إسلام ويب

حفظ الأمانةللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأمانة معنى واسع، تشمل حقوق الله عليك، وحقوق نفسك عليك، وكذلك حقوق زوجتك عليك، كما تشمل حقوق المجتمع من حولك، وحفظ الأمانات سبب أكيد لحفظ الدين وحفظ النفس وحفظ المال وحفظ المجتمع. وبتضييع الأمانة تختل الحياة وتبور الأديان وتفسد الأخلاق.

    1.   

    عون الله عز وجل لمن حرص على أداء الأمانة

    قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة طريفة عمن سبقنا من الأمم، يبين فيها رسولنا صلى الله عليه وسلم إعانة الله جل شأنه لمن توخى وحرص على أداء الأمانات، وأن الله عز وجل يتولى تسديده، ويتولى توفيقه، ويأخذ عنه بعض العبء إذا كان صادقاً في أداء الأمانة، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كان فيمن قبلكم رجل تسلف من رجل ألف دينار، فطلب منه كفيلاً، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت، فطلب منه شهيداً، قال: كفى بالله شهيداً، قال: صدقت، فأخذ الرجل الدنانير، وخرج يلتمس فضل الله في بلاد أخرى، ولما جاء وقت السداد خرج يريد أن يركب البحر ليذهب إلى صاحبه، فيرد إليه الدين، فلم يجد مركباً يركبه ليذهب إلى صاحبه، فبحث عن خشبة- هداه الله عز وجل إلى هذه الفكرة، وإنما نفذها لكمال يقينه، ولتمام تصديقه بوعد الله عز وجل بحفظ أوليائه- فوجد خشبة فنقرها، فوضع الدنانير فيها، وكتب بجانبها رسالة إلى صاحبه، ثم زجج مكان الفتحة -أي: أحكم الإغلاق- ورمى بالخشبة في البحر، وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان قد طلب مني كفيلاً فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك، وطلب مني شهيداً فقلت: كفى بالله شهيداً فرضي بك، وأنت تعلم أني خرجت أطلب مركباً فلم أجد، وإني أستودعكها -يعني: أتركها في حفظك، وأستودعك إيصالها إليه- فرمى بالخشبة فوصلت الخشبة إلى الشاطئ الآخر إلى بلاد الرجل )، ولك أن تسأل نفسك: كيف وصلت ومن حفظها، وكيف لم تغرق وهي خشبة ثقيلة على خلاف العادة في الخشب؟ ولماذا لم تقذفها الأمواج بعيداً عن بلد صاحب الدين؟ وكيف وفق الله عز وجل صاحب الدين ليقابلها على الشاطئ الآخر؟ ( خرج الرجل في يوم من الأيام إلى الشاطئ، فإذا هو بالخشبة فحملها على أنها حطب لأهله يوقدونها، ولما وصل البيت أمر أهله بنشرها، فلما قطعت الخشبة وجد الدنانير، ووجد بجانبها الرسالة، قال عليه الصلاة والسلام: والرجل -يعني: الذي أرسل الخشبة- ما زال يبحث عن المركب يعلم يقيناً بأن الذمة لا تبرأ حتى يؤدي الحق إلى صاحبه، فخرج يبحث عن مركب، وبعد فترة من الزمن وجد المركب وركب حتى وصل بلاد صاحبه، فأتاه بالدنانير يريد أن يقضيه، قال: هل كنت أرسلت إلي بشيء؟ قال: ألم أخبرك أني لم أجد مركباً، قال: اذهب فقد أدى الله عز وجل عنك ووصلت رسالتك، فانصرف راشداً ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    هذه القصة ليست من أخبار كان يا ما كان، ينطق بها من لا ينطق عن الهوى، إنه تسديد الله، وتوفيق الله، وتكميل الله عز وجل للجهد البشري. حين يحاول الإنسان أداء ما عليه، فإن الله عز وجل يجبر النقص ويكمل الناقص، وإذا اجتهدت في أداء حقوق الله عليك قبل الله عز وجل منك هذا اليسير بذلك الجهد، وكمل لك الناقص.

    وجاء في الحديث الآخر: ( أن رجلاً خرج يريد أن يتصدق بصدقة، فقال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فوضعها في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على سارق )، يضحكون منه أن وضع الصدقة في غير موضعها، وإنما بعثه على هذا الإخلاص لله في أداء هذه الصدقة، ( قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج في اليوم التالي ووضعها في يد بغي، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على بغي، قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فتصدق بصدقة في الليل ووضعها في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غنيٍ، قال عليه الصلاة والسلام: فأتاه آتٍ قال له: أما صدقتك فقد تقبلت )، تقبلها الله وأثابك عليها؛ لحرصك على أداء ما طلب منك إما فرضاً وإما ندباً، والله عز وجل يجبر ما نقص، فإذا علم الله عز وجل من العبد الصدق في أداء الأمانة عليه كمل له الناقص.

    وعلينا عباد الله! أن نبذل وسعنا في حفظ هذه الأمانات: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58].

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أسباب تعين على أداء الأمانة والقيام بها

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    استشعار لزوم أداء الأمانة وأن ذلك مجلبة للرزق

    إخوتي في الله! ومما يعين على أداء الأمانة والقيام بها: إيقان المسلم بأن الله عز وجل مثيبه ومجازيه على أداء الأمانة، كما أنه يعرض نفسه لسخط الله وعقابه إذا أخل بالأمانات الواجبة، إيقانك بأن الله عز وجل مثيبك إذا أنصفت من نفسك، وأديت الحق الذي عليك، سواء لله أو لخلق الله، فكن على ثقة بأن الله عز وجل مخلف عليك ما هو أعظم من ذلك، وأن أداءك لهذه الأمانات سبب أكيد لجلب الأرزاق، وفتح أبواب السعادة أمام عينيك.

    ومما يستطرف في هذا الباب ما حكاه الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء، في ترجمة الإمام ابن عقيل رحمه الله، فقد وقعت له واقعة طريفة، فعندما كان يحج أو يعتمر في مكة وجد عقداً من الجواهر مرمياً على الأرض، فأخذه وهو يعلم مدى نفاسته وعظم ثمنه، والإمام إنما التقطه ليعرفه؛ لأنه لا يجوز أن يلتقطه لغير ذلك، فإذا برجل يبحث عن العقد ويبذل مائة دينار ذهبية لمن أعطاه هذا العقد، قال: فدفعت إليه العقد، فقال: خذ الدنانير، فقال: إنما هو شيء وجب علي أن أؤديه فأديته، فليس لي أن آخذ عليه أجراً. فتركه الرجل، قال ابن عقيل: وهو الرجل الفقير دهره وزمنه، خرجت من مكة متوجهاً إلى بيت المقدس، ثم خرجت إلى حلب، فوصلت إلى حلب في أول ليلة من رمضان، ودخلت المسجد، وأنا يومئذٍ بردان جائع، فقيل لي: صل بنا، فصليت بهم تلك الصلاة، وكأنهم أعجبوا به وبقراءته وبصلاته، فقالوا له: إن إمامنا مات، ونريد منك أن تصلي بنا هذا الشهر، فصلى بهم ذلك الشهر، فزوج الرجل بإحدى بنات المدينة. قال: ثم ولدت لي ولداً فمرضت في نفاسها، فجلست بجانبها أعللها وأتأملها، وإذا بي أرى ذلك العقد الأحمر الذي رأيته ووجدته في مكة فقلت لها: إن لهذا العقد الذي لم أره إلا الليلة قصة، فقص عليها القصة فقالت: أنت هو إذاً، والله لقد كان أبي يدعو دائماً قبل أن يموت أن يرزق الله عز وجل بنته مثل صاحب العقد، فرزقها الله عز وجل صاحب العقد، ثم ماتت المرأة، فخرج الإمام ابن عقيل رحمه الله من حلب حاملاً ولده والعقد متوجهاً إلى بغداد، قال: فرجعت إلى بغداد حاملاً العقد معي.

    إذاً من أدى الأمانة فعليه أن يبشر بثواب عاجل أو آجل، ومن خان الأمانة فعليه أن ينتظر خلاف ذلك.

    قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو يتحدث عن جزاء خائن الأمانة: تمثل له الأمانة في قعر جهنم، فيكلف بأن يهوي بها -يعني: ليرفعها- فينزل إليها فيحملها فإذا وصل إلى خارج النار سقطت من على كتفه فوقعت في قعر جهنم، فيهوي ليأتي بها، وهكذا عذابه.

    اليقين بأن من حفظ الأمانة حفظه الله

    إن حفظ الأمانات أيها الأحباب! سبب أكيد لحفظ النفس، لحفظ المال، لحفظ الدين، لحفظ المجتمع، وإنما تختل الحياة وتبور الأديان وتفسد الأخلاق حين تضيع الأمانات، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )، حين تختل الأوضاع، حين تفسد الأحوال فانتظر الساعة: ( قالوا: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )، فمن أعظم مظاهر تضييع الأمانة، توسيد الأمور إلى غير أهلها، في الولايات العامة والولايات الخاصة، (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، وضياع الأمانة يكون بالتدريج كما أن اكتساب الأمانة يكون بالتدريج.

    1.   

    ضياع الأمانة في الناس شيئاً فشيئاً وعلاجه

    الإيمان خلق، والأمانة خلق، وهي شعب بعضها فوق بعض، تزداد أمانتك كلما ازددت حرصاً على أداء الحقوق، وتقل أمانتك كلما ضيعت شيئاً من الأمانة، ولهذا جاء في صحيح مسلم وصف النبي عليه الصلاة والسلام كيفية إضاعة الأمانة والتدرج في هذه الإضاعة، فيقول عليه الصلاة والسلام: ( ينام الرجل النومة فتنزع الأمانة من قلبه فيصبح أثرها مثل الوكت )، بعد أن كانت شيئاً محسوساً وشيئاً موجوداً قوياً ثابتاً في القلب تنتزع من القلب، فيصبح لها أثر، لكنه لا يزال أثراً قوياً واضحاً مثل الوكت، أي: لون يغاير لون الجلد، فهو لا يزال يرى، ولا يزال له آثار قوية.

    ثم قال: ( وينام الرجل النومة فتنزع الأمانة من قلبه فيصبح أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً )، هذا الأثر أقل من الأثر الأول بكثير، إنه مجرد وهم، انتفاخ لا حقيقة له، كالجمرة تقع على الجلد فينتفخ ما تحتها، تراه منتبراً عالياً مرتفعاً، لكن في جوفه الأذى، في جوفه القذر، في جوفه لا شيء، إنه مجرد أذى لكنه منتبر منتفخ، (وكذلك الرجال) حين تضيع الأمانة منهم تراهم أشباه رجال، وتراهم أشباه مسئولين، وتراهم أشباه من وسد إليهم الأمور في بيوتهم، في تجارتهم، في ولاياتهم، ولكنهم في الحقيقة ليسوا بشيء ( كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً، وكذلك الرجال. قال: يصبح الناس يتبايعون لا أمانة لهم، ويصبح الناس يتحدثون يقولون: إن في بني فلان رجلاً ما أظرفه، ما أعقله، ما أجمله )، مضرب مثل الناس في الأمانة، في الدين، في العقل، في الوفاء، ( قال: وليس في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ). هكذا تضيع الأمانة شيئاً فشيئاً.

    وعلاج هذا أن يكافح هذا التضييع باكتساب أخلاق الأمانة خلقاً بعد خلق، جاهد نفسك على أداء الأمانة فيما بينك وبين الله، أدِّ الأمانات لله، حافظ على صلاتك، أدّ زكوات مالك، حافظ على صومك، حافظ على طهارتك، حافظ على إخلاص العبادة لله، وأداء التوحيد لله، حافظ على أداء حق زوجتك وأولادك البنين والبنات، أدّ حق جيرانك، أدّ حق وظيفتك، كما ائتمنك الله عز وجل على هذه الوظيفة، أدّ الأمانة في تجارتك، أدّ الأمانة لمن استشارك، وهكذا تحفظ الأمانة شيئاً فشيئاً، فإذا فرطت في شيءٍ منها بادر وسارع إلى التوبة، فإن باب التوبة مفتوح، الموفق من وفقه الله، ومن استمع الكلام فاتبع أحسنه.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين، اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    بعض النصوص الواردة في الأمانة والمقصود بها فيها

    بعض النصوص الواردة في الأمانة

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    حديثنا اليوم أيها الإخوة! عن الأمانة، وما جاء فيها في كتاب الله، وفي أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، الأمانة ودورها في إصلاح الفرد والمجتمع، ما هي الأمانة، وكيف تؤدى الأمانة، وما هو ثواب العاملين بها؟

    قال الله جل شأنه في كتابه الكريم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58]، وحذرنا الله جل شأنه في كتابه من خيانة الأمانة فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، وأخبرنا سبحانه في كتابه بأن من أبرز علامات أهل الجنة أنهم مؤدون لهذه الأمانات: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8].

    وأما رسوله صلى الله عليه وسلم فقد نفى الإيمان -إما كله، وإما بعضه- عمن ترك بعض خصال الأمانة، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا إيمان لمن لا أمانة له ).

    المقصود بالأمانة في نصوص الشرع

    ما هي هذه الأمانة التي جاءت فيها كل هذه النصوص؟

    قال أهل العلم: الأمانة متعلقة بكل الحقوق لله أو للخلق، فما لله عليك أمانة، وما لنفسك عليك أمانة، وما للناس عليك أمانة، استأمنك الله سبحانه وتعالى على القيام بهذا الشرع والدين، وعرض هذه التكاليف على السموات فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وعرضها على الأرضين بشدتها فأبينها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.

    قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: الصلاة أمانة، والصوم أمانة، والوضوء أمانة.

    وقال أبو الدرداء: الغسل من الجنب أمانة.

    التكاليف الشرعية هي أعظم الأمانات التي كلفنا الله عز وجل بحفظها والقيام بها، والتفريط في شيء منها خيانة للأمانة، أداء الجنب الغسل على غير الوجه الشرعي خيانة للأمانة، ووضوء المتوضئ على خلاف الطريقة الشرعية خيانة للأمانة، والتقصير في الصلوات بإضاعتها أو إخراجها عن وقتها، أو عدم أدائها كما أراد الله عز وجل خيانة للأمانة، والتقصير في حقوق الخلق تضييع للأمانة على اختلاف مراتبها.

    قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا حدث الرجل الرجل وهو يلتفت فهي أمانة )، فأسرار الناس أمانة، وديونهم المادية أمانة، قال الله عز وجل وهو يتحدث عن الدين: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة:283]، أداء الديون والودائع وحفظ الحقوق لأربابها أمانة.

    والوظائف والولايات التي نولاها صغيرة كانت أو كبيرة أمانة. جاء في الصحيح أن أبا ذر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! ألا تستعملني )، يعني: ضعني في وظيفة من الوظائف، ( فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا ذر! إنك رجل ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة )، الوظيفة أمانة، إذا توظفت فعليك أن تعلم أن لهذه الوظيفة شروطاً، وأهمها وأجلها القيام بالأمانة فيها: قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [النمل:39]، وقال الرجل الصالح: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27]، بعد أن قالت له ابنته: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26].

    والمفتي في المجتمع أمانة، والمستشار في المجتمع يؤدي أمانة، قال عليه الصلاة والسلام: ( المستشار مؤتمن )، وقال: ( من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ).

    الأمانة معنى واسع يشمل حقوق الله عز وجل عليك، وحقوق نفسك على نفسك، وحقوق زوجتك عليك، وحقوق المجتمع من حولك، وإذا أديت الأمانة على وجهها حفظت هذه الحقوق، حفظت الأديان، وحفظت الأعراض، وحفظت النفوس، وحين تضيع الأمانة أبشر بأنواع الفساد الذي يتخلل المجتمع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756453774