إسلام ويب

شرف التقوىللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التقوى مرتبة في الإيمان عظيمة، وهي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، فينبغي للمؤمن أن يسعى إلى تحقيقها والتجمل بها حتى يكون من أهلها الذين استحقوا مغفرة الله عز وجل.

    1.   

    حقيقة التقوى وفضلها وأهلها

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فالتقوى مثل كنز عزيز لئن ظفرت به فكم تجد فيه من خير عميم ورزق كريم، فكأن خيرات الدنيا والآخرة جمعت في خصلة واحدة، وهذه الخصلة هي تقوى الله عز وجل.

    اختلف الناس في تعريف التقوى:

    فقال بعضهم: التقوى: هي العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل، والرضا بالقليل.

    وقال بعضهم: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.

    وقال بعضهم: التقوى: هي علم القلب بقرب الرب.

    وأحسن من ذلك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للإحسان في حديث جبريل قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

    أي: أن التقوى هي الإحسان وهي المراقبة، وهي أن تعبد الله عز وجل كأنك تنظر إليه.

    وكان السلف يعبدون الله عز وجل على المشاهدة، كما روي أن عروة بن الزبير خطب من ابن عمر ابنته في الطواف، فلم يرد عليه ابن عمر ، فلما انتهى من الطواف اعتذر إليه وقال: كنا في الطواف نتخيل الله بين أعيننا.

    قال عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، فالذين عبدوا الله عز وجل بالإحسان وبدرجة التقوى لهم الحسنى، وهي الجنة، ولهم الزيادة، وهي النظر إلى وجه الله عز وجل.

    فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي: فإن لم تصل إلى درجة أنك تعبد الله عز وجل كأنك تراه فهناك درجة هي أدنى من هذه الدرجة توصل إليها، وهي أيضاً من الإحسان، وهي أن تعبد الله عز وجل وأنت تعتقد أنه يراك، فأنت كذلك تحسن العبادة لله عز وجل.

    لقد دلت الأدلة كلها على شرف التقوى، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، فلو أن هناك خصلة أجمع للخير العاجل والآجل من تقوى الله عز وجل لأوصى الله عز وجل بها الأولين والآخرين، فالتقوى هي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، والتقوى هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما نصح الأمة ووعظها موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون: (فقالوا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل)، فلما أحس الصحابة بخطر الموعظة وحلاوتها قالوا: (كأنها موعظة مودع) يعني: المودع يبذل جهده ويستفرغ وسعه في النصيحة فقالوا: (كأنها موعظة مودع يا رسول الله! فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

    فالتقوى هي وصية السلف الصالح من هذه الأمة، كما روي أن عمر بن عبد العزيز أوصى رجلاً فقال: عليك بتقوى الله، فإنه لن يقبل غيرها، ولن يرحم إلا أهلها، وإن العاملين بها قليل، والناصحين بها كثير، فكل واعظ وكل خطيب وكل ناصح ينصح بتقوى الله عز وجل ولكن العاملين بتقوى الله عز وجل قليل.

    وقال بعضهم: عليك بالتقوى، فإنها من أزين ما أظهرت، وأحسن ما أسررت.

    والتقوى هي وصية الأنبياء الكرام لأقوامهم، كما قال عز وجل: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:123-124].

    وقال عز وجل: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:123-124].

    وقال تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:177].

    وقال سبحانه: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:105-106].

    فكل الأنبياء الكرام أوصوا أقوامهم بتقوى الله عز وجل، ولا شك في أن الأنبياء هم أعلم الناس بما يصلح الناس، وهم أنصح الناس للناس، فأجمعوا على النصح بتقوى الله عز وجل.

    والتقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد كما قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

    لما تمنن الله عز وجل على بني آدم بما جعل لهم من اللباس الذي يواري السوءات، ومن الرياش الذي يتجملون به، دلهم على أجمل لباس وأحسن لباس وهو الذي يستر عورات الظاهر والباطن، ويستر العبد في الدنيا ويوم يقوم الناس لرب العالمين، وهو تقوى الله عز وجل، فقال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ [الأعراف:26].

    إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسيا

    وخير ثياب المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا

    والتقوى: هي أحسن زاد يتزود به العباد، كما قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].

    وقد ورد أن هذه الآية الكريمة نزلت في أهل اليمن الذين كانوا يخرجون إلى الحج ولا يتزودون للسفر، ويقولون: نحن أضياف الله، أفلا يطعمنا؟ ثم يصيرون كلاً على الناس يسألون الناس، فأمرهم الله عز وجل بالتزود لسفر الدنيا، ثم دلهم على أحسن من ذلك وهو التزود لسفر الدنيا والآخرة، فقال عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].

    وأهل التقوى هم أكرم الناس، كما قال عز وجل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، (وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس؟ قال: أتقاهم لله عز وجل) فهذا المقياس هو الذي قاس الله عز وجل به وقاس به رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بالحسب ولا بالنسب ولا بكثرة المال ولا بالجاه ولا بالشهرة، وإنما التفاضل بتقوى الله عز وجل، فقد كان سلمان فارسياً، ولم يكن عربياً فضلاً عن أن يكون قرشياً ومع ذلك رفعه الإسلام، وكان أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم عربياً قرشياً.

    لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب

    وكان سلمان يفتخر بنسبته إلى الإسلام، ويقول:

    أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

    وهذا أبو لهب قال الله عز وجل عنه: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:1-5]، فهذا عم النبي صلى الله عليه وسلم بشر بالنار، وبشر بألا يدخل الإسلام، وبشر بالعذاب هو وامرأته، هذا وهو ما زال يتحرك على الأرض ويذهب ويجيء.

    إذاً: فالمقياس هو تقوى الله عز وجل.

    ومن شرف التقوى كذلك: أمر الله عز وجل المؤمنين بالتعاون عليها، ونهاهم عن التعاون على ما يخالفها، فقال الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

    وأهل التقوى هم أولياء الله عز وجل: إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنفال:34].

    وقال عز وجل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]. فأولياء الله عز وجل هم المتقون، وهم أكرم الناس وهم أشرف الناس، فنسأل الله تعالى أن يشرفنا بالتقوى، وأن يرزقنا صفاتها، وأن يحشرنا مع أهلها.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756454209