فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المجادلة:12].
هذه الآية على رأي جماهير أهل العلم منسوخة، فكل مفسر ساق في تفسيره قول من قال بالنسخ، نسختها الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ [المجادلة:13].
وقد وردت جملة أسانيد، وإن كان في كل منها مقال، تفيد: أن الذي عمل بهذه الآية هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحده دون سائر الصحابة؛ وذلك أنه عندما نزلت آية النجوى هذه: إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12] عمد رضي الله عنه إلى دنانير فقسمها، وكان إذا أراد مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم قدم صدقة بين يدي مناجاته، ثم نسخت الآية، قالوا: ولم يعمل بها غير علي رضي الله تعالى عنه، وقد ورد ذلك كما أسلفنا من عدة طرق، وإن كان في كل منها مقال، لكن بعض العلماء حسنها بمجموعها، فالله سبحانه وتعالى أعلم.
وكان سبب نزول هذه الآية فيما ذكره المفسرون -وإن لم يرد بذلك إسناد صحيح- أن الناس كانوا يكثرون من مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيشق ذلك على رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأراد الله ضبط هذه المسألة، ورفع المشقة عن سائر المسلمين الذين يريدون شيئاً من وقت الرسول عليه الصلاة والسلام، ورفع العناء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية لضبط أمر المناجاة، فمن ثمّ لم يقدم إلا من كانت له حاجة ماسة إلى المناجاة، وإلا فسيعرض عن المناجاة من الأصل.
فإن قال قائل: ما هو وجه المشقة على المسلمين في إطالة بعضهم المناجاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فالإجابة: أن المناجاة في حد ذاتها في الجملة فيها أذى، في الغالب إذا رأيت اثنين يتناجيان ذهبت بك الظنون واستحوذ الشيطان عليك في كثير من الأحيان، ولذلك فالمناجاة في الغالب أو في الجملة تذم، كما قال الله سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، فحتى أهل الإيمان إذا رأى بعضهم اثنين يتناجيان دخل في قلبه شيء، ودخل له الشيطان من هذا المدخل، وقال: بم يتناجيان؟ لعلهما يتناجان في أمر يخصك ويريدان كتمان هذا الأمر عليك، لعلهما، لعلهما، لعلهما!!
فالمسلمون كذلك مع الرسول عليه الصلاة والسلام، كثرة إطالة المناجاة قد تحمل البعض على أن يفكر: هل هناك عدو يريد أن يداهم بلاد المسلمين؟ هل أصيب الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء؟ هل آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم أصابهم شيء؟ هل نزل شيء جديد من كتاب الله؟ ما الذي حدث؟ كانت تسبب أيضاً مشاكل ووساوس في صدور البعض، وخاصة صدور من قلّ علمهم بالله وقلّ علمهم برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيشق الأمر على المسلمين، فنظمت الأمور بصدقة تقدم بين يدي المناجاة على النحو الذي سمعتموه.
فمثلاً من المسائل التي من الممكن أن تدخل في بابنا هذا: قول مدير العمل مثلاً أو المسئول عن مصلحة من المصالح: لا تكلمني ولا تخاطبني إلا على عرض حال دمغة، فهل عرض حال الدمغة تصرف صحيح، فلا تكلم المسئول ولا تكتب طلباتك إلا على عرض حال دمغة؟
فقد يقول قائل من إخواننا: إنه ليس هناك دليل في الشرع على مسألة الخطاب بعرض حال الدمغة، فحينئذ يجوز لي أن أنزع الدمغة، أو أستغفله وأقدم الكلام بدون عرض حال دمغة أو شيء من هذا، إلا أن مصلحة الأعمال تقتضي أنك إذا تكلمت تكتب على عرض حال دمغة؛ لضبط الأمر؛ ولبيان جدية العمل، وليس هناك نص شرعي يخالفها، لسنا نستدل بآية المناجاة: إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12] ، ولكن نستدل بأشياء أخر، فالآية منسوخة كما سمعتم، ولكن مسألة المصالح المرسلة، إذا كنت مسئولاً وبابك مفتوح، فالكل سيأتي يتكلم، قد يأتي الذي له حاجة، والذي ليست له حاجة، فيضر الذي ليست له حاجة بالذي له الحاجة، وتضيع الأوقات سدى.
فإذا قال قائل بجواز هذا الأمر، فلا يتكلم الشخص إلا على عرض حال دمغة؛ تنظيماً للأعمال، فلا يقال حينئذ: إنه مبتدع، أو قد أحدث حدثاً في الدين، وغاية ما يقال: إنها مسألة اجتهادية، تعد من المصالح المرسلة، وليست تشريعات تصادم الكتاب والسنة، بل هي تندرج في الجملة تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، فعلى الأقل إذا أثيرت مثل هذه المسألة، فيقال: في المسألة وجهان: وجه بالجواز تنظيماً للأمور وترتيباً للمصالح، ووجه بالمنع؛ لأن الآية منسوخة، وللتعسير الذي يأتي على الفقراء، فحينئذ تمتص المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12] هل كان ذلك قبل النجوى أو مع النجوى؟ وكم هي الصدقة؟ لم تحدد، فكل على حسب سعته، كل على حسب قدرته وطاقته، وقوله تعالى: ذَلِكَ [المجادلة:12] أي ذلك التقديم. خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ [المجادلة:12]، فالصدقة تثبت في صحائفكم، وهو طهرة أيضاً لأموالكم.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المجادلة:12]، أي: غفر الله لكم ولا يكلفكم إلا وسعكم، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ولا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].
فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة:13]، أي: برفع هذه الصدقة عنكم، فهناك بدائل أخر تغنمون بها الثواب وتكسبون بها الأجر، قال سبحانه: فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [المجادلة:13]، هناك الصلاة لمن لم يجد الصدقات، وآتوا الزكاة التي فرضها الله عليكم، يعني: هناك صدقات، وهناك زكوات، فإن لم تستطع فعل النفل وقد نسخ، فافعل الفرض لزاماً، فلزاماً أن تقيم الصلاة المفروضة وأن تؤدي الزكاة المفروضة كذلك. فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون [المجادلة:13].
وقد وسم اليهود بأنهم مغضوب عليهم في عدة آيات، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] قال: المغضوب عليهم هم اليهود)، وكذلك قال الله سبحانه: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60]، وهؤلاء اليهود؛ لأن الله عز وجل مسخ اليهود إلى قردة وخنازير، فالمغضوب عليهم هم اليهود، فلماذا خصوا بغضب الله عليهم، مع أن أهل الكفر كذلك مغضوب عليهم، والنصارى كذلك مغضوب عليهم؟ لماذا وصفوا ووسموا بهذه السمة والوصف؟
قال كثير من أهل العلم: لأنهم كفروا وجحدوا نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم على علم.
وهذا التعليل أيضاً ورد في الملاعنة، لماذا قال الله سبحانه وتعالى في آيات الملاعنة في شأن الرجل: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7]، وقال في شأن المرأة: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:9]؟ فلماذا المرأة خاصة اختصت بغضب الله عليها إن كانت كاذبة؟ لأن الرجل لا يكون متيقناً اليقين التام في زنا امرأته كالمرأة، فقد يرى الرجل رجلاً يفاخذ امرأته ويظن أنها زنت، فلا تكن قد زنت، لكن هي تعلم يقيناً الذي حدث، وقد ينفي الرجل الولد عن نفسه؛ لظنون ظنها، ويقول: هذا الولد ليس ولدي، أنا تزوجت ووضعت زوجتي بعد ستة أشهر، وينفي الولد عن نفسه، ويلاعن من أجل ذلك، لكن المرأة تعلم يقيناً ممن هذا الولد؛ فلذلك إذا أنكرت المرأة وأقسمت ستقسم على علم، فمن ثم حل عليها غضب الله إذا أقسمت اليمين الخامسة وهي كاذبة؛ لكونها متيقنة تماماً بالذي حدث.
وقول آخر: أن قوله: (ما هم) راجعة إلى اليهود، أي: اليهود ليسوا منكم يا مسلمون! لم يسلموا إسلاماً حقيقياً، وليسوا من المنافقين، إنما لهم اتجاه آخر وهو أنهم مغضوب عليهم، لكن القول الأول أظهر.
مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [المجادلة:14]، أي: يقسمون أيماناً كاذبة لكم وهم يعلمون أنها كاذبة.
فالآية إذاً ذمت كل من يتولى اليهود، ويلحق بهم كل من يتولى الكفار أو النصارى ويناصرهم، ويؤازرهم، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على ذلك، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:51] أي: يا من آمنتم بي وصدقتم رسلي، وأقررتم بكتبي. لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:51-52]، وقال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:144]، أي: أتريدون أن تجعلوا لله سبباً يسلط عليكم بسببه العذاب؟ وقال الله سبحانه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] الآيات، وقال سبحانه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118]، أي: لا يقصرون في إغوائكم وإضلالكم: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران: 118]، أي: رغبوا في نزول العنت والمشقة بكم، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:118-119]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:54-55]، هؤلاء هم أولياؤكم، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56]، والآيات في هذا الباب لا تكاد تحصر، فالله سبحانه وتعالى يقول في شأن المنافقين الذين اتخذوا الكافرين أو اليهود أولياء: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المجادلة:15]، أي: ساء صنيعهم من اتخاذهم اليهود أولياء من دون المؤمنين، ساء صنيعهم من موالاتهم اليهود والنصارى.
فقوله: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المجادلة:16]، أي: وقاية يتقون بها السيف، ويحفظون بها أموالهم.
القول الأول: (فصدوا عن سبيل الله) أي: أعرضوا عن طريق الإسلام والمسلمين وعن طريق الهدى والخير، ففسر الصدود بالإعراض.
القول الثاني: (فصدوا عن سبيل الله) أي: منعوا غيرهم عن الدخول في الإسلام، فهم أظهروا الإسلام بألسنتهم، وخالفوه وناقضوه وصرفوا الناس عنه، إما أنهم صرفوا الناس بقيلهم، وإما أنهم صرفوا الناس بأفعالهم، صرفوا الناس بقيلهم فتراهم يذهبون إلى شياطينهم كما حكى الله سبحانه وتعالى قولهم لهم: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14]، فهؤلاء يصرفون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصرفون الناس عن المؤمنين بتشويشهم على القرآن كما قال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت:26]، شوشوا عليه حتى لا يفهم، لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، فصرفوا الناس عن كتاب الله بقولهم، وصرفوا الناس عن كتاب الله بأفعالهم، فالشخص إذا كان في ظاهره مسلماً وهو يغش، وهو يكذب، وهو يسرق، وهو يزني، وهو يطعن في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويطعن في الإسلام؛ فهو يصرف الناس عن الدين، وإذا كان هناك شخص مسلم، صورته صورة المسلم، شخص ملتح، ويرتدي الثوب الأبيض، ويأتي بالموبقات، وتراه ينصب على الناس، ويغش الناس، ويكذب على الناس، ويغدر بهم؛ فهذا بلا شك سيسبب للناس نفوراً عن الدين، وطعناً في طريق المتبعين لسنة النبي الأمين محمد عليه الصلاة والسلام، فهم يظهرون للناس أنهم على الإسلام، ويطعنون في الإسلام، بالكذب، وبتشويه صورة المسلمين، وبإخلاف المواعيد، وبإلصاق التهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وبالسباب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان قائلهم يصف الرسول وأصحابه فيقول: ما نرى أصحابنا هؤلاء إلا أكذب ألسنة، وأوسع بطوناً، وأجبن عند اللقاء، حتى نزل فيهم قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]، فالشاهد: أنهم لكونهم أعلنوا راية الإسلام، وقالوا بألسنتهم: لا إله إلا الله، وصاروا من المعدودين على المسلمين، فمن ثم بدءوا يشوهون صورة المسلمين، وهذا مسلك قد سلكه اليهود من قبل، كما قال سبحانه وتعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72]، فإذا آمنتم بكتابهم في الصباح وكفرتم به في المساء فقد شكّكتم الناس في هذا الكتاب؛ فيرجعون عن دينهم.
قال تعالى: فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:16]، أي: لهم عذاب مذل ومخزٍ.
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المجادلة:17]، كأن بينهم وبين النار صداقة قديمة، فالمصاحبة لطول الملازمة.
وقوله: (فيحلفون له) تفسيرها في قوله تعالى: قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23] وهذا على منهج من يفسر القرآن بالقرآن، وهذا منهج حسن في هذا المقام.
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ [المجادلة:18]، قائلين: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، فهم ينكرون في الآخرة شركهم!
كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ [المجادلة:18]، في هذه الآية سبب نزول أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل حجرة من حجر نسائه، فقال: يدخل عليكم الآن رجل أزرق، ينظر بعيني شيطان، فدخل رجل بنفس الوصف، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ قال: والله! ما شتمتك، ثم انطلق وأتى بأصحابه كلهم، فأقسموا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ما شتموه) فنزل قوله تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة:18].
فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [المجادلة:19]، أي: فحملهم الشيطان على ترك ذكر الله، والنسيان هنا ليس النسيان المعهود، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يرحم الله فلاناً! لقد أذكرني آية كيت وكيت من سورة كيت وكيت كنت أنسيتها)، فهنا النسيان: بمعنى الترك، فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [المجادلة:19]، أي: حملهم على ترك ذكر الله، وما المراد بذكر الله هنا؟ فيه أقوال:
أحدها: أنه على بابه الذكر المعهود.
والثاني: ذكر الله هو القرآن.
والثالث: ذكر الله هو توحيد الله سبحانه، والكل محتمل وصحيح.
أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].
وقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21]، كتب هنا بمعنى: كتب في اللوح المحفوظ، وقضى في اللوح المحفوظ.
لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21]، قال العلماء: الغلبة على قسمين: غلبه باللسان والبيان، وغلبة بالسيف، فالرسل الذين أمروا بقتال غلبوا جميعهم، وكانت لهم العاقبة في آخر أمرهم، كانت الأيام بينهم وبين عدوهم دولاً، ثم كانت العاقبة والنصر لهم.
أما الرسل أو الأنبياء الذين لم يؤمروا بقتال فغلبوا باللسان والبيان، ومنهم من قتل ومنهم من مات، قال سبحانه: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87]، وقال الله سبحانه في كتابه الكريم: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181]، فقتل فريق من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لكنهم لم يؤمروا بقتال، فغلبوا بالحجة والبيان، وهذا وجه دفع الإشكالات في مثل هذا الموطن، ونحوه في قوله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، مع أن منهم من قتل، قال سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]* إلى قوله: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148].
قال سبحانه: كَتَبَ اللَّهُ [المجادلة:21]، أي: في الكتاب الذي قضاه، في اللوح المحفوظ، وقدر سبحانه وقضى لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21] (قوي) أي: على نصرة أوليائه، (عزيز) أي: منيع الجناب، عظيم السلطان، لا يغالب ولا يمانع من شيء أراده سبحانه وتعالى.
أحد هذه الوقفات: أنه ينبغي أن يعلم أن المودة غير البر والصلة، فالبر والصلة شيء، والمودة والمحبة القلبية شيء آخر، فالبر والصلة مشروعتان للمسلم في حق الكافر غير المحارب؛ وذلك لقوله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، وقالت أسماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن إمي أتتني وهي راغبة - فيها قولان: هل راغبة في الإسلام، أو راغبة عن الإسلام؟- أفأصل أمي يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلي أمك، ونزل قوله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ [الممتحنة:8-9]) ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل هدايا اليهود، ويقبل هدايا الكفار، ويهدي أيضاً لليهود، ويهدي أيضاً للكفار عليه الصلاة والسلام، قَبِلَ من المقوقس مارية رضي الله تعالى عنها، وقبل أيضاً من اليهودية شاة دعته إليها، وقبل من ملك أيلة بغلة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبها، وقبل هدية أيضاً من أكيدر دومة الجندل، وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص ذبح ذبيحة، فقال لأهل بيته: (أهديتم لجارنا اليهودي؟)، فهي نصوص عامة، فهناك فرق بين البر والصلة، وفرق بين الموالاة والمحبة القلبية، فالبر والصلة أمرنا به وحثنا عليه شرعنا مع غير المحاربين من الكفار، أما الموالاة القلبية فلا، والله أعلم.
يقول الله سبحانه وتعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَان [المجادلة:22]، أي: أثبت الله في قلوب هؤلاء البراءة من الكفر وأهله، وإن كانوا من الأقارب أو العشائر، وكتب الله الإيمان في قلوب هؤلاء الذين تبرءوا من الكفار.
وقوله: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَان [المجادلة:22]، أي: جعله في قلوبهم، ومن العلماء من يقدر محذوفاً فيقول: كتب في كتابه أنهم أهل إيمان، ولكن هي كقوله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7].
وثم أسباب نزول أخرى أيضاً فيها مقال منها: (أن
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]، ومعنى حاد الله: أي: كان في حد وأوامر الله سبحانه في حد آخر، كما في قوله: شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال:13]، أي: جعلوا أنفسهم في شق معادٍ لله ومعادٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: وَأَيَّدَهُمْ [المجادلة:22] أي: قواهم ونصرهم.
وقوله تعالى: بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22]، ما المراد بروح منه؟ للعلماء فيها جملة أقوال:
أحدها: أن المراد بقوله سبحانه: (بروح منه) أي: بنصر منه.
والثاني: أن المراد: (بروح منه) أي: بجبريل عليه السلام، فإن الله سبحانه وتعالى أطلق عليه الروح في عدة مواطن: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102]، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:193]، (اهجهم وجبريل معك)، (اللهم! أيده بروح القدس)، إلى غير ذلك.
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [المجادلة:22] هذه الآية فيها دليل على أن الجنة مخلوقة الآن، وثم أدلة أخر تدل على ذلك، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (يفسح له في قبره، ويأتيه من الجنة ومن طيبها)، وثم دليل آخر: (احتجت الجنة والنار، فقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟) الحديث إلى آخره، وفيه: (قال الله لها: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء)، ومن الأدلة على ذلك كذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (أرواح الشهداء في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء)، إلى غير ذلك من الأحاديث.
قوله تعالى: وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المجادلة:22]، قوله: (رضي الله عنهم ورضوا عنه)، من العلماء من قال: إن الله سبحانه وتعالى عوضهم خيراً بفراقهم لأهاليهم وعشيرتهم وذويهم، فلما تركوا قرابتهم لله سبحانه، أبدلهم الله خيراً من قرابتهم تفضلاً منه، وقد صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تترك شيئاً اتقاء الله سبحانه إلا أبدلك الله خيراً منه)، وهذا الذي يرويه الناس بالمعنى: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).
قال تعالى: وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22]، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
الجواب: بسهولة ويسر أن كل عام يخص، وهذه صورة مخصوصة ومستثناة عند وجود الأعذار فلا إشكال، والله أعلم.
السائل: وهل الأخذ بهذا الحديث في بعض الأحيان دون الأخرى يعتبر تلوناً في الدين؟
الجواب: حسبنا الله! كيف يكون تلوناً في الدين؟ الرسول عليه الصلاة والسلام نَوّع العبادات عليه الصلاة والسلام؛ لأجل أن يرفع بها الحرج عن أمته صلى الله عليه وسلم، فليس معنى كوننا أخذنا بحديث في ظروف معينة أو في ملابسات خاصة أننا نتلون في الدين.
الجواب: إذا دعت الضرورة أو بدون ضرورة بناء القبر بالطوب الأحمر ليس هناك دليل يمنع منه، يتوهم البعض أن الطوب الأحمر لا يستخدم في القبور؛ لأنه دخل في النار فلا يجوز بناء القبر به، وليس على المنع دليل إن احتيج إليه فلا بأس، هذا إذا استجزنا رفع القبر عن الأرض، وأحياناً يكون مستجازاً رفع القبر عن الأرض لضرورة، صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها)، ولكن الآن إذا جئنا -كما ذكر أخونا السائل حفظه الله- وحفرنا القبر في الأرض في بلدة مستوى الأرض فيها منخفض، فستأتي المياه تفسد الجثة وتسبب نتناً للميت، فالضرورة قد تلجئنا أحياناً لبعض الأشياء، ونحن مع الضرورة نسير، ألا ترى أن الضرورة ألجأتنا إلى أكل لحم الميتة عند اضطرارنا؟ ألا ترى أن الضرورة ألجأتنا إلى أكل لحم الخنزير عند اضطرارنا؟ ألا ترى أن الضرورة تلجئ إلى النطق بكلمة الكفر عند الاضطرار؟ من هذا الباب فقط.
بالمناسبة هنا زيادة أفادنا بها أحد إخواننا اليوم، وراجعناها معه مراجعة دقيقة شيئاً ما، وهي زيادة: (وبركاته) عند التسليم من الصلاة، وهذه الزيادة لا تثبت، زيادة: (وبركاته) عند التسليم من الصلاة لا تثبت، وهذا رأي أكثر الشافعية، وعدد كبير من العلماء، وهي وردت من طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحيح أن لها إسناداً عن ابن مسعود ظاهره الصحة، لكن كل الطرق الأخرى عن ابن مسعود نفسه أوردت الحديث بدون الزيادة، (كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله)، فأكثر الطرق عن ابن مسعود فيهما الاقتصار على: السلام عليكم ورحمة الله، ففي مثل هذه الحالة لا يناقش الإسناد استقلالاً، وهذه فائدة لإخواننا دارسي الحديث، مثلاً: إذا كان للحديث عشرون طريقاً عن ابن مسعود ، تسعة عشر طريقاً مثلاً رووا الحديث عن ابن مسعود بلفظ: (كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله)، وأحدها روى الحديث بلفظ: (كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ففي هذه الحالة نحن مع التسعة عشر راوياً.
فضلاً عن هذا فهناك من العلماء كـشعبة بن الحجاج ينكر رفع الحديث بكامله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: هو موقوف على ابن مسعود ، فكيف بثبوت هذه الزيادة؟! وورد الحديث من طريق آخر، من طريق وائل بن حجر : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله)، وهذا الحديث أيضاً اختلف في إثبات هذه الزيادة من عدمها، لكن العلة التي هي أشد قدحاً: أنه مروي من طريق علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه وائل بن حجر ، وقال يحيى بن معين رحمه الله : علقمة لم يسمع من أبيه وائل ، وثم طريق ثالثة من طريق حذيفة أو عمار بن ياسر وفيها ضعف أشد من الضعف في الأولين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: أما الجمعيات فليست داخلة في أبواب الربا، والجمعيات التي يفعلها الناس للتعاون فيما بينهم حلال، لا نعلم دليلاً صريحاً على تحريمها، وهي من باب التعاون على البر والتقوى، أما المسابقات فبحسبها، إن كان كل من يدفع مبلغاً يأخذ الفائدة فهذا يعد نوعاً من الميسر، أما إذا دخل معهم محللاً فبحسبه، وفي المسألة تفصيل أوسع.
الجواب: ضعيف لا يثبت، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر