إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (60) - النوع الثاني والستون في مناسبة الآيات والسور [1]

عرض كتاب الإتقان (60) - النوع الثاني والستون في مناسبة الآيات والسور [1]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • البحث عن الحكمة في ترتيب الآيات والسور مطلوب؛ لأن المرتب لذلك خصوصاً الآيات هو أحكم الحاكمين، ففعله صادر عن حكمه، وقد اعتنى السلف بالتأليف في المناسبات كالبقاعي وأبي حيان، وأول من أظهر علم المناسبات هو أبو بكر النيسابوري.

    1.   

    المنح المكتسبة من محن اليهود في غزة وغيرها

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    في أحد الإخوة كان عتب علينا أن ما علقنا على الأحداث، وسبق أن قلنا له: إنا علقنا في درس سابق.

    كما نلاحظ ولله الحمد والمنة في هذه المحنة التي نراها ما زال هناك ترقب للمنح، فإخواننا الذين في الجبهات نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظهم قاموا بما يستطيعون، ولا شك أنه بقي العمل علينا نحن، والحمد لله لا نريد أن نذكر الآن ما هي المكاسب؛ لأننا ما زلنا ننتظر إن شاء الله مكاسب أكبر من هذا، لكن ما هي المكاسب التي نستطيع أن نستجليها من هذا الحدث؟ وسبق أن ذكرت في لقاء أنه من الأشياء الضرورية التي يجب أن يعمل عليها لاحقاً هي قضية اجتماع الكلمة بين المسلمين؛ لأنه ظهر مما لا يدع مجالاً للشك أن هناك قضايا كبرى يعنى بها جميع الإسلام، مثل قضية الرسول صلى الله عليه وسلم وما وقع من سبه عليه الصلاة والسلام، فهذه أحدثت رجعة كبيرة جداً وأحدثت أيضاً تآلف بين المسلمين وتوحد في الصفوف.

    كذلك مثل هذه القضية التي هي قضية فلسطين وهي قضية جوهرية الآن عادت إلى السطح وبقوة، فهناك مصطلحات كثيرة كنا قد فقدناها أو كدنا أن نفقدها كما نعلم مصطلحات متعلقة بالولاء والبراء والجهاد وغيره؛ الآن بدأت ترجع مرة أخرى وبقوة، ونعلم أن سنة الله سبحانه وتعالى في الإسلام أنه كلما ابتلي المسلمون بلاءً عظيماً خرجوا منه بمنح، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب تكالب الأعداء على المدينة؛ وبالمنظور البشري المدينة ستسقط، ولكن جاء الله سبحانه وتعالى بجنوده، ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( اليوم نغزوهم ولا يغزونا )، ونحن نتمنى أن يكون هذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم يتحقق أيضاً في غزة.

    ليس عندنا الآن إلا أن ندعوا الله سبحانه وتعالى لإخواننا، وأن نقدم ما نستطيع حسب ما يتيسر وأنتم تعرفون الظروف مهما كان يجب أن تراعى، ولا يخرج الواحد منا بآراء فردية يتبناها وكأنه سيكون إبراهيم محطم الأصنام؛ لأن هذه مشكلة لما تخرج مثل هذه الأشياء، فهذه قد تفسد القضية أحياناً أكثر مما تصلحها، وقد يطنطن حولها الأعداء؛ لأن الإعلام بأيديهم فيفسد كثيراً مما يجنى من مكاسب، فيجب أن ننتبه لمثل بعض.

    وأحياناً الدعوات قد تكون فوق طاقة المسلمين؛ فلذا يجب أن نعالج أمورنا على حسب ما هو موجود في الساحة، وأن نعمل في المتاح، والله سبحانه وتعالى يقول: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16]، فهذا الذي نستطيعه ونستطيع أن نقدمه، وإذا استطعنا أن نقدم أكثر ونطالب بأكثر فهذا جيد.

    المقصد من هذا أن يكون عندنا أن هذا الحس يتنامى شيئاً فشيئاً، وهو الآن ولله الحمد يتنامى، فالأعداء من حيث يريدون أن يقضوا على هذا الدين هم في الحقيقة أداة من أدوات إحيائه، يعني من حيث يريدون القضاء عليه فهم في الحقيقة يحيونه ولا يميتونه.

    والقدر والقضاء كله بيد الله سبحانه وتعالى، صحيح أن هناك مآسي وأشياء تبكي، بل إن العين تكاد تدمع دماً مما يشاهد لكن لثقة المسلم بربه ومعرفته بسنن الله سبحانه وتعالى يحس بنوع من الطمأنينة في مقام هذه المحنة الشديدة جداً على إخواننا، وكم نتمنى فقط لو يسمعون على الأقل أننا معهم بأنفسنا ودعائنا وقلوبنا وبما نستطيع.

    أعظم انتصار الثبات على المبدأ

    ولذا أقول: الأمثلة في القرآن كثيرة جداً في مثل هذه الأحوال، من أكثر الأمثلة وضوحاً قصة أصحاب الأخدود، وهذه القصة عظيمة؛ كثير من يقرأ سورة البروج ولا ينتبه لهذا المثل العظيم الذي طرح في قصة الأخدود، نلاحظ الآن قصة الأخدود السؤال الذي يرد: هل انتصر أصحاب الأخدود في الدنيا؟ الجواب: لم ينتصروا؛ والانتصار الذي كان من أصحاب الأخدود هو الانتصار في الثبات على المبدأ، لأن الثبات على المبدأ والموت عليه هذا نوع من الانتصار كثير من الناس لا يفقهه، ونحن نتمنى في ما نشاهده أن يكون إخواننا إن شاء الله في غزة قد حققوا هذا النوع من النصر، وهو الثبات على المبدأ؛ لأن الثبات على المبدأ هو القوة، فكل من شاهدناه في أي قناة من القنوات لم نسمع أحداً منهم اشتكى أو تألم أو تجد أن عنده حساً غير الحس الإسلامي، كل من رأيناه يذكر الله سبحانه وتعالى ويدعو على هؤلاء الأعداء، ويطلب نصرة إخوانه، ما رأينا أحداً منهم يقول أن هذا بسبب فلان أو بسبب علان، إنما نسمعه من أهل النفاق، وأهل النفاق في كل زمان وآن يخرجون بنفس الطبيعة التي ذكرهم الله سبحانه وتعالى في القرآن.

    ولهذا من عجائب القرآن أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر هذه الأمور ذكرها بالأوصاف، وفائدة ذكرها بالأوصاف؛ لكون الأوصاف تنطبق على أشخاص في أزمنة متعددة ومتناقلة، فما كنا نسمع عنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نراه اليوم ماثلاً أمامنا، أهل النفاق وماذا يفعلون، أهل الكفر ماذا يفعلون، النصارى وأعدائهم، اليهود وأعدائهم، كل شيء مشاهد لنا، ولما نقرأ القرآن نجد أنه يشير ويدل على هذا كله.

    ولهذا من الأشياء التي لم يستطع الأعداء أن ينزعوها من قلوب المسلمين هو هذا الكتاب الذي يحيون به مرة بعد مرة، وهو بالفعل حياة؛ ولذا نلاحظ حين ما تسمع حتى بعض الذين يتكلمون وعندهم حس إسلامي من المحللين وغيره؛ إذا ذكر الآيات وربطها بالأحداث كأنك تقول: هذا الشأن الذي نراه اليوم كأن هذه الآيات لا تتحدث إلا عنهم؛ من شدة ذلك الارتباط بين هذه الآية وهذا الحدث.

    فلذا أقول أيها الإخوة: نحن ولله الحمد والمنة مع ما نرى من هذه المحنة العظيمة جداً إن استمر إخواننا في ثباتهم على مبادئهم وصبروا؛ قطعاً النتيجة بإذن الله أنهم سيكونون هم أهل النصر، والنصر في النهاية سيكون حليفاً لهم.

    اتفاق كتائب المقاومة في فلسطين أنموذج لاتفاق المسلمين

    وقد سبق أن ذكرت أنه من أهم الأشياء الحقيقة التي رأيناها وهي التي تشير وتدل على أهمية التكاتف؛ فكما نعلم أن حماس غير الجهاد، وغير كتائب الأقصى، كلهم فرق، لكنهم بينهم اتحاد وتجانس في العمل مع بعضهم، وإن كان قد يكون عندهم اختلاف في بعض الأشياء، في بعض المناهج؛ هذا موجود، فهذا الاتفاق الحقيقة اتفاق مهم جداً يدعونا إلى أن يكون بيننا نحن المسلمين أيضاً نفس القضية، نتفق على مثل هذا العدو الأكبر، لكن لا يعني الاتفاق عدم التناصح؛ لأن بعض الناس مع الأسف حين ما تذكره مثل هذا يتكلم عن المبتدعة وأهل البدع، وهذا في الحقيقة في مثل هذا المقام نوع من الشبه والتضليل الإبليسي في تفريق المسلمين، لما نقول لك: تتكاتف مع إخوانك المسلمين لا يعني ذلك أنك لا تنصحهم، فالنصيحة دائمة، لكن التكاتف في مثل هذه الحال عدو يهودي يضربهم، ومعقول أن تكون في صف اليهودي أو تكون ساكت، وتزعم أنك محايد، ولا تكون في صف إخوانك حتى لو كنت تخالفهم في المنهج، نعلم أنك تخالفهم في المنهج لكن انصرهم؛ لأنه الآن أقل شيء أنهم مظلومون، حتى الكافر لو كان مظلوماً فإن نصرته أيضاً تجوز، وهو كافر، فما بالك إذا كان من أهل لا إله إلا الله؟! بل هم من أهل السنة في الإطلاق العام، فهذا لا يحسن في مثل هذا المقام، يكفينا ما نسمع من المنافقين في كلامهم عن أن يأتي أحد من صفنا ويتكلم بمثل هذا الكلام.

    ولا شك أن مثل هذه المحن تغربل الأفكار، وتغربل الرجال، وتغربل حتى الدول، فتجد مثلاً بعض الذين أحرجوا من بعض الدول لما يأتي الخطاب الرسمي كيف يكون، كل هذه المشاهد يشاهدها، ويرى كيف تتحرك هذه الصورة، ولا شك أن الإنسان ينزعج أن يجد بعض الدول الكافرة تنصر قضيتنا أكثر مما ينصرها من هم حول هذه القضية، لكن هذه سنة الله سبحانه وتعالى، ونحن ندعوا الله سبحانه وتعالى ليلاً ونهاراً في أن يرفع هذه الغمة، وأن يجعل عاقبتها إلى خير، وأملنا بالله سبحانه وتعالى كبير في هذا.

    وكما قلت: ما نشاهده من إخواننا من قضية الصبر والثبات على المبادئ الحقيقة أنها بداية لانطلاقة جديدة وهي نهاية لمعسكر الكفر من اليهود والنصارى؛ فالغرب الكافر سقط في أفغانستان، وسقط في العراق سقوطاً واضحاً مع محاولة الإعلام المضلل مرة بعد مرة في تزيين هذه الصورة، إلا أن السقوط واضح جداً، والآن اليهود سقطوا في لبنان وأكملوا سقوطهم في غزة، كيف تأتي تحارب أناس لا طاقة لهم بك وليس معم سلاح؟ ممنوع منهم السلاح، وهذا من الغرائب كيف يمنع على قوم السلاح؟ أقول: إن مثل هذا أيضاً مما يجب أن ينتبه له وهو هل حرام على أهل فلسطين أن يمتلكوا سلاحاً؟! من الذي حرمه؟! في أي شرع يحرم على هؤلاء أن يدافعوا على أنفسهم؟! فلعل الله سبحانه وتعالى أن يمن على إخواننا بنصر قريب، يثلج صدورنا وصدورهم، إنه سميع مجيب.

    1.   

    الحكمة في ترتيب الآيات والسور

    بسم الله.

    ونبتدأ بالنوع الثاني والستين في مناسبات الآيات والسور.

    المؤلف رحمه الله تعالى ذكر هذا النوع في هذا الموطن بعد ما ذكر ما يتعلق بفواتح السور وخواتم السور، وذكر فواتح السور وخواتم السور بعد فواصل الآي، وفواصل الآي ذكرها بعد بدائع القرآن، وبدائع القرآن يتعلق بالذات بعلم البلاغة وفي أشياء كثيرة تركتها، لم نقرأها مرتبطة بالبلاغة، لعلنا إن شاء الله إذا انتهينا من الكتاب نرجع إليها ونذكر بعضها لأهميته في ما يتعلق بفهم بلاغة القرآن بإذن الله.

    فالفواصل كما نلاحظ مرتبطة بالآيات، والفواتح والخواتم أيضاً مرتبط بالآيات أيضاً وكذلك بالسور، كأنها علوم مرتبطة بالآيات والسور، من حيث كونها آية كاملة، يعني فواتح آية كاملة، أو خواتم آية كاملة.

    وهنا الآن عندنا مناسبة آية مع آية وليست مناسبة ألفاظ.

    في الفواصل المرتبطة بآية -يعني في ما يتعلق بفاصل في بالآية- ثم الفواتح مرتبطة بالآية ثم الخواتم مرتبطة أيضاً بالآية، ثم عندنا هذه المناسبات في الآيات والسور، كذلك الفواتح والخواتم مرتبطة بالسور؛ فهذه الموضوعات مرتبط بعضها ببعض بهذه السور التي ذكرتها.

    فلو أردنا أن ننظر إلى مناسبة أخرى فهذا الموضوع مرتبط بعلم جمع القرآن؛ لأن حقيقة الكلام في المناسبات في الآيات والسور هو نتيجة أو أثر للقول في جمع القرآن، بمعنى أنه هل ترتيب الآيات توقيفي أم اجتهادي؟ باتفاق أنه توقيفي، إذاً المناسبات بين الآيات سيكون علم له اعتبار؛ لأننا نقول: إن الذي رتب الآيات في السور هو النبي صلى الله عليه وسلم أخذاً عن جبريل وجبريل أخذاً عن رب العالمين سبحانه وتعالى، ونحن نعلم أن الحكيم لا يصدر عنه إلا الحكمة، وأحكم الحاكمين هو الله سبحانه وتعالى، فإذا كان الله سبحانه وتعالى هو الذي تولى هذا الترتيب فلا شك أن هناك حكمة، ولهذا نحن نبحث عن الحكم في ترتيب الآيات لأجل هذا الغرض، وإن كان سنرى بعض كلام لبعض أهل العلم يخالف هذا، لكن هذا مبنى البحث في مناسبة الآيات.

    البحث عن مناسبات السور والآيات

    ومناسبة السور مرتبط أيضاً بالخلاف الشديد في كون ترتيب السور توقيفياً أم اجتهادياً، فمن رأى أن ترتيبها توقيفي فالبحث عن المناسبات له وجه؛ لأنها أيضاً الذي رتبها هو الرسول صلى الله عليه وسلم بنفس الطريق، فالحكيم لا يصدر عنه إلا حكمة، فكون سورة الفاتحة هي فاتحة الكتاب وهي أم القرآن تكون في أوله فهذا لا شك أن له معنى، ثم تأتي بعدها سورة البقرة، ثم بعدها آل عمران، ثم النساء.. فإذاً هذا الترتيب له مناسبات، فالبحث إذاً في المناسبات في السور بحث صحيح معتبر من هذه الجهة.

    لكن هل بحث المناسبات على رأي من يقول بأنه اجتهادي له وجه من الاعتبار أو لا؟ هناك ترتيب معروف أو على الأقل لو تنازلنا في مثل هذا فنقول: إن هناك بعض السور قد عرف ترتيبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً، فلما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أم القرآن فاتحة الكتاب )، ( من لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، فإننا نفهم من هذا أنها أوله، كذلك أيضاً قوله: (اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران )، فالذي رتبها هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقس على ذلك غيره من الأمثلة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو نسبها الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الترتيبات، والمفصل مجمله معروف، يعني: ( قرأت المفصل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم )، معنى ذلك أن المفصل مرتب ومعروف؛ فالمقصد أن هذا الموضوع واضح المعالم عند الصحابة.

    وأدل أثر يبين أن الصحابة تدخلوا في ترتيب السور هو أثر ابن عباس الذي سأل عثمان رضي الله عنه، وهذا الأثر فيه محامل بعضهم لم ينتبه لها ولم يذكرها، لكن لا نريد أن نناقشها الآن، لكن هذا الأثر فيه أن ابن عباس يقول لـعثمان :لم عمدتم إلى سورة الأنفال وهي مما نزلت أولاً وقرنتم بها سورة التوبة وهي مما نزلت آخراً؟ طبعاً معروف أن الأنفال نزلت في السنة الثانية، في غزوة بدر، والتوبة نزلت في غزوة تبوك، فبينهما وقت، فيقول: لم قرنتم بينهما ولم تجعلوا بينهما سطر بسم الله؟ ونلاحظ أن ابن عباس يستشكل مجموعة، يستشكل قرن هذه السورة المتأخرة مع هذه السورة المتقدمة، ويستشكل عدم وجود سطر بسم الله، فعنده استشكالان، فـعثمان لما قال له نبه على أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات وأنه لم يخبرهم بشيء منها؛ فرأيت قصتها شبيهة بقصتها فجعلتهما سورة واحد، فلو كان عنده من النبي صلى الله عليه وسلم أنهما سورة واحدة لجعلها، فكأنه لم يجعل سطر بسم الله وهذا يبين تدخل الصحابي وأنه لم يجعل السطر بسم الله؛ ظناً منه أنها تحتمل أن تكون سورة؛ فلكي يقع هذا الاحتمال في أنها تكون سورة أو أن تكون سورتين نزع منها سطر بسم الله، هكذا الأثر يقول.

    فهذا الأثر هو أصرح دليل يمكن أن يقال بأن الترتيب قد تدخل فيه اجتهاد الصحابة، أما الأدلة الأخرى ففيها إشكال، ولعلنا نأتي إلى بعضها ما أريد أن نرجع إلى الموضوع الأول لكن لكي نرتب عليه هذه الفكرة.

    وهذا الأثر أنا عندي أنه يدل أيضاً على أن الترتيب كان له مناسبة، فهو يدل على المناسبة، فلو قلنا افتراضاً: إنه بالفعل حصل الترتيب من عندهم، فهذا وجه من مناسبة فإذاً الصحابة الذين هم أعلم بنزول القرآن لو نسب إليهم الترتيب مطلقاً مع أنه لم يكن مطلقاً؛ لقلنا: إنه يحسن أيضاً البحث في أن نعرف لماذا وضع الصحابة هذه السورة بعد هذه السورة.

    على كل حال البحث في علمه أنه مناسبة له أصل صحيح معتبر، من خلال هذا الأثر الذي يستدل به على أن الترتيب اجهادي، نقول: هذا الأثر يدل صراحة على نوع من المناسبة، وهي كونها شبيهة بقصتها، فربط بين هذه السورة وهذه السورة، والذي نريد أن نصل إليه أن البحث في مناسبات السور سواءً قيل بالاجتهاد أو قيل بالتوقيف في ترتيب السور علم صحيح معتبر، مع أننا حينما نبحث مثلاً في علل من قال: بأنه اجتهادي واستدل بأدلة هذا عندي أنه أقواها من جهة الدلالة النصية، فالنص من أقوى النصوص، أما استدلالهم بما روي في الصحيح من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران فبعضهم يقول: إنه قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران قبل أن يعرف الترتيب، ونحن نقول: لا يلزم؛ لأنه ليس هناك دلالة على هذا، وبعضهم يقول: إن هذا الأثر يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرتب؛ فنقول: إن هذا الحديث الفائدة منه هو بيان الرسول صلى الله عليه وسلم جواز التنكيس بين السور إعمالاً لهذا الدليل، لأن من يقول بأن الترتيب توقيفي بعضهم لا يجيز تنكيس السور وهذا فيه نظر، لأن تنكيس السور جائز بإجماع العلماء في التعامل مع الصبيان في تعليمهم القرآن من الناس ويصعدون بهم، فلو كان لا يجوز إطلاقاً فإنه لا يجوز لمثل هؤلاء، فإذاً هذا الحديث بدل من أن نبطل دلالته نقول: هذا المراد منه.

    اختلاف ترتيب السور في مصاحف الصحابة

    وهنا قضية ثانية مهمة جداً وهي قضية مصاحف الصحابة، بعضهم قد يحتج بأن مصاحف الصحابة الترتيب فيها مختلف، وأنا أقول قاعدة ننتبه لها في هذا المجال: كل ما يتعلق بمصاحف الصحابة فإنه ليس بحجة على المصحف الإمام الذي كتب في عهد عثمان ، لأنه قبل مصحف عثمان لم يقع أي إلزام بأي شيء مما يتعلق بالقراءة وغيرها.

    وهذه فائدة مهمة؛ لأن كثيراً من الناس يغفل عن هذا، فـأبو بكر حين كتب المصحف لم يلزم الناس بمصحفه وعمر أيضاً لم يلزم الناس بمصحف أبي بكر وعثمان لما تولى الخلافة لم يلزم الناس بدية خلافته بمصحف أبي بكر. لكن لما تفاقم الأمر واستشعر حذيفة بالخطر، ونقل لعثمان وأحس عثمان بالخطر الذي ذكره له حذيفة رجعوا إلى ما عندهم من الجمع النبوي، ثم من جمع أبي بكر ، وكتبوا المصحف عليه، فألزم عثمان بعد ذلك الناس به، أما قبل ذلك فكان كل واحد يرتب حسب نفسه، وليست المسألة عندهم صحف ترتب، فبعضهم قد يكون عندهم صحف وبعضهم قد لا يكون عنده على حسب الأدوات الموجودة عندهم، فالترتيب الذي ينقل عن ترتيب مصحف ابن مسعود ، أو ترتيب مصحف أبي .. إلى آخره؛ يحتاج إلى إسناد صحيح دال على أن هذا هو بالفعل الترتيب لا غير عند فلان وعند فلان، فضلاً عن أنه لا يذكر أن مصحفاً من مصاحفهم كان كاملاً، وإنما يذكر هكذا إجمالاً، لكن ما عندنا دلالة صريحة، خصوصاً إذا علم أن ابن مسعود كان عنده كلام في بعض السور، فالفاتحة ليست موجودة في مصحفه، ولا كذلك المعوذتين لم تكن موجودة في مصحفه، وبعضهم كان يوجد في مصحفه بعض المنسوخ مثل ما نسب إلى أبي فإنه كان موجوداً عنده سورة الخلع والحفد والمشكورتان، التي تقرأ في القنوت، فإذاً نحن أمام قضية مرتبطة بالمصاحف قبل استقرار الصحابة وإجماعهم على المصحف الذي كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أجمعوا على المصحف الذي كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو المصاحف العثمانية المعروفة؛ هنا صار الإلزام بما في هذه المصاحف من الترتيب.

    ولهذا لا تجد الترتيب يختل إطلاقاً منذ عهد عثمان لما نسخ هذه المصاحف إلى اليوم، ولا اختل في المصاحف الستة التي يرجع إليها، فالمصحف الذي بين يدي عثمان رضي الله عنه كتبه لنفسه، والمصحف الذين كان بين يدي زيد يقرئ منه أهل المدينة، ويصحح عليه أهل الأمصار، والمصحف الذي أرسل إلى مكة، والمصحف الذي أرسل إلى البصرة، والمصحف الذي أرسل إلى الكوفة، والمصحف الذي أرسل إلى الشام، ما علم أن أحد المصاحف اختلف، بل جميعها على وجه واحد في الترتيب، وهذا يدل على أن هذا الترتيب هو الذي كان معروفاً ومعمول به، فلم يرد أي خلاف في ما يتعلق بالترتيب عند الصحابة، وهذا يشعر بأن هذا الترتيب هو الذي كان معروفاً عندهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرؤه عليهم في أزمنة عديدة مديدة، فقرأ عليهم سورة الأعراف كاملة في المغرب، وكانوا يعرفون ماذا يقرأ عليهم، ويعرفون أسماء هذه السور، فلما نأتي ونقول: إن هذا دخله الاجتهاد أنا عندي أن فيه نظراً، بل الصواب أنه كله توقيف، ولا يشكل على هذا إلا الحديث الذي ذكرته عن عثمان رضي الله عنه.

    وعلى العموم هذه مقدمة لهذه الفكرة التي بين يدينا، لأن هذه مبنية على تلك، ورأيي أن علم المناسبات يحسن أن يطرح بعد جمع القرآن؛ للارتباط الوثيق بين جمع القرآن وتحرير ما يتعلق بالترتيب، وقضية المناسبات؛ لأن المناسبات أثر من آثار جمع القرآن.

    اعتناء السلف بالتأليف في المناسبات

    المؤلف ذكر من أفرد بالتأليف في هذا العلم، فبعضهم أفرد كتباً في علم الآيات يعني مناسبة الآيات، وبعضهم كتب في مناسبة السور، وبعضهم جمع مناسبة الآيات والسور، مثل نظم الدرر للبقاعي ، وهذا كتاب كبير وشامل، وهو من أنفس ما كتب في التفسير، ولا أريد أن نستأثر بالحديث عن الكتاب لكن هذا الكتاب كأي إبداع يخرج في أي عصر من العصور يقابل من بعض المعتنين بنفس العلم وبالفن يقابل بنوع من الاعتراض، وقد ذكر هو هذه الاعتراضات عليه في كتابه الثاني الذي هو كتاب "مصاعد النظر" وما وقع عليه من اعتراضات في كتابه هذا، وهو يرى أن كتابه هذا مفخرة له في أنه استطاع أن يكتب هذا الكتاب من أول القرآن إلى آخره، والحقيقة هذا نوع من الإبداع، كون المؤلف يبدأ من أول القرآن إلى آخر القرآن يكتبه على هذه المنهجية وهذه الضخامة وعنده نقول كثيرة جداً عن العلماء المعتنين بالتناسب؛ هذا الحقيقة نوع من الابداع، لكن لا يعني ذلك أن كل ما قاله صحيح؛ لأن بعض الناس لما تقول له هذا الكلام يفهم أن كل ما قاله البقاعي يكون صحيحاً؛ لا، هو يتكلف أحياناً في بعض المناسبات، وبعض المناسبات يقول: إنه جلس فيها أشهر وهو يفكر فيها ويتأمل؛ لكي يخرج بمناسبة، ومع ذلك بعد هذه الأشهر تجد أنك لا تقتنع بما قال من المناسبة، لكن هو رحمه الله اجتهد اجتهاداً بالغاً في أن صنع لك هذا الكتاب على هذه الطريقة، وله فيه بالفعل اشراقات وابداعات مهمة جداً يحسن بطالب علم المناسبات أن يراجعها، بل إنه قد يفتح لك أحياناً بعض المناسبات وقواعدها ويفيدك فيها.

    فإذاً المقصد من ذلك أن ننتبه دائماً إلى أنه حينما يأتي إنسان بشيء يبدع فيه في مجال تخصصه ولم يحسنه من حوله فإنك تجد أنه تكثر عليه الاعتراضات، لكن في النهاية يبقى الصحيح، وإن كانت المشاغبات قد تبقى عليه؛ ولهذا ما زال علم المناسبات عند بعضهم لا يعتبره علماً، بل يعتبر الكلام فيه ليس بصحيح، وأن فيه إشكالات، ونحن نقول: نعم؛ فيه إشكالات، لكن له أصل معتبر ذكرت ذلك قبل قليل، وهناك مناسبات ظاهرة وواضحة، مناسبات أحياناً قد تكون لفظية وأحياناً معنوية وأحياناً موضوعيه، على حسب أنواع المناسبات، فلا يهدر هذا العلم من أجل وجود التكلف، فنحن نثق ونوقن بأنه يوجد تكلف لا شك، ومع عدم الوصول إلى مناسبة نقول، مادام لم نصل مناسبة إذاً ليس هناك مناسبة. كما سيأتينا إن شاء الله في قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[القيامة:16]، هذا باختصار ما يتعلق أيضاً بهذا الكتاب، وهذه كتب ولله الحمد مطبوعة، فكتاب البرهان في ترتيب سور القرآن حققه الدكتور سعيد الفلاح وكتاب البقاعي حقق في حيدر آباد الذكن.

    ومن ميزة عمل هؤلاء المحققين أنهم جعلوا الفروق والنسخ، فأحياناً النسخة التي ذكروها في الحاشية قد تكون هي أصوب من النسخة التي هي موجودة في الهامش.

    وأيضاً كتب المؤلف "أسرار التنزيل" وهو مطبوع أيضاً، وكتب أيضاً "تناسق الدرر في تناسب السور" وهو مطبوع أيضاً، يعني كل هذه الكتب التي ذكرها مطبوعة ولله الحمد، وهناك كتب أخرى لم تطبع مثل " ري الظمآن في تناسب آي القرآن" ما زال مخطوطاً.

    مما ذكر في علم المناسبة ما ذكره فخر الدين الرازي في تفسيره، وتفسير الفخر الرازي رحمه الله تعالى قيل عنه عبارة: فيه كل شيء إلا التفسير، ولكن الأولى أن يقال: فيه التفسير وفيه كثير من الأشياء.

    وهو رحمه الله تعالى رجل منشؤه عقلي، يعني دراسته وتأثراته كلها عقلية فلسفية؛ فقطعاً هذا العلم الذي تعلمه يؤثر عليه، ولهذا حشد في كتابه أشياء كثيرة جداً مرتبطة بعلم الكلام، وأحياناً بعلم الفلسفة، وأحياناً حتى بعلم التنجيم وغيره؛ فهذا لا شك أنه مما عيب عليه، بل إن بعض الأشاعرة المغاربة انتقده أيضاً في تسميته لكتابه بمفاتح الغيب، انتقاداً شديداً، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ[الأنعام:59]، فتسمية الكتاب بهذا الاسم أزعج هذا العالم وانتقده.

    وهذا الكتاب مليء بالفوائد واللطائف بسبب المذهب العقلي الذي كان ينتهجه الرازي بحيث أنه كان أحياناً يفكر ببعض المناسبات فيخرج مناسبات لطيفة جداً جداً ورشيقة، والرازي يعتبر من أذكياء العالم، لكن لما نتكلم عنه من جهة الاعتقاد نقول: إنه قد أخطأ في كذا وأخطأ في كذا، وبعض الناس ينزعج، حين نقول: أخطأ الفخر الرازي . وهذا غريب جداً، ولكن هو يبيح لنفسه أن يقول أخطأ الشافعي ، وأخطأ أحمد ، وأخطأ مالك ولا ينزعج منه.

    وأنا أقول دائماً: مثل هذه الأمور لا تؤخذ بأسماء الأشخاص، ونحن عندنا الآن لو واحد يقول أخطأ ابن تيمية تجد بعض الناس ينزعج، أو أحد منا معصوم؟! فهذه يجب أن ننتبه لها، لأنه أحياناً تكون حمية للأشخاص أكثر من الحمية للقضية العلمية، والقضية العلمية دائماً هي الحكم؛ فيجب دائماً في مثل هذه الأمور أننا كما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إنما يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. فهذه قاعدة مهمة جداً، وإن كان لا يمكن الانفكاك من الرجال لكن الإنسان إذا استوى سوقه في العلم وفهم، وصارت عنده الأصول قدرة وملكة فإنه يعرف الخطأ من الصواب، لكن في بداية أمره لا شك أنه يحتاج إلى الرجال، فإذا استوى سوقه أدرك وعرف.

    أيضاً ابن العربي في "سراج المريدين" ذكر كلاماً وأن الله سبحانه وتعالى فتح عليه، ولكنه لما رأى ما في الخلق من البطالة يقول: ختمنا عليها وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه.

    ابن العربي هذا أيضاً من الأندلسيين. وعلماء الأندلس مثل ابن حزم والباجي وابن العربي وابن عطية وصاحب التسيير ابن جزي وأبو حيان وغيره عندهم روح التحرر والإبداع، وتختلف المؤلفات من شخص إلى آخر، وخذوا مني هذا النقد والتقويم وراجعوه ولا تستعجلوا في قبوله ولا رده، بل خلوه في منزلة من المنزلتين، لما تقرأ في تفسير ابن عطية تحس أنك أمام رجل أريحي معتدل يأخذ الأمور بالهوينا، ويناقشها ويأخذ ويعطي، ولما تقرأ في كلام أبي حيان أجد رجلاً حاداً، قاس، أي شيء يخالف سيبويه يرفضه. فما يكتبه العالم تجد فيه جزءاً من أخلاقه موجودة فيه، فعلماء الأندلس هؤلاء والمغاربة عندهم من الابداعات أشياء كثيرة، فـابن العربي هذا مع أنه أوتي قوة وحجة، وبيان وحسن تقسيم إلا أنه رحمه الله كان عنده نوع من السلاطة أحياناً على بعض من يخالفه، كانت ملازمة له؛ فالإنسان لما ينظر مثل هذا يترحم عليه ويستغفر له ويتمنى أنها لم تخرج منه، لأنه أحياناً ينتقد الشافعي، وأحياناً ينتقد أبا حنيفة انتصاراً لمذهب مالك بكلمات وانتقادات ما تحب أنها تخرج من عالم، لكن أحياناً التعصب قد يورث مثل هذا الكلام.

    المقصد من ذلك أن ابن العربي له ابداعات كثيرة جداً، ولهذا مثل هذا الرجل أو بعض علمائنا لو أن شخصاً أفنى سنوات من عمره وهو يقرأ في تراث رجل من هؤلاء الرجال فلا يكون ذلك خسارة، يقول: فمن قرأ تراث ابن العربي واستخرج فوائده، فسيجد أنه أمام بحر زخار في جميع علوم الشريعة.

    وابن العربي له مثل ما ذكر، وكان بعض تراثه مع الأسف قد ضاع، وكان أحد أسباب ضياعه هو عدم حرصه، وعدم جمعه هو له، فضاع بعض تراثه وهو مهم جداً.

    أهمية معرفة الأوائل في العلوم

    يقول: أول من أظهر علم المناسبات، وهذه في الأوليات، والأوليات في العلم مهمة جداً، فبعض الناس لا يعنى بها، ولكنها في الحقيقة لها أثر كبير جداً في العلم، بمعنى أنك لما تأتي تبحث في مسألة من المسائل، هذه المسألة أنت لا تعرف من قال بها، فإذا حرصت أن تعرف منشأ هذه المقولة من أول من قال بها؟ خصوصاً إذا كان لها أثر في معلومات جاءت بعدها؛ فمن المهم جداً التنبه لمثل هذه الأوليات والحرص عليها والبحث عنها. وبعض الناس الذين لا يحبون التحرير ولا يحبون البحث والتنقيب يقول هذا ضياع وقت، لكنه في الحقيقة يدل على نوع آخر من محبة الوصول إلى المعلومة، إذا كان ضياع وقت بالنسبة لك فقد يكون آخر عنده وقت يسمح له أن يبحث في مثل هذه المعلومة ويقدمها لك هدية، أذكر على سبيل المثال فائدة وأختم بها لكي ننتقل إلى الطبري:

    بقي بن مخلد يقول عن تفسيره الإمام ابن حزم : إنه أفضل من تفسير الطبري، الآن أين تفسير بقي بن مخلد؟ ما عندنا ولا روايات قليلة من هذا التفسير، وهو تفسير معروف ومشهور، ومع ذلك لا نجد هذا التفسير، فلو حاولنا أن نبحث عمن نقل عن بقي بن مخلد في تفسيره، فنستطيع أن نجد معلومة مهمة تدل على الأقل على أن التفسير في ذلك الوقت كان موجوداً.

    لا نجد المسند نجد بعض نقولات عنه، لكن التفسير ما نجده، وهذا يدلك على أن كتب كبار علماء الإسلام قد فقدت، وفقدت منذ القدم، ما هو سبب فقدها؟ الله أعلم! قد يكون أحياناً كبر الكتاب له أثر، وبقي ما بقي مما من الله سبحانه وتعالى به علينا في أن يصل لنا.

    أول من أظهر علم المناسبات

    عموماً هذا أبو بكر النيسابوري ذكروا في الحاشية أنهم لا يستطيعون يقيناً تحديد هل هو من أهل القرن السابع أو لا، لكن على العموم هذا المؤلف متقدم على هؤلاء الذين ذكرهم المؤلف؛ لأنه يقول: إنه أول من أظهر علم المناسبات الذي هو أبو بكر النيسابوري ، وذكر أنه كان غزير العلم، وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه الآية؟ وهذا هو علم المناسبات.

    لعلنا نقف عند هذا ونكمل إن شاء الله تعليقات العلماء على علم المناسبات عند كلام العز بن عبد السلام .

    1.   

    الأسئلة

    ترتيب السور في الصلاة

    السؤال: [ هل يعاب على من لم يرتب السور في الصلاة ]؟

    الجواب: أنا أرى أنه لا يثرب على من لم يرتب في الصلاة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففعله صلى الله عليه وسلم حجة في هذا فالترتيب لم يكن معروفاً فنحن نعمل الدليل في جواز عدم ترتيب السور حال القراءة، وهذا يدل عليه آثار غير هذا، مثل حديث الذي كان يقرأ سورة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ[الإخلاص:1] في صلاته، فهذا أيضاً فيه إشارة إلى أنه يقع فيه عدم ترتيب.

    ترتيب السور في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

    السؤال: [ هل كان الصحابة يعرفون ترتيب السور ]؟

    الجواب: الذي يعرف الترتيب هو الذي كتب، وهو زيد ؛ لأنه حضر العرضة فهو يعرف الترتيب، ولا يحتج بأنه قيل: إن ابن مسعود حضر العرضة، لأننا ناقشناه سابقاً، لكن ابن مسعود ذكر أنه حضر العرضة، لكن ابن مسعود لم يلتزم بالترتيب، لأنه لم يكن يرى أن الترتيب ملزماً؛ فكتب مصحفه على حسب ما اتفق عنده هو، أما المصحف العام الذي سيقرأ به الناس فكان على الترتيب الذي كان يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم.

    الاستدلال على أن ترتيب السور اجتهادي باعتراض ابن عباس على عثمان في ترتيب الأنفال والتوبة

    السؤال: [ أليس اعتراض ابن عباس على عثمان في ترتيب سورة التوبة والأنفال يدل على أنها مسألة اجتهادية]؟

    الجواب: نحن قلنا: إن كونه ما اعترض إلا على سورة الأنفال والتوبة يدل على أن غيره قد عرف ترتيبه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، وقلنا: إنه أقل ما يمكن أن يقع فيه إشكال هو ترتيب سورة الأنفال والتوبة..

    الحكم على حديث اعتراض ابن عباس على عثمان في ترتيب الأنفال والتوبة

    السؤال: [ما درجة حديث اعتراض ابن عباس على عثمان في ترتيب الأنفال والتوبة؟]

    الجواب: الشيخ أحمد شاكر أنكره إنكاراً شديداً وقال: في المتن نكارة ذكر فيه يزيد الفارسي وهل هو يزيد بن هرمز ، وعمل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى كان خارجاً من حمية ودفاع، لكن قد رد عليه الشيخ عبد الله الجديع، وأنا أرى أن رد الشيخ عبد الله الجديع على الشيخ أحمد موفقاً؛ لأنه كون هذا يمر في دواوين أهل الإسلام، ويرويه الأئمة، مثل الإمام أحمد في المسند وفي غيره، وكلهم يسكتون عن هذا ولا يثير عندهم أي إشكال، ويستدل به أناس في قضية الترتيب وغيره، ثم يستنكر هذا الاستنكار هذا مشكل حقيقة، ففعل أحمد شاكر رحمه الله تعالى في هذا مخالف لمنهجه أصلاً في التعامل مع الحديث، لكن هو رأى أن هذا عليه مشكلة في ما يتعلق بقضية ترتيب القرآن؛ فانطلق من هذا وانتقد، لكن أنا أقول: إن رد الدكتور عبد الله الجديع في كتابه المهم وهو من الكتب النفيسة في علوم القرآن، الذي هو "المقدمات الأساسية في علوم القرآن" أنه رد موفق على أحمد شاكر ، وإن كنت في زمن متذبذب، وأنا معجب بنقده ولكني ما زلت أحب أن يكون الحديث ضعيفاً؛ لكي تسلم قضية الترتيب، لكن هذا طبع العلم، ولعل الله أن يخرج لنا أن يكون هناك حديث آخر يؤيد حديث ابن عباس فتزول هذه الإشكالية..

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757033081