إسلام ويب

كتاب الزكاة - مقدمة كتاب الزكاة [4]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • زكاة البقر ثابتة في السنة بالنصوص الصحيحة، وهي من الأنعام التي تخرج منها الزكاة، ومن سماحة الشارع أنه أمر العامل ألا يأخذ الزكاة إلا في الأنعام على مياهها، واختلف العلماء في زكاة الخيل، وقد ذكر الشيخ خلافهم وبين أدلتهم.

    1.   

    حديث معاذ بن جبل في زكاة البقر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [ وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً) رواه الخمسة، واللفظ لـأحمد ، وحسنه الترمذي وأشار إلى اختلاف في وصله، وصححه ابن حبان والحاكم ].

    انتقل المؤلف رحمه الله تعالى بعد بيان أنصباء الإبل والغنم والفضة إلى زكاة البقر، وهذا الحديث الذي ناقش المؤلف سنده في وصله وفي انقطاعه ذكره البخاري رحمه الله تعالى تعليقاً بصيغة الجزم، وذكر البخاري إياه يغني عن مناقشة السند.

    إذاً: الحديث في زكاة البقر ثابت؛ لأن بعض المتأخرين إنما يطعن في زكاة البقر، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي لا مطعن فيه: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، وجيء بها أوفر ما تكون وأسمن، فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، كلما مر عليه أخراها أعيد عليه أولاها حتى يقضى بين الناس، فيرى مصيره إما إلى جنة وإما إلى نار) وهذا الحديث يرويه البخاري في صحيحه.

    إذاً زكاة البقر ثبتت بالنصوص، سواء هذا النص الذي معنا عن معاذ رضي الله تعالى عنه، أو النصوص الأخرى التي ساقها البخاري رحمه الله.

    أما في نصابها وما يؤخذ منها فلم يقع في ذلك اختلاف إلا ما روي عن بعض الأحناف، حيث جعلوها كالإبل في كل خمس شاة، ولكن الجمهور على هذا الحديث وأن من امتلك البقر ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة.

    والتبيع: الذي يتبع أمه، والتبيعة كذلك في سنه، أي: ذكراً كان أو أنثى في هذه السنة، فهو يجزئ في الثلاثين رأساً من البقر.

    وفي كل أربعين مسنة، وإلى هذا ينتهي نصاب البقر.

    بين الأربعين والخمسين من البقر عشرة رءوس، فهل فيها زكاة؟

    والجواب: أن هذا وقص، كما بين الخمس والخمس من الإبل، فالخمس من الإبل فيها شاة واحدة، وهي للخمس الأولى، فإذا كملت عشر من الإبل ففيها شاتان، إلى اثني عشر وأربعة عشر من الإبل وليس فيها إلا الشاتان.

    إذاً: ما بين النصاب والنصاب في الإبل والغنم والبقر وقص لا حصة للزكاة فيه.

    1.   

    مقدار الجزية التي تؤخذ من أهل الكتاب

    قال: (ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً).

    مما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وكلف معاذاً أن يحصله: (على كل حالم دينار -في السنة- أو عدل ذلك معافرياً)، والمعافري: ثياب تنسب إلى بلدة معافر، وهي معروفة في اليمن، كانت مشهورة ببعض الثياب في الجودة.

    والحالم: هو الذي بلغ سن الحلم، سواء احتلم أو لم يحتلم، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار) فالحائض: الفتاة التي بلغت سن الحيض سواء أتاها الحيض أو تأخر عنها، أي: من بلغ سن التكليف، إذاً: ما دون ذلك من الأطفال والصبيان لا شيء عليه، وكذلك النساء.

    فقوله: (على كل حالم) أي: محتلم بلغ سن التكليف في الإسلام ولم يكن أسلم، فعليه في الجزية سنوياً دينار أو عدل ذلك الدينار ثياب من هذا النوع المعروف المشهور بالمعافري.

    وهنا نفهم من هذا الحديث أن معاذاً رضي الله تعالى عنه لما أتى إلى اليمن -وهم أهل كتاب- أن البعض استجاب له فأسلم وصلى وصام وزكى، والبعض بقي على ما كان عليه في اليهودية، ومن بقي على دينه فإن الإسلام يقره على ذلك مع دفع الجزية سنوياً، قال تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29].

    قالوا: عن يد : إن كل إنسان لزمته الجزية يذهب بها بشخصه ولو كان أمير قومه، ويدفعها للعامل يداً بيد، لا أن يبعث بها خادمه أو جاره أو ولده فلابد أن يرى تلك الصورة، لعله فيما بعد يشمئز منها، أو يتثاقل منها ويرى أن الإسلام عزة له فيرجع إلى الإسلام.

    فـمعاذ رضي الله تعالى عنه كان أميراً وقاضياً، وكان مزكياً وجابياً للجزية، وفي هذا الحديث مجال للعلماء في أخذ العروض في الزكاة، ولفظ هذا الحديث قد اختلف فيه، لما قيل لـمعاذ : (خذ من كل حالم ديناراً -أي: جزية- أو عدل ذلك ثياباً) عروض، فتوسع بعض العلماء وقال: يمكن أن يؤخذ في الجزية أي قيمة للدينار، فالحد الرسمي دينار، فإذا رأى الجابي المصلحة في غير الدراهم تخفيفاً على أهل الجزية، أو مصلحة للمسلمين الذين ستوزع عليهم تلك الأموال، فلا مانع.

    1.   

    أخذ العروض في الزكاة بدلاً عن الواجب

    وجاء عن معاذ رضي الله تعالى عنه: (ائتوني من الثياب اللبيس والخميص -أو الخميس- فإنه أرفق بكم، وأنفع لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم).

    فبعض العلماء يحمل هذا على الصدقة، وبعضهم يحمله على الجزية، فمن حمله على الصدقة قال: يجوز أخذ العروض عن الصدقة بدل المال؛ لأن هذه معاوضة بلباس بدل ما وجب في الصدقة.

    ويجيب الذين يمنعون أخذ العروض في الصدقة بأن الأصل أن يقبض الزكاة، فإذا قبض الزكاة من الإبل أو من البقر أو من الغنم، ورأى أن سوقها من اليمن إلى المدينة كلفة ومشقة، وخاف عليها أخطار الطريق من عطش وتكسر وموت، ورأى أن يستبدل بدلاً منها ثياباً، فلا مانع من ذلك؛ لأنه يكون قد استلم الواجب الشرعي من الإبل أو من البقر أو من الغنم، وبصفته مفوض، وهو أمين موكل إليه أن يعمل لمصلحة الفقراء والمساكين؛ فله أن يستبدلها بعدما حصلها من أصحابها على الوجه المشروع.

    فعلى رواية: (في الصدقة) يكون قد أخذ الصدقة من أعيانها وأجناسها، ثم استبدلها بعد ذلك من جديد بعد أن دخلت في عهدته.

    أما رواية: (في الجزية) فلا علاقة لها بالزكاة، ولا دخل لها في موضوع أخذ العروض أو القيمة فيما وجب من الزكاة.

    والله تعالى أعلم.

    1.   

    المستشرقون وطعنهم في فريضة الجزية

    هناك نقطة بسيطة نحب أن نلفت النظر إليها، وهي: أن بعض المستشرقين والمستغربين، والمستشرقون هم الذين يتناولون الإسلام والعلوم الشرقية، فهم غربيون مسيحيون، لكن يدرسون العلوم الشرقية وخاصة علوم الإسلام، والمستغربون في نظري: هم أهل الشرق الذين يتطلعون إلى علوم الغرب، ويتأثرون بها.

    هؤلاء يثيرون الفتن والشبه، خاصة عند الشباب الذين لم يتمكنوا من دراسة الفقه الإسلامي، ومعرفة ما وراء التشريع من الحكم، فيقولون: علام تأخذون الجزية من الناس؟ لماذا تقيدونهم في حريتهم؟ ألم يقل سبحانه وتعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] وأنتم تريدون إما أن تكرهوهم على الإسلام وإما أن تأخذوا منهم الجزية؟

    فيقال لهؤلاء: رويدكم! إن أخذ الجزية من هؤلاء، وإبقاءهم على قيد الحياة، واحترام دمائهم وأموالهم وأعراضهم لهي منحة من الإسلام إليهم؛ لأن الأصل: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا...) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] فإذا ما تسامح المسلمون لبعض أهل الأديان، وتركوهم وشأنهم في دينهم بحريتهم، وأخذوا عوضاً عن ذلك ديناراً على الشخص فذلك رفق بهم.

    وانظر في المعادلة: بين دينار على الحالم، وبين اثنين ونصف في المائة على المسلم في ماله، هذا الذي يدفع الدينار لو كان يملك الملايين فلا يؤخذ منه إلا الدينار، وبهذا الدينار يكون محفوظ الكرامة في دمه وماله وعرضه، وتحت حماية الأمة الإسلامية؛ لأن الأمة الإسلامية لها السيطرة والسلطان، وأهل الذمة في حمايتها فلو اعتدى عليهم من خارج الأمة لكان المسئول عن حمايتهم هم جماعة المسلمين، فيقاتلون دونهم، ويقدمون أنفسهم من أجل حمايتهم.

