أيها الإخوة الكرام! نحييكم في هذا اللقاء الجديد، مع فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والدعوة والإرشاد.
والذي يسرنا أن يتولى الإجابة في حلقتنا اليوم على رسائلكم، واستفساراتكم.
====
السؤال: هذه أول رسالة في حلقتنا اليوم، من المستمع: حسين علي محمد اليماني ، مقيم بالرياض، يقول: حصل بيني وبين زوجتي خصام فاشتد غضبي، فقلت لها: جعلتك كمثل أمي وكرائمي، وقد سألت بعض العلماء في ذلك، فقالوا: يجب عليك كفارة ظهار، ولكني لم أستطع فعل شيء منها، فقد أطعمت ستة مساكين، فقط، ثم اتصلت بزوجتي بعد ذلك، وهي الآن عندي، فما رأيكم في هذا؟ أفيدوني وفقكم الله.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالقول للمرأة: أنت علي حرام، أو مثل أمي، أو مثل أختي.. أو نحو ذلك، هذا أمر لا يجوز، لأن الله جل وعلا حرم المظاهرة منها، وتشبيهها بالأم، أو بالأخت، وذكر سبحانه أنه منكر من القول، وزور، فلا يجوز للمسلم أن يقول لزوجته: أنت مثل أمي، أو أنت حرام علي كأمي، أو كأختي، أو كظهر أمي، كل هذا لا يجوز، والواجب عليه أن يحفظ لسانه عن مثل هذا، والله سبحانه قال: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [المجادلة:3]. الآية، فبين جل وعلا أن المظاهر له أحكام، فيجب على المؤمن أن يتقيد بحكم الله جل وعلا، ولا يتساهل في الأحكام، فإذا قال هذا الكلام، وأحب الرجوع إليها، والعود إليها؛ فإن عليه كفارة بينها ربنا سبحانه وتعالى في قوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [المجادلة:3-4] فالمؤمن يتقيد بحكم الله ورسوله، ولا يعجل، ولا يتساهل، وإذا حصل غضب أو مشاجرة؛ فالواجب عليه أن يتثبت في الأمور، ويتعوذ بالله من الشيطان، ولا يعجل في أمرٍ يضره، فإن الإقدام على ما حرم الله من جملة المعاصي التي تضر العبد، وتسبب غضب الله عليه سبحانه وتعالى، والطلاق كذلك قد يفضي به إلى ما لا تحمد عقباه، فلا يعجل في الطلاق، بل ينبغي له التثبت في الأمور، وعدم العجلة، وأن يتعوذ بالله من الشيطان عند حدوث النزاع، والخصام، وهذا الرجل الذي حرم زوجته؛ يلزمه عتق رقبة، يعني: إما عبد، وإما أمة، فإذا لم يتيسر ذلك؛ فإنه يصوم شهرين متتابعين، قبل أن يتصل بها -قبل أن يجامعها- فإن عجز عن ذلك؛ أطعم ستين مسكيناً، لا ستة، بل عليه أن يطعم ستين مسكيناً، كما أمر الله بهذا سبحانه وتعالى، وإطعامهم؛ بكونه يعشيهم، أو يغديهم، أو يعطي كل واحد نصف صاع من قوت البلد، من تمر، أو أرز، أو حنطة، أو ذرة، من قوت بلده، قبل أن يمسها، وهذا معنى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:4] يعني: من قبل أن يتصل بها ويجامعها، والسائل قد أخطأ في جماعه لها قبل أن يكمل الكفارة، فعليك -أيها السائل- أن تمتنع منها، وأن تكف عن جماعها؛ حتى تكفر الكفارة الواجبة، وإذا كنت لا تستطيع صيام شهرين متتابعين؛ فإنك تكمل الإطعام، أطعمت ستة، بقي عليك أربعة وخمسون، عليك أن تطعم أربعة وخمسين مسكيناً مع الستة حتى يكون الجميع ستين مسكيناً، تعطي كل واحد نصف صاع، وهو كيلو ونص تقريباً من الحنطة، أو من التمر، أو من الأرز، أو من قوت بلدك، إن كان بلدك عندكم فيه الذرة، فمن الذرة، حتى تكمل الستين، ومقدار هذا بالوزن كيلو ونص تقريباً، فإذا كملت ذلك؛ جاز لك أن تأتيها، وعليك التوبة إلى الله مما فعلت، عليك التوبة إلى الله سبحانه من قربانك إياها، عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن قربانك إياها قبل الكفارة؛ معصية، فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى من ذلك، وعليك أن تكمل الكفارة بإطعام أربعة وخمسين مسكيناً، كل واحد يعطى نصف الصاع من التمر، أو غيره من قوت البلد، هذا إذا كنت لا تستطيع الصيام، وبعد هذا كله تحل لك زوجتك، وعليك التوبة إلى الله، والندم على ما فعلت، والاستغفار، كسائر الذنوب. نعم.
المقدم: لو أراد أن يطعمهم كما تفضلتم بأن يغديهم أو يعشيهم فهل يجوز له أن يطعمهم على دفعات مثلاً؟
الشيخ: ما في بأس، لا حرج أن يفرقهم.
المقدم: ليس بلازم ما هو بلازم أن يطعمهم دفعة واحدة؟
الشيخ: ما هو بلازم أن يجمعهم جميعاً لو غدى هؤلاء في وقت عشرة، وعشرين في وقت آخر، أو خمسة، أو ستة حتى يكملهم.
الجواب: على كل حال، ما ينبغي للسائل أن يتساهل بهذا الأمر، ويكثر من الطلاق، ويهدد بالطلاق، بل ينبغي له أن يحفظ لسانه، وهكذا كل مسلم، ينبغي له أن لا يتساهل في الطلاق، بل ينبغي له أن يحفظ لسانه من الطلاق، وأن يهدد بغير الطلاق، ويتوعد بغير الطلاق، وينصح زوجته عند المخالفة بما يرى من النصيحة، أما الطلاق فينبغي أن يكون بعيداً؛ لأن ذلك قد يضر بحاله مع زوجته، وقد يفضي إلى فراقها، فينبغي له ألا يهدد بالطلاق، وألا يستعمله مهما أمكن.
وأما ما وقع منه في هذه المسائل الخمس؛ فالطلاق الذي أراد به تهديدها، ومنعها، وما أراد إيقاع الطلاق حين قال لها: إن جاء العيد، أو خرج الشهر قبل أن تحضري؛ فأنت طالق، إن كان أراد بهذا إيقاع الطلاق؛ وقع طلقة، وإن كان ما أراد بذلك إيقاع الطلاق، وإنما أراد منعها من البقاء عند أهلها؛ حتى تأتي قبل العيد، وأراد بهذا تخويفها من مغبة هذه اليمين، فإنه لا يقع شيء، وعليه كفارة يمين.وهكذا منعها من السلام على الشخص المعين، إذا كان أراد منعها كما قال، ولم يرد إيقاع الطلاق؛ فإن الطلاق لا يقع، وعليه كفارة يمين عن سلامها له، إذا كان أراد منعها من السلام، ولم يرد إيقاع الطلاق.وهكذا منعها من الخروج من البيت، إذا كان أراد عدم خروجها، وإنما أراد تخويفها بالطلاق حتى لا تخرج، ثم خرجت، فعليه كفارة يمين، في هذا كله، أما إذا كان أراد إيقاع الطلاق؛ فإنها تقع طلقة، وهذا طلاق متعدد، والمسألة تحتاج إلى عناية، ونظر في موضوعه، فإن كانت الزوجة موجودة في الرياض؛ فنرى أنه يحضر عندي هو وزوجته؛ حتى ننظر في أمرهما جميعاً بالتفصيل، وحتى تكون الفتوى على أمرٍ واضح، والشيء الذي فعلته ناسيةً؛ لا يقع به شيء، إذا كانت كلمت من منعها من تكليمه، سهواً ناسيةً، فلا يقع شيء بذلك، ولا عليك كفارة، فيما إذا كانت فعلت المحلوف عليه ناسيةً -ساهية-؛ لأن الله يقول سبحانه: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]. وهكذا إذا اشتد الغضب، ولم يملك نفسه من الغضب الشديد، لأنها خالفته، ونازعته شديداً، وتكلمت عليه كلاماً سبب شدة غضبه، وعدم استطاعته قهر نفسه؛ فإنه بهذه الحالة لا يقع الطلاق، فإنه في هذه الحال يشبه حال من لا عقل له، عند شدة الغضب، لأنه لا يملك نفسه، ولا يستطيع قهرها بسبب الغضب الشديد، والنزاع الشديد، أو الكلام الخبيث الذي قالت له؛ حتى اشتد غضبه، فإنه لا يقع به الطلاق، وقولها: يا ابن الكلب، أو يا بني الكلب؛ إذا كانت ساهيةً؛ فإنه لا يقع شيء بذلك، ولا يلزمه كفارة يمين بذلك، فينبغي له أن يتوقف عن الطلاق، ويحذر هذا الاستعمال الذي قد يفضي به إلى فراق أهله، وقد يسبب مشاكل عليه، فينبغي له أن يحذرها، ينبغي لك أيها السائل! أن تحذر مثل هذا، وإذا حضرت مع زوجتك عندي؛ فهو يكون أولى، حتى نسألها عما قلت، ونسألك عما قلت، وحتى يحضر معها وليها، كأخيها، أو أبيها؛ حتى ننهي الموضوع على طريقة واضحة، وبعد سؤالكما جميعاً والولي عن كل ما وقع، هذا يكون أحوط وأولى.
المقدم: السائل مقيم في اليمن علي أي حال.
الشيخ: إذا كان في اليمن، فعليه أن يتصل بالعلماء هو وزوجته ووليها، أحسن، حتى يفصل له العلماء ما وقع فيه، يتصل ببعض العلماء هناك، أهل الفقه، من القضاة.. ونحوهم من أهل العلم، أهل البصيرة، فيخبرهم بكل ما وقع منه، حتى يكون على بينه، وعلى بصيرة في فتواه، وفيما يراه أهل العلم إن شاء الله البركة والخير، وقد بينا له ما يلزم حسب ما قد عرفنا من سؤاله.
المقدم: ماذا عن مظاهرته، التي يقول: تكوني مثل أمي، وأختي؟
الشيخ: هذا عليه كفارة الظهار، عليه أن يكفر إذا كان يستطيع الصيام، يصوم شهرين متتابعين، فإن كان ما يستطيع الصيام؛ يطعم ستين مسكيناً، عليه أن يطعم ستين مسكيناً.
المقدم: هو حسب سؤاله يقول: أنا، ذكر هذا الكلام مرتين، في المرة الأولى يقول: سألت عنه وكفرت بإطعام ستين مسكيناً، وقيل لي: لك طلقة.
الشيخ: تجزيه إذا كان لا يستطيع الصيام، يجزيه إطعام ستين مسكيناً، إذا كان لا يستطيع الصيام، ويقع عليها طلقة إذا كان ما أراد منعها، إنما أراد إيقاع الطلاق، يكون عليه طلقة، أما إن كان أراد منعها، وكفها عن هذا الشيء، ولم يرد إيقاع الطلاق، وإنما أراد تخويفها، وتحذيرها، وكفها عن ذلك؛ فإن عليه كفارة يمين.
المقدم: حتى في الظهار؟
الشيخ: مع كفارة الظهار، عن الطلقة يعني، عن الطلقة التي أوقعها.
المقدم: إذاً معنى هذا؛ بقي عليه كفارة ظهار واحدة؛ لأنه ذكر أنه ظاهر مرتين.
الشيخ: نعم، وكفارة اليمين عن الطلقة إذا كان أراد منعها وكفها.
الجواب: مثلما تقدم، إذا كان في أشد الغضب؛ لا يقع الطلاق، إذا كان هناك أسباب توجب شدة الغضب، حتى كان شبه المجنون، شبه عادم الشعور، إذا اشتد به الغضب، وعظم عليه الأمر حتى ما ملك نفسه، ولا استطاع ملك نفسه، ولا قهرها، بسبب سوء مخاصمتها له، وكلامها عليه من سب، وتعيير.. ونحو ذلك؛ فإنه لا يقع الطلاق في أصح أقوال العلماء، يكون حكمه حكم طلاق المجنون والمعتوه.
الجواب: يصلي الركعتين التي أدرك مع الإمام، ويجلس للتشهد، فإذا تشهد التشهد الأول، والأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقوم، ويشير لهم يجلسون؛ حتى يفرغ ويسلم بهم جميعاً، يشير لهم؛ حتى يجلسوا، ولا يتابعوه، فإذا قضى الركعتين اللتين عليه؛ سلم بهم جميعاً، لأنه معذور في هذه الحالة، وهم معذورون، فهو يقوم حتى يكمل صلاته، وهم ينتظرونه؛ لأنه قام لعذر، فيسلم بهم جميعاً، هذا هو المشروع، ولو أنه استخلف إنساناً لم يفته شيء لكان أولى، لكن مادام استخلفه، فإن الصلاة صحيحة والحمد لله، فهو يصلي بهم ركعتين، ويتشهد بهم، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، على الأصح، الأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشهادتين، ثم ينهض مكبراً إلى الثالثة، حتى يكمل لنفسه، فإذا كمل لنفسه، سلم بهم جميعاً، أما هم لا ينهضون معه، ينتظرون حتى يسلم بهم جميعاً. نعم.
المقدم: لكن لو كان هذا الشخص المستخلف، أيضاً: استخلف آخر، أو قدم آخر من..
الشيخ: يعني: حصل له عذر؟
المقدم: لا؛ بدون عذر، لكن يعني: هو نفسه يدفع أحد المكملين للصلاة مع الإمام الأول؟
الشيخ: لا؛ الأحسن له لما استخلف يمتثل هو ولا يستخلف، أخشى أن يكون شبه الوكيل لا يوكل في مثل هذا، مادام استخلفه، وارتضاه لهم، يمضي، ولا يستخلف هو، إلا إذا عرض له عارض. نعم.
المقدم: إنما إذا لم يكن هناك مانع، فيجب أن يمتثل.
الشيخ: يكمل هو، ويشير لهم إذا أراد النهوض، يشير لهم حتى يجلسوا حتى يكمل ما بقي عليه، ولو قام معه أحد جاهلاً؛ فصلاته صحيحة، لكن هو يشير لهم حتى يجلسوا، وينبههم بعد الصلاة أن المشروع إذا جاء مثل هذا يجلسون وينتظرون.
المقدم: أحسن الله إليكم، وأثابكم.
أيها الإخوة الكرام! كان لقاؤنا هذا اليوم مع فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والدعوة والإرشاد.
وقد استعرضنا في حلقتنا اليوم رسائل الإخوة حسين علي محمد اليماني ، مقيم بالرياض، والمستمع: أحمد خليل الشريف ، سوداني الجنسية، يعمل مدرس باليمن الشمالي، والمستمع: إبراهيم أحمد شاويش ، من السودان أيضاً، والمستمع: عبد الرزاق آدم محمود مقيم بالجموم المملكة العربية السعودية.
أيها الإخوة الكرام! موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله، إلى ذلكم الوقت نستودعكم الله تعالى..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر