أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في لقائنا هذا أو في بداية لقائنا هذا نرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز ونستعرض معه رسائل السادة: عبد الرحمن بن عبد العزيز الحميضي من بلدة القصب بالوشم، والأختان الطالبتان من العراق (ع. ع. ك) و(ف. ع. ك)، ورسالة المستمع (ب. س. ص) من القصيم عيون الجوى، ورسالة عواد عقلة غضبان من الأردن الرصيفة أو الرضيفة.
====
السؤال: سماحة الشيخ! نبدأ أولاً برسالة عبد الرحمن بن عبد العزيز الحميضي من بلدة القصب الوشم، يقول المستمع عبد الرحمن : السلام عليكم ورحمة الله، إنني أبعث إليكم هذه الرسالة وأرجو من الله العزيز أن تصلكم وأنتم بخير وعافية، وتتضمن رسالتي هذه استفساراً عن كتاب (الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات)، يقول: فلقد قرأته وأعجبت به، ولكن لفت نظرنا في هذه الصور المرفقة برسالتي -هو أرفق ثمان صفحات في رسالته هذا يا سماحة الشيخ- المرفقة برسالتي من هذا الكتاب الذي اسمه أعلاه، وبخاصة ما ذكر من مضار الدخان، ومنها: أن صاحبه إذا مات لم يتب منه فإن وجهه يصرف عن القبلة، فإذا كان الكتاب وما فيه تنصحنا بقراءته فأرجو من كل إنسان وبخاصة الذين يشربون الدخان وهذا وأكتب رسالتي من أجله، والله يحفظكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله.
ويقول: أرجو من فضيلة الشيخ التعليق على مضار الدخان كما هو موضح في هذه الصور، طبعاً الصورة أو الصور -يا سماحة الشيخ- لا أستطيع عرضها في هذا المقام، لأنها ثمان صفحات لكني لخصت ما كتبه المؤلف في الأمور التالية، يقول: إن الدخان يجامع الحشيش في كثير من المفاسد والمضار، وينفرد كل منهما بمضار، فالدخان يفسد العقل وأنه يسكر، وأنه يخدر ويفتر، وأنه يورث الذلة والمهانة، ويهدم الشرف والمروءة، وأنه يفسد المزاج، وأنه يفسد العقل، ويورث الحمق والرعونة، وأنه يورث قلة الغيرة، وأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأنه يضر بالصحة، وأنه يورث موت الفجأة، وأنه سبب لسوء الخاتمة، وقد ضرب قصصاً رويت له من بعض الناس، وأنه يكون سبباً لصرف الميت عن القبلة قبل دخول القبر وبعده، وأنه يسود القلب، نرجو كما يرجو عبد الرحمن أن تعلقوا على هذا؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فأقول أولاً: إن المؤلف وهو أخونا العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري إنما يكتب عن علم وعن بصيرة وعن سؤال أهل الخبرة في هذه المسائل وأشباهها، والدخان بلا شك مضاره كثيرة، وعواقبه وخيمة، وقد أخبر الأطباء الذين درسوه وعرفوه عن مضاره الكثيرة، كما أخبر من يعتاد شربه عن مضار أخرى كثيرة، فهو بلا شك ذو مضار كثيرة جداً، منها: أنه يسبب موت الفجأة موت السكتة، ومنها كما ذكر جماعة من الأطباء أنه يسبب مرض السرطان والعياذ بالله، ومنها: أنه قد يفضي إلى الإسكار إذا أبطأ عنه صاحبه ثم شربه قد يتأثر به ويسكر، ومنها: أنه إذا أكثر منه قد يتضرر بذلك أكثر من جهة السكر والتخدير الكثير.
هذه أشياء معلومة قد أخبرنا بها الكثير من الأطباء وكتب فيها الناس، ومن ذلك: أنه يسبب أيضاً سواد القلب، فإن المعاصي تسود القلب كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب وأناب صقلت، وإن أذنب مرة أخرى صارت نكتة أخرى سوداء)، وهكذا إذا ما تاب عن المعاصي، تكون نكت كثيرة في القلب حتى يسود القلب وحتى يظلم، وحتى لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وهذا ليس خاصاً بالدخان بل يعم جميع المعاصي، فالدخان له مضار كثيرة، ومنها: أنه مضر بالصحة ضرراً كثيراً، ومتلف للمال ومضيع للمال في غير حق وبغير فائدة، فهو بحق ذو مضار كثيرة ينبغي للعاقل أن يحذره وأن يتباعد عنه، فإنه مضر بصحته.. مضر بسمعته.. مضر بعقله، مضر بآخرته، فإنه قد يسبب كثيراً من الشرور، ويسبب كثيراً من الضيق والقلق والغضب الكثير وسرعة الانفعال، فينبغي للمؤمن أن يبتعد عنه وأن يحذره غاية الحذر.
ثم هو أيضاً يسبب مضرة الذرية، فإن الذرية يتأسون بأبيهم وأجدادهم وإخوانهم، فإذا تعاطاه الإنسان فإنه بذلك يسبب تعاطي ذريته لهذا الخبيث، وأن يصبحوا أسرى لشره وأضراره الكثيرة.
وقد أخبر كثير من الناس أن شاربه قد يصرف عن القبلة كما ذكر الشيخ حمود ، وهذه وقائع توجب الحذر، فإن اطلاع الناس على بعض الوقائع وإخبارهم عنها يسبب الحذر ويقتضي الحذر من هذا الشيء الذي أخبر عنه من شاهده ومن وقع له أنه اقتضى كذا وكذا مما يضر العبد، فصرفه عن القبلة أخبر به بعض من شاهد المدخنين، ولا يلزم من ذلك أن يكون كل مدخن بهذه المصيبة، لكن هذا يقتضي أن هذا الأمر قد يسبب هذه الحالة المنفرة، كونه أن يصرف عن القبلة في حال بعد موته قبل أن يدفن وبعد أن يدفن، هذا لا شك يوجب الحذر منه ويوجب كراهة تعاطيه؛ لأنه مشتمل على المضار الكثيرة التي هذه منها، والحاصل أنه محرم بلا شك، ويجب تركه بلا شك لمضاره الكثيرة، أما تعدادها فيحتاج إلى عناية من الأطباء وبصيرة ممن اعتاده فإنه أعلم به وأقدر على تعداد مضاره، الأطباء والذين ابتلوا بشربه والاكتياء بشره وناره هم أعلم الناس بمضاره الكثيرة.
فنصيحتي لكل مسلم: أن يحذر هذا الخبيث، وأن يتباعد عنه، كما أني أنصح أن يحذر كل مسلم جميع المسكرات، جميع أنواع الخمور، جميع أنواع التدخين، جميع أنواع المفترات، وهكذا الحشيشة فإن مضارها كثيرة وخبيثة فيجب الحذر منها غاية، فهذه الأمور التي ذكرها السائل وذكرها الشيخ حمود في الكتاب يجب على المؤمن أن يتباعد عنها حفظاً لصحته، وحفظاً لعقله، وحفظاً لشرفه، وابتعاداً عن المضار التي تضر دينه وعقله وبدنه وسمعته وذريته، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
الجواب: أولاً: أشكر الأختين الطالبتين غيرتهما الإسلامية وحرصهما على سلامة دينهما وعرضهما، وأسأل الله لهما المزيد من الهداية، كما أسأله للمديرة الهداية والتوفيق حتى تكون عوناً للطالبات على الخير لا على الشر، أسأل الله أن يهدي المديرات لمدارس البنات التوفيق والهداية، نسأل الله لهن التوفيق والهداية وأن يكن عوناً للطالبات على كل خير.
أما نصيحتي للطالبتين فهي الانقطاع عن الدراسة إذا كانت لا تحصل إلا بالملابس الرديئة الفاضحة التي تدعو إليها المديرة ويدعو إليها كل متحلل من الدين وكل إنسان ضعيف الغيرة وقليل المبالاة في أمور الدين، فانقطاعهما عن الدراسة أولى من لبسهما ما لا ينبغي في الشرع وما لا يبيحه الشرع، ولا شك أن الحجاب أمر متحتم وواجب على المرأة؛ لأن الله يقول سبحانه في كتابه العظيم: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] ثم قال بعدها: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فبين سبحانه وتعالى أن الحجاب أطهر لقلوب الرجال وقلوب النساء جميعاً، فالذي يدعو للحجاب يدعو إلى الطهرة، ويدعو إلى العفة والبعد عن أسباب الفتنة، وأما التي تدعو لخلع الحجاب فإنها تدعو إلى الفساد والنجاسة والفحش والبعد عن الطهرة والقرب من النجاسة والفساد، ولا يستوي هذا وهذا، فالدعاة إلى خلع الحجاب دعاة إلى نبذ الفضيلة.. دعاة إلى الفساد.. دعاة إلى النجاسة والخباثة.. دعاة إلى محاربة الطهرة التي دعا الله إليها سبحانه وتعالى، فنصيحتي ألا تجيبا المديرة إلى طلبها، وأن تبقيا على الحجاب، فإن أمكن إكمال الدراسة بذلك فالحمد لله، وإلا يمكن إلا بخلع الحجاب فلا حاجة إلى إكمال الدراسة في هذه الجامعة، وبالإمكان إن تيسر أن تتيسر الدراسة في مكان آخر أو تكتفيا بما حصلتما من الدراسة، ثم بالمطالعة والمذاكرة فيما بينكما وبين أمثالكما من الطيبات الطاهرات من النساء، فإن الاجتماع على الدراسة والمذاكرة في كتب العلم يفيد كثيراً وينفع كثيراً، ولاسيما من حصلت الأصل ودرست الأصول فإنها تستفيد من المطالعة والمذاكرة الخير الكثير، ولا ينبغي لها أن تجيب إلى ما حرم الله سبحانه وتعالى.
الجواب: لا شك أن قوله تعالى: (في جيدها) يعني: في عنقها، (حبل من مسد) يعني: من النار، لكن تفسير المسد بالنص على المعنى المراد من كلام الله عز وجل يحتاج إلى العناية بكلام أهل التفسير، كتفسير ابن جرير وابن كثير والبغوي وتفسير الشوكاني ، فيمكن مطالعة هذه الكتب وأشباهها كـالقرطبي أيضاً يتضح كلام أهل التفسير في ذلك، ولاشك أن المراد هنا: أنه شيء من العذاب، المسد شيء من العذاب، حبل من مسد شيء من العذاب الذي تعذب به هذه المرأة بسبب عدائها للنبي صلى الله عليه وسلم هي وزوجها وإيذائهما للنبي صلى الله عليه وسلم بما يحملان من الحطب ويلقيانه في طريقه عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أن هذا الشيء يرجع فيه للتفسير لا لكلام الإمام هذا المسكين ولا غيره، بل يراجع بهذا كلام المفسرين كما تقدم ابن كثير وابن جرير والبغوي والقرطبي وأشباههم، فقد أوضحوا معنى ذلك وبينوا كلام المفسرين الأولين في ذلك، وهو بلا شك يدل على أنه عذاب فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:5]، حبل من العذاب الذي وعد الله به أمثال هؤلاء، لكن تفسير مسد عين مسد ما هو ووجه التسمية هذا يحتاج إلى مطالعة كتب التفسير ولا يحضرني الآن كلام أهل التفسير في هذه الكلمة، وفي إمكان كل طالب علم أن يراجع كلام المفسرين ويعلم ما قالوا في هذا، فالحمد لله، الأمر قريب وواضح.
الجواب: لا شك أن لمس النساء اختلف فيه العلماء، فقال قوم من أهل العلم: إن لمس المرأة من دون ساتر من دون حجاب ينقض الوضوء مطلقاً، وهو مشهور مذهب الشافعي رحمه الله وجماعة، وقال آخرون: لا ينقضه مطلقاً، وإنما المراد باللمس: الجماع في قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، قالوا: المراد هنا: الجماع كما قال ابن عباس وجماعة، وقال آخرون: ينقض إن كان بشهوة، ولا ينقض إذا كان بغير شهوة، وهو مشهور مذهب أحمد رحمه الله وجماعة.
والأرجح عندي بعد التأمل هو قول من قال: إنه لا ينقض مطلقاً، وأن مسها لا ينقض مطلقاً وإنما الذي ينقض مس الفرج، أما مس المرأة فقط في يدها أو رجلها فلا ينقض الوضوء لعدم الدليل، أما قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] فالمراد به الجماع كما تقدم؛ لقول ابن عباس رحمة الله عليه وجماعة من أهل العلم، أما قول ابن مسعود المراد به: المس فقط فليس بظاهر، بل الصواب ما قاله ابن عباس في هذا، وأن المراد به الجماع خاصة، والدليل على هذا: أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ثم أمر آخر وهو أن اللمس أمر واقع من الناس في بيوتهم، والحاجة ماسة إلى بيانه من النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً عاماً حتى يعلمه الناس، فلو كان ينقض الوضوء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً واضحاً كافياً شافياً، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه ينقض الوضوء، فعلمنا بذلك أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، سواء كان عن تلذذ وشهوة أم لم يكن كذلك، بل الذي ينقض هو الجماع، وكذلك مس الفرج، هذا هو الذي ينقض، أما مجرد لمس المرأة فقط من غير خروج شيء فإنه لا ينقض، أما إن خرج منه شيء كالمذي فإنه ينتقض الوضوء، إذا مسها بشهوة وخرج المذي انتقض الوضوء وعليه حينئذ أن يغسل فرجه من المذي، يغسل فرجه وأنثييه ويتوضأ للصلاة ونحوها، أما مس بدون خروج شيء، مسها ولم يخرج منه شيء فإنه لا ينقض الوضوء على الصحيح، والدليل ما تقدم، الدليل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ) وهذا ثابت عنه بإسناد جيد رواه أحمد وغيره، وله شاهد مرسل عند النسائي ، ثم الأصل عدم النقض، هذا هو الأصل، فمن قال بالنقض مطلقاً فعليه الدليل، وهكذا من قال بالنقض بالشهوة عليه الدليل ولا دليل، فالصواب أنه لا ينقض الوضوء، وكثير من إخواننا في الطواف يتحرجون إذا مست يده يد امرأة أو رجله رجل امرأة راح يتوضأ أخذاً بقول من قال: إنه ينقض مطلقاً، وهذا فيه حرج كثير بدون دليل ولا حجة، والصواب إن شاء الله: أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً، هذا هو الصواب.
المقدم: شكراً سماحة الشيخ.
أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه أسئلة السادة: عبد الرحمن بن عبد العزيز الحميضي من بلدة القصب بالوشم، ورسالة الأختين الطالبتين من العراق (ع. ع. ك)، و(ف. ع. ك)، ويسألن عن الحجاب، والمستمع (ب. س. ص) من القصيم عيون الجوى، ويسأل عن التفسير لسورة المسد، والمستمع عواد عقلة غضبان من الأردن.
شكراً لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وشكراً لكم أيها السادة.
وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر