فإن الخطأ -أيها الإخوة- هو من طبيعة ابن آدم، فإن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من طين الأرض، قال تعالى: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ [ص:71] وقال الله تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29] فالإنسان فيه هذه الطبيعة الطينية، الميل إلى الأشياء المادية؛ حيث رُكِّبت فيه الغرائزُ والشهوات، وأصبح للإنسان ميلٌ فطريٌّ طبيعيٌّ إلى شيءٍ من ذلك، بمقتضى حكمة الله جلَّ وعلا، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4].
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم} فإن الله تعالى خلق الملائكة المعصومين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وملأ بهم سماواته، فإن السماوات ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملكٌ واضع جبهته ساجدٌ لله عز وجل، أو راكعٌ، أو قائم.
وخلق الشياطين للشرِ والفساد والإفساد والإضلال والوسوسة، وخلق الِإنسان القابل للخير والشر، وقال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] وقال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] وقال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].
وقد ينحرف الإنسان وينحط ويتردى حتى يصبح شراً من الشياطين -والعياذ بالله!- في بعض الأحوال، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: { لو لم تذنبوا لذهب الله بكم } أي أنَّ الله خلقكم بشراً، تذنبون فتستغفرون فيغفر لكم؛ لأن من أسمائه جلَّ وعلا: الغفور، الرحيم، الحليم، التواب، واسع المغفرة، غافر الذنب، وقابل التوب، الرحمن، الحليم، الكريم، الوهاب، الجواد، وهذه الأشياء بمقتضاها يغفر الله تعالى لمن يشاء من عباده، ويتجاوز عن سيئاتهم، وذنوبهم، وخطاياهم.
فإن بعض الناس إذا وقع في الذنب جَرَّهُ هذا إلى ذنبٍ آخر، ثم آخر...إلخ، حتى يجد الإنسان نفسه غارقاً في بحار الذنوب والمعاصي، وربما يختم له بخاتمة السوء لكثرة ذنوبه ومعاصيه، ولهذا قال بعض السلف: [[المعاصي بريد الكفر]] أي أن المعاصي ليست كفراً بذاتها إذا كانت من المعاصي العملية كالغيبة، أو النميمة، أو السرقة، أو الزنى أو غيرها، فهذا ليس كفراً بالله عز وجل، ولكن كثرة المعاصي قد تجر الإنسان -والعياذ بالله!- إلى الكفر بالله، وقد يختم له بسوء، فيخشى الإنسان أن تجره المعصية إلى الكفر، ولهذا يقول بعض الصالحين:
والله ما أخشى الذنوب فإنها لعلى سبيل العفو والغفرانِ |
لكنما أخشى انسلاخ القلب من تحكيم هذا الوحي والقرآن |
فيخشى العبد أن تجره الذنوب إلى الانسلاخ من دينه والعياذ بالله! كما أن الإنسان يخشى على نفسه من أثر الذنب ومن جرَّائه أن يصل به هذا إلى القنوط من رحمة الله، ولا شك أن القنوط واليأس من رحمة الله ينقل الإنسان عن الملة: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] وقال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] فالأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله ينقلان الإنسان عن دين الله عز وجل! فلذلك يخشى العبدُ من الذنب ومن المعصية.
وكان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقولون: لا يفطر، وكان يقوم الليل أكثره، ربما قام نصف الليل أو ثلثيه أو ثلثه، وربما قام الليل كله إلا قليلاً، وكان عليه الصلاة والسلام كل حياته جهادٌ في سبيل الله، ودعوة إلى الله، وابتلاء، وصبر، ومع هذا كله فإن الله تعالى خاطبه بقوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] وخاطبه جلَّ وعلا بقوله: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:106].
وخاطبه بقوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [غافر:55] وخاطبه -أيضاً-: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].
فمن ذلك أنهم كانوا يحصون له صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد -أحياناً- أكثر من سبعين مرة، وربما مائة مرة: { سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي وتب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم } إلى غير ذلك من أصناف وضروب الاستغفار، حتى إنها ربما عدت له في المجلس الواحد سبعين مرة أو مائة مرة وهو يستغفر الله تعالى! وحتى إنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر الدعاء، ويستغفر ثلاث مرات كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه أبو داود: { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً أو يستغفر ثلاثاً، فكان يكثر أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله} ومن ذلك أنه كان يستغفر الله تعالى في سجوده، فلما أنـزل الله تعالى عليه قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:3] {كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن} كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها.
يتأول القرآن أي: يفعل ما أمره به القرآن، حين قال الله له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً .
وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم بين السجدتين: {اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، واجبرني، وعافني، واهدني، وارزقني} كما عند الترمذي وأبي داود، وهو حديثٌ صحيح.
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في آخر التشهد أن يقول أحدهم.. كما في حديث أبي بكر المتفق عليه أنه قال: {يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم} وفي رواية { ظلماً كبيراً } فهو كثيرٌ وهو كبير!
أي أن العبد يتوسل إلى الله تعالى بعفوه ومغفرته أن يغفر له، وإلا فإنه يقول: إنني لا أستحق هذه المغفرة، إنما هي مغفرةٌ من عندك، محض تفضلٍ وامتنانٍ وكرم من جود الله وعطائه؛ لأنه هو الغفور الرحيم، وإلا فالعبد لا يستحق هذه المغفرة بحالٍ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى ويستغفره في كل حال.
وقد أخذ هذا عنه أصحابه وأتباعه، حتى إنك ربما رأيت الرجل من الصالحين من السلف رضي الله عنهم يكثر من الاستغفار، حتى يقول من حوله: إن هذا الرجل قد وقع في ذنبٍ عظيم؛ لأنه يستغفر، وليس [أستغفر الله] كلمةً يرددها على لسانه، كما يقول بعضهم:
أستغفر الله من أستغفر الله من كلمةٍ قُلتُها لم أدر معناها |
ليس يجري الاستغفار على لسانه دون فهمٍ ولا إدراك، بل يستغفر الله بقلبٍ مكسور، ونفسٍ مجروحة، وحُزنٍ عظيم على تفريطه وإهماله وتقصيره، فكان من رآه يظن أنه قد وقع في ذنبٍ عظيم، ولو تأملت حياته، لما وجدت فيها إلا الصوم، والصلاة، والعبادة، والذكر، والدعاء، والصدقة، والإحسان، لكنه شعورهم بالتقصير في حق الله جلَّ وعلا، فهكذا كان سيد العباد وسيد المستغفرين، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا كان أصحابه وأتباعه رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
الله جلَّ وعلا وهو الغني ينـزل إلى سماء الدنيا ويقول: من يستغفرني فأغفر له...!
ليس الله تعالى بحاجة إلى عباده!! هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [يونس:68] وكما يقول جلَّ وعلا: {يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضُري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني!! يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم}.
ذكر النووي رحمه الله تعالى في كتابه الأذكار: أن أعرابياً وُجدَ واقفاً عند الكعبة منكسراً لله عز وجل منطرحاً بين يديه، وهو يقول: (اللهم! إنَّ استغفاري مع إصراري على الذنبِ لؤمٌ..!) لاحظ هذا الأعرابي مع جهله؛ لكن كيف ألهمه الله تعالى حسن الاستغفار! يقول: اللهم إنَّ استغفاري مع إصراري على الذنبِ لهو نوعٌ من اللؤمٌ، فأنا لئيم؛ إذاً أستغفرك يا رب، وأنا مصرٌ على ذنبي، (وإن تركي للاستغفار مع علمي بِسعة رحمتك لهو عجزٌ) فإن الله تعالى واسع المغفرة، (يا رب: أنا أتبغض إليك بالمعاصي مع عظيم حاجتي إليك، وأنت تتحببُ إليَّ بالنعم مع غناك عنَّي، يا من إذا وعد وفى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفى، أدخل عظيم جرمي في عظيم رحمتك يا أرحم الراحمين!) هذا التبتل، هذا الاستغفار والصدق، حتى من رجلٍ قد يكون من عامة الناس، لكن الله تعالى ألهمه بصدقِ إيمانه، وصحة قلبه، وسلامة نفسه: صدقَ الاستغفار، (اللهم إن استغفاري مع إصراري على الذنب لؤمٌ، وإن تركي للاستغفار مع علمي بسعة رحمتك عجزٌ، يا رب أنا أتبغض إليك بالذنوب مع عظيم حاجتي إليك، وأنت تتحببُ إليَّ بالنعم مع شدة غناك عني، يا من إذا وعد وفى، وإذا توعد تجاوز وعفى، أدخل عظيم جرمي في عظيم رحمتك، يا أرحم الراحمين...!).
ما للعباد عليه حقٌ واجبُ كلا ولا سعيٌ لديه ضائعٌ |
إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله وهو الكريم الواسعُ |
فالله تعالى إذا توعد العبد، فقد يعفو عنه، وقد قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] وإذا وعده فإن الله تعالى لا يخلف الميعاد...!
ويرهب ابن العم والجار صولتي ولا أنثني عن صولة المتهددِ |
وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلفُ إيعادي ومنجز موعدي |
فهذا من كرم الله تعالى وعظيم جوده أنه واسع المغفرة، إذا توعد العبد فقد يعفو عنه، وإذا وعده بالخير فإنه لا يخلف الميعاد، بل ينجزه لعبده.
فإذا أفاض الناس من عرفة مخبتين لله، ضاحين لمن أحرموا له، خالعين الدنيا كلها، أمرهم الله تعالى بأن يستغفروا الله: [البقرة:199] وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث ثوبان
لأسباب:
أولاً: لأن هذه الطاعة التي يقوم بها البعد لا تخلو من تقصير، أو غفلة، أو سهو، أو تفريط، أو شيءٍ لا يحيط به الإنسان، أو أن الشيطان يتسلط على الإنسان فيصرفه عن صلاته، أو يصرفه عن حجه، أو عن عبادته، أو عن صومه، فيقول: "أستغفر الله عما يكون في هذه العبادة من نقصٍ، أو خطأ، أو سهوٍ، أو تقصير"، هذه واحدة.
ثانياً: أن استغفارك عقب الطاعة إشعارٌ بأن هذه الطاعة شيءٌ قليل إلى جنب ما يجب لله الجليل جلَّ وعلا! فماذا تبلغ طاعتك بالقياس إلى حق الله جلَّ وعلا؟! إنها -والله- لا تكاد تكون شيئاً مذكوراً، خاصةً إذا تذكرت أن هذه الطاعة نفسها هي من فضله وامتنانه وإحسانه جلَّ وعلا، فحينئذٍ العبد يستغفر الله، مثل الذي يقول: ربِ سامحني عن التقصير في أداء شكرك وحقك...!
ثالثاً: أن العبد قد يداخله نوعٌ من العُجْبُ والاغترار بعمله، وهذا العجب قد يحبط العمل، فإذا قال عقب العبادة: "أستغفرُ الله" معناه أن هذا العبد صاحب قلبٍ عارف بحق الله جلَّ وعلا، عارفٍ بتقصيره، معترفٍ بعظيم جرمه، وهذا بإذن الله تعالى يكون وقايةً من كيد الشيطان بإدخال العجب والغرور على الإنسان، فهذا من أسرار استغفار الإنسان عقب الطاعة، وإذا كانت حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم -كلها- طاعةً لله جلَّ وعلا، كما وصفت لكم، من دعوة، إلى عبادة، إلى علم، إلى هجرة، إلى جهاد، إلى غزو، إلى حج، إلى عمرة، إلى قيام، إلى صيام، إلى نسك، إلى صدقة، إلى تعليم، إلى صبر، إلى أخلاق... فكان صلى الله عليه وسلم، كما وصف الله عز جلَّ وأمره: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163].
هكذا كان صلى الله عليه وسلم، ولما سُئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت للسائل: هل أنت تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قالت: [[كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن]] ومع هذا كانت حياته كلها عبادة، ومع هذا في آخر حياته أنـزل الله عليه قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:3].
كان عمر رضي الله عنه يجمع كبار المهاجرين والأنصار في مجلسه، ويجمع معهم عبد الله بن عباس، فقال له بعض المهاجرين، يا أمير المؤمنين: إنك تأتي معنا بـعبد الله بن عباس، وهو غلام صغير، كُلنا لنا أولادٌ في مثل سنه، فقال: إنه فقيهٌ عالمٌ!! ثم قال لهم: يا معشر المهاجرين! أرأيتم قول الله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] ما تقولون في هذه السورة؟ فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قالوا: إن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم إذا جاء نصر الله والفتح أن يسبحه ويحمده ويستغفره، لا نعلم إلا ذلك، قال: فما تقول يا ابن عباس؟ قال: يا أمير المؤمنين! هذا أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره به ربه!! قال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم يا ابن عباس!! فعلم الصحابة رضي الله عنهم، لماذا كان عمر يقرب ابن عباس رضي الله عنه!! فكانت هذه السورة إيذاناً بقرب أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالمشروع للعبد أن يختم حياته بكثرة الاستغفار وكثرة التوبة إلى الملك الغفار جلَّ وعلا، ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر عمره أن يسبح بحمد الله ويستغفره؛ إنه كان تواباً، فكان يسبح بحمد الله ويستغفره في قيامه وركوعه وسجوده وقعوده.
فإن الله عز وجل أمر بالاستغفار حال الذنب، قال تعالى في وصف المتقين: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] ويقول الله عز وجل في محكم تنـزيله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم العبد، كلما أذنب أن يقبل على الله ويستغفر، في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: {كنتُ إذا حدثني أحدٌ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثاً استحلفته، فإذا حلف لي صدقته أي يقول: احلف بالله أنك سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول هذا الكلام، يقول
انظر إلى سعة رحمة الله جلَّ وعلا: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] وقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) ) [الزمر:53] وقال جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135].
المهم لا ينقطع حبلك مع ذي الجلال والإكرام! لا تغفل عن هذا الإله الجليل الكريم الوهاب! تقبل عليه بقلبٍ منكسر! وتقول: "أستغفر الله" فيمحو عنك ما فَرَطَ من ذنوبك وسيئاتك وتقصيرك! تتوضأ وتصلي ركعتين، وتقبل على الله تعالى بقلبك وبدنك، وتقول: "اللهم إني ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنبي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم اغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"، فيقول الله عز وجل برحمته، وكرمه، وجوده: {عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لك!!} وأي شيء تريد أعظم من هذا؟! أعظم من أن يتجاوز عن ذنبك، ويحفظ لك حسناتك؟ فإذا جاء يوم القيامة أتتك حسناتك كاملةً موفورة، وعرض الله عز وجل عليك سيئاتك، فقال: {يا عبدي! أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم} ثم تعطى كتاب حسناتك بيمينك، أي شيء تريد بعد هذا؟! وأي فضلٍ أعظم من هذا؟! إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32].
جاء الجارود بن المعلي سيد عبد القيس من البحرين إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فقال: يا أمير المؤمنين! إني رأيتُ حداً من حدود الله، حقٌ عليَّ أن أخبرك به، قال: وماذا رأيت؟ قال: رأيتُ قدامة بن مظعون يشرب الخمر، وقدامة بن مظعون! هذا أمير من الأمراء!! إنا لله وإنا إليه راجعون! أمير يشرب الخمر! فاستعظم عمر ذلك أيما استعظام! وقال: أرأيته؟! قال: والله رأيته يشرب الخمر، ومن هو قدامة بن مظعون أيضاً؟ هذا خال أولاد عمر، يعني أخو زوجته، خال عبد الله بن عمر، وخال حفصة، وقد ولاه عمر على إمارة البحرين، يشرب الخمر!! إنا لله وإنا إليه راجعون! أميرٌ يشرب الخمر!!، هل معك على هذا أحد؟ قال: نعم، اسأل أبا هريرة رضي الله عنه، فجاء بـأبي هريرة، قال: هل رأيته؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما رأيته يشرب الخمر، لكنني رأيته سكران يتقيأ..! قال عمر: يا أبا هريرة! لقد تنطعت في الشهادة!! -هذا تنطع، مادام يتقيأ الخمر وهو سكران، معناه أنه شرب- فلما كان من الغد، جاء الجارود وقال: يا أمير المؤمنين! أقم على هذا الرجل -قدامة بن مظعون- كتاب الله؟ فكتب إليه عمر رسالة: تعال يا قدامة!!.
فجاء قدامة إلى المدينة من الغد وجاء الجارود وقال: يا أمير المؤمنين! أقم على هذا كتاب الله، قال له عمر: يا جارود! أنت شاهد أم خصم؟ قال: لا أنا شاهد، قال: فلقد أديت شهادتك وبرئت ذمتك واسكت؟ فما سكت، فلما كان بعد أيام جاء، وقال: يا أمير المؤمنين! أقم على هذا كتاب الله، فقال عمر: والله لتسكتنَّ وإلا لأسوءنك، لأعاقبنك، وأعذبنك، ما علاقتك بالأمر؟ قد خرج من ذمتك؛ لأن الرجل -قدامة- كان مريضاً، وعمر كان يتريث حتى يشفى من مرضه ليقيم الحد عليه، فقال الجارود:والله يا عمر! ما هذا بالإنصاف، يشرب ابن عمك وتسوؤني، ما هذا بالإنصاف!
فاستشار عمر المؤمنين، وقال: ماذا ترون؟ الرجل مريض: أأجلده أم أؤجل؟ قالوا: لا! نرى أن تنتظر حتى يعافى، انتظر أياماً، ثم غدا على المؤمنين، فقال: ماذا ترون معشر المؤمنين؟ قالوا: أن تنتظر حتى يعافى، قال: والله! لقد رأيت غير هذا، والله! لأن يلقى قدامة بن مظعون رَبَّه تحت السياط، أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله وفي عنقي حدٌ ما أقمته!!.
رحمك الله يا عمر! رحمك الله يا عمر! رحمة الله على تلك العظام! رحمة الله على تلك الأبدان! وأسكن أرواحهم الجنان!
والله لأن يلقى قدامة الله تعالى تحت السياط، يعني ميتاً من أثر إقامة الحد، أحب إليَّ من أن ألقى الله تعالى وفي عنقي حدٌ ما أقمته، أخشى أن أموت قبل أن يشفى!!
إذاً فاجلدوه، فجاءوا بـقدامة، قال قدامة: حتى لو شربت الخمر ما لكم حق أن تجلدوني، قال: ولم؟ قال: لأن الله تعالى يقول: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة:93] فتأول، قال عمر: لقد أخطأت التأويل، وارتكبت حداً من حدود الله، اجلدوه، فجلدوه، حتى أقاموا عليه حد الله عز وجل، أقاموا عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فغضب قدامة، وهجرَ عمر، وأصبح لا يكلمه، فهجره عمر وأعرض عنه، وحجَّا لا يكلم أحدهما الآخر.
فلما رجعوا نام عمر نومة، ثم استيقظ، وقال: أين قدامة؟ أين قدامة بن مظعون؟ قالوا: ما تريدُ به يا أمير المؤمنين؟ قال: لقد أتاني في منامي آتٍ وقال لي: صالح أخاك قدامة، صالح أخاك قدامة بن مظعون، صالحه، فأبى قدامة أن يأتي، فكتب إليه عمر: من عبد الله عمر بن الخطاب إلى قدامة بن مظعون، السلام على من اتبع الهدى. أما بعد:
يقول الله عز وجل: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3] ذكَّره بهذه الآية، وأمره بالتوبة إلى الله عز وجل، من ذنوبه ومعاصيه، وأمره أن يتوب إلى الله عز وجل، فأ صلح ما بينه وبينه.
المهم.. ما أحوج المذنب العاصي إلى أن يُذَكَّر برحمة الله عز وجل، ويُحَثَّ على التوبة إلى الله تعالى، ويؤمر بالإقلاع عن ذنبه، والتوجه إلى ربه، والندم على ما فرط منه، وأن يعمل على أن يستوفي شروط التوبة المعروفة، لعل الله عز وجل أن يختم له بخير.
أما الحالة الثالثة فهي -أيضاً- من الظهور بمكان، وهي حال الغفلة، وما أكثر الغافلين الشاردين عن الله عز وجل، ألم تعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يقول -كما سبق- في المجلس الواحد مائة مرة: أستغفر الله.. الرسول عليه السلام يقول كما في حديث الأغر المزني وهو في صحيح مسلم يقول: {والله إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله وأتوب إليه أكثر من سبعين مرة في المجلس الواحد} يعني الرسول عليه الصلاة والسلام يشير إلى أنه يأتي -أحياناً- حالات يصبح في قلبه شيءٍ من السهو، يسهو، وقد يغفل عليه الصلاة والسلام، فيرى أن هذا في حقه تقصير صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثله في مقامه، وما أكرمه الله تعالى به، يكون أعظم من تلك الحال، فيستغفر الله تعالى مما يشعر به في قلبه.
وكان عليه الصلاة والسلام لشدة قربه إلى الله جلَّ وعلا يحس بأدنى شيء، حتى إنه في الصحيحين {أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى يوماً صلاة الظهر، ثم سلم من ركعتين، ولما سلم قام إلى خشبةٍ معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، وشبك بين أصابعه} وعادة التشبيك غالباً ما يستخدمها من يكون في قلبه شيء، وفي نفسه ضيق، أو في صدره حرج، ومع ذلك كأنه غضبان، وجد الصحابة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر التغير، فالصحابة رضي الله عنهم هابوا أن يكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سلم من ركعتين، وفيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب، لكن هابوا أن يكلموه، فقام رجلٌ يقال له ذو اليدين، واسمه الخرباق، في يده طول، ويكنى ذو اليدين، { فقال: يا رسول الله! قصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لا! ما قصرت ولا نسيت، يظن أنه صلى أربعاً عليه الصلاة والسلام، قال: لا. بل نسيت يا رسول الله! قال عليه الصلاة والسلام: أكما يقول
إذاً لما نسي -مع أنه سهى عليه الصلاة والسلام- بان أثر ترك هاتين الركعتين في وجهه عليه الصلاة والسلام وفي هيئته وفي محياه، فلمح الصحابة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر الغضب والتغير، أما نحنُ فكثيرٌ منا قد يغفل عن كثير من العبادة، وكثير من الصلاة، وكثير من الذكر، ولكن لا يشعر بذلك...!
جاء في بعض روايات بني إسرائيل أن رجلاً قال: يا رب! كم أعصيك ولا تعاقبني -يقول: يا رب أنا أسمع أنه من يعصي الله يعاقب، فيا رب! أنا كم مرة عصيتك ولا عاقبتني!!- فأوحى الله تعالى: يا عبدي! كم عاقبتك ولا تشعر!! الغفلة في قلبك عقوبة، ونسيان الذنب عقوبة، وضيق الرزق عقوبة، وفساد الولد عقوبة، وتسليط الآخرين عليك عقوبة، وغلبة الدَّين عقوبة، وقهر الرجال عقوبة، وما أكثر العقوبات! لكن أصحاب القلوب الميتة لا يَعُونَ ولا يشعرون...!
ولهذا: {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال: غفرانك!} يستغفر الله عز وجل، إذا خرج من الخلاء، لماذا؟ قال بعضهم: يستغفر صلى الله عليه وسلم من لحظاتٍ لم يتح له فيها أن يذكر الله تعالى، مع أنه عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله في كل أحيانه، كما في صحيح البخاري عن عائشة: { كان يذكر الله في كل أحيانه } لكن حال الخلاء لا يذكر الله تعالى فيه؛ لأنه لا يناسب ذكر الله، فإذا خرج من الخلاء قال: غفرانك، كأنه يستغفر من لحظات لم يتح له فيها أن يذكر الله تعالى، وقال آخرون: بل إن قوله صلى الله عليه وسلم: غفرانك! إشارةٌ إلى أنه عليه الصلاة والسلام (أو أن الإنسان) معترفٌ بالتقصير في شكر نعمة الله، الذي رزقه هذا الطعام والشراب وأساغه، وجعل الجسم يمتص أفضل ما فيه، ويتخلص مما لا فائدة منه، فيستغفر العبد من التقصير في شكر نعمة الله تعالى، فإذا خرج من الخلاء قال: غفرانك!
وكذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وسنده صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له} فهذه كفارة المجلس.
أي مجلس فيه لغط، فيه كلام بدون فائدة، فيه إفاضة في الحديث، فيه فضول، فيه قولٌ لا خير فيه ولا فائدة من ورائه، وضربٌ بالكلام في كل وادٍ، ففي آخر المجلس تذكر الإنسان، فقال: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك"، فإن الله تعالى يغفر له، أما إن كان المجلس مجلس ذكرٍ وعلمٍ وعبادة، فإن هذه الكلمة تكون كالطابع تختم عليه، ولا يفتح ولا يكسر إلى يوم القيامة...
وللاستغفار فوائد عظيمة جداً، منها: مغفرة الذنوب، فإن الله تعالى وعد بذلك: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] وما أكثر الذنوب التي نقترفها، فلنحرقها بالاستغفار.. ومنها: رفع الدرجات، فإن العبد إذا استغفر الله تعالى رفع درجاته ومنـزلته في الجنة.. ومنها: إزالة الغفلة عن القلوب، وإحداث اليقظة، والإقبال على الله تعالى بسبب الاستغفار.. ومنها أن الله تعالى يحفظ العبد من الإعجاب بعمله أو الاغترار بما قدم بكثرة الاستغفار.. ومنها: أن الله تعالى يجعل له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، كما جاء في الحديث -وإن كان فيه ضعف- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب}.
والحديث الآخر -وهو صحيح- حديث ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك} من حفظ الله أن تستغفره من الذنوب والمعاصي. وفي الحديث الآخر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في سنن ابن ماجة، وسنده جيد كما يقول النووي:- {طوبى لمن وُجِدَ في صحيفته استغفارٌ كثير} وطوبى: شجرة في الجنة، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:29].
ماذا يضرك يا أخي الحبيب وأنت نائم، أو مضطجع، أو تأكل، أو تشرب، أو راكبٌ في سيارتك، أو تعاني أي عملٍ من عمل دنياك، أن تعود لسانك أن يكون رطباً بذكر الله تعالى واستغفاره، لا يضرك أبداً.
وأختم هذا المجلس الطيب بسيد الاستغفار: في الصحيح عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {سيد الاستغفار أن تقول: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قاله حين يمسيِ فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قاله حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة}
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعيننا من الخيانة، اللهم أصلحنا يا حي يا قيوم، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم آمن فزعنا يوم الدين، اللهم آمن فزعنا يوم الدين، اللهم آمن فزعنا يوم الدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم صل على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: لا ينبغي أن تدعو عليه، بل ينبغي أن تدعو الله له، والرسول عليه الصلاة والسلام لقي من قومه ما لقي -كما تعلمون- حتى أخرجوه من بلده وآذوه، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: {أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً} ينبغي أن يتسع صدرك لأخيك، وألا تبخل عليه بالنصيحة، وتستمر معه في ذلك، وتوفر له بعض الكتب والأشرطة التي تبين ضرر التدخين من الناحية الشرعية، والمالية، والصحية وغيرها، وأما الدعاء فعليك أن تصرف الدعاء له، تدعو له، لا أن تدعوَ عليه.
الجواب: يوجد في البنوك صناديق تؤجر، يضع فيها الإنسان ماله، ويأخذ مفتاحها، فهذا لا بأس به، صناديق يستأجرها من البنك، ويضع فيها ما يشاء، فإذا احتاج الإنسان إلى الإيداع في البنوك ولابد، فليودع في بنك الراجحي؛ فإنه أهون الشرين.
الجواب: لا حرج في ذلك، أما النافلة فلا حرج مطلقاً، ففي حديث حذيفة: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قام الليل، وقرأ سورة البقرة، والنساء، وآل عمران، إذا مر بآياتٍ فيها تسبيح؛ سبّح، وإذا مر بآياتٍ فيها رحمة؛ سأل الله من فضله، وإذا مر بآياتٍ فيها تعوذٌ؛ استعاذ} فلا حرج في ذلك، أما الفرض، فقد اختلف فيه أهل العلم؛ منهم من قال: ما صح في النفل وجاز فيه؛ جاز في الفرض، ومنهم من قال: الفرض لم يرد فيه شيء؛ فيسكت عنه، والأمر إن شاء الله تعالى واسع.
الجواب: إذا كانت المرأة بحضرة النساء فإن الأولى لها ألا تستر وجهها، إذا كانت مطمئنة ألا يطلع عليها رجال، ولا ينظروا إليها، فلا تستر وجهها.
الجواب: إذا كانت هذه الحبوب لا تسبب أضراراً، واحتاجت المرأة إلى تناولها حتى تقضي عمرتها، إلى حين قضاء العمرة، فلا حرج عليها في ذلك إن شاء الله تعالى.
الجواب: الشاب لا بد له من صحبة، فإن منعته من صحبة الأخيار، فمعناه أنك فرضت عليه صحبة الأشرار؛ لأن الإنسان لا بد له ممن يصحبهم، فإما هؤلاء وإما أولئك، والأب الناصح لابنه يختار له من يكونون عوناً له على طاعة الله عز وجل.
الجواب: الواقع أن مسئولية الأم عن تربية الأولاد لا تقل عن مسئولية الأب، خاصةً إذا كانوا في مقتبل العمر، ومصيبة -فعلاً- أن بعض الأمهات غير المتعلمات ولا الواعيات تعتقد أن تربية الأب وتوجيهه، أو أمره أو نهيه، ليس في صالح الولد، ولذلك تود أن يكون الولد مطاع الكلمة في كل ما يحب، فتعتقد أن منعه من شيء أو أمره بشيء، أن ذلك ضررٌ عليه؛ ولهذا تكون ضد الأب، وهذا بسبب الجهل من قبل الأم، وربما نقول: إن الأب مسئول عن ذلك، مسئول -أولاً- حين لم يختر المرأة الصالحة، فاختار امرأةً -زوجةً له- لا تعينه على تربية أولاده، كما أنه مسئولٌ -ثانياً-، حين لم يقم بتربية هذه الزوجة، وتعليمها، وتفهيمها ما يجب عليها، وبالذات ما يتعلق بتربية أولادها.
الجواب: لم أقل ما تصوره الأخ! إنما قلت: إن الإنسان إذا انتهى من الفريضة، كصلاة العشاء -مثلاً- لا ينبغي له أن يقرن بها نافلة، إلا أن يسبح ويذكر الله تعالى، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ألوانٌ من التسبيحات عقب الفريضة، مثل: { أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير } إلى غير ذلك مما ورد من الأذكار التي يفصل بها العبد بين الفرض والنافلة.
الجواب: ينبغي للإنسان إذا جاء والإمام راكع ألا يسرع في مشيه، بل يمشي رويداً: {ائتوها وأنتم تمشون، ولا تأتوها وأنتم تسعون؛ فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا }.
الجواب: لا، الأفضل جعله سراً.
الجواب: ما دمت قد ألزمت نفسك بأن تذبح الذبيحتين، وتدعو إليها بعض الناس على عشاء، فيجب أن توفي بنذرك، فتذبح ذبحيتين، وتصلح عشاءً، وتدعو إليه بعض الناس.
الجواب: ما دامت المدة طويلة حدود ثلاث سنوات، وأنتِ جاهلة، فأرجو الله تعالى أن يعفو ويسامح؛ لأن قضاء صلاة ثلاث سنوات أمرٌ فيه مشقة، وإلا فالأصل أن هذا من الأمور التي لا تجهل، ومن كانت تعيش في أوساط المسلمين؛ ينبغي أن تتعلم وتسأل عما يشكل عليها من أمور دينها، وبكل حال فالأصل أن المرأة يجب عليها إذا انقضت دورتها أن تغتسل ثم تصلي، أما اغتسالها قبل انقضاء الدورة فإنه لا ينفعها.
الجواب: أقول أولاً: رِزْق الله تعالى لك بالبنات نعمة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من ابتلي بشيءٍ من هذه البنات، فعلمهن وصبر، كنَّ له ستراً من النار} والحديث في الصحيح، فهذه نعمةٌ ساقها الله تعالى إليك، فعليك أن تحنو عليهن كل الحنو، وتحرص على تربيتهن، وتبحث لهن عن الأزواج الصالحين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر