أما بعــد:
أتوجه إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالدعاء أن يجعل هذا الدرس في ميزان أعمالنا يوم نلقاه، وأن يثيبنا عليه بخير الثواب، وأن يكتب لنا أجر ما نقول وما نعمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، إنه على ما يشاء قدير.
إن مما يجب علينا أن نعلمه: أن أعداء الله يخططون ليل نهار للقضاء على هذا الدين، ويسعون لإطفاء نور الله بأفواههم، ويجتهدون ويدأبون من أجل أن يبذروا في هذه الأمة بذور الشر والخلاف والفرقة؛ ليبعدوها عن الصراط المستقيم، وليمزقوها وليدمروا فيها القلوب والعقول؛ لكي تصبح الأمة الإسلامية أمةً ذليلةً منقادةً لشهواتها، فيقودونها كما تقاد الدابة من شهواتها إلى ما يريدون، وكما خطط لها الأعداء المتربصون بالإنسانية جميعاً.
هذه قضية يجب أن نعلمها، وأن نعدَّ العدة لنقاوم هؤلاء الأعداء، ونعلم مداخلهم التي منها يدخلون إلى مجتمعنا ليخربوه.
إن موضوع المرأة لمن أعظم ما ينبغي أن نعلمه وأن نعرفه.
ولكن الذي حصل في هذا الزمان، أن القضية لم تعد بهذه المثابة فحسب، وإنما هي قضية دين أو لا دين، بمعنى: هل نتبع القرآن كلام الله عز وجل ونتبع هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أم نتبع ما عليه اليهود والنصارى، ونقول: إن ما جاء به القرآن قد عفا عليه الزمن ومضى وانتهى؟
فالقضية ليست قضية خلل في الأعمال، أعمال الإيمان، إنما هي خلل في أصل الإيمان، فقضيتنا قضية إيمان وعقيدة، وإن كانت في ظاهرها قضية اجتماعية؛ فالفتاة التي تتحجب في هذا الزمن، تتحجب عن إيمان ودين واعتقاد بأنها تطيع الله عز وجل وهذا هو الحق وأن ما عداه هو الباطل، لا ينظر إليه ولا يؤبه له.
وأما التي تتهتك، أو من يكتبون دعوات التهتك والتبرج والسفور، فإنهم -جميعاً- يقولون بلسان المقال أو بلسان الحال: إن هذا الدين قد استنفد أغراضه وقد عفا عليه الزمن، وقد ذهب إلى غير رجعة، وإنما الأمر اليوم أمر متابعة الغرب، وتقليد تلك المجتمعات المتطورة المتقدمة.
وكون القضية بهذا الشكل يجعلها أخطر مما يظن بعض المربين أو بعض الآباء أو الأمهات، عندما يظنون أن البنت وإن تحررت وإن تهتكت أو تبرجت، فإنها سرعان ما تعود بعد حين كما كانت النساء من قبل، فالفتاة قبل سن النضج ربما فعلت شيئاً من ذلك، ولكنها سرعان ما تعود.
والحقيقة أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن الأمر -الآن- موجه توجيهاً فكرياً يقصد به تحطيم هذه الأمة بتحطيم القاعدة الأساسية التي هي منبع التربية، والتي لا تكون العقيدة والأخلاق والفضيلة إلا من نبعها لأنها هي الأم، وإن مما يثيرونه ويبلبلون به أفكار الشباب قولهم: إن المرأة المسلمة ممتهنة أو مظلومة أو عاطلة عن العمل، وما أشبه ذلك من الدعاوى التي نراها على صفحات الجرائد والمجلات، وفي المحافل وفي كل مكان يستطيعون فيه أن يقولوا أمثال هذا الكلام.
فماذا يريدون به؟
أيريدون إنصاف المرأة؟!
أيريدون أن يرفعوا عنها الحيف والخوف؟!
أيريدون أن ينزلوها المنزلة التي تليق بها؟!
فلننظر إلى حال المرأة في ظل هذا الدين، وإلى حالها في ظل غيره.
وهل للمرأة روح أم ليس لها روح؟!
أما رهبان الكنيسة فحدث ولا حرج، فقد كانوا يرون أنها شيطان رجيم، وأنها منبع الخطيئة، ومصدر الشر، وأن من خطرت في قلبه صورة امرأة أو تعلق بها أو اشتهاها، فإنه قد يطرد من ملكوت الله؛ لأنه بذلك يفكر في الدنس والخطيئة، وذلك بسبب ما قررته التوراة المحرفة -كما في سفر التكوين عن قصة آدم وحواء عليهما السلام- من أن المرأة هي التي أغرت الرجل بأن يأكل من الشجرة.
ومن المعلوم أن مسألة الخطيئة -بالنسبة لنا نحن المسلمين- مسألة عادية مثلها مثل أي ذنب، حيث أن آدم عبد من العبيد أخطأ وأذنب ثم تاب، كما قال الله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122] فآدم عليه السلام اقترف معصية ثم أعقبتها توبة، وعَقِبَ التوبة حَصَلَ الاجتباءُ من الله تبارك وتعالى وانتهى الأمر.
ولو أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أتاه العبد بقراب الأرض خطايا، ثم استغفره، لغفر له، لكنها في ذهن النصارى تختلف تماماً، لأنهم يقولون: إن المسيح عليه السلام هو ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وأن الله ضحى بابنه ليصلب من أجل أن يخلص الإنسانية من خطيئة الأكل من الشجرة، فالخطيئة عندهم من صلب العقيدة، والمرأة هي التي أوقعت الإنسانية في الخطيئة، وتركتها في هذا الدنس إلى الأبد!
هذا أحد الأسباب التي تجعلهم ينتقصون المرأة، وليست امرأة واحدة بل نوع الأنثى بكامله، فأينما وجدت المرأة بأي اسم وبأي شكل فإنها ممقوتة، وهي مصدر الشر ومصدر اللعنة على البشرية، لأنها هي التي أدت إلى هذا الجرم العظيم.
وبالرغم من أن هذا المعتقد زال نظرياً إلى حدٍ ما، نظراً لتحول أوروبا من النصرانية إلى العلمانية اللادينية، ولكن بقاياه النفسية ونظرته الاجتماعية لا تزال باقية، بل -كما أشرت من قبل- أن له بقايا في النواحي التنظيمية والقانونية أيضاً؛ لأن الإنسانية أو المجتمعات بأكملها تشبه الأفراد، ومن الصعب على الفرد مهما تقدم في العمر، ومهما ازداد من الثقافة أن ينسى ما كان في أيام طفولته من أحداث ووقائع ارتبطت بأمور معينة، ولذلك يصعب إلى اليوم أن نقتلع من أذهان الغربيين ما استقر فيها عن وضاعة المرأة.
ولهذا قامت في الغرب الحركة النسائية وتزعمتها عدة فئات منها هدامون يعملون في الظلام، وهدفهم تحطيم هذه الإنسانية بتحطيم الدين النصراني، وهؤلاء هم أتباع التلمود من اليهود، والذين يريدون أن يدمروا أديان البشرية جمعاء، ولا سيما أعدى أعدائهم وهم النصارى؛ المسيح وأتباعه، كما ينص عليه التلمود.
والآخرون أرباب شهوات، يريدون أن يتمتعوا ويستلذوا بخروج المرأة وبتبرجها وتهتكها، وللشهوة عندهم معنى غير معناها عندنا نحن المسلمين، وكل النفوس البشرية تشتهي المرأة، وكل رجل يشتهي الأنثى، فطرة كتب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك وخلقه وقدره في كل فطرة.
إن الميل من الذكر إلى الأنثى أمر طبيعي في بني الإنسان، لكن هذا الميل عند الغربيين يأخذ شكلاً آخر، وهو الشكل المحرم والممنوع والمحظور والمدنس حتى وإن حصل عليه؛ ولذلك فإن الأمم الأخرى -جميعاً- وليس المسلمون فقط، إذا احتاج الواحد منهم إلى الزواج تزوج، فإذا تزوج شعر أنه قضى وطره وانتهى الأمر، إلا الغربيين من النصارى أو من اتبعهم من رهبان البوذيين؛ لأنهم ينظرون إليها نظرة الدنس والاحتقار والخطيئة، فحتى وإن تزوج، فإنه كان يُنْظَر إليه -في العصور الوسطى على الأقل- أنه اقترف الدون، وفعل غير الصواب الذي هو أقل درجة، وإن لم ينظر إليه على أنه أخطأ خطأً محضاً، لكنه لم يأت بالأولى والأفضل، وهو أن يكون كالمسيح عليه السلام الذي ذكر أن الرهبان هم خصيان الملكوت، الذين يدخلون الجنة؛ لأنهم خصوا أنفسهم عن هذا العالم، كما تنسب إليه الأناجيل المحرفة ورسائل بولس.
إذاً: عند الغربيين وإن تزوج وتمتع بالمرأة بأي شكل من أشكال التمتع حلالاً أو حراماً، وإن تهتك وابتذل وأَسَفْ حتى أصبح كالبهيمة فإن هذا السعار لا يخبو؛ لأن لهذا السعار عمقاً نفسياً آخر، وهو أنه يريد أن يعوض ما استشعره في قرون طويلة تجاه هذه الشهوة وهذه اللذة، فهو يعض ويعض، ومع ذلك يستشعر في نفسه أنه لم يستكمل لذته بعد، لأنه يعوض ما افتقده في القرون الماضية.
ومن المعلوم أن الغرب لم ينظم حياته -أصلاً- وفق القوانين الحديثة إلا بعد أن وضع أول قانون في أوروبا في القرن التاسع عشر عام (1804م)، وهو قانون نابليون، ثم بعد ذلك أخذت بقية الدول تشرع القوانين وتضع الأنظمة.
وفي ذلك الوقت وضعت وشرعت القوانين التي تنظر إلى المرأة نظرة إجحاف وكأنها من سقط المتاع، إلا أن أولئك الهدامين أخذوا ينشرون هذه الأفكار بغرض إثارة المجتمع بعضه على بعض، لغرض التجارة المحرمة؛ لأن كثيراً منهم كانوا يتاجرون في هذه المتع المحرمة، ولا سيما اليهود، وهذا أمر معروف عنهم إلى اليوم، فهم ملوك البغاء في الأرض -كما يقال- لأنهم يتاجرون بالعرض، وهم -أيضاً- ملوك التجارة والمال، فيهمهم أن يتاجروا بجسد المرأة، وأن يعرضوا كل سلعة من السلع على جسد المرأة، فيمتهنونها بهذا الامتهان لكي يروجوا لبضائعهم، فإن كانت المرأة يهودية، فإنهم يحتسبون ذلك لها، كما احتسبوه لـإستير تلك التي جعلوا لها سفراً في التوراة، وذلك عندما أسر اليهود إلى بابل، في بلاد الفرس، فأقامت تلك الداعرة الفاجرة العلاقة مع ملك الفرس، واستطاعت أن تحرر شعبها بتلك العلاقة نتيجة إغرائها لملك الفرس بحمالها، وسطَّروا ذلك في التوراة، وجعلوا لها سفراً فيها، ويقولون: إن كانت المرأة يهودية وخدمت مصالح اليهود ولو بعرضها فهذا يحتسب لها، وإن كانت نصرانية أو أممية من الأمميين، فهؤلاء كالحيوان بل أحط من ذلك، فلا نظر ولا اعتبار لأعراضهم ولا لما هو مقدس عندهم.
ولكن من المؤلم أن تنقل هذه الصورة بحذافيرها إلى المجتمعات الإسلامية، وينقلها دعاة الضلالة وهم { دعاة على أبواب جهنم فمن أجابهم إليها قذفوه فيها} كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قوم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا فهم ينقلون تلك الآفات والأدواء والعلل إلى هذه البلاد الإسلامية، ونحن لا ننكر أن المرأة في بعض البلاد الإسلامية، وفي بعض البيوت قد تظلم، ويحاف ويجار عليها، ولكن كل ما يقع من ذلك، فهو انحراف عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعن كتاب الله الذي رفع الله به الإنسانية جمعاء، وجعله رحمة للعالمين، وليس ذلك -فقط- للمسلمين؛ بل رحم الله به الأقباط، ورحم الله به نصارى الشام، ورحم الله به نصارى بيزنطة، ورحم الله به أمماً في الهند والصين كانت مسحوقة مركولة، يستعبدها الكبراء والطواغيت من دون الله، ورحم الله من لم يسلم منهم بأن يدفعوا الجزية ويتحرروا من الطواغيت، ويعيشوا عيشة الإنسان في ظل الدولة الإسلامية، فضلاً عمن أسلم منهم.
يريدون أن ينقلوها إلى هذا المجتمع الذي يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] فجعل الله تبارك وتعالى الحياة الطيبة -وهي الحياة في الدنيا- لمن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى، فالرجل والمرأة كل منهما مكلف بعبادة الله، ومأمور بطاعة الله، ومسئول بين يدي الله، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها}.
فهذه المرأة التي كانت في الجاهلية توأد، وكانت تباع في بلاد الروم والإغريق ولا قيمة لها، فيأتي هذا الدين -دين الرحمة- فيجعلها في تلك المنزلة، ويجعل من المرأة العربية التي لم تكن شيئاً مذكوراً، والتي كانت تورث كما يورث المتاع، فجعل منهن النساء العالمات، كأمهات المؤمنين -رضي الله تعالى عنهن- وكأولئك الصحابيات، والنساء الطاهرات، الذي لم يشهد تأريخ الإنسانية -قط- أمثالهن في الطهارة والعفة، أولئك اللاتي نزلت آية الحجاب فأصبحن كالغربان، أولئك اللاتي كنَّ المثل الأعلى لنساء البشر جميعاً في حسن الخلق وفي بر الزوج وطاعته، وفي بر الوالدين، وفي تربية الأبناء على الخلق القويم، وفي كل فضيلة من الفضائل، وبقي هذا الإرث لنا، وبقيت هذه الأحكام ملزمة لنا نحن المسلمين.
وهذا كتاب ربنا بين أيدينا، وهو أوضح وأجلى من أن يقال أو يتحدث فيه، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] فمما هو أقوم أن تأخذ أحكام الله في الطلاق، وفي موضوع المرأة والحجاب، وفي كل شيء.
وقيل للمرأة: وأين دورك؟!
وأي مكان للمرأة، يقال للرجل: لماذا يترك المكان للنساء فقط؟
وهكذا حتى تتناحر المجتمعات، والمجتمعات الغربية من المعلوم أنها مجتمعات متفككة لا روابط فيها، فإذا بلغت الفتاة الثامنة عشرة تطرد من بيت أهلها، وتعيش كما تشاء وأينما تشاء مع من تشاء، وكذلك الحال مع الشاب من الذكور، وومن هنا فإن كل جماعة وفئة في المجتمع تحتاج إلى تكتل تنظم تحت لوائه لتنتصر إذا ظلمت من قبل الآخرين، ولذا نجد العمال لهم تكتلات مقابل أصحاب رءوس الأموال، والطلاب لهم تكتلات مقابل الجامعات، النساء أيضاً لابد أن يتكتلن وإلا ضِعْنَ، فتتكتل النساء ويجتمعن وينشئن الجمعيات.
لأن المرأة إن لم تكن في جمعية فلن تجد من يطالب بحقها؛ لأنها ستكون ضائعة في حكم القانون!! فلا بد أن تتكتل، ومن هنا تكونت الحركات والجمعيات النسائية وما أشبه ذلك.
وجاءوا إلينا -نحن- في بلاد الإسلام وهي البلاد التي لا تعرف هذه الفرقة -أصلاً- والتي يجب فيها على المجتمع ككل ألا تضيع فيه امرأة، ولا طفل، ولا إنسان، فإن لم يكن لها أب أو أخ يحميها، فلا بد أن يتولى القاضي الوصايةَ عليها، أو يقيمَ وصياً عليها أو يزوجها أو ينفق عليها أو يحفظها في دور للرعاية، فهي مصونة مكفولة، ويكفي أن تذهب إلى القاضي، وتقول: إنني لا عائل ولا محرم لي، وعندئذٍ تصبح في كفالة ولي الأمر، وحق عليه أن يفعل ذلك.
وهذا لا يوجد -أصلاً- في أي نظام من الأنظمة، فمثلاً: الشيوعية تحاول أن تدعي شيئاً من ذلك، ولكن لا وجود له.
أما المجتمعات الإسلامية فإن الرجل قد لا يبالي لو ضاع منه عشرة أبناء، ولكن لو فقدت منه ابنته يوماً واحداً، لاسوَّدت الدنيا في عينيه ولكأنها قامت القيامة.
ثم يؤتى إلى هذا المجتمع ويقال للمرأة فيه: تكتلي أيتها المرأة، طالبي بحقك، اخرجي، لماذا الرجال لديهم المناصب والجامعات؟!
لماذا لديهم الوظائف الفلانية؟!
فأصبحت القضية قضية رجل وامرأة.
ولو نظرنا إلى مطالبة المرأة لحقوقها في الغرب -كما أشرت- فلا يوجد من تطالبه؛ لأنه ليس لها روابط، فلتطالب بحقوقها في هذه الحالة، أما في المجتمع المسلم، فإن الزوجة تطالب زوجها، والأخت تطالب أخاها، والأم تطالب ابنها، ثم تأتي كاتبة في جريدة تقول: لتنتصف لأمي مني، أو لزوجتي مني..!
فلنفرض أن امرأة تعمل، ثم إن مديرها ظلمها، هل يمكن أن يقال: إن مديرها ظلمها، لأنه ذكر وهي أنثى؟!
إن هذا لا يخطر إلا على عقول المجانين، فالمسألة ليست كذلك، فهو قد يظلمها، والظلم الإداري قد يقع على الرجل أو على المرأة؛ ولو وقع الظلم، فإن الذي ينتصف لها هو رجل آخر كالأخ، أو الزوج، أو الأب.
وهناك مثال آخر وهو: أن رجلاً تزوج زوجتين، فظلم الأولى منهما -كما يحدث غالباً-فيقولون: الرجل ظالم..!
ولو تأملنا من هو الظالم؟
هل هو الرجل أم الزوجة الثانية؟
لعلمنا أن القضية ليست قضية رجل فقط، ولكن القضية أن الظلم من شيم النفوس، كما يقول المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لم يظلم |
نحن نقول: إن لم يوجد التقوى فلا بد من الظلم؛ لأن الذي يحجز الإنسان عن الظلم هو التقوى، ولن يحجزه عنها كاتب في جريدة.
وكأننا كالغرب الأمة الضائعة التي لا تسنُّ فيها القوانين إلا عن طريق استطلاع الآراء العامة.
فيأتون إلى الناس في مسألة تعدد الزوجات -مثلاً- ويجرون مقابلة مع رياضي، أو مع فلاح، أو مع رجل كبير في السن يحدثهم عما قبل خمسين أو سبعين سنة، فيقال لهم: ما رأيكم في تعدد الزوجات؟
وربما يجعلون العنوان الرئيسي (فلان تزوج اثنتين) أو (لم أتزوج إلا واحدة) ومن العجب أن يكون هذا عنوان عريض في بلد الإسلام، وما الغرابة في أن يتزوج الرجل اثنتين أو ثلاثاً أو واحدةً، ولكن لأن لهذا الأمر أهميته في الغرب أتوا به إلينا.
وهذه القضية كثيراً ما تثار، وليس في دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما يحرِّم أن يتزوج الرجل من زوجتين أو أكثر، أقصد بدين الله الذي أنزله على أنبيائه ورسله، وليس فقط دين الإسلام؛ فإن دين الأنبياء جميعهم في التوحيد واحد، ولكن الشرائع تختلف.
وأما مسألة تعدد الزوجات فكانت موجودة حتى في الشرائع السابقة، فهي موجودة في التوراة، فقد ذكر في التوراة أنه كان لدى سليمان -عليه السلام- سبعمائة امرأة، والمسيح عليه السلام لم يتزوج، ولكن لأنه كثيراً من الأنبياء جمعوا بين زوجتين فأكثر فإن ذلك يدل على وجود التعدد في الشرائع كلها، بل إن مما يتعجب له، أن الكنيسة الباباوية -الكاثوليكية- قالت: لم لا نتراجع عن النظر إلى الزواج في إفريقيا بالذات؟
لأن الأفارقة -بطبيعتهم- يحبون التعدد؛ فإذا علموا أننا نحرم التعدد، لم يدخلوا في النصرانية!!!
فنقول: إن كان هذا من دين الله الذي أنزل، فلماذا تجانبون شرع الله؟
وإن كان هذا مما لم يشرعه الله، فيجب عليكم ألا تفعلوا؛ وذلك لأنهم ليس لديهم قاعدة مطردة في هذا، إنما يشرعون من عند أنفسهم لمصلحة الشهوة والهوى.
فأتوا إلى المجتمعات الإسلامية -كما قلت- وأفسدوها بالمجلات النسائية التي لا تتحدث إلا عن هذه القضية، وأفسدوها بالأفلام، وتجد أن المرأة لها دور أساسي من أول المسلسل إلى آخره، والغالب -كما يلاحظ- في المسلسلات أن موضوعها واحد ومكرر، فيجعلون لكل رجل امرأتين : إحداهما زوجة، والأخرى عشيقة، وفي الأخير تنتصر العشيقة دائمة، ويقولون: لو وضعوها زوجتين لما نجح الفيلم، ولا المسلسل، ولم يستقم الموضوع، فلا بد أن يوضعوا حلال وحرام، وفي النهاية ينتصر الحرام.
فهناك تخطيط، وإفساد متعمد، منذ أن جاءت حملة نابليون إلى العالم الإسلامي، وجاءت ببغاياها ورفعت شأن البغايا اللاتي كن موجودات ومروراً بالنوادي والصالونات إلى ثورة سعد زغلول عام (1919م)، وخروج المرأة وقولهم: إنها تحررت، إلى الجمعيات التي أنشئت، والأحزاب النسائية التي أسست.
وقد نشر هذا مؤخراً مع كثير من الوثائق، بأن حزب فتاة النيل، وحزب آخر من الأحزاب النسائية في مصر، كانت تشرف عليها وتمولها زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت، وأما هدى شعراوي، وسيزا نبراوي ونظيراتهن، فهن من أعضاء الاتحاد العالمي النسائي، الذي كان يخطط لإفساد المرأة المسلمة -ولا يزال إلى الآن- ولن نتكلم أكثر من هذا، لأنها بمثابة كلمة للمداولة والمناقشة في كيفية مواجهة هذا الغزو وهذه الهجمات الخبيثة التي اقتحمت علينا بيوتنا، والتي لا يصح بأي حال من الأحوال أن نَغَضَّ الطرفَ عنها، وندفن رءوسنا في الرمال؛ ولأنها قضية يجب أن يكون لكل أب وأخ، ولكل مسلم ومسلمة موقِفُهُ، منها الذي يَصدق فيه مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي يعمَل فيه جاهداً من أجل أن يحق الحق الذي أنزله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويبطل الباطل الذي يريد أولئك أن يروجوه.
الجواب: دور الشباب أن يتزوجوا الفتاة الصالحة، ويكوِّنوا الأسرة الصالحة، وأن يقوموا بالدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في بيوتهم، وفي حدود ما يستطيعون من إيصال الحق إلى المرأة.
وقد هيأ الله لنا من وسائل إيصال الحق إلى كل بيت ما لم يكن فيما مضى، فلنجعل للمرأة جزءاً من اهتماماتنا وندعوهن إلى الله، وكما قلت وأكرر: لا انفصام -أصلاً- بين المرأة والرجل، ولا بين الذكر والأنثى، وإنما ندعوهن إلى الله بالوسائل الشرعية المعروفة، وفي حدود ما نستطيع من هذه الوسائل.
ويجب علينا أن ننشر الوعي في مدارسهن وأقسامهن في الجامعات، عن طريق الكتاب أو الأشرطة أو المحاضرات، حتى يعرفن أن لهن دوراً عظيماً يجب عليهنَّ أن يحققنه.
الجواب: إنني لن أحدثكم عن كشف الوجه واليدين بسرد الأدلة من الكتاب والسنة، وإنما سوف أناقشكم أو أسألكم بأمر، تعرفون من خلاله الحكم في ذلك، ولا سيما وأنتم تعرفون أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنما شرع هذا الدين -وبالذات الأحكام والآداب- من أجل الطهارة، والتزكية للنفوس والقلوب.
فنسأل ونقول: ما هو الشيء الذي يتغزل فيه الشعراء ويتغنى به المجَّان من المرأة؟
أهو وجهها أم أقدامها؟!
ومن نظر إلى دواوين الشعر من الجاهلية إلى الإسلام -وحتى هذا العصر- فسيجد القصائد الغزلية -كما تسمى- وأحياناً كل قصيدة، كما قال المتنبي :
فهل كل من قال المديح متيم ........................... |
ومن أي قصيدة حتى في المديح فسيجد فيها عشرة أبيات -على الأقل- في المرأة، وفي وصف العينين والخد، وأحياناً في وصف الخصر والرجلين، لكن الأصل في القصيدة هو وصف الوجه؛ لأنه محط النظر، ولذلك تجد اللقطات الخبيثة الفاجرة، التي يأتي بها هؤلاء الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فيعرضونها في الأفلام وفي المجلات، ولكن الذي يهمهم أن يبرزوه وأن يفتنوا به الناس هو الوجه، ولا نقصد -بطبيعة الحال- العورة، لكن نقصد الشعر والعيون والشفتين والأنف وما أشبه ذلك وكلها في الوجه.
فهذا هو موضع الفتنة، فهل يظن أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما شرع الطهارة والعفة والحجاب للمسلمات، لتستر المرأة شعرها ونحرها ورجليها، ويبقى موضع الفتنة؟!
وأنا قلت لكم: إنني لن أذكر الأحاديث الصحيحة لأنكم تعلمونها، لكن أعرج على حديث واحد -فقط- لتعرفوا هذا الحكم، وهذا الحديث في صحيح البخاري في أكثر من موضع، وكذلك في غيره: (خرجت أم المؤمنين
ومن تأمل كيفية فهم الصحابة للحجاب، يجد أن الصحابة كانوا يظنون أن الحجاب معناه ألا تُعرف المرأة أبداً ولو من بعيد، فأذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تخرج المرأة لحاجتها وإن عرفت، فليس الغرض أن تعرف أو لا تعرف، والتفسير الصحيح لقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] هو أن المرأة إذا كانت نحيفة، فقد تكون جميلة في عيون بعض الناس، لكنها لا تستطيع أن تخفي ضعفها إذا خرجت لضرورة، وأما إذا كانت سمينة -وبعض الناس والعرب عموماً يعجبهم أن تكون المرأة سمينة- فإنه مهما تحجبت يظهر أنها سمينة فتفتن، فهذا مما ظهر منها، ولا تملك أن تخفي سمنها، فهذا الذي عفي عنه للمرأة.
والمقصود: أن الصحابة فهموا من الحجاب ألا تُعرف المرأة، فلو أن المرأة لا تغطي وجهها، هل يحتاج أن يقال عرفناك؟!
لو قيل ذلك لاعتبر من العبث في القول، لأن الإنسان إنما يعرف بوجهه، وهذا أحد الأدلة، بالإضافة إلى أن معنى الخمار نفسه في لغة العرب: هو ما كان مرادفاً للنصيف وهو ما خمر وستر وغطى، والنصيف في لغة العرب، ما يغطي النصف الأعلى من الجسم، كما جاء في الحديث الصحيح من قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصف الحور العين: (نصيفها على رأسها خير من الدنيا وما عليها).
فمن ناحية الأدلة الشرعية، ومن حيث الوضع والعرف المشاهد والحس، ومن حيث اللغة نجد أنه لا بد أن تغطي المرأة وجهها وكفيها.
الجواب: المشكلة ليست أن المرأة تضطر فتذهب إلى الطبيب، ولكن المشكلة أننا أمة مسلمة تعرف أحكام الحجاب، وتعرف قيمة المرأة، وتعرف ما يجب عليها من هذه الأحكام، ومع ذلك لا يوجد في البلاد الإسلامية مستشفيات عامة كبرى مخصصة للنساء.
فإذا وجد هذا الاختلاط في الغرب، فذلك دينهم وحياتهم؛ أما في أمة الإسلام فالمستشفيات موجودة ويعمل فيها الجنسان من الرجال والنساء فلم لا يكون لدينا مستشفيات كبرى خاصة بالمرأة، كما أن لدينا جامعات خاصة بهن؟!
ولخطورة هذا الجانب تجد أن بعض الناس يضطر إلى أن يذهب بأهله إلى طبيبة، وإن كانت عامة غير متخصصة، لكيلا يذهب إلى طبيب، وقد يضطر للذهاب إلى الطبيب، وعليه فإنه يجوز أن تكشف المرأة للطبيب عند الضرورة.
ولكن لماذا نلجئ أنفسنا إلى ضرورة نحن افتعلناها، وصنعناها، ولماذا لا توجد مستشفيات مستقلة ومتخصصة؟
هذا الذي يجب أن نسعى إلى إيجاده.
أين أغنياؤنا وأثرياؤنا وأموالنا التي تهدر في شراء المنتزهات في أوروبا وأمريكا؟!
لماذا لا تستغل في هذا الشيء؟
والذي أتوقع وأجزم أنه سيحقق ربحاً كبيراً جداً؛ لأن مجتمعاتنا في جميع البلاد الإسلامية، رغم ما فيها من انحراف، فإن الرجل لا يريد أن يكشف على زوجته -وبالذات على عورتها- إلا امرأة.
ولكن هذا من جوانب التقصير، وما أكثر جوانب التقصير في حياة الأمة الإسلامية!
الجواب: أنا قرأت في إحدى الجرائد خبراً غريباً أنه يوجد عندنا مصانع تملكها نساء، ولماذا لا تكون العاملات فيها من النساء؟
فتعجبت وضحكت وقلت: سبحان الله! غريب أن يوجد عندنا مصانع تملكها نساء، وغريب أن المرأة تملك مصانع حتى ولو كانت في أوروبا؛ لأن القوانين -كما أشرت- تمنع ذلك، ولكن نحن لو مات عندنا رجل من كبار الأثرياء وترك بنتاً وابناً، فنصيب البنت الثلث من التركة، ولو كان نصيب البنت الثلث مصنعاً، فليس هذا غريباً أن ترث البنت مصنعاً، أو أن تملك مصنعاً، أو أن تملك أراضي، أو تملك عقاراً، فهذا لا إشكال فيه بالنسبة للملكية في الإسلام.
لكن قالوا: ما دامت بعض النساء تملك مصانع، فلتكن نسائية جميعاً، فالقضية ليست قضية أن المرأة تعمل في مصنع أو لا تعمل، إنما القضية أن نعلم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق المرأة لتكون مربية للأجيال، تنتج أعظم إنتاج وهو الرجال، ولعلي أستعرض لكم بعض الأمور -بإيجاز- وبالذات فيما يتعلق بالسكان:
في جميع الدول الأوروبية تأخذ الأسرة إعانة من الحكومة مقابل كل وليد؛ فيأخذ الطفل الأول خمسين، والثاني سبعين، وإذا جاء الثالث تأخذ الأسرة مائة وعشرين، وفي إيطاليا التي تعتبر من الدول الفقيرة نسبياً في أوروبا تعطي إعانات مماثلة وأكثر، وأما فرنسا فإنها تدرس الموضوع على مستويات عظيمة لأن الأمة التي لا تنتج رجالاً فهي أمة عقيمة؛ لأن الشباب -الذي تراه اليوم- وإن كان عدده كما في أمريكا ثمانين مليوناً -فرضاً- فبعد عشرين أو ثلاثين سنة سيصبح الثمانين مليوناً هرمين لا شباباً.
ولذلك ففي أمريكا رفعوا سن التقاعد -لأنهم نظروا إلى أن الشباب قد تناقصوا- ليعمل الكبار أكثر و-أيضاً- لأن خبرتهم أكثر، سبحان الله هذا في الغرب! ونحن -هنا- نقول: لماذا لا تتوظف المرأة؟!
وتتخرج الفتيات، فيكتبن في الصحف: لماذا لا تتوظف الفتيات ولا تجد من يكتب: لماذا لا يتزوجن؟
فمثلاً: إذا تخرج خمسون ألفاً -كما يقال- أو أربعون ألفاً، فإن عشرين ألفاً هم الخريجون من الذكور وعشرين ألفاً هن الخريجات من الإناث، ولا يوجد إلا عشرين ألف وظيفة، فما هو الحل؟
الحل أن نزوج العشرين الألف من الذكور بالعشرين الألف من الإناث، ونوظف الرجال، وانتهت المشكلة.
أما أن نوظف خمسة عشر ألف بنت وخمسة عشر ألف شاب، ويبقى عندنا خمسة آلاف امرأة قاعدات يأتين بالمصائب في البلد، وخمسة آلاف رجل عاطل يأتون لنا بالمصائب.
فكل مخالفة لأمر الله، لا بد أن ندفع ثمنها من أمننا ومن راحتنا، ومن استقرارنا ومن كل شيء، وكل طاعة لله تحقق لنا -بإذن الله- الخير والسعادة والرفاهية في الدنيا والآخرة.
فالمرأة إذا تخرجت من الجامعة وعمرها عشرون سنة فعملت؛ فإنها بعد عشرين سنة تصبح هرمة، وعطاؤها في العشرين سنة لا يعادل عطاء رجل مهما كان؛ لأن عندها آلام الدورة الشهرية، وعندها من الكبت والمشاكل الكثير، لكن لو أنها تزوجت لأصبح عندنا بعد عشرين سنة، شاب منها عمره ثمانية عشر سنة، والآخر بعده عمره خمسة عشر، وبعده ثلاثة عشر، وبعده عشر، وبعده ثمان....إلخ، ولأصبح عندنا جيش من العاملين، ثم إن أولئك يتزوجون فينتجون -أيضاً- وهؤلاء يعملون وفي الجانب الآخر ينتجون رجالاً، فتستمر الأمة شابة فتية.
لكن الغرب هذا حاله، ولو فعلنا مثلما فعل، لأصبح حالنا كذلك، فسوف نستورد الأيدي العاملة من الرجال من أجل أن نخرج النساء.
وأما استيراد النساء، فالأدهى أن تُستورد المربية والخادمة من أجل أن تعمل وتتوظف المرأة، ثم تتقطع العلاقات بين الرجل والمرأة؛ لأن المرأة تعاني من حالات نفسية في العمل، و-أيضاً- تنقطع العلاقات بين المرأة والأبناء؛ لأن الأبناء ربتهم الخادمات، فلم يعرفوا هذه الأم، فتكون التربية مختلة وفاسدة ومنحطة -غالباً- وذلك من أجل دريهمات معدودة أو من أجل الاستجابة لدعاة الشر، فمن أجل عمل المرأة، خسرنا المجتمع كله.
الجواب: قد وضحها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه من الحديث {ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم منكن} ثم وضحه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {أما نقصان عقلها فلأن شهادة المرأتين كشهادة الرجل} كما قال تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة:282] فهذه هو نقصان عقلها، أي: إذا أدت شهادة، وأما نقصان دينها فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن الدين قول وعمل، فأعمال الجوارح من الدين كما قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم [البقرة:143] أي: ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس، فإيمانها ناقص؛ لأنه قد يمضي عليها عشرة أيام أو سبعة أيام من الشهر ولا تصلي؛ وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بقوله: {فإنها إذا حاضت لم تصم ولم تصل} فهذا نقصان دينها وذاك نقصان عقلها، ولا حاجة لتفسير أحد من الناس بعد تفسيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الجواب: ننصحهم كما ننصح غيرهم، كما أمر الله تعالى بقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] هذا من أعظم المنكر؛ لأنه منكر ظاهر، والحمد لله فإنه قد منع ثلاث وعشرون مجلة من هذه المجلات الخبيثة، وبقي الكثير فنرجو من الله تعالى أن يوفق المسئولين للتنبه إلى ذلك.
لكن واجبنا -نحن- أن نبين لصاحب البقالة أو المكتبة أو المحل الذي يبيع هذه المجلات فنبين لهم أخطارها وأضرارها وأن بيعها حرام، ولا سيما المجلات المتخصصة في هذا الشأن، فلا شك في حرمتها لأن غرضها المتاجرة بالشهوات -فقط- وأن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، والحمد لله أن ربحها محدود، ولو سألت أي صاحب محل، فسيقول لك: الربح في هذه المجلة قرشين، وفي الآخرى نصف ريال، سبحان الله! فلماذا تحرصون عليها وربحها محدود؟!
فنأخذهم بالحكمة وباللين، ونبين لهم خطرها وضررها، ونرجو أن الذي منع تلك أن يمنع الباقي، فلعلهم يهتدون ولعلهم يرجعون.
وكذلك نبين للمشتري إذا رأيناه يشتري أو من رأيناه قد اشترى، أو من نتوقع أن يشتريها، نبين له خطرها وضررها، وكذلك الأفلام وكل ما أشبهها من وسائل الفساد.
الجواب: إن كان يراد من جهة السؤال سؤال الله عز وجل عن ذلك، فإن هذا حكم أنزله الله، والله تعالى لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] ولا أظن أحداً منكم يقصد ذلك، لكن لا بد أن نوضح ونعلم أن الله لا يسأل لماذا على سبيل معرفة السبب أو المحاجة أو المعاندة لله عز وجل، فلا اعتراض على أمر الله، ولكن هل في ذلك حكمة نتلمسها، نقول: نعم، الحكمة ظاهرة وجلية.
فالرجل يجب عليه أن ينفق على المرأة لأن الرجل قوَّام، كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] فهو القوَّام وهو المنفق، وإن لم ينفق على أخته، أخذ الثلثين وأخذت الثلث، لأنه سيتزوج وينفق على أسرته من الثلثين، وهي إن تزوجت فسيأتي من ينفق عليها وعندها الثلث، فهذا هذا هو غاية العدل.
لكن كيف لو كان الميراث سواء -كما في غير دين الإسلام- ثم تزوج الرجل -الأخ- لأصبح ينفق على عشرة أطفال وأمهم أو ثمانية أو خمسة، وهي تزوجت وينفق عليها زوجها وفي نفس الوقت لديها هذا الرصيد الكبير، فنقول: هذا ليس من العدل.
فتقسيم الميراث شرع أحكم الحاكمين، وليس شريعة نابليون ولا شرائع المجرمين المضلين من الطواغيت الذين اتخذهم الناس أرباباً من دون الله، لما شرعوا لهم هذه القوانين الوضعية.
الجواب: المتبرجات، هن أخوات أو بنات أو أمهات أو جارات أو قريبات للرجال، والواجب هو علينا جميعاً بأن نتعاون على البر والتقوى، فنحن كمجتمع وكأفراد، يجب علينا أن نقوم بواجبنا، وكذلك على ولي الأمر -المسئول من الهيئة أو غيرها- أن يقوم بواجبه وهو الردع، وكذلك على أصحاب المحلات أن يقوموا بواجبهم، وأن يتقوا الله عز وجل فلا يفتحوا المجال لهؤلاء النساء، فلا بد أن يحاصر كل منكر ينتشر في المجتمع من جميع الجهات، فلا تكفي جهة واحدة، ولا يكفي أن تقف الهيئة في السوق فتمنع المتبرجات، والبيوت تقذف بهن إلى الخارج، بل يجب أن يمنعن من البيوت ويمنعن في الأسواق، ويجب أن تمنع البضائع التي يتهافتن عليها كما يتهافت الذباب، وذلك لأن المرأة بطبيعتها تحب الحلية كما قال تعال: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18].
فلماذا نفتح المجال لأن تصبح أكثر الدكاكين والمحلات في بلادنا محلات للأزياء كأزياء باريس، أو أزياء بانكوك، أو إيطاليا، وألمانيا وفرنسا؟
مع أن أكثرها لا يليق بنا.
وأنا أتعجب حتى عندما أرى الصغار -ولا تنظروا إلى الكبار- كيف يُنَشَّأْنَ على ذلك، فترى في المسجد الحرام فتيات صغيرات بتقبيعات أمريكية وفرنسية كما نرى في الشارع الأوروبي وهُنَّ في الحرم!! والأم متحجبة لكن البنت تنشَّأ على هذا، فمن أين جاءتنا هذه التقبيعات وهذه الصرعات؟!
إنما جاءتنا من جهلنا بديننا؛ ولأننا فتحنا قلوبنا ومجتمعنا للغزو، فغزونا هم، وأتوا إلينا، فيجب أن نحصن أنفسنا ومجتمعنا.
الجواب: إن التربية الإسلامية لا تقوم في الأصل على المنع، وإنما تكون التربية على الإيمان، وتزكية النفس بالإيمان، فالرجل إذا زكى أسرته بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورغبهم في الآخرة، وبين لهم حكم من يعصي الله؛ وكيف يكون شقاؤه في الدنيا وعذابه في الآخرة، وجَعلَهم دعاةً وهداةً، يعلمون قيمة الطاعة وثمرتها وفضلها، وشر وسوء عاقبة المعصية، فحينئذ لا نحتاج إلى المنع إلا في حالات معينة. فأول أساس نبدأ به هو التزكية والإصلاح.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر