إسلام ويب

حق الموالاة والمعاداةللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وأفعال سلف الأمة النيرة المشرقة على وجوب تحقيق مبدأ الولاء والبراء كما أمر الله تعالى، ولن يتحقق الولاء والبراء إلا إذا تحقق الإيمان في قلوب الناس، وتحققت الأخوة الإيمانية بين المسلمين، ونُبِذَ الخلاف، واستقام الناس على الحق. وها هي تباشير الفجر قد لاحت في الأفق، مبشرة بنور العز والتمكين لهذه الأمة، المترتب على صدق الأخوة، ووحدة الصفوف.

    1.   

    الموالاة والمعاداة لغة وشرعاً

    بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] . أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الأخيار! وأيتها الأخوات الفاضلات! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم -جميعاً- من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه. أحبتي في الله! حقوق يجب أن تعرف: سلسلة منهجية كريمة، تحدد الدواء من القرآن والسنة، لهذا الداء العضال الذي استشرى في جسد الأمة، ألا وهو داء الانفصام النكد بين المنهج المنير والواقع المرير، فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها ونبيها صلى الله عليه وسلم في حقوق الدين كهذا الزمن! فأردت أن أذكر نفسي وأمتي بهذه الحقوق الكبيرة التي ضاعت، عسى أن تسمع الأمة مرة أخرى عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تردد مع السابقين الصادقين الأولين قولتهم الخالدة، سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير [البقرة:285] ، ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء الثامن والعشرين من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، مع حق جليل عظيم كبير، ألا وهو حق الموالاة والمعاداة، فأعيروني القلوب والأسماع، وسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الكبير الجليل في العناصر التالية: أولاً: تفصيل لغوي وشرعي مهم. ثانياً: أدلة القرآن والسنة. ثالثاً: صور مشرقة في دنيا الواقع. رابعاً: لا تيأسوا، فمن سواد الليل ينبثق نور الفجر. أيها الأفاضل! أكرر القول بأن الداعية الأمين -أسأل الله أن نكون أهلاً لهذه الأمانة - هو الذي لا يكون بأطروحاته في جانب، في الوقت الذي يترك فيه أمته بجراحاتها وأزماتها ومشكلاتها في جانب آخر، ولكنه يشخص الداء؛ ليستل جرثومته بيد بيضاء نقية، ليحدد لهذا الداء الدواء من كتاب رب البرية، وكلام سيد البشرية صلى الله عليه وسلم، ولا يغيب على أحد أن الأمة الآن تعيش واقعاً مريراً، وتزداد المأساة حينما ترى كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام لا يعرفون شيئاً ألبتة عن هذا الأصل العقدي الكبير، عن الموالاة لله ولرسوله وللمؤمنين، والمعاداة والبغض للشرك والمشركين والكفر والكافرين، مع أن هذا الأصل لا يصح لمسلم على وجه الأرض دين إلا به، وذلك يوقفك على حجم المؤامرة الخطيرة التي أعلنت على عقيدة التوحيد! فلقد حاول أعداؤنا بكل سبيل أن يفرغوا العقيدة من مضمونها الحي، ومحتواها الحقيقي؛ لتصير العقيدة مجرد قشرة هشة خاوية، لا تستطيع الثبوت أمام هذه الفتن الهوجاء والأعاصير المدمرة، فصار المسلم -إلا من رحم ربك- يردد بلسانه كلمة التوحيد، وهو لا يعرف لها معنى، ولا يقف لها على مقتضٍ، ولا يحقق لها في دنيا الواقع مضموناً بين الناس. كانت العقيدة بالأمس القريب إذا مس جنابها سمعت الصديق يتوعد، والفاروق عمر يزمجر ، وخالد بن الوليد يهدد، ورأيت الصحابة الصادقين يبذلون من أجل حمايتها الغالي والنفيس، أما اليوم فإن العقيدة في الأمة تذبح شر ذبحة. وأنا أدين لربي جل وعلا بأن الخطوة العملية الأولى على طريق النصر والعزة والكرامة، هي: أن تصحح الأمة عقيدتها، وأن تجدد الأمة إيمانها وتوحيدها لربها جل جلاله، فإن الإسلام عقيدة وينبثق من هذه العقيدة شريعة، وتنظم هذه الشريعة كل شئون الحياة، ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلا إذا صحت عقيدتهم، ويؤلمني أن أذكركم بما قاله قديماً اللورد كرومر في مصر أثناء الاحتلال الإنجليزي لهذه الديار المباركة، يقول في كلمات صريحة: لابد من المحافظة على المظاهر الزائفة للإسلام، حتى يظل المسلمون في اطمئناً خادع إلى أن إسلامهم ما زال بخير، فلا يهبون لنجدة عقيدتهم التي نقتلعها من جذورها. وهذا كلام واضح، فالعقيدة هي الأصل، فإذا غيب هذا الأصل العقدي الكبير ضاعت الموالاة لله ولرسوله وللمؤمنين، وضاعت المعاداة للشرك والمشركين. فما هي الموالاة؟ وما هي المعاداة؟ وهذا هو العنصر الأول: تأصيل لغوي وشرعي مهم. الموالاة: لغة: كلمة مشتقة من الولاء، والولاء هو: الدنو والقرب والنصرة والمودة والمحبة، فالموالاة ضد المعاداة، فالولي ضد العدو، والعدو ضد الولي، فإذا كان النصر والود والقرب والحب لله ولرسوله وللمؤمنين، فهذه هي الموالاة الواجبة شرعاًً على كل مسلم ومسلمة، أما إن كان الود، والنصر، والقرب، والمحبة، للشرك والمشركين، والكفر والكافرين، والغرب والغربيين، فهذه هي الموالاة المحرمة شرعاً بإجماع الأمة.. بتضافر الأدلة من القرآن والسنة، وإجماع علماء الأمة، وهذه موالاة ردة وكفر بالله ورسوله.

    أقسام الناس بالنسبة للدين

    الناس ينقسمون الآن إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم ناصر لله ولرسوله ولدينه -اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك- قسم يعيش لربه، هو يأكل ويشرب ويستمتع بالحلال، لكنه يحمل هم الآخرة، يعيش من أجل الدين، الدعوة إلى الله هي همه في الليل والنهار، هي شغله في النوم واليقظة، هي فكره في السر والعلن .. يخطط لها ويفكر .. يحمل هم دينه ودعوته .. ينصر دين الله بكل ما يسره الله له من سبيل، فهو في وظيفته يدعو لدين الله، وهو في الشارع يدعو لدين الله، وهو في مصنعه وعيادته ومدرسته يجدد في الأرض بين الناس دين الله، وهو في بيته يذكر أسرته وأولاده ونساءه وبناته بدين الله، رجل ينصر دين الله ويعيش لله، ومن أجل الله تبارك وتعالى، هؤلاء هم القلة المباركة عند الله قال تعالى: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] ، وقال تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] ، وقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص:24] ، هؤلاء هم أولياء الله، هم أهل الجنة، وهم أهل الغربة الذين زكاهم نبيهم صلى الله عليه وسلم بقوله كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء). القسم الثاني: القسم المقابل، هو القسم الذي كفر بالله، وجحد ربه تبارك وتعالى، لا يعرف ربه، ولا يعرف نبيه، بل يعيش كالأنعام -معذرة!- بل إن الأنعام عند الله أفضل من هؤلاء بنص القرآن، قال الله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد:12]، هؤلاء بتقدير الحكيم العليم الخبير: هم الكثرة، وهذا أمر ثابت قدراً، ودل على وقوعه الشرع أيضاً، قال تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وقال تعالى: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الإسراء:89]. القسم الثالث: صنف بين هذين الصنفين، صنف يعيش من أجل شهواته الرخيصة، ونزواته الحقيرة، فهو منتسب إلى الإسلام ببطاقة شخصية رسمية: أحمد .. محمد .. عبد الله .. عبد الرحمن... إلخ، لكنه لم يحقق انتماءه لهذا الدين، يعيش من أجل شهواته الرخيصة، ونزواته الحقيرة، لا ينصر ديناً، وهو في الوقت ذاته لا ينصر شركاً ولا كفراً، لكنه سلبي، يقول: وما دوري أنا؟! وماذا أصنع أنا؟! دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله! بل ومن هذا الصنف المريض من يقول: دع ما لله لـبوش. لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادِ عش عصرك، انشغل بأولادك ووظيفتك، ودعك من الدين وانفض يديك من نصرة الإسلام! صنف خاذل لدين الله، وإن كان في ذات الوقت لا ينصر كفراً ولا أعداء الله، لكنه سلبي، وهذا الصنف على خطر عظيم، ويخشى على أفراده أن يختم لهم بسوء الخاتمة، فمن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، قال الحافظ ابن كثير : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه: أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فمن عاش لشهواته ونزواته الحقيرة الرخيصة، عاش ليأكل ملء بطنه، عاش ليضحك ملء فمه، عاش لينام ملء عينيه، لا يحمل هم دين، ولا يحمل هم دعوة، عاش من أجل أسرته، عاش من أجل أولاده، عاش من أجل شهواته، سيموت فقيراً ورب الكعبة! وسيحشر حقيراً صغيرا،ً قال صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث أنس : (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) . فكن رجلاً، وكن صاحب همة عالية، وسلم الراية لولدك وأنت رجل، وسلم العقيدة الصحيحة لولدك وأنت قائم بين يدي الله جل جلاله، قال الله لحبيبه: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:21] ، فقام الحبيب ولم يذق طعم الراحة حتى لقي الله، يا من خذلت دين الله! أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك بالإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطانِ شرط المحبة أن توافق من تحـ ـب على محبته بلا نقصانِ فإن أدعيت له المحبة مع خلافك ما يحب فأنت ذو بطلانِ وقال آخر: نعم لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله وحيك يكفر وواليت أهل الحق سراً وجهرة ولما تعاديهم وللكفر تنصر فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشراط هناك تذكر مباينة الكفار في كل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذاك وتجهر هذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر

    1.   

    أدلة القرآن والسنة في مسألة الموالاة

    ولخطر هذه القضية، تضافرت أدلة القرآن والسنة النبوية على بيانها، وهذا هو عنصرنا الثاني: أدلة القرآن والسنة. تدبروا معي قول رب الأرض والسماوات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:51] ، نداء لمن آمن بالله ووحده: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] ، هذا كلام ربك! قال حذيفة بن اليمان أمين السر النبوي: فليحذر أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يدري! لقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] قال شيخ المفسرين الطبري في قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] قال: أي: من تولى الكافرين، من اليهود والنصارى، ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، وقال الإمام القرطبي في كتابه (الجامع لأحكام القرآن الكريم) في قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] أي: من تولاهم ونصرهم على المسلمين فحكمه حكمهم في الكفر والجزاء. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] ، وها أنتم قد رأيتم بأم أعينكم الولاية بين الكفر تتجدد الآن على أرض فلسطين، فالكفر ملة واحدة، ولقد بح الصوت في تفصيل هذه الحقائق، ضحكوا علينا في أول إعلان الحرب على الإسلام في أفغانستان، بأنه ستقام دولة فلسطينية في أرض فلسطين! وهذه خدعة، وهذا ضحك على أصحاب اللحى، لكنهم إن حققوا ما أرادوا، سيقلبون علينا ظهر المجن، إنهم يستخفون بالأمة، ويتلاعبون بزعمائها وأفرادها بلا استثناء، وها نحن نرى أن المسلمين في فلسطين هم الإرهابيون! فمنظمة حماس منظمة إرهابية! ومنظمة الجهاد الإسلامي منظمة إرهابية! أما شارون فهو حمامة من حمائم السلام!! أما اليهود فهم حمائم السلام! أما بوش فهو الذي يحمل السلام لكل من في الأرض!! وهو منبع الشر في الأرض، وهؤلاء هم أصل الشر في الأرض، فالكفر ملة واحدة، متى ستعي الأمة هذه الحقيقة؟! متى ستصدق الأمة ربها؟ متى ستصدق الأمة نبيها؟! والله إن القلب ليتفطر، والله إن الكلمات لتتوارى خجلاً وحياءً، وقد قلنا هذا ألف مرة! لكن نصرخ في صحراء مقفرة، من يسمع هذه الأمة عن الله؟! وعن الصادق محمد صلى الله عليه وسلم؟! متى ستصدق الأمة أن الكفر ملة واحدة؟! وأن الكفر لا يمكن أن ينصر توحيداً، وأن الشرك محال أن ينصر إيماناً، اللهم إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط! اللهم إلا إذا استخرجنا من النار المشتعلة المتأججة، الماء العذب الزلال! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] . وقال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى [البقرة:120] ، إذاً: فلا تنتظروا هذه اللحظة، ولو جلسوا على مائدة المفاوضات كل يوم، فـاليهود لا يعرفون وفاء لعهد، ولا وفاء لوعد، إن قلوبهم تغلي على الإسلام وأهله، وأنا لا أنطلق لتأصيل هذا الكلام من مؤامرة عدائية على حسب تعبير العلمانيين، وإنما هذه حقائق قرآنية ونبوية، فلا يحدثك عن القوم مثل خبير: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] ، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى [البقرة:120] إلا بشرط واحد لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118] ، يريدون لكم العنت، يريدون لكم المشقة، وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [آل عمران:118] ، فالآن تهديد صريح للعراق بأنها دولة تأوي الإرهاب، والصومال -الذي لا يجد أهله لقمة الخبز- دولة تأوي الإرهاب! وصارت كلمة الإرهاب كلمة ممزوجة، يعلن الحرب بسببها على الإسلام في كل بقاع الأرض حتى في الفلبين، وهم أصل الإرهاب في الأرض: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، هل ضاعت عقولنا إلى هذا الحد؟! هل غيبت عقول الأمة إلى هذا الحد؟! الله سبحانه يظهر لنا ما في صدور القوم، ماذا نريد بعد ذلك؟! يقول تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ [النساء:138] بشارة للمنافقين، إنه التوبيخ والتبكيت، كما في قوله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] ، فالله سبحانه يقول: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:138] من المنافقون؟ بنص القرآن: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:138-139] ، اسمع لقول ربك: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [النساء:139] ، سبحان الله! والله أشعر بأن هذه الكلمات لنا ولواقعنا وزماننا، أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [النساء:139] ، بل العزة لله جميعاً، إن العزة لله سبحانه ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين الصادقين، أتبتغي الأمة العزة عند الكفر؟! أتبتغي الأمة العزة في الغرب؟! هاهي شربت كئوس الذل أشكالاً وألواناً! هاهي صفعت بل ضربت بالنعال! فمتى سترجع الأمة إلى الكبير المتعال، وإلى دين سيد الرجال صلى الله عليه وسلم؛ لتذوق من جديد طعم العزة وحلاوة الكرامة؟!! قالها عمر : (لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله). لقد ابتغت الأمة العزة في الشرق الملحد تارة فأذلها الله، وابتغت العزة في الغرب الكافر تارة فأذلها الله، وابتغت العزة في الوسط الأوربي تارة فأذلها وأخزاها الله، ولن تذوق معنى العز وحلاوة الكرامة إلا إذا عادت إلى دين الله لتنصره بكل غال ونفيس. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1]، أمر عجب!! تعلمون عداوتهم لله، وتعلمون عداوتهم لرسول الله، وتعلمون عداوتهم للدين والمسلمين، ومع ذلك تسرون إليهم بالمودة.. بالمحبة! تنصرون مناهجهم، وتنصرون أفكارهم، وتنصرونهم بالقول وباللسان وبالجرائد والمجلات والفضائيات والإعلام!! عزف على وتر التقديس والتمجيد لمناهج هؤلاء المجرمين! وإن انبرأ رجل ليتحدث: تراه -ورب الكعبة- يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، يا أخي! أنا أشعر وأنا أتحرك للدعوة في ظل هذه الظروف بضغط شديد على كل من يريد أن يجسد الحقيقة حتى ولو بصورة مهذبة! والله سبحانه وتعالى يبين لنا صدور القوم ونفسياتهم في آيات كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها، فهذا فيه الكفاية. ويقول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الطبراني والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بسند حسنه الألباني رحمه الله، قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله) ، فأصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله) ، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) ، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره: (أن جريراً رضي الله عنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابسط يدك يا رسول الله! لأبايعك، واشترط علي فأنت أعلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبايعك على أن تعبد الله سبحانه وتعالى لا شريك له، وتقيم الصلاة، وتوتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين) انظروا إلى الولاء والبراء: (وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين).

    1.   

    صور مشرقة في دنيا الواقع

    ولو نظرت إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت تطبيقاً عملياً رائعاً لهذا الأصل العقدي الكبير، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء: صور مشرقة في دنيا الواقع. أيها الأفاضل! إن من أعظم صور الموالاة والمعاداة، ومن أنصع صور الحب في الله والبغض في الله، ما سطره الأنصار الأبرار الأطهار الأخيار، الذين فتحوا القلوب والأعين للمهاجرين، قبل أن يفتحوا البيوت والدور، وزكاهم الله تبارك وتعالى بقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]. أيها الأفاضل! لقد فتح الأنصار القلوب فحل فيها المهاجرون، بل لقد قاسم الأنصاري المهاجر كل شيء، أو شاركه في كل شيء، وتنازل له عن أي شيء، ومن أجمل ما ثبت في هذا ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع الأنصاري ، فقال سعد الأنصاري : لـعبد الرحمن المهاجري يا عبد الرحمن ! أنا أكثر الأنصار مالاً، فسأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي أمرأتان (زوجتان) فانظر أعجبهما إليك لأطلقها، حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها! فقال عبد الرحمن بن عوف العفيف: بارك الله في أهلك وأموالك، ولكن دلني على السوق) . والسؤال المرير: أين من يعطي الآن عطاء سعد ؟! والجواب: وأين من يتعفف عفة عبد الرحمن بن عوف ؟! فلقد مضى سعد مع عبد الرحمن ، ووجد سعد يوم كان هنالك عبد الرحمن ، فهذه صورة من أنصع صور الولاء، ومن أحلى صور الحب في الله، والبغض في الله. وها هو المغيرة بن شعبة، يأتي عروة بن مسعود وهو عم المغيرة ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فوقف المغيرة بن شعبة ليظلل على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس من الحر، وهو آخذ بالسيف ينظر إلى عروة ، وعروة بن مسعود يكلم ويفاوض النبي صلى الله عليه وسلم، ويمد يده أحياناً ليداعب شعرات من لحية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا جرياً على عادة العرب في التودد والتخرص، عروة يمد يديه؛ ليأخذ شعرة من شعرات النبي برفق وود، فضربه المغيرة بنصل السيف ضربة على ظهر يده -وهو عمه- وهو يقول: أخر يدك عن لحية رسول الله قبل أن لا تصل إليك يدك، أي حب وأي ولاء هذا؟! وهذا عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول ، عبد الله إمام في التوحيد، وأبوه رأس النفاق، ولله في خلقه شئون! والحديث رواه ابن جرير بسند صحيح، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رأس النفاق عبد الله بن سلول يقول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يقصد أنه سيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذليلاً من المدينة، فقال عبد الله : صدق أبي يا رسول الله فأنت الأعز وهو الأذل، والله ما عرفت المدينة رجلاً أبر بأبيه مني، ولكنه بعد ما قال ما قال فلتسمعن ما تقر به عينك يا رسول الله! وأخذ عبد الله السيف وانطلق إلى الطريق، ووقف في طريق أبيه، فلما أقبل رأس النفاق ابن سلول ليدخل بيته اعترضه ولده عبد الله فقال له أبوه: ماذا تفعل يا بني؟! فقال له ولده: والله لا يؤويك ظلها -يعني: المدينة- ولن تبيت الليلة في دارك إلا بإذن من الله ورسوله؛ لتعلم من الأعز ومن الأذل! فصرخ رأس النفاق يا أهل الخزرج! ابني يمنعني داري! فانطلق رجل من الصحابة إلى الرحمة المهداة، والنعمة المسجاة، وصاحب الخلق الفياض بالأدب والجود والكرم، فأخبره بما كان من عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: اذهب إلى عبد الله وقل له: يقول لك رسول الله: خله ومسكنه، يعني: دعه يدخل داره، فلما جاء الرجل بالأمر من قبل الحبيب، التفت الولد إلى والده وقال: فلتدخل الآن لتعلم من الأعز ومن الأذل! لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] ، هذه هي الموالاة في أنصع صورها، وهذه هي المعاداة في أقوى وأوضح معانيها على وجه الأرض، بهذه العقيدة، وبهذه القلوب، استطاع حبيب القلوب أن يقيم للإسلام دولة أذلت الأكاسرة، وأهانت القياصرة، وغيرت مجرى التاريخ في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    كيفية تحقيق الموالاة والمعاداة

    الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! السؤال المهم: كيف نحقق الموالاة والمعاداة؟ والجواب في نقاط محدده، وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء:

    تحقيق الإيمان

    أولاً: تحقيق الإيمان، فلا يمكن أبداً أن توالي الله ورسوله والمؤمنين، وأن تعادي الشرك والمشركين، دون أن تحقق الإيمان، وهذا هو الواقع، إذ لا يجيد الموالاة والمعاداة إلا المؤمن، ولذلك فإن الله إنما نادى المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، وهذا الخطاب للمؤمنين، فلا بد أن نحقق الإيمان، والإيمان ليس كلمة تقال باللسان فحسب، ولكن الإيمان: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي والذنوب والزلات، هذا الإيمان هو الذي حول سحرة فرعون إلى أولياء، فمن لحظة أعلنوا فيها: فـبِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء:44]، فلما ذاقت قلوبهم حلاوة الإيمان، سجدوا لرب موسى وهارون، وقالوا لفرعون بعزة واستعلاء: لا ضير، كلمة واحدة تجسد حلاوة الإيمان في القلوب، (لا ضير) يعني: افعل ما شئت، ذبح .. صلب .. قتل، افعل ما شئت، فلن نفرط في هذا الإيمان الذي سكن قلوبنا.

    تحقيق الأخوة الإيمانية

    ثانياً: تحقيق الأخوة الإيمانية، إذا حولنا الأخوة بيننا إلى واقع، فإننا بذلك نجسد الموالاة والمعاداة، فبالعقيدة وبالإيمان وبالأخوة بين المسلمين، بأخوة الجسد الواحد، نحقق الموالاة والمعاداة، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فإن وجدت أخوة بغير إيمان، فاعلم بأنها إلى زوال، وبأنها التقاط مصالح، وتبادل منافع، فإن زالت المصلحة زالت الأخوة الزائفة، وإن زالت المنفعة انفصمت الأخوة المزيفة، وإن وجد إيمان بلا أخوة فاعلم أيضاً بأنه إيمان ناقص، إيمان يحتاج إلى تصحيح وإلى تجديد، إذ إن الأخوة الحقة ثمرة حلوة من ثمرات الإيمان الحق الصادق بالله جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

    نبذ الخلاف

    ثالثاً: نبذ الخلاف: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] ، فالأمة في أمس الحاجة الآن إلى أن تلتقي على كلمة سواء، ولو اتخذت الأمة في هذه الظروف الحرجة قرارات اقتصادية .. سياسية .. دبلوماسية -على حد تعبيرهم- والله ستغير مجرى التاريخ في هذه الأيام العصبية، الأمة غنية بالثروات.. بالمناخ.. بالعقول والأدمغة .. بالطاقات .. بالعمق الاستراتيجي في قلب الأرض، لكنها مهزومة نفسياً، ومشتتة، ومشرذمة ، حتى على مستوى العمل الإسلامي، ترى التشرذم والتهارش والنزاع والشقاق والخلاف، وربما لا يلقي الأخ السلام على أخيه؛ لأنه لا ينتمي إلى جماعته، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

    1.   

    لا تيأسوا! فمن سواد الليل ينبثق الفجر

    وأريد أن أختم اللقاء ببشارة للقلوب، وهذا هو العنصر الأخير، لا تيأسوا فمن سواد الليل ينبثق نور الفجر. أيها الأفاضل! ها نحن نرى الآن على أرض الواقع أن الأمة -ولله الحمد- بدأت تنتقل من مرحلة أزمة الوعي، إلى مرحلة وعي الأزمة، فأنت ترى الآن الولد الصغير من أولادنا يتحدث عن اليهود .. يتحدث عن الحقد الغربي على الإسلام والمسلمين، أجيالنا المعاصرة ما عرفت قضية القدس، إلا بعد هذه الأحداث، ما عرفت العداء الكامل في الصدور للإسلام إلا في هذه الأيام، فأنت ترى الآن إقبالاً شديداً على الله سبحانه وتعالى في كثير من بقاع الأرض، بل في كل أرجاء الأرض، وإذا اشتدت المحن لم يجد الناس - أقصد من أهل الإسلام - طريقاً إلا أن يفروا إلى الله تبارك وتعالى، وأن يرجعوا إلى الله، وما نراه الآن في الدروس والمحاضرات والجمع، وما نراه من حجاب، وما نراه من إقبال على مطالعة أخبار المسلمين في الشرق والغرب، لمن أعظم الأدلة العملية على أن تباشير صباح جديد بدأت تبزغ في الأفق. أسأل الله أن يحولها إلى فجر صادق إنه ولي ذلك والقادر عليه، فلا تيأسوا ولا تقنطوا فالجولة الأخيرة -كما بينت في اللقاء الماضي- لن تكون ألبتة إلا لدين النبي صلى الله عليه وسلم، برغم أنف الكافرين والمجرمين. أسأل الله جل وعلا أن يشرفنا بالعمل لدينه حتى نلقاه، وأن يثبتنا على المبدأ والعقيدة حتى نلقاه، وأن يقر أعيننا بنصرة دينه، إنه ولي ذلك ومولاه، اللهم اجعلنا رحمة لأوليائك، حرباً على أعدائك، اللهم ارزقنا حبك وحب رسولك، وحب من أحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756473425