إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (42) - النوع الثاني والأربعون في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها [2]

عرض كتاب الإتقان (42) - النوع الثاني والأربعون في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها [2]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القواعد التي يحتاجها المفسر مستنبطة من أسلوب القرآن الكريم، وهي قواعد تفيد في فهم المعاني، ومعرفة الفرق بين الألفاظ والعبارات، ودلالات الإفراد والجمع، أو دلالات الاشتقاقات النحوية المؤثرة في فهم مدلول الآية وفهم معانيها وتفسيرها.

    1.   

    تابع قواعد مهمة في التفسير

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

    أما بعد:

    فنبتدئ بما وقفنا عليه من كتاب الإمام السيوطي رحمه الله تعالى كتاب الإتقان في علوم القرآن، وقد أخذنا جزءاً مما يتعلق بالنوع الثاني والأربعين في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها.

    وقد سبق الحديث عن أهمية هذا النوع، وعن علاقته بالتفسير، وأن له أثراً مباشراً في علم التفسير، والقواعد التي ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى كما قلت قواعد متناثرة، فبعضها مرتبط بعلم النحو، وبعضها مرتبط بعلم اللغة، وبعضها مرتبط بعلم البلاغة، وبعضها له أثر مباشر بالتفسير، وبعضها قد لا يكون له أثر مباشر ومرتبط بجمال المعنى، لكن من حيث الجملة فالموضوع كموضوع من ناحية القواعد لا شك أن له أثراً في التفسير، وهو مما يحتاجه المفسر.

    أنواع القواعد المرتبطة بعلم التفسير

    وذكرت أيضاً: أن السيوطي رحمه الله تعالى لم يتعرض لقواعد الترجيح هنا، والقواعد كما قلت: على نوعين: قواعد تعين في تفسير القرآن-يعني في بيان المعاني- وما وراء المعاني، وقواعد تفيد في معرفة القول الصحيح أو القول الأولى حال اختلاف المفسرين، وهي التي نسميها بقواعد الترجيح.

    وأغلب القواعد مذكورة عندنا هي من القسم الأول التي تفيد في بيان المعاني أو ما وراء المعاني.

    قاعدة التعريف والتنكير

    نبدأ بقاعدة في التعريف والتنكير، وهي قاعدة مهمة فيما يتعلق بالتعريف والتنكير؛ لأن التعريف والتنكير في القرآن كثير جداً، ولهذا استقراء كل آيات التعريف والتنكير يكون صعباً، وإنما يكون الإلمام خاصة بالتنكير وفوائد التنكير وهي التي يُكثر العلماء الحديث عنها.

    وقد كتب في هذا رسالة علمية أخونا الدكتور محمد زيلعي في التنكير، ولو تأملتم ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى من فوائد التنكير أو أسباب التنكير، فستجدون أسباباً كثيرة، وهي في الحقيقة نوع من الفوائد، فعلى سبيل المثال لو أخذنا النوع الذي ذكره في قضية التعظيم الذي هو النوع الثالث من أسباب التنكير، قال: بمعنى أنه أعظم من أن يعين ويعرف، وذكر مثالاً، وهو قوله سبحانه وتعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ[البقرة:279]، فإنه قد يسأل السائل لماذا نكر الحرب في هذا الموضع؟ فيقال: نكرها للتعظيم، يعني كأنه قال: حرب عظيمة جداً، فإذاً: التنكير هنا المراد به التعظيم.

    وأيضاً من الأمثلة كذلك وهو النوع الخامس الذي ذكره وهو: انحطاط شأنه إلى حدٍ لا يمكن أن يعرف وهذا مقابل للتعظيم، وذكر فيه قوله سبحانه وتعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا[الجاثية:32]، يعني ظناً حقيراً كأنهم يقولون: لا يُعبأ به ولا يؤبه له، فهذا داخل ضمن بلاغة المعاني، وهذا هو ما وراء المعنى؛ لأنه حين ما نفسر الآية الأولى التي ذكرناها: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ[البقرة:279]، أو الآية الثانية، فإن المعنى الجملي لها واضح، لكن ما أضافه التنكير هذا جاء بعد تمام المعنى، وقد ذكر أمثلة كثيرة وأسباباً فيما يتعلق بقضية التعريف والتنكير، وأطال فيها يمكن مراجعتها.

    قاعدة الإفراد والجمع

    ثم ذكر قاعدة في الإفراد والجمع، وأيضاً هذه قاعدة تدخل في وظائف التفسير، وكثيراً ما يُسأل عنها، على سبيل المثال ذكر في القضية الأولى السماء والأرض، ولم يرد ذكر الأرض مجموعاً في القرآن والسماء وردت مجموعة فيقول: إذا كان العدد مراداً فتأتي السماوات بالجمع، وإذا كان المراد جهة العلو فتأتي السماء مردة، ونلاحظ أن ذكر السماوات من حيث العدد، ولا يعني أن العلو ليس مراداً بها؛ لأن الأصل في السماء هو العلو، أما الأرض فلم ترد إلا مفردة، ولم ترد إشارة إلى الجمع فيها إلا في قوله سبحانه وتعالى: وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ[الطلاق:12]، والخلاف قد سبق الكلام فيه، هل المثلية من حيث الصفة أم من حيث العدد؟ وذكر أنه كتب في ذلك كتاباً في أسرار التنزيل، وهو: قطف الأسرار في كشف الأزهار، وهو كتاب متين، وعباراته متلاحقة بالفوائد، فمن اطلع على الكتاب يعرف أن السيوطي رحمه الله تعالى كان صاحب انتقاء في هذا الكتاب.

    وذكر أيضاً قضية الريح والرياح والقاعدة المعروفة في ذلك أنه: إذا أفردت فإنها تدل على عذاب، وإذا جمعت فإنها تدل على رحمة، وهذه قاعدة أغلبية وليست كلية في هذا اللفظ.

    كذلك أيضاً قضية النور والظلمات، فأفرد النور على أنه صراط الله سبحانه وتعالى وهو واحد، والظلمات كثيرة، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ[الأنعام:153]، فكأنه أشار إلى أن طرق الكفر كثيرة، ولكن طريق الإيمان هو واحد لا يتعدد، وذكر أمثلة كثيرة من هذا.

    ومما ذكره أيضاً في هذا المبحث، مجيء المشرق والمغرب، فالمشرق والمغرب في القرآن ورد بالإفراد وورد بالتثنية وورد بالجمع، فإذا ورد بالإفراد فباعتبار الجهة، أي: رب المشرق ورب المغرب باعتبار جهة الشرق وجهة الغرب، وإذا ورد بالتثنية فباعتبار مشرقي الصيف والشتاء، وإذا ورد بالجمع فباعتبار مشرق كل يوم، ومغرب كل يوم، يعني: رب المشارق ورب المغارب على أنها مشارق يومية، فكأن للشمس 365 مشرقاً على حسب عدد الأيام، فكأنها كل يوم تكون في مشرق، وهذا معروف عند القدماء، ولهذا في الأندلس وكذلك في غيرها صنعوا للشمس بيتاً خاصاً بحيث أنه في وقت محدد تشرق الشمس من كوة وفي وقت محدد من كوة، وفي اليوم الثاني تشرق من الذي بعده، وهكذا على حسب عدد أيام السنة، وأحب أن ننتبه لهذه القضية فقضية المشارق والمغارب معروفة عند المتقدمين.

    ثم أورد المؤلف فوائد أخرى متعلقة بقضية الجمع مثلاً الأبرار، فالأبرار تأتي للآدميين، والبررة تأتي للملائكة، وهذا بناءً على قوله سبحانه وتعالى: كِرَامٍ بَرَرَةٍ[عبس:16]، ولم ترد بررة إلا في هذا الموطن، أما الأبرار فوردت في مواطن كثيرة.

    كذلك أورد: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وكذلك إخوانكم وذكر الفرق بينها، وعندنا طبعاً مسائل كثيرة، لكن نريد أن ننتقل إلى بعض القواعد.

    قاعدة الألفاظ التي يظن بها الترادف

    وذكر قاعدة في ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه، وهذه قاعدة مهمة جداً لمن أراد أن يتعاطى التفسير؛ لأن معرفة الفروق بين الألفاظ لها أثر في فهم دقائق المعاني، فالمعنى العام قد ندركه، لكن الفرق بين المعاني قد لا ندركه، فمثلاً هو يذكر الفرق بين الخوف والخشية، ونحن نقول الخوف والخشية يجتمعان في معنىً ثم يمتاز أحدهما بمعنىً لا يوجد في الآخر، فلاحظ هو يقول: [ لا يكاد اللغوي يفرق بينهما، ولا شك أن الخشية أعلى منه ] يعني: أعلى من الخوف، قال: [ وهي أشد الخوف، فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية أي يابسة ] إلى آخر كلامه، نحن لو أخذنا الآن على كلامه هذا أن الخشية هي أشد الخوف، إذاً الآن اجتمعت هي والخوف في معنى الخوف، لكن انفردت الخشية بكونها أشد الخوف، والخشية من الله سبحانه وتعالى يزيد معها شيء آخر، وهي التعظيم و المحبة، فإذاً يكون هناك ميزة بين مطلق الخوف وبين خصوصية الخشية، فنقول: كل خشية خوف وليس كل خوف خشية، وهذه كما سبق أخذنا أمثلة لها ونحن نناقش في تفسير الطبري قلت لكم: إن هذا الأسلوب هو أسلوب كلي وليس يمكن أن نفرق به بين الألفاظ، أو ندرك به الدقائق بين الألفاظ.

    ثم ذكر طبعاً أمثلة أخرى فيما يتعلق بقضية الفروق مثل الفرق بين الشح والبخل، والفرق بين السبيل والطريق، وهذا فيه كتب، ومن أهم من اعتنى به من علماء القرآن الراغب الأصفهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرآن، وكان يود أن يضع كتاباً في الفروق اللغوية، والله أعلم وضعه أم لا؛ لأنه أشار في مقدمة المفردات أنه سيضع كتاباً في ذلك بعد أن ينتهي من هذا الكتاب، لكن لا يُعلم هل هو وضعه أو لا؛ لأنه لا يوجد هذا الكتاب ولا يوجد أيضاً حتى كتاب مجهول يمكن أن يُقال بأنه لـلراغب . أيضاً أبو هلال العسكري كتب كتابه الفروق اللغوية وهو مفيد في هذا الجانب؛ إلا أنه تكلم فيه عن الفروق في اللغة عموماً، ولكنه أيضاً قد يُفيد في هذا الجانب.

    كذلك ابن القيم رحمه الله تعالى أشار إلى فروق كثيرة سواءً لغوية أو غيرها، وأيضاً أشار إلى أنه يحسن جمع هذه الفروق وجعلها نفائس العلم.

    وهناك كتب أخرى مثل كليات أبي البقاء فيها أيضاً شيء من الفروق اللغوية، وكذلك الطاهر بن عاشور اهتم بهذا الجانب، وكل من أراد أن يحرر معنى اللفظ بدقة، فإنه غالباً يُعنى بما يتعلق بقضية الفروق اللغوية.

    وقد سبق أن ناقشنا قضية الترادف في القرآن في موطنٍ سابق.

    ونلاحظ أيضاً أن من اللطائف في ما يتعلق بهذا الباب في: (أتى وجاء) والفرق بينهما وذكر الفرق بين أتى وجاء، فقال: الأول الذي هو جاء يقال في الجواهر والأعيان والثاني في المعاني والأزمان، ونستطيع أن نثبت هذا بأن نستقرئ القرآن ونستقرئ أشعار العرب، فيتبين لنا هل هم يستخدمون هذا أو لا؟ ولهذا قال: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ[يوسف:72]، فجعله في الأعيان، وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ[يوسف:18]، جعله في الأعيان، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ[الفجر:23]، في الأعيان، لكن لما أتى مثل قوله: أَتَاهَا أَمْرُنَا[يونس:24]، هذه جعلها في المعاني أو الأزمان. قال: وأما: وَجَاءَ رَبُّكَ[الفجر:22]، أي: أمره، فهذا فيه نظر كما تعلمون، وإنما يُثبت المجيء حقيقة لله سبحانه وتعالى، ذكر طبعاً أمثلة أخرى ما نطيل فيها.

    قاعدة السؤال والجواب

    ننتقل إلى قاعدة: السؤال والجواب، وذكر فيها مسائل كثيرة لكن نكتفي الآن منها ببعض الدقائق التي ذكرها، والأصل في الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال، هذه هي القاعدة، عند جميع الناس، فإذا قلت: أين محمد؟ يقول لك مثلاً: محمد في البيت، ما يمكن تقول: أين محمد؟ فتجيبه بإجابة أخرى، تقول: أكل التفاح مثلاً هذا لا يتناسب، فإذاً لا بد من المطابقة بين السؤال والجواب، ذكر عن السكاكي ما يسمى عنده بالأسلوب الحكيم، وقد يجيء الجواب أعم من السؤال للحاجة إليه في السؤال، وقد يجيء أنقص لاقتضاء الحال، هذا الذي يسميه السكاكي الأسلوب الحكيم، بمعنى أنه يسأل سؤالاً عن شيء، فهو بدل ما يُجيب عن هذا السؤال يُجيبه بقضية أخرى لها ارتباط بالسؤال، لكن فيها فائدة للسائل، ذكر مثالاً في ذلك في قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ[البقرة:189]، الآن يقول: أنهم سألوا عن الهلال لمَ يبدو دقيقاً مثل الخيط، ثم يتزايد قليلاً قليلاً حتى يمتلئ ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ، فأجيب ببيان حكمة ذلك تنبيهاً على أن الأهم هو السؤال عن ذلك، فالحكمة من الأهلة هي المرادة، فأجيب عن الأهم. التفتازاني وهو متوفى سنة 792ه لما علق على كلام السكاكي قال عنه السيوطي : واسترسل التفتازاني في الكلام إلى أن قال: لأنهم ليسوا ممن يطلعوا على دقائق الهيئة بسهولة، والصحابة رضي الله عنهم لو تأملنا الآن العلم الذي أنزل عليهم الذي هو القرآن وفيه أخبار عن ملكوت السماوات والأرض، هل عند الصحابة قدرة أن يعلموا بدقائق وتفاصيل هذا الملكوت أو لا؟ الجواب يقول: ليس عندهم قدرة طيب وإذا اطلعوا يستطيعون وإلا ما يستطيعون؟ نريد أن نسأل سؤالاً آخر، يعني: هل قدراتهم العقلية تتحمل أن يعرفوا تفاصيل علم الهيئة وإلاّ ما يمكن؟ الذي هو علم الفلك وتفاصيله.

    الجواب: عندهم القدرة، ولهذا قال: لأنهم ليسوا ممن يطلعون على دقائق الهيئة بسهولة، إذاً التفتازاني توفي في القرن الثامن، فهذا فيه إشكال، يعني أريد أن تنتبهوا له، وسبق أن نبهت أكثر من مرة أننا حينما نتعامل مع الصحابة بالذات يجب أن يكون عندنا تمام التأدب في التعبير، وأن نتنبه إلى ألا نقع في الخطأ مع مقامهم رضي الله عنهم؛ لأنا إذا نظرنا إلى هذه المسألة بالذات نقول: الصحابة آمنوا بما هو أكبر من هذا، ولهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما جاءه المشركون وطمعوا في ردته لما قالوا له: ألم تر ما يقوله صاحبك؟ يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس وعاد من ليلته، فقال: أو قد قال؟ قالوا: نعم، قال: إن كان قال فقد صدق، فإني أصدقه بخبر السماء، أفلا أصدقه في أن يذهب إلى بيت المقدس ويعود؟ يعني هو يصدقه بأبلغ من هذا، فهذه العقول التي اختارها الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه، ولأن تكون أيضاً قادرة على حمل وحيه وعلم الوحي وإيصاله للناس، كيف لا تكون قادرة على أن تعرف هذه الأجرام وتفاصيلها فهذا مشكل، وأيضاً عندي هناك أيضاً نظر آخر فيه خفاء وهو محتمل، لكن أذكره من باب المدارسة أن من يقول من الفضلاء هذا، وأنا أجزم يقيناً أن لازم هذا الأمر لو قُرر به مثل التفتازاني وغيره أن يقول: أنا لا أقول بهذا، لكنه مشكل لأنه يوصل هذا اللازم، كأن هذا فيه نوع من الاعتراض على قدر الله في اختيار هؤلاء الأصفياء أن يكونوا محلاً لحمل وحي الله سبحانه وتعالى، كيف؟ يعني كأن هؤلاء لم يستطيعوا أن يدركوا هذه التفاصيل واستطعنا نحن المتأخرين، كأننا نقول: إن قدراتنا العقلية أقوى من قدرات هؤلاء، وهذا لا شك أن المسلم عنده يقين جازم جداً بأن من اختاره الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه هو أكمل ممن تأخر عنهم قطعاً، ويجب أن ننتبه إلى هذه الحيثية، وكما قلت لكم: تأخذون هذا من باب المدارسة، لكي تُضبط هذه المسألة.

    فـالسيوطي رحمه الله تعالى اعترض عليه اعتراضاً شديداً فقال: وأقول: ليت شعري من أين لهم أن السؤال وقع عن غير ما حصل الجواب به، الآن اعترض على فهم السكاكي و تفصيلات التفتازاني ، قال: وما المانع من أن يكون إنما وقع عن حكمة ذلك ليعلموها، فإن نظم الآية محتمل لذلك كما أنه محتمل لما قالوه، والجواب ببيان الحكمة دليل على ترجيح الاحتمال الذي قلناه، وقرينة ترشد إلى ذلك؛ إذ الأصل في الجواب المطابقة للسؤال والخروج عن الأصل يحتاج إلى دليل، يعني كأنه يقول: أنا معي الأصل وما يذكره السكاكي خارج عن الأصل فيحتاج إلى دليل، إلى أن قال بعد ذلك وذكر عن أبي العالية أنه لمَ خلقت الأهلة، فأنزل الله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ[البقرة:189]، قال: فهذا صريح في أنهم سألوا عن حكمة ذلك، لا عن كيفيته من جهة الهيئة ولا يظن ذوو دين بالصحابة الذين هم أدق فهماً وأغزر علماً أنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق الهيئة بسهولة، وقد اطلع عليها آحاد العجم الذين أطبق الناس على أنهم أبلد أذهاناً من العرب بكثير، هذا لو كان للهيئة أصل معتبر، فكيف وأكثرها فاسد لا دليل عليه، وقد صنفت كتاباً في نقض أكثر مسائلها بالأدلة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صعد إلى السماء ورآها عياناً، وعلم ما حوته من عجائب الملكوت بالمشاهدة، وأتاه الوحي من خالقها، ولو كان السؤال وقع عما ذكروه لم يتمنع أن يُجاب عنه بلفظٍ يصل إلى أفهامهم، كما وقع ذلك لما سألوا عن المجرة وغيرها من الملكوتيات، انتهى كلامه.

    ونقول هذا كلام جداً مهم ذكره السيوطي رحمه الله تعالى وهو مهم في أننا نتنبه حين ما نتكلم عن مقام الصحابة، فهم كما قال: أدق فهماً وأغزر علماً، لكن الإشكالية التي نحتاجها نحن في أن نثبت بالبرهان دقة فهم الصحابة ويعني غزارة علمهم رضي الله عنهم، ولعله إن شاء الله يأتينا مقامات في التفسير نبين فيها هذه الأمور.

    قاعدة الخطاب بالاسم والفعل

    عندنا أيضاً قاعدة في الخطاب بالاسم والفعل، يعني الخطاب بالاسم والخطاب بالفعل، وهذا سبق وأن أخذناه كثيراً فيما يتعلق في التفسير، وذكر أن الاسم يدل على الثبوت والاستمرار، والفعل يدل على التجدد والحدوث، ولا يحسن وضع أحدهما موضع الآخر، وهذه مرتبطة بما بعد المعنى، يعني مرتبطة بأساليب الخطاب التي هي في البلاغة.

    ثم ذكر مثلاً قوله سبحانه وتعالى: َكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ[الكهف:18]، يقول: لو قيل: يبسط، لم يؤدّ الغرض؛ لأنه يؤذن بمزاولة الكلب البسط وأنه يتجدد له شيء بعد شيء، فـ (باسط) أشعر بثبوت الصفة، فكأنه لما نام على هذه الهيئة ثبت عليها، فهو باسط ذراعيه لا يتحرك، لو قال: يبسط معناه كأنه يبسط ويقبض، فيحصل فيها قبض وبسط، فالفعل يدل على الحدوث، أنه يفعله مرة بعد مرة، والاسم دل على ثباته على هذه الصفة، ولهذا لما جاء عند القوم، قال: وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ[الكهف:17]، هل هي تحركهم أو أنها هي التي تتحرك عنهم؟ فإن كان على العموم سواءً فعل منها أو منهم، فهو يدل على الحدوث، أنه يحدث مرة بعد مرة، أما لما جاء عند الكلب قال: باسط، للدلالة على الاستمرار.

    أمثلة كثيرة.

    فائدة زائدة على الحدوث والتجدد في مدلول الفعل المضارع

    لكن مما يحسن أن نتنبه إليه أن هناك فائدة أخرى غير قضية التجدد والحدوث التي هي تصوير الحال، نلاحظ مثلاً: وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ[يوسف:16]، هل هم يبكون كل عشاء؟ أو جاءوا مرة واحدة؟ هم جاءوا مرة واحدة، فإذاً لما قال: يَبْكُونَ[يوسف:16]، دل الفعل على الحدوث، لكن ما هي الفائدة من مجيئه مضارعاً ولم يكن ماضياً؟ أو أن يكون باسم الفاعل باكي، كأنه لتصوير الحدث، ولهذا من فوائد الفعل المضارع إضافة على التجدد والحدوث تصوير الحدث، يعني كأنك تشاهد الحدث، يقول لك: الحال الذي جاءوا فيه في هذا الوقت كان هذا هو الحال، كأنك تشاهدهم وهم يبكون، هذا يسمونه تصوير الحال، فإذاً من فوائد الفعل المضارع تصوير الحال، إذاً الحدوث هذا في أصل الفعل التجدد يكون مع الفعل المضارع، فإن لم يظهر فيه التجدد فإنه يدل على تصوير الحال.

    علاقة علم الأصول بالقرآن

    فأقول: أيها الإخوة! هذا الباب الذي هو باب القواعد، كما تلاحظون أغلبه مرتبط بعلوم العربية، يعني أغلب هذا مرتبط بعلوم العربية، ولو رجعتم إلى ما كُتب في قواعد التفسير سواءً متفرقات أو ما جمعوا مثل الشيخ الدكتور خالد السبت حفظه الله في قواعد التفسير، ستجدون أن قواعد التفسير التي ذكرها هي قواعد مرتبطة بعلوم العربية، وقواعد مرتبطة بما يسمى بعلم أصول الفقه، وقد يعترض بعضهم ويقول: كيف يجمع هذه القواعد وهي ليس لها علاقة بالتفسير؟ فعلم أصول الفقه لا علاقة له بالتفسير وعلوم العربية أيضاً أوسع من علم التفسير.

    هنا أقول: يجب أن ننتبه إلى قضية مهمة وهي أن ترتيب العلوم لمعرفة العلائق بالعلوم مهمة جداً، فالآن لما نأتي إلى أصول الفقه يعني علم أصول الفقه، هل هذا العلم مختص فقط بالحديث النبوي، يعني: يستنبط منه أو يناقش فقط الحديث النبوي؟ والجواب: أنه يناقش النص الشرعي سواءً كان قرآناً أو سنة، فإذاً الآن له ارتباط بالقرآن وما دام أن له ارتباط بالقرآن ننظر هذا الارتباط بالقرآن الذي في أصول الفقه لا يعدو أن يكون أحد أمرين: إما أن يكون له أثر في المعنى فهذا يدخل في علم التفسير أصالةً، وإما أن يكون له أثر في الاستنباط، فهذا يكون بعد فهم المعنى فهو من علوم القرآن.

    فإذاً مسائل أصول الفقه المرتبطة بالقرآن هي في الحقيقة من علوم القرآن، والذي وقع أن علماء أصول الفقه اجتهدوا فكتبوا في أصول الفقه قبل أن يكتب علماء علوم القرآن كتبهم الموسوعية، فلما كتبوا كتبهم الموسوعية وأخص بذلك صاحب البرهان الزركشي ثم بعده البلقيني ثم بعده السيوطي في كتبه، ثم من جاء بعدهم، ولما جاءوا يكتبون استفادوا مما كتبه الأصوليون في كتبهم، فنقلوا مادة الأصول، فقد يُظن أن مادة الأصول هذه دخيلة على علوم القرآن، ونقول: لا ليست بدخيلة، لكن نحتاج في هذا الأمر الذي هو أصول الفقه أو مسائل أصول الفقه في كتب علوم القرآن إلى أمرين:

    الأول: أن نذكر منها ما يرتبط بالنص مباشرة.

    والثاني: أيضاً أن نضيف إليها ما تُرك من مسائل أصول الفقه وهي مهمة للمفسر.

    وأضرب مثالاً سريعاً في هذا ومر علينا كثيراً، مثلاً: لما نأني إلى العموم والخصوص، لو نظرنا إلى مسائل العموم والخصوص سنجد أمثلة كثيرة جداً في العموم والخصوص تُناقش في علوم القرآن بنفس النفس الأصولي، بل هي مستقاة من كتب علم الأصول.

    يبقى عندنا مسائل مرتبطة بالعموم والخصوص لا يمكن نجدها إلا عند المفسرين، وهي التمثيل للفظ العام، وهذا مرتبط بالعموم، ومن المسائل المرتبطة بعموم القرآن، لكن لا تكاد تجدها عند الأصوليين، بل تجدها في كلام المفسرين، فأقصد من ذلك أن ننتبه لهذه الحيثية.

    فإذاً عندما نقول: إن هناك قواعد مرتبطة بعلوم العربية باعتبار القرآن نصاً عربياً، أو قواعد مرتبطة بأصول الفقه باعتبار القرآن نصاً تشريعياً، فليس يعني هذا أن هذه القواعد لما نسميها قواعد تفسير ليست هي أصالةً من علوم المفسر أو من قواعد التفسير، بل هي أصالةً من قواعد التفسير وهي مشتركة مع غيره من العلوم.

    هذا ما يتعلق بقضية القواعد، ونقف عندها وإن شاء الله الدرس القادم نتكلم عن النوع الثالث والأربعين، وهو ما يتعلق بالمحكم والمتشابه، وهو من أكثر علوم القرآن إشكالاً كما سيأتي إن شاء الله، لكن لعلنا إن شاء الله نحلله وننتهي منه بإذن الله.

    وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757039680