أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا جميعاً بهذا الموضوع، وأن يكتب لنا ولكم الأجر والثواب إنه سميع مجيب.
إن الموضوع الذي نريد الحديث عنه هو: نبذة مختصرة عن (جوانب من توحيد الألوهية)، وهذا الموضوع قد تكون له تتمة لاحقة - بإذن الله - فيما يتعلق بهذا الأصل العظيم والركن الركين من أركان الدين: ألا وهو (توحيد الألوهية).
إن الكلام فيه لا جديد فيه على بعض منا، فماذا عسانا أن نأتي من جديد في أمر ندعو إليه جميعاً، لكن -أولاً- لأهمية الموضوع كان لا بد من التذكير به.
ثانياً: لغموض بعض قضاياه وغموض جوانب أو مسائل تتصل به، فكان لابد أن تجلى، ولا يضيرنا شيئاً أن يتكرر فيه الكلام؛ فإن الله تبارك وتعالى قد أكثر من الحديث والبيان والتفصيل فيه بما لم يأت على أمر آخر من أمور الدين، فعامة القرآن المكي وجملة من القرآن المدني إنما يتحدث عن توحيد الألوهية.
وقد بين الله تبارك وتعالى ذلك بقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] فبين أن التوحيد هو دعوة الرسل جميعاً؛ وهذا على سبيل الإجمال، وكذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] أي عبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت الذي هو: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع، أو مطاع، فهذه هي حقيقة توحيد الألوهية وشهادة أن لا إله إلا الله.
وقد ذكر الله تبارك وتعالى التوحيد على سبيل التفصيل، فإن الله أنزل على خاتم رسله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن العظيم، وهذا الكتاب كما وصفه الله عز وجل هو: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود:1-2].
فهذه الآية هي خلاصة هذا الكتاب، الذي أنزله الله تبارك وتعالى مفصلاً على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه ذكر وتفصيل لتوحيد الألوهية.
فكل الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- كانت دعوتهم هي التوحيد وقد فهم أقوامهم وأممهم ذلك وعرفوه.
ولهذا قال قوم هود عليه السلام له: أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [الأعراف:70] فهم أنفسهم قد عرفوا ما معنى قوله: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] ولذلك قالوا: أجئتنا لنعبد الله وحده أي (لنفرده وحده بالعبادة) ونذر ما كان يعبد آباؤنا (من الشرك)، فقد كانوا يعبدون الله ويعبدون معه تلك الأصنام والمعبودات، ولكنهم لما عُرِّفوا توحيد الألولهية فعرفوه، أنكروه.
وهذا ما أنكره -أيضاً- قوم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال تعالى عنهم: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] أي كيف يكون ذلك..؟! فهم بذلك قد ردوا كل دعوة إلى تحقيق توحيد الألوهية، قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:35-36] وهكذا هي كل الأمم استكبرت على الدعوة إلى توحيد الله عبادته، وإلى شهادة أن لا إله إلا الله.
فهم يقرون بتوحيد الربوبية فلماذا إذاً كانوا كفاراً؟ ولماذا كانوا مشركين؟ لأنهم عبدوا غير الله، ولهذا قال تعالى: فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس:32] أي إذا كانت هذه هي أفعاله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا كنتم كما قال الله عنكم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] وقال أيضاً: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] فلماذا تعبدون غير الله؟! ولماذا تدعون غير الله؟! ولماذا تتوجهون بقرباتكم وصلاتكم ونسككم ودعائكم إلى غير الله تبارك وتعالى؟!
إذاً: فالقضية واضحة بالنسبة لما كان بين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وبين أقوامهم، وما هذه إلا آيات قليلة من جملة آيات عظيمة في كتاب الله، توضح أهمية هذا الجانب وهو (توحيد الألوهية، وضرورة الدعوة إليه، والتذكير به.
ولم يقل ذلك له وحده؛ بل قد قيل لمن هم قبله من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، فكلهم خوطبوا بهذا، فبعد أن ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أولئك الأنبياء بالتوحيد في سورة الأنعام عقب بقوله: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ويخاطب الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا وهو الأبعد من الناس عن الوقوع في الشرك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لتكون لنا نحن من بعده العبرة والعظة.
فنحن أولى بأن نحذر من الوقوع في الشرك، وأن نلتزم ونؤمن ونعتقد وندعو إلى توحيد الألوهية، وهو عبادة الله وحده لا شريك له؛ وألا يعبد غيره ولا يدعى غيره في كل ما شرع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أنواع العبادات الكثيرة والمتنوعة التي يجمعها جميعاً أنها الدعاء؛ كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الدعاء هو العبادة} وكما قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] فجعل الدعاء هو العبادة، وهو كذلك. فهذا أصل عظيم يقرَّر في كتاب الله تبارك وتعالى لأهمية هذا النوع من أنواع التوحيد الثلاثة.
إذاً: يجب علينا أن نعلم لماذا وقع من وقع في الشرك من هذا الجانب؟ لماذا أشرك المشركون؟ ولماذا أخلُّوا بتوحيد الألوهية؟ وبماذا رد الله تبارك وتعالى عليهم هذه الشبهات؟ وما هذه الحجة الواهية التي سوغت الشرك بالله في هذا الجانب من جوانب التوحيد.
إذاً: أصل الشرك الأول الذي وقع في الأرض يرجع لهذا السبب وهذا الأصل، فقد عبد قوم نوح وداً، وسواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً، وهؤلاء هم رجال صالحون عبادٌ لله تبارك وتعالى عُبِدُوا من دون الله، واستمر الشرك بعد ذلك وتطور؛ فعُبدت الملائكة وعُبد بعض الأنبياء، وأصل هذا كله وسببه هو اعتقاد أولئك أن هؤلاء سوف يقربونهم إلى الله زلفى؛ فإذا عبدوا هؤلاء الأولياء قربوهم إلى الله. ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
فمعنى كلامهم: أننا لا نستطيع أن نعبد الله مباشرة، وهذا ما يقوله بعض العامة، ممن يقع في هذا الشرك الآن فيقول: (أنا ضعيف وأنا مذنب وكلي خطايا فكيف أدعو الله مباشرة. كيف! لا أستطيع! لكن أدعو الله بواسطة هؤلاء وأتوسل إلى الله تبارك وتعالى بهؤلاء) مثل: الحسن أو الحسين أو علي وغيرهم أو حتى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بقية من يُعبَدُون من دون الله تبارك وتعالى سواء أكانوا من الأولياء أم من العباد الصالحين أم ممن جعلوا كذلك، مثل: عبد القادر الجيلاني أو أحمد الرفاعي أو البدوي أو غيرهم.
وقد رد الله تبارك وتعالى عليها أعظم الرد فيقول الله عز وجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء:57] فهؤلاء المدعوون من الأنبياء ومن الملائكة والصالحين، هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب. إذاً: الوسيلة ليست هؤلاء لأنهم يبتغون إلى الله الوسيلة.
فما هي الوسيلة؟ وما الذي اتخذه الأنبياء والملائكة والصالحون عموماً وسيلة إلى الله؟
إنما اتخذوا العمل الصالح (الإيمان، والتقوى، واليقين، والإخلاص، والصبر، والاستقامة على دين الله تبارك وتعالى) فهؤلاء عبدوا الله وتقربوا إلى الله تبارك وتعالى، فهم بذلك يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه؛ لأنهم لا يأمنون على أنفسهم، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون جنة ولا ناراً، فكيف يتخذون آلهة؟ كيف يتخذون مدعوين من دون الله بدعوى أنهم وسطاء أو شفعاء وهم أنفسهم لا يملكون ذلك؟ بل هم يرجون رحمة الله ويخافون عذابه تبارك وتعالى، قال تعالى: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء:57] أي يحذر منه كل أحد وكلٌ يخاف من عذاب الله عز وجل.
فإذا كان هذا حال هؤلاء المدعوون الذين يُدعون من غير الله، فكيف يجوز لأحد أن يدعوهم؟! فقطع الله تعالى بذلك كل حبائل المشركين المتعلقين بهؤلاءالصالحين ووسائلهم وشبهاتهم.
لكن ماذا قال الله تبارك وتعالى؟ وماذا أخبر عن المؤمنين؛ لقد ذكر عنهم أنهم يقولون: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ [آل عمران:193]، فمن هذا المنادي إلا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالوا: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193].
فلماذا نتوسل إلى الله تبارك وتعالى به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نتوسل إلى الله تبارك وتعالى، بهذا الإيمان الذي هو أعظم وسيلة امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة:35] أي: تقربوا إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة والطاعات المشروعة وهكذا فسرها السلف الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم؟!
إذاً ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة، وأعظم الناس اتباعاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى بعد الأنبياء وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
فكيف كان توسلهم؟ إنما كانوا يعبدون الله تبارك وتعالى، وإنما توسلوا إلى الله تبارك وتعالى بأعمالهم الصالحة، اجتهاداً منهم في متابعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي محبته التي تستلزم وتقتضي اتباعه، كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].
فمن أراد حقيقة التوسل؛ فعليه باتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن اتبعه وآمن به وصدقه فيما أخبر ولم يعبد الله تبارك وتعالى إلا بما شرع؛ فإنه قد توسل إلى الله تبارك وتعالى توسلاً صحيحاً.
(أ) توسل شركي وهو: دعاء غير الله تبارك وتعالى كما أوضحنا.
(ب) بدعي وهو: التوسل بالذوات.
وإنما يكون التوسل إلى الله تبارك وتعالى، بأسمائه وصفاته وبالأعمال الصالحة، كما فعل الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة في الغار؛ فتوسلوا إلى الله تبارك وتعالى بصالح أعمالهم، وهذا لأنهم عملوا ذلك من أجل الله تعالى.
فالأمر جليٌ وواضح -ولله الحمد- إلا من أغشى الله تبارك وتعالى بصيرته من دعاة (الرفض والتشيع والتصوف وأمثالهم) الذين ضلوا وأضلوا هذه الأمة، وجعلوها أشبه ما تكون بأمم الكفر والشرك التي لم تعرف الله تبارك وتعالى، ولم تعرف التوحيد ولم يأتها رسول منذ أحقاب من الدهور! إنما ورثته من عادات وتقاليد وضلالات وشركيات، كحال أهل الهند والصين وأمثالهم ممن لم يهد الله قلوبهم ولم يشرح صدورهم للإسلام!
فهؤلاء قد ضلوا وأضلوا، وهذا الجانب قد وضح إن شاء الله تبارك وتعالى.
هل هؤلاء يعلمون الغيب؟! ألم يقل الله تبارك وتعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59] وتقديم الظرف أو المعمول دائماً يشعر بالاختصاص، كما في قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] أي وحدك نعبد ولا نعبد غيرك، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام:59] أي ليست عند أحد سواه، ولا يعلمها إلا هو، فلا يعلم الغيب أي (الغيب المطلق) إلا الله تبارك وتعالى، كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65] فكيف يليق هذا بمن يعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه لا يعلم الغيب، بل قال: وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام:50] وقال: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188] سبحان الله! ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أكان يبعث سبعين من خيار الصحابة من القراء، إلى بئر معونة فيقتلون جميعاً ولا يرجع منهم أحد؟!!
هذا لا يمكن أن يفعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كان يعلم الغيب أكان يوم أحد يخرج ويقع له ولأصحابه ما وقع؟! أم كان سيبقى في المدينة كما أشار عليه من أشار -أمور كثيرة واضحة- وفي حادثة الإفك لما افتري على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كان ينتظر أعظم الانتظار وهو موقف ما أشده على النفس وما أشقه على قلوب أهل الغيرة والإيمان -وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أغير هذه الأمة ولا أغير منه إلا الله تبارك وتعالى- لكنه انتظر حتى نزلت براءتها من عند الله تبارك وتعالى؛ فلو كان يعلم الغيب -أيضاً- لأخبرهم وانتهى الأمر... وهكذا أمور كثيرة جداً في سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذاً فهو لا يعلم الغيب، فيا سبحان الله! إذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم الغيب، ولا يعلمه أبو بكر ولا عمر ولا من دونهم؛ فكيف يعلمه هؤلاء الذين يدَّعون ذلك الآن من الدجالين المشعوذين الذين يذهب إليهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!!
فبالله عليكم! أفضل الأعمال التي بها نرجو النجاة عند الله تبارك وتعالى بعد توحيده والتي هي كالنهر الغمر الجاري نغتسل كل يوم فيه من الخطايا والذنوب التي تقترفها جوارحنا تذهب هكذا ولا تتقبل، ويكون قد أداها فقط، لأن هذا بدافع الفضول، يقول: أذهب لأرى ماذا يفعل هذا، ولماذا يتجمع هؤلاء عنده؟ بهذا فقط، أما لو ذهب إليه فصدقه بما يقول كأن يقول مثلاً: أنت ستتزوج فلانة وتنجب منها أولاداً؛ والوظيفة ستترقى فيها لمرتبة كذا، أو كذا، أو يقول: عندما ضاع منك الشيء الفلاني أخذه فلان، أو عندما وقع لك المرض الفلاني كان بسبب فلان، أو أي أمر من هذه الأمور، فإن صدقته بما يقول؛ فقد كفرت بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذاً فالأمر عظيم وعظيم جداً... ولماذا كفر؟ لأن مما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59] فمن زعم أن أحداً يعلم الغيب فقد كفر بهذه الآية وأمثالها.
والخوف المقصود به: هو ما دون الطبيعي، أما الخوف الطبيعي: فهو أن تخاف من وحش أو حادث أو بئر؛ لكن الخوف الذي هو عن غيب، فيقال: فلان كاهن فلا تتكلم، ولا تجعله يفعل بنا كذا فيؤذينا؛... فيجعله كأنه رب، وكأنه إله فوق رأسه -والعياذ بالله- بل وكأنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد؛ وكأنه الذي له الكرام الكاتبين يكتبون ما يقول ولو كان في أبعد مكان، حتى والله إن بعضهم -من بعد مئات الأميال أو ألوف الأميال- يقول: لا تتكلم في كذا، لا نستطيع أن نقول على السادة الفلانيين كذا! فهذا لا يكون إلا عبودية لغير الله، فأي خوف مثل ذلك إلا الخوف من الله؟!
فهؤلاء -أيضاً- قد ضلوا وأضلوا، ولهذا جعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإمام الداعية المجدد الذي جدد الله تبارك وتعالى به التوحيد والملة -من أنواع الطواغيت الخمسة الكبار- أي رؤساء الطواغيت الكبار (من ادعى شيئاً من علم الغيب) فليس هو مجرد كافر فحسب؛ بل هو أفظع من ذلك، فهو طاغوت والطاغوت: مادة الكفر وسبب الكفر؛ فلأجله وبه وبتصديقه يقع الكفر في فئام عظيمة من الناس، وهذا هو الواقع في كل الأوقات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولذلك من تعلم ذلك فقد تعلم السحر، والحجة قائمة عليه؛ لأن هذا التعلم كفر -والعياذ بالله-
فهل هناك زاجر للمؤمن عن هذا العمل الخبيث أشد وأعظم من الكفر ومن تعلم ذلك؟ قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:102] فأصحاب الذنوب -وكلنا مذنبون- يرجى لهم في الآخرة خيرٌ، فيخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، بتيسير الله تبارك وتعالى للشافعين أن يشفعوا فيه؛ فكل هؤلاء مهما ارتكبوا من الأعمال يرجى لهم الخير، أما الكافر أو المشرك فهو الذي لا يرجى له الخير وما له في الآخرة من خلاق؛ وليس له في الآخرة إلا النار، فمن هم هؤلاء؟ إنهم الكفار الذين ارتدوا عن الدين ووقعوا في الشرك المبين -والعياذ بالله-
إذاً: فمن تعلَّم هذا العلم وعلمه وعمل به أو صدق أصحابه فهو داخل في هذا الوعيد الشديد، وقد خسر الدنيا والآخرة، وما له من حيلة إلا أن يستغفر الله تبارك وتعالى ويتوب إليه، ويرجع عما كان يعمل، ويتدارك قبل أن يدركه الأجل ويأتيه الموت، وهو على هذا الكفر العظيم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا وإياكم من ذلك.
ثانياً: يجب علينا أن نحارب هؤلاء بالإبلاغ عنهم، ومكاتبة الجهات المسئولة حتى نقضي عليهم، سواء كانت الهيئات أو وزارة الصحة، أو أي جهة تستطيع أن تضبطهم وترفعهم إلى من يقيم عليهم حد الله تبارك وتعالى، كما يجب أن يمنع هؤلاء وأن يزجروا لأنهم مادة الكفر وسببه في هذه الأرض والعياذ بالله.
ومما لا شك فيه أن هذا الكفر يكون عظيماً وشنيعاً فكيف إذا كان في بلد مقدس (مكة، أو المدينة) فإنه أشد ما يكون في هذا البلد الطاهر المقدس، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ بلاد المسلمين ويطهرها منهم.
فمن هذه الشبهات: صدقهم في بعض الأخبار، وهي لا تذكر بالنسبة إلى كذبهم، وهذا ما جعل البعض يصدقهم؛ فبعض الناس يقول: أخبرني أن الضالة الفلانية في مكان كذا، وأنه حصل لي كذا...، وهذا حق وصدق. فنقول: هذه شبهة شيطانية باطلة؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرنا أن هذه الفتنة ستقع؛ فقال: {فربما ألقيت الكلمة قبل أن يدركه الشهاب} والشهاب يرسله الله تبارك وتعالى رجوماً للشياطين -حتى يعلم الناس أن ما أنزل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق وصدق- وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء:210-212].
ولهذا لما وجد الجن (السماء) مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً [الجن:8] أيقنوا وآمنوا؛ وكان ذلك إيحاءً وإرهاصاً ببعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك فإن هذا الجني أو الشيطان قد يدركه الشهاب قبل أن يقول الكلمة، وربما لا يدركه إلا بعد أن يقولها، ويلقيها إلى الكاهن؛ يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فيكذب معها مائة كذبة} فهذه كلمة واحدة متيقن منها؛ لأن الشيطان استرق السمع من الملائكة؛ فإذا قضى الله تبارك وتعالى الأمر في السماء وحدث به جبريل، ثم حدث جبريل به من دونه تتحدث به الملائكة أن الله تبارك وتعالى قضى بكذا، فيلتقطه هذا الخبيث (الشيطان) ويهوي به؛ فيهوي الشهاب وراءه فربما ألقاها إلى وليه (الكاهن) قبل أن يدركه الشهاب.
فمثلاً: كانت هذه الكلمة (سيموت فلان أو سيقع كذا) فماذا يحدث؟
يأتي هذا الكاهن المتمرس المتدرب على الكذب فيكذب معها مائة كذبة، وهذه فتنة من الله تبارك وتعالى، - فإذا تاب وقال له الناس: أتذكر ذاك اليوم فيعلم أنه قد وقع في شر أعماله؛ وهناك كثير ممن مَنَّ الله عليهم بالهداية، ففي الفتاوى ذكر شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله أن بعض من هداه الله بَيَّنَ هذه الأكاذيب كلها.
وفي زماننا هذا يذكر أحدهم فيقول: (والله ما كنت كاهناً ولم يلْقِ لي أحد بكلمة؛ لكني رأيت أن بعض الأحيان يقول: أحدهم كلمة فتقع) وهكذا صارت مهنة يتكسب منها فيكذب ويكذب وتقع كلمة مما قاله؛ فيذكر الناس بها ويترك المائة كذبة. فهؤلاء الكهان هم أولياء الشياطين وهذه هي شبهتهم في ادعائهم أنهم يطلعون على أمور الغيب، نسأل الله أن يعافينا وأن يعيذنا منهم.
أولاً: هذا كذب، لأن هناك فرق بين من يرقي بكتاب الله تبارك وتعالى وبين هؤلاء السحرة؛ فلو أن أحد الناس فتش وقرأ ما يكتبون له؛ لعرف أنهم لا يكتبون قرآناً وآيات فقط، بل إنهم يكتبون، ما لا يفهم معناه، وهذا يدل على أنه الشرك. وهذه الكتابات استغاثات بطواغيت الجن، وفيها خطوط ومربعات ومثلثات أو حروف أو أعداد معينة ثم يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فيكون مثل الكاهن ويوهم الناس أنه قرأ قرآناً وآيات؛ ولكن لماذا لا ينظر هؤلاء الناس إلى باقي ما كتب من الطلاسم الشركية.
أما القرآن فيمكن أن يقرأهُ الكافر، بل وحتى المستشرق يمكن أن يستشهد به، لكن ماذا بعده؟ وماذا معه مما لا يفهم معناه؟! فهذا هو الخطأ وهذه هي المصيبة.
فـ(كتب السحر) و(علم السحر) توارثته السحرة من أيام تلك الفتنة (أيام الملكين بـبابل) إلى الآن، فقد جعلوا فيه الرموز والطلاسم باللغات القديمة -السريانية أو الآرامية أو غير ذلك- والمهم أنها رموز تدل على هذا الشرك.
أولاً: أن نعرف أن الله تبارك وتعالى غفور رحيم، وأنه أرحم بنا من الأم برضيعها، وأن الله تبارك وتعالى علمنا عداوة الشيطان وأولياءه، فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6] فحذر منه أبانا آدم وحذرنا منه؛ لأن الله تبارك وتعالى يعلم ما له من تأثير حين قال إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] وهو يعلم أنه يزين ويمكر ويوسوس، وله كيد، فهو ذو شأن في هذه الأمور... فهل يترك الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين بلا وقاية؟!
كلا والله، فالله هو الرحيم بعباده المؤمنين، وهو الذي يحفظ أولياءه؛ فهل يتركهم بغير سلاح يقاومون به عدوه الأكبر وحزبه الذين هم أعداء الله؟! لا يمكن أبداً؛ فلننظر إلى رحمة الله تبارك وتعالى وهي أنه (كلما كانت حاجة البشر إلى أمر من الأمور أعظم، كلما جعله الله تبارك وتعالى أيسر وأرخص وأسهل) فمثلاً نحن نحتاج الهواء وكل منا يحتاج أن يتنفس، ولذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى الهواء مجاناً، فالحمد لله أنه في كل مكان... ولو كان الهواء يشترى ويباع؛ لما تنفس منه إلا الأغنياء، لكنها حكمة من الله تبارك وتعالى، وكذلك (الماء) فهو ضروري للحياة، وقد جعله الله تبارك وتعالى ميسراً ومجاناً، وإن كان أقل من الهواء لكن المهم أنه موجود وسهل ورخيص، ومثال آخر وهو (الملح) فلو كان الملح في الغلاء مثل الأرز لما سهل علينا الحصول عليه؛ فيمكن أن تأكل أكل اليوم من غير أرز؛ لكن! لا يمكن أن تأكل أكلاً من غير ملح؛ فلشدة الحاجة إلى الملح جعله الله تبارك وتعالى سهلاً وميسوراً ورخيصاً..وهكذا.
فنحن أحوج ما نكون إلى شيءٍ نتحصن به من هذا العدو الخبيث الماكر الذي كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه: {إنه يجري من ابن آدم مجرى الدم} فبالتأكيد أنه لا يليق برحمة الله وبحكمة الله أن يكون المحصن لنا من هذا العدو الخبيث فيه صعوبة، مثلاً: كأن يجتمع الآلاف أو الأمة أو القبيلة أو القرية عند واحد -فقط- يقرءون عليه شيئاً من القرآن؛ ولو كان كذلك لكانت رحمة الله تبارك وتعالى ضيقة، وتعالى الله عن ذلك، لكنه إنما شرع لنا جميعاً ما نتحصن به، وليس كما حدث أيام الكوليرا والحمى الشوكية حينما انتشر التحصين في كل شارع وفي كل مكان وفي الحرم وعند أبواب المساجد وفي المدارس؛ وباء عظيم؛ لكنه ليس أكبر من وباء الشياطين؛ الذي جعل الله تعالى علاجه عاماً ميسوراً وسهلاً ودواءً موجوداً في كل بيت؛ فما هو هذا الدواء؟ (إنه قرآن أو ذكر) فهذا أو ذاك، الكبير والصغير حتى لو لم يقرأ فيمكن أن تعلمه بعض الآيات، والأذكار السهلة الميسورة، التي تقيه وتكون حصناً وحرزاً له من الشيطان، ومنها آية الكرسي، وأذكار أخرى، والأدلة في ذلك كثيرة ومعروفة.
فمثلاً قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) من الذي لا يستطيع أن يقول ذلك، وقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وقراءة المعوذتين, وغيرها؛ وقول: {باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء... إلخ} وكذلك {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} فهي كثيرة ميسرة -والحمد لله- أيضاً فأيها حفظت وأيها قلت؛ فأنت إلى خير -والحمد لله- ولكثرة طرق هذا العدو ولشدة بأسه علينا فلابد أن يكون هذا السلاح في القلب، لأنه لو أن الجندي -مثلاً- كان في معركة ونام أو غفل عن سلاحه، وداهمه العدو فأسره فسيكون استخراجه من الأسر فيه صعوبة؛ وكذلك الشيطان إذا دخل عن طريق السحر.
فكما يبتلى فلان بسرطان -عافانا الله وإياكم- أو بحادث؛ فيموت أو يمرض -أيضاً- يقع الابتلاء بهذه العين، أو بهذا السحر، أو بأي شيء فمن ابتلي بذلك فلا يقنط ولا يجزع، بل يصبر ويتعالج ويحتسب، ولا يجعل هذه الأمور الخفية تذهب به؛ فيضيع إيمانه وتوحيده ويذهب إلى الكهان والمشعوذين والدجالين، -نسأل الله العفو والعافية-.
فمثلاً: يقول لك: اعمل معصية كذا وذنب كذا، وهذا هين وهذا كذا، وهذا ليس شركاً، وهذه ليست بدعة، وهذه ستستغفر الله تبارك وتعالى منها وتتوب إليه. فكل هذا يجب أن نتوب منه، وأن نحذر وأن نعلم أنه -أي الشيطان- عدونا كما أخبر الله تبارك وتعالى بقوله: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] فإنه يوم القيامة يتبرأ منا، ويقول: ما دعوتكم ولا أغويتكم كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في سورة إبراهيم وغيرها.
كانت هذه بعض الجوانب المهمة من جوانب التوحيد، وهناك جوانب أخرى كجانب (التشريع والطاعة والاتباع) نتطرق إليها -إن شاء الله- في وقفات أخرى.
وإن شاء الله تعالى نجيب على جملة من الأسئلة التي تكون نافعة للتحذير من هذه الأمور، وتعين على نشر هذه الدعوة والدين والتوحيد، وكل ما يتعلق بالألوهية يجب أن نجعله أهم وأول ما ينشر في المجتمع، وبعد ذلك تأتي بقية الأوامر والنواهي، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
الجواب: لا يذهب إليهم، ومن كان يريد التأكد من أن ذلك سحر أم لا؛ نقول له من الآن: كل ما كان من باب الرموز الكتابية كحروف، أو أعداد، أو مربعات، أو مثلثات، فهو من هذا القبيل؛ فلا تذهب إليهم، لأنه سحر، وزيادة في التأكيد عليه الذهاب إلى أي شيخ من المشايخ ويسأله عما وجده.
أما إذا وجده وعرف أنه سحر فعليه أن يتلفه ليحرق العين التي بها السحر؛ -والمعلوم أنهم -أي السحرة- إنما يفعلون ذلك على شعر من شعر الإنسان، أو شيء من ملابسه الداخلية أو أظفار أو ما أشبه ذلك، مما له علاقة، فينفث فيه -والعياذ بالله- ثم توضع الرقى والعزائم ويُستغاث بغير الله، ويُلفُّ ويوضَعُ في شيء كما فُعل بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشط ومشاطة.
وأما إتلاف السحر: فإنه تتلف مادته فتدق وتحرق، حتى ينتهى منها، ثم يعالج صاحبها. وبإذن الله تبارك وتعالى لو وضعت لأحد وهو ممن يداوم على ذكر الله -كما ذكرنا-؛ فإنه لا يضره ذلك شيئاً لأن كيدهم ضعيف.
الجواب: أما الأبراج فلا شك أنها كهانة، والعجيب -حتى نعرف أن هذا كذب ودجل- أن المجلة تطبع -أحياناً- مليون عدد، وفيها هذه الأبراج مثل (الثور أو الميزان) فيقرؤها مليون من البشر، فكيف يكونون كلهم في برج واحد؛ فهل ولدوا كلهم في يوم واحد؟! ويقع لهم الشيء نفسه؟! وهذا دليل واضح على أن هذا كذب، وإنما هو ضحك على الناس فقط لتُقرأ وتشترى هذه المجلة، ثم إنها تكون دائماً بكلام عام، فبعضها يقول: (لا يمكن لك أن تقدم على العمل الذي تريد، أو لا تتردد فيما تتوقع) فهو كلام عام يصلح لكل أحد، فيقول أحدهم: فعلاً -والله- قرأت وما ترددت فكان ذلك، وهذا كذب وبهتان -والعياذ بالله- من هذا الشيطان وأوليائه؛ فهذه من الكهانة وكما في الحديث (ومن اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر) فهذه شعبة من الكهانة ومن التنجيم ومن السحر.
أما توقعات المحللين الرياضيين أو المشجعين من أن النتيجة قد تكون (2/3) أو (4/10) أو غير ذلك؛ فهذا يدخل في باب الرجم بالغيب من مكان بعيد، فهم إن ادعوا أن هذه النتيجة عن علم عندهم... دخل ذلك في الكهانة؛ وإن قالوها تقديراً، أي لأن هذا فريق قوي مثلاً وهذا فريق ضعيف فهو رجم بالغيب وهذا كلام باطل، وبعض النوادي وبعض المشجعين، قد تعامل فعلاً مع الكهان ليخبروه بذلك.
وننقل لكم قصة واقعية تماماً نقلها لنا اثنان من الثقات، عن رجل يأتيه الناس وهو ليس بكاهن، ولكنه يتكهن بالكذب فيضحك على الناس.
والقصة هي: أنه تحدث أحدهم إلى رئيس نادٍ من النوادي، فقال له: إذا لم ينتصر الفريق غداً فلك عليَّ كذا وكذا، وأموالكم مرجوعة، وأنا متأكد من ذلك تماماً، وبعد ما وضع السماعة قال: هذا كلام فاضٍ يمتحننا هؤلاء الناس به (عن رأينا في النتائج) ويقول هذا الدجّال: ونحن نريد أن نعيش ونأخذ من هؤلاء، والمشكلة هي إذا لم يصح الخبر فماذا أفعل؟ ثم يقول: لكن هذا سهل ستمر وتنقضي المسألة!
فهم يقولون هذا؛ لأن الشرك يولد الفجور، والفجور يولد بعضه بعضاً؛ فإذا لم تأتِ النتيجة كما توقع، يقول: أكيد أن الفريق الثاني ذهب إلى كاهن آخر له علاقة بملك الجن الأكبر الذي يملك السبع السفلى كلها.
ومعلوم أن حدود السيطرة الشيطانية لا تتعدى إلى هذه الدرجة، فيضحك عليهم بهذا. فأمثال هؤلاء يأكلون الأموال ويوقعون غيرهم في التصديق بأخبارهم الكاذبة؛ فيكذبون على هؤلاء ثم يبحثون عن غيرهم وهكذا...
فوالله أن هذا لا ينبغي ويجب التنبيه عليه دائماً؛ فنسأل الله تبارك وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يجنبنا شرور هؤلاء.
الجواب: هذا الحديث الكلام فيه طويل، لأن أهل البدع أكثروا من تأويله كما أولوا أحاديث الصفات وغيرها، فمعنى الحديث لا تشد الرحال بغرض العبادة والتقرب إلى الله والتعبد له إلا إلى هذه الثلاثة المساجد؛ لما لها من أفضليه؛ أما إذا كنت في مسجد في مدينة ثم ذهبت إلى مسجد آخر في مدينة أخرى غير هذه المساجد الثلاثة، وليس له أي مزية على مسجدك الذي أنت فيه، فلماذا تشد الرحال إليه؟!
وأما إذا شددت الرحال إلى مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو إلى مسجده وهنالك زرت قبره الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو من أفضل ومن خير ما يزار، وزرت البقيع أيضاً، وزرت شهداء أحد فلا بأس، فالإشكال في نية زيارة القبر، والمشروع أن تنوي زيارة المسجد، وليس زيارة القبر، أما إذا زرت المسجد أو كنت في المدينة فزرت القبر؛ فلا بأس أيضاً.
الجواب: إن كان هذا الذي مات ممن تعلم عنه الشرك؛ فلا تأس على القوم الكافرين؛ فقد قامت عليه الحجة؛ ولكن إذا تألمت أو حزنت أو تحسرت لمجرد الموت لأنه موت، وليس لأن الميت فلان، فهذا من التذكر ومن الاعتبار؛ ومعلوم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه كانوا يعتبرون ويتعظون حتى بجنازة اليهود أو غيرهم فالاعتبار والاتعاظ شيء آخر.
أما أن تحزن له وهو قد كان من الواقعين في الشرك، فلا. وإذا كان من أقربائك وحزنت، فهذا يعني أن الجهة منفصلة، فتكون قد حزنت وتألمت لأنه قريبك، وتحزن لما وقع فيه من شرك وبدع -والعياذ بالله- إذا مات على ذلك؛ وليس لمجرد أنك فقدته فقط، ويمكن أن تحزن لهذا ولا تحزن لذاك، فالناس يرون الحزن ويرون الدمع ولا يدرون لأي شيء هو.
الجواب: ينبغي أن لا ينسى بعضنا بعضاً من الدعاء، كلما دعوت الله تبارك وتعالى ورأيت أنك في ساعة إجابة وتوفيق من الله تبارك وتعالى وسددت في الدعاء، فقد تعين به إخوانك المسلمين، من الدعاة والصالحين. والملك يقول لك: آمين ولك مثل ذلك، فادع الله لأخيك منفرداً، وادع الله لأخيك مع دعائك لنفسك، وأنت الرابح إن شاء الله تبارك وتعالى.
ونحن لا نحب -في الحقيقة- أن يعتمد الإنسان على دعاء الآخرين، وهذا مما يجعل بعض العلماء يكره ذلك ويزجر عنه؛ لأن الإنسان قد يتوكل ويعتمد على دعاء الآخرين فلا يدعو الله تبارك وتعالى، فحاله: (يا شيخ: ادع الله لي، أو يا فلان بالله ادع لي) فنقول: أنت أولى وأرجى من يدعو، ونحن ندعو الله تبارك وتعالى جميعاً أن يشفيها ويشفي أمراض المسلمين إنه سميع مجيب، فادعو الله تبارك وتعالى دائماً بهذا.
ولكن تأكد أن صاحب الحاجة والضرورة هو الذي يدعو ويستجاب له قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] فالمضطر يدعو لأن هذه القضية وهذا المرض في أهله: في أمه في أبيه... فيدعو باضطرار لأن الدعاء بدون ضراعة وانكسار لا يرجى منه الإجابة كالذي يدعو ويشك بالإجابة، فالضراعة والانكسار والذل بين يدي الله، وإظهار الافتقار إليه سبحانه وشدة الحاجة مما يرجى به إجابة الدعاء إن شاء الله تبارك وتعالى.
الجواب: لا ليست ادعاءً للغيب، بل هي علم علمه الله تبارك وتعالى لنبيه يوسف عليه السلام ومكنه منه، ويعلمه لمن يشاء وكذلك علمه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثير من الصالحين ومن أهل الخير والفضل في هذه الأمة يعبرون الرؤى، ولها موازين ومعايير منضبطة لا مجال الآن لشرحها.
الجواب: نعم ندعوه إلى التوبة، فكل مذنب مدعو إلى التوبة قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] هذه الآية في حق التائب، لأن الله يغفر الذنوب جميعاً، ولو كانت شركاً أو كفراً، ولو كان ممن قاتل الأنبياء وقتل من أصحابهم وفعل ما فعل إذا تاب كما حدث لبعض الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما من لقي الله تبارك وتعالى وهو غير تائب، فينطبق عليه قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] لأنه لم يتب من الشرك، فالله قد يغفر الذنب لمن لم يتب إذا كان دون الشرك.
وحتى القاتل له توبة -وقد فصلنا هذا في شرح الطحاوية في موضوع التوبة- فالصحيح أن القاتل أيضاً له توبة، وأن الله تبارك وتعالى يتجاوز عما كان له من حق، ويتحمل عنه ما للمقتول إذا تاب وصدق في ذلك.
أما من قال من العلماء: إنه لا توبة له، فإنهم إنما نظروا لكون ذلك حقاً للمقتول، فقالوا: هذا حق للمقتول والله -تبارك وتعالى- إنما يعفو ويصفح عن حقه، وهذا مرجوح فإن الله تبارك وتعالى قادر بفضله أن يعفو عما له، وأن يتحمل ما لغيره وأن يرضيه بما يشاء.
الجواب: عندما تقول: في هذا البلد فليس مكة فقط، إنما نعني جزيرة العرب، كما في الحديث {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} فيجب أن يخرجوا من هذه البلاد الطاهرة ولا نعني مكة، بل ومن جزيرة العرب كلها- وهي تشمل من أطراف الفرات وبلاد الشام إلى قعر عدن، ومن الخليج إلى البحر الأحمر، فكل هذه جزيرة العرب، ولا يجوز أن يبقى فيها مشرك إلا لضرورة أو عابر سبيل فقط، فقد كان عمر رضي الله عنه يعطيهم ثلاثة أيام، ليبيعوا خارج المدينة، فيشتري منهم المسلمون ثم ينصرفون، أما الإقامة فلا يجوز لهم ذلك.
الجواب: من أشرك بالله وهو لا يعلم، فالواجب عليه وعلينا أن نقول: كما في الحديث (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) فمن وقع في شيء وهو لا يعلم أنه شرك؛ فإن رحمة الله تبارك وتعالى واسعة قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15] فمن حلف بغير الله تبارك وتعالى -مثلاً- وهو لا يعلم أن هذا من الشرك، فإن الله لا يؤاخذه، ولكن عليه أن يتقِ الله تبارك وتعالى وأن يتعلم التوحيد.
فعلينا أن نعلم الناس التوحيد، لأن القضية ليست أن نتناقش: هل يعذر أو لا يعذر؟ أهو جاهل أم لا؟ فإذا صرفنا عن هذا الجدل العقيم، واشتغلنا بدعوة الناس التوحيد وإقامة الحجة، وتركنا أمورهم إلى الله تبارك وتعالى، لكان هذا هو الواجب، وهو الذي فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
الجواب: هذا واضح، وليس فيه شيء، ولا يحتاج إلى شرح، فكون الإنسان معاوناً ومناصراً للمشركين على المؤمنين إما بيده، أو بقلمه، أو لسانه، أو ماله، فهذا واضح، وكلما كانت الراية متميزة؛ كان الحكم أوضح؛ فإذا تميزت راية الإيمان من راية الكفر، وجاء من اختار أن يكون مع أهل الكفر على أهل الإيمان؛ فهذا لا شك أنه أصبح منهم، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] والعياذ بالله.
وأما مناصرتهم بدواعي الشهوة وحب الدنيا، كأن ينم إليهم بشيء أو يتجسس إلى الكفار بشيء، أو يتتبع عورات المسلمين لمصلحة يظنها أو ما أشبه ذلك؛ فهذا كما وقع لـحاطب رضي الله عنه، وهذا ذنب عظيم، بلا شك، ولهذا أقر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر لما قال: {يا رسول الله دعني أضرب عنقه فإنه منافق} فأقر عمر على شدة الإنكار، لكن لم يأذن له بقتله، وجعل المانع شيئاً آخر، قال: {إنه من أهل بدر} إذن فليس المانع أن هذا ليس ذنباً أو أن صاحبه ليس منافقاً أو أن صاحبه لا يستحق العقوبة، بل المانع أمر آخر خارج عن القضية وهو في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم}
الجواب: الحديث صحيح صححه شَيْخ الإِسْلامِ وغيره، ولكن كيف نفهم هذا الحديث؟ هذا الحديث هو توسل بدعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته وهذا ما يعنيه الرجل.
وللتوضيح نقول: كم كان في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المكفوفين؟ أليسوا كثيراً؟! فلو أن كل أعمى يدعو بهذا الدعاء ثم يرد الله تبارك وتعالى عليه بصره، لكان الدعاء عاماً، لكن لأنه خاص بهذا الرجل، ولأنه خاص بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي حياته فلا يقاس عليه غيره من العميان في هذا الزمان، وهذا من باب أولى.
الجواب: هناك قاعدة عظيمة تنفع الجميع وهي أنه (لا يكفي أن يعتقد الإنسان أن هذا هو الحق، بل لا بد من الانقياد والإذعان والاتباع له) ولو كان الاعتقاد بأن هذا هو الحق يكفي، لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين وفي الجنة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146] ويقول عن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14] فيمكن لأحدهم أن يحكم ويأمر وينهى ويقتل ويسجن ويفعل كل شيء بأحكام الجاهلية والطاغوت، وإذا كُلّمِ قال: أنا أعتقد في داخل نفسي أن الشريعة حق.
قال شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية: هذا مثل الذي يحارب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أي نبي ويقاتله ويعين أعداءه عليه، وإذا سئل قال: أنا أعلم أنه نبي، فما الفائدة من هذا العلم؟ ولهذا لما جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبران من اليهود وقالا: يا محمد ما هي الآيات التي أنزل الله تبارك وتعالى على موسى وهارون؟! فقرأ عليهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوصايا العشر، فقالا: نشهد إنك نبي، ثم انصرفا، (فشهدا أنه نبي وذهبا) فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ما يمنعكما أن تتبعاني} إذاً: هما شهدا ولكنهما ما أذعنا وما انقادا واستسلما وما دخلا في الدين؛ فلا يكفي أن يقول الإنسان: أشهد أن الشريعة حق، وأن الشريعة رائعة وعظيمة، فمهما قال فلا يمكن أن يدخل في الشريعة حتى ينقاد ويسلم، وهذا مثل أي أحدٍ من المشركين يشهد بصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفضله كـأبي طالب الذي قال:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا |
فبالرغم أنه قال ذلك، لكن هل هو مؤمن؟ وهو الذي أنزل الله تبارك وتعالى في حقه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، وما ذاك إلا لأنه أقر ولم يذعن، فلا يكفي مجرد الإقرار أو النطق، ولهذا لعلكم -إن شاء الله- تسمحون لي بهذه الفائدة وهي: أنه عندما نقول: الإقرار بالشهادتين شرط الدخول في الإسلام، فماذا نعني بالإقرار؟ الإقرار له معنيان:
الأول: بمعنى: (إنشاء الالتزام والإذعان) وهذا الذي جاء في القرآن، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81] وهذا الإقرار معناه (التزمنا وانقدنا وأذعنا) فإذا جاء هذا الرسول آمنا به.
والإقرار -أيضاً- بمعنى الإخبار عن الحقيقة، وهذا ما يستعمله الفقهاء فمثلاً: إذا ادعى رجل على رجل وقال: لي عنده ألف دينار، فقال له الرجل: أقر أن له عندي ألف دينار، ولكن لا أدفعها له، فهذا الإقرار مجرد إخبار عن الواقع، ولا يستلزم الإذعان، فإذا قال أقر فقط، فإنه يمكن أن يستدرك ويقول: أقر ولكن لا أدفع له ذلك، أو أقر ولكنني قد أديت حقه. إذاً هذا مجرد إخبار عن الواقع.
فالإخبار عن الواقع ليس إيماناً، فلو أن أحداً قال: شرع الله أفضل، والقرآن هو كتاب الله المبين من باب الإخبار عن الواقع -وهو الواقع أصلاً- فلا يؤدي ذلك إلى شيء ولا ينفعه في شيء؛ إلا أن يقوله على سبيل الانقياد له، والإذعان والإيمان به واتباعه.
وانظروا المستشرقين! ما أكثر ما يكتبون أن الإسلام حق، وأن الإسلام عظيم، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحل مشاكل الدنيا جميعاً وهو يشرب فنجان قهوة! فهذا الكلام حق وإخبار عن الواقع، بأن الإسلام يحل مشاكل الإنسانية، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق، لكن! هل ينفعهم هذا ؟! وهل نعدهم بذلك مؤمنين؟ لا ليسوا بمؤمنين.
الجواب: هذا الذي ذكرناه سابقاً، هو نفس الكلام.
وأما كونه إماماً فهذا شيء آخر؛ فالأصل أن نصلي خلف كل مسلم مستور الحال، أما من علمنا عنه يقيناً أنه كاهن أو ساحر أو أنه جهمي، أو خارجي، أو رافضي، فمن علم ذلك فإنه يتجنب الصلاة خلفه، بل ربما كانت الصلاة خلفه باطلة، فإذا خرج من الملة، فالصلاة خلفه تكون باطلة، لكن هذا في حق من يعلم ذلك، أما من لم يعلم وصلى خلف إنسان مجهول الحال وسلم ومضى، فصلاته صحيحة؛ وذاك عليه الإثم؛ لكن الواجب ألا يولَّى أحد من هؤلاء الصلاة، وإمامة المسلمين الصغرى، والواجب أن يكون في الجهات المسئولة عن المساجد من ينقب ويفتش ويتأكد من ذلك حتى يكون الأئمة جميعاً كلهم على العقيدة الصحيحة الصافية بإذن الله تبارك وتعالى.
فمن علم ذلك فلا يتعمد الصلاة خلفه، أما من صلى خلفه وهو لا يعلم؛ فهذا أمر آخر، لكن إذا علمت أنه مبتدع، ولا نعني به الذي لم يتلبس بشيء من البدع؛ بل مبتدع بمعنى: أنه على أصل من أصول بدعية؛ فهذا لا تصح ولا تجوز الصلاة خلفه، إلا إذا لم يكن هناك غيره، أما إذا كانت بدعته مغلظة، وتخرج به إلى حد الشرك، (بحيث إن صلاته باطلة)؛ فالصلاة خلفه أيضاً باطلة في حق من علم ذلك، فإذا كان في بلد بعيدة، وليس أمامه إلا أن يصلي في البيت أو خلف هؤلاء المشركين؛ فليصل في البيت، لكن -الحمد لله- في أغلب بلاد الإسلام تجد من تصلي خلفه وتطمئن إليه بإذن الله تبارك وتعالى، وينبغي الإبلاغ عن هؤلاء.
أما الوسائل التي نستطيع بها محاربة هؤلاء في هذا الوقت:
فمنها: نشر التوحيد، وإحياء السنة، والدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وبيان خطر الشرك ونواقض الشهادتين وغير ذلك، وبكل الوسائل الممكنة لدينا -وهذا أعظم ما يحارب به هؤلاء- ومن ذلك التبليغ عنهم أيضاً ورفعهم إلى المحاكم لتحكم فيهم بحكم الله.
الجواب: هذا الخوف هو من الشرك -والعياذ بالله- قال تعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] فيجب علينا ألا نخاف إلا الله، وأن نحذر من هذا الشرك -كما ذكرنا-.
الجواب: قد يوجد ذلك ويسكت عنه، وهكذا المجرمون وقطاع الطريق إلى الله، ليس لهم في الآخرة من خلاق، فيتمتعون في الحياة الدنيا بالحلال والحرام؛ فيأكلون المال الباطل بهذا العمل الباطل والمحرم، ويرتكبون الفواحش والموبقات، ويقولون: نحن أولياء الله. والمصيبة أنهم ليسوا مثل قاطع الطريق الحقيقي، الذي يقف على طريق المسلمين بسلاحه، وربما انتهك الحرمات أو أكل الأموال؛ فهذا مجرم واضح. بل المشكلة أنه بالرغم من الأفعال يدعي الولاية، بل ويعظمه الناس ويخافونه. ونحن نتكلم عن مثل هذه الحالة، وليس عن أي إنسان يقرأ ويرقي بالرقى الشرعية.
الجواب: الصحيح أن كل مذنب تقبل توبته، وأنه يُدعى إلى التوبة، لكن قال بعض العلماء: إن مثل الزنديق، أو الساحر أو غيرهم لا ندري كيف يتوبون؛ لأن الزنديق هو المنافق في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو يقول: أنا مؤمن وكذلك الساحر لأنه أمر خفي، فقالوا: لأجل ذلك وحسماً لمادة هذا الفساد في الأرض! فإنه يقتل ولا تقبل توبته في أحكام الدنيا، أما عند الله فكل من تاب من ذنب فإن الله تبارك وتعالى يقبله كائناً ما كان ذنبه.
الجواب: هذه كثيرة في كل مكان، ولا يجوز لأحد أن يفتي على الله بغير علم، فلا يفتى بجواز تقصير اللحية أو بجواز إطالة الثوب أو بجواز الكشف على غير المحارم، فليتق الله تبارك وتعالى ولا يتحمل آثام الناس.
الجواب: هذه مما يجب أن تحارب وينبه عليها. فأما ما كان تصوفاً محضاً وغلب شره، فهذا يمنع بالكلية، وأما ما كان فيه خير -كما في حلية الأولياء- ففيه خير وأحاديث نافعة عظيمة، ولكن فيه خبط من هذا القبيل، فهذا ينبه كل طالب علم أو كل مشترٍ له؛ بأن هذا الكتاب ليس كل ما فيه من الأحاديث المرفوعة صحيحاً، ولا ما يذكر فيه عن التصوف وغيره.
الجواب: ما الفائدة من ذلك؟ ولكن -على كل حال- فتعلمه كفر، فإذا قيل: وإن لم يضر أحداً؟ نقول: نعم فإنه يوجد كفار يضرون أنفسهم فقط، ويوجد كفار يضرون غيرهم، فلا ينفعه إذا فعل الكفر أن يقول: لا أضر به أحد!
الجواب: نسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية، هذه لما فيها من شرك، لا يسمح أن تباع، لا في الطائف ولا في غيرها.
الجواب: يجب كره الكفار، فهؤلاء أعداء الله تبارك وتعالى قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] فلا يمكن أن يجتمع الإيمان ومحبة الكفار أبداً -إن كان هذا قصد السائل.
الجواب: هذا لا يصح ولا ينبغي بارك الله فيكم، أكرموا من أكرمنا وفرغ وقته، وجاء ليعلمنا الخير، وكثروا سواد المسلمين، ولو كان ما يقال ربما لا جديد فيه أحياناً لكن ثقوا أن مثل هذه الدروس فيها خير وفيها بركة، فاحضروا وشجعوا على الحضور، وخذوا من أقربائكم وجيرانكم في الحي، ومن زملائكم في العمل لحضور هذه الدروس، وحثوهم وكثروا بهم مثل هذه الحلقات المفيدة بإذن الله تبارك وتعالى.
الجواب: المحو هذا تكتب آياته وتوضع في الجسم أو غيره، وقد ورد عن بعض السلف، ولكنني ما وجدت له دليلاً يسوغه؛ ولا سيما وقد كثر إرفاقه كما أشرنا بالطلسمات والسحر وما أشبه ذلك، ويغني عنه والحمد لله، النفث في الماء وشربه، وأنا لا أرى إلا العدول عنه، وهو مثل تعليق القرآن وغيره، ولو جاء عن بعض السلف، فالأصل أن تسد الذرائع في هذا الباب.
الجواب: يجب أن ننكر الشرك في أي مكان، ولكن بالأسلوب المناسب للزمان والمكان، وما يفعل عند قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو في الحقيقة منكر عظيم، ويجب أن يتعاون الجميع على إنكاره، صاحب السلطة بسلطته، وصاحب العلم بعلمه، وصاحب النصيحة بنصيحته، لأنه يأتي بعض الناس -جهلاً منهم أو وقوعاً في الشرك عن عمد- فيستدبرون الكعبة ويستقبلون القبر، ويقولون: يا رسول الله! فيدعون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتخذونه إلهاً من دون الله، وهذا لا شك أنه شرك، وهو أعظم ما ينكر، بل هو المنكر الأكبر، فإذا كنا خير أمة أخرجت للناس، وأمرنا الله تبارك وتعالى أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، فأكبر المنكرات التي يجب أن ننكرها هو مثل هذا.
الجواب: نعوذ بالله! هذا ذبح لغير الله وهو شرك، والله تعالى يقول: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] ويقول: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] فمن ذبح لغير الله تبارك وتعالى فقد أشرك.
الجواب: إن كان هذا فيما يتعلق بالأرصاد، ومعرفة النجوم من جهة السنن الكونية التي جعلها الله تبارك وتعالى، كمعرفة أنه في هذه الأيام تهب الرياح ويشتد البرد، وينتج هذا نوع من الفواكه ولا ينتج النوع الآخر، فهذا قد علم بالتجربة من خلال تعاقب هذه الفصول سنين طويلة، فهذا لا يدخل في التنجيم ولا في الكهانة، ولكن يجب أن يقرن بقول: (إن شاء الله) أو (بإذن الله) أو ينسب إلى الله فيقال: إن الله تبارك وتعالى يجعل هذا الفصل أو الشهر أو هذه النجوم إذا طلعت علامة لكذا، ولوقوع أو لنضج كذا، فهذا إذا نسب الفعل إلى الله تبارك وتعالى انتفى بذلك الحرج.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل مني ومنكم، وأن ينفعنا بما نسمع وما نقول، وأن يتولانا في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر