فأي الفريقين أذكى؟ وأيهما معيشته ضنكى؟ وأيهما عاقبته أنكى؟
هذا بيان ذلك وتفصيله، وتوضيح الموضوع وتأصيله.
أما بعـد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وراقبوه، وتمسكوا بدينه ولا تعصوه، وقد تكفل الله عز وجل لمن تمسك بدينه أن يسعد في الدارين، كما وعد من أعرض عن صراطه المستقيم، وحاد عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالعذاب والشقاء في العاجل والآجل ، وتلك سنة الله في المؤمنين، وسنته في المعرضين، قديماً وحديثاً ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ولن يضيع -يا عباد الله- من أخذ العبرة بما يقرأ ويسمع ويرى، مما يجري من الحوادث والعقوبات في القرون الماضية، والأمم الحاضرة، فإن السعيد من وعظ بغيره، والشقي من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يعتبر بما حل ويحل بالأمم المكذبة، فأصر على ما هو فيه من فسادٍ وضلال، حتى يصيبه ما أصابهم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11].
وهذا والله مؤذن بسيل عذابٍ قد انعقد غمامه، ومؤذنٌ بليل بلاءٍ قد ادلهم ظلامه، فاعتزلوا عن سلوك هذا السبيل بتوبةٍ نصوح، ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].
إخوة الإسلام: هذا ما وصفه ذلك الإمام العظيم، في القرن السابع، فما بالكم بأهل هذا القرن؟! الله المستعان! لا ريب أن الأمر أشدُ وأخطر، إذ أصبح الإسلام غريباً بين أهله، وقد اكتفى أكثر الناس من الإسلام باسمه، والانتساب إليه دون عملٍ بأحكامه، فعقائدهم وعباداتهم قد داخلها الشرك والخرافة والبدعة والضلالة، ومعاملاتهم استولى عليها الغش والظلم والخديعة، وأخلاقهم قد جردت عن الفضيلة، وغزتها الرذيلة، إلا من عصم الله، وأموالهم شابها التعامل المحرم؛ من الربا والرشوة والظلم والسرقة وغيرها، وأنظمتهم دنستها القوانين الوضعية، وشبابهم قد أغرق في اللهو بأنواعه، وضيع واجبه ورسالته في الحياة، ونساؤهم قد تخلين عن الحياء والعفة، والفضيلة والحشمة، وكُنَّ سبباً في إشعال نار الفتنة، بأعمالهن الفاضحة المخالفة للسنة، حتى عمّ الفساد في البلاد والعباد، وجاهر الناس بالمنكرات والمحرمات، وأضيعت الصلوات، واتبعت الشهوات، وضعف أهل الإيمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإلى متى الغفلة أيها المسلمون؟! إن هذا والله منذرٌ بخطرٍ عظيم، وبلاءٍ عاجل، إن لم نصحُ من غفلتنا، كما يتطلب هذا الوضع، يقظةً عامة، وصحوةً رشيدة، للقادة المسلمين، وعلمائهم، والدعاة إلى الله، ليصلحوا ما فسد من أحوالهم، قبل أن يحل بهم ما حل بغيرهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تعالى يغار، وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرم الله عليه }.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أصلح فساد قلوبنا، وتب علينا، ولا تؤاخذنا بذنوبنا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة.
إخوة الإسلام: إنه إذا انتشر الفساد، وظهر الإلحاد، وجاهر الناس بالذنوب، ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم، حيث تخاذل الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فغيرُ عزيزٍ على الله سبحانه، وهو ذي العقاب الأليم، والبطش الشديد، أن يصيبهم بما أصاب من قبلهم، ومن حولهم من المكذبين: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65].
وقال تعالى في المكذبين محذراً من يفعل أفعالهم: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد:10] وقال: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] وقال سبحانه: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].
فاتقوا الله أيها المسلمون! وقوموا بما أوجب الله عليكم، وخذوا على أيدي سفهائكم، واشكروا نعمة الله عليكم بالعمل بشريعته، وأدوا الأمانة التي تحملتموها: (فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته ) كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخرجه البخاري رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما، وكلٌ على حسب حاله ومسئوليته، وليس أحدٌ معذوراً أمام الله: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:45-47].
واعلموا عباد الله! أن الله أمركم بالصلاة والسلام على رسوله، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر المسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق إمامنا لهداك، اللهم أيده بتأييدك، اللهم انصره بالإسلام يا رب العالمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم ارزقه البطانة الصالحة يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر