اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا من فضلك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل تجمعنا هذا تجمعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً.
وبعد: فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأنعم علينا باتباع سنة وهدي خير الأنام، صلوات الله وسلامه عليه، فإنها نعمة عظيمة لا يعرف قيمتها ولا يقدرها حق قدرها إلا من اطلع على ما عانى العالم منه قديماً، وما يعاني منه حديثاً في ظل العقائد البعيدة عن هدي الله، والمخالفة لسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلنا نسمع في هذه الأيام أغرب ما يمكن أن نسمع، وأعجب ما كنا نتوقع أن نسمعه، بل بعضنا لم يكن يتوقع ذلك ولا يخطر له ببال، ألا وهو هذه الأحداث الكبرى التي تجري فيما يسمى بـأوروبا الشرقية.
ولسنا بمعزل عن هذا العالم وعن عقائده وأديانه مهما حاولنا أن نكون بمعزل، وذلك لأن وسائل إعلامنا تكاد تكون -في كثير من الأحيان- صدىً لما تردده وسائل الإعلام العالمية، فما يردد هناك تجده هنا، ويعجب الإنسان ويحار وهو يسمع الأحداث كل يوم، ولكنه لا يعرف تفسيرها، ولا يدري لماذا؟
لأن ما يعرض لديه هو نسخة مطابقة لما يعرض هنالك.
أما نحن المسلمين الذين نملك تفسير الأحداث تفسيراً إسلامياً، فإننا لانجد المفسر أو المحلل الإسلامي الذي يعطينا التحليل وراء وقوع هذه الأحداث، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العالم كله متقارب كما ترونه اليوم.
وما يدور في داخل المعسكر الشيوعي يهمنا، إذ نحن الآن -في العالم الإسلامي- نصطلي بنار الشيوعية الحمراء في أفغانستان وفي مناطق كثيرة جداً من أنحاء العالم الإسلامي، ومعرفتنا لعدونا هي الخطوة الأولى التي لا يمكن تجاوزها في مقاومته وصد كيده وجهاده في سبيل الله عز وجل، ومن هنا كان علينا أن نتطلع إلى معرفة هذه الأحداث ومعرفة ماذا يدور وراءها.
والحقيقة أن الوقت يضيق جداً عن سرد الأمر بالتفصيل ولا سيما ما يتعلق بنشأة الشيوعية، ولماذا نشأت هذه الفكرة؟
ثم كيف طبقت؟
ثم ما هي التعديلات التي جرت عليها؟
ثم التعديل المفاجئ الأخير، وما هي أبعاده؟
وما هي أهدافه؟
والكلام في هذا الموضوع يطول جداً، وإنما أردنا فيما يناسب المقام والمكان هنا أن نحدث إخواننا المسلمين عن بعض العبر التي تهمنا، سواء أكان ما يحدث الآن على يد ميخائيل جورباتشوف تطويراً للشيوعية ووسيلة لتغلغلها في العالم بشكل أكبر كما يرى طائفة من المحللين، أم كان بخلاف ذلك إنقاذاً لها من الانهيار وتغييراً جذرياً لها، وهو كما يرى البعض أنه ما هو إلا عميل أو ألعوبة غربية أرادت تقويض مذهب أمته، وبين هذين التحليلين نستخلص عبراً لا تتغير أياً كانت النتيجة، أو أياً كانت العلة الحقيقية بالنسبة لهذا التغيير المفاجئ، على أنه يجب علينا أن نعطي بعض الضوء على هذا المنهج الخبيث بإيجاز شديد جداً.
وثاني هذه المصادر هي: الفلسفة المثالية الألمانية، وقد برع الألمان في الفلسفة النظرية البحتة وتوسعوا فيها، وكان من أبرزهم الفيلسوف الأوروبي الكبير هيجل، الذي أخذ عنه ماركس نظرية النقيض، ولكن هيجل جاء بها نظرية خيالية في علم المنطق كما يسمونها، وجاء ماركس فطبقها على الناس، وقال: إن الناس في صراع، وإن الحياة في صراع، وأساس الصراع -في نظر هذا اليهودي وفي نظر الشيوعية- بين الناس هو الاقتصاد والبحث عن الطعام والشراب، وبناءً على ذلك وعلى الحتمية التي أخذها من النظرية الداروينية، قسموا تاريخ الإنسانية إلى خمس مراحل نوجزها لكم، ولعلكم إن شاء الله تستوعبونها، لتعلموا أن هذا المذهب منافٍ كل المنافاة لما أنزله الله على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى جميع الرسل.
المرحلة الثانية:
ثم انتقل الإنسان إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة الرق -كما يسمونها- وهي وجود أقلية مسيطرة تسترق وتستعبد بقية الناس، وتسخرهم عبيداً ليحرثوا وليزرعوا لها الأرض.
المرحلة الثالثة:
وهي مرحلة الإقطاع، وفي هذه المرحلة أصبح الملاك الإقطاعيون يملكون المزارع الكبيرة التي قد تضم عدة مزارع أو قرى يملكها الإقطاعي أو الشريف أو النبيل... إلخ، بمن فيها من عبيد ورقيق إلى آخر ما لا نستطيع التفصيل فيه.
المرحلة الرابعة:
هي مرحلة الرأسمالية، وهي مرحلة ما بعد الثورة الصناعية، واكتشاف الآلة البخارية وأمثالها، حيث تحول الناس -كما يقولون- من العصر الزراعي إلى العصر الصناعي الحديث.
المرحلة الخامسة والأخيرة:
بعد مرحلة الرأسمالية، هي مرحلة الشيوعية الأخيرة، فالعالم عندهم يبدأ بـالشيوعية وينتهي بـالشيوعية، والشيوعية الأخيرة لابد أن تحكم العالم.
ويهمنا هنا مسألة أساسية وقضية مهمة جداً وهي ما قررته الشيوعية من أن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أمر حتمي، فيسمونه الحتمية، فهو حتمي قسري جبري قهري ليس للإنسان ولا للشعوب أي إرادة فيه، فالتاريخ يمشي بهم هكذا، وسيتحولون رغماً عن أنوفهم، وليس لهم خيار في هذا التحول، وليس لهم خيار في التراجع عنه مطلقاً، وأيضاً سبب التحول من مرحلة إلى مرحلة هو اكتشاف مادي، فعند الشيوعية أن أفكار الناس وعقائدهم وأديانهم وأخلاقهم وفلسفاتهم وآدابهم هي من نتاج الواقع الذي يعيشونه، فإذا تغير الواقع المادي تغيرت الأديان وتغيرت الحياة، والانتقال من مرحلة إلى أخرى هو بسبب مسألة مادية بحتة وليست عقلية ولا ذهنية.
فمثلاً: الانتقال من الشيوعية الأولى إلى الرق سببه اكتشاف الزراعة، ويقول هؤلاء المفترون الكاذبون: إن الإنسان في المراحل الأولى كان همجياً يأكل كل شيء، ثم اكتشف الزراعة لأنه رأى الثمار تسقط ثم تنبت، فلما اكتشف الزراعة انتقل حتمياً وبغير إرادته إلى مرحلة الرق، فالذين استرقوا -المزارعين- هم تلك الطبقة أو الفئة القليلة.
ثم انتقل الناس إلى مرحلة الإقطاع عندما اكتشفت الآلات الزراعية مثل المحراث، فإذاً الآلة هي سبب نقلة التاريخ، فالتاريخ الإنساني كله يتغير لاكتشاف يكتشف، فاكتشف المحراث فتغير مجرى التاريخ وأصبح العالم كله يخضع لنظام الإقطاع.
بعد ذلك اكتشفت الآلات الصناعية؛ فانقلب وجه التاريخ كله أيضاً فتغير وأصبح رأسمالياً.
ثم الشيوعية -المرحلة الأخيرة من الشيوعية- أيضاً حتمية لأنها تطبيقاً لنظرية النقيض.
والرأسمالية تحمل في ذاتها نقيضها، مما هو نقيض الرأسمالية والرأسماليون الصناعيون يستأثرون بالثروة جميعاً، فتكون النتيجة أن العمال يُضطهدون ويُهضمون، وقد كان ذلك واقعاً أن يثوروا على الرأسمالية، فينشأ من الصراع بين العمال وبين الرأسمالية ظهور القوة الثالثة حسب المنطق الجدلي الجالكسيدي -كما يسمونه- فتنتج قوة ثالثة هذه القوة هي الشيوعية الجديدة متمثلة في دولة البرولوتاريا أي: الدولة العمالية.
هذا هو المذهب الشيوعي نظرياً بإيجاز شديد، لكن واقعياً كيف طبق؟؟
فأول ما أكذبه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأبطل قوله للعالم كله، أن الدولة البريطانية حتى اليوم لم تصبح دولة شيوعية، وإنما نجحت الشيوعية وقامت في دولة زراعية وهي روسيا القيصرية وكانت دولة زراعية، فانتقلت من مرحلة الزراعة إلى مرحلة الشيوعية دون أن تمر حقيقة بمرحلة الرأسمالية.
فهذا أول تكذيب للنظرية، نحن نعلم كذبها من كتاب الله وسنة رسوله، ولا يحتاج هذا عند المسلمين إلى نقاش، لكن نتكلم من خلال منطقهم ومنظورهم هم، لأننا وللأسف الشديد ابتلينا بهذه النظريات في بلاد المسلمين، وسوف نعرض له -إن شاء الله- ولا يزال كثير من المسلمين أو من أدعياء الإسلام المعتنقين لهذه النظرية في عمىً وغفلة عن هذه الحقائق الواضحة، إذاً كان هذا أول ما أفسد الحتمية.
الأمر الثاني: أن في عام (1917م) قامت الثورة الشيوعية وحكمت روسيا، فجاء التكذيب الثاني من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما قرره هذا اليهودي وأتباعه، وهو أن المفروض أن تكون الحكومة حكومة عُمالية، فالذي يحكمها المفروض أن يكون العمال، ومع الزمن تتلاشى الدولة نهائياً.
والمفروض في الشيوعية الأخيرة ألا يكون هناك دولة على الإطلاق إنما الناس هكذا يعيشون، وكل يعمل حسب طاقته وله حسب حاجته فقط، وليس هناك دولة ولا ضابط ولا نظام، والذي حصل أنه لما حكم لينين ثم استالين شهدت روسيا دكتاتورية فظيعة تسلطية، لم يكن لها نظير إلا ما يذكره الغرب عن هتلر وعن موسليني وعن أشباههما، واستالين أشد منهما ومن غيرهما، فلم تكن هناك أي حكومة للطبقة الكادحة -كما تسمى- بل كانت الحكومة للحزب الشيوعي، بل كان الثراء الفاحش والاستبداد الفظيع والاستئثار الكامل للسلطة وللثروة؛ وكل شيء لأعضاء الحزب، وأما البقية فبقوا في حالة يرثى لهم.
ثم جاء الانهيار وجاء التكذيب الثالث من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في واقع الشيوعية، عندما كان من المفروض أن تشمل الشيوعية العالم كله، كان التخطيط أن الشيوعية هي دين المستقبل وهي عقيدة المستقبل، وأنه لن يبقى على وجه الأرض أي دولة إلا وتكون فيها الشيوعية.
فمن النكت الظريفة التي في هذا الباب -والتي تعد من نكت التاريخ وهي حقيقة- أنه لما قامت دعوة الإخوة في الهجر التي انطلقت أساساً في هذه البلاد، ثم كانوا هم الجيش الذي كان هو جيش التوحيد؛ وفتح الله على أيديهم هذه البلاد، فلما قامت هذه الحركة تجمع الناس حولها وفي الهجر كانوا يعلمون الناس الأصول الثلاثة والتوحيد والعقيدة ثم ينطلقون للدعوة، ثم كان الجهاد كما تعلمون جميعاً، وقد علقت جريدة البرافدا في روسيا بأن تأثير الثورة الشيوعية وصل إلى وسط صحراء الجزيرة العربية، وها نحن نجد الهجر ونجد الدعاة فيها يترسمون خطى الثورة الشيوعية البلشفية، ولا يمكن للعقل أن يصدقه! ولكن هكذا كل شيء في التاريخ أن الأصل والقاعدة والقانون فيه: هو القانون الذي وضعه ماركس وإنجلز.
ولا بأس أن نستطرد في هذا الأمر قليلاً لأن الإخوة على مستوى جيد من فهم هذا الكلام، وكان ماركس يقول: ليس هناك وجود للغيب -عياذاً بالله- أنكر الغيب كله، الوجود الحقيقي هو وجود المادة، والمادة هي الشيء الموضوعي الوحيد، فما هي المادة؟
قال: المادة لا تحتاج إلى تفسير ولا إلى بيان، فالجدار مادة، والحديد مادة، والجسم مادة، وشيء أمامك تؤمن به وانتهى الأمر، لكن الغيب لا تؤمن به ولا تصدقه، وكان هذا الكلام هو القول السائد والمنتشر، بعد ذلك جاءت نظرية إنشتاين على سبيل المثال، ونظريات علمية أخرى فأصبح تفسير المادة أشبه ما يكون بعلم الغيب؛ لأنك الآن تقول هذا الشيء الذي أمامي مادة.
وحقيقة لو أن لدى أحدنا منظاراً يكبر الأشياء بشكل كبير جداً، لا ستطاع أن يرى المادة بشكل آخر، فسيرى الذرة، ويرى النواة، ويرى الإلكترونات وهي تدور حولها -مثلاً- فلا يرى إلا مجموعة من الأشياء تدور حول بعض، فوجدوا بعد أن مات ماركس أن حركة الإلكترونات حول النواة في أي شيء من المادة؛ أنه يشبه حركة المجموعة الشمسية في الفضاء، بشكل مذهل، فما هي الذرة؟
وما هي النواة؟
وجدوا بالعملية الحسابية التي اكتشفها إنشتاين أن الانشطار الذي يحدث بين الإلكترونات وبين النواة هذا يؤدي إلى القنبلة الذرية التي هي مبنية على هذا الاكتشاف.
إذاً: كل ما قيل في القرن التاسع عشر كله كلام غير عملي، وكله أشبه -كما يقال- بكلام العجائز أمام العقل الإلكتروني، فليس هناك أي نسبة، ومع ذلك يسمونها الاشتراكية العلمية، وإلى الآن الأحزاب الشيوعية في العالم الإسلامي يسمون الشيوعية الاشتراكية العلمية؛ لأنها قائمة على العلم، أما غيرها فهي اشتراكيات غير علمية.
ثم تلا بعد ذلك اقتسام مناطق النفوذ، وقنعت الشيوعية أنها لن تسيطر على العالم، وأكبر المفكرين والمحللين الإسلاميين في موضوع الشيوعية في تلك الفترة هو الأستاذ/ سيد قطب رحمه الله، كان يتوقع أن تسيطر الشيوعية على معظم العالم، وكان هذا هو المتوقع لدى عامة الناس.
وتعلمون أنها بالفعل حاولت أن تسيطر على أكثر العالم، وقد حكمت أوروبا الشرقية جميعاً كما تعلمون، وكانت الأحزاب الشيوعية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا من أقوى الأحزاب جميعاً، ويمكن أن تصل إلى الحكم.
ثم في العالم الإسلامي وهو أخطر وأهم منطقة يكون الصراع عليها نجد أن الاشتراكية أعلنت عندما أعلن الزعيم الهالك جمال عبد الناصر الاشتراكية مبدأً عاماً، وكانت الدعايات الضخمة ليل نهار، والمليارات تنفق على الدعايات الاشتراكية ومبادئها، فكانت أيضاً مرحلة تطبيقية واضحة وواقعة.
وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان أصله حزباً قومياً، والذي حكم بلاد الشام والعراق، أعلن وأدخل الاشتراكية البلاد فأصبح شعاره ثالوثياً: وحدة، حرية، اشتراكية، وأيضاً دول المغرب العربي: الجزائر -مثلاً- ثم تلتها بعد ذلك مصر، ثم جاءت ليبيا فكانت أيضاً أن أعلنت الاشتراكية، على اختلاف في المناهج.
وفي السودان الحزب الشيوعي كان من أقوى الأحزاب، حتى إنه حكم السودان وقام بثورة في السودان، وكاد أن يحكمها، لكن النميري رجع مرة أخرى وعادت السلطة له.
وفي جنوب الجزيرة العربية الشيوعية حكمت وما زالت إلى الآن، وفي إندونيسيا قامت ثورة كبيرة جداً وكادت أن تحكم هذا البلد المسلم، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دمرهم وثار عليهم الشعب، وقضي عليهم والحمد لله، ولكن بقي الشيوعيون لهم قوة لا يستهان بها.
وفي باكستان -كان رئيسها ذو الفقار علي بوتو- كان أيضاً اشتراكياً وينادي بـالاشتراكية، وكانت الأحزاب الشيوعية مثل الحزب الشيوعي البلوتوستاني كانت قوية، وكانت تحاول وتجتهد أن تكون باكستان دولة شيوعية، وكذلك في بلاد الهند.
والصين وهي أكبر دولة آسيوية أصبحت دولة شيوعية بالكامل، وما بقي إذاً إلا مثل اليابان، وفيتنام الجنوبية، وكذلك المناطق التي تسيطر عليها أمريكا سيطرة قوية تماماً.
إذاً: كادت الشيوعية تماماً أن تجتاح العالم، وحتى في أمريكا الوسطى والجنوبية! كانت الشيوعية موجودة، إما أنها تحكم أو أن لها أحزاباً قوية، وهكذا كادت الشيوعية أن تطبق على العالم.
الحيلة الأخرى التي لجأ إليها الغرب أنه لجأ إلى إشاعة الإباحية والانحلال في الشعوب التي يخشى عليها من الشيوعية، لأن الانحلال يضعف أصحابه عن اعتقاد أي عقيدة -أياً كانت- وكما هو معلوم أن الشيوعية عقيدة ومبدأ وثورة، ولهذا حرصت أمريكا أن تكون الدول التي تدور في فلكها أو مواليةً لها أن تكون دولاً منحلة مترفة، بعيدة كل البعد عن كل منهج يمكن أن تحمله، ولا يمكن أن تتحمل أي عقيدة، فهذا يعطي نوعاً من الحصانة ضد تغلغل الفكر الشيوعي، لأن الناس ليس عندهم أي استعداد لقبول أي مبدأ، وإنما يعيشون لشهواتهم ويفكرون في شهواتهم، ويمضون أي شيء من أجل هذه الشهوات، ثم بعد ذلك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم بالمرصاد.
وهم الذين يعتبرون أن مجرد كلمة دين رجعية.
فالدين كما قال كارل ماركس: أفيون الشعوب الذي يخدرها، يقولون قبحهم الله -وهذا القول يتردد في العالم الإسلامي ولكن بلهجات أخف- يقولون: إن الدين شيء اصطنعه الإقطاعيون والملاك وأصحاب السلطة والاستبداد ليخدروا به الشعوب، وليأكلوا دنياهم، ويعدونهم بالعوض في الدار الآخرة.
وهذا كان واقع رجال الدين من النصارى، كما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34] فهذا حال النصارى، لكنهم يعممون الكلام على الدين كله، فيقولون هذا هو الدين.
لكن الآن انقلب الحال هذا إلى الاعتراف بالدين وكما في كتاب جورباتشوف "إعادة البناء البروستريكا" يقول: ''إن القيم الروحية ضرورية ولابد منها'' سبحان الله!
الشيوعية التي تقول: إن العالم بدأ بـالشيوعية البدائية التي لا يملك المرء فيها زوجة أبداً، والمرأة كانت كالرجل تعمل، وتنتهي بـالشيوعية الأخيرة التي تحكم العالم وتسيطر عليه، والتي تقول: إن المرأة كالرجل في كل شيء، الشيوعية التي تفتخر بأنها أخرجت النساء إلى المعسكرات العمالية والمصانع، وأنتجت وبلغت الذروة -كما يقولون- في كل شيء.
غورباتشوف يقول: لا، كنا مخطئين، وكانت ظروف الحرب من جهة، وكان واقعنا ونحن نريد أن ننشئ البلد اقتصادياً من جهة أخرى، جعلنا نستعجل ونخرج المرأة؛ ونعطي قومية المرأة شكلاً أكبر مما تستحق، أما الآن ونحن نعيد البناء فلابد أن نفكر في وظيفة الأمومة وبوضع المرأة في البيت.
نعم، يا دعاة تحرير المرأة في كل بلد وفي كل مكان! هذا جورباتشوف بنفسه يقول: نعم، نحن أخطأنا، ولم ندرك حقيقة وظيفة المرأة، ولهذا فإن من ضرورات إعادة البناء: إعادة بناء الأسرة.. سبحان الله!
ماذا كان الشيوعيون يقولون عن موضوع الأسرة؟!
الأسرة تقليد برجوازي، تقليد إقطاعي، وعبارات سخيفة لا أريد أن أثقل بها عليكم، حتى لو فتحت إذاعة من إذاعات الدول التي ما زالت حتى الآن شيوعية، وتدندن للشيوعية البرجوازية من بين كل عشر كلمات تجد كلمة برجوازي، والمهم أي كلام، فيقول: الأسرة تقليد برجوازي.
وكان ماركس يقول: أصل الأسرة ليست شيئاً حقيقياً، أي: أن الأسرة خلقها وأوجدها العامل الزراعي فقط، أي: عندما كان في العصر الزراعي كان الرجل يزرع والمرأة تزرع معه، وهو يجني الثمار وهي تطبخ، فمن هنا وجد ما يسمى الأسرة..فقط، لكن في عصر الصناعات والآلات فالرجل يصنع قطعة والمرأة تصنع قطعة ويضعونها في الجهاز ويشتغل، هذا يعمل من ناحية وهذه تعمل من ناحية أخرى، ما الضرورة الآن لوجود أسرة! فألغى ماركس الأسرة تماماً!
ولما جاء استالين قال: لا يمكن للناس أن يعيشوا هكذا، فقال: الأسرة البرجوازية هي الأسرة التي تعيش بأخلاق العصر الزراعي أو بالدين، لكن نحن نستطيع أن نوجد أسرة تقدمية وعلمية، كيف؟
قال: أن تغير المرأة النية، فقد كان الشخص يتزوج لكي ينجب أطفالاً ويعيش معهم في عصر الانحطاط والتأخر والرجعية أيام الأديان، أما الآن فلا بد أن تغيروا النية، وانووا عندما تتزوجون أن تنجبوا أبناءً عماليين، يصبحون عمالاً في المصانع وأعضاء في السوفيتيات حتى ينهض البلد ويتقدم ويحقق الشيوعية في العالم، فأعاد تكوين الأسرة لكن بشكل آخر وباسم آخر.
الآن غورباتشوف يقول: حتى الكلام هذا لا فائدة منه، بل الحقيقة التي لابد أن نعترف بها أن الأسرة لابد أن تقوم، وأن المرأة لابد أن تعرف دورها المهم وهو أنها أم، وتكون في البيت.
والمجال لا يتسع لكي أذكر لكم كلامه بالنص، المهم أنه قال: من أهم الأشياء أن ترجع الأسرة، هذا الكلام سيترتب عيه أن البناء الشيوعي بأكمله سينهار، والحقيقة أنه على اختلاف المحللين في مسألة إعادة البناء، ليس المهم عندنا السبب بالضبط أو النتيجة أياً كانت، بل يهمنا أن إعادة البناء منطقياً تبتدأ من هدم الموجود، فلابد أن يهدم الموجود أولاً.
ففي العالم الإسلامي هل تعيش الأحزاب الشيوعية أو الاشتراكية هذه المرحلة؟
هل نحن الذين واقعنا كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} وفي رواية: {ولو أن أحدهم أتى امرأته على قارعة الطريق لفعلتموه} والعياذ بالله! عندما غزيت الأمة الإسلامية بهذه الفكرة وبهذا المذهب واعتنقته، وأصبح يحكم أكثر العالم الإسلامي، كيف نظر العالم الإسلامي إلى عملية البناء؟
اختصاراً للوقت ولكي آتيكم بمثال حي حاضر، أقول لكم ماذا حدث في الجزائر منذ أسابيع الحزب الشيوعي الجزائري جمع نساء عدة، وأخرج ثلاثة آلاف امرأة متظاهرة من الرفيقات، لأن العضو في الحزب الشيوعي يسمى رفيقاً، فأخذوا ثلاثة آلاف رفيقة أو رقيقة، وقالوا لهن: اخرجن وطالبن بإلغاء قانون الأسرة، أي عكس ما يجري في الاتحاد السوفيتي تماماً، إلغاء قانون الأسرة لأنه مشتق من الشريعة الإسلامية أو لأن فقرات منه مأخوذة منها، فخرج الثلاثة آلاف واتجهن إلى مبنى البرلمان، ورفعن الشعارات الشيوعية وطلبن بإلغاء قانون الأسرة، فماذا كانت النتيجة؟
تداعى أهل الغيرة والحمية والإيمان، وهبوا من كل جهة، فخرج مليونان ونصف المليون من المتظاهرين من بينهم مليون ونصف امرأة خرجن في العاصمة وبعض الولايات يطالبن بالحجاب، ونشرت الصحف صورهن والتلفزيونات الغربية ذهلت من هذا المنظر، وكن يلبسن الحجاب، كما ترون النساء المغربيات في الحج والعمرة لا يبدو منهن إلا العينين، ويرفعن اللافتات العريضة: احكمونا بالإسلام، شعب الجزائر مسلم، فصعقوا وذهلوا.
ولكن هل قالوا: يحق للأمة الإسلامية إعادة البناء؟
لا، بالنسبة للاتحاد السوفيتي بحق له إعادة البناء وإعادة النظر فيما هو سائر فيه، أما المسلمون فلا يحق لهم إلا أن يعيشوا تبعاً وأذلاء وموالين ورقيقاً للشرق أو الغرب، ولا يحق لهم إلا ذلك.
والصحف الفرنسية بالذات صعقت وذهلت وعلقت تعليقات كبيرة، وبعد أن تأكد رئيس فرنسا من حقيقة الموضوع؛ قال: هذا أمر لا يمكن السكوت عليه، ولو أن هؤلاء الأصوليون وصلوا إلى السلطة لتدخلت عسكرياً كما تدخل بوش في بنما، فهذا لا يمكن! لكن أن تغير روسيا أو تغير بريطانيا من رأسمالية إلى شيوعية أو من شيوعية إلى رأسمالية هذا ممكن، لكن الأمة الإسلامية تقلب من أمة اشتراكية إلى إسلام فهذا لا يمكن أبداً!
ومن العجائب أنه رغم كل هذه الانهيارات المتتالية في الدول الشيوعية للأحزاب التقليدية إلا أن رؤساء الأحزاب هم في الأصل شيوعيون، والتغيير هذا له ما بعده، ووراءه مؤامرة كبرى، فإذا صار ستمائة وخمسة وعشرون مليوناً تقريباً؛ فإن أمريكا والغرب سيصيرون شيئاً واحداً.
وأعلن الاتحاد السوفيتي قبل شهرين أو ثلاثة شهور -تقريباً- أنه سيسحب جميع قواته من داخل الاتحاد السوفيتي، وعددها أكثر من ستمائة وسبعين ألف، وأعلنت أمريكا أنها سوف تسحب قواتها من أوروبا الغربية وعددها ستمائة ألف، سبحان الله! وماذا يبقى؟
إذا كانت أوروبا والاتحاد السوفيتي تعدادهما ستمائة وخمسة وعشرون مليوناً، وانضم إليها الثلاثمائة مليون أيضاً في أمريكا وكندا، يصبح تعدادهم ألف مليون، أي أن هذه القوة البشرية ستكون أقوى قوة في العالم بشرياً، وأقوى قوة في العالم اقتصادياً، وأقوى قوة في العالم عسكرياً، فهذه لما تصبح قوة واحدة وتتوجه بتوجه واحد، فمن الضحية؟!
ولابد أنكم قرأتم أنه من أهم خطوات غورباتشوف في إعادة البناء السماح لليهود السوفييت بالهجرة إلى إسرائيل، وهذا مؤشر وله ما بعده، أيضاً الدول الشرقية الأخرى طولبت جميعاً بنفس العمل -وقد بدأت بعضها- بعمل لجنة تقوم بإعداد هذه العملية، وبدءوا بالسماح لليهود الشرقيين بالهجرة إلى إسرائيل.
يقابل ذلك أن الجهاد الإسلامي في فلسطين المسمى (الانتفاضة) يخسر كل يوم ثلاثمائة ألف حالة إجهاض، والقتلى، والجرحى بالآلاف، وكل يوم يسقط عدد من القتلى، ويعوض إسرائيل أن يتدفق عليها كل يوم مجموعة كبيرة من الروس وغيرهم.
آخر إحصائية نشرت قبل أسابيع تقول: إن عدد اليهود الروس الذين وصلوا في العام الماضي أكثر من ثلاثة وسبعين ألف يهودي، أي أكثر مما يفقده المسلمون في هذا الجهاد، وسيزيد العدد أكثر إذا تحسنت الأحوال أكثر.
ومن أهم شروط أمريكا لإعادة البناء المطالبة بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، ويعقب ذلك بلا شك -وهذا أمر متوقع بإذن الله- انهيار للأحزاب الشيوعية في العالم الإسلامي، لكن ماذا ستكون النتيجة إذا انهارت الأوضاع والنظم الموالية للغرب في العالم الإسلامي؟
لم يبق هناك أي حل إلا حل واحد فقط وهو المواجهة العسكرية، والتدخل العسكري المماثل.
لأن الأحزاب العلمانية والاشتراكية والشيوعية والنظم الموالية لهم ضاغطة وقائمة وتحمي إسرائيل وتدعم وجودها، والطوائف الباطنية التي تشقق العالم الإسلامي والطوائف الصوفية، وغير ذلك قائمة بجهود، فإذا سقط القناع وسقطت هذه الجهود والنظم، فماذا يبقى أمام الشرق والغرب وهم أقوى وأكثر العالم عدداً إذا توحدوا؟
إذاً: لا يوجد حل إلا التدخل العسكري المباشر.
إذاً: ممكن أن تتكرر حملة صليبية جديدة على العالم الإسلامي، ونحن نعطي هذا كمثال؛ لأن هذا المثال قد ورد وعرفه العالم وسمعه، فمثلاً فرنسا ستضطر أن تنـزل إنزالاً عسكرياً في الجزائر لو أن المسلمين هناك وصلوا إلى أن يحكموا البلد، وقس على ذلك بقية البلدان، فماذا ستكون الحالة؟! وخاصة أن المصالح الغربية ستتضرر، بل قد تنعدم إذا وعى المسلمون دينهم ورجعوا إلى عقيدتهم وأصبحوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، فهنا ستكون الملاحم العظيمة.
ونحن نقول: لعل في ذلك خيراً، وهذه مجرد توقعات، والله أعلم كيف ستكون النتيجة، لكن نقول: إذا حصل ذلك فلا نتيجة لذلك إلا الملاحم التي ستكون بيننا وبين أولئك القوم، ونقول هذا الآن ولا نستعجل الأحداث ولا نستبقها، ولكن نقول: لنأخذ العبرة والعظة، أين نحن؟
هل واقع الأمة الإسلامية -الآن- يهيئها لمقاومة ومواجهة هذا الزحف الهائل بهذه القوة الرهيبة؟!
وإذا كانت حرب النجوم أو أشباهها بعد عقد أو عقدين، ولو بعد مائة سنة، إذا أصبحت مسخرة فقط لحرب المسلمين، وتعاونت القوتان مع بعضهما؛ وأصبح العدو المشترك هو هذا العالم الإسلامي!
فهل الأمة الآن تربي أبناءها ذكوراً وإناثاً، وتوجه وسائل إعلامها وشعوبها لهذا الخطر الداهم ولمقاومته، وهنا سؤال يطرج نفسه وهذا السؤال الكبير يفرض نفسه ونحن في غمرة العاطفة والابتهاج بسقوط هذا النظام الخبيث.
أقول: نحن المسلمين دائماً ندغدغ بالعواطف، مع أننا نحمد الله ونشكره على انهيار هذه النظم، وسوف ينهار الكفر كله، وسوف يبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار -بإذن الله- وسوف نغلبهم، وسوف ندخل روما بإذن الله، وهذا لا شك فيه، لكن ماذا أعددنا؟!
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] الدين منصور، ولكن على يد من؟
إن لم يقم به من سمع ووعى وعقل؛ فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يذل هؤلاء بأولئك الكفار، ثم يستخلف من بعد ذلك قوماً يحبهم الله ويحبونه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] هؤلاء الذين سينصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما من يواليهم، ومن يأخذ أنظمتهم، ومن يتبع طرقهم في الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية، أو يعتبرهم قدوة له، وأساتذة وقواداً ورواداً فهؤلاء جديرون بأن يسقطوا في أحضانه، وجديرون بأن يلفظوا من الشرق ومن الغرب، أي أن الأمة الإسلامية ستلفظهم، والغرب سيلفظهم -أيضاً- إذا لم يقوموا بالدور المطلوب، فإذا رأى الغرب أنه فشل في تحقيق المهمات التي يريدها فمهما قدم لهم من تضحيات، فإنه يركلهم كما تركل الحذاء ويأتي بغيرهم.
ولهذا نقول: اتقوا الله يا أولياء المسلمين، اتقوا الله يا من تنادون بـالاشتراكية وما تزالون تنعقون بها في بلاد الإسلام، واتقوا الله يا دعاة العلمانية، واتقوا الله يا دعاة الربا، واتقوا الله يا دعاة التحررية والديمقراطية، وأشباهها مما أوجعتم به قلوب المؤمنين وأفئدتهم، اتقوا الله في هذه الأمة، وثقوا بأن هذا الدين باق منصور، وصدق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله) فنحن ننتظر ذلك بإذن الله تعالى.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم العظة والعبرة مما نسمع ومما نرى، وأن يجعلنا له جنوداً مخلصين صادقين، وأن يعز بنا هذا الدين، وأن نكون وسيلة لإيقاظ هذه الأمة اللاهية في شهواتها، العابثة في ملذاتها لتعرف عدوها، وتعرف ما قيمة دينها، وتجاهد في سبيل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتعرف أنها خلقت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، ولم تخلق لتقلدهم في ملاهيهم وألاعيبهم ومسارحهم ومراقصهم، وتعيش كما يعيشون حياة البهيمية والانحطاط، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحقق ذلك، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.
يقول الدكتور محمد مصطفى هداره: والحقيقة هي أن الحداثة أخطر من ذلك بكثير، فهي اتجاه فكري أشد خطورة من اللبرالية ومن العلمانية ومن الماركسية وكل ما عرفته البشرية من اتجاهات ومذاهب هدامة، ذلك أنها تتضمن كل هذه المذاهب والاتجاهات، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني أو النقد الأدبي، ولكنها تعم الحياة الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على السواء.
السؤال: ما هو نصيب الماركسية من الحداثة، وما هو موقف الحداثيين بعد انهيار الشيوعية؟
الجواب: هذا سؤال مهم جداً، وكنت أريد أن أتعرض له في أثناء حديثي، لكن ما قضيناه هو ساعة لا يمكن أن تستوعب الكلام عن الحداثة وإعادة البناء.
فـالحداثة هي جزء من إعادة البناء وتعني الحداثة بالنسبة لـغورباتشوف التغلغل الأدبي داخل الغرب، أي: لا نستطيع أن نقوم بثورة حمراء، عندما كانوا يقولون: يا عمال العالم اتحدوا، لم يكن هناك عمال لكي يتحدوا، لكن الآن يتغلغل داخل أوروبا الغربية وداخل العالم عن طريق الحداثة.
وهناك مفكر شيوعي حداثي فرنسي اسمه هنري لوفيفر له كتاب "ما الحداثة" ويقول في كتابه هذا: إن الحداثة هي ظل الثورة الغائبة هنا والناقصة هناك - ويقصد بـ(ظل الثورة الغائبة هنا) أي في باريس و(الناقصة هناك) أي في موسكو- الحداثة تريد الوصول إلى الشيوعية النهائية بأسرع مما تريده الثورة الحمراء الدموية.
ولذلك فـالحداثة تعتمد على شيء مهم جداً -كما تعلمون- وهو العاطفة لا العقل، اقرأ أي قصيدة حداثية، وحاول أن تحللها بعقلك، إذا قلت: أن هذا مشبه وهذا مشبه به، وهذا مجاز فإنه سوف يسخر منك ويقول لك: هذا كلام سخيف، وهذا كلام غريب، وهذه كلاسيكية وهذا تقليد، لكن القصيدة الحداثية تقرؤها ولا تفهم منها شيئاً، والقصة الحداثية تقرؤها ولا تفهم منها شيئاً.
يقول: لأننا لم نعد نخاطب القوالب العقلية الجامدة، وهذا ما يقوله الشيوعيون: إن كلام كارل ماركس ولينين كانت قواعد علمية، قواعد مقننة مقرة ذهنياً، والآن العالم لا يحتمل الفكر المقنن، العالم الآن يجري ويبحث ويلهث ووراء عاطفة، وراء خيال بعيد عن إطار العقل.
ولهذا يقولون: إن غاية الإنسان وحقيقة الإنسان في شيئين، الأول: الحلم، والثاني: الجنون، وفرويد عبر عن ذلك بالعقل الباطن، والحداثيون يقولون: الجنون، ولهذا زعماء السيريالية في العالم والدادية والتكعيبية وكل المدارس الحداثية كلهم من مدمني المخدرات، لماذا؟
لأن المخدرات تجعل الإنسان يفقد العقل وتجعله يعيش في أوهام الخيال.
وهذا هو الشعر الذي كان يأتي به شعراء الحداثة كـبرايكون وأمثاله، ويأتي بشعر غامض وذلك بعد أن يحشش، وهذا الشعر غير مفهوم وتنطبق عليه صفات السريالية والحداثة.
لكن الشعر الذي يمليه العقل يكون فيه علاقات عقلية أو ربط عقلي بين أجزائه وهذا لا يريدونه، فإذاً عملية البناء تشمل التغلغل داخل المجتمعات الغربية بهدم القوالب العقلية، سواء ما كان منها في الاتحاد السوفيتي أو في خارج الاتحاد السوفيتي، فـالحداثة موظفة توظيفاً خاصاً لأغراض البروستريكا أو إعادة البناء.
الجواب: البديل الآن الذي ينادى به أن وظيفة الدولة ليست العقيدة، يقولون: الدولة ليست وظيفتها العقيدة -وهذا كلام مخالف لكلام كارل ماركس ولينين، الذين يقولون: وظيفة الدولة هي العقيدة- الآن وظيفة الدولة هي الرفاهية، فكل العالم الآن الشرق والغرب يبحثون عن الرفاهية، وعلماء السياسة -وبعض الإخوة في كلية الآداب يدرسون هذه النظريات- يقولون: إن الدولة الحديثة وظيفتها الأساسية تحقيق الرفاهية لشعبها، أما التركيزعلى العقيدة والتأكيد على العقيدة فهذا كلام مضى.
فحدثت عدة حوادث أرغمت غورباتشوف على ذلك، نذكر منها حادثتين.
الحادثة الأولى: حادثة الإشعاعات النووية التي تسربت من تشر نوبل هذه الحادثة جعلت الاتحاد السوفيتي يقف عاجزاً لا يستطيع أن يعمل مضاداً للإشعاعات؛ فاستعان بالتكنولوجيا الغربية.
الحادثة الثانية: الزلازل التي حدثت في أرمينيا، وكان الاتحاد السوفيتي الذي ينافس أمريكا على غزو الفضاء، لم يستطع أن يأتي بحراثات لنشل الجثث ونشل الضحايا، فاستعان بالأجهزة الغربية.
هاتان الحادثتان جعلتا غورباتشوف يعلن أننا مفلسون في التكنولوجيا، وكذلك انهيار البلد اقتصادياً واحتياجه إلى القمح واحتياجه إلى السكر.
أحد الصحفيين العرب ذهب إلى موسكو لكي ينظر إلى ما حدث من تغيير وما هي أسبابه، فقال: لا يوجد سكر ولا قمح، ولذلك يرفع غورباتشوف شعار الرفاهية كما يرفعها بوش أو غيره.
والبديل الآن ليس بديلاً عقائدياً وإنما هو بديل اقتصادي بحت، فالدولة التي تحقق أكبر قدر من الترفيه لشعبها هي الدولة النموذجية المثالية، هذا بالنسبة لشعبها، أما خارج شعبها فالقوة العسكرية هي الأساس، ولهذا روسيا رغم انحطاطها في كل شيء إلا أنها متفوقة جداً في مجال واحد وهو المجال العسكري.
الجواب: أنا ضربت للإخوة فيما سبق، مثل تمثيلية تعرض لمدة ثلاث ساعات، فانتهى الوقت وبقي من المسرحية فصلين أو ثلاثة، فقاموا بعرض الباقي باللقطات السريعة، أي فعلاً لينين غير، وبرجنيف غير، ثم قالوا: غورباتشوف يمكن ألا يثبت، ويمكن ألا يأتي زعيم آخر تتوفر فيه جميع الصفات، فبدأت الحركة سريعة جداً، وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وأطول شيء رومانيا بقيت حوالي شهر وانتهت، فهي حركات مسرحية درامية كما يعبر المسرحيون.
فلا شك أن ذلك يسير على خطة محكمة مبيتة، فمن غير المعقول أن تكون صدفة، قالوا: الظلم، والظلم موجود من البداية، ثم يقول: اهترأت الأحزاب وتآكلت الثورة، التآكل موجود، ولكن أن تتآكل وتسقط في ظرف أسابيع متتالية فهذا مستحيل؛ إلا أن يكون بخطة محكمة مدبرة.
الجواب: اليهود قد يصنعون بعض الأحداث، لكن من الخطأ أن نقول: إن اليهود يصنعون كل الأحداث ويسيرون كل التاريخ كما في كتاب "أحجار على رقعة الشطرنج"، لا ليس كذلك، لكن نقول: إن اليهود يستغلون أي حدث وهذا هو الواقع، فاستغل اليهود هذه الثورة وإعادة البناء بلا ريب.
وذكرنا لكم مثالاً على ذلك وهو هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل، وهذا بعض النماذج، وسوف تسمعون بعد ذلك الشيء الكثير، لأن الاتحاد السوفيتي كما ذكر غورباتشوف في إعادة البناء: الغرب يتهموننا بأنا متحيزون مع العرب ضد إسرائيل، ونحن أول دولة اعترفت بإسرائيل.
وهذا في نفس كتاب إعادة البناء، فهو صادق وهو الكذوب فعلاً، أول دولة اعترفت بإسرائيل هي الاتحاد السوفيتي وهي معها، لكن اللعبة كانت أن يكون أحد الطرفين هنا والآخر هناك في التعامل مع العرب وإسرائيل، واتفقنا أن نغير اللعبة وأن نغير اللاعبين، وأحياناً لابد من تغيير اللاعبين.
الجواب: في فرنسا كان يقال: (لا تكونوا ملكيين أكثر من الملك) أيام لويس الرابع عشر، فعندنا الآن شيوعيون أكثر من الروس، فلا يزال هناك في العالم الإسلامي من يقول: هذا غورباتشوف عميل للغرب، أو هدم الشيوعية وهي في أوج قوتها ويمكن أن تستمر، أي: يرى أن إعادة البناء ليس لها أي داعٍ، نعم يوجد هذا الشيء لكن في النهاية سوف تسقط بلا ريب جميع الأحزاب إن شاء الله.
الجواب: ليس هناك شك في أن الجهاد الأفغاني كان له تأثيره المباشر في عملية إعادة البناء، ولا أقول انهيار الشيوعية بإطلاق فيفهم أنها انهارت بسببه؛ لأنني قلت: إن المسألة فيها نوع من التغيير ونوع من المكر الجديد، لكن لا يوجد شك في أن الجهاد الأفغاني الإسلامي كان له أثر واضح، وكان له من الآثار ما أقر به الجميع ومنهم الروس ومنهم الغرب، لكن لا يصح لنا أن نقول: إنه مجرد أن انسحبت روسيا من أفغانستان تغيرت الشيوعية فهذا ليس صحيحاً، لكن انسحابها من أفغانستان هو جزء من إعادة البناء، فالجهاد الإسلامي عجل فيه وأثر فيه بلا شك، وكان من الأسباب التي جعلتهم يدرسون الموضوع بدقة أكثر.
وأنا بهذه المناسبة أذكر شيئاً عن اللعبة الدولية وهو: أنها إذا أريد لها أن فإنها تتم، تتم بأساليب ذكية وخفية، وقد كان غورباتشوف يريد أن يغير كل الجهاز العسكري الأعلى في الدولة، حتى يستطيع أن يسيطر ولا يبقى له منافس، فماذا عمل؟
دبرت له حادثة سمعناها جميعاً وضحكنا لها وفوتناها جميعاً، ولم نحللها لأنها لا تحلل.
شاب ألماني ركب طائرة هوائية صغيرة، وأخذ عشيقته في الطائرة، وأقلعوا من ألمانيا ومشوا على مسافة قريبة من الأرض، واخترقوا الاتحاد السوفيتي ونزلوا في الساحة الحمراء في موسكو -سبحان الله- اندهش العالم كله حتى أمريكا، كيف هذا الشاب يعمل هذا الشيء وبطائرة شراعية، وعشيقته معه، حتى يقولوا في العالم الإسلامي: أكيد أن هذا صاحب حب، وليس برجل مخابرات مدرب، ولا هي امرأة استخبارات مدربة، إنما هي حكاية عشق وحب هكذا، ويخترق الحدود جميعاً والرادارات الضخمة، وأين ينـزل؟
في الساحة الحمراء! أي: أن جورباتشوف ينظر من الشباك فيرى الطائرة في الأسفل، ما هذه السخافات.
ثم يحصل التمثيل الواضح وهو : أن ينفعل غورباتشوف ويصدر قرار إقالة وزير الدفاع، وإقالة القائد العام للطيران، وإقالة القائد العام للدفاع الجوي، فهل تستحقون أن تكونوا وزراء وهذه الطائرة الشراعية قد فعلت كل هذا! فقضى عليهم وتفرد بالسلطة.
فنقول: إن هناك أحداثاً تكون كالقشة ولكنها تقسم ظهر البعير -كما يقال- أي: إن الأمر مبيت من قبل، ولكن تأتي أحداث تدفعه أكثر وتؤثر فيه وتوجهه، أو تُستغل وتوضع كأنها السبب الأساسي، والسبب ليس هذا.
ومع ذلك فالحمد لله أن الجهاد الأفغاني -بغض النظر عن الروس- أثر في الأمة الإسلامية الخاملة المريضة التي ما كانت تعرفه تقريباً؛ وقد عرفته ولكن بشكل مغمور.
وكان عندنا أحمد الشفيري يلبس البدلة الشيوعية وهي نفس بدلة ماو بالضبط، كان يراد ألا تكون هناك أي حركة جهادية في العالم الإسلامي إلا أن تكون حركة شيوعية اشتراكية، ولكن الحمد لله أثبت المسلمون بالجهاد الأفغاني والأرتيري والفليبيني أنه يمكن أن يوجد جهاد حقيقي، ويقاوم أقوى وأعتى الدول، وأن الحل هو الجهاد وليس هذه الأحداث الثورية.
الجواب: نحن المسلمون نعرف أن هذا خطأ، أي أن هذا الكلام خطأ إن كان يقصد به أن هذا الكون قديم لا أول له، وباق لا آخر له من غير رب، أما لو فسرت العبارة بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق الكون وجعل المادة تتغير من حال إلى حال ولا تنتهي، ولكن هو الخالق وهو الذي يقلبها ويسيرها، لو فسرت على هذا القول يكون الخلاف فقط في الأولية.
أما النهاية فنحن نعلم أن أهل الجنة خالدون فيها أبداً لا نهاية لوجودهم، فالجنة لا تفنى، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يفنى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] فمع ذلك نقول: بقاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس كبقاء الجنة، أي أن بقاء الجنة ليس كبقاء الله، لأن بقاء الله ذاتي منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أما بقاء الجنة فهو بإبقاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لها.
ونحن نعتقد -أهل السنة والجماعة- أن السماوات والأرض هذه لن تعدم عدماً كاملاً مطلقاً ثم تخلق من جديد، وقد أوضحنا هذا من قبل، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة أنها تبدل، والإنسان يفنى ويبقى منه عجب الذنب، ثم يركب منه خلق آخر، كذلك السماوات والأرض لا تفنى بالكلية وإنما تبدل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:48].
فهم يقولون: إنها لا تفنى، ولكنها تتحول من نسب كمية إلى نسب كيفية أو العكس، فهو كلام قد يكون فيه شيء من الصحة، لكن إذا فسر بمعنى يخالف الكتاب والسنة فهو مرفوض مرجوع، أما من الناحية العلمية البحتة فلا شك أن مثل هذه النظرية كانت من أسباب هدم المبدأ الشيوعي من الناحية الفلسفية.
الجواب: الأصل أنه لا يوجد خوف، ومع ذلك نقول: لا يقرأ عن الشيوعية إلا من هو مؤهل في القراءة عنها، لكن نخاف على أحد أن يلحد إذا قرأ كتاباً شيوعياً، فهذا غريب وإن كان قد يقع، ونحن إذا قرأنا أو سمعنا أن الرجل زار الفاتيكان واحتفل بمرور ألف عام على الكنيسة، فهل يترك المسلم دينه لهذا الخبر؟!
وإذا عادوا هم للثالوثية الصليبية التي وضعها لهم بولس وزورها عليهم، فهل نترك نحن ديننا دين إبراهيم ودين الحنيفية لأجل ذلك؟
هذا لا يمكن أن يقع من مسلم، لكن يفضل ألا يقرأ أحد هذه الكتب إلا من كان أهلاً لذلك.
الجواب: بالعكس أنا قلت: سنفتح روما كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بإذن الله- ففي الحديث أن أحد التابعين سأل عبد الله بن عمرو أي المدينين تفتح أولاً؟
قال عبد الله بن عمرو مدينة هرقل تفتح أولاً، فـمدينة هرقل فتحت وبقيت مدينة روميا وستفتح -بإذن الله- وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا شك أن المستقبل للإسلام بإذن الله.
ولو لم يكن فيها إلا الملحمة الأخيرة، وقد أثبت فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أننا سوف نغلب الروم وسوف نهزمهم، عندما ينقسم المسلمون ثلاثة أقسام: ثلث ينهزمون فهم من شر خلق الله حينئذ، وثلث يقتلون فهم من خير الشهداء عند الله، وثلث ينتصرون، فهذا أيضاً موجود في آخر الزمان.
وإذا جاء عيسى عليه السلام فإنه يضع الجزية، أي: ينسخ حكم الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فسوف يدين العالم بأكمله بدين الإسلام -بإذن الله- والبشائر كثيرة، فلا نخاف.
فهناك فرق بين أن نخاف فلا نأمل، وبين أن يوجد عدو قائم ولا أحد يحذرنا منه، كما قلت: من أين نجد التحليل الحقيقي لما يدور في الغرب، لا نجده، بل يتكلم عن العملية هذه وغيرها من الأحداث على أنها تغييرات وعبور وأشياء شخصية، ويُعلق عليها تعليقاً عادياً مثل أي كلام، لكن لو وعت الأمة الإسلامية خطورة الوضع وعرفت حقيقته، فهذا لا يميتها ولكن هذا يستنهض الهمم، حتى لا نتولى فيستبدل قوماً غيرنا، فنكون كما قال تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، وبإذن الله سننتصر وقد مرت الأحاديث في نصرة الطائفة المنصورة.
الجواب: بالنسبة للشيخ سيد قطب رحمه الله، فإنه نقد كلام "رسل" في أن المستقبل للشيوعية، وذكر في كتابه المستقبل لهذا الدين، أن الشيوعية هي المؤهل لأن تسيطر كفكرة بشرية مادية غربية، وبعد أن تسيطر يأتي الإسلام ويتفوق عليها ويلغيها فتكون العاقبة للإسلام، لكن رسل يرى أن الغرب هو المواجه، والإسلام غير وارد في ذهنه أصلاً، ويرى أن الذي سيسيطر في النهاية هي الشيوعية أو أي مبدأ آخر كما يراه.
الجواب: كلمة (الطبقة) عند الشيوعيين اختلفوا فيها، وإلى الآن لم يتفق الشيوعيون على معنى محدد لكلمة "طبقة" لكن نحن نستطيع تقريباً أن نقول: أصحاب المصانع طبقة، العمال طبقة، فهذا أوضح شيء، فالصراع بينهما حتمي، فـالشيوعية لا تقول: الصراع ممكن، بل تجعله حتمياً، ومن الصراع بينهما تنشأ القوة الثالثة، تطبيقاً للنظرية الجدلية التي هي الديالكتيك أو الجدلية، ويمكن الآن ألا تجد جريدة يومية إلا وتقول من منظور جدلي، ومن مفهوم جدلي، هذه هي نظرية هيجل التي أخذها كارل ماركس أن الأشياء تحمل نقيضها في ذاتها.
إذاً نبسط المسألة فنقول: عندنا عمال في بريطانياً -مثلاً- وعندنا أصحاب العمل -مثلاً- فلابد أن يتصارع العمال وأصحاب العمل ويثوروا، النهاية تخرج قوة البروليتاريا أو الحكومة العمالية حيث تكون الملكية مشاعة للجميع، لا العمال يملكون ولا الشركة تملك، وإنما لكل حسب جهده وحسب طاقته وحاجته، فهذه الشيوعية خيالية.
والواقع: أنه في بريطانيا -كما قلنا- لم تنجح فيها الشيوعية فأصحاب العمل تنبهوا إلى خطر ثورة العمال فقاموا وقالوا: لكل عامل من العمال الحق في أن يكون له أسهم في الشركة.
على سبيل المثال: يوجد بنك رأس ماله عشرة ملايين دولار يعمل فيه عدد كبير من العمال، وأيضاً هناك عمال يشتغلون في السيارات في الورش، لكن لو نجحت الاشتراكية فيهم لثاروا على البنك، خاصة إذا قال لهم الشيوعيين: خذوا مليوناً، أو كل واحد يؤمل أن تكون العشرة مليون دولار في جيبه، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يحسر الفرات عن جبل من ذهب في آخر الزمان، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون كل يظن أن الجبل له}.
فكيف يتخلص البنك من هذه العملية؟
قام بوضع حوالي (50%) مثلاً أسهم، فيشترك الناس كلهم العمال والموظفون وغيرهم ويكون لهم أسهم في البنك، فلن يأتوا بعد ذلك إلى البنك، فقد أصبح البنك كله للناس، ولو كان ما تملكه عشرة ريال، فإنك تقول: دع البنك يبقى من أجل العشرة التي لي، فانتبه الاشتراكيون لمثل هذا الشيء، وشركات السيارات الضخمة انتبهت لهذه النقطة أيضاً، وعمال السيارات يقولون: من حقك أن توظف دخلك ليكون لك أسهماً في الشركة، فساهم في الشركة واتفق مع صاحب العمل، أو يأتي صاحب العمل ويقول للعمال: كل عشرين عامل ينتخبوا عاملاً، ونعقد مجلس شورى يتكون من رؤساء العمال، وهذا العامل هو في الأصل مندس بينهم، فيصير مجلس الإدارة مرتب على هوى رئيس الشركة، والعمال يقولون هذا جيد!
فإذا أتى الشيوعي وقال: يا رجعيين، يا إمبرياليين، يا برجوازيين، ثوروا، فسيقولون: على من؟!
هذا لي وأنا مرتاح له! أيضاً الشركات أصبحت تعطي سكناً صحياً، تعطي تأميناً اجتماعياً للإصابات، وللأضرار، فيقول لك الناس: لماذا تريد أن نكون شيوعيين؟!
فنظرية ماركس لم تعد حتمية، لأن الواحد بعقله على الأقل في ظاهر الأمر أنه لا يوجد داعٍ لأن يثور، ولا حتمية، وهذا كله كلام لا فائدة منه.
الجواب: نحن قرأنا جرائدهم، وبعضها قرأناها سوية في أحد الأيام، يقولون: كيف تخرج طالبات الثانويات يطالبن بالحجاب؟!
وكيف وكيف؟!
والأحزاب المنشقة يقولون: مرتدة مرتدة، مرتدة على ماذا؟!
مرتدة على الشيوعية الحرفية اللينية الماركسية، هذه ردة عندهم! فكيف نوجه لهم:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي |
لا نوجه لهم إلا أن نقول لهم: اتقوا الله وعودوا إلى الله، لكن الذي يهمنا حقيقة هو أن نوجه الكلام لكم أنتم يا جنود الله الذين سيرغمون هؤلاء على الحق، أما الأذناب فيظلون أذناباً، وأضعف الإيمان أن يهتدي أولئك الأذناب، فإن الأسياد تركوا وهم ما تركوا، فليس لنا إلا أن نقول لهم: اتقوا الله، وتوبوا إلى الله، هذا كلام نقوله لأن الله تبارك وتعالى أمرنا به، فقط إقامة للحجة، ومعذرة إلى الله، وإلا فهم من أبعد الناس عياذاً بالله عن الرجوع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم كأفراد قد يهتدي بعضهم، أما ككيان لا يرجع إلا إذا أرغمهم الأسياد، ونحن لا نريدهم أن يفعلوا ذلك، بل نريد أن نكون نحن الذين نرغمهم -بإذن الله- بالعقيدة الصحيحة، وبالعلم الصحيح وبالجهاد الإسلامي الحق المستجمع لجميع شروط الجهاد، والذي يسير وفق المنهجية المرحلية التي تسير بها الدعوة الإسلامية بلا ارتجال ولا عشوائية.
الجواب: الاشتراكية والفكر الشيوعي دخلت كل بلد، والطلبة المبتعثون في الغرب من جميع البلاد يوجد بينهم أحزاب أو منظمات متأثرة بـالشيوعية، لكن ليس لهم أي قيمة، ولا يشكلون أي خطر -بإذن الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الجواب: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو العالم، لكن نحن نرى في الجملة أن الوجودية سقطت كما أن الاشتراكية سقطت، والأفكار الشرقية والغربية لم تعد تكفِ الإنسان أبداً، فيظل الغرب يتميز ويتفوق علينا بشيء واحد وهو القوة العسكرية، لأننا كما هو الظاهر الآن والعلم عند الله كم من القرون ستمضي حتى نستطيع أن نكون مثلهم؟
مع العلم أن لدينا القوة العظمى التي يفتقدونها، لا شك في ذلك.
لكن نقول: إن تفوق الغرب ينحصر في قوته العسكرية وقوته المالية والاقتصادية، أما النواحي الفكرية فقد أفلست تماماً، حتى الوجودية أفلست وغيرها ولم يبق إلا فتات وهراء، وهذه فرصة عظمى لنشر الإسلام، لكن لا يعني ذلك أن نشتت جهودنا لهداية أفراد أو آحاد من الغرب، ليس هذا هو المقصود.
لكن نقول: إن الغرب إذا أفلس مهما كان قوياً عسكرياً، إذا كنا على عقيدة صحيحة على الكتاب والسنة، وعلى الدين الذي لا يقبل الله تعالى سواه، وعلى مذهب أهل السنة والجماعة، ومنهاج الفرقة الناجية، وأقمنا الإسلام هنا في بلاد الإسلام، فعند المواجهة مع الغرب -بإذن الله- سوف يذعن الغرب ويركع ويخر للحق -بإذن الله- وسيدخل منهم من يدخل في الإسلام.
كما تعلمون في معركة اليرموك أن العدو هو العدو، والروم هم الروم، جورجيف الذي كان من قواد الروم أسلم وبين للمسلمين عورات الصليبيين وانتصروا -بإذن الله- وهكذا عندما يصبح المسلمون قوة سوف يسلم الغرب جماعياً، ومنهم من يكون طوعياً ومنهم من يكون مكرهاً، والمشكلة -والله أعلم- في تحليلي أنها ستبقى مشكلة التفوق في النظام، التفوق في القوة، والتفوق في الاقتصاد، ونحن مازلنا كما ترون عالة عليه، والأدهى أن الإعالة قد تكون في الحالة الفكرية، يعني أننا لم نتحرر فكرياً بعد.
وبهذه المناسبة نقول: إن التحرر من الغرب ليس صعباً، لكن لا يطيقه إلا أصحاب العقائد القوية، كانت المعركة بين فيتنام الشمالية، وفيتنام الجنوبية، وكما تعلمون أن الأمريكيين كانوا يحكمون فيتنام الجنوبية وكانت أقوى الطائرات وأحدث الطائرات الأمريكية تضرب الفيتناميين الشماليين، فماذا حصل؟
كان الشيوعيون الفيتناميون الشماليون يتحدون الغرب وعندهم مبدأ وعقيدة، فأنشئوا الجامعات تحت الأشجار، وأنشئوا الورش تحت الأرض، وطوروا أنفسهم واستمروا يقاومون الأمريكان ويعملون، وفي النهاية يحتلون فيتنام الجنوبية.
وغيرهم كثير مثل الصين الوطنية، وكوريا الشمالية والآن أمريكا منزعجة جداً من قوة كوريا الشمالية لأنها مقبلة على التصنيع، أي أن التحرر من الغرب ممكن، ولكن المهم وجود الإرادة، وهل هناك إرادة أقوى من إرادة المسلم صاحب العقيدة الصحيحة، لا يوجد أبداً، الذي يعرف أن هؤلاء كفار وأنه لا يجوز موالاتهم، وأنه يجب جهادهم، وأنه يجب الاستغناء عنهم، فهذه تعطي المسلم إرادة، ولو عصبنا الحجارة على بطوننا على ألا نشتري منهم شيئاً حتى ننتج بأنفسنا لفعلنا ذلك، ونحتسب ذلك عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن كنا نألم فإنهم يألمون كما نألم كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ونرجو من الله ما لا يرجون.
الجواب: لا أدري والله، إذا كان قال الشيخ ذلك فلابد أنه استند على شيء، لكن أنا ما عندي علم في ذلك، لكن على أي حال لا يهمنا، أما أن كل مولود يولد على الفطرة فهذا صحيح، لكن غورباتشوف الآن سيكشفه الزمن.
الجواب: نسأل الله تبارك وتعالى أن يصرف عنا وعنكم موجبات غضبه وانتقامه، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16] كنا في الماضي ننتظر متى يأتي موسم الحج ونفرح بقدوم الحجاج، هذا يخدمهم، وهذا يحمل لهم المتاع، وهذا يعمل عندهم، وهذا يطبخ لهم، المهم كان دخلنا هو هذا الشيء، أن نخدم عباد الله لنقتات، وكنا محافظين على أصالتنا وعلى عقيدتنا وعلى الكثير من الخلال الحميدة التي كانت فينا وهذا حق.
فلما أغنانا الله ووسع علينا وبنينا البنيان العالية وجاءت الطفرة وإذا بنا نرى الألعاب في مدن الكفر ونريد أن نقيم مثلها هنا، هذا -والله- إنه نذير شر وشؤم، هذا هو الترف، وهذا هو داء الأمم، ليس هذا ترفيهاً والله، نحن ما عدنا من جبهات القتال حتى نقول: نتنزه على البحر يوماً أو يومين، بل على العكس نأتي من سهرات على التلفزيون أو الفيديو أو في الليل نسهر على البحر، ما الفرق، هنا سهرة وهنا سهرة!
وأعمالنا الإدارية! نحن نعرف ماذا نعمل في الإدارات، نقرأ الجرائد ونشرب الشاي، إلا من رحم ربك، وأعمالنا الدراسية معروف الآن ماذا نَدرس وماذا نُدرس، فلابد أن ننظر فنحن أمامنا أهوالاً عظيمة.
ووالله لو أن الإنسان تفكر في مصيره ومآله واعتبر فيما يرى، واعتبر حتى بهذا البحر الذي أمامنا، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أغرق به أمماً أعظم منا.
أغرق الله تبارك وتعالى قوم نوح وهم أعظم منا.
وأغرق الله فيه قوم فرعون الذي حضارتهم أعظم من الحضارة الحالية الآن في كثير من الأمور لم يصلوا إلى مثل ما أنتج فرعون، وذكر الله تبارك وتعالى ذلك لنا في القرآن.
كل ذلك بسبب الفساد يقول الله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:6-14] وقال: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].
نعوذ بالله من غضب الله، عذاب الله ما هو ببعيد أبداً إذا أراده، فإنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، فكيف ندفع عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
ندفعه بتقوى الله، وندفع الأعداء بالتقوى والصبر، وندفع عذاب الله القدري الكوني بالتقوى والإيمان، وبالدعوة والضراعة إلى الله، وبالإنابة، أما الطغيان والترف واللهو واللعب فهذا شيء ما خلقنا له: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32].
يا سبحان الله! نحن الذين أورثنا الله الكتاب واصطفانا، ونريد أن نكون كالذين أوتوا الكتاب، يكون في بلادنا تعرٍ، وانحلال، وتفسخ، وترفيه -كما يسمى- ألهذا خلقنا؟!
أهذه رسالتنا إلى العالم؟!
يأتينا هذا الغربي الكافر الذي لا يجوز أن يطأ بلاد الإسلام والطهارة، فبدل أن نقول: قد جاء فلابد أن ندعوه ونهديه، إلى الإسلام فيأتي ويجد البلاد مثل بلادهم، والتعري مثل التعري عندهم، ولا يشعر بالغربة أو يحس بأنه فقد شيئاً!
والله اليوم وأنا آت من مكة قابلني إنسان -عامل بسيط كنت أريد أن يصلح لي شيئاً في البيت- فقال لي: أنا اشتغلت في الدمام وفي جدة، فقال: ما هذا الذي في جدة، شيء عجيب! ذهبنا إلى البحر في يوم الجمعة، وكله فساد، كله مثل الهنود ومثل عباد البقر، أين الدين أين الإيمان؟!!
والله لقد وعظني موعظة عظيمة تحز في نفسي، وهو ما يعرف شيئاً ولا يعرف أن يقرأ الفاتحة!
نحن بهذا نرضي الكفار ونغضب الله أولاً، ونغضب المؤمنين الذين يرون هذه المناظر، نحن تبلدت قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، ونعوذ بالله أن يعمنا الله بعقاب من عنده، ونبرأ إلى الله من كل معصية له، حتى إن متنا فيبعثنا الله عز وجل ونحن على هذه النية، وإن قدر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم السلامة ولنا فنكون قد عملنا الواجب علينا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعافينا دائماً، فنحن والله ننكر هذا كل الإنكار، ولا يجوز لواحد منا وأنتم والحمد لله فيكم المسئولون ومن له شأن ودور وتوجيه، لا يجوز لأحد منا يستطيع أن ينكر هذا الأمر إلا وينكره بما يستطيع في أسرته، وفي عمله، وفي مدرسته، وبيده إن كان من أهل الولاية، ونتعاون على البر والتقوى كما أمر الله تبارك وتعالى.
وختاماً: أسأل الله تبارك وتعالى لي ولكم التوفيق والسداد، وأن ينفعنا بما نسمع وبما نقول، وأن يحيينا على هذا الدين القويم ويبعثنا عليه، إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر