مكذوبة عن فلان وفلان، وحكايات ليس لها سند، أو أمور ضعيفة لا تدل على ذلك، فليس عندهم أكثر من هذا، أما النصوص الواضحة الظاهرة الجلية التي إذا تمسك بها الإنسان يكون على يقين من ربه، فهذه لا يلتفتون إليها وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [المائدة:41] نسأل الله العافية.
ولهذا يخبر الله جل وعلا عن الذين أراد ضلالهم: أنهم لو أتوا بكل آية ما آمنوا، بل أخبر جل وعلا عن الكفار أنهم إذا كان يوم القيامة يقولون: يا ربنا! ردنا إلى الدنيا حتى نعبدك حقاً، ونتبع رسلك حقاً، فيخبر الله جل وعلا عنهم أنهم لو ردوا لعادوا إلى ما نهوا عنه، فالذي كتب عليه الضلال لا بد من ضلاله، وضلاله عن عمد، وعن اختيار منه، ولهذا تجدهم يسخرون بأهل الحق، ويمقتونهم ويكرهونهم أشد الكراهية، ويرون أنهم سخفاء عقول، وأنهم هم أهل الذكاء وأهل الحكمة وأهل البصر وأهل العقل.
هذا هو واقع حالهم، فإذا تبين للإنسان الحق وتمسك به فهذه منة الله عليه، فعليه أن يشكر الله وأن يكثر من شكره ومن دعوته أن يثبته على ذلك؛ لأنها منةٌ يمن بها على من يشاء، مع أنه جل وعلا يعلم من يستحق الضلالة ومن هو أهل للهداية، فيضع الأمور في مواضعها.
الأولى: ما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن بنى مسجداً يعبد الله فيه عند قبر رجل صالح، ولو صحت نية الفاعل ].
يعني: أن الذي يبني مسجداً عند قبر رجل وإن كان قصده بذلك تكثير الأجر أو يقصد التقرب بذلك إلى الله، ولا يقصد عبادة هذا الرجل؛ فهو واقع في اللعنة، وليس كل مجتهد يكون مصيباً؛ لأن الاجتهاد يجب أن يكون على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا فهو مردود.
التماثيل: هي الصور، وقد جاء تغليظ الأمر في ذلك، يعني: أن كل مصور يجعل له نفس يعذب بها يوم القيامة بعدد الصور التي صورها، وفي الحديث الآخر: (الناس عذاباً الذين يضاهون الله في خلقه) (أشد الناس عذاباً الذين يصورون) (وكل مصور يكلف يوم القيامة أن ينفخ الروح فيما صور، وليس بنافخ) وفي الحديث القدسي: (من أظلم من ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا شعيرة) وهذا تعجيز.
ولم يأت في الوعيد على الذنوب مثلما جاء في المصورين، وسبق الكلام في هذا وأنه لا فرق في التصوير بين الفوتغرافي أو الرسم الذي يكون باليد، ولا فرق بين المجسد، ولا المخطوط خطاً، وكل تصوير فهو داخل في هذا.
يعني أن هذا كله مبالغة وخروج من التكليف الذي كلفه الله جل وعلا به، ونصح لأمته صلوات الله وسلامه عليه، وبراءة مما كلفه الله جل وعلا به، فهو يجمع بين أمر الله جل وعلا وبين الشفقة على أمته أن يقعوا في شيء يعنتهم ويشق عليهم، وأشد ما يعنتهم ما إذا خالفوا أمر الله جل وعلا في أمر العبادة. وهو حق الله الذي أوجبه عليهم، فكيف يصرفون شيئاً منه لغيره؟! هذا هو أشد ما يعنت الأمة؛ ولهذا حرص على ذلك أشد الحرص، فبالغ هذه المبالغة حتى وهو في سياق الموت صلوات الله وسلامه عليه يقول: (ألا إني أنهاكم أن تتخذوا القبور مساجد) (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد).
ولهذا فهم الصحابة ذلك فهماً جيداً حتى إنهم صاروا يبعثون البعوث في الآفاق إذا وجدوا قبراً مرفوعاً عن المستوى الشرعي، وإذا وجدوا صورة مصورة طمسوها وأزالوها؛ لأنهم فهموا مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح مسلم عن أبي هياج الأسدي أنه قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها)، وكان صلى الله عليه وسلم قد بعث علياً بهذا الأمر وبعث غيره، ومعروف ماذا صنع في مكة لما فتحها: طمس الصور وكسر الأصنام، وكان يبعث البعوث لذلك، والصحابة سلكوا مسلكه ودعوا بدعوته؛ لأنهم هم الذين بلغوا دعوته إلى الناس رضي الله عنهم.
[ الرابعة : نهيه عن فعله عند قبره قبل أن يوجد القبر ].
يعني أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا قبري مسجداً) نهى عن ذلك وكرر النهي، ومعلوم أن هذا يقوله وهو مقبل على ربه جل وعلا، ولهذا حماه الله جل وعلا بسبب هذه الدعوة، ولو كان بارزاً فماذا يكون؟! لا يستطيع أحد أن يمنع الناس، ولو وضعت الشرطة والجنود فلا يستطيعون، فلا بد أن يقفل، فصانه الله جل وعلا استجابة لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم وبنيت عليه الجدران جداراً بعد جدار بعد جدار، فلا يستطيع أحد أن يصل إليه، أما لو وصل الناس إليه لتقاتلوا عليه؛ لأن الحق لا يعرفونه كلهم، ولا كلهم يقبل الحق، بل أكثرهم لا يقبل ولا يعرف الحق، وفتنوا بالتعلق بالقبور، فكيف بقبر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه!!
ويدل لهذا أنه صلى الله عليه وسلم عين لهم المكان قال: ادفنوني في هذا المكان، وإن كان جاء حديث استدل به أبو بكر رضي الله عنه عندما اختلفوا في موضع دفنه رضي الله عنه أنه سمعه يقول: (، كل نبي يدفن في المكان الذي يموت فيه) فلهذا دفن تحت سريره الذي كان عليه صلوات الله وسلامه عليه لهذا.
وأما الحديث الذي في الصحيحين أنه قال: (ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة) فقال المحققون من العلماء: هذا اللفظ غير صحيح، واللفظ الصحيح: (ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة)، وقد جاء بهذا اللفظ وبهذا اللفظ، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال واحداً منهما، فيكون الثاني اجتهاداً من الراوي؛ والقبر ما كان إلا بعد ذلك، فهذا يدل على أن هذا من تصرف الرواة، ومن المعلوم أنه يجوز رواية الحديث بالمعنى إذا كان معنى اللفظ الذي يرويه بالمعنى لا يختلف عن معنى اللفظ النبوي وإن كان الاتفاق (100%) نادراً وقليلاً جداً، ولكن يكفي أن يكون المعنى الذي يؤدى به هذا اللفظ هو مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا له أمثلة كثيرة.
من ذلك حديث معاذ رضي الله عنه حينما بعثه إلى اليمن وخرج صلى الله عليه وسلم يشيعه، ومعاذ راكب وهو يمشي صلوات الله وسلامه عليه، فقال له معاذ : (يا رسول الله! إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال: لست بنازل ولست براكب، ثم قال له: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله) ، جاء في لفظ آخر: (ليكن أول ما تدعوهم إليه: أن يعبدوا الله) ، وفي لفظ ثالث: (ليكن أول ما تدعوهم إليه: أن يوحدوا الله) وهذه كلها بمعنى واحد، وكلها يدل على أن الراوي هو الذي تصرف في هذا، فمرة قال: (شهادة أن لا إله إلا الله) ومرة قال: (أن يعبدوا الله) ومرة قال: (أن يوحدوا الله).
لعن اليهود والنصارى؛ لأنهم كانوا يبنون المساجد على قبور أنبيائهم، ولهذا يتبين لنا أن بناء المساجد على القبور من سنة اليهود والنصارى، وأن المسلمين ممنوعون من ذلك ومنهيون عنه، والعجب أن المفتونين في القبور من العلماء يتركون مثل هذه النصوص ويستدلون بأمور مشتبهة! حتى استدلوا بقول الله جل وعلا: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:21] فقالوا: هذا دليل على أنه يجوز اتخاذ المساجد على القبور، وهذا نص القرآن!
فهل نأخذ بدعوى هؤلاء! أو بما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم ووضحه، فهذه سنة الذين قبلنا، وهم مذمومون عليها، وملعونون عليها، أفيجوز أن يأخذ المسلم بهذا وقد لعنهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ثم نقول إنه دليل ؟! أليس هذا هو عكس ما أراده صلى الله عليه وسلم تماماً؟! إنما هو مجرد تشبيه على الناس وتلبيس، وإلا فإن هؤلاء الذين اتخذوا عليهم مسجداً هم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصار اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا).
[السابعة: أن مراده تحذيره إيانا عن قبره.
الثامنة: العلة في عدم إبراز قبره ].
فالعلة كونهم خشوا أن يتخذ معبداً فدفنوه في بيته مع ما سمعوه من النص، وهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم منعهم، ولا مانع أن تجتمع أمور متنوعة تتظافر على كونهم يدفنونه في بيته.
[ التاسعة: في معنى اتخاذها مسجداً ].
سبق أن معنى هذا أنه يصلى عندها، وليس معناه أن يبنى عليها المساجد، بل يتحقق ذلك بمجرد أن يصلى عندها.
والمقصود بهذا أن الذين يتخذون المساجد شرار الناس؛ لأنه جاء في الصحيح: (إن شرار الناس من تقوم عليهم الساعة)، وأن الساعة لا تقوم حتى لا يوجد في الأرض من يعرف الله وحتى لا يقال: الله الله! وليس المقصود بقيام الساعة نفخ الصور؛ ولكن المقصود قربها، ووجود علاماتها الكبيرة، مثل خروج الدابة، ومثل خروج الدجال الذي يدعي أنه رب الناس، ومثل طلوع الشمس من المغرب، ومثل الخسوف التي تكون في وسط الجزيرة وفي غربها وشرقها، ومثل النار التي تخرج من قعر عدن، ومثل يأجوج ومأجوج ونزول عيسى وغيرها كثيرة.
فإذا طلعت الشمس في مغربها فلا ينفع الإنسان إيمان جديد؛ لأنها تظهر آيات باهرة تؤذن بنهاية هذه الدنيا، أما الساعة التي هي الساعة المرادة فهي النفخ في الصور النفخة الأولى، فإذا نفخ في الصور مات الخلق كلهم، والصور معروف، وجاء في الحديث أنه قرن عظيم، الله أعلم بصفته، وينفخ فيه إسرافيل عليه السلام.
وقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وصار ينتظر الأمر) فالأمر قريب جداً كأنه لحظات، فهو قريب وسوف يأتي.
أما المراد بقيام الساعة هنا أي: العلامات الكبيرة، أما العلامات الأخرى فهي كثيرة جداً، وأولها بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله جل وعلا: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] ورسولنا صلى الله عليه وسلم من أسمائه نبي الساعة؛ لأنه بعث هو والساعة إلا أنه سبقها وسوف تلحق بعده.
يقصد بهذا الرافضة الذين كانوا في مصر والذي يسمون بالعبيديين، فهم أول من بني المساجد على القبور، وأول من بنى القباب، وأول من سن هذه السنة الخبيثة، وقد كتب العلماء فيهم: أنهم ليسوا من الإسلام في شيء، وأن دعواهم النسب كذب، وأنهم من أبناء المجوس، وقد تغلبوا على المغرب ثم على مصر قروناً، وبعضهم صار يدعو الناس إلى عبادته، وبعضهم صار يقول إنه هو الله.
وأما الجهمية فهم الذين أنكروا أسماء الله وصفاته ووصفوه بالعدم، وقالوا: إنه ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا في مكان ولا يجري عليه زمان، ولا تصح إليه الإشارة، ولا أن يقال أين هو، ولا يحس، ولا يرى، ولا يقول، ولا يتكلم، ولا يحب، ولا يُحب إلى غير ذلك، فماذا يكون؟ يكون عدماً.
ولو أن إنساناً قيل له: صف لنا العدم، فلن يستطيع أن يصف العدم بأكثر مما ذكرنا ولهذا يقول: أخرجهم كثير من العلماء الذين كتبوا في الفرق من الثنتين والسبعين فرقة؛ لأن الثنتين والسبعين هم من أهل الإجابة إلا أنهم متوعدون بالنار؛ لأنهم فارقوا سنة المصطفى ولو في جزئيات منها، وأخرجوهم منها؛ لأنهم ليسوا من أمة الإجابة، ومن خرج من أمة الإجابة فهو من الكفار، هذا هو المقصود بالإخراج.
فقد ورد أنه كانت له خميصة إذا غطي وجهه واغتم كشفها عن وجهه، وهذا يدل على أنه حصل له شدة عند الموت، صلوات الله وسلامه عليه، والسبب في هذا مضاعفة أجره، لما جاء عن عبد الله بن مسعود أنه لما جاء إليه قال: (يا رسول الله! إنك لتوعك وعكاً شديداً، فقال: أجل! أوعك كما يوعك رجلان منكم، فقال
[الثالثة عشرة : ما أكرم به من الخلة. ].
والخلة أخص من المحبة، وهي خاصة به صلوات الله وسلامه عليه وبأبيه إبراهيم عليه السلام فقط، وليس من الخلق أحد اتخذه الله خليلاً إلا إبراهيم ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهما.
[ الرابعة عشرة : التصريح بأنها أعلى من المحبة.
الخامسة عشرة : التصريح بأن الصديق أفضل الصحابة.
السادسة عشرة : الإشارة إلى خلافته].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر