إسلام ويب

التوحيد (ندوة)للشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة بدأ الشيخ بتوضيح معنى التوحيد من حيث اللغة والشرع بأقسامه الثلاثة، كما ذكر حال المشركين واليهود والنصارى في عبادتهم لغير الله، مع إقرار البعض منهم له بالربوبية، وما دخل على الأمم السابقة من عبادة الأحبار والرهبان. ثم بين ما يجب على الإنسان لتحقيق التوحيد الكامل المطلق، محذراً خلال ذلك من الغلو الذي كان ولا يزال آفة الأمم ومدخلها إلى الشرك.

    1.   

    معنى التوحيد

    قال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعــد:

    فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    فضيلة الشيخ سفر: كلنا نسمع عن التوحيد ولا نعرف ما المقصود بتوحيد الله، فما هو التوحيد وما معناه؟

    التوحيد: كلمة نرددها جميعاً ونحن -ولله الحمد- والأمة الإسلامية أمة التوحيد، لو أطلق علينا أي اسم فإننا أمة التوحيد، بخلاف غيرنا من الأمم التي أشركت بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فالتوحيد من حيث اللغة هو: مصدر وحد يوحد، بمعنى أفرد يفرد، فعندما نقول: التوحيد، أو توحيد الله، معناه: إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة، فقد جاءت هذه الكلمة في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه لما أرسله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن فقال له: (إنك تأتي إلى قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى) فالتوحيد الذي جاء تفسيره في نفس روايات الحديث: (فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يعبدوا الله)، وفي رواية أخرى: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله).

    وليس هناك أوضح وأبين من كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن تفسيره، ففسر التوحيد بأنه عبادة الله وحده، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هي كلمة التوحيد.

    فالتوحيد هو: إفراد الله تبارك وتعالى وحده بالعبادة.

    والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، من أعمال القلب، كالمحبة، والرضا، والإنابة، والتوكل، والخوف، والرجاء، أو من أعمال الجوارح مثل الصلاة، والصيام، والزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتسبيح، وذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والسعي إلى المساجد، وبر الوالدين، والإحسان إلى الفقراء والمساكين وأمثال ذلك، كل هذه من العبادة، ويجب أن تفرد كلها جميعاً لله وحده لا شريك له.

    فالتوحيد إذاً: هو أن يفرد الله تبارك وتعالى وحده بالعبادة، وهذه العبادة تشمل كل ما أمر الله تبارك وتعالى به، وكل ما يحبه الله ويرضاه من أقوالٍ وأعمالٍ بالقلب أو باللسان أو بالجوارح.

    ومن هنا نعلم أن الدين كله داخل في موضوع التوحيد، ولكن الكلام عادة عندما يكون في التوحيد يكون عن أصل الدين، ومعناه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

    1.   

    دعوة الناس إلى نصرة الحق

    وقال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    هذا موضوع حساس، ويجب أن يقوم به العلماء؛ لأن التوحيد لا يستطيع الإنسان أن يخطئ فيه، لأن خطأ التوحيد قد يؤدي إلى هلاك الإنسان، ولكن أستعين بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعينني.

    فعندما ينظر الإنسان إلى شباب اليهود والنصارى، كيف أنهم يجتهدون لنصرة باطلهم، وكيف يتقاعس شباب المسلمين عن نصرة الحق، عند ذلك يتأثر المسلم، فلا يجد الشاب المسلم إلا أن يقول: والله سوف أفعل كل ما في وسعي لنصرة هذا الدين، والله لن يجتهد الشاب اليهودي أكثر مما يجتهد الشاب المسلم، ولن نقبل -في شباب المسلمين- أن يحب الشاب اليهودي إسرائيل أكثر مما نحب نحن شباب الإسلام هذا الدين، بل والله لو يجتهد هذا الكادر الشاب في باطله أربعة وعشرين ساعة في اليوم، فوالله لنجتهدن ثمانية وأربعين ساعة، حتى نريهم، وليريهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما يصنع شباب الإسلام إذا أحبوا هذا الدين.

    وأنتهز هذه الفرصة وأطلب من الشباب المسلم أن يجتهدوا لنصرة هذا الدين؛ فهذه الأوقات التي تضيع من شباب الإسلام محسوبة عليهم، والأعداء يجتهدوان بجدٍ وحزم في الليل والنهار، فكما تعلمون أن اليهود يتحكمون في كثير من اقتصاد العالم ويسخرون هذا الأمر من أجل الباطل، ويتعرض أحدهم للقتل في أي لحظة، في الليل والنهار؛ فهذه محبة إسرائيل في قلوبهم.

    فيجب على شباب الإسلام أن يُروا هؤلاء كيف يحبون الحق، وكيف ينصرون الحق، وكيف يسعون لإعادة شباب الإسلام إلى حظيرة الإسلام مرة أخرى.

    1.   

    أقسام التوحيد

    قال الشيخ : حسّان الراضي .

    أقسام التوحيد ثلاثة وهي:

    توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

    توحيد الربوبية

    توحيد الربوبية: هو توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأفعاله، أي أن يعتقد الإنسان أنه لا معين إلا الله، ولا مغيث إلا الله، ولا ناصر إلا الله، ولا معز إلا الله، ولا مذل إلا الله، ولا خالق إلا الله.

    وهذا الاعتقاد لا يأتي بالسهل كما يظن كثير من الناس، ولنا عبرة في قصة بني إسرائيل عندما نصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لم يكن عندهم الأسباب المادية للنصر، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نصرهم على فرعون وجنوده، وشق لهم البحر، وخاض بنو إسرائيل مع موسى عليه السلام البحر بأنفسهم، ما سمعوا هذا الكلام ولا قرأوه، بل مارسوه بأنفسهم، وعندما جاءوا إلى البحر، ورأوا فرعون أمامهم والبحر خلفهم قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61].

    فلم يكن قد تحكم في قلبهم توحيد الربوبية وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الناصر، صحيح أن الأسباب طريق للنصر، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس في حاجة إلى الأسباب لينتصر، فقالوا: إنا لمدركون، ولكن موسى عليه السلام كان في قلبه كمال التوحيد، قال: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوحى إليه، فضرب البحر بعصاه فانشق له البحر، فكانت اثنا عشر طريقاً لبني إسرائيل.

    وحتى نرى أن هذا التوحيد لا يأتي بالسهولة كما يظن كثير من الناس، فإنه لما خرج بنو إسرائيل من الناحية الأخرى أتى أمر الله لبني إسرائيل أنفسهم، كما قال الله تعالى: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:21]، وقال عنهم: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ [المائدة:22].

    سبحان الله! فيها قوم جبارون، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد نصرهم عندما لم يكن عندهم أسباب النصر على فرعون وجنوده، فرغم ما لمسوه بأنفسهم من قدرة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على النصر، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو المتصرف، إلا أن هذا التوحيد -توحيد الربوبية- ليس بالأمر السهل، كما قال تعالى: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ [المائدة:22]، وقالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] فعندها أتاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بني إسرائيل أربعين سنة، فجلسوا في التيه أربعين سنة.

    وهذا ليس عقاباً فقط من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بل كان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينمي في قلب بني إسرائيل توحيد الربوبية، حتى يعلموا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يحتاج إلى الأسباب لنصرة بني إسرائيل، ففي الصحراء لا يوجد أكل ولا شرب، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل عليهم المن والسلوى، وفجَّر لهم الينابيع ليشربوا منها، حتى قيل: إنه في كل يوم كان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يذهب هذا الماء، ويأتي في اليوم الآخر فيضرب موسى عليه السلام الحجر حتى تنشق الينابيع مرة أخرى وهكذا أربعين سنة، حتى ينمو في قلب بني إسرائيل حقاً أنه لا ناصر إلا الله، ولا محيي إلا الله، ولا مميت إلا الله.

    وبعد الأربعين سنة يأتي أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو نفس الأمر الأول: ادخلوا الأرض المقدسة، وفي هذه المرة تأدب بنو إسرائيل ودخلوا الأرض المقدسة ونصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بتوحيد الربوبية.

    توحيد الألوهية

    توحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بأفعال العباد، أو هو إفراد الله تعالى بالعبادة.

    فالأنبياء عندما أرسلوا كانوا يدعون الناس إلى توحيد الألوهية، وهو توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأفعال العباد، بأن الإنسان لا يسجد إلا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يستغيث ولا يدعو إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهكذا لا يفعل شيئاً من العبادة إلا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    إن الباب الذي يدخل منه الإنسان إلى توحيد الألوهية هو توحيد الربوبية، فإذا اعتقد الإنسان يقيناً أنه لا ناصر إلا الله، فهو لا يسأل النصر من غير الله، وإذا اعتقد الإنسان أنه لا رازق إلا الله، فإنه لا يدعو أحداً غير الله للرزق، وإذا وحَّد الإنسان ربه وكان في قلبه توحيد الربوبية، فهذا يكون بداية الطريق إلى توحيد الألوهية.

    توحيد الأسماء والصفات

    والقسم الثالث من أقسام التوحيد هو: توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله تعالى بالأسماء والصفات، وأن يثبت الإنسان لله تعالى ما أثبته لنفسه، بدون تشبيه ولا تمثيل، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بصفاته، فإذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إنه سميع بصير، فإن الله سميع بصير وليس هناك للفلسفة أن تفسر هذه الألفاظ كما تريد، وهؤلاء الفلاسفة كأنهم يعلمون صفات الله أحسن مما يعلمها هو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فلا نشبه صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بصفات المخلوقين؛ لأن صفات المخلوقين فيها العيب، فمثلاً: نظر الإنسان ناقص فهو لا يرى إلا إلى مسافة معينة، وهكذا صفات الإنسان كلها فيها التقصير، فلا ينبغي للإنسان أن يشبه صفات الخالق بصفات المخلوق؛ كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، ولا أن يعطل أسماء الله فلا تقول: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس له يد، وهكذا كما يقول بعض المعطلة.

    1.   

    نواقض التوحيد

    وقال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    وبعد أن عرفنا أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، سوف نتكلم عن نواقض هذه الأقسام.

    إقرار المشركين بتوحيد الربوبية

    إن توحيد الربوبية: هو اعتقاد أن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت والذي يدبر الأمر، والذي ينفع ويضر عند الكرب والشدة، وهذا التوحيد كان المشركون الذين بعث فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاربهم، واستحل دماءهم وأموالهم وبشرهم بالنار، إلا من آمن به واتبعه؛ كانوا مقرين بهذا التوحيد أو بعضاً منهم، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38]، فهم مقرون أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض.

    ولم يقل أحد من الأنبياء ممن بعثه الله إلى أي أمة من الأمم: إن الله موجود، ولم توجد أمة من الأمم تنكر وجود الله تبارك وتعالى -بشكل أمة ولا نقول: أفراداً- إلا عندما انتشرت الشيوعية قبل قرنين تقريباً، ثم انتشر الإلحاد والشيوعية في العالم الغربي وأوروبا التي كانت على دين نصراني محرف فرفضته، وانتقلت إلى لا دين، وهو: إنكار وجود الله تبارك وتعالى.

    أما قبل ذلك فلم يكن هناك أمة تنكر وجود الله، وإنما كانت تعبد مع الله غيره، فكانوا يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقت الشدة فقط، فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين، وإذا احتاجوا إلى الغوث في حالة الشدة والضيق والكرب، دعوا الله مخلصين له الدين، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، فإذا نجوا وخرجوا إلى البر بدأوا يدعون آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، سواء كانت هذه الآلهة أحجاراً، أو أولياءً، أو أنبياءً، أو عباداً صالحين، أو كواكب، أو أياً كانت تلك المعبودات من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وكانوا كذلك كما أخبر الله تبارك وتعالى عن اليهود والنصارى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].

    ولهذا لما كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، كتب إلى هرقل عظيم الروم: { بسم الله، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أما بعد: أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، ثم كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] }.

    فكان الأنبياء يأتون ليدعون أقوامهم إلى أن يعبدوا الله، وأن يكون الرب هو الله المعبود وحده لا شريك له، لكن أولئك كانوا يعبدون الأحبار والرهبان من دون الله تبارك وتعالى.

    أنواع عبادة الأحبار والرهبان

    عبادة الأحبار والرهبان على نوعين:

    النوع الأول: السجود للأحجار، أو الأشجار، أو الأصنام، أو الدعاء، أو الاستغاثة في حالة الكرب.

    والنوع الآخر: أن هؤلاء الناس كانوا يطيعونهم، فيحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله وفق آراء وأهواء الأحبار والرهبان.

    ولذلك لما جاء عدي بن حاتم -وكان على دين النصرانية- إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتلا عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31] قال له عدي: ما عبدناهم.

    لأن عدياً ومن كان معه ما كانوا يسجدون للأحبار والرهبان، وما كانوا يستغيثون بالأحبار والرهبان، فذهب نظره وانطلق ظنه إلى أن هذه العبادة ليست موجودة عندهم، فكيف يقول الله تبارك وتعالى ذلك؟

    فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ألم يحلوا لكم الحرام، ويحرموا عليكم الحلال، فأطعتموهم؟

    قال: بلى، قال: فتلك عبادتكم إياهم}.

    حقيقة التوحيد

    وهكذا يأتي الأنبياء ليبينوا للناس أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن يكون المطاع هو الله وحده لا شريك له، وطاعة أي أحدٍ غيره، حتى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هي سبب لطاعة الله، ولهذا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

    ولهذا حتى الأنبياء لو خالفوا شيئاً من أمر الله عن اجتهاد منهم ينزل العتاب من السماء ليصحح ما يجب أن يكون؛ ليوافق الكل أمر الله تبارك وتعالى، فلا مجال لأن يكفر الإنسان ببعض التوحيد ويؤمن ببعض، والله تبارك وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]، أي: ادخلوا في الإسلام كله، والسلم هو الإسلام، كما قال جل شأنه في الآيات الأخرى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39].

    والطاعة والتشريع، والموالاة والمعاداة لله تبارك وتعالى.

    فحقيقة التوحيد الذي هو توحيد الأنبياء الذي جاءوا به هو: الاستسلام والانقياد لأمر الله تبارك وتعالى في كل أمر وفي كل شأن، بلا اعتراض ولا منازعة، ولا مدافعة ولا طاعة لشيطان، ولا لهوى، ولا لطاغوت ولا لأي مخلوق كائناً من كان.

    فأمَّا من أقر بتوحيد الربوبية أو ببعضه وقال: أنا أؤمن بأن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت، ولكن يدعو غير الله، فهذا وإن جاء بتوحيد الربوبية أو بعضه، لكنه نقض توحيد الألوهية.

    وكما قلنا ما جاء الأنبياء ليقولوا للناس إن الله موجود، لا؛ بل جاءوا ليدعوا الناس إلى عبادة الله وحده، كما قال تعالى: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، قالها: نوح، وصالح، وهود، وشعيب، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاهد الناس عليها ثلاث عشرة سنة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى هذا التوحيد وإلى شهادة أن لا إله إلا الله.

    فمعنى ذلك: أنه يجب علينا أن نتفطن إلى حقيقة التوحيد وأهميته، وأنه لا بد أن نأتي بجميع أنواع التوحيد، وإلا فلو أن الأمر كلمة تقال باللسان كما يظن كثير من الجهال -وقد فشى الجهل في المسلمين- لكان الأمر أهون.

    ولهذا لما عرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه على بعض القبائل -كما جاء في السيرة- فكان يقول: قولوا كلمة واحدة، كلمة تستجيب لكم بها العجم وتخضع لكم بها العرب، والكلمة هي: لا إله إلا الله، قالوا: أما هذه فلا.

    رفضوها؛ لأن معناها أن تتخلى عن كل شيء، لا تؤله نفسك على القبيلة، ولا تؤله أعراف وعادات القبيلة، ولا تؤله الأحبار ولا الرهبان، ولا تؤله الشياطين، ولا تؤله الجن، فالعرب كانوا إذا مروا في وادٍ، قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، ولا تؤله الكهان.

    فقد كان العرب يتحاكمون إلى الكهان، وكانوا يذهبون إليهم في كل أمر، ويدعون أن عندهم علم الغيب ويطلعونهم عليه، وهكذا أمور كثيرة من أمور الشرع، والحديث الصحيح المعروف لما رقى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جبل الصفا ودعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قالوا: تباً لك! ألهذا جمعتنا؟

    فأنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1].

    وهؤلاء هم قومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يعرفون صدقه، وسمّوه بالصادق الأمين، وكان العرب أحرص الناس على الشرف والفخر، ولم يبعث في العرب نبي قبله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما كانت النبوة في ذرية إسحاق، وكان اليهود أهل الكتاب يتطاولون على العرب دائماً بأن المبعوث من الأنبياء منا، وما منكم أحد.

    وكان اليهود يستفتحون على الذين كفروا -أي على المشركين- بأن الأنبياء والنبوة والعلم والكتاب فيهم؛ فكانوا أثرى القبائل بأن يفخروا بهذا، والعرب كان إذا نبغ فيهم شاعر افتخروا وضجوا وصاحوا وعلموا أبناءهم القصائد التي يقولها هذا الشاعر؛ لأنهم يريدون الفخر، فكان حرياً بقريش أن تفخر بهذا المبعوث الصادق الأمين، الذي يدعوها إلى أمر عظيم، تخضع لها به الأرض كلها.

    لكن لما قال: لا إله إلا الله لم تستجب قريش، وكانت الحرب مع قريش ثلاث عشرة سنة، ثم في المدينة حاربوه وحاربهم، إلى أن فتح الله تبارك وتعالى له مكة في السنة العاشرة.

    1.   

    أهمية توحيد الله

    وقال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    توحيد الله عز وجل هو أهم من كل أمر، فعندما أقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فمعناه أن أوحد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كل أمر، وأن أستمع إلى أي أمر يأمر به الله، كما قال بعض السلف: [[إذا سمعت: يا أيها الذين آمنوا؛ فأرع لها أذنك]]، لأن هذا الخطاب من الله عز وجل، ويجب أن تعبده وتطيعه وحده، فإن الأمر الذي سيأتيك بعد ذلك يجب أن تنفذه.

    فلو أن أحداً أخلَّ ببعض أنواع التوحيد، فإنه بلا شك قد أخلَّ بالتوحيد، مما قد يخرجه من الإسلام نهائياً؛ كمن يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله، أو أمثال ذلك، وحتى في الطاعات فمن يقصر في بعض الطاعات لا شك أن إيمانه ينقص، والذي يعترض على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في بعض التشريعات، فإنه كمن يعترض على شرع الله عز وجل كله، وهذه من الأشياء التي تخفى على كثير من الناس، فيجب أن توضح ويجب أن نعرف حقيقتها.

    كثير من الناس يحب الإسلام والتوحيد والدين، ويحافظ على بعض الأمور كالصلاة، أو الصيام، أو الحج، أو الصدقة، وما أشبه ذلك، لكنه لا يريد ولا يطيق أن يسمع من يقول له: اتق الله! ودع الربا -مثلاً- لأنه يتعامل بالربا فهو يحب كل ما أنزل الله إلا الربا، لا يريد الناس أن تتحدث عنه، بعض الناس يحب ما أنزل الله من صلاة، وصيام، وزكاة، يوحد الله في ذلك، لكن لا يطيق أن تحدثه عن الحجاب، أنه لا يجوز له أن يخرج امرأته متبرجة، أو لا يراها فقط إلا المحارم ممن ذكر الله، هذا صعب فهو يكره هذا الجانب.

    وهكذا لو أن كل مسلم فتش في نفسه، لوجد أنه رغم ادعائه للتوحيد لكن الانقياد والاستسلام لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الحقيقة فيه خلل، قد يكبر، وقد يصغر؛ لكن هذا الخلل موجود عند أكثر المسلمين، ولا يحتاج دليل في ذلك، فانظروا إلى حال المسلمين اليوم، إن كان حالنا اليوم في عزة ومنعة وقوة، فإننا محققون للتوحيد، وإن كنا في ذل وانحطاط وتفرق، فاعلموا أننا لم نحقق توحيد الله تبارك وتعالى.

    فبقدر ما نحقق التوحيد يكون الانتصار بإذن الله عز وجل، وبقدر ما يكون عندنا من الشرك والبدع والمنكرات والمعاصي التي تبعد الإيمان نهائياً، بقدر ما يكون حالنا من الفتور والانحطاط.

    1.   

    تحقيق التوحيد

    وقال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    إذا أراد الفرد منا كفرد أن يرضي الله تبارك وتعالى، وينال ما وعد الله به من العزة والتمكين في الأرض وفي الدنيا، وبالفوز برؤيته وبالجنة في الآخرة، فما علينا إلا أن نوحد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التوحيد الكامل المطلق، وأن نستسلم لأمر الله ولقدره ولقضائه ونرضى بكل ما أنزل الله تبارك وتعالى، كما في الحديث (من قال حين يمسي وحين يصبح: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً، كان حقاً على الله أن يرضيه) هذا معنى الرضا، لكن ما معنى رضيت بالله رباً؟

    أقول: معنى ذلك أنه -مثلاً- إذا سمعت آية من آيات الله فإذا لم أنفذها، ولم أتبع ما فيها، لم يكن هذا من الرضا، لا بد عندما أقول في الصباح والمساء: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً، أن أضع كل ما يأتيني عن الله، وعن رسول الله، في محل الطاعة والقبول والالتزام في نفسي -ما استطعت- كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وفي زوجتي وأهلي ومجتمعي، ومن حولي، وأدعو إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنكر المنكر بقدر ما أستطيع.

    إذاً: لا بد من توحيد الله تبارك وتعالى التوحيد الكامل المطلق، وإلا فالمشركون لم ينفعهم شيء، مع أنهم كانوا مقرين بأنه الخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، والذي يدبر الأمر، لكنهم كانوا لا يقرون بالعبادة، وكانوا يتبعون الأعراف والعادات والتقاليد، ويتركون أوامر الله ورسوله، وكانوا يعبدون الأحبار والرهبان، يتبعونهم في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، فكل ذلك لم ينفع المشركين، ولم ينفع اليهود والنصارى، ولم يصيروا موحدين، بل كانوا مشركين، وتوعدهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالنار، أعاذنا الله وإياكم منها.

    1.   

    كيف يزرع التوحيد

    قال الشيخ : حسّان الراضي

    كما يعلم الجميع أن الرسول عليه الصلاة والسلام مكث ثلاث عشرة سنة في مكة يدعو الناس إلى التوحيد، وكان الناس في مكة يعبدون آلهة مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكانوا يحبونها، ويصرفون عليها أموالاً كثيرة، ويعطرونها، ويظنون أن هذه الآلهة سوف تنفعهم.

    والمحبة تأتي إذا خلط الإنسان الجهد والمال من أجل الشيء، فمثلاً: إنسان يعمل عشر سنوات لجمع المال، حتى صار ثلاثين أو أربعين ألف ريال، فهو يحب هذه الأربعين ألف ريال؛ لأنه اجتهد من أجلها، فإذا أخذ هذا المال ووضعه في سيارة، فإن هذا الإنسان يحب هذه السيارة، فتنتقل المحبة من المال إلى سيارته، فيصبح يلمع السيارة ويحافظ عليها ولا يريد أن يلمسها أحد.

    فهؤلاء بذلوا أموالاً كثيرة، وأوقاتاً كثيرة من أجل هذه الآلهة، فجاءت محبة الآلهة في قلوبهم، فكانت عملية إخراج هذه المحبة من قلوبهم عملية ليست بالسهلة أبداً، ولكن يسَّر الله أن تخرج بإذن الله هذه المحبة من قلوبهم، وتُستبدل بمحبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وباليقين بأنه لا إله ولا معبود يستحق العبادة حقاً إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيسهل عليه امتثال أوامر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    ولهذا عندما اكتمل التوحيد في قلوب الصحابة، كان امتثال أمر الله أمر سهل، فكان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما يأمرهم بأمر كان جميع الصحابة يمتثلون أمر الله سبحانه، فإذا جاء الأمر أن صلوا في المسجد فإنهم كلهم يصلون في المسجد، أو جاء الأمر بأن لا تشربوا الخمر، كلهم يريقون الخمر، وعندما نزلت آية الحجاب التزمت جميع النساء المسلمات بالحجاب.

    لقد كان الجهد في زرع التوحيد في القلوب، وفي إخراج المحبة لهذه الآلهة، التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، وهذا كان فيه سب لآبائهم وتسفيه لأحلامهم، وسب لآلهتهم أيضاً؛ لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بد أن يتكلم، ويقول: إن هذه الآلهة لا تسمع ولا تبصر ولا تستطيع أن تنفعكم شيئاً.

    كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: بأن هذه الأصنام لا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع شيئاً، فهذا سب للآلهة، وتسفيه لأحلامهم، القائلة: بأن هذه الآلهة تشفع لنا، كما قال تعالى: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فكان في هذا تحطيم لأحلامهم كلها.

    فعندما يأتي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المشرك وهو يعبد هذه الآلهة ثلاثين سنة، وهو يعلم أنها ليست الخالقة، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف:87]، فهو يعلم أن الله هو الخالق والرازق، ولكنه يظن أن هذه الآلهة تقربه إلى الله، ولهذا بذل الأموال والأوقات، من أجل هذا، ويأتي الرسول فيقول له: إن هذا كلام ضلال، فهذا تسفيه وتحطيم لأحلامه كلها، ولهذا كانوا يرفضون هذا الشيء.

    وكان فيه أيضاً سب لآبائهم، لأنهم وجدوا آباءهم على ملة، وعلى طريقة، وهم يتبعون طريق آبائهم، فكأنما محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لهم: إن آباءكم لا يعقلون ولا يفهمون شيئاً، فكان هذا سب للآباء، وهذا ما كان يقوله كفار قريش: إن محمداً سفَّه أحلامنا، وسبَّ آباءنا، وعاب آلهتنا، وهو في الحقيقة ما سب الآباء، وما قال: أنت أبوك كذا أو كذا، فكانت العملية في غاية الصعوبة في إخراج هذا اليقين، وهذه المحبة من هذا القلب، وإبدالها بالتوحيد.

    فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو إلى توحيد الألوهية، ولكن هذا التوحيد يدخل عن طريق باب توحيد الربوبية فيجب أن يعلم الإنسان أنه لا يقربه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا ولي، ولا ملك، ولا جن، ولا نبي، فلقد كان إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة، فعندما أوقدوا له النار، وأرادوا أن يقذفوا به فيها، وقد كانت ناراً عظيمة جداً، ما رأى أحد مثلها.

    وضعوا إبراهيم على المنجنيق وهو وحيد، كل العالم ضد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فعندما ضربوا المنجنيق، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الهواء، جاء إليه جبريل، وقد انقطعت جميع الأسباب المادية -لكن انظر إلى هذا الاختبار- وهو في طريقه إلى النار يأتي جبريل إليه بالحبل المادي الوحيد.

    فيقول: هل لك إلينا حاجة؟

    تريد مني خدمة؟

    فهذا جبريل الملك العظيم، الذي يستطيع بإذن الله أن يطفئ هذه النار، أو أن يحول طريق إبراهيم إلى مكان آخر، ولكن عندما يكتمل التوحيد في الشخص، ويعلم أنه لا ينجيه إلا الله، فلا يستعين بأحد إلا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيقول: أما منك فلا! لا حاجة لي بك، ولكن من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فلا يستطيع الإنسان ولا للحظة أن يسأل الله أن لا يستعين بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وكذلك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما كان في غزوة من الغزوات، ونام تحت الشجرة، وعلق سيفه عليه الصلاة والسلام والصحابة نائمون، فجاء أحد المشركين وسلَّ سيفه؛ فاستيقظ عليه الصلاة والسلام، -وكما تعلمون عندما يستيقظ الإنسان من النوم، لا يكون مسيطراً على فكره وقلبه- وهذا المشرك قد سلَّ سيف الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يقول له: من يمنعك مني؟

    فما تردد عليه الصلاة السلام؛ لأن قلبه مملوء بعظمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم بأن الله هو الناصر، وهو المميت، وهو المحيي، وأن هذا السيف والله لا يتحرك ولا يقطع، إلا بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو لا يخاف إلا الله، ولا يعبد إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال للمشرك: الله، هذا التوحيد يجب أن ينمو في قلوب شباب المسلمين.

    1.   

    مراتب التوحيد

    قال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    الإيمان أو التوحيد، قد يكونان مترادفين، إذا علمنا وعرفنا كيف فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان لجبريل عليه السلام، كان هذا آخر عمله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن جبريل عليه السلام أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد عودته من حجة الوداع، ومعلوم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي بعد حجة الوداع بفترة وجيزة، في شهرين وكذا من الأيام.

    وفي الحديث (بينما نحن عند الرسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه -جلسة المتعلم أمام الشيخ المعلم- فقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، فقال: صدقت، فقال الصحابة: عجبنا له يسأله ويصدقه، فقال: أخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، فقال: صدقت... إلخ).

    فالتوحيد هو: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله. فهذا الحديث جاء فيه أن مسميات مراتب الدين ثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان، فلما علمه قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).

    إذاً ديننا بهذه الثلاثة، بالإيمان وبالإسلام وبالإحسان، ولو تأملنا في هذه المراتب الثلاثة، لوجدنا أن الناس يتفاوتون فيها، ولوجدنا العلاقة بين هذه الأنواع جميعاً، فإن الإنسان الذي يشهد أن لا إله إلا الله، ويصوم ويصلي، لا بد أن يكون مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا الإيمان قد يبلغ ببعض الناس إلى أن يصل إلى درجة الإحسان، وهو أن يصبح الإنسان يعبد الله كأنه يراه، فهذا التوحيد على نوعين:

    توحيد الأعمال الظاهرة، وتوحيد الأعمال الباطنة.

    توحيد الأعمال الظاهرة

    الأعمال الظاهرة: هي التي سماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث بالإٍسلام، فهو الأعمال الظاهرة للتوحيد، أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصلي ونصوم ونحج ونزكي، فتكون جميع أنواع العبادات من الأعمال الظاهرة التي هي أعمال الجوارح خالصة لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    توحيد الأعمال الباطنة

    الأعمال الباطنة هي: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، أن يكون الإنسان رجاؤه وخوفه وتوكله وإنابته ويقينه وإخباته وإذعانه، وكل الأعمال القلبية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    الإيمان يزيد وينقص

    وهذان الركنان: الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، منهما تترتب حقيقة تفاوت الإيمان وأنه يزيد وينقص، مثلاً لو نظرنا إلى الصلاة، نجد أن بعض الناس أكثر أجراً في صلاته من بعض، فالواحد منا -أحياناً- يصلي الفجر صلاةً خاشعةً ويستيقن ويحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على ذلك؛ لأنه استحضر قلبه، فهذه صلاة أداها بما يرضيه ويريده، لكن قد يأتي يوم ثانٍ أو فريضة أخرى، وإذا به ينشغل ويهتم ويوسوس في الصلاة، ولا يدري إلا وقد سلم الإمام، وربما لو سهى الإمام لا ينتبه إلى ذلك.

    إذاً: هذا دليل على أن الأعمال تتفاوت، فحركات الجوارح نفس الحركات تقريباً، أنت وراء الإمام في الفريضة ما الذي جعل صلاتك في وقتٍ عالية، وصلاتك الأخرى قليلة جداً؟!

    فبعض الناس لا يكتب له إلا عُشر الصلاة، وبعضهم لا يكتب له شيء، لكن من الناس من تكتب له كلها، نصفها، أو ثلثها، أو ربعها، إلى عشرها كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    إذاً: هذا التفاوت ما سببه؟

    سببه أعمال القلب، وإيمان القلب، فعندما يكون الخشوع واستحضار القلب لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، تكون العبادة أكفأ.

    وكذلك لا يمكن أن يوجد عمل في القلب حقيقي، وإيمان في القلب حقيقي، إلا ويظهر أثره على الجوارح، تجد أحدهم يقول: أنا موحد لله عز وجل تماماً، لكنه يحلف بغير الله، فلو وحد الله ما حلف بغير الله، فإذا ذهب يدعو غير الله فهذا أعظم، فلو كان التوحيد في قلبك كما تقول لما دعوت إلا الله، وكيف يكون التوحيد متكاملاً في القلب وتدعو غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟

    فإذاً بهذا يعرف الإنسان إيمانه عندما يشعر أن صلاته أحياناً تزداد، وأحياناً تقل، فالإيمان يزيد وينقص، ولذلك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، لما حول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قال بعض الصحابة ما حال صلاتنا التي صليناها إلى الشام، وقال بعضهم: إخواننا الذين ماتوا قبل أن تتحول القبلة ليس لهم شيء حتى لو صلوا؛ فأنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] أي صلاتكم.

    فإن الصلاة هي الإيمان، والإيمان هو الصلاة، لأنها جزء منه، فكل عمل من الأعمال يطلق عليه الإيمان، فبر الوالدين من الإيمان، والصيام من الإيمان، والزكاة من الإيمان، والإحسان إلى الفقراء من الإيمان، فكل هذه الأعمال الصالحة من الإيمان، عمل الجوارح مع عمل القلب جميعاً، فإذا كانت هذه الأعمال تزيد وتنقص، فالإيمان يزيد وينقص.

    وكذلك التوحيد يزيد وينقص، فعندما يأتي جبريل إلى إبراهيم عليه السلام، فيقول: ألك حاجة؟

    فيقول: أما إليك فلا، فهذا غاية التوحيد، لكن من الذي يحقق مثل هذه الدرجة، إنهم قلة قليلة.

    ولذلك قال الله تبارك وتعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً [البقرة:124].

    وفي الموقف الآخر لما رأى في المنام ما رأى -ورؤيا الأنبياء وحي- لم يأته جبريل، بل أعظم من ذلك، لقد خاطبه الله عز وجل، فقال: يا إبراهيم! اذبح ابنك، فأضجعه إبراهيم وأخذ السكين، حتى أنزل الله تعالى عليه: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:105].

    فلما حقق إبراهيم عليه السلام هذ التوحيد، صار إمام الموحدين، ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:123]، فنحن الآن ننتسب إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى إبراهيم عليه السلام، إمام الموحدين الأول.

    فإبراهيم عليه السلام دعا الله تبارك وتعالى أن يبعث إمام الموحدين وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي نشر هذا التوحيد، ولهذا يقول الله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:68]، فنحن أولى الناس بإبراهيم، وقال رداً على اليهود والنصارى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، إذاً التوحيد درجة عالية جداً، فمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما كان في الغار ومعه الصديق، كما قال تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، كان فؤاد أبي بكر رضي الله عنه يرجف، ويقول: {يا رسول الله! والله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدمه لرآنا}، وإذا رأوهم انتهت الجهود والاحتياطات التي بذلت، في لحظة واحدة، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدمه فقط.

    فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تحزن إن الله معنا}، هذا هو التوحيد، لكن هل كل النفوس تطيق ذلك؟

    لا، الأدلة على ذلك أن التوحيد درجات تتفاوت، ويزيد وينقص.

    وعندما جاءت الأحزاب وأحاطوا بـالمدينة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محاصر هو وأصحابه فيها، في تلك اللحظة ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، هذا الزلزال الشديد ظهر فيه الموحد الصادق، الذي يؤمن بالله عز وجل وواثق من نصر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وسقط من سقط، وما أكثر من يسقط ممن يدعون الإيمان حين يصطدم بلحظة الاختبار وفي لحظة الابتلاء، كما قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3]، فهذه الآية تبين أن هناك اختباراً وابتلاءً، فعندما جاءت الأحزاب، ظهرت حقيقة المنافقين، كما قال تعالى: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً [الأحزاب:13].

    وهكذا نحن نريد أن ندعو إلى الله، ونغير منكراً من المنكرات، وأن نذهب إلى إخوانٍ لنا في الله عز وجل في الشارع، هذا يبيع أفلاماً خليعة، وهذا أغاني محرمة، وهذا فاتح المقهى وقت الصلاة، نكلمه بالحسنى، بالمعروف، ونعرفه ونعرف الآخر، فكلنا إخوان ومسلمون بحمد الله، ونعرف بعضنا بعضا، هذا ولد عمي، وهذا رفيقي، وهذا زميل أخي، كلهم في الحي، لا نحاول بسلطة ولا بعسكري، نحن نكلمه بالمحبة والأخوة.

    فعلينا أن نخاطب قلوبنا، هل نحن فعلاً عندنا الجرأة وعندنا الإيمان؟

    نحن لا تحيط بنا الأحزاب، ولا الأعداء، ولا شيء من ذلك، بل والله إذا نصحت أحداً، فإنه يشكرك ويحترمك، ونحن ما نريد الشكر والاحترام لنا، نحن نريد أن يطاع الله.

    لكن أقول: هذا عاجل بشرى المؤمن، ومما يشجع الإنسان أن يقال له: يا أخي! اتقِ الله تعالى، أنت دائماً تأكل من الحرام، يا أخي! اتقِ الله، جزاك الله خيراً، الدنيا فانية والمال الحرام، أو يا أخي! الناس تبيع الفاكهة، وتبيع أدوات كهرباء، وتبيع أشياء فيها فائدة، وأنت تبيع أفلاماً! من أول الفلم عشق وغرام وهيام؟

    يا أخي، أنت إنسان عاقل، وأنت كذا، جزاك الله خيراً، وإن شاء الله يتقبل هذا منك، وهذا أقل شيء، فأنت أديت ما عليك نحو أبناء هذه الأمة.

    كذلك جارك الذي لا يصلي، متى ضربت عليه الباب؟!

    وقلت له: يا أخي نريدك أن تصلي، عندما نريد أن نعرف إيماننا، فإننا نقيسه بإيمان الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- نعرف أننا ندعي أننا فقط أدعياء، إلا من رحمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    الشاهد من هذا كله هو أن الإيمان يزيد وينقص، وأن التوحيد يزيد وينقص، فإذا انطبق توحيد الله عز وجل؛ فإنه يظهر على الأعمال، والجوارح، وفي الدعوة، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتضحية والجهاد من أجل هذا الدين، ومن أجل التقرب إلى الله وحده، وبقدر نقص التوحيد ونقصان حقيقته، نجد أن الخلل وقع.

    انظروا إلى الرزق الذي كان المشركون يؤمنون به، كان المشركون يؤمنون بأن الله هو الرازق وحده، مع أنه يوجد في هذه الأمة من يدعو غير الله أن يرزقه، وبعض الناس لو قلت له: يا أخي! اتق الله، أو قلت له: يا أخي! إن العمل في هذا المكان حرام، وهذه فتاوى العلماء، وهذا كلام الله ورسوله، لا يجوز أن تعمل في هذا المكان تجده يقول: أين أذهب؟

    هذا مصدر رزقي.

    ولو أتيته وقلت له: يا أخي! اتق الله عز وجل وانه عن المنكر، أنت -مثلاً- تعمل في هذا المحل وفيه المنكرات، ادع صاحب المحل عندما يأتي، وقل له: هذا منكر، يقول: لو كلمته يقطع رزقي، يا سبحان الله! إذاً: ما كانت الجاهلية تُقُّر به وهو أن الله هو الرازق، نجعله نحن للمخلوق دون أن نشعر، فنقول: المخلوق هو الرازق، ولو أنك لو تركت العمل في هذا المكان المحرم، أو عند هذا الإنسان الذي لا تستطيع أن تقول له: اتقِ الله! لربما يعوضك الله عز وجل خيراً منه، ولو لم يكن لك أي عوض، إلا أنك وحدت الله حقيقة التوحيد، وآمنت بالله حقيقة الإيمان لكفى.

    والخلاصة من ذلك: أن الإيمان يزيد وينقص، وأن التوحيد يزيد وينقص، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا وإياكم جميعاً لتحقيق التوحيد، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، إنه سميع مجيب، والله أعلم.

    1.   

    إنا خلقناكم من ذكر وإنثى

    قال الشيخ : حسّان الراضي

    ِِخلق الإنسان للرجل والمرأة له أربع حالات:

    إما أن يخلق من الرجل والمرأة، وإما أن يخلق من الرجل دون المرأة، وإما أن يخلق من المرأة دون الرجل، وإما أن يخلق بدون الرجل وبدون المرأة.

    وأصعب الحالات بلا شك هو الخلق بدون رجل ولا امرأة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على كل شيء قدير، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يرينا بعض قدرته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فينا، فالله قادر على كل الأربع الحالات، أما التي بدون رجل وبدون امرأة كخلق آدم عليه السلام، خلقه من تراب ونفخ فيه من روحه وقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له: كن، فكان آدم عليه السلام، وخلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حواء من ضلع آدم، فخلقت من رجل بدون مرأة، وخلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقية الخلق من آدم وحواء، من رجل وامرأة، فلم يتبق إلا خلق إنسان من امرأة دون رجل، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أكمل بخلق عيسى عليه الصلاة والسلام الحالة الرابعة وهي خلق الإنسان من امرأة دون رجل.

    ولقد ضل النصارى وهم يحسبون أنهم مهتدون، فقالوا: إن عيسى عليه الصلاة والسلام ابن الله!! وهذا القول كفر والعياذ بالله، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوضح أن من قال هذا: أنه كافر، وكذلك من قال: إن الله ثالث ثلاثة أنه كافر، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إله واحد لا شريك له، لم يلد ولم يولد، ليس له صاحبة؛ فإذا كان له ولد، فأين الصاحبة؟!

    فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واحد، ولا يحتاج سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلى ولد، ولا إلى صاحبة ولا إلى أحد.

    1.   

    الغلو من أسباب الضلال

    قال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    من أكبر أسباب الضلال في الأمم التي قبلنا وفي هذه الأمة، الغلو في المخلوقين والبشر، فآدم عليه السلام خلقه أعظم من خلق عيسى، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] قالها في سورة آل عمران في معرض الرد على أهل الكتاب، لما جاء قسيس نجران والوفد الذين معه إلى المدينة، إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وناظروه في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى صدر سورة آل عمران، رداً على النصارى في آي كثيرة، منها هذه الآيات.

    دعوى النصارى بأن الآلهة ثلاثة، وإشراكهم بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك، من أسبابها المشكلة التي يعاني منها المسلمون اليوم، وهي مشكلة الغلو في الصالحين، وفي الأنبياء.

    إن الغلو في أي إنسان بأن يزيد من قدره الذي جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له، هذا من باب الضلال والشرك، فالمسيح عليه السلام، وأمه عليها السلام كانوا من بني إسرائيل -كما تعلمون- فماذا كان موقف القوم منهما، بعد أن أكرمهما الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بما أكرم الأنبياء؟

    كانوا على فئتين: أما اليهود فقالوا والعياذ بالله: إن مريم زانية! وأن هذا المسيح ابن زنا! والعياذ بالله، وهذا غلو في غاية الدناءة، أما الطرف الآخر فقالوا: إن هذا ليس بشراً، هذا إله، فرفعوه إلى أعلى؛ ولهذا رد الله تبارك وتعالى عليهم بأعظم مما رد على أي بدعة أو شبهة، فقال: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75].

    هذه الآية لها مغزى، "كانا يأكلان الطعام" معناه: وجود الحاجة البشرية فيهما والفقر يظهر في أكل الطعام، فالإنسان أكثر شيء يحتاجه في حياته اليومية أن يأكل الطعام.

    لذلك فإنَّ الرئيس، والحقير، والصغير، والكبير، والغني، والفقير، وكل مخلوق هو يسعى إلى الرزق لأكل الطعام، فيجد الحاجة إلى الطعام وإلى التقوت به، فمن كان في حاجة إلى أكل الطعام، لا يمكن أن يكون إلهاً أبداً، وأكثر من ذلك فالذي يأكل الطعام، تخرج منه الفضلات فهل يليق بالإله أن ينسب إليه هذا الشيء -والعياذ بالله- فلو فكَّر هؤلاء، وحكَّموا عقولهم، لكان ََََالتوحيد هو دينهم، لكن أضلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بسبب هذا الغلو.

    وهؤلاء -كما تسمعون- في صوت الإنجيل، وفي مونتكارلو، وفي ساعة الإسلام، وفي الإذاعات التي تصلهم ليلاً ونهاراً، وفي كل ليلة، وفي كل وقت، وفي كل خطبة، وفي محاضرة، وفي نظرة في الكنائس، يرددون أن المسيح إنما كان إلهاً، وإنما كان بهذه المكانة، لأنه خلَّص البشرية، خلص بني الإنسان من الخطيئة.

    بعض الناس يقول: ما دامت أمريكا وأوروبا وفرنسا صنعوا الطائرات والصواريخ والأقمار الفضائية وكذا، كيف ستكون عقائدهم رديئة مفتقرة؟

    ما دام هناك هذا الإنتاج المادي والتكنولوجي والكمبيوتر؛ فلا بد أيضاً أن عقائدهم ودينهم وفكرهم يكون على هذا المستوى!!

    وهذا غير صحيح أبداً، هذا ظلم، هذا له مجال، وهذا له مجال آخر، الدين اتباع وهدى من الله عز وجل، أما الصناعة فكل إنسان يعمل أكثر، ويفكر أكثر، وينتج أكثر، يحقق فيها أكثر، أياً كان دينه، الصينيون صنعوا القنبلة الذرية، بل وعباد البقر الهنود صنعوا القنبلة الذرية، إذاً: القنبلة الذرية ليست حكراً على أصحاب الفكر الغربيين، يمكن أن المجوسي، وعابد البقر، وعابد الشجر، وعابد الحجر، وأي إنسان أن يعمل ويحقق.

    الشبهة أن النصارى قالوا: آدم أكل من الشجرة فوقعت البشرية في الخطيئة، فلما أراد الله أن يخلص الإنسان من الخطيئة، ضحَّى بابنه الوحيد -تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا- وذبحه صلباً، فكفرت الخطايا عن البشرية.

    جواب الشبهة: فلو ناقشناها بالعقل حتى بدون نقل مع أي إنسان عنده عقل لقلنا:

    أولاً: آدم هو الذي أخطأ، والذي أغواه بالخطيئة هو الشيطان، لو كان الذي ضحى به الله عز وجل هو ابن الشيطان، فلن يكون هذا من العدل، لكن يقتل الذي أغواه وهو الشيطان، فهم يدعون أنه لم يقتل الشيطان الذي أغواه ولا ابن الذي أغواه، وإنما قتل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابنه الوحيد للتكفير عن الخطيئة، فلماذا؟

    ومن يقبل هذا الكلام؟

    الأمر الثاني: أن الله ليس بعاجز أن يغفر الخطيئة، فالله يقول: يا عبدي! قد غفرت لك، أما أن يضحي بابنه فهذا عجيب! فمثلاً واحد أخطأ عليك -ولله المثل الأعلى- هل تذبح ولدك من أجل أن تغفر له، اعف عنه وسامحه وانتهت الإشكالية، لكن كيف يقبل العقل هذا؟

    أما أعداؤه اليهود الذين قالوا: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] وقالوا: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64].

    فاليهود قالوا: إنه ابن زنا، وأنتم تقولون أيها النصارى: إنه ابن الله، فصلبوه وذبحوه، بكل راحة وسهولة، فكيف يكون هذا ابن الله؟ تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ما قدروا الله حق قدره، وما عظموه حق تعظيمه، فأي عاقل يسمع كلام النصارى هؤلاء لا يمكن أن يصدقه.

    لكن المصيبة ليست في النصارى، بل المصيبة أن هذه الأمة غلت في عباد الله الصالحين، في أوليائها، وصلحائها، وأنبيائها، كما غلا أولئك، فهناك من يدعي لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يتصرف في هذا الكون، وأن روحه تدور في كل مكان، ومن يقول: إن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجله خلق الكون، وأنه يعلم الغيب كله، وكل شيء، حتى الخلق استأثر به، وأن على الإنسان أن يستغفره، وأن يطلبه في أي مكان، وهكذا.

    حتى إن بعضهم، أو من غير هذه الأمة، جعل العبادة لغير الله، فتجده يستغيث بغير الله، ويدعو غير الله، ويقول: إن الله أعطى هؤلاء الناس التصرف في الكون، وأن هؤلاء أولياء، ولهم كرامات، وهم أحياء في قبورهم، فمن أتاهم إلى قبورهم، ودعاهم وذهب إلى الصلاة عندهم فهو كذا وكذا، مثلما غلا النصارى في عيسى، لكن هؤلاء قالوا: ابن الله، وهؤلاء قالوا: نبي الله، فالفرق أن كلمة ابن منهية عند المسلمين.

    ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) قولوا: عبد الله ورسوله فقط.

    الرسول لا يرضى أن يأتي فيجاهد الناس هذا الجهاد الطويل، ليترك الناس الشرك، ثم يأتي هؤلاء الناس ليدعوه هو، وهو الذي جاء لمحاربة الشرك، فيدعوه ليشرك بينه وبين الله، فلا يرضى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك أبداً، ولا يرضى بذلك أي أحد من عباد الله الصالحين، قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57].

    فالمدعوون والمعبودون من الأولياء الصالحين هم أنفسهم يبتغون إلى الله الوسيلة، وهم أنفسهم يدعون الله، ونحن لا ندري ما حالهم عند الله، إلا من كان نبياً، أو من شهد له النبي بأنه من أهل الجنة، وغير ذلك لا ندري ما حاله عند الله، هو خائف من عذاب الله، ويرجو رحمته، فكيف يعبد هؤلاء من دون الله؟

    نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجنبنا ويجنب المسلمين -جميعاً- طرائق أهل الكتاب وسنن أهل الكتاب، ويجعلنا من المؤمنين الموحدين، إنه سميع مجيب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768251160