إسلام ويب

تائبون وتائباتللشيخ : عبد الرحمن الوهيبي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للتوبة أسباب وثمار تجعل أهل الشهوات المحرمة يقلعون عن أفعالهم، ويزهدون فيها. ولهذه الأسباب والثمار أدلة وشواهد من الكتاب والسنة والواقع المعاصر. وقد أورد الشيخ في هذه المادة طرفاً من هذه الشواهد، كي تكون حافزاً لمن تأخر عن ركب التائبين، ومن أبطأت به شهواته عن إدراك المقبلين.

    1.   

    التوبة .. حقيقتها وأهميتها

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    الحمد لله الذي وعد بالجنة من أطاعه وولاه، وتوعد بالنار من أعرض عن دينه وقلاه، وفتح باب التوبة لمن زل من عباده وعصاه، نحمده على عظيم فضله، وواسع عفوه، وسعة رحمته، والصلاة والسلام على أكرم خلقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي بشر التائبين بجنة ربه، وأمر المذنبين ورغبهم بالاستغفار والأوبة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها الإخوة! ويا أيتها الأخوات! سنبحر هذا اليوم في بحور التوبة، ونستقل زوارق الهداية التي تنقلنا من البعد عن الله إلى القرب منه، ومن الهروب عن رحمته إلى القرب من عفوه وكرمه، ومن الزهد في طاعته وجنته إلى الرغبة في عبادته ودار كرامته، ومن التعرض لسخطه إلى التعرض لنفحاته وفضله، ومن استخدام نعمه في معصيته إلى تسخيرها لطاعته.

    قال الحليمي رحمه الله: "كأن المذنب ذاهب أو آبق من الله تعالى لمفارقته طاعته، ومخالفته أمره، فإذا نزع مما هو فيه -أي: إذا تركه وأقلع عنه وعاد إلى الطاعة- كان كالعبد يعود إلى سيده.

    وقبل أن نستعرض قصص التائبين والتائبات، نعم. التائبون من المعاصي والذنوب، فهم يختلفون في أحوالهم، وفي الذنوب التي أقلعوا عنها، فهذا تائب من أكل الربا، وذاك تائب من التدخين، وتلك تائبة من لبس عباءة الكتف، وأخرى تائبة من لبس العباءة المزخرفة .. تائبٌ بعد أن تجاوزت ذنوبه العشرين ألفاً، وتائبةٌ من لبس النقاب .. تاب تائب لرؤيا رآها، وأخرى تابت لسماع ذكر الله جل وعلا .. كفار أسلموا وعصاة أنابوا .. نصرانية تحجبت ثم أسلمت، ويهوديٌ أسلم بسبب أمانة المسلمين، وهذه تائبة من هذا اللعبة التي استشرت في بيوتنا، واستمرأها كبارنا وصغارنا ألا وهي لعبة البلاستيشن، وأخرى تابت من السفر إلى بلادها مع أنها من بلاد بريطانيا، وهذا تائب بعد أن كان يرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك تائبة من الزنا، وهذا تائب وتلك تائبة بسبب رسالة الخير التي تصدرها مؤسسة الحرمين، وتائبة من الإعجاب؛ وتائبون كثر وتائبات قد لا نستطيع أن نستعرض قصصهم، ولكنها جزءٌ من تلك القصص الكثيرة.

    قبل أن نستعرض تلك القصص للتائبين والتائبات لا بد أن ندرك أن هؤلاء جميعاً تركوا معصية الله حباً في الله وخوفاً من عقابه ورغبةً في جنته، ندموا على معصيته بعد أن قدروا الله حق قدره، وعزموا على ألا يعودوا إلى مستنقعات الرذائل بعد أن تذوقوا حلاوة الفضائل، وأعادوا الحقوق لأهلها بعد أن عرفوا إثمها وعواقبها.

    فاللهم إنا نسألك الثبات لنا وللمسلمين حتى الممات ولكل التائبين والتائبات.

    وقفة: إن المسلم -أيها الإخوة في الله! أيتها الأخوات في الله!- في هذا الزمان الذي تزاحمت شهواته، وتراكمت شبهاته مهما بلغ إيمانه من قوة ويقينه من علو وجوارحه من حذر فإنه -وحال الزمان ما ذكر- قد يضعف أمام شهوة، أو يشك عند شبهة، أو تدعوه نفسه الأمارة بالسوء بارتكاب مظلمة أو إعراضٍ عن طاعة، لذا يقول الله جل وعلا: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:31-32].

    قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيرها: أي يجازي كلاً بعمله خيراً كان أو شراً، ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون الكبائر والفواحش ولا يتعاطونها.

    أما قول الله جل وعلا: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] (إِلَّا اللَّمَمَ) قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيرها: (إِلَّا اللَّمَمَ) هي صغار الذنوب التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم بها العبد المرة بعد المرة، على وجه الندرة والقلة، فليس مجرد الإقدام عليها مخرجاً للعبد من أن يكون من المحسنين، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء، ولهذا قال جل وعلا: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) ... إلى آخر ما ذكر رحمه الله.

    فيا كل مسلم ويا كل مسلمة: لقد علم الله جل وعلا ضعفنا، وصفة الخطأ فينا، لذا فتح لنا باب التوبة فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:110].

    أيها المسلم أيتها المسلمة: كل الناس خطاءون، لكن منهم مصرون متمادون مسوفون، ومنهم توابون مستغفرون، فمن أي الفريقين أنت؟ ومن أي الفريقين أنتِ؟ قال عليه الصلاة والسلام: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) حديث حسن رواه الإمام أحمد وغيره.

    فكن أيها المسلم! وكوني أيتها الأخت المسلمة! من خير الخطائين وذلك بالتوبة التي تمحو الذنوب، وتستر العيوب، وترضي علام الغيوب جل وعلا.

    قال النووي رحمه الله تعالى: "واتفق العلماء على أن التوبة من جميع الذنوب واجبة، وأنها واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها سواءً كانت المعصية صغيرة أو كبيرة".

    وقال طلق بن حبيب رحمه الله: " إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العبد، ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين".

    لذلك يقول الله جل وعلا فاتحاً باب التوبة لمن يعمل السوء بجهالة: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:119].

    قال ابن كثير رحمه الله: " قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل" نعم. فمن لم يقدر الله حق قدره فهو جاهل، ومن لم يستحِ من الله حق الحياء فهو جاهل، ومن اتبع هواه وقع في معصية الله فهو جاهل رجلاً كان أو امرأة، فتوبوا عباد الله! رجالاً ونساءً بالإقلاع عن المعاصي، وأصلحوا بالإقبال على الطاعات.

    إن التوبة أيها الإخوة! أيتها الأخوات! طريق العائدين إلى ربهم، وزاد النادمين في دنياهم وآخرتهم، ورأس مال المذنبين بعد عودتهم إلى ربهم وخالقهم، فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39].

    وكثيراً ما تتردد على أسماعنا شروط التوبة، وهي الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، وإن كانت تتعلق بحق آدمي فيجب التحلل منه أو الدعاء له والاستغفار له.

    1.   

    أسباب التوبة وثمارها

    سؤال: قد يقول قائل وقد تقول قائلة: لماذا نتوب؟ وما ثمار التوبة التي تجعل أهل الشهوات المحرمة يقلعون عنها ويزهدون فيها؟

    فنقول: إن الإجابة على هذه التساؤلات تتلخص في أمورٍ أهمها:

    لأن الله أمرنا بها وجعلها سبباً لمغفرة الذنوب

    أولاً: نتوب لأن الله جل وعلا أمرنا بالتوبة، وجعلها سبباً لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ودخول الجنات، يوم لا ينفع العصاة ندمهم، ولا النادمين أسفهم، ولا المجرمين معذرتهم، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8].

    التوبة النصوح كما في حديث زر بن حبيش : (الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر، ثم لا تعود إليه أبداً) فمن يزهد في هذه الثمار للتوبة إلا محرومٌ بظلم نفسه زاهدٌ في فضل ربه.

    حدثني رجل في رمضان الماضي فقال: كنت أعمل في بنك ربوي، وكنت أجمع الأموال وأضعها في حسابٍ لي، وكان لوالدي صندوق للأموال يسمى التجوري، يقول: وفي يوم من الأيام جمعت أموالي التي حصَّلتها من رواتبي في بضعة أشهر، ثم وضعتها في ذلك الصندوق ثم أغلقته. وبعد فترة مات والده وترك شيئاً يسيراً من المال في هذا الصندوق، يقول لي هذا التائب: وفي ليلة من الليالي أتاني والدي بعد الموت في المنام، يقول: ثم إذا بي أراه في المنام يفتح ذلك الصندوق، ويمد يده إلى تلك الأموال التي جمعتها ويأخذها ربطة ربطة ثم يلقي بها خارج الصندوق، فلما اكتملت ولم يبق في الصندوق إلا ما تركه بعد وفاته، أغلق الصندوق ثم ألقى المفتاح، ثم انتبهت من هذه الرؤيا.

    يقول: وفور استيقاظي صباحاً قدمت استقالةً من عملي؛ لأنني أدركت أن هذه الأموال المحرمة إنما هي حرب لله تبارك وتعالى، وكنت أعلم ذلك ولكني في غفلة، فأيقظني الله بسبب هذه الرؤيا، فتبت بعد ذلك، وجعل الله لي من أمري يسراً، ورزقني رزقاً حلالاً.

    وهذه كافرة أسلمت بسبب ستر المسلمة لجسدها، تقول هذه الطبيبة وهي الدكتورة: أوريفيا من أمريكا ، وقد نشرت هذه القصة مجلة الدعوة في عددها [1452] تقول: أنا طبيبة نساء وولادة، أعمل بأحد المستشفيات الأمريكية منذ ثمانية أعوام، في العام الماضي أتت إليَّ امرأة مسلمة عربية لتضع بالمستشفى، فكانت تتألم وتتوجع قبيل الولادة، ولكن لم أر أي دمعة تسقط منها، وحينما قرب موعد انتهاء دوامي أخبرتها أنني سأذهب إلى المنـزل، وسيتولى أمر توليدها طبيب غيري، فبدأت تبكي وتصيح وتصرخ بحرارة وتردد: لا. لا أريد رجلاً، فعجبت من شأنها، فأخبرني زوجها أنها لا تريد أن يدخل رجلٌ عليها ليراها، فهي طيلة عمرها لم ير وجهها سوى والدها وأشقائها وإخوانها وأعمامها -أي محارمها-

    تقول هذه الطبيبة: ضحكت وقلت له باستغراب شديد: أنا لا أظن أن هناك رجلاً في أمريكا لم ير وجهي بعد، فاستجبت لطلبهما وقررت أن أجلس لأجلها حتى تضع، فقام بشكري وجلست ساعتين إلى حين وضعت، وفي اليوم الثاني جئت للاطمئنان عليها بعد الوضع وأخبرتها أن هناك الكثير من النساء يعانين من الأمراض والالتهابات الداخلية بسبب إهمالهن لفترة النفاس، حيث يقربها زوجها إي إحداهن، فأخذت تشرح لي الوضع بالنسبة للنفاس عندهم في الإسلام، فتعجبت جداً لما ذكرته، وبينما كنت على انسجام معها في الحديث دخلت طبيبة الأطفال لتطمئن على المولود، وكان مما قالته الطبيبة -أي طبيبة الأطفال للأم-: من الأفضل أن ينام المولود على جنبه الأيمن لتنتظم دقات قلبه، فقال الأب: إننا نضعه على جنبه الأيمن تطبيقاً لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

    تقول هذه الطبيبة الأمريكية الكافرة: فعجبت لهذا أيضاً، انقضى عمرنا لنصل إلى هذا العلم وهم يعرفونه من دينهم، فقررت أن أتعرف على هذا الدين، فأخذت إجازة لمدة شهر، وذهبت لمدينة أخرى فيها مركز إسلامي كبير حيث قضيت أغلب الوقت فيه للسؤال والاستفسار والالتقاء بالمسلمين العرب والأمريكيين، وحينما هممت بالرحيل حملت معي بعض النشرات التعريفية بالإسلام، فأصبحت أقرأ فيها وقد كنت على اتصال مستمر ببعض أعضاء ذلك المركز، والحمد لله إنني أعلنت إسلامي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. الدكتورة: أوريفيا من أمريكا.

    لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بها وحضنا عليها

    ثانياً: الذي يدفعنا للتوبة وهو من ثمار التوبة: أننا نتوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتوبة، وأمرنا بالاستغفار، فهو عليه الصلاة والسلام حبيبنا، وهو ناصحنا، وهو هادينا إلى صراط الله المستقيم، لقد وصفه الله لنا بأنه حريصٌ علينا، رءوف بنا، مشفق علينا، خائف علينا من النار عليه الصلاة والسلام، فهو يقول آمراً أمته عليه الصلاة والسلام بالتوبة: (يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله مائة مرة) رواه الإمام مسلم ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (مائة مرة) لا يعني العدد بالتحديد كما ذكر ذلك شراح الحديث، وإنما يعني كثرة الاستغفار والتوبة.

    قال القاضي أبو الطيب -وقد ذكر ذلك إبراهيم الحازمي في كتابه: نهاية الظالمين الجزء الثالث، يقول: قال القاضي أبو الطيب-: كنا يوماً بجامع المنصور في حلقة فجاء شاب خراساني، فذكر حديث أبي هريرة في المطر، فقال الشاب: غير مقبول، أي رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم فما استتم كلامه حتى سقطت من سقف المسجد حية فنهض الناس هاربين، وتبعت الحية ذلك الشاب من بينهم، فقيل له: تب تب، فقال: تبت، فذهبت فلا ندري إلى أين ذهبت.

    هذه توبة هذا الشاب الذي كان قد رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذه توبة لإحدى اللاتي ابتلين بلبس العباءة المتبرجة، تقول ضمن تحقيقٍ في صفحات الأسرة للأخت محررة صفحات الأسرة بـمجلة الدعوة أمل الديب، وأنصح بقراءة هذا التحقيق وهو في مجلة الدعوة في عددها (1810) تقول: منى بنت أحمد معلمة؛ لأن العباءة المتبرجة أسهل في اللبس والحركة، وتتوفر بكثرة في الأسواق فقد لبستها ولكنني بفضل من الله عز وجل تركتها منذ عام تقريباً، وذلك لأسباب مجتمعة وهي عدم رضا زوجي وإصراره على تغييرها، ورغبتي في أن أكون قدوة صالحة لبناتي؛ لأنهن في عمر تشتد فيه الحاجة للقدوة، وقد لاحظت ذلك من خلال احتجاجهن على تقصيري كلما أمرتهن بأمر فيه خير.

    وأما العامل الآخر فهو النقاش الهادئ الذي اعتادت أختي على إدارة دفته بين الفينة والأخرى، وإن كنت في بداية الأمر لم أقتنع بما تقول، والذي رسخ هذا الأمر في بالي موت والدتي رحمها الله، وصورتها التي لا تفارق خيالي وهي تلبس العباءة فوق رأسها، وترفض أن تلبس النقاب مع أنه أيسر لها في رؤية الطريق، فاتخذتها قدوة لي، إضافة إلى تفكيري الدائم بالموت والحساب، وعزمي على الاستعداد لذلك بجمع الحسنات عبر اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه تبارك وتعالى.

    والفرق بين العباءتين بين وواضح، فالمتبرجة أسهل في اللبس، وأيسر في الحركة -تقصد العباءة المتبرجة- إلا أنها تبرز الجسم، وتلفت النظر، أما الساترة فهي اسمٌ على مسمى، تستر الجسم ولا تبين تفاصيله، وفي نفس الوقت تضع الهيبة في قلوب ضعاف النفوس فلا يتطاولون على من يرتدينها لا بالكلام ولا بالنظر ... إلى آخر ما ذكرت.

    لأن تأخير التوبة سبب لتراكم الذنوب

    ثالثاً: نتوب من معصية الله إلى طاعته؛ لأن في تأخير التوبة تراكم للذنوب التي يستهين بها العبد، بل قيل: إنه متى ما أخر التوبة عصى الله بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقيت عليه توبة أخرى وهي توبته من تأخير التوبة، وكلما أخر العبد التوبة كلما حجب قلبه عن الإيمان بسبب الران الذي يغطي القلب من كثرة الذنوب والخطايا، كما قال الله جل وعلا: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوداً -أي: حزمة كبيرة من الحطب- فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها) حديث حسن رواه الإمام أحمد .

    قال صاحب الإحياء في مسألة التسويف: وما مثل المسوف إلا مثال من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة، فقال: أؤخرها سنة ثم أعود إليها، وهو لا يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها، وكذلك أيضاً كلما طال عمره هو ازداد ضعفه، فالعجب والله من عجزه مع قوته عن مقاومتها في حال ضعفها، كيف ينتظر الغلبة إذا ضعف وقويت هذه الشجرة؟!

    فتب يا عبد الله! وتوبي يا أمة الله! توبي يا أمة الله قبل أن يحال بينك وبينها فتكوني من الظالمين، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].

    قال ابن أبي الدنيا: حدثني رجل من قريش ذكر أنه من ولد طلحة بن عبيد الله، يقول: كانت توبة ابن الصمة بـالرقة، وكان محاسباً لنفسه، فحسب يوماً فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي (21600) فصرخ وقال: يا ويلتى ألقى ربي بواحد وعشرين ألف ذنب كيف وفي كل يوم آلاف الذنوب؟! يقول: إذا كنت أعصي ربي في كل يوم معصية فسألقاه بأكثر من واحدٍ وعشرين ألف ذنب ثم خر مغشياً عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول: يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى.

    ولذلك علينا أن نتوب قبل أن يحال بيننا وبين التوبة.

    وهذه امرأةٌ كانت كافرة، وهي من بريطانيا واسمها أم مريم ، أسلمت منذ عشر سنوات وهو وقت مقابلتها هذه، وهي متزوجة من قس أمريكي مَنَّ الله عليه بالإسلام بعدها بثلاث سنوات.

    تقول هذه المرأة: كنت قبل أن يهديني الله للإسلام أعيش في حيرة وقلق، إلى أن أراد الله هدايتي عن طريق صديقة لي أهدتني كتباً عن الإسلام، فقرأتها وأحسست أن حملاً ثقيلاً قد انزاح عن كتفي، ثم تقول: أنتم -أيها المسلمون- لا تحسون بهذا، لكني أحسست به لأني عشت في ظلمات الكفر، ثم هداني الله إلى نور الإسلام، فلا تسأل عن سعادتي وعن راحتي واطمئنان قلبي وانشراح صدري بعد دخولي في الإسلام، فالحمد لله أولاً وآخرا.

    أما توبتها فإنها قد تابت من عودتها إلى بلاد الكفر، لذلك تقول عندما سئلت: هل زرت بلادك بريطانيا بعد مجيئك إلى المملكة ؟ قالت: نعم. زرت أهلي هناك لأدعوهم إلى الإسلام، فلما أبوا الدخول في الإسلام لم يعد لي حاجة في السفر إلى هناك؛ لأني أعرف أن السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا لحاجة.

    الله أكبر! نحن هذه الفتاوى تشرق وتغرب ومع ذلك لا نلقي لها بالاً، ولا نلتزم بها، ولا نستنير بها، وهذه امرأةٌ كانت كافرة ثم أسلمت تقول: لأني أعرف أن السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا لحاجة، ثم تقول -واسمعي أيتها الأخت المسلمة- تقول: وإني أتعجب أشد العجب ممن تذهب إلى بلاد الكفر لا للدعوة إلى الإسلام وإنما لشراء الملابس والكماليات!!

    لأن الله يفرح بتوبة العبد

    رابعاً: نتوب لأن الله يفرح بتوبة أحدنا، الله أكبر يا عبد الله! الله أكبر يا أمة الله! الله الغني عنا يفرح بتوبتنا! الله الذي يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) اسمعوا يا من تسوفون بالتوبة! ويا من تسوفن بالتوبة! ويا من يفرحون بالمعصية وهي تسخط الله! ويا من يتلذذون بالمحرمات وهي تغضب الله ويعرضون عن التوبة التي يفرح الله بها! يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم : (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته في أرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة واضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

    أفلا نتوب من معصية الله الذي خلقنا من عدم، وأسبغ علينا وافر النعم، ثم بارزناه بنعمه نظراً واستماعاً وقولاً وفعلاً؟!

    وهل يليق بمسلم أو مسلمة أن يعرض عن سماع الآيات ويعكف على متابعة المسلسلات وسماع النغمات؟ أيليق بمسلم ومسلمة أن يعرض عن الغفور الرحيم وينساق وراء خطوات العدو المبين؟ لا والله لا يليق، بل يجب على كل منا أن يتوب إلى ربه جل وعلا.

    روى الصحابي الجليل عمران بن حصين : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتته امرأة من جهينة وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا رسول اللهّ! أصبت حداً فأقمه عليَّ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها وقال له: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني، فلما ولدت هذه المرأة أتته بالصبي في خرقة وقالت: ها قد ولدته، فقال النبي عليه الصلاة والسلام مشفقاً على هذا الرضيع: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي وفي يده كسرة خبز فقالت: هذا -يا نبي الله- قد فطمته وقد أكل الطعام -يا سبحان الله! أتت بكسرة الخبز لتبين للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قد استغنى عن حليبها- فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة عندما ذمها: مهلاً يا فلان -وسمى هذا الصحابي- والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل بعد أن صلى عليها، قيل له: (أتصلي عليها وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تبارك وتعالى).

    فهلا تاب الواقعون في هذه الفاحشة، وهلا تابت الفتيات اللاتي زلت أقدامهن ووقعن في هذه الفاحشة، فإن العقوبة في الدنيا خيرٌ من العقوبة في الآخرة وأهون، لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الزناة والزواني في مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، وإذا به رجال ونساء عراة فلما سأل: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الزناة والزواني -نعوذ بالله من ذلك-.

    ولذلك اسمعي واسمعوا أيها الإخوة في الله! عن هذا الذي تاب بعد أن راود هذه المرأة التي أبت مع حاجتها لهذا المرء، فإنها تابت إلى الله تبارك وتعالى، ولذلك يجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يتقي الله جل وعلا في نفسه، وأن تتقي الله المرأة المسلمة في نفسها.

    يقول هذا الرجل: جاءت إليه امرأةٌ وهي تطلب منه حاجة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا كما في الصحيح، وذكر هذا في الثلاثة الذين آواهم المبيت فانسدت عليهم صخرة: (فقال بعضهم لبعض: لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا بصالح أعمالكم، فقال هذا: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إليَّ، وكانت تأتيني لحاجة، وذات مرة أتت إليَّ فراودتها عن نفسها، فمكنتني، فلما جلست منها مجلس الرجل من امرأته قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه).

    نعم أيتها الأخت المسلمة! نعم أيها الأخ المسلم! إن هذا عندما ذكر بالعظيم تذكر. اتق الله أي: اجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل طاعته واجتناب ما حرم تبارك وتعالى.

    وهذا تائبٌ أيضاً بسبب رؤيا رآها رجل لوالده، يقول أحد سكان مدينة الرياض : كان بينه وبين رجل مودة، ثم قضى الله على ذلك الرجل بالموت، فلما دفن، يقول هذا الرجل: رجعت إلى بيتي ونمت فرأيت ذلك الصديق في الرؤيا، ورأيت على وجهه سواداً وعليه أثر عذاب وتعب ونكد، فقلت: ما لك كنت تصلي معنا وفيك وفيك من الخصال الصالحة؟ قال: لقد صب الله العذاب عليَّ صباً، قلت: بماذا؟ قال: بالمزامير والمعازف والآلات التي في البيت، فأسألك بالله أن تخبر أهلي وأولادي أن يخرجوا ويبعدوا تلك الآلات فأنا أعذب بسببها، فارتاع الرجل وتأثر وهاب أن يخبر أهل الميت بهذا الذي يقطع القلوب.

    وفي اليوم الثاني رأى صديقه الميت بتلك الهيئة: وجهه مسود، وعليه أثر البلاء والكرب، فقال: يا أخي! أما بلغت أهلي؟

    فقال له: لا، قال: أنسيت المودة والمعروف الذي بيننا؟ أسألك بالله أن تخبر أهلي ليخلصوني مما أنا فيه، يقول هذا الرجل: فهبت أن أخبرهم، وفي الليلة الثالثة رأيته بتلك الحالة وهو يعتب عليَّ أشد العتب، يقول: فذهبت إلى أهله وأخبرتهم بعد الرؤيا الثالثة قالوا: والدنا يعذب ونحن نلهو أمام هذه الأجهزة، فأخذتهم الحمية فكسروها.

    يقول: فرأيته في الليلة الرابعة وعليه ثياب بيضاء، ووجه منور ومشرق وهو يقول: فرج الله عنك كما فرجت عني، والناقل لهذه القصة رجل صالح من أهل الرياض وقد جاءت في شريط بعنوان: حكم الشريعة الغراء في الغناء.

    لأن الله يحب التائبين

    خامساً: نتوب لأن الله يحب التائبين كما قال جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، يقول الشيخ السعدي رحمه الله: "يحب التوابين أي من ذنوبهم على الدوام، ويحب المتطهرين المتنزهين عن الآثام، وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث، والتطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة، والصفات القبيحة، والأفعال الخسيسة" انتهى كلامه رحمه الله.

    قال أحد العلماء: من أحبه الله فهو في غاية القرب منه، فعلى العبد أن يجتهد ويستيقظ من رقدة الغفلة، عسى أن يسلم من الإصرار، ويتخلص من الأوزار ولا يأمن من قسوة القلب.

    فهنيئاً للتائبين والتائبات بمحبة الله جل وعلا لهم، وبقربه منهم.

    وهذه تائبة من لعبة بلاستيشن، جاءت هذه التوبة في تحقيق في مجلة الدعوة في عددها [1793] تقول تحت عنوان: وجدت الكنـز (م م طالبة جامعية): كانت إلى وقت قريب -كما تقول- مغرمة بألعاب البلاستيشن، وقد تركتها بعد أن منَّ الله عليها بالهداية، وقد شاركت في ذلك التحقيق فتقول: آهة عميقة، ثم أغمض عيني اللتين جف ماؤهما بقوة، وأقوم مرغمة بسبب آلام الظهر والعضلات المتصلبة من أمام اللعبة، وأنا لم أجد الكنـز بعد، ثم أكنت أعود حقاً من جزيرة الكنـز إلى عالم الواقع؟ كلا. بل يبقى ذلك الحماس الثائر والتحفز المثير يشتعل في أعصابي طوال الوقت، وأكون في شبه بلا وعي بمن حولي، حتى لأكاد أحياناً أضغط بأصابعي على لا شيء لأحرك شيئاً أمامي أو أفجره إن شئتم.

    وأكاد أصدق إنني إذا رفعت هذا الكتاب أو نظرت خلف الباب سأجد خارطة الكنـز، بل ما زلت أذكر شعوري البركاني الحانق وكيف تلتهب أعصابي عندما نكون في السيارة في الواقع، ونقف أمام الإشارة الضوئية، فأنا أريد أن ننطلق بذات السرعة الجنونية في اللعبة والتي يشهد لها إبهامي المتورم قبل أن يسبقنا الآخرون إلى الكنـز، وما زالت تجلجل في أذني أصوات المطاردات، وضجيج المنبهات، وصرخات الإطارات، ونداءات الدوريات، ولا أكتمكم بل قد أثرت طبيعة اللعب المثيرة حتى على طريقتي في التفكير، كنت أريد حياتي حشداً من الأحداث المثيرة، والمغامرات الخطيرة، والهرب والقفزات للبحث عن الكنوز والمجوهرات، وإذا لم يتسن لي ذلك بالطبع اقتحمني شعور دائم بملل شديد وضجر قاتل سريع من كل شيء، وبهذا الملل السريع تركت أيضاً اللعبة بعد أن رجعت إلى نفسي، وعلمت أن إضاعتي لوقتي ومسئولياتي وواجباتي ودوري في المجتمع وإتلافي لأعصابي وتفكيري هذا كله تدميرٌ لذكائي ومواهبي وطاقاتي وليست تنمية وإثراء لها كما كنت أتوهم.

    وبعدها ذقت والله هدوء الأعصاب، والاتزان في التفكير والنظر والتأني والاطمئنان ونعمة الصحة، فوجدت أخيراً الكنز الذي كنت أبحث عن خارطته بعد أن تركت تلك اللعبة.

    حتى لا نكون عوناً لأهل الشهوات في فساد المجتمع

    سادساً: نتوب حتى لا نكون عوناً لأهل الشهوات في فساد المجتمع، فطلاب الشهوات، ولصوص الأعراض، ومفسدو الأخلاق، ومضللو الأفكار يريدون ما لا يرضاه الله من خلقه، فالله يريد لعباده التوبة، وهم يريدون إضلال العباد عن سبيل ربهم، وإعراضهم عن دينه، والإصرار على ما يسخطه.

    فالتوبة من الذنب إرضاء لله جل وعلا، وقطع للطريق على طلاب الشهوات ومثيري الشبهات، فالله جل وعلا يقول: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] قال ابن كثير رحمه الله: " أي يريد أتباع الشيطان من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيما".

    واسمع يا عبد لله! واسمعي يا أمة الله! ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال إبليس: يا رب! وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني).

    تائبةٌ من لبس النقاب تقول أيضاً: لا أعلم بالتحديد ما الذي جعلني أخوض هذه التجربة، قد يكون حب التقليد، وقد يكون انتشار الأمر وتفشيه، لبست النقاب لأول مرة، وقررت الخروج للسوق، حينما هممت بالخروج من البيت شعرت أن هناك خلافاً، ولكن زين لي الشيطان سوء علمي، منذ وضعت قدماي على عتبة السوق، وحبات العرق بدأت تنساب على أجزاء وجهي، لأول مرة في حياتي أدخل السوق وأشعر أن نظرات جميع الرجال تلاحقني، حتى نظرات النساء أشعر أنها تعاتبني وتؤنبني، أهذا هو حال الناس بالسوق دائماً، أم أن حالي تغير؟ لا أذكر أنني كلما دخلت سوقاً كانت كل هذه العيون تقع عليَّ، أتحسس نقابي بقهر، أتذكر كيف كنت أرتدي غطائي، وأسير بعزتي وكرامتي، واليوم كلما دخلت محلاً أقفلت عائدة منه، فنظرات البائع تضايقني، وإلى هذه اللحظة لا أعلم أكانت هناك حقاً نظرات مشينة تلاحقني أم أنه كان يخيل إليَّ من فرط حسرتي ووجلي.

    ما زلت أسير وأنا هائمة على وجهي أنتظر بشغف موعد مجيء السيارة، ومن قريب أو بعيد -لا أدري- جاء صوت رجل بالسوق يخاطبني: يا أمة الله! اتقي الله وتستري جيداً. تمنيت لو أن الأرض انشقت لتبلعني، صفعة قوية جاءت على وجهي، ما زال صدى عباراته يرن بأذني يذكرني بحجابي، وأخذت أتساءل بحسرة: كيف أخرج إلى السوق بجمالي، وكيف أخرج جمال وجهي للرجال، وخاصة عيني وأسمح لهم بالتمتع بالنظر إليها؟ كنت أتمنى لو أصرخ وأسمع كل أهل السوق: أيها الناس! سأتوب إلى ربي ولن ألبس النقاب، هذه والله أول وآخر مرة بمشيئة الله.

    ثم تقول: سرت بخطىً ثقيلة بطيئة، وفي ممر بعيد رأيت محلاً للعباءات، فأسرعت بالمشي فرحةً بأن لقيت ضالتي المنشودة، فاشتريت غطاء ووضعته وخرجت أسير بخطىً واثقة فقد عادت لي عزتي وكرامتي، وهل هناك من يكفلها لي سوى تمسكي بحجابي وغطاء وجهي كاملاً. انتهى كلامها.

    نعم. والله إن ستر المرأة لوجهها يحفظها من الرجال، وإلا فالله جل وعلا يخاطب الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين فيقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] والله ثم والله، وتالله ثم تالله ما فسدت قلوب الرجال وتعلقوا بالنساء إلا بعد أن أطلقوا أبصارهم في النظر بالنساء في القنوات، وفي المجلات والصحف، وفي الأسواق وغيرها، وما فسدت قلوب الفتيات إلا بعد أن أظهرن هذه العيون عبر هذا النقاب الذي هو موضة العصر، فأصبحن ينظرن للرجال بوضوح في الأسواق وغيرها، وكذلك نظرهن إلى الرجال في الصحف والمجلات والشاشات ونحوها: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31] فالتوبة التوبة أيتها الأخوات.

    حدثني أحد الجيران وقد طلبت منه أن يكتب هذا الأمر بورقة، فكتبها وها أنا أقرؤها عليكن وعليكم أيها الإخوة! يقول فيها: أنا عندي بنت عمرها أربع سنوات -تذكروا هذا السن أيها الإخوة وأيتها الأخوات!- وهي أكبر بناتي، وكانت غيورة جداً، وخاصة عندما تراني أمازح إخوانها وأخواتها الصغار، فتحاول أن تكون المزاح معها فقط، وفي ذات ليلة عدت من خارج المنـزل فلم تهتم بي كالعادة، وأخذت أمازح أخواتها وهي غير مبالية بما يدور عندي، إنما هي قد انشغلت تشاهد مسلسلة يومية، فأردت أن أفهم وأن أستفسر لماذا تهتم كل هذا الاهتمام بهذه المسلسلة، وماذا يدور في هذه المسلسلة، يقول: فأصبحت تشرح لي عندما اقتربت منها وهي عند شاشة هذا الجهاز، يقول: فبدأت تشرح لي مجيبة على سؤالي، فقالت مشيرة إلى الممثل: هذا يحب هذه -تقصد الممثل والممثلة- تقول: هذا يحب هذه يا أبي! يقول: فقلت لها: لماذا يحبها، ولماذا تحبه؟ قالت: لأنه ابن عمها، يقول: فقلت: ولماذا تحبه؟ قالت: لأنها ابنة عمه ولأنه ابن عمها، قلت: ثم ماذا؟ قالت: لأنه يريد الزواج منها.

    ثم يقول: عند ذلك تحركت غيرتي على بناتي وعلمت أن هذه المسلسلات أفسدت أخلاق بناتي وهن صغار، فكيف عند الكبر؟! فأخذت هذا الجهاز فأجهزت عليه تحطيماً وتكسيراً قبل أن يقضي على خلق وحياء ما بقي من بناتي.

    نعم. إن هذه المسلسلات تقضي على الأخلاق والحياء، بل وعلى العقائد أيتها الأخت المسلمة! فلنتق الله في أبنائنا وفي بناتنا.

    وهذه توبة رجل ذكرها صاحب الرسالة القشيرية ، يقول: كان رجل قد وجد في السوق في طريقه ورقة مكتوباً فيها اسم الله، وقد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدراهم كانت معه طيباً فطيب بها هذه الورقة التي فها اسم الله جل وعلا، يقول: ثم جعلها في شق حائط، فرأى في النوم كأن قائلاً يقول له: يا فلان طيبت اسمي، لأطيبن ذكرك في الدنيا والآخرة، فلما انتبه من نومه تاب إلى الله جل وعلا.

    لأن التوبة سبب في تبديل السيئات حسنات

    سابعاً: نتوب لأن التوبة سبب في تبديل السيئات حسنات فضلاً من الله ونعمة، فالله جل وعلا يقول ويمتن على عباده: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] وما ذلك إلا كرماً من الله وفضل، فهو ينادي عباده المذنبين ليتوبوا إليه جل وعلا، ويؤمنوا به حق الإيمان ويعملوا صالحاً، ولذلك يقول جل وعلا في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70].

    فلنتب يا عباد الله رجالاً ونساءً، يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "فيه قولان أصحهما: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات" وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى، أو كلما تذكرت المرأة العاصية ذنوبها ندمت واسترجعت، واستغفرت وتابت إلى الله جل وعلا، لذا جاء في الحديث الذي رواه الطبراني : (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً -يا رسول الله!- عمل الذنوب كلها ولم يترك حاجة ولا داجة، فهل له من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أأسلمت؟ قال: نعم. قال: فافعل الخيرات واترك السيئات يجعلها الله لك خيرات كلها، قال الرجل: وغدراتي وفجراتي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وغدراتك وفجراتك، فما زال يكبر حتى توارى عن النبي صلى الله عليه وسلم).

    لذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بهذه الآية لما أنزلت: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ... [الفرقان:6]] إلى آخر الآيات. وكذلك فرحه بنزول قول الله جل وعلا: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [الفتح:1-2].

    وهذه بعض المقتطفات من الردود على رسالة الخير التي تصدر عن مؤسسة الحرمين ، جزى الله القائمين عليها خيراً، في لجنة الدعوة والكفالات فهذا يقول: كنت نصرانياً، وكانت حياتي مليئة باللعب واللهو، والآن أصبحت إنساناً آخر يعرف معنى الحياة، عندما قرأت الكتب التي أرسلتموها لي فأسلمت، وبدأت أصلي وأسلم أهل بيتي، وأقاموا الصلاة، وقمت بنشر كتبكم التي أرسلتموها لي على أصدقائي. فخار من ألمانيا .

    وهذه فتاة تقول: أنا فتاة لا أصلي مطلقاً، مغرمة بسماع الأغاني ومتابعة المسلسلات، أستهتر بالحجاب الشرعي، وبعد قراءة كتبكم وخاصة كتب العقيدة وكتاب الزمن القادم بكيت بكاءً شديداً على ما فاتني من وقت ضاع هباءً منثوراً، فبدأت بالاستغفار، وأقمت الصلاة، وعدلت عن استماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات، والتزمت بالحجاب والحمد لله وشكراً لكم. أختكم حسناء من المغرب .

    فالله الله أيها الإخوة! والله الله أيتها الأخوات! بدعم هذه اللجنة -لجنة الدعوة والكفالات- علَّ الله جل وعلا أن يجعل لنا نصيباً من إسلام هؤلاء، نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل.

    لأن أحدنا لا يدري متى يموت

    ثامناً: نتوب لأن أحدنا لا يدري متى يموت، فالله جل وعلا يقول: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34] قال الحسن رحمه الله: [ابن آدم! إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك، أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه] فيا عبد الله! ويا أمة الله!

    الموت يأتي بغتةً     والقبر صندوق العمل

    فكم من صحيح مات من غير علة     وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر

    وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً     وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري

    والتوبة عند الموت توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار، فالتوبة تنفع في الحياة الدنيا قبل أن يأتي الموت، وأما عند الموت فلا ينفع عند ذلك توبة.

    هذه معجبة تبين لنا ما تلاقيه هؤلاء المعجبات، بل هؤلاء العاشقات اللاتي تعلق بعضهن ببعض، فهذه مدرسة قد تعلقت بطالبتها، أو بزميلتها، وتلك فتاة تعلقت بصديقتها أو بمعلمتها، سبحان الله! امرأة تميل لامرأة! إن هذا -أيتها الأخوات!- ليس إعجاباً كما يزعمون وكما يزعمن، بل هو العشق المحرم الذي تتلذذ به هذه المعجبة بالنظر إلى المعجبة بها، وتتلذذ بملامستها ومصافحتها ومعانقتها، نعم إن هذا هو الحاصل.

    تقول هذه التائبة في كتاب جمعته الأخت: نوال بنت عبد الله بعنوان: "فتياتنا والإعجاب" تقول: هذه كلماتي تنبض لكِ من قلب قد امتلأ بالآهات والأحزان ليس لأجل الدين أو ما وصل إليه حال المسلمين المضطهدين في كل مكان، دمعاتي سكبت لأجل صديقتي التي أعجبت بها، فقد كانت بارعة الجمال، وكنت كلما أبحث عنها أجدها تجفوني، وإذا نظرت إليها نظرات ملؤها الحب والمودة والاحترام وجهت لي النظرات القاسية المملوءة بالسخرية والاحتقار، وذلك لأن محبتي لها لم تكن في الأصل لله، أعلم أنني كنت في تلك الفترة غارقة في حبها، لقد أنساني الشيطان ذكر ربي فأكثرت من ذكرها، لهوت بكتابة الرسائل التي كنت أمكث على الواحدة منها الساعات الطوال حتى تنال إعجاب محبوبتي، لكنني الآن والحمد لله صحوت من غفلتي هذه، أفقت من هذا السبات العميق الذي عشته طوال سبع سنوات، لقد اكتشفت أخيراً أن هذه الأمور ما هي إلا سراب وأوهام لم أستفد منها سوى العناء والشقاء والعذاب، فاحذري أختاه أن تقعي فيما وقعت فيه، احذري وابتعدي عن سراب الإعجاب، ابتعدي عنه. أ هـ.

    ونحن نقول لكل فتاة مسلمة: عليها أن تتقي الله جل وعلا، فإن هذا الإعجاب ليس محبة في الله، إنما هو عشق محرم فاتقي الله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

    وهذا تائب حدثني فقال: كنت أدخن بشراهة، رغم النصائح التي تتوالى عليَّ من مصادر متعددة، والتي كان لها تأثيرٌ في نفسي إلا أن موقفاً من أحد أبنائي كان له الأثر الكبير، بل كان السبب الرئيسي لتركي التدخين وهو كالتالي: رآني ابني يوماً أدخن فطلب مني عشرة ريالات، فدفعتها له ظاناً أنه يريد شراء غرض له أو للمنزل، فأمسك ولاعة وبدأ الإشعال، فأمسكت يده منزعجاً من هذا التصرف، وقلت بكل غضب متسائلاً: أهذه ورقة أم نقود؟ هل تدري كم تعبت من أجل تحصيلها؟ أتهون عليك إلى هذا الحد؟ قل لي: لماذا فعلت هذا؟ قال لي وبكل هدوء -أي: قال له الابن-: أخبرك ولا تضربني، قال الأب: عن ماذا تخبرني: عن جرأتك على إتلاف النقود أم حرصك على خسارتي؟ فقال الابن: بل سأخبرك عن سبب عزمي على إحراق النقود، وبعد أخذ الضمانات مني بعدم معاقبته قال لي: يا أبي! أنا أريد إحراق عشرة ريالات يطير دخانها إلى الهواء، ولا يضر أحداً، وغضبت عليَّ غضباً كاد يفقدك صوابك وأنت تحرق عشرين ريالاً يومياً، ودخانها يدخل إلى جوفك وصدرك ولا تغضب ولا تفكر، فأنا ارتكبت خطأ واحداً وهو إتلاف المال، وأنت ارتكبت خطأين: إضاعة نقودك وإتلاف صحتك، فأنا خير منك، أليس كذلك؟!

    يقول هذا المتحدث لي: عندها وقف شعر رأسي وجسدي استعظاماً لهذا القول من ابني الذي يدرس في الصف الأول متوسط، ولم أتمالك بعد ذلك إلا أن أسرح في تفكير عميق جاد كانت ثمرته الحتمية، ونتيجته الطبيعية أن قلت له: يا بني! لن أدخن بعد اليوم. وهكذا تركت التدخين.

    لأن التوبة لا تقبل من العبد إذا حضره الموت

    تاسعاً: نتوب -أيها الإخوة! أيتها الأخوات!- لأن التوبة لا تقبل من العبد إذا حضره الموت كما سبق، يقول جل وعلا: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] ثم قال جل وعلا: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:18].

    فهلا تبنا من قريب أيها الإخوة! أيتها الأخوات! فالله جل وعلا يقول: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10-11].

    والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) ويقول الحسن البصري رحمه الله: [اتق الله يا بن آدم! لا تجتمع عليك خصلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت].

    هذه تائبة من لبس العباءة المتبرجة، تقول: كنت أعشق التبرج، فسايرت الموضة في العباءات بكل أنواعها وأشكالها، وفي نفس الوقت كنت أعتبر العباءة الساترة مقتصرة على المتخلفات عن ركب الموضة والفقيرات، وفي ذات يوم ذهبت وأنا بكامل زينتي مع مجموعة من صديقاتي إلى السوق، وحين رأتني إحدى النساء وجهت لي النصيحة بأن أتحجب حتى لا أتعرض للنار، اهتز جسمي لنصيحتها، لكني أردت أن أضحك صديقاتي اللواتي برفقتي فقلت لهن ولا أدري هل أندم على ما قلته أو أفرح له؛ لأنه كان سبباً بعد الله في توبتي ورجوعي للحق -أتدرون ماذا قالت؟- قلت كلمة بكيت منها، لقد قلت بعد أن مددت كفي لها: قبلي يدي وأتحجب، تقول هذه المتبرجة التي لبست العباءة المزخرفة المطرزة، تقول: قلت لها -أي: للناصحة-: قبلي يدي وأتحجب، تقول: قولوا لي بربكم ماذا تظنون أنها فاعلة -أي: الناصحة- أغضبت؟ أم زجرت؟ أم انسحبت؟ أم اعترضت؟ لا وربي لا هذا ولا ذاك، بل أخذت يدي وقبلتها وهي تقول: أقبل يدك ورأسك ما دمت ستتحجبين، فأنت غالية والطلب رخيص، ودعت لي وعندها بكيت وبكيت وبكيت، واستصغرت نفسي، وازدريت عباءتي، وعدت إلى البيت وخلوت بنفسي بعض الوقت وقررت أن أرتدي العباءة الساترة مستعينة بالله ثم بالدعاء، وكم تمنيت لو أني أعرف تلك المرأة لأشكرها، وحسبي أني أدعو لها في كل حين وكلما تذكرتها.

    وكما توقعت فقد لاقيت سخرية واستهزاءً ممن حولي لأن اللاتي يناصحننا يقلن: إنكن ستلاقين سخرية، ولذلك لاقيت سخرية واستهزاءً ممن حولي، حتى إنهم صاروا ينادونني بقولهم: يا مطوعة! ولكني لم أبال بما يقولون، فمن مزايا العباءة الساترة أن جعلت الرجال الأجانب يحترمونني، فلم يعد أحد يتجرأ على النظر إلي كما أن الباعة صاروا يتأدبون معي في الحديث عكس ما كان سابقاً من محاولة للمزح، من هنا أدركت أن للحق هيبة.

    نتوب من مظالم الناس خاصة؛ لأنها من الظلم الذي لا يتركه الله

    عاشراً: نتوب من مظالم الناس خاصة؛ لأنها من الظلم الذي لا يتركه الله جل وعلا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عملٌ صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه الإمام البخاري، وعن أبي هريرة عند الإمام مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا -أي: قذفه بالزنا- وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذت من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) نعوذ بالله من النار.

    إذاً: أفلا نتوب من الغيبة والنميمة؟! أفلا نتوب من السب والسخرية؟ أفلا نتوب من الاعتداء على عباد الله بأخذ أموالهم، أو انتهاك أعراضهم، أو غشهم في بيعهم وشرائهم، فتكون حسنات أعمالنا الصالحة لأولئك المظلومين، وعجباً لنا يا عباد الله! نبخل بأموالنا على من نحب، ونهدي حسناتنا لمن نبغض ممن ندعو عليهم ظلماً وعدوانا، ونسخر بهم أو نغتابهم، فاللهم سلم يا رب العالمين.

    نتوب إلى الله طلباً للفلاح

    السبب الحادي عشر الذي يدفعنا للتوبة: أننا نتوب إلى الله طلباً للفلاح، فالله جل وعلا يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] يقول السعدي رحمه الله في تفسيرها: " لا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكره الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً" انتهى كلامه رحمه الله.

    فهلا تاب أهل البدع من بدعهم التي يكرهها الله، وهلا تاب أهل الزنا والربا وأهل الخمور، وهلا تابت الساخرات بالدين المتزينات بأزياء الكافرين، وهلا تاب الظالمون لعباد الله المتقلبون في مساخط الله. إن كانوا من ربهم يخافون، وفي جناته يرغبون، ولفلاح الدنيا والآخرة يتطلعون، فليتوبوا إلى الله جل وعلا.

    نتوب من كتم العلم؛ لأن عقوبته عظيمة

    السبب الثاني عشر: نتوب من كتم العلم الذي علمنا إياه ربنا جل وعلا، وتعلمناه من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] لماذا نتوب من ذلك؟ لأن عقوبة ذلك عظيمة، وعاقبته وخيمة، إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159]فكما أن معلم الناس الخير يصلي الله عليه والملائكة حتى الحوت في الماء فكاتم العلم عن الناس يلعنه الله وتلعنه جميع الخلائق إلا من؟ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:160].

    إذاً: فمن أصلح ما أفسد، وبين ما كتب تاب الله جل وعلا عليه.

    لأن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به توبة نصوح

    السبب الثالث عشر: نتوب لأن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به توبة نصوح، وهذا معنى قول بعض السلف: "قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة، وقد يعمل الطاعة فيدخل بها النار، قيل: وكيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى يذكر ذنبه، فيحدث له ندماً وانكساراً وتوبة واستغفاراً، فيكون ذلك سبب نجاته، وقد يعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى، كلما ذكرها أورثته فخراً وعجبا، ومنةً وكبراً، فتكون سبب هلاكه".

    فيا كل مذنب ومذنبة! ويا كل شارد عن ربه وشاردة! ويا كل جاهل بسعة رحمة ربه وجاهلة! الله الله بالتوبة النصوح التي بها عن الذنوب تقلعون، والتي تجعلكم كلما تذكرتموها تندمون، فتلك والله من أهم أسباب النجاة، قال أبو الحواري رحمه الله: "إن الرجل ليذنب الذنب فلا يزال نادماً عليه حتى يدخل الجنة فيقول الشيطان: يا ليتني لم أوقعه فيه".

    لأن الشيطان يتبرأ يوم القيامة من الذين اتبعوه

    السبب الرابع عشر: نتوب لأن الشيطان الذي يزين المعاصي والشهوات المحرمة للرجال والنساء فيطيعوه، ويزهدهم في الطاعات والصالحات فيوافقوه، وينسيهم الموت، نعم ينسي الشباب الموت والفتيات، ويخدعهم بطول الأمل ليغرقوا في بحور الفسق والضلال، والإعراض عن الله جل وعلا، وقد قال الله جل وعلا لعباده: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60] لا تعبدوه بطاعته.. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس:61-62].

    هذا الشيطان الذي يغوي ويزين، يتبرأ يوم القيامة ممن أطاعوه، قال الله جل وعلا عنه: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22]

    إذاً: إلى متى والمذنبون غافلون عن ربهم؟ إلى متى والعاصون معرضون عن بابه مبتعدون عن جنابه، زاهدون في ثوابه، آمنون من عقابه؟ بل إلى متى وهم راغبون في أن يكونوا من أحبابه؟ وهو ينادي كل مذنب ومذنبة: (يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي).

    فتعرض -يا عبد الله! وتعرضي يا أمة الله!- لرحمة الله التي سبقت غضبه كما في الحديث الصحيح، وأحسن يحسن الله إليك، وأحسني يحسن الله إليكِ يا أمة الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:53-61].

    اللهم اجعلنا وإخواننا وأخواتنا المسلمين من المتقين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وأصلح أحوالنا، وكفر عنا خطايانا وسيئاتنا.

    1.   

    ضرورة التوبة في رمضان

    ألا وإن من الأوقات التي تستحب فيها التوبة وتكون مطلوبة أكثر من غيرها شهر رمضان المبارك، الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وما ذلك إلا لترغيب عباد الله بالطاعة والتوبة، وتحذيرهم من المعاصي والغفلة، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف عبد أدرك رمضان وخرج ولم يغفر له) حقه أن يرغم أنفه بالتراب.

    فيا عبد الله! ويا أمة الله! الله الله بالتوبة إلى الله جل وعلا.

    قد هيئوك لأمر لو فطنت لـه     فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

    وأنت في غفلة عما خلقـت له     وأنت في ثقة من وثبة الأجل

    فزك نفسك مما قد يدنسها واختر     لها ما ترى من خالص العمل

    أأنت في سكرة أم أنت منتبه؟     أم غرك الأمن أم ألهيت بالأمل؟

    1.   

    أمور تعين على التوبة

    أيها التائب! أيتها التائبة! علينا جميعاً أن نستعين بالله جل وعلا، وأن نتوب إليه، وعلينا أن نستعين بأمور على حسن التوبة إلى الله جل وعلا أذكرها باختصار:

    أداء الصلاة على وقتها

    أولاً: أداء الصلاة على وقتها، تؤديها المسلمة في بيتها ويؤديها الرجل مع جماعة المسلمين، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43].. إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

    الإكثار من قراءة القرآن وتدبره

    البعد عن أسباب المعصية

    ثالثاً: البعد عن أسباب المعصية سواءً كانت أرقام هواتف أو جهاز هاتف، أو إنترنت، أو جهاز دش، أو كان رجلاً أو امرأة، أو بلداً أو غيره فعلينا أن نبتعد عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا في حديث قاتل المائة نفس أن ذلك العالم قال له: (نعم لك توبة ولكن اترك قريتك وانطلق إلى بلد كذا وكذا، فإن فيها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم).

    استبدال الجلساء الصالحين بجلساء السوء

    الصبر على الطاعة

    الصبر عن لذة المعصية

    سادساً: الصبر عن لذة المعصية حتى يعوضه الله خيراً منها، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

    الإكثار من الدعاء

    سابعاً: أن نكثر من الدعاء بقبول التوبة والثبات، لاسيما في السجود، وعند الإفطار، وفي السفر، وفي آخر الليل.

    حضور مجالس العلم

    ثامناً: حضور مجالس العلم؛ لأنها تزيد الخشية، فالله جل وعلا يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] وما خشي العلماء الله إلا لأنهم عرفوا الله حق معرفته، فعرفوا صفات ربهم فخافوا منه، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12].. إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7] .. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] وكذلك عرفوا جنته فاشتاقوا لها، وعرفوا ناره فخافوا منها.

    تذكر الموت والقبر والحساب

    تاسعاً: تذكر الموت والقبر والحساب.

    تذكر الجنة ونعيمها

    عاشراً وأخيراً: تذكر الجنة ونعيمها.

    أسأل الله أن يتوب علينا وعليكم وعلى المسلمين أجمعين، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يكفر عنا سيئاتنا، وأن يصلح أبناءنا ونساءنا، وأن يعيذنا وإخواننا وأخواتنا المسلمين والمسلمات من شياطين الإنس والجن، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يثبتنا وإياكم على دينه إلى أن نلقاه، وأن يحشرنا في زمرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يوردنا حوضه، وأن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756505331