    بينما المسلم لا ينظر إلى شخصه، وإنما ينظر إلى ما يملك، فكلما كثر ماله كثر ما يؤخذ منه، فإذا كان إنساناً ذمياً عنده مليون ريال، ومسلم عنده نصف مليون ريال، نأتي إلى الذمي فلا نأخذ منه إلا ديناراً، ونأتي إلى المسلم فنأخذ منه ربع العشر، فكم يكون مقدار ما نأخذ من المسلم وهو مسلم؟

    وكم يكون مقدار ما نأخذ من الذمي وهو على دينه ذمي؟

    والذي يكون كاسباً في هذه الحالة هو الذمي لا المسلم.

    إذاً: لا غضاضة على الذمي أن يعيش تحت الحكم الإسلامي وأن يدفع الجزية، وهي أقل بكثير جداً عما يؤخذ من المسلم، في الوقت الذي تقوم الأمة الإسلامية على حمايته وحماية ممتلكاته.

    ومن العجب -أيضاً يا إخوان- أن الإسلام يرحم الضعفاء من هذا الصنف، كما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه مر به رجل عجوز يتكفف الناس، قال له: ما الذي حملك على السؤال؟ قال: أسأل لأجمع الجزية. فقال عمر: ما أنصفناك إن أكلناك شاباً -يعني: لما كنت شباباً كنت تدفع الجزية ونأخذها- وضيعناك هرماً، ثم فرض له من بيت مال المسلمين ما يكفيه، ورفع عنه الجزية، فهل يجد هذا في دينه أو في ملته؟ هل يجد هذا العطف وهذا الحنان وهذه المساعدة عند قومه؟ والله لا يجدها.

    إذاً: كل من تكلم في هذا الموضوع أو أصغى إليه فإنه ما فقه حقيقة الفقه في الإسلام.

    1.   

    المكان الذي تؤخذ فيه زكاة الأنعام

    [ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم) رواه أحمد .

    ولـأبي داود أيضاً: (لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم) ].

    يبين المؤلف رحمه الله بعدما انتهى من أنصباء زكاة بهيمة الأنعام -الإبل والبقر والغنم- كيف نأخذها؟ وكيف يؤدونها؟ فقال: (تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم في دورهم)، فمثلاً: العاصمة هي المدينة، وهناك منطقة حايل، والرياض، وجيزان، وهناك مناطق في أطراف الجزيرة، فهل يجب على أصحاب الأموال في أي مكان أن يسوقوا زكاة أموالهم إلى المدينة ويسلموها للمسئول عنها، أم أن ولي الأمر في المدينة يبعث إلى تلك الأقطار النائية والأماكن البعيدة من يستلم منهم ويأتي بها إلى المدينة؟

    أعتقد أنه لو كلف المسلمون في أماكنهم أن يأتوا بزكاة أموالهم إلى المدينة لكانت مشقة عظيمة، فمن كان عنده خمس من الإبل فيحتاج أن يأتي بشاة من جيزان إلى المدينة! وهذه مشقة كبيرة، ولكن تؤخذ زكاتهم على مياههم، يأخذها العامل.

    ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يبعث العمال إلى أماكن تواجد بهيمة الأنعام، فيقف عند المياه؛ لأن أصحاب بهيمة الأنعام سيوردونها الماء، ليس لازماً أن يتتبعهم في خيامهم ومبيتهم، فمثلاً إذا جاء إلى منطقة، ولنقدر -مثلاً- منطقة العوالي، أو منطقة قباء، أو غيرها، وهناك الآبار أو الغدران أو العيون التي هي موارد الإبل والبقر والغنم للسقي، فيأتي إلى ماء بني فلان، وهناك ينتظر: فإذا جاء الراعي بإبل فيعدها، ثم يأخذ الواجب فيها.

    وعامل الزكاة لا يأتي منفرداً، بل معه من يساعده، وهم الذين يسوقون الأنعام التي تجمع، ومعه الكتاب الذين يحصون ويعدون، ومعه من يخدمه.

    فإذا أخذ من هذا بنت مخاض، وأخذ من ذاك بنت لبون، أصبح عنده مراح من الإبل باسم الصدقة، ويتولى سوقها ورعايتها من معه من الأعوان.

    إذاً: أخذ زكاة الأموال تكون من أصحابها على مياهها، ولم يكلفهم الذهاب والمجيء بها إلى المدينة؛ رفقاً بأصحاب الأموال.

    وهنا يذكر العلماء حق هذا العامل، وواجب أصحاب الأموال في التعامل معه، فنجد التعليم الإسلامي يتناول العامل وصاحب المال، وكل منهما يوقفه عند الواجب الذي عليه، فتقدم لنا في قضية معاذ : (وإياك وكرائم أموالهم!) فيوصي العامل بأن يكون عادلاً رفيقاً، ولا يظلم أصحاب الأموال بأن يأخذ كرائم أموالهم، ولا يأخذ التيس إلا أن يرضى صاحبه، وكان فيه مصلحة، ولا يأخذه رغماً عن صاحب الغنم؛ لأنه قد لا يكون في الغنم إلا هذا التيس فيعطلها.

    إذاً: الشارع الحكيم أوصى العامل بالإرفاق بأصحاب الأموال، ومن جانب آخر أوصى أصحاب الأموال كما جاء في بعض الروايات: (إنه قد يأتيكم من تكرهونهم) وهم العمال الذين يأخذون الأموال، فالناس لا يريدونهم أن يأتوا ولكن يأتونهم غصباً عنهم، إلا المؤمن فهو يدفع ذلك طواعية لوجه الله، فقال: (يأتيكم من تكرهونهم فأرضوهم) أي: لا يذهبون عنكم إلا وهم راضون، ومتى ترضونهم؟ إذا كنتم معهم أمناء في العدد، فلا تخفون شيئاً من الغنم وراء الحجر أو وراء الشجر، ولا تدعون الخلطة بغير الخلطة، ولا تدعون الفرقة بغير فرقة خشية الصدقة -كما تقدم- فأوصى أصحاب الأموال أن يحسنوا معاملة العمال وأن يكسبوا رضاهم.

    جاء بعض الأشخاص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: (يا رسول الله! يأتينا عمال فيظلموننا، قال: أرضوهم، وما تحمل فإثمه عليه، لكم أجركم وعليهم وزرهم) وهنا يقال: إذا علمت أن العامل ظالم، فالأمر بين حالتين:

    إما أن يقع اجتهاد من العامل في أداء الأمانة، فهو مصدق ومقدم.

    وإما أن يكون معتدياً اعتداء صريحاً، كأن جاء إلى كرائم الأموال وأخذها، أو جاء وعدها فوجدها خمساً وعشرين، فقال: هذه ثلاثون، هذه خمسة وثلاثون. فزاد على صاحب المال فيما يتعلق بما يجب عليه، وهذا قل أن يكون.

    وتقدمت لنا قصة الرجل الذي وجد العامل عنده خمساً وعشرين من الإبل، وقال له: زكاة مالك بنت مخاض. فقال الرجل: بنت مخاض لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب، ولكن هذه ناقة كوماء فخذها. فأراد صاحب المال أن يدفع أكثر مما عليه، فقال العامل: لا أستطيع أن آخذها؛ لأنها لم تجب، وأنا ممنوع من الظلم ومن التعدي، فإن كنت لا محالة فاعلاً فدونك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فخذ بها إليه.

    فيأتي الرجل ويعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم فيسأله: (أتعطيها عن طيب نفس؟ قال: بلى يا رسول الله. فقال للعامل: خذها، وقال له: بارك الله لك في إبلك) فعاش إلى زمن معاوية رضي الله تعالى عنه، وكان يخرج العشرات من الإبل في زكاة إبله.

    فهنا: العامل يمتنع أن يأخذ أكثر مما وجب عليه، وهذا هو المظنون في الأمناء الذين يبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما وقع أيضاً لـابن رواحة مع أهل خيبر لما ذهب ليخرص عليهم نخيلهم، فجمعوا له من حلي النساء رشوة، فسبهم وقال: إن هذا سحت، والله لقد جئت من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض الناس عندي، وما حب رسول الله ولا بغضكم بحاملي على أن أحيف عليكم، إني قاسم، فإن شئتم فخذوا، وإن شئتم فدعوا. يعني: إن شئتم أخذتم النخيل وسلمتم ما وجب عليكم فيما أقسمه، وإن شئتم رفعتم أيديكم وأنا أعطيكم ما قسمت، قالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.

    الذي يهمنا أن الصدقة في بهيمة الأنعام تؤخذ على مياهها، أي: موردها من الماء، وفي مواطنها، ولا يكلفون المجيء بها إلى المدينة أو إلى عاصمة الدولة التي تقوم بجمع الزكاة؛ لأن في هذا مشقة عليهم.

    1.   

    زكاة الخيل والرد على من أوجبها

    [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) رواه البخاري ، ولـمسلم : (ليس للعبد صدقة إلا صدقة الفطر) ].

    انتقل المؤلف رحمه الله إلى نوع وقع الخلاف فيه، وهو: العبد والفرس، وهنا الحديث يقول: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة).

    فرس: نكرة أضيف إلى الضمير، وبعض العلماء يقول: إذا أضيفت النكرة إلى معرفة فهي عامة، وتدل على الجمع، كما في قوله سبحانه: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ [إبراهيم:34] فـ(نعمة) نكرة أضيفت إلى المعرفة (الله)، فلو كانت مفردة ما احتاجت إلى إحصاء، ولكن دلت على العموم والشمول لما أضيفت إلى المعرفة.

    فقالوا: (فرسه) يعم جنس الفرس وليس رأساً واحداً، إذاً: ليس على المسلم في جنس الخيل صدقة، ولا في جنس العبيد صدقة.

    وهنا موضع خلاف يورده العلماء، والحديث أورده البخاري ، وفي بعض الروايات: (ولا في غلامه) ويجمعون على أن فرس الخدمة وعبد الخدمة لا زكاة فيهما، إلا زكاة الفطر في العبد؛ لأن زكاة الفطر على الكبير والصغير والحر والعبد، وكل من تلزمك نفقته، ونحن الآن في الكلام على زكاة المال.

    فبعض العلماء يقول: لا زكاة في الخيل مطلقاً حتى لو كانت للتجارة كما يقوله ابن حزم ، والجمهور يقولون: إذا كانت الخيل للنسل والنماء فلا زكاة فيها، وإن كانت لعروض التجارة كإنسان يتاجر في الخيل، فيبيع ويشتري فيها؛ فالزكاة في قيمتها مثل عروض التجارة، وكذلك الرقيق، لو كان يتاجر في الرقيق فعليه زكاة تجارتها، أي: تقدر فيمتها ويدفع زكاتها من قيمتها، أما أن تتخذ للقنية أو للتناسل فلا زكاة فيها.

    والإمام أبو حنيفة رحمه الله اعتبر الخيل من الدواب التي تزكى، وجاء في بعض الآثار -ويتفق العلماء على ضعفها- أن على الفرس ديناراً أو عشرة دراهم.

    ويقول الجمهور: كتاب أبي بكر رضي الله تعالى عنه والكتب الأخرى التي جاءت في أنصباء الزكاة لا يوجد منها كتاب واحد ذكر الخيل.

    ويذكرون أيضاً في هذا الباب أنه لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها...) إلخ -كما تقدم- فلم يذكر الخيل، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم: (والخيل يا رسول الله؟ فقال: الخيل ثلاث: خيل لصاحبها ستر، وخيل لصاحبها وزر، وخيل لصاحبها أجر.) فقالوا: هذا رد على من سأل عن سبب عدم ذكر الخيل مع الإبل والبقر والغنم.

    وجاء في موضوعها في زمن عمر رضي الله تعالى عنه أن قوماً أصابوا خيلاً، فجاءوا إليه وقالوا: أصبنا خيلاً وعبيداً، نريد أن تأخذ زكاتها طهرةً. فقال: (كيف آخذ منها زكاة وصاحباي قبل لم يأخذوها؟) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر .

    ثم شاور من عنده حتى سأل علياً فقال: (خذ منهم مادام أنهم أتوا بها طواعية) وقال: (لا مانع ما لم تصبح عليهم ضريبة أو جزية تكون لازمة عليهم من بعدك) أي: أن يأتي من بعده : عمر أخذ منهم، فيلزمهم بدفعها، والمبدأ كان اختياراً.

    إذاً: عمر امتنع أولاً ولم يكن يمتنع إلا على ما هو ممنوع زكاته، ثم شاور أصحابه وشاور علياً ، وأفاد علي بهذا الجواب، إذاً: فلا زكاة في الخيل، اللهم إلا إذا أصبحت عروض تجارة للبيع والربح والنماء فلا مانع.

    وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا زكاة في الخيل إلا إذا كانت للتناسل والتكاثر، أما إذا امتلك مجموعة من الخيل كلها ذكور، أو مجموعة من الخيل كلها إناث؛ فلا زكاة فيها عنده؛ لأن الذكور وحدها لا تنمو ولا تزيد، والإناث وحدها لا تنمو ولا تزيد، أما إذا كانت ذكوراً وإناثاً وتنتج وتنمو وتزيد، فقال: الزكاة تبع للنماء، فتزكي.

    والله سبحانه وتعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768250931