إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينقسم القصاص إلى: ما يتعلق بالنفس، وما يتعلق بما دون النفس، ومما يتعلق بما دون النفس: القصاص في الأطراف؛ كاليد والرجل والعين والأذن ونحوها، فإذا جنى الجاني على المجني عليه بقطع شيء من ذلك قطع منه مثل الذي قطع سواء بسواء، وهناك شروط لابد من توافرها حتى يحكم بالقصاص في الأطراف.

    1.   

    أقسام القصاص

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس].

    ترجم الإمام المصنف رحمه الله بهذه الترجمة، والتي قصد بها أن يبين أن هذا الموضع مختص بالقصاص فيما دون النفس، وقد تقدم معنا أن القصاص ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: يتعلق بالقصاص في الأنفس، وذلك بالاعتداء على الأرواح بإزهاقها.

    القسم الثاني: يتعلق بالقصاص فيما دون النفس.

    والذي دون النفس ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: أن تكون الجناية على الأطراف، ويكون القصاص في الأطراف.

    القسم الثاني: أن تكون الجناية في غير الأطراف من الجروح والكسور ونحو ذلك.

    فإن كانت الجناية في الأطراف فتنقسم إلى قسمين أيضاً:

    الأول: أن تكون الجناية على الأطراف بقطعها وبترها، مثل أن يقطع يده، أو يقطع رجله، أو يقطع أذنه، أو يفقأ عينه، ونحو ذلك.

    الثاني: أن تكون الجناية على الطرف بإتلاف منفعته، مثل أن يجني عليه فيضربه ويلطمه لطمة تذهب نور بصره، فلا يبصر ويصبح كفيف البصر، أو يزول الإبصار من إحدى عينيه دون الأخرى، فهنا العين موجودة، ولكن الجناية أثرت في منفعة العين وهي الرؤية، أو يضربه على أذنه فيذهب السمع والأذن موجودة، فالطرف لم يتضرر ولم يذهب بل هو موجود، ولكن الجناية أثرت في منفعة هذا الطرف، فهذا مجمل الجنايات.

    فالمصنف رحمه الله بعد أن فرغ من بيان القصاص في النفس أراد أن يبيّن القصاص فيما دون النفس، وهذا ترتيب منطقي عند العلماء، وهو التدرج من الأعلى إلى الأدنى، وهذا له دليل من الكتاب، فإن الله تعالى يقول: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45]، فابتدأ الله بالأنفس، ثم بعد ذلك بالأطراف، فابتدأ بما هو أعظم.

    ومن هنا سلك الفقهاء رحمهم الله هذا المسلك، فابتدءوا بالقصاص في النفوس، وبيان متى يجب القتل قصاصاً ويثبت القود لمستحقه، ثم بعد ذلك شرعوا فيما يتعلق بالأطراف والجنايات بالجروح، والله عز وجل جاء بالثلاثة الأنواع فقال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، فجعل القصاص في هذه الأمور إما في النفس، وإما في الأطراف، وإما في الجروح، وهذا من بديع القرآن، وهو تدرج من الأعلى إلى ما هو أدنى منه.

    فالمصنف رحمه الله يريد أن يبين لنا في هذا الموضع القصاص في الأطراف وفي الجروح، فقال رحمه الله: (باب القصاص فيما دون النفس)، أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بثبوت القصاص في الجناية إذا كانت لا تصل إلى حد إزهاق النفس، ويستوي في ذلك أن تكون جناية بإتلاف الأطراف أو منافعها، أو جناية بالكسر، أو جناية بالجروح.

    1.   

    ما يقاد به في النفس يقاد به في الأطراف والجراحات

    قال رحمه الله تعالى: [من أُقيد بأحدٍ في النفس أُقيد به في الطرف والجراح].

    هذه قاعدة في القصاص في الأطراف، وعلى هذا فلا بد من وجود -أولاً- العمد والعدوان، فلا نحكم بالقصاص على رَجُل قطع يَد رَجُلٍ إلا إذا كان القاطع قاصداً للجناية وقاصداً للإتلاف.

    فلو أن شخصاً أغلق باب بيته ولم ينتبه لمن كان واقفاً، فقطع الباب يد رجلٍ، فهذا خطأٌ لا قصاص فيه؛ لأنه ليس هناك موجب القصاص وهو العمد العدوان، وقد تقدم معنا هذا، وبينّا متى تكون الجناية عمداً، ومتى تكون خطأً، ومتى تكون شبه عمد، وبينا الضوابط في هذا من خلال الأدلة النقلية والعقلية.

    ولو جنى عليه جناية أضرت بالطرف أو منفعته، أو أوجبت جرحاً أو كسراً، فإننا لا نحكم بالقصاص إلا إذا كان الجاني مكلفاً، فلو أن مجنوناً أقدم على ضرب شخص فقطع رجله، أو قطع يده، أو فقأ عينه، أو قطع أذنه فلا قصاص؛ لأن المجنون غير مكلف، ولو أن صبياً اعتدى على بالغ فقطع رجله، أو قطع يده، فعمد الصبي والمجنون خطأ، وقد تقدم معنا هذا.

    وكذلك يشترط أن يكون المجني عليه معصوماً، فإذا قطع المسلم يد المسلم عمداً عدواناً قُطعت يد الجاني، وإذا قطع أذنه قطعت أذنه، ولو أن كافراً قطع يد مسلم عمداً عدواناً قُطعت يده، ولو أن رقيقاً قطع يد الحر عمداً عدواناً قطعت يده، على تفصيل عند الفقهاء رحمهم الله.

    فما تقدم معنا في شروط القصاص في النفس كذلك هو شرط في القصاص في الأطراف والجروح، فلابد من وجود العصمة للمجني عليه، ووجود التكليف في الجاني، وقصد العمد والعدوان في الجناية، وألا يكون المجني عليه بعضاً مثلما ذكرنا، وألا يوجد موجب لسقوط القصاص، وبناءً على ذلك: لو أن امرأة قطعت يد رجل قطعت يدها، ولو أن رجلاً قطع يد امرأة قطعت يده، ولو أن جماعة قطعوا يد رجل ظلماً وعدواناً، واشترك الجميع في فعل القطع قطعت أيديهم، لكن لو أن أحدهم قطع أصبعاً، والثاني قطع الأصبع الثاني، والثالث قطع الأصبع الثالث، والرابع والخامس... قطعنا من كل واحد مثل الأصبع الذي قطعها.

    إذاً: لابد من وجود الأصول التي قررناها في القصاص في النفس، واستيفاء الشروط المعتبرة للحكم بثبوت القصاص؛ لأن الله عز وحل شرع لعباده القصاص، وهذه الشرعية من الله سبحانه وتعالى جاءت بغاية العدل الذي تمت كلمة الله عز وجل به كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:115] .

    فلا بد من تحقق هذه الأمور لكي نوجب القصاص في الجناية على الأطراف، مثلما قررنا في الأنفس كذلك نقرر في الأطراف.

    قال رحمه الله: [ومن لا فلا].

    أي: لو أن والداً قطع يد ولده، لم تقطع يد الوالد، كما أنه إذا قتله لم يُقتل به، على التفصيل الذي تقدم معنا، ولو أن مسلماً قطع يد كافر لم تقطع يد المسلم؛ لأن الذي قطعت يده ليس بمعصوم.

    قال رحمه الله: [ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس].

    أي: ولا يجب القصاص إلا بما يوجب القود في النفس، وقصده في الأول من جهة الأفراد، وفي الثاني من جهة الشروط، من وجود العصمة، وثبوت الجناية العمد العدوان، والمكافأة ... إلى غير ذلك مما ذكرناه في القصاص في النفس.

    1.   

    القصاص في الأطراف

    قال رحمه الله: [وهو نوعان: أحدهما في الطرف].

    أي: القصاص فيما دون النفس نوعان، وهذان النوعان منتزعان من القرآن؛ لأن القرآن قسّم الجناية على ما دون النفس إلى قسمين:

    الأول: جناية على الأطراف.

    الثاني: جناية على الجسد بالجروح والشجاج والكسور، وجمع الله النوعين في قوله: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] فَمِنْ قوله تعالى: (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) يبدأ القصاص في الأطراف، ثم قوله تعالى: (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)، جمع فيه الجناية على العين بالذات، والجناية على منفعتها بإذهاب البصر، ومن هنا يقتص بإتلاف العضو قائماً، وإتلاف منفعته، على التفصيل الذي سنبينه إن شاء الله تعالى.

    القصاص في ذهاب العين كلها أو منفعتها

    قال رحمه الله: [فتؤخذ العين والأنف والأذن والسن والجفن والشفة واليد والرجل والأصبع والكف والمرفق والذكر والخصية والإلية والشفر كل واحد من ذلك بمثله].

    قوله: (فتؤخذ العين)

    أي: فتؤخذ العين بالعين؛ لأن الله تعالى يقول: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، فالعين الأولى عين الجاني، تؤخذ بالعين الثانية التي هي عين المجني عليه، فالله عز وجل أوجب علينا أن نفقأ عين الجاني كما فقأ عين المجني عليه، وأن نتلف بصر عين الجاني كما أتلف بصر عين المجني عليه، وأن يكون هذا على سبيل المماثلة بالشروط التي سيبينها المصنف رحمه الله، بما يتحقق به العدل وتتحقق به المساواة، وأن لا يكون فيه جور ولا ظلم.

    والعين: العضو المعروف، ويستوي أن تكون العين المقتص منها مماثلة للعين وغير مماثلة، فالعين الكبيرة بالعين الصغيرة، والعين الصغيرة بالكبيرة، والعين الجميلة بالعين ناقصة الجمال، والعين الكحلاء بالزرقاء، والزرقاء بالكحلاء، وتؤخذ العين بالعين على العموم الذي ذكره الله عز وجل في كتابه، لكنه مقيد بضوابط تتحقق بها المساواة ويحصل بها التماثل.

    فإذا جنى الجاني على عين المجني عليه كلاً، فقلع العين كلها، قلعت عينه كما قلع عين المجني عليه، بشرط أن يؤمن الحيف، على تفصيل سيذكره المصنف رحمه الله في الشروط. ولو أنه ضربه ضربة أذهبت منفعة العين وأبقت العين، مثل اللطمة، ففي هذه الحالة يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، ومن العلماء من قال: يلطم، فإن ذهب نور بصره حصل العدل، وإن لم يذهب نور بصره أذهب هذا النور بالعلاج، فيقطر في عينه من الدواء ما يذهب نور البصر، كما أذهب نور بصر غيره.

    وهذه المسألة فيها قضاء عن الصحابة وشبه إجماع؛ لأنه لم يخالف فيها أحد، وحاصله: أن عثمان رضي الله عنه كان عنده مولى، فجاء رجل من الأعراب بجلب إلى السوق يريد أن يبيعه، فأخذ وأعطى مع هذا المولى، وكان المولى شديداً، فوقعت بينهما خصومة، فقام المولى وضرب الأعرابي ضربة أذهبت نور عينه، وأضرت بالمنفعة والعين قائمة، فوصل الخبر إلى عثمان رضي الله عنه، فنادى الأعرابي، وعرض عليه أن يعطيه ضعف الدية حتى يسامح ويتنازل، فأصر الرجل على حقه، فلما أصر على حقه رفعهما إلى علي رضي الله عنه، فأمر علي أن تحمى حديدة فأحميت، وأمر أن تكف العين الثانية التي هي خارج الجناية وأن تستر، ثم وضع الحديدة أمام العين حتى سالت وذهب بصرها، ففعل به مثلما فعل بالجاني من إذهاب بصره.

    وهذا الفعل من علي رضي الله عنه شبه إجماع لم ينكره أحد من الصحابة، وهو خليفة راشد وبمحضر عثمان رضي الله عنه، وفي حال حياته، ولم ينكره أحد.

    ولذلك فبعض الفقهاء يقول: إنه إذا لطمه وأذهب بصر العين فإنه لا يلطمه؛ لأن اللطم لا يؤمن معه الحيف، واللطمة عن اللطمة تختلف، ولا نستطيع أن نضبط اللطمة بقدر تتحقق به المساواة، فقالوا: في هذه الحالة ذهاب المنفعة، فنذهب منفعة عينه كما أذهب منفعة عين أخيه.

    فمنهم من قال بالدواء، مثلما ذكر بعض الأئمة من تقطير الكافور ونحوه مما يذهب البصر، ولكن يشترط إذا عُولجت العين بالدواء ألا يؤذي هذا الدواء داخل البدن؛ لأنه زيادة على الجناية فلا يجوز.

    وفعل علي رضي الله عنه أخرج الأمر عن الإشكال؛ لأنه جاء بالحديدة محماة ثم وضعت أمام العين حتى سالت وذهب نور الإبصار فيها، وما أحرق بها العين، وحينئذٍ تلافى الضرر بتقطير الدواء؛ لأن تقطير الدواء لا يؤمن معه الضرر كما لا يخفى.

    وعلى هذا انعقدت كلمة الصحابة رضي الله عنهم، فإنه لا يعرف مخالف لـعلي رضي الله عنه في هذا، ولـعثمان في سكوته على هذا القضاء.

    ويستوي في ذلك أن تكون العين المجني عليها قوية الإبصار والجانية ضعيفة، أو العكس، فتؤخذ العين قوية الإبصار بالعين الضعيفة، ما دام أنه يبصر بها، ومنفعة الإبصار موجودة، فتؤخذ منفعة عينه كما أخذ منفعة عين أخيه، هذا بالنسبة للعين.

    القصاص في الجناية على الأنف

    قوله: (والأنف)

    الأنف: هو العضو المعروف في الوجه، فلو جنى على الأنف جناية فقطع بها الأنف، كما لو اختصما فأخذ الجاني سكيناً فقطع أنف الآخر، والقطع يكون لما لان من الأنف وهو المارن، فإذا جدع الأنف وقطعه جدع أنفه بأنف أخيه، لقوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ [المائدة:45] .

    ويستوي في ذلك أن يكون الأنف كبيراً وأنف المجني عليه صغيراً، أو أن يكون الأنف طويلاً والآخر أفطس أو قصيراً، فما دام أنه قد أخذ هذا العضو وجدعه من أخيه جُدع أنفه، سواءٌ ماثله في صفات الكمال أم لم يماثله، ولو كان المجني عليه لا يشم بأنفه، فحاسة الشم عنده غير موجودة، وجاء جانٍ فقطع أنفه، والجاني يشم وحاسة الشم عنده موجودة، فيقطع أنفه؛ لأن العبرة بالجرم، ومسألة أن يشم أو لا يشم أمر متعلق بالدماغ في تلك المنفعة، لكن الجناية وقعت على الطرف نفسه، فمادام قد قطع الأنف يقطع أنفه، بغض النظر عن كون الأنف المقطوع يشم به أو لا يشم، وإنما المراد أنه مثّل بأخيه المسلم، ثم إنه إذا قطع أنفه لم تذهب حاسة الشم من كل وجهه؛ لأن حاسة الشم متعلقة بالدماغ، فيقطع أنفه كما قطع أنف أخيه، ويُجدع أنفه كما جدع أنف أخيه.

    وهذا لقوله تعالى: وَالأَنفَ بِالأَنفِ [المائدة:45]، فأمر الله بالقصاص في الأنف، سواءٌ استوى الأنفان في الطول والقصر -كما ذكرنا- أم اختلفا، فكما أنه أزال العضو بكامله يزال عضو الأنف منه بكماله وتمامه.

    الأذن والخلاف في القصاص بالمتحشفة

    قوله: (والأذن)

    أي: يجب القصاص في الأذن، فتؤخذ أذن الجاني إن قطع أذن المجني عليه، وذلك لقوله تعالى: وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ [المائدة:45]، فأمر الله بالقصاص في طرف الأذن، وأوجب علينا أن نقطع أذن الجاني كما قطع أذن المجني عليه، سواءٌ اتفقت صفات الأذن طولاً وقصراً وجمالاً ونقصاً في الجمال أم اختلفت.

    ولكن عند العلماء خلاف في الأذن المتحشفة، وهي التي تيبست من المرض حتى صارت مثل خسف التمر، فإذا جنى الجاني على أذن متحشفة، وأذن الجاني سليمة، فهل تقطع أذن الجاني أو لا؟

    في ذلك وجهان للعلماء رحمهم الله تعالى:

    فمنهم من قال: إن كونها متحشفة لا يمنع منفعة السمع؛ لأن صوان الأذن يحفظ الأصوات ويعين على السماع، فقطع أذن الجاني مثلما قطع أذن المجني عليه؛ لأن المعنى فيهما واحد، وهذا في الحقيقة أقوى الوجهين وأصحهما وأولاهما بالصـواب إن شاء الله؛ لأن العبرة بصوان الأذن كما لا يخفى، وهذا معروف؛ لأن الأذن إذا تحشفت يبست، ولكن الجرم موجود والسمـاع موجود، والانتفاع بالمتحشفة موجود كالانتفـاع بغير المتحشفة.

    وكما أننا نقتص من صاحب الأذن الكبيرة بالأذن الصغيرة لوجود الخلقة، فالمتحشفة في حكم الأذن الصغيرة، ولكن المنفعة موجودة وهي السماع، ولأن الله عمم فقال: وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ [المائدة:45]، وهذا عام يدل على أننا نقتص ممن قطع الأذن على الصفات التي ذكرناها.

    فإذا نظرنا إلى الأذن ففيها منفعة وهي السمع، وفيها الجرم والذات المتعلقة بالطرف، فإذا كانت الجناية على طرف الأذن أخذت أذن الجاني بأذن المجني عليه.

    القصاص في الجناية على السن

    قوله: (والسن).

    أي: وتؤخذ السن بالسن، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أن الربيع بنت النضر رضي الله عنها وعن أبيها، اختصمت مع امرأة فاعتدت على سنها، فبلغت القضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أنس بن النضر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: كتاب الله القصاص -أي: تكسر ثنية الربيع كما كسرت ثنية أختها في الإسلام-، فقال أنس بن النضر رضي الله عنه: لا والله لا تكسر ثنية الربيع، -قالها من محبته، والإنسان تدركه الشفقة، وقد كان رجلاً صالحاً، ومن خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطمع من الله أن لا تكسر ثنية الربيع- فتنازل أهل المجني عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) فما ذهبت يمينه.

    فالشاهد: قوله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص)، والله يقول في كتابه: وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45] .

    وعلى هذا فلو أنه اعتدى على سن أو أكثر فقلعها من المجني عليه قُلع مثلها من الجاني، وأخذ بجنايته مثلاً بمثل، كما أمر الله تعالى.

    القصاص في الجناية على الجفن والشفة

    قوله: [والجفن]

    أي: جفن عين الجاني يُؤخذ بجفن عين المجني عليه، فنأخذ من الجاني جفنه، ولو أنه اعتدى فقطع الجفن الأعلى والجفن الأسفل من المجني عليه قطعنا من عينه مثلما قطع، وهذا -كما ذكرنا- بشرط أمن الحيف، وكما يقع القصاص في الطرف كاملاً يقع في جزء الطرف، فلو أن الجاني قطع يد المجني عليه كاملة من المنكب، فإننا نقطع يد الجاني من مفصل الكتف، مثلما قطع يد المجني عليه.

    ولو أنه قطع جزء اليد فقطع الأصابع قطعنا أصابعه، ولو قطع من مفصل الكف مع الساعد قطعنا يده من مفصل الكف مع الساعد، ولو أنه قطع من مفصل المرفقين قطعنا من مفصل المرفقين، فيكون القصاص في كل الطرف وفي جزء الطرف، لكن بشرط أمن الحيف -كما سيأتي-، ويكون له موضع يمكن أن تتحقق به المساواة ويتحقق به العدل.

    قوله: [والشفة]

    أي: لو أنه قطع شفة المجني عليه السفلى أو العليا قطعنا شفته السفلى إن كانت الجناية في السفلى، وإن كانت في العليا قطعنا العليا، وإن قطعهما قطعناهما منه، مثلاً بمثل سواءً بسواء؛ لأن الله أمرنا بالقصاص، فلما ذكر الله عز وجل العين والأنف والأذن والسن نبه بما ذكر على بقية الأعضاء، فلا يأتي شخص ويقول: القصاص في هذه الأعضاء المذكورة فحسب، فإن الله عز وجل ينبه بالمثل على مثيله، وبالشيء على نظيره وشبيهه، فكما أن الجاني إذا جنى على الأذن قطعنا أذنه، كذلك إذا جنى على اليد قطعنا يده، وإذا جنى على الرجل قطعنا رجله مثلاً بمثل سواءً بسواء؛ لأن الله قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]، وقال: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، فجعل الأمر راجعاً إلى المقاصة والمماثلة، فكما أنها تقع في الأنفس تقع كذلك في الأطراف.

    القصاص في الجناية على اليد

    قوله: (واليد)

    أي: تقطع يد الجاني باليد وهي يد المجني عليه، وننظر في جنايته على اليد، فإن كانت على اليد كلاً بأن قطع بالسكين يد المجني عليه من مفصل الكتف -والعياذ بالله- فإننا نفعل به مثلما فعل بالمجني عليه، سواءٌ أكانت يده طويلة أم قصيرة، وسواءٌ كانت يده ذات قيمة أم لم تكن، كيد الصناع الذي له حرفة، فيده لها أثر ولها قيمة.

    فإذا قطع رجل أو ذو صنعة يد رجل لا صنعة له فقالوا: تقطع أيدي أصحاب الحرف بأيدي من لا حرفة له؛ لأن الإسلام سوى بينهم، وتقطع يد الجاهل بالعالم، وتقطع يد الوضيع بالشريف، والضعيف بالشريف، ويد القوي تقطع بيد الضعيف، عدلاً من الله عز وجل، فمثلما فعل بأخيه يفعل به، وقد سوى الإسلام بينهما، فإذا قطعها كلاً قطعت يده كلها، وإذا قطعها من مفصل يمكن القطع منه دون حيف وجور، قطع من مفصل الكف، وكذلك من مفصل المرفق، وهكذا.

    القصاص في الجناية على الرجل

    قوله: (والرجل)

    أي: تقطع الرجل بالرجل، فلو أنه اعتدى على رجل المجني عليه فقطعها من الكعبين، قطعنا رجله من الكعبين، أو قطع رجله اليمنى قطعنا رجله اليمنى، أو قطع رجله اليسرى قطعنا رجله اليسرى، مثلاً بمثل سواءً بسواء، سواءٌ أكانت الرجلان على صفة واحدة طولاً وقصراً أم لا، فلو كانت رجل الجاني طويلة ورجل المجني عليه صغيرة، قطعنا الرجل الطويلة بالصغيرة، والعكس؛ لأن المراد الاتحاد في العضو وقد حصل، والعدل يتحقق بأخذ هذا العضو بمثله ممن اعتدي عليه.

    القصاص في الجناية على الأصبع

    قوله: (والأصبع):

    أي: ولو قطع الأصبع قطعنا أصبعه، فيقطع أصبع الجاني بأصبع المجني عليه، سواءٌ أكان من أصابع اليد أم من أصابع الرجل، ولا بد من العدل في هذا، فإذا قطع الخنصر قطعنا خنصره بخنصر المجني عليه، ولو قطع البنصر قطعنا بنصره، ولو قطع الوسطى قطعنا الوسطى منه مثلاً بمثل، ولو اجتمع جماعة -كما ذكرنا- فقطع بعضهم الخنصر والثاني البنصر والثالث الوسطى والرابع السبابة والخامس الإبهام، قطعنا من كل شخص مثلما قطع.

    فإن اجتمعوا كلهم وأخذوا حديدة، أو قاموا بتحريك جهاز كلهم اشتركوا في تحريكه وإدارة الفعل الذي يكون به قطع الرجل، فحسمت الرِّجلُ كلها، أو حسمت الأصابع كلها، أو حسمت اليد كلها، حسمنا من الجماعة جميعاً أيديهم، وحسمنا أرجلهم مثلما يقع من الجناية على المجني عليه؛ لأن كل واحد منهم لو انفرد ففعله موجب للقطع.

    وهذا كما ذكرنا في القصاص في النفس أن الجماعة لو اشتركوا في فعل لو انفرد الواحد منهم به قتل، فإنهم كلهم قتلة فيقتلون بالمقتول، وبينّا دليل ذلك، والأصل في هذا قضاء الصحابة رضوان الله في السنة العمرية من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الراشد رضي الله عنه، وإقرار الصحابة على هذا.

    القصاص في الجناية على الكف والمرفق

    قوله: (والكف)

    أي: وكذلك الكف، والكف سمي كفاً؛ لأنه تكف به الأشياء، وحد الكف من أطراف الأصابع إلى الزندين، فهذا يمسى كفاً، وبطنه تسمى الراحة، فلو أنه قطع الكف قطعنا كفه، فإن قطع كف اليمنى قطعنا كفه اليمنى، وإن قطع كفه اليسرى قطعتا كفه اليسرى.

    وقوله: (والمرفق)

    سمي المرفق مرفقاً؛ لأنه يرتفق عليه، أي: يتكأ عليه، والمرفق: هو مفصل الساعد مع العضد، فالعظم الذي بين زند الكف وبين العضد يقال له: الساعد، وما بين مفصل المرفق ومفصل الكتف يقال له: العضد، فإذا قطع اليد إلى المرفقين قطعنا يده إلى المرفقين، وإذا قطعها إلى الكوع قطعناها إلى الكوع، وهكذا.

    قطع الذكر والخصية أو تعطيل منافعها

    قوله: (والذكر)

    إذا جنى عليه بقطع ذكره، فقد أجمع العلماء رحمهم الله كلهم على أنه يقتص من الجاني، فيقطع ذكره كما قطع ذكر المجني عليه، والدليل على ذلك قوله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، وهذا بإجماع العلماء، كما حكاه الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني؛ أنه يجب القصاص بإجماع أهل العلم في قطع الذكر، سواءٌ أقطعه كاملاً مع الخصيتين، أم قطع العضو وحده دون الخصيتين، فيُقطع منه مثلما قطع من المجني عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص)، فكما أنه جنى هذه الجناية على أخيه المسلم فإنه يفعل به مثلما فعل به.

    وقوله: (والخصية)

    كذلك لو أنه جنى على خصيته، فإذا جنى على خصيته فقطعها قطعنا منه مثلما قطع، وهذا كله بشرط أمن الحيف، أي: أن يكون القطع بطريقة يمكن أن يقتص منه فيها، ولا تكون هناك زيادة عند القصاص، أما إذا لم تؤمن الزيادة فلا، وهذا سيأتي إن شاء الله تعالى في الشروط.

    ولو جنى عليه جناية في خصيته عطلت منافعه فأصبح عقيماً، فيفعل به مثلما فعل بالمجني عليه إذا أمكن ذلك وأمن الحيف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص)، وكذلك لو اعتدى عليه فعطل منفعة الذكر فأصبح لا ينتشر، فيفعل به من الدواء ما يمنع انتشار ذكره، فيستعمل منه مثلما استعمل من أخيه.

    القصاص في الجناية على الإلية

    قوله: (والألية)

    وكذلك لو أنه قطع إلية أخيه، فإنه تقطع إليته، ولو قطع الإليتان قطعت منه الإليتان، ويستوي أن يتفقا في حجم الإلية أو يختلفا، كما لو كان أحدهما سميناً ذا شحم فإنه يؤخذ النحيف بالسمين والسمين بالنحيف؛ لأن المراد المساواة في العضو، فما دام أن هذا الجزء قطع فيقطع من الجاني مثله، وهذا كله -كما ذكرنا- بشرط أمن الحيف، وهذه المواضع ليست كالكف، وليست كالمرفق لها مفصل معين، بل تحتاج إلى نظر في الجناية، والرجوع إلى أهل الخبرة والأطباء في تقرير المماثلة والقصاص.

    فإن قالوا: تمكن المماثلة حكمنا بالقصاص، وإن قالوا: لا يمكن، فحينئذٍ لها شأن آخر يأتينا إن شاء الله في حال عدم أمن الحيف.

    القصاص في الجناية على شفر المرأة وشرط اتحاد الجنسين في الأعضاء التناسلية

    قوله: (والشَفر)

    الشفر في فرج المرأة، فإذا اعتدت امرأة على امرأة فقطعت شفريها قُطع منها الشفران، ولو قطعت أحد الشفرين الذي هو جانب الفرج الأيمن أو الأيسر قُطع منها مثلما قطعت من أختها، وهذا بالنسبة لاتحاد الجنس.

    أما إذا كان الجاني رجلاً فلا يمكن أن يتحقق التماثل، ومثل هذا لا تستطيع أن تحكم فيه بالقصاص، فيشترط اتحاد الجنسين -أي الجاني والمجني عليه- بالنسبة للأعضاء التناسلية.

    ولكن هنا مسألة أخرى وهي: لو أنه اعتدت امرأة على خنثى مشكل، فإن الخنثى إذا أشكل فرجه فليس أصلياً، وحينئذٍ فهناك نزاع بين العلماء رحمهم الله، أما إذا تبيّن وكان فرجاً أصلياً، فبعض العلماء يرى أن الخنثى إذا صار ذكراً صار الشفر وفرج الأنثى فيه عضواً زائداً، وحينئذٍ تأتينا مسألة قطع الأصلي بالزائد، والزائد بالأصلي، وسيكون تفصيله -إن شاء الله- في موضعه.

    وكذلك إذا استبانت أنثى وكانت الجناية على عضو الذكر فنفس الحكم؛ لأنها لما تمحضت أنثى وتبين أن الخنثى وجدت فيه علامات على كونه امرأة، فحينئذٍ عضو الذكر فيها زائد، فيكون كالجناية على العضو الزائد.

    وقوله: (كل واحد من ذلك بمثله)

    أي: يؤخذ كل واحد مما تقدم من العين والأنف والأذن والسن والذكر والخصية والإلية والجفن وغيرها مما ذكره رحمة الله عليه بمثله، وعلى هذا فلابد من اتحاد الأعضاء، فلا تؤخذ اليد بالرجل، ولا تؤخذ العين بالأذن، ولو كان المأخوذ أقل منفعة مما أُخذ، فلابد من الاتحاد والتماثل، ولا يجوز اختلاف الموضعين، وهذا محل إجماع، فلو اعتدى على يده وكانت يدي الجاني مقطوعة بأن قطعت بعد الجناية، سقط القصاص؛ لأنه لا يمكن الاتحاد والتماثل.

    وكذلك لو اعتدى على رجله فقطعت رجله قبل أن يقتص منه، فلا يمكن القصاص، ولا يجوز أن يقتص من يده مثلاً.

    ومن هنا قال رحمه الله: (كل واحد من ذلك بمثله)، فلابد من وجود التماثل بين عضو الجاني وعضو المجني عليه.

    1.   

    شروط القصاص في الأطراف

    قال رحمه الله: [وللقصاص في الطرف شروط]

    الشروط: جمع شرط، وهذه الشروط إذا وجدت حكمنا بالقصاص، وإذا فقدت أو فقد بعضها لا يُحكم به.

    الشرط الأول: الأمن من الحيف

    قال رحمه الله تعالى: [الأول: الأمن من الحيف]

    معنى الأمن من الحيف أي: من الزيادة في القصاص على مقدار الجناية، والدليل على ذلك أن الله تعالى أوجب القصاص؛ كما نص على ذلك دليل الكتاب، ودليل السنة الصحيحة في قوله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص) ، ولا يمكن أن يتحقق القصاص مع وجود الزيادة؛ لأن الجاني حينها يكون مظلوماً، ومن هنا قالوا: لو أنه قلع عينه، وغلب على الظن أننا لو قلعنا عينه بالطريقة التي قلعها الجاني أننا سنـزيد ولا نأمن أن تحدث مضاعفات، وقد يموت الجاني، ففي هذه الحالة لا يقتص؛ لأن الجناية التي فعلها الجاني لا يمكننا أن نفعل مثلها بالجاني، وحينئذٍ لا يتحقق القصاص الذي أوجب الله عز وجل وفرضه.

    وعلى هذا إذا لم تُؤمن الزيادة، ولم يُؤمن الحيف، فإنه لا يجب القصاص.

    قال رحمه الله: [بأن يكون القطع من مفصل].

    هذا تفصيل وتفسير لما تقدم، فالأمن من الحيف يتحقق بوجود نهاية للعضو المجني عليه، فيمكننا عند القطع أن نصل إليها، فإذا قطع كفه فعندنا مفصل الكف، وإذا جئنا نقطع كف الجاني فإننا نأمن الزيادة؛ لأن عندنا حداً واضحاً نقف عنده، فحينئذٍ القطع فيه أمن من الحيف والزيادة، فيجب حينئذٍ القصاص ويثبت، ولذلك قال رحمه الله: [أو له حد ينتهي إليه]، وذلك مثل أن يكون له مفصل كالكف والأصابع، فلو أنه أخذ أنملة من أصبع فإنه يمكن أن تؤخذ نفس الأنملة من الجاني؛ لأن لها مفصلاً، فيمكن تحقق المساواة، وحصول العدل المطلوب بالقطع والبتر والإبانة من هذا المفصل.

    قال رحمه الله: [كما رن الأنف وهو ما لان منه].

    أي: كما في مارن الأنف، فلو أخذه بسكين فجدعه جدعنا المارن من الجاني، وحينئذٍ يتحقق العدل وتحقق المساواة.

    الشرط الثاني: المماثلة في الاسم والموضع

    قال رحمه الله: [الثاني: المماثلة في الاسم والموضع].

    أي: يشترط أن يتماثلا في الاسم ويتماثلا في الموضع؛ لأن أصل القصاص المساواة والتماثل، فإذا اختلف الاسم واختلف الموضع فإنه لا قصاص، فإذا أخذ الجاني يد المجني عليه اليسرى فيجب أن نأخذ يده اليسرى، وحينما يأخذها من مفصل الكف نأخذ من مفصل الكف، وهكذا.

    ولا يجوز أن تؤخذ اليسرى باليمنى ولا اليمنى باليسرى؛ إذ لابد من التماثل في الاسم والموضع.

    ولذلك قال رحمه الله: [فلا تُؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين].

    ولو أنهما تراضيا على ذلك، فنقول: لا، حتى ولو تراضيا، فلا تؤخذ اليد إلا بمثلها مستوية في الاسم والموضع؛ لأن موضع اليد اليمين ليس كموضع اليد الشمال، والجناية في موضع اليمين ليست كالجناية في موضع الشمال، وأخطر ما تكون الجناية في اليسار؛ لأنها جهة النـزف للقلب، وأكثر المنافع في اليمين؛ لأن اليمين غالباً يكتب بها، ويتعاطى بها الأشياء المنتفع بها الصالحة والطيبة.

    فعلى كل حال موضع اليمين ليس كموضع اليسار، واسم اليمين ليس كاسم اليسار، فلا تؤخذ يد يسرى بيد يمنى ولا العكس.

    قال رحمه الله: [ولا خنصر ببنصر]:

    أي: ولا يؤخذ الخنصر بالبنصر، فلو قطع الخنصر - وهو الأصبع الصغير- من المجني عليه، فقال الجاني: اقطعوا بنصري، فنقول: لا يقطع إلا الخنصر الذي قطعت مثله، وسواءٌ أوجد الخنصر أو أم يوجد، فإن لم يوجد الخنصر وقال: اقطعوا البنصر، فنقول: لا يقطع إلا ما قطعت، ولا يبتر إلا ما بترت، ولا يجدع إلا ما جدعت.

    قال رحمه الله تعالى: [ولا أصلي بزائد ولا عكسه].

    هذه المسألة سبقت الإشارة إليها، فلو كان عنده أصبع زائد، فجاء الجاني وقطع الأصبع الزائد، فلا نقول: اقطعوا أصبعاً من أصابعه؛ لأن الجاني ليس له أصبع زائد، والأصبع الزائد ليس كالأصبع الأصلي.

    ومن هنا تفرعت مسألة الخنثى المشكل، فقالوا: إنه إذا قُطع من الخنثى المستبين الذكر شيءٌ من فرج الأنثى وقطعته الأنثى، لم يقتص منها؛ لأنها لم تقطع عضواً أصلياً، والشفر في حق الجانية شفر أصلي، وبناءً على ذلك لو أننا حكمنا بالقصاص في هذه الحالة فقد ظلمنا الجانية؛ لأن المجني عليه لا ينتفع بهذا العضو، وليس هناك مساواة بين هذا العضو ومثله في الجاني.

    ومن هنا فُرِّق بين العضو الزائد والعضو الأصلي، فلا ينظر إلى كونه عضواً أصبعاً، أو شفراً، أو ذكراً فحسب، فإذا كانت أنثى فقُطع منها الذكر فإنه لا يقطع الأصلي بالزائد، إذاً فالجناية إذا كانت متعلقة بالزوائد يعدل فيها إلى الضمان.

    قال رحمه الله: [ولا عكسه].

    أي: لو أن الجاني خنثى استبانت امرأةً فقطعت ذكر رجل، فإن الذكر بالنسبة لها زائد، ولا يقال: إن القصاص تحقق من كل وجه، ولذلك لو بتر فلا تتحقق المساواة.

    قال رحمه الله: [ولو تراضيا لم يجز].

    قوله هذا إشارة إلى خلاف بين العلماء، فقد قال بعضهم: إذا تراضيا جاز، كما أنه من حق المجني عليه أن يتنازل عن حقه، فلو جنى على أصبع أصلي فقال المجني عليه: اقطعوا الزائد، أو جنى على زائد فقال المجني عليه: اقطعوا الأصلي. وتراضيا على ذلك، فإنه جائز عند هذا الفريق من العلماء؛ لأن هذا حق المجني عليه، فإذا رضي جاز، ولكن اختار المصنف رحمه الله وهو مذهب طائفة من العلماء أنه لا يجوز وإن تراضيا، والمنصوص عليه عند الجمهور أنه لا يؤخذ الأصلي بالزائد ولا الزائد بالأصلي.

    وبعضهم فرق وقال: إن أخذ الزائد بالأصلي فله وجه إذا رضي صاحب الأصلي؛ لأنه دون حقه، فإذا رضي به كان له ذلك.

    الشرط الثالث: استواء الطرفين في الصحة والكمال

    قال رحمه الله: [الثالث: استواؤهما في الصحة والكمال]

    أي: الشرط الثالث، وذلك أن الله سبحانه وتعالى أوجب في القصاص المماثلة؛ لأنه إذا كان العضو الذي يقتص منه مماثلاً للعضو الذي اعتدي عليه تحقق العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، فالمقصود من القصاص: العدل بين الجاني والمجني عليه، ومن هنا اشترط الأئمة رحمهم الله اقتباساً من النصوص استواء الطرفين في الصحة والكمال، فلا يؤخذ طرف صحيح بطرفٍ مريض، ولا يؤخذ طرف كامل بطرفٍ ناقص؛ وذلك لأننا لو أخذنا طرفاً كاملاً بطرفٍ ناقص فقد ظلمنا الجاني.

    فلو أنه اعتدى عليه فقطع يده، وكانت يد المجني عليه مقطوعة الأصابع، والجاني يده كاملة الأصابع، فإننا لو قطعنا يد الجاني فقد ظلمناه، ومن هنا لابد من وجود العدل في القصاص في الأطراف، كما يجب العدل في القصاص في الأنفس، ولذلك قال رحمه الله: (استواؤهما) أي: وجود التماثل، وعدم وجود التفاوت بين العضوين في القصاص في الأطراف.

    قال رحمه الله: [فلا تؤخذ صحيحة بشلاء].

    أي: لا تؤخذ اليد الصحيحة باليد الشلاء، واليد المشلولة مسلوبة الحركة، وهذا الخلل في اليد يقتضي نقصها، ومن هنا لو اعتدى على يدٍ مشلولة فقطعها لم نقطع يده الصحيحة؛ لأننا لو قطعنا يده الصحيحة فقد ظلمناه؛ لأن الجناية التي فعلها لا تماثل ما نفعله به، ومن هنا لا بد من وجود العدل، فلا تؤخذ يدٌ صحيحة بيدٍ شلاء، كما لا تؤخذ رجلٌ صحيحة برجلٍ شلاء، ولا أصبعٌ صحيحة بأصبعٍ شلاء، فهذا من العدل، والدليل على هذا قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]، وهذا يقتضي أن يكون هناك تماثلٌُ، وهذا أصلٌ منتزعٌ من قوله سبحانه وتعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ... [المائدة:45] إلى آخر الآية، فإن من تأمل هذه الآية الكريمة وجد أن المقصود العدل بين الجاني والمجني عليه، فإذا كان طرف الجاني المماثل للطرف المجني عليه أكمل، فإنه لا يمكن أن يتحقق العدل بقطع ذلك الطرف الكامل بالطرف الناقص.

    فلا تقطع يد صحيحة -أي كاملة- بيدٍ شلاء، سواءٌ أكانت مشلولة بكاملها أم كان الشلل في بعضها، وسواءٌ أكان الشلل في أكثر اليد أم في بعض اليد، فلابد من وجود التماثل، ولكن لو اعتدى على يدٍ مشلولة الكف، ويده هو مشلولة الكف، فإنه تؤخذ يد الجاني بيد المجني عليه، ويقتص منهما؛ لأن العدل يتحقق بهذا.

    قال رحمه الله: [ولا كاملة الأصابع بناقصة]

    أي: ولا تؤخذ يدٌ كاملة الأصابع بيدٍ ناقصة الأصابع، واليد الناقصة الأصابع تكون على ضربين:

    الضرب الأول: أن يكون النقص في أصابعها خلقة، كأن خلقها الله عز وجل بثلاث أصابع، أو خلقها الله بأصبعين، أو خلقها الله بأربع أصابع، فهذا نقص في الأصابع خلقة.

    الضرب الثاني: أن تكون الأصابع موجودة في الأصل، ولكن قطعت أو بترت، كشخص قطع منه أصبعان في حادث، ثم جاء الجاني وقطع يده، أو قطع كفه، فإذا قطع كفه وكف الجاني كاملة الأصابع، فلا يمكن أن تقطع كف الجاني الكاملة الأصابع بهذه الكف الناقصة الأصابع، فيستوي أن يكون نقص الأصابع خلقة، أو أن يكون نقص الأصابع عارضاً لحادث أو أمر اقتضى بتر هذه الأصابع، فإنه لا تؤخذ الكاملة بالناقصة.

    قال رحمه الله: [ولا عينٌ صحيحة بقائمة]

    أي: ولا يجوز أن تؤخذ عينٌ صحيحة يُبصر بها صاحبها، سواءٌ أكان إبصاره كاملاً أم كان إبصاره ناقصاً، بعينٍ قائمة، وهي التي فيها البياض والسواد، ولكن صاحبها لا يبصر بها، ولا يعتبر في قيامها بالبياض والسواد من ناحية الشكل أنها تماثل العين الصحيحة؛ لأن عين الجاني فيها صفتان: كونها قائمة في الصورة والشكل، وكونه يبصر بها، فمنفعة العين موجودة غير مفقودة، وعين المجني عليه منفعتها مفقودة، فلو أننا قلعنا عين الجاني ظلمناه؛ لأنه قلع عيناً ناقصة، ولا يمكن حينئذٍ أن يتحقق العدل لو قلعنا عينه؛ لأن الكامل لا يتحقق العدل فيه بالناقص، ومن هنا لا تؤخذ ولا تقلع العين الصحيحة بالعين القائمة، وهي التي لا يبصر بها صاحبها.

    وهكذا في العينين، فلو جنى الجاني على أعمى، وكانت عيناه قائمتين، فإنه لا يقتص من الصحيح المبصر؛ لأنه لا يمكن أن يتحقق العدل، فلو اقتلعنا عين الجاني الصحيحة بعين المجني عليه القائمة فقد أخذنا كاملاً بناقص، وهذا لا تأذن به الشريعة، ولذلك يُعدل عن القصاص.

    قال رحمه الله: [ويؤخذ عكسه ولا أرش]

    هذه حالة ما إذا كان الأمر عكسياً، بحيث تكون يد الجاني شلاء، وقطع يد المجني عليه وهي صحيحة، فحينئذٍ نقول: إن يد الجاني يدٌ مشلولة، ويد المجني عليه يد كاملة، واليد الكاملة فيها صفتان:

    الصفة الأولى: صورة اليد وذاتها.

    الصفة الثانية: منفعة اليد، وهي كونه يحركها ويقوم بها.

    فالجاني وجُد في يده أحد الأمرين؛ لأن الحركة غير موجودة في المشلولة، والعضو الذي هو ذات اليد موجودٌ، فإذا رضي صاحب الحق -وهو المجني عليه- بقطع يد الجاني المشلولة، فإننا نقطع يده؛ لأنه رضي بالأقل، ومن حقه أن يرضى بهذا؛ لأن القصاص في مثل هذه الحالة يقتضي قطع يدٍ فيها الصفتان، وهذا حقه كاملاً، وللإنسان أن يأخذ حقه كاملاً، وله أن يأخذ حقه ناقصاً، وله أن يعفو، فلو قال: اقطعوا يده، فإني أريد أن يكون مقطوع اليد كما عذبني بقطع يدي؛ قطعنا يد الجاني.

    وكذلك لو كانت كفه مشلولة، واعتدى على ذي كفٍ صحيحة، فقال صاحب الكف الصحيحة: أريد أن تقطعوا كفه، كما أنه بتر كفي، لأراه مبتور الكف فأشفي غليلي، قطعت كفه؛ لأنه وإن كانت كفه مشلولة لا يتحرك بها فالصورة قائمة في ذات اليد، والاعتداء على العضو كان صورة ومعنىً؛ لأن المقصود من العضو المنافع، فإذا تعطلت المنفعة فلا يُمنع أن يقتص الإنسان من الصورة وهي بعض حقه، ولذلك قال رحمه الله: (ويؤخذ عكسه)، وهكذا لو كانت كف الجاني فيها ثلاث أصابع وكف المجني عليه فيها أربع أصابع، أو كف الجاني فيها أصبعان، وكف المجني عليه فيها ثلاث أصابع، أو كانت كف المجني عليه كاملة فيها خمس أصابع، وكف الجاني فيها أربع أصابع، أو كانت كف الجاني فيها بعض الأصابع مشلولة، فقال المجني عليه: أريد أن تقطعوا كفه كما قطع كفي، أعطي حقه، ووجب أن يقتص من الجاني، فيؤخذ الناقص من طرفه بالطرف الكامل؛ لأنه يجوز للإنسان أن يأخذ بعض حقه.

    وقوله رحمه الله: (ولا أرش)

    إذا اقتص من العضو الناقص في الجاني، فإن بعض العلماء قال: يضمن له الأرش، أي: أرش الفرق بين اليدين، فلو كان الأرش ألف ريال، أو عشرة آلاف ريال، قطعت يد الجاني الناقصة، ويقال له: ادفع للمجني عليه الفرق بين اليدين وهو العشرة آلاف ريال، وستأتينا -إن شاء الله تعالى- مسائل الأروش، وسنبين كيف يرجع فيها إلى أهل الخبرة في تقديرها وضابطها.

    1.   

    الأسئلة

    حكم استعمال المخدر حال القصاص في الأطراف

    السؤال : هل يجوز استعمال المخدر أو ما يسمى بالبنج عند القصاص في الأطراف؟

    الجواب : باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أما بعد:

    فعند القصاص لا يجوز استخدام المخدر؛ لأن المجني عليه تألم بالقطع، فيجب أن يتألم الجاني كما تألم المجني عليه، فالجريمة مشتملة على الألم ومشتملة على الضرر، فالألم بالحسم ووجود الألم الذي تضرر به المجني عليه بعد الجناية، والحسم: هو قطع العضو، فإذا خدرناه وقطعنا يده حصل الحسم ولم يحصل الألم، والمقصود: أن يتألم كما تألم المجني عليه، فعندها يمتنع ويُحرِّم على نفسه أن يقدم على قطع يد مسلم بعد ذلك.

    ولذلك قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]، فبيّن سبحانه وتعالى أن الأرواح تُصان، وأن الأعضاء تحفظ، والأطراف تصان عن الاعتداء عليها بحصول الألم، فإذا ذاق مرارة الألم كما ذاق غيره، فإنه حينئذٍ يتحقق العدل، وثم شرع الله الذي كتبه الله عز وجل.

    ومن هنا فحصول الروع للجاني مثلما فعل بالمجني هو العدل، ولابد أن يتألم كما تألم المجني عليه، ولكن لو أنه أراد أن يقطع يد المجني عليه فخدرها ثم قطعها، خُدرت يده، وفُعل به مثلما فعل بالمجني عليه. والله تعالى أعلم.

    العدول إلى الدية حال تعذر القصاص

    السؤال: في مسألة اختلاف الجنسين ذكرنا أنه لا قصاص، فهل يكون محله الدية؟

    الجواب: هذا سيأتي تفصيله -إن شاء الله- في الكلام على مسائل الديات ولزوم الأرش في حال تعذر القصاص.

    حكم المسح على الجورب

    السؤال: ما حكم المسح على الجوارب التي نلبسها اليوم ولا تُرى البشرة من خلالها، ولكن بلل الماء الممسوح ينفذ من حلال الجورب ويصل إلى البشرة؟

    الجواب: المسح على الجوربين سنة محفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الصحيح عن المغيرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين)، وهذا هو أصح قولي العلماء رحمهم الله، لكن يشترط في الجورب -وهو الشراب- أن يكون ثخيناً، وأما الرقيق فالصحيح أنه لا يمسح عليه، وهو مذهب جماهير العلماء رحمهم الله تعالى.

    والدليل لمن قال بجواز المسح عليه هو: القياس على الثخين؛ لأنه ما كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقيس على الثخين، والقياس في الرُّخَصِ ضَيِّقٌ وضعيف، هذا أولاً.

    ثانياً: أن هذا القياس مع الفارق، فإن الرقيق إذا مسحته كأنك تمسح ظاهر القدم، ومذهب مسح ظاهر القدم يمكن أن يكون أرحم وأفضل من مسح الرقيق.

    والثخين يُنزل منزلة الخف؛ لأن الخف من الجلد ساترٌ حافظ للقدم، وأما الرقيق فإنه لا يستر ولا يُنـزل منـزلة الجورب ولا منـزلة الخف.

    وعلى هذا فالواجب على المسلم أن يستبرأ لدينه، وأن يحتاط لدينه، خاصة أمر الصلاة، فإن أمرها عظيم، ومن هنا قال الإمام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: إن الله فرض علينا غسل الرجلين بيقين، ولما جاءت أحاديث الخفين متواترة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملنا بها وانتقلنا إلى هذه الرخصة.

    وعلى هذا فكذلك لما جاءتنا رخصة الجوربين نقول: إنها جاءتنا بحديث صحيح بجوربين كانا ساترين لمحل الفرض، ولم تكن الجوارب كهذه الجوارب الموجودة الآن الشفافة الرقيقة، التي لو وضع الإنسان أصبعه لربما وجد حرارته على بدنه من رقتها، فهي حوائل ضعيفة جداً، لا تُنـزل منـزلة الحوائل الثخينة في الجلد -كما في الخف- ولا في الجوربين.

    ومن هنا اشترط بعض العلماء أن يكون الجورب منعلاً؛ لأن الرواية في الجوربين المنعلين؛ كل هذا تحقيقاً لمماثلة الجورب للخف حتى يكون أشبه بالخف.

    وعليه فإنه لا يجوز المسح إلا على شُرَّاب ثخين لا ترى البشرة من تحته. والله تعالى أعلم.

    كيفية قضاء الفائت من ركعات الصلاة

    السؤال: إذا دخل المصلي في الركعة الثالثة لصلاة العشاء، فهل يأتي بالركعتين المتبقيتين جهراً ويقرأ الفاتحة وسورة سواها، على أساس قضاء الركعة الأولى والثانية، أم يأتي بهما سراً ويقرأ الفاتحة فحسب، على أساس أنهما الثالثة والرابعة بالنسبة له؟ أثابكم الله.

    الجواب: هذه المسألة الصحيح فيها أن صلاة المأموم مع الإمام هي الأولى، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، فقوله عليه الصلاة والسلام: (أتموا) أي: ابنوا على صلاتكم مع الإمام.

    وعلى هذا يعتبر صلاته مع الإمام هي الأولى في الأقوال والأفعال، وأما رواية: (وما فاتكم فاقضوا)، فيجاب عنها من وجهين:

    الوجه الأول: من جهة السند، فإن رواية الإتمام أصح، ومن رواةٍ أقوى؛ لأنهم أصحاب الزهري رحمه الله، فهم الأوثق والأقوى والأضبط ممن روى القضاء.

    ثانياً: من ناحية المتن، فالقضاء يستعمل بمعنى الإتمام، ومنه قوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ [الجمعة:10]، أي: أتِمَّت، وقوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200]، أي: أتممتموها، ومن هنا قويت رواية الإتمام، وصارت هي الأصل؛ لاحتمال أن رواية القضاء جاءت بالمعنى، خاصة وأن رواتها أقل ضبطاً من رواية الإتمام.

    وعلى هذا فالأرجح أن صلاتك مع الإمام هي الأولى، وعليه فإنك تصلي بركعتين لا تجهر فيهما في العشاء، وتصلي ركعتين لا تقرأ مع الفاتحة سورة كما في العصر؛ لأن الصحيح أنها لا تقاس على الظهر بقراءة سورة الإخلاص. والله تعالى أعلم.

    نية الغسل والوضوء داخل الحمام

    السؤال: بالنسبة للنية للغسل أو الوضوء، إذا كانت المغسلة داخل دورة المياه، فهل يشترط أن ينوي قبل دخول الدورة، أو عند إرادة الشروع في الوضوء أو الغسل؟

    الجواب: النية ليست كلاماً فيمتنع داخل الحمام، بل النية في القلب، ولا علاقة لها بداخل الحمام أو خارجه، فإذا كان يغتسل داخل الحمام فلا يضره أن ينوي الغسل أو ينوي الوضوء، فينوي في قرارة قلبه ويجزيه ذلك. والله تعالى أعلم.

    انتقاض الوضوء أثناء الغسل

    السؤال: إذا توضأت قبل الغسل ثم غسلت البدن، وفي أثناء غسل البدن لمست الفرج أو خرج الريح، فهل يجب إعادة الوضوء عقب الغسل؟

    الجواب: من مس ذكره أثناء الغسل فغسله صحيح وترتفع جنابته، ولكن لا يصلي بهذا الغسل إلا إذا عمم بدنه بعد هذا اللمس، حتى يندرج الوضوء تحت الغسل أو توضأ بعد غسله؛ لأنه بلمسه للذكر انتقضت طهارته الصغرى دون طهارته الكبرى، فيشترط بعد لمسه للذكر أن يتوضأ وضوءاً كاملاً، أو يعمم بدنه بالماء. والله تعالى أعلم.

    استيعاب غسل الرجلين ثلاثاً

    السؤال: ما المراد بغسل الرجلين ثلاثاً، هل استيعابها بالغسل ثلاث مرات، أم المراد ثلاث غرفات؟

    الجواب: المراد به الاستيعاب ثلاث مرات، وهذا هو الإسباغ، وذلك أن يتوضأ فيغسل رجليه ثلاث مرات، ويغسل وجهه ثلاث مرات، ويغسل يديه ثلاث مرات، وأما رأسه فيمسحه مرة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء، وهو مذهب الجمهور رحمهم الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً ومسح برأسه مرة واحدة، فهذه هي السنة، ولأنه لو مسح رأسه ثلاث مرات لأصبح الرأس مغسولاً؛ لأنه بتكرار المسح يصير في حكم المغسول، ومن هنا فُرّق بين مسح الرأس وبقية الأعضاء، فلا يشرع التثليث في مسح الرأس وحده. والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756517315