أما بعــد:
فعنوان هذه المحاضرة هو: (تنبيه الناس على ما يقع في بعض الأعراس) ومناسبة هذه المحاضرة في هذه الليلة التي هي ليلة الجمعة الثاني والعشرين، وفي مقتبل إجازة الربيع نظراً لكثرة ما يقع من الأعراس في هذه الأيام، ولذلك أحب المسئولون في مكتب الإفتاء أن تكون هذه المحاضرة في هذه الليلة، ليلة الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة، ونسأل الله تعالى -في مستهل هذه المحاضرة- أن يوفق شباب المسلمين وفتياتهم إلى كل أمر رشيد وأن يجنبهم شر أعدائهم.
أيها الإخوة: سوف تكون هذه المحاضرة في خمس نقاط متتالية:
أولها: حول موضوع تأخير الزواج والسلبيات المترتبة عليه.
والثانية: حول موضوع اختيار الزوج.
والثالثة: حول موضوع الخطبة وما يتعلق بها.
والرابعة: حول موضوع الدخول وما يتعلق به.
والخامسة: حول الطلاق.
وبالتأكيد فإن كل هذه الموضوعات لا يمكن أن تغطى في وقت كهذا لكنني سوف أركز أو أعتني بالحديث عن بعض المنكرات والمآخذ والأخطاء التي يقع فيها الكثيرون في هذه المناسبات.
أما اليوم فلا تستغرب أن تسمع أن يوجد -مثلاً- في إحدى المدن في المملكة كلية، ومعنى ذلك أن الدارسات في هذه الكلية ما بين سن التاسعة عشرة إلى الخامسة والعشرين وربما أكثر من ذلك، وقد تجد فيها مئات الطالبات، ثم تجد أن عدد المتزوجات يعد على رؤوس الأصابع، ولا تستغرب أن تجد في مجتمعنا نساء بلغت الواحدة منهن سن الثلاثين، بل إني أعرف نساءً بلغن أكثر من ذلك الخامسة والثلاثين بل والثامنة والثلاثين دون أن يتزوجن.
فهذه مأساة كبيرة -أيها الإخوة- وخطر داهم يهدد المجتمع، وهي على كل حال مأساة أو مشكلة عالمية يعاني منها العالم كله، لكن فيما يتعلق ببلادنا تُعد مشكلة جديدة إلى حد ما خاصة بهذه الكثافة، وهذه الكثرة.
في ظني وتقديري أن الأسباب تختلف، فهناك أسباب من قبل الأهل (من قبل الأبوين) فكثير ما يقف الأبوان عائقاً أمام تزويج بنتهم لأي سبب من الأسباب.
وأحياناً لا يزوج إلا من عائلته هو -مثلاً- فينتظر ابن عمها حتى يتقدم لها، أو ينتظر رجلاً من العائلة حتى يكون مناسباً لها أو ما أشبه ذلك.
المهم أن هناك أسباباً تأتي من قبل الأبوين في تأخير تزويج البنات، وهذه الأسباب المسئولية فيها على الأبوين وعلى الأسرة، والواجب عليهم أن يذللوا الصعاب أمام زواج بناتهم.
لأن هذا رجل قد طلق، وربما يكون من عادته الطلاق، أو يكون هذا من عادة أسرته، أو تضامناً مع المرأة السابقة المطلقة ترفض أن تتزوج به؛ لأنه مطلِّق وهذا عيبه، فبعد فترة حتى المطلق لا يأتيها، إنما يأتيها رجل معه زوجة واحدة فلا تقبله، وتقول: لو كان مطلقاً لقبلته، لكن معه زوجة وأنا لا أستطيع أن أعيش مع زوجة أو ضرة أخرى؛ فترفضه لأن معه زوجة. وبعد فترة حتى الذي معه زوجة قد لا يتقدم لها، وقد لا يتقدم لها إلا من هو كبير السن أو به آفة أو عاهة أو ما أشبه ذلك. فأحياناً المبالغة في اختيار الزوج وافتراض الشروط الخيالية يكون من الأسباب العائقة عن الزواج.
النوع الثالث من الأسباب أسباب تتعلق بالشباب أنفسهم:
وبعد بناء البيت ربما يفكر في عمل آخر، وهكذا، فمسألة ما يسمونه بتأمين المستقبل تمنع بعض الشباب من الزواج.
ولا أدري إن كان هذا هو تفكيرنا، وكانت هذه نظريتنا! فأين التوكل على الله جل وعلا؟
وأين إيماننا بقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [الذاريات:58] أين إيماننا بأن الله هو الرزاق؟
أنا لا أدعو إلى ترك الأسباب، فترك الأسباب تواكل لا توكل، لكنني -أيضاً- لا أرى أنه يجوز لمسلم أن يعتمد على الأسباب وينسى الخالق الوهاب مسبب الأسباب، بل يجب بذل السبب والتوكل على الله تعالى، ومع بذل السبب لابد أن يبقي الإنسان موضعاً للتوكل عليه جل وعلا، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] ولذلك من أسباب الكسب الزواج كما وعد الله تعالى، وعد الفقير إذا تزوج بالغنى فقال سبحانه: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] وهذا أمر ملحوظ ومعروف أيضاً، لأن الشاب إذا كان غير متزوج لا يشعر بالمسئولية، وكم رأينا من الشباب من تأتيه الأموال فيبذرها هنا وهناك؛ لأنه لم يحس بالمسئولية، ومهما تحدث معه الناس وذكروه ونصحه والده وأصدقاؤه أنه لابد أن تجمع بعض المال، مع ذلك كله يبقى الشاب لا يحس بثقل المسئولية مثلما يحس بها إذا شعر بأن هناك امرأة في ذمته، تطلب منه أن يشتري لها الطعام والغذاء والكساء وما أشبه ذلك، فهنا يشعر بالمسئولية ويكون أكثر حرصاً على توفير المال وعلى البحث عن الرزق الحلال.
خذ على سبيل المثال: الجمال، كم من امرأة جميلة جمالاً ملفتاً! أعتقد أن عدد النساء اللاتي فيهن جمال على تفاوت يمكن أن يكون (25%) وفي مقابل ذلك عدد مقابل فيهن شيء من القبح، والنسبة الباقية من سائر النساء وسط لا توصف بجمال ظاهر، وليس فيها قبح تعاب أو تذم به، فتجد الشاب يتطلب هذه المتطلبات.
ونحن نقول لهذا الشاب بصورة مختصرة:
أولاً: انظر إلى نفسك، تريد الجمال الباهر، فمن أنت أيضاً؟ أنت إنسان من سائر الناس، شأنك شأن غيرك، فينبغي أن تضع غيرك في مقامك، فأنت أيضاً قد لا تريدك أي امرأة إذا كان المقياس هو الجمال.
تريد امرأة أخلاقها كأخلاق أسماء وفلانة وفلانة، فهل أنت في مستوى الزبير وابن الزبير وأمثالهم؟ وهكذا الإنسان يريد مواصفات في الطرف الآخر؛ لكن لا ينتبه إلى نقص هذه المواصفات في نفسه، وعلى الشاب أن يكون معتدلاً في النظر في الشروط، وسوف أشير إلى ذلك بعد قليل.
أحياناً يكون من العادات السارية في المجتمعات ألا يتزوج الأصغر إلا بعد زواج الأكبر سواءً بالنسبة للأولاد أو للبنات، وهذا موجود في كثير من المجتمعات بما فيها هذا المجتمع، فلا يمكن أن يتزوج الولد الأصغر إلا بعد أن يتزوج جميع من فوقه، وكذلك البنات، في كثير من الأحيان يكون الابن الأكبر لا يريد الزواج ولا يحس بالرغبة في الزواج، وظروفه لا تهيئ له هذا الأمر، وقد يكون مسافراً أو غير مستقيم أو أي أمر من الأمور التي تحول دون زواجه، وقد يكون الأصغر أكفأ منه، وأدين منه، وأغنى منه، ولديه وظيفة، ولديه إمكانيات أن يتزوج؛ لكن مع ذلك لا يتزوج لأن الأكبر لم يتزوج، هذا غلط كبير، لماذا نظلم هؤلاء؟!
كذلك بالنسبة للفتيات، قد تكون في الكبرى فيها ما يمنع زواجها أو يؤخر زواجها، فلماذا نحبس الباقيات في انتظارها؟
هذا مثال فيما يتعلق بالعادات، قضية السن، أو قضية مراعاة الأكبر، أو ما أشبه ذلك من العادات التي تحكم بعض المجتمعات وتكون سبباً في تأخير الزواج.
أيضاً دعك من هؤلاء، لكن عامة الناس ربما يكلفه الزواج مائة ألف ريال أو قريباً من ذلك يزيد أو ينقص، وهذا المبلغ ليس بالسهل توفيره، فلماذا نفترض مثل هذا المبلغ الخيالي الوهمي؟
هذا ليس محمدة في الدنيا، ولا عبادة يؤجر عليها الإنسان في الآخرة، بل هو من أهم أسباب تعاسة الحياة الزوجية، ومن أهم أسباب الفجور والفساد العريض في المجتمع، ويجب على أولياء الأمور أن يراعوا الاعتدال في هذا الأمر.
ويعجبني أن بعض الناس حاول أن يضرب بنفسه مثلاً أعلى في ذلك، فلقد حدثني بعض الشيوخ أن رجلاً جاء إليه ليعقد على بنته فلما سأل الشيخ كم المهر؟
فقال له أبو البنت: إن المهر ريال واحد فقط، فهذا العاقد ظن أن القضية مجرد تسمية مهر كما هي عادة بعض الناس أن لا يذكروا المهر الحقيقي في العقد إنما يذكرون أي مبلغ، وهم لا يريدون أن يطلع أحد على حقيقة المهر، فإذا كنت -مثلاً- زوجت ابنتي بستين ألف ريال لا أريد أن أقول للعاقد: إن المهر ستين ألف ريال، ولا أريد أن يطلع على هذا الأمر فأقول له: عشر ريالات.
ظن الشيخ أن الأمر كذلك فقال: إن الكذب لا يجوز، ولابد أن تخبروني بالمهر الحقيقي، فقال الأب: فعلاً إن المهر الحقيقي هو ريال واحد فقط للسنة، وإلا فإني سأقوم بتجهيز ابنتي بكل ما تحتاجه، ولم أطلب من هذا الشاب أي مبلغ، فهذا مثلٌ جيد.
وأحياناً تذكر بعض الصحف والجرائد أخباراً من هذا القبيل سارة، وينبغي نشرها بين الناس حتى تكون مثلاً أعلى وتكون قدوة حسنة، كما أنه ينبغي على كبار الناس في المجتمع والوجهاء والأعيان الذين ينظر إليهم أن يبدأوا بأنفسهم، فإننا نجزم ونقطع بأن حادثة واحدة خير من ألف محاضرة وألف خطبة في هذا المجال وفي غيره، فإذا تحدث المجتمع أن الوجيه الفلاني، أو أن العالم الفلاني، أو الرجل الفلاني المشهور المرموق الذي يشار إليه بالبنان زوج بنته على ثمن بخس وجهزها بما تحتاج، أو حتى أخذ مبلغاً معقولاً ومعتدلاً فإن هذا يؤثر في الناس ما لا تؤثره كثير من الكتب والنشرات والأقوال والمحاضرات وغيرها.
فموضوع غلاء المهور من الأمور التي تؤثر فيها العادات الاجتماعية، وبناءً على ذلك فإني أقول: إن تأخير الزواج يشترك فيه الأبوان والبنت والولد والمجتمع.
خذ على سبيل المثال: الهاتف؛ كم منا أيها الإخوة ينتبه إلى الهاتف في منـزله؟ وهل تعلمون أن كل علاقة واتصال بين رجل وامرأة -أعني اتصالاً محرماً- كانت بدايتة عن طريق الهاتف، أكاد أجزم، بل إنني أجزم أنه لم يكن هناك علاقة بين اثنين -علاقة محرمة- إلا كان الهاتف وسيطاً فيها إما في البداية أو في الوسط أو في النهاية، فلابد أنه تعرف عليها عن طريق الهاتف، أو واعدها عن طريق الهاتف، أو ما أشبه ذلك، فالهاتف أصبح وسيلة مهيأة للاتصال.
كذلك الرسائل، والمقابلة في السوق أو في غيره، إلى غير ذلك من الوسائل التي أصبحت ميسرة للفساد والفتنة، ولذلك يقع المجتمع اليوم في مأزق خطر، ونسمع من القصص والأخبار ما ينذر ويهدد بأن المجتمع على فوهة بركان -كما يقال- وإذا لم ينتبه إلى ذلك الآباء والمسئولون والأولياء فنحن على خطر عظيم، خاصة ونحن نعلم أنه يوجد في المجتمع من يريد أن يجره إلى الفساد قال تعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27].
أنتقل أيها الإخوة إلى النقطة الثانية وهي: موضوع الاختيار أو المواصفات والشروط المطلوبة.
فمن الخطأ أن يغفل الإنسان عن ذات الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {فاظفر بذات الدين تربت يداك } حتى تطمئن إلى أنك بنيت بيتاً صحيحاً، وتطمئن على عرضك، وتطمئن على أولادك، وتطمئن على مالك، وتحفظك في نفسها.
فأنا في الحقيقة لا أؤيد الشباب الذين لا ينظرون إلى المرأة إلا بمقياس الجمال، كما أنني لا أؤيد -أيضاً- الذين يقولون: لا يهمني شكل المرأة ولا جسمها، إنما يهمني أن تكون ذات خلق وحسْب.
ينبغي أن تنظر إلى كل صفة من الصفات المطلوبة في المرأة خاصة حين تجد في نفسك تطلعاً، أما بعض الناس فيقول: أنا لا أجد في نفسي دافعاً غريزياً قوياً وتكفيني أي امرأة، فهذا له الحق فيما يقول.
وهذه -أيضاً- يقع فيها الناس طرفين ووسطاً، فكون الفتى أو الفتاة من عائلة معروفة أو من أسرة معروفة أو من قبيلة معروفة أو ليست كذلك؛ هذه من الأمور التي يضطرب فيها الناس، فبعض الناس يقيمون وزناً كبيراً لهذا، حتى ربما عدوه من الدين، ويهتمون به اهتماماً كبيراً حتى رأيت من الناس الذين لا يظن بهم ذلك، ويتوقع أن يكونوا أكبر من هذه الأمور يقيمون لها وزناً كبيراً، ويعتبرون قضية النسب والوجاهة والكفاءة في الزواج وفي غيره، وفي مقابل ذلك تجد أناساً يضربون بها عرض الحائط، ويحطمون بعض الأعراف الموجودة في المجتمع. وفي الواقع لست أعتقد أن من الدين مراعاة الكفاءة أي: كون هذا قبيلياً وهذا ليس بقبيلي، وهذا من أسرة معروفة وهذا من أسرة غير معروفة، لست أرى أن في النصوص الشرعية ما يؤيد اعتبار ذلك؛ لكنني أرى أن الإنسان العاقل ينبغي له ألا يتصرف تصرفاً قد يضر به في المستقبل.
فمثلاً في المجتمعات التي توجد فيها هذه النعرة لو تزوج إنسان من فتاة لا تناسبه؛ ربما يكون سبباً في مشكلة كبيرة داخل الأسرة، وقطيعة أرحام، ومشاكل طويلة عريضة، بل أحياناً يؤول الأمر إلى طلاق قسري، فيضغط الأقارب على الفتى الذي تزوج من فتاة من غير قبيلته، أو الفتاة حتى يضطر أحد الطرفين التخلي عن الآخر والطلاق، فيكون الزواج حينئذٍ أحدث مشكلات، ولم يصل إلى الغرض المقصود، فلا مانع أن يجد إنسان فتاة تناسبه وهي من نفس الطبقة التي ينتسب إليها إن صح التعبير؛ مع أنني لست ممن يقيمون لهذه الأشياء وزناً، وأنا ممن يرى ضرورة وضع هذه الأشياء في التراب، لأن الإسلام كانت كلمته حاسمة في هذا الأمر قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، عربي أو عجمي، أبيض أو أسود، غني أو فقير، أمير أو مأمور، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، فهذه الأشياء لا ينبغي أن ننتبه لها أو نلتفت إليها، وأقول كما قال الأول:
خلوا خيوط العنكبوت لمن هم كالذباب تطايروا عميا |
فهذه خيوط العنكبوت لا يتعلق بها أولو العقول والنهى.
والإكراه يقع على الفتى وعلى الفتاة أيضاً، فبعض الآباء يكرهون فتياتهم على الزواج ممن لا يردن لأنه غني، أو لأنه ابن عمها، أو لسبب من الأسباب، وهذا لا يجوز، بل يحرم على الأب أن يزوج ابنته بغير رضاها سواء أكانت بكراً أم ثيباً، وقد أفتى في ذلك إمام المفتين محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر} فحرام على الرجل أن يزوج بنته بغير إذنها بكراً كانت أم ثيباً.
وكذلك بالنسبة للأولاد، فأحياناً الأب يضغط على ابنه ليتزوج من فتاة بعينها؛ لأننا نعرفها أو لأنها بنت عمه، أو عمته أو خاله أو خالته أو ما أشبه ذلك، وهذا -أيضاً- ليس بسائغ ولا ينبغي للأب أن يفعله، وغالباً هذه الزيجات التي بدأت بالإكراه مصيرها إلى الفشل؛ لأنه لم يتوافر فيه القناعة لدى الطرفين، خاصة في هذا العصر الذي تفتَّح الناس فيه وأصبحوا ينظرون إلى كثير من الأشياء.
ما هي أخلاقه؟
ما هي صفاته؟
كيف عائلته؟
إلى غير ذلك من الأشياء المطلوبة، ثم بعد ذلك يأتي دور الاستخارة، وفي صحيح البخاري حديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: {إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسميه) خيراً لي في ديني ودنياي ومعاشي ومعادي وعاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي ومعادي وعاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به} فينبغي على الإنسان أن يستخير، وهذه الاستخارة يكررها الإنسان حتى يطمئن ويرتاح قلبه، وهي البديل الشرعي عن عادات الجاهلية.
وبعض النساء والعياذ بالله إذا أرادت أن تنظر حظها في الزواج تسلك عادة من عادات الجاهلية، كالخط -مثلاً- أو سؤال الكهان، أو العرافين أو المنجمين أو نحوهم، وفي كل مجتمع توجد عادات معينة جاهلية تحاول المرأة من خلالها أن تعرف أهي موفقة في هذا الزواج أم غير موفقة، وهذا الزوج أصلح لها أم لا يصلح، وهذا خطر عظيم، وفتنة نسأل الله أن يقي المسلمين شرها، وهي أيضاً من باب استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكيف يترك الإنسان الاستخارة الشرعية وسؤال رب العالمين إلى مثل هذه العادات التي لا تقدم ولا تؤخر؟!
وأعجب كل العجب أن بعض الآباء يرفضون نظر الخاطب إلى مخطوبته! لكن لا مانع عند الأب أن تخرج ابنته إلى الشارع وعليها غطاء شفاف يكشف عن وجهها، بل يزيده بهاء وحسناً وجمالاً، بل ربما لا يمانع الأب أن تكشف بنته عند الأجانب، أو عند أبناء عمها، أو ما أشبه ذلك! لكن نظر الخاطب حتى يتزوجها لا يرضى بهذا!!.
وبعضهم يقول: لماذا يستعجل.. فلينتظر حتى يتزوجها؟
لا! نحن نريد أن ينظر قبل أن يتزوجها وقبل أن يتم الزواج.
كثير من الناس ينصرف عن زوجته ليلة الزواج، وهذا أمر يحدث كثيراً في مجتمعنا وفي غيره، تجد الرجل قد لا يطيق البقاء ليلة الزواج، أو يذهب صباحاً ولا يعود. لماذا؟
الغالب لأنه لم ينظر إليها، ولو نظر إليها لوجد في قلبه اطمئناناً وقبولاً، أو انصرافاً وإعراضاً؛ ففوجئ بالمرأة لما نظر إليها، وأحياناً تكون وصفت له وصفاً غير صحيح.
فبعض النساء خاصة إذا وصفت تبالغ في الوصف، وتجعلها امرأة في الحسن والجمال والخلق والدين فوق ما هي عليه في الواقع.
لهذا أرى أنه لا يكفي الاعتماد على الوصف، ولا أرى -أيضاً- لأحد أن يستخدم الصور الشمسية كما يقع لبعض الشباب، لأسباب منها:
أن أصل التصوير هذا ينبغي منعه، وكيف تصور الفتاة، وربما تكون صورتها في يد شباب يتبادلونها ويتناقلونها؟! وقد لا يقبل هذا الشاب وتبقى الصورة في يده، فضلاً عن أنها لا تعطي الواقع، وكيف نستبدل -أيضاً- الذي هو أدنى بالذي هو خير، نستبدل سنة ببدعة! لا، نقول للرجل: تعال وانظر، سواء أمكن أن ينظر بدون علم الفتاة بحيث إذا أعرض عنها لم يكن في نفسها شيء أو انكسار، أو ينظر بعلمها أيضاً، ويكون ذلك بحضور الولي.
وفي مقابل ذلك نجد أن بعض الناس يبالغون في التوسع، فتجلس الفتاة مع الفتى على انفراد، ويطيلون الحديث، وقد يتحدثون في الهاتف أوقاتاً طويلة، وربما تركب معه في السيارة على انفراد إلى غير ذلك، وهذا لا شك أنه محرم ولا يجوز ففي الصحيحين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} وهذا تعتبر أجنبية عنه ما دام لم يتم العقد.
أما بالنسبة للمرأة فهي لا تجوز لأنها عادة نصرانية مستوردة، وهي مرتبطة بتقليد نصراني، وهم أيضاً يقولون: إن هذا الإصبع فيه عرق يتصل بالقلب مباشرة فيعتقدون أن وجود الدبلة في هذا الإصبع سبباً في التوفيق والسعادة والمحبة بين الزوجين، وهذه عادة من عادات الكفار لا أصل لها في الدين ويحرم استخدامها.
أما بالنسبة للرجل فإنها أيضاً محرمة لهذا السبب نفسه، وخاصة حين تكون من الذهب، وقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم تختم الرجال بالذهب، ومن ذلك حديث البراء بن عازب كما في الصحيحين: {نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع ومنها التختم بالذهب} وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في إصبعه خاتم من ذهب فأخذه ونـزعه وألقى به صلى الله عليه وسلم وقال: {يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده} فقال الناس لهذا الرجل: خذ خاتمك فانتفع به. قال: والله لا آخذه وقد ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإلى هذا الحد كانت شفافيتهم وحساسيتهم ودقتهم في تنفيذ أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهذه من الأشياء التي ينبغي التنبيه عليها.
وإن لم تكن من عاداتهم ففيها المضار التي أسلفت ولا أستطيع أن أقول بتحريمها.
كما أن من الأخطاء أن بعضهم يتزين بإسبال ثوبه، فتجد الزوج ليلة الزواج قد لبس ثوباً تحت الكعبين، وكذلك لبس بشتاً مثله، ولا شك أن الإسبال محرم وفي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار} وهذا صريح بتحريم إسبال الثياب، فإن كان مع ذلك مخيلة فهو أعظم إثماً كما في الحديث: {ومن جر ثوبه خيلاء فإن الله تعالى لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم}.
ومن الأخطاء أن بعضهم يلبس الثياب الشفافة ويلبس السراويل القصيرة -أيضاً- فيظهر بذلك بعض ما وجب عليه ستره.
من ذلك الوشم: وهو أن بعض النساء في بعض المجتمعات لا في كلها تستخدم الوخز بالإبر ونحوها في مواضع من جسمها ويعتبرون هذا نوع من الزينة.
ومن ذلك الوشر: وهو فلج الأسنان وتحديدها وتحسينها.
ومنها النمص: وهو إزالة شعر الحاجبين أو تحديده، بعض النساء تزيل أعلى الحاجب وأسفل الحاجب بحيث يكون خيطاً رقيقاً، أو تزيله وتضع خطاً بالقلم بدله وتحدده من الأمام ومن الخلف ومن الأعلى ومن الأسفل ومن الجوانب، وهذا كله من النمص الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه ولعن فاعله.
ومن ذلك الوصل: فكثير من النساء تصل شعرها إما كلياً أو جزئياً، أو تضع شعراً مستعاراً وهو ما يسمى بالباروكة، وهذه الأشياء كلها محرمة، بل لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فاعلها كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود أنه قال: {وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله} وكذلك حديث معاوية وهو في الصحيحين أنه أخذ قبة من شعر كانت في يد حرسي وقال: {يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ إنما هلك بنو إسرائيل عندما اتخذت نساؤهم مثل هذا} يعني وصل الشعر، وهذا دليل على أن هذه الأشياء مستوردة من اليهود، فوصل الشعر عادة يهودية، وما زال اليهود حتى اليوم هم الذين يقفون وراء إغراء البشرية بالزينة والمظاهر الكاذبة والخداع والتغرير والتضليل.
كما أن من العادات الممنوعة فيما يتعلق بزينة المرأة: أن بعض النساء تبالغ في قص شعرها أو حلقه، وهل سمعتم بامرأة تحلق شعر رأسها؟
إنما هو انتكاس الفطرة، أصبح الشاب يطيل شعر رأسه -طبعاً هذا لا بأس به إن لم يكن تقليداً فالأصل أنه مباح- لكن في مقابل ذلك أصبحت الفتاة تحلق شعر رأسها أحياناً، وربما تبالغ في قصه وإنهاكه حتى إن عندهن -هداهن الله- قصة يسمينها قصة ولادية أو قصة ولد، فتقص المرأة شعرها حتى إنها لا تبقي منه إلا جزءً يسيراً كأنه شعر فتى؛ والمهم أن نقلد الأجانب، لماذا؟
لأن هناك مغنية أو ممثلة ظهرت على الشاشة بهذه القصة، ولا تعجبوا والله لو سمع بعضكم ببعض ما يجري في كلياتنا ومدارسنا لوجد من ذلك أمراً جللاً، حتى إن بعض الفتيات تقول: والله إنني أعيش في غربة في وسط هذه المجتمعات.
مسألة صبغ الشعر: أصبح شعر الفتاة كأنه سبورة ملونة، هذا أحمر وهذا أصفر وهذا أزرق وهذا أبيض وهذا أخضر وهذا أشهب، وشتى الألوان، وتنفش شعرها، فلو كان شعرها ناعماً تنفشه حتى كأنها جان، وأحياناً تغطي بشعرها عينيها، فتدور شعرها كأنه أسياط على جبهتها وعلى عينيها حتى لا تكاد ترى طريقها، وقد لا تكون هي مقتنعة بهذا؛ لكن هذه الموضة وهذه التسريحة فلابد أن تماشيها، لماذا؟
لأنها فقدت شخصيتها، وفقدت اعتزازها بدينها وأخلاقها وما ورثته عن آبائها وأجدادها، فأصبحت تتطفل على موائد الغربيين، وما أتوا به أخذته بعض فتياتنا -مع الأسف- وطبقته كما في الحديث: {حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} هل رأينا أضيق من جحر الضب؟!
لا أضيق منه، بعض الناس يحاول أن يدخل رأسه في جحر الضب، هذا والله مصداق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قرأت قبل فترة في بعض المجلات أن هناك موضة جديدة هي أن بعض الفتيات تمشي بثوب ليس له إلا كم واحد، والكم الآخر مفقود، نعلم أنه منظر مزري، فالفتاة تقول: إن الناس يضحكون مني، لماذا يضحكون مني؟!
وواحدة تقول لي: ما شاء الله! هل انتهت الخرقة حتى لم تضعي إلا كماً واحداً؟!
وينظرون لي نظرة ازدراء، هذه حرية شخصية وأنا أريد أن أفعلها.
إذاً: هي تتحدى المجتمع في سبيل أمر لا يقبله عقل ولا ذوق ولا دين، إنما المهم أنها عادة جاءت عن طريق اليهود والنصارى فأصبحت بعض الممسوخات تقلدها بصورة غريبة ومريبة.
مثل ذلك: قضية إطالة الأظافر والعياذ بالله قذارة وتشبه بالسباع وبالشياطين وبالكفار، فتجد أن المرأة -أحياناً- تطيل أظافرها، أو تطيل أظافر أحد أصابعها، ومثل ذلك وضع ما يسمونه بالمناكير، والمبالغة في وضع المساحيق على الوجه وهذه لها آثار ضارة على بشرة الوجه، وتُسارِع في تجعد الوجه، وإسراع الهرم والشيخوخة إليه، كما أن وضع المناكير يحول دون وصول الماء إلى البشرة، وإذا كان ذلك كذلك فإنه لا يجوز للمرأة أن تصلي وهو عليها، بل لابد أن تزيله عند الوضوء.
كذلك الملابس المشابهة للكفار: كثير من الفتيات -خاصة أيام الزواج- يلبسن ملابس مشابهة لملابس الكفار، بعض الفتيات تلبس ثوباً طويلاً جداً يسحب خلفها أمتاراً، حتى إنه يقوم مجموعة من الصغار يحملونه وراءها ويمشون خلفها أشبه ما يكونون بالوصفاء أو الخدم لها!!
ومن الطريف قصة عجيبة -سبحان الله- وقعت في بلادنا هي أن إحدى العرائس كانت بهذا الثوب، وقد ظهرت بأبهى زينة، ولبست من الثياب، ووضعت من المساحيق والأصباغ والحلي وغيرها، ولعبت بشعرها، ولبست ثوباً فضاضاً طويلاً، ولبست كعباً -كما يسمى الكعب العالي- ومشت فكان الأطفال يلعبون في الغرفة ومعهم علب (البيبسي) فأحدهم حرك العلبة بسرعة ثم فتحها من غير قصد فتطاير منها (البيبسي) إلى من حوله وأصاب هذه الفتاة فخرب الزينة التي كانت قد رسمتها في وجهها ونـزل على ثيابها وعلى بدنها وحطم ما بنته، فما كان منها إلا أن أخذت كعبها العالي وضربت هذا الصبي بشدة في رأسه فخر صريعاً ومات في الحال! وأصبحت هذه الفتاة رهينة لتقتل بهذا الفتى الذي قتلته، وهكذا تحول العرس إلى مأتم، وهذا عقوبة عاجلة من الله سبحانه وتعالى لكل من يتعدى حدوده.
وفي موضوع الوليمة نلاحظ أموراً منها:
أولاً: توسيع نطاق الدعوة عن طريق البطاقات، فيطبع بعض الإخوة أكواماً من البطاقات ويرسل إلى من يعرف وإلى من لا يعرف من الأقارب وغير الأقارب، والناس مشغولون بأعمالهم وارتباطاتهم وبيوتهم ووظائفهم، فليسوا فارغين فقط لتشريف زواج فلان وزواج فلانة، فيوقعون الناس في حرج شديد. فإذا جاءتني بطاقة زواج لا شك أنني أتحرج، لأنني إن أجبت ضاع وقتي، وربما يكون طول السنة دعوات، وإن لم تلبي وأنت لست منشغلاً فتكون قد خالفت أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصيت أمر الله ورسوله، فالرفق الرفق أيها الأحباب بمن تحبون، لا ترسل بطاقة الزواج إلا لمن تريد أن يحضر -فعلاً- ومن تعلم أن ظروفه تناسب، أو على الأقل اجعل فيها فسحة أن له الحق ألا يحضر حتى لا توقعه في الحرج الشرعي.
ثانياً: الإسراف في الطعام والمبالغة والتبذير في ذلك وعلى قلة من يأتي، وبعدما ينتهي المدعوون يؤخذ هذا الطعام وقد يلقى -أحياناً- في القمامات والعياذ بالله.
وأود أن أشير إلى أن هناك جمعيات كجمعية البر الخيرية في هذا البلد، وفي بلاد أخرى تستقبل فائض الأطعمة وتقوم بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين في الحال، وتستفيد منه بصورة طيبة، وما عليك إلا أن تتصل بهم حتى تحسن إلى نفسك وإلى غيرك وتتقي غضب الله تعالى ونقمته بكفران النعم.
كذلك بعض المحتسبين ومحبي الخير وطلاب العلم قد يتحدث في حفل الزواج عشر دقائق أو ربع ساعة وينبه على بعض ما يقع في الأعراس، فيكون هذا من باب إنكار المنكر أو تنبيه النساء بمناسبة اجتماعهن، وفي رأيي أيضاً أن هذا أمر حسن.
أما الأمر الذي أرى أنه ينبغي تجنبه فهو أن بعض الناس يستغلون الحديث من يوم أن جلس إلى أن يقوم الناس للعشاء وهو يتحدث، ربما يجلس نصف ساعة أو أكثر من ذلك، وهذا فيه إثقال؛ لأن الناس لم ير بعضهم بعضاً منذ وقت طويل، ويريدون أن يتحدثوا مع بعضهم، ويأخذون أطراف الحديث، وليس من المعقول أن آخذ الحديث عنهم وأضطرهم إلى السماع أو أن يتكلموا وينصرفوا عني. كلا الأمرين ليس بحسن، فإن حصل -أحياناً- أن يتكلم الإنسان وقتاً قليلاً فلا بأس، أو يترك الأمر دون كلام ولا حاجة إلى الكلام، والكلام له مناسبات أخرى كالخطب والمحاضرات وغيرها. فأرى أن الإطالة في هذا الأمر ليس بجيد.
وبعض الناس يحتج بأن يقول: هذا من أجل منعهم من الغيبة والنميمة، وهذا في الحقيقة وسيلة إلى أمر مشروع؛ لكن بطريقة غير سليمة، لأنه من قال لك أن هؤلاء كلهم سوف يشتغلون بغيبة ونميمة وما أشبه ذلك.
وأشيد بظاهرة عند الفتيات -كما ذكرت قبل قليل- وهي الاستفادة من الحفل بتوجيه وبإرشاد وبأشياء مفيدة لا تطول ولا تثقل على الحاضرات.
وكل هذه الأشياء يقع فيها الإسراف، ويقع فيها المبالغة، ولا بأس بضرب الدف في العرس فهذا ثابت، والمقصود بالدف هو الذي يضرب من جهة واحدة، أي: يمكن الضرب عليه من جهة واحدة، أما الجهة الأخرى فلا يمكن الضرب عليها، وهو أخف صوتاً من الطبل، وأقل غناءً وأقل إثارةً وأقل إزعاجاً منه، فهذا لا بأس به، ورخص فيه في الفرح كالعرس ونحوه، ولا بأس أن تقول النساء والأطفال كلاماً طيباً حسناً، لكن سماع الرجال لأصوات النساء -خاصة وهن يغنين- لا يجوز بحال من الأحوال، وارتفاع صوت الطبول أيضاً لا يجوز، وهذا من المنكرات التي شاعت وذاعت، بل بعضهم يجعلون شريط غناء في مكبر صوت، وأذكر أنني كنت في إحدى المدن كنت أسمع صوت الحفل وأنا على مسافة كيلو مترات، لكن بعض الجهات لها دور طيب في هذا، فهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكر على هذا الأمر حيث إنها تقوم -أحياناً- بحضور هذه المناسبات والحفلات وتنظيمها ومنع المنكرات، ومن ذلك منع ارتفاع الأصوات فجزاهم الله خيراً، ويجب الشد على أعضادهم ومساعدتهم والثناء على هذا العمل والمجهود القيم الذي يقومون به.
كذلك بعض الجهات في بعض المناطق لها دور طيب، أذكر أننا لما سمعنا الصوت -الذي أشرت إليكم- اتصل صاحبي على النجدة فأبدوا استعدادهم وقالوا: إن عندنا أوامر بذلك؛ وأتوا في الحال وأسكتوا فعلاً الصوت، فما مضى غير ربع ساعة حتى لم نسمعه، وهذا أشياء طيبة ينبغي الانتفاع منها خاصة إذا كان هناك تجاوب من المسئولين عن هذه الأشياء.
وأعرف أنه حصلت حالات طلاق بسبب ذلك، فزوج -مثلاً- لما جاء إلى أصحابه ووجدهم يعرضون شريط فيديو ورأى زوجته، فوجدهم يشيرون إليها ويتمنونها وهم لا يدرون أنها زوجته فطلقها.
وآخر وجدهم ينظرون إلى زوجته ويتأففون منها وأن فيها وفيها فأصابه سوء نظر إليها؛ وكرهها وطلقها أيضاً. وهذه من العقوبات المعجلة لأصحاب المعاصي، فكيف ترضى أن تبعث بزوجتك إلى عرس لا تدري ما يحدث فيه؟
ثم كيف ترضى هذه الزوجة أن يحدث التصوير بالفيديو أيضاً وهي كاشفة عن وجهها وشعرها وذراعيها وغير ذلك؟
خاصة وأن كثيراً من النساء تأتي إلى الزواج بملابس مكشوفة، بعضهن ثوبها إلى الكتف أي: العضد والذراع كلها مكشوفة، وكذلك قصير وضيق، إلى غير ذلك من ألوان التزين التي تظهر في هذه الصور، مع ما في التصوير أصلاً من الكلام المعروف.
وأريد أن أشير إلى ظاهرة جيدة -أيضاً- وهي أن كثيراً من حفلات الزواج في الأيام الأخيرة أصبح يوزع فيها بعض الأشياء المفيدة على النساء، فينبغي الانتفاع والاستفادة من وجود هذا العدد الكبير من النساء في حفل الزواج، فتوزع أحياناً بعض النشرات والكتب المفيدة المختصرة وبعض الأشرطة النافعة، وهذا كله جيد وحسن، وينبغي على المحسنين والقادرين أن يسعوا إلى توسيع دائرته والإكثار منه.
حين أقول: إنه ينبغي الانتفاع من دور هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المحافظة على الاحتفالات، ومنع ارتكاب ما حرم الله، أو الجهات الأخرى التي يمكن أن تساهم في ذلك، فإن هذا هو الحل الوقائي الأخير، وإلا فهذه مسئوليتنا نحن، ومسئولية القائمين على الزواج، لماذا يجعلون الأمر في يد النساء؟ أحياناً الرجل له قيمته وله احترامه وله شخصيته؛ لكنه أمام النساء ضعيف.
يذكرني بذلك الرجل الذي ورد في صحيح البخاري في حديث أم زرع في حديث عائشة رضي الله عنها أن إحدى عشرة امرأة في الجاهلية اجتمعن فتعاهدن وتعاقدن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فقالت الأولى، وقالت الثانية، إلى آخر القصة الطريفة العجيبة؛ لكن المهم أن إحداهن تقول: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، إذا دخل فهو حمل وديع ضعيف أمام زوجته، وإن خرج فهو مستأسد على الناس قوي الشخصية عليهم.
بعض الناس -بل أكثر الرجال- شخصية أمام الناس؛ لكن أمام النساء إرادته ضعيفة فيغلبنه.
فكثير من الأمور هي بسبب أن النساء هن اللاتي يتحكمن في هذا الأمر، ويتخذن القرار الأخير في ذلك، وهذا غلط، فينبغي على المسئولين عن الأعراس أن يمنعوا الوقوع في هذه الانحرافات من تأخير السهر، ومن ارتفاع الأصوات ومن الغناء المحرم، ومن التصوير، ومن الاختلاط، إلى غير ذلك.
إضافة إلى أن بعضهم سواءً سموه شهر العسل أم لم يسموه؛ يسافرون إلى الخارج إلى بلاد الكفر، ويفتتحون حياتهم الزوجية، والبيت الذي يريدون أن يؤسسوه، والعش الذي يريدون أن يبنوه بالسفر إلى أوروبا، أو أمريكا، أو إلى بعض البلاد التي أشبهت أوروبا وأمريكا لينظروا إلى الفواحش والموبقات والسفور والتعري والفجور هناك، ويستفتحوا حياتهم بهذه الخطوة المنكرة، فهذا يقابله أن بعض الصالحين يستفيدون ما قد يكون من إجازة أو غير ذلك بالسفر إلى مكة لأداء العمرة، وهذا أمر حسن وجيد، ونسأل الله لهم التوفيق.
نسأل الله تعالى ألا يكون زواج الناس وهذه الأعراس ألا تكون نهايتها كنهاية قصة البرامكة مع بني العباس، فالنهاية هي الطلاق، نهاية بعض الزيجات خاصة الزيجات التي يرتكب فيها ما حرم الله، وأريد أن أشير باختصار إلى بعض الأشياء التي تتعلق بالطلاق من أخطاء أو ملاحظات معينة.
وبعضهم يتخذ هذا يميناً -أيضاً- فيقول لزوجته: إن دخلت بيت فلان فأنت علي كظهر أمي، أو إن خرجت فأنت كذا، وإن دخل عليك فلان كذا، أو ما أشبه ذلك، وهذا أيضاً كما أسلفت لا يجوز فهو محرم ومنكر وزور مهما كان هدف ونية القائل.
وأحمد الله أنني لا أدري كيف تتم الوسوسة، لكن يأتي ويقول: أنا شككت أني طلقتها، وخشيت أني طلقتها وقلت لها، وتحس أن الرجل في حيرة من أمره وشك وضيق وهو لم يقع منه طلاق، بل قد يلقي الشيطان الكلمة على لسانه، أو نية يصورها نية جازمة وهي ليست نية؛ فينبغي ألا يلتفت الإنسان لهذه الأشياء، فالإنسان الذي يعلم من نفسه أنه موسوس لا يلتفت إلى هذه الخواطر التي تمر عليه ولا يأبه بها.
أما إذا كانت هناك وسيلة لإقامة الحياة الزوجية فهو الأصل، والله سبحانه وتعالى يبغض الطلاق، ولا أدل على ذلك من أن الشيطان يحبه، ولا أريد أن أستشهد بالحديث الذي ورد فيه: {أبغض الحلال عند الله الطلاق} وإن كان الحديث قابلاً للتحسين بمجموع طرقه، لكن أستشهد بما ورد في صحيح مسلم {إن الشيطان ينصب عرشه على البحر ثم يبعث سراياه، فيأتيه الرجل فيقول: ما زلت به حتى عصى؛ فيقول: يتوب، فيأتيه فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين زوجته؛ فيدنيه ويقربه ويقول: أنت أنت} فدل على أن الشيطان يفرح بالتفريق بين المؤمنين، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر} وهذه نصيحة ثمينة من أكبر الناصحين وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم.
ومعنى لا يفرك، أي: لا يبغض، ولا يهجر ولا يفارق.
كذلك هناك موضوع: كثرة الطلاق؛ وهي مشكلة، ولا شك أن نسبة الطلاق في مجتمعاتنا قليلة بالقياس إلى المجتمعات الأخرى، لكنها أصبحت ترتفع الآن، وفي نظري أن أهم أسباب كثرة الطلاق ما يلي:
أولاً: التعجل بالاختيار؛ فيفاجأ الرجل أو تفاجأ المرأة بأن الموافقة على الزواج كانت غير مناسبة، والحل هو ألا يتعجل الإنسان في القبول إلا بعد السؤال والاستشارة والاستخارة والنظر.
ثانياً: عدم التوافق بين الزوجين؛ وهذا أمر طبيعي جبلي لابد أن يقع، فقد ينظر الإنسان ويسأل ويتحرى؛ لكن بعد ذلك إذا وجد المرأة واقترب منها واقتربت منه لم يكتب الله تعالى المحبة والوداد والوئام بينهما فتكون النهاية هي الطلاق.
ثالثاً: المعصية من الرجل أو المرأة؛ فإن المعصية سبب لوحشة القلب والنفور، فإن كان الرجل صالحاً، والمرأة ليست كذلك استوحش منها لما عندها من المعصية، والعكس بالعكس.
رابعاً: التكاليف الباهظة التي يدفعها الزوج؛ كما ورد في سنن أبي داود وغيره عن عمر حين قال: [[لا تغالوا في صُدق النساء]] وقال: [[إن الرجل يقول لزوجته حتى كلفت لك علق القربة]] يعني أنني كلفت لك كل شيء، واشتريت لك كل شيء، فالمبالغة في تكاليف الزواج والإكثار منها تكون -أحياناً- سبباً في وقوع الطلاق. وعكس ذلك -أيضاً-: كون الزواج يحصل للشاب دون أي تكلفة قد يكون سبباً أحياناً، فإذا كان الشاب -خاصة صغير السن- ودفع له جميع التكاليف فإن هذا أحياناً قد يقول بعضهم: إنه هو أيضاً سبب للطلاق. أقول: قد يحدث هذا وإن كان قليلاً، ودائماً العدل هو الوسط، فإن الإنسان الذي بذل مبلغاً معتدلاً وتعب في أمر الزواج تعباً معتدلاً، يهتم بالمرأة لأنه يدرك أنه تعب في تحصيلها، ولا يفرط أو يتهاون فيها، أو يقول: يمكن أن أجد غيرها بكل سهولة، أو يعيبها وينتظر منها كل شيء، فإذا قصرت في أمر قال لها: كيف تقصرين وقد دفعت لك مبلغ كذا؟
كيف تقصرين وقد تحملت الديون من أجلك؟
إلى غير ذلك، فالوسط دائماً هو العدل الذي يحبه الله تعالى.
خامساً: تطلُّع كل من الزوجين إلى غير صاحبه؛ ومن أسباب ذلك المعصية -كما أسلفت- فالرجل الذي ينظر إلى وجوه النساء سواءً في الأسواق والشوارع، أم في المجلات والكتب، أم في الشاشة عبر المسلسلات والأفلام وغيرها، لا شك أنه سيجد من هي أجمل من زوجته؛ فتهون في عينه، ويطمح بصره إلى غيرها، وهذه عقوبة عاجلة على معصيته التي ارتكبها، وإلا فهو قد يعزف عن زوجته ولا يجد مثلها.
وأذكر أنني قرأت في أحد الكتب قصة يذكرها رجل عن نفسه يقول: إنه كانت عنده امرأة صالحة، يحبها وتحبه، وبيتهم من أحسن ما يكون، ولهم أطفال يعيشون في سعادة وراحة، فبلي هذا الرجل بقرناء السوء، وصاروا يحثونه على مشاهدة الأفلام الهابطة المحرمة، فصار يشاهد في الفيلم الممثلة ذاهبة وآيبة ومقبلة ومدبرة، وقد تجملت على أنهم يختارون النساء الجميلات عادةً؛ فعزف عن زوجته وصار يتابع هذه الأشياء، وطلقها في الأخير، وبعدما تهدم البيت بعد سنتين أفاق هذا الشاب فوجد أنه لم يكسب شيئاً، خسر زوجته وفي الوقت نفسه لم يجد غيرها، هذه الجميلة التي كانت هي السبب في طلاقه لزوجته لم يحصل عليها لا في اليقظة ولا في المنام، فأفاق من غيبوبته وغفلته، وتاب إلى الله تبارك وتعالى، وأعاد زوجته إلى عصمته، وأحبها أشد من الحب الأول، وكتب تلك القصة يقول: أريد أن يعتبر بها غيري ممن يمكن أن يقعوا في الخطأ الذي وقعت فيه. كذلك المرأة قد تنظر إلى غير زوجها فتطمح عن زوجها وتعرض عنه، ولا ترى فيه ما يعجبها.
سادساً: تدَّخل أهل الزوجين؛ أحياناً أهل الزوجة يتدخلون، خاصة الأم قد تتدخل في خصائص بنتها، وتسألها عن الدقائق والجلائل من الأمور، وتعطيها التوجيهات الصائبة والخاطئة: اعملي معه كذا، وقولي له كذا، وافعلي واتركي.. حتى تنغص حياة الزوجة مع زوجها.
وأحياناً أم الزوج -أيضاً- تفعل مثل ذلك خاصة إذا كان الولد في بيت أهله، فإن الأم أحياناً تحس بأن هذه الزوجة قد خطفت ابنها منها، وأن الابن لم يعد يهتم بها، وتعبر عنها بأنها بنت الناس، فتجد أن الأم كثيراً ما تعاتب الابن وتلومه وتذمه، ثم يتحول ذلك إلى بغض للزوجة وعداء لها، وقد تظلمها والعياذ بالله وقد تسيء إليها، وقد تضغط على الابن ليطلقها! مع أنه لم يقع من المرأة سوء ولا معصية ولا إثم ولا تقصير فقط؛ لأن الزوج يحبها، والأم شعرت بأنه يحبها؛ فلا تريد أحداً أن ينافسها على قلب ابنها.
سابعاً: طبيعة الزوجين؛ فقد يكون الزوج عصبياً لا يتحمل أو الزوجة كذلك، أو حساساً ينفعل لأدنى شيء فتكون هناك أحداث، والحياة لابد لها من مشكلات، والذي يتصور أنه سيبني حياة سعيدة (100%)سالمة من المشاكل، فهو يتصور أوهاماً وخيالات محضة لا توجد في الدنيا، إنما توجد في الجنة، هذا ينتظر الحور العين إن كان من الصالحين، وأما في الدنيا فلا يجد ذلك.
وتعجبني كلمة قالها لي أحد الشباب يقول: كان والدي يقول لي: كل رجل له زوجتان، إحداهما: زوجته الحقيقية التي في بيته، والثانية: في ذهنه يتخيلها ويتوهمها، فهو يتصور زوجة صفاتها من ناحية الجمال والجسم والأخلاق والدين والفضائل على الكمال والتمام؛ لكن هذا لا يتسنى في الواقع، وكذلك النساء. فعلى الإنسان أن يتواضع ويعرف أن هذه الحياة الدنيا لا يمكن أن تخلو من تنغيص وتكدير ومشاكل وأخطاء تحتاج إلى تحمل.
وكما أنك تخطئ فتحتاج إلى أن تتحمل منك زوجتك، ويتحمل منك غيرك من الناس، كذلك غيرك يخطئ فيحتاج إلى أن تتحمل منه أنت، وما لم يوجد تحمل وتساعد وتفاهم بين الزوجين؛ فلا استقرار ولا دوام للحياة الزوجية.
ثامناً: أحياناً من أسباب الطلاق: المخادعة؛ فقد تبلى المرأة برجل يتعرف عليها عن طريق الهاتف، أو صاحب دكان نصب لها شراكاً وحبالاً يريد أن يخدعها، فلا يزال يعدها بالوعود الكاذبة، ويغرر بها ويخادعها حتى يحاول أن يبعدها عن زوجها، ويقنعها بالتخلي عنه، وقد يبلى الرجل بامرأة تتصل به وتغريه وتخادعه حتى تزهده في زوجته، ثم لا يجد هذا ولا ذاك في الواقع.
الخاتمة: هذه المنكرات والملاحظات التي تحدثت عنها تحتاج إلى تظافر الجهود في القضاء عليها، ومجرد الحديث عن المنكرات لا يكفي، فربما يعرف الكثير أنها منكرات؛ لكن نحتاج أولاً: أن يلتزم كل واحد منا لنفسه في الزواج الذي يتعلق به -إن كان شاباً أو أباً- أن يلتزم بتجنب ما حرم الله سبحانه وتعالى، ويقيم زواجاً إسلامياً بعيداً عن المعاصي والمنكرات، ولو نجحنا في هذا لكنا نحن عدداً كبيراً بالنسبة للمجتمع وقدوة حسنة لغيرنا، فضلاً عمن قد ينتشر الأمر إليهم بطرق ووسائل أخرى فيستطيعون أن يفعلوا ذلك.
إذاً: ليست المشكلة دائماً في جهل الناس، بل المشكلة في العزيمة والإرادة التي تحتاج إلى تقوية، فالإيمان هو الذي ضعف فأصبح لا يدفع الناس إلى ترك المحرمات، ولا إلى فعل الطاعات إلا قليل.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
السؤال: هل يجب على ولي المرأة أن يزوجها إذا جاءه خاطب مرضي الدين والخلق؟
الجواب: عرفنا أنه يدخل تحت كلمة الدين كل صفات يحبها الله ويرضاها، وكذلك كل خلق حسن يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: { ترضون دينه} فإذا اجتمعت فيه هذه الصفات الطيبة وهي: الأخلاق، والأمانة، والصلاح، والتقى، كل ذلك يدخل تحت قوله: { دينه } فإنه يجب على الولي أن يزوج موليته للخاطب، وإذا رده فإنه يأثم إلا إذا كان هناك مبرر، وهناك عذر قد يضاهي المصلحة التي قد تحصل من هذا الزواج، ثم -أيضاً- ينبغي أن ننظر إلى قاعدة أخرى وهي: قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح، فإن هذا الشخص قد أرضى دينه وأمانته وخلقه ولا أعترض عليه بشيء أبداً.
ولا شك أن هذه صفات طيبة يحبها الله سبحانه وتعالى، ولكن لو أعطيته موليتي وزوجته إياها حصل بسبب ذلك مفسدة عظيمة تربوا على المصلحة التي تحصل من هذا الزواج، فهل يجب عليَّ أن أزوج هذا الرجل؛ لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:{إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه}؟
وهل أكون آثماً بعدم تزويجه؟
فنقول: لا تكون آثماً؛ لأن الإسلام جاء بجلب المصالح ودفع المفاسد، فمتى كانت المفسدة تربوا على هذه المصلحة فإنك لا تزوجه، ولست آثماً إذا لم تعطه، ولو كانت هذه الصفات التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم متوفرة فيه؛ لأن عندنا مفسدة أكبر، وهذه يعلمها كثيرٌ من الناس.
فإذا عرفت أنه يترتب على ذلك مفسدة وتحققت أنه لا بد أن يحصل مفسدة لو زوجت هذا الشاب أو زوجت هذا الخاطب فحينئذ لا تزوجه ولست آثماً إن شاء الله تعالى.
لكن أقول: إن هذا الأمر واجب إذا انتفت المفاسد وإذا تحققت المصلحة فينبغي لك أن تزوج، ولا يجوز لك أن ترد هذا الخاطب إلا إذا كان هناك مفسدة، وقد سمعنا ذلك والله أعلم.
ٍ
ٍأجاب على هذا السؤال شيخ آخر :
السؤال: ما هو العمل فيمن كان عنده فتاتان تبلغ أعمارهن الخامسة أو السادسة والعشرين، وهن ملتزمات بدين الله، هل أقوم بالبحث عن زوج كفء لهن كما فعل عمر رضي الله عنه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعــد:
أيها الإخوة: إن موضوع الزواج ينبغي أن يبادر به المسلم، وألا يؤخر مولياته عن وقت زواجهن حيث توفرت الشروط، ولو كان ذلك بالبحث، ولكن في الواقع أن الإنسان في الغالب لا يحتاج إلى بحث في هذه البلاد، حيث يأتيه الخطاب، ولكن الموضوع هو أن كثيراً من الأولياء يتعنتون في صفات الزوج، أو يطلبون مهوراً كثيرةً فوق طاقة الزوج.
والذي أريد أن أقوله: إن هذه التكاليف التي وجدت في المجتمع الآن من المغالاة في المهور، وتكاليف تضاف إلى ذلك، ينبغي أن ينظر فيها وأن تترك؛ لأن كثيراً ممن يريدون الزواج يعجزون عن دفع هذه التكاليف التي أقحم فيها الناس، والتي مالت إليها النساء وصار الرجال أتباعاً لهن، فالرجل هو الذي يتكلم، ولكن ما يحصل في الواقع هن النساء، وترغب الأم أن تكون ابنتها مثل فلانة وفلانة سواء في المهر، أو في تجهيز الزواج، وهذا خطأ، فلقد عجز كثيرٌ من الشباب عن الإقدام على الزواج، أو كثيرٌ ممن يريدون الزواج من شبابٍ أو غيرهم بسبب غلاء المهور، وتعنت الأولياء.
فالذي ينبغي لكل مسلم أن يكون متمثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه} فينبغي للمسلم أن يعتبر هذه الصفات، وألا ينظر إلى الدنيا ولا إلى فلان بن فلان، وأن فلاناً بن فلان لا يصلح أن تناسبه، فهذا خطأ! فإن النبي عليه الصلاة والسلام علق الأمر بالدين والخلق، فينبغي للمسلم أن يترك كثيراً من العادات التي يعتادها الناس خصوصاً ما يتعلق بتكاليف الزواج وغلاء المهور.
والأمر الآخر قضية الأنساب: بأن هذا ليس من بني فلان وبني فلان، فينبغي لنا أن نتسامح في قبول من يأتينا إذا تحقق لنا منه الدين والخلق، ولا ننظر إلى مكانته في المجتمع؛ لأن المكانة عند الله هي التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
وبالنسبة لسؤال السائل فأنا أقول: إنه لا مانع من أن يبحث عن زوج وإن كان ذلك لا يتعذر في الغالب في مجتمعنا هذا، وقلَّ أن تجد أي امرأة صغيرة أو كبيرة إلا ويأتيها من يخطبها، لكن ما يحدث هو تعنت الأم أو الأب أو الأقارب.
فالمقصود: أن نتسامح في الأمر، وأن ننظر إلى خلق الرجل لا إلى دنياه؛ بل إلى دينه وأمانته وسيرته الطيبة، ونُقْدم على تزويجه، والله سبحانه وتعالى قد وعد أن من كان فقيراً فسوف يغنيه الله من فضله، فعلى كل حال إن بحث فقد بحث عمر رضي الله عنه عن زوج لابنته، وإن صبر حتى يأتيه أمر الله وفرج الله وأمره سبحانه وتعالى فسوف لا تغلق عليه الأبواب -إن شاء الله-.
نسأل الله أن يوفقنا وإخواننا المسلمين بالعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
أجاب على هذا السؤال الشيخ : سلمـان العـودة حفظه الله .
السؤال: فضيلة الشيخ دعاء الاستخارة، في أي موضع من مواضع الركعتين يكون؟
هل هو في التشهد؟
أم في السجود؟
أم بعد الركعتين؟
أفيدونا حفظكم الله.
الجواب: موضع دعاء الاستخارة فقد ورد في حديث جابر في صحيح البخاري، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:{فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك، وأسألك من فضلك..} إلى آخر الدعاء المعروف، الذي كان الرسول عليه السلام يعلمهم إياه كما يعلمهم سورة من القرآن، ولم يرد في الحديث نص يحدد موضع الدعاء، لكن مواضع الدعاء في الصلاة معروفة، وهي سبعة مواضع ذكرها الإمام ابن القيم في زاد المعاد أخص منها: موضع السجود، وما بعد التشهد، فهي المواضع المناسبة لدعاء الاستخارة، فإن دعا في السجود فالسجود موضع دعاء، وإن جعله قبل السلام كان هذا أنسب والله أعلم.
أما كونه بعد السلام: فالحديث يحتمل ذلك! لكن في هذا شيء من البعد؛ لأن المعروف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وسيرته، أنه كان يدعو في الصلاة وليس بعد الصلاة، ففي الغالب أن دعاءه صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة، ولذلك سميت الصلاة؛ لأنها دعاء وفيها دعاء، فتأخير الدعاء إلى ما بعد السلام هو تأخير إلى موضعه المفضول عن موضعه الفاضل، فالأولى أن يكون الدعاء أثناء الصلاة لا بعد السلام، والله تبارك وتعالى أعلم.
ومن أهل العلم من يقول: إنه بعد الصلاة؛ لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: { ثم } وثم: لا تعني بالضرورة أنه بعد السلام، ويحتمل أن يكون في آخر الصلاة ولو قلنا: إنه في التشهد فإن هذا يكون منسجماً مع ظاهر الحديث؛ لأن الدعاء كان في آخر الصلاة، والذين قالوا: إنه بعد السلام، اعتمدوا على ظاهر اللفظ قالوا: إن (ثم) تعني عقب الصلاة، وكلمة عقب الصلاة يحتمل أنه في آخرها، ويحتمل أنه عقبها بعد الفراغ منها!! هذا الذي يظهر لي والله تعالى أعلم.
وأحب أن أضيف أن الأمر فيه سعة، فإن تسنى لك أن تدعو في السجود، أو بعد التشهد، أو بعد الصلاة، فالأمر واسع فيما أفهم والله أعلم؛ لأن الحديث محتمل لذلك وكونه في آخر الصلاة أولى؛ لأنه قال: ليصلي ركعتين ثم ليدعو، وشيخ الإسلام تَرَجَّح في ذهنه في حديث معاذ حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {يا
السؤال: وماذا عمن يرغب في الزواج من امرأة ثانية، ويرغب في أن تكون من العوانس، هل يكون مأجوراً في هذا، أم لا؟.
الجواب: هذا يختلف باختلاف الظروف وباختلاف أحوال الناس، فإذا كان الإنسان يفضل أن تكون امرأة كبيرة عانساً، فهل يقصد بقوله: عانساً، أنها لم تتزوج؟
أم عانساً يريد بذلك أنها ثيب؟
فإن كان يقصد بذلك أن تكون قد تزوجت، أو تكون قد طعنت في السن فجوابه، ما جاء عن جابر رضي الله عنه؛ فإنه حينما تزوج امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك}. أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فأخبر أنه أخذها من أجل أن تربي أخواته اللاتي ماتت أمهن، فالنبي صلى الله عليه وسلم كأنما أقره على هذا العمل، فعرف أن هذا مبررٌ دعاه إلى أن ينعزل عن البكر وعن الصغيرة من أجل تربية أخواته، ففي هذه الحالة قد تكون مبرراً ويكون داعياً للإنسان في تفضيل الكبيرة أو الثيب على الصغيرة، وقد تكون هناك اعتبارات أخرى شخصية يدركها الإنسان من نفسه.
أما إذا كان يريد أن يتخير فيحرص الإنسان أن تكون صغيرة، وأن تكون بكراً وأن تكون ودوداً ولوداً، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن لعل السائل يقصد شيئاً آخر، فلعله يقصد: إذا كان كبيراً في السن هل يأخذ بكراً صغيرةً، أو يأخذ ما يتناسب مع حاله؟
أما حكم هذه المسألة من الناحية الشرعية: فيجوز للإنسان أن يتزوج صغيرةً وهو كبير إذا كان الإنسان عنده قدرة، ويستطيع أن يعفها ويحصنها، فإنه يجوز له أن يفعل ذلك، فإن كثيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجوا أبكاراً وصغيراتٍ وهم كبار، وإمامهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تزوج عائشة وهي ابنة ست سنوات، وبنى بها وهي بنت تسع سنوات، فمثل ذلك جائز.
ولكن إذا كان الإنسان يرى أنه لا يعفها، أو لا يستطيع أن يقوم بما يحصنها، فإنه لا ينبغي أن يقدم على مثل هذا العمل؛ لأنه قد يضرها وقد يترتب على ذلك مفسدة.
أما من حيث ولي المرأة، فهل ينبغي له أن يزوج ابنته الصغيرة من رجل كبير في السن؟
على كل حال هذه أمانة في عنق كل إنسان، فينظر ما هو الدافع له إلى مثل هذا؟
إن كان الدافع له رغبة في ماله ومطامع شخصية، فلا ينبغي أن يكره موليته على مثل هذا، فمثل هذا قد يكون ظلماً لها لا سيما إذا كان وليها فد خدعها وغشها في ذلك؛ لأن ذلك من حقها، فهي تحتاج إلى من يعفها ويحصنها، وإن كان هذا الرجل لا يقصد منه إلا الدين والصلاح، ويرى أنه يستطيع أن يعفها، ويقوم بما تحتاجه ولا يقصر عليها، فمثل هذا لا بأس عليه في ذلك، ولكن الأولى أن يختار لموليته من يقاربها في السن حتى لا يحصل بذلك بعض المفاسد، ولا يحصل بذلك تأثيرات على نفسية هذه البنت، وكثيرٌ من الزوجات تخفق بسبب تصرف بعض الأولياء حينما يتعنتون ويظلمون مولياتهم ويزوجونهن برجال طاعنين في السن لا يلبث معها إلا فترة بسيطة، ثم تفارقه الصحة أو يفارق الحياة فتظل عانسة أرملة بسبب تصرف وليها، والله أعلم.
الجواب: يقول الشيخ: سلمان معلقاً على الإجابة الأولى: أما ما ذكر الشيخ: فالأولى أن يتركها في رأيي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك زوجاته وهن -أيضاً- بعضهن شابات، والآجال بيد الله عز وجل، ولكن نعلل أنها إذا رضيت واطمأنت مع زوجها فله ذلك، وإن لم ترض فلا يُقْدِم، أما أن نعلل بالآجال فلا ينبغي؛ لأن الآجال بيد الله:
ولا تقل الصبا فيه انتهال وفكر كم صغير قد دفنتا |
فأكثر الناس يموت في ريعان الشباب، وكم من رجل كبير تزوج بامرأة صغيرة فماتت قبله؟! فلا ينبغي أن نعلل بالآجال، ولكن ينبغي أن نعلل بالراحة النفسية إذا اطمأنت إلى زوجها واطمأن إليها فالعواقب بيد الله سبحانه وتعالى، والصحابة رضي الله عنهم تزوجوا نساءً صغيرات وهم طاعنون في السن، ونبينا صلى الله عليه وسلم وهو القدوة والأسوة -كما حكى لنا فضيلة الشيخ- تزوج عائشة وهي صغيرة وهو كبير.
فالتعليل في مثل هذا أنه إذا كان الرجل يستطيع أن يحصن زوجه فلْيُقْدِم، وإذا لم ترض، فلا ينبغي لوليها أن يكرهها من أجل رأيه، أو من أجل أطماع الدنيا الزائلة، والله أعلم.
أجاب على هذا السؤال : الشيخ سلمان العـودة حفظه الله .
السؤال: إني أرغب أن أتزوج من امرأة صالحة دينة ووالدها مستقيم ولله الحمد، لكن الذي يقف أمامي هو إخوانها؛ لأنه يغلب عليهم الانحراف، وأخشى أن يتضرر أولادي بهم وبأولادهم، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
الجواب:الحقيقة أن هذا السؤال ينبغي أن يلاحظ فيه جانبان:
الجانب الأول: ما دام أن هذه الفتاة مستقيمة، فلا شك أنها بحاجة إلى من يخرجها من هذه البيئة التي قد لا تسلم من الانحرافات ما دام إخوانها على هذه الصفة، وليس من العدل أن يبتعد الصالحون عن فتاة؛ لأن أحد إخوانها منحرف -مثلاً- وهي امرأة صالحة دينة، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {فاظفر بذات الدين تربت يداك}، وهذه ذات دين فالظفر بها ظفر بغنيمة.
الجانب الآخر: أن الإنسان قد يلاحظ أن أولاده -إذا رزق منها بأولاد- قد يعودون إلى أخوالهم في زيارة أو في غيبته، أو ربما لو أصابته مصيبة الموت أو ما أشبه ذلك، فهو بحاجة إلى أن تكون البيئة التي يتربى فيها أطفاله بيئة حسنة، ولذلك أرى أنا أن المعول على البيئة بالدرجة الأولى، ليس على كون أحد إخوانها منحرفا.
فإذا كان المجتمع صالحاً والأب مستقيماً ومهيمناً على البيت وليس في البيت أدوات هدم وتخريب ولا ضياع ولا تسيب وانحلال، فله أن يُقْدِم، أما إن كان البيت مضيعة وفيه أدوات هدم وتخريب وإفساد والبنت صالحة، فالحقيقة أن هذا يعني موضع تردد؛ لأنه إن ترك هذه الصالحة لهذه البيئة ففيه مشكلة، وقد يجد الشاب أن بيئته هو أيضاً بيئة سيئة، فيخرج هو من بيته، ويخرج هذه الفتاة من بيتها ليبنوا أسرة مستقلة، ويحرص مع ذلك على ألا يبقى أولاده وأطفاله الصغار في ذلك البيت المنحرف إلا بقدر الحاجة التي لا بد منها، ويحصنهم ضد بعض المفاسد والمنكرات الموجودة في ذلك البيت، والله تبارك وتعالى أعلم.
السؤال: ما هي الأشياء المندوبة في أول ليلة من ليالي الزواج؟
الجواب: الأشياء المندوبة التي يقولها الإنسان في ليلة الزواج لا يحضرني منها شيء، إنما الذي يحضرني الآن وأعرفه هو: ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {أنه إذا استفاد أحدكم شيئاً دابة أو نحوها، فليأخذ بناصيتها وليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
أما ما يقوله الإنسان من الأدعية عند الدخول فلا يحضرني ذكر خاص عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ورد في التسمية عند اتصال الإنسان بأهله: {بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا} هذا الذي يحضرني، وكذلك بالنسبة لصلاة ركعتين هذه الصلاة لا يحضرني فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعرف أن بعض السلف فعل ذلك، والله أعلم.
السؤال: وما رأيك بمن يؤدي راتبة العشاء الآخر أو الوتر عند زوجته؟
الجواب: لو صلى الراتبة في بيت زوجته فإن ذلك يكون حسناً- إن شاء الله- وليس للصلاة مكان محدد، ولكن لا يصلي على أن هذا مكان شرعه الله سبحانه وتعالى لنا حتى لا يتخذ ذلك سنة.
وأقول: يصلي راتبة العشاء في هذا المكان لا على أن هذا سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة الراتبة والوتر يصليها الإنسان في كل مكان، وأداؤها في البيت أفضل؛ فلو فعل ذلك عند زوجته فإنه يكون حسناً، ولا يفعل ذلك على أن هذا الفعل في هذا المكان بالذات سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرع فعله في هذا المكان بالذات، ولكن هو سنة يفعلها في أي مكان.
السؤال: ما حكم الإسلام فيمن يتتبعن الموضة والموديلات سواء بلبس الثياب، أو الذهب، أو الحذاء - أكرمكم الله-؟
الجواب: إذا كن يردن بتتبع الموضة التشبه بالنساء الكافرات فهذا لا يجوز، وهذا من كبائر الذنوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقومٍ فهو منهم} وكذلك تشبه المرأة بالرجال أيضاً كبيرة من كبائر الذنوب، وتشبه الرجل بالنساء أيضاً كبيرة من كبائر الذنوب، وإذا كان هذا اللباس إنما تلبسه المرأة من باب الزينة والجمال لزوجها ليلة العرس فلا حرج في ذلك.
وكذلك بالنسبة للثياب الجميلة لا بأس من لبسها لزوجها إذا لم يكن فيها تشبه بالكافرين، والله أعلم.
السؤال: بعضهم يتعبد إلى الله بقوله: أكرمكم الله عند ذكر الحذاء أو غير ذلك، فهل هو سنة؟
الجواب: لا يحضرني في ذلك حديث، أو نص أن مثل ذلك مشروع، ولكن هذا من باب الآداب التي يفعلها الإنسان ليكرم أخاه حينما يذكر مثل هذا الحذاء الذي هو ممتهن وفيه ابتذال، فهو يريد أن يكرم أخاه من ذكر هذا الحذاء. فلا أعلم أنه ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله أعلم.
السؤال: هل استغلال وقت الوليمة بالكلمة الطيبة أو الشريط النافع من الابتداع في الدين؟
أم هو من الأمور النافعة التي تمنع الوقوع في أعراض الناس وما إلى ذلك؟
الجواب: لا، ليس من البدع؛ بل الإنسان مأمور بأن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى في كل مكان، وأن يبين للناس دينهم في كل مكان، واستغلال مثل هذه المناسبات، وهو مما لا ينبغي للإنسان أن يفوته، فهو مأمور بأن يدعو إلى الله ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] ولا سيما في هذا المكان الذي قد اعتاد الناس فيه على اللهو والعبث، فإذا اشتغل الإنسان بذكر الله وبدعوة الناس وببيان شرع الله للناس فإن ذلك يكون أمراً حسناً، وليس ذلك من البدع، إن شاء الله.
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى مجامع العرب إلى أسواقهم وأماكن اجتماعهم يستغلها بالدعوة إلى الله، والله أعلم.
أجاب على هذا السؤال الشيخ : سلمـان العـودة حفظه الله .
السؤال: ما رأي فضيلتكم فيما يوجد في بعض الأسر أنهم يمنعون الزوج من الخروج بزوجته في منـزل خاص، ومن ثم يجتمع في منـزل واحد أربع أسر أو أكثر بحجة أنه أدعى لجمع الشمل، والإنسان يريد أن يربي زوجته وأولاده على الصلاح؟
الجواب: بالنسبة لاستقلال الزوج الجديد بزوجته بمنـزل خاص هذا يراعى فيه عدة اعتبارات:
أولاً: مدى حاجة أهله إليه؛ فقد يكون الزوج وحيد أبويه أو يكون له أم مسنة أو أب كبير يحتاجون إلى العناية والرعاية، وربما يكون له إخوة عاقون لا يقومون بحقوقهم، فليس من العدل ولا من الإنصاف أن ينفرد بزوجته لتكتمل سعادته الزوجية، ويتخلى عن أبوين شيخين كبيرين هما بأمس الحاجة إلى رعايته على حين كبر سنهما.
الثاني: مدى إمكانية الزوج بالاستقلال ببيت خاص من الناحية المادية.
الثالث: مدى ملاءمة الزوجة لأهله.
فالذي أرى أنه إذا كان أهله بحاجة إليه على سبيل الإجمال، والزوجة استطاعت أن تكسب ود أهله وتخدمهم وتتلطف معهم وتطييب نفوسهم فأرى أن يبقى عند أهله، أما إذا كانت هناك ظروف تدعو إلى استقلال وانفراد فإن هذا -أيضاً- أمر حسن؛ لأن هذا يجعل الشاب يستطيع أن يتحكم في بيته أكثر من حيث تربية الزوجة وتربية الأطفال، وحفظ الوقت وما أشبه ذلك.
ولا شك أن ذلك يحقق السعادة الزوجية بالنسبة للزوجين؛ لأن كونهما في بيت مع غيرهما قد يؤثر ذلك عند بعض الناس، فإذا كانت الظروف مناسبة وملائمة كما هو حال كثيرٍ من الأسر؛ حيث يكون الأب غنياً وقوياً وليس بحاجة، فما أرى من بأس مطلقاً أن ينفرد الابن ببيت خاص ويكون مستقلاً في تربية زوجته وتعليمها وتربية أطفاله وإبعاد الأجهزة السيئة عنهم، وما أشبه ذلك، والله أعلم.
السؤال: فضيلة الشيخ: إن المهر إذا كان قليلاً فهو يكون سبباً في فشل الزواج قريباً؛ لأن الزوج يرى أنه لم يكلفه شيئاً فيكون الطلاق سريعاً؛ لأنه لم يتعب في تحصيل المهر فما رأيكم؟
الجواب: الواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم وكثير من الصحابة كانت مهورهم قليلة، وقد سعدوا في زواجهم ولله الحمد والمنَّة، فالتعليل في هذا الواقع خطأ، والذي ينبغي هو أن تقلل المهور وأن يتفق الناس جميعاً على تقليلها؛ لأن في تقليل المهور سبباً كبيراً؛ لأن تسعد كثيرٌ من النساء بزوجٍ تعيش معه ويعيش معها، ولا تبقى مدة طويلة بدون زوج. ومسكين مسكين رجل بلا امرأة، ومسكينة مسكينة امرأة بلا زوج! وأما إذا كان هناك أسباب للفراق فإن الشخص يقدم مهما ساق من المهر، ولا يمنعه كثرة المهر من أن يقدم على الطلاق.
إن تقليل المهر ليس سبباً صحيحاً في وقوع الطلاق، وإنما الذي يسبب الطلاق أمور أخرى كالمناقشات بين الأزواج، وطموح الإنسان إلى غير زوجته، وطفوح نظره، وكثرة تقليب بصره في الآخرين ونحو ذلك، فقلة المهور ليست سبباً صحيحاً في إقدام كثيرٍ من الناس على الطلاق، بل الذي يسبب الطلاق أمور أخرى كثيرة فلو أن الناس اقتصدوا في المهور وتركوا هذه العادات، وهذه القصور وهي قد يشتق لها من اسمها كما قيل:
وقل إن أبصرت عيناك ذا لقبٍ إلا ومعناه لو فكرت في لقبه |
فهذه القصور أوجدت تكاليف باهظة، والذي يدفع للقصر في رأيي أن يكون مهراً، وأن يكتفى به، وأن هذه الاجتماعات ليست معهودة عند السلف، إذا أراد أن يصل قرابته فليدعهم إن استطاع جميعاً في بيته أو على فترات، وأما أن نلزم أنفسنا بهدايا تكلف الأقارب كلهم، وبإقامة قصر يجتمع الناس فيه من شرقي البلاد وغربها ونحو ذلك من تكاليف تكلف المدعو والداعي، فهذا في رأيي أنه ينبغي أن نعدل عنه، وأن نسلك طريقة سلفنا الصالح، لنسعد ولنربح ونستريح ونريح.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن يزيدنا علماً، اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر