لله تلك اللحظات والساعات التي كان يقضيها خير البرية بين أصحابه الكرام من المهاجرين والأنصار! وما أطيب الأرض التي وطئتها أقدام هؤلاء القوم الطيبين الطاهرين -مكة والمدينة- خير بقاع الأرض وأحبها إلى الله عز وجل!!.
كان صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه ويلقنَهم من دروس الحكمة والعلم بالقول والفعل، ما يعجز الأولين والآخرين من البشر، فإن الله عز وجل آتاه الكتاب والحكمة، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيماً، كان صلى الله عليه وسلم يوماً جالساً مع أصحابه، فقال كما رواه عمر بن الخطاب، وذكره البخاري في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً: {ما من أحد منكم يشهد له أربعة بالخير إلا أدخله الله الجنة فقال رجل: وثلاثة يا رسول الله؟! قال: وثلاثة، قال: واثنان؟ قال: واثنان، قال
فعلمهم صلى الله عليه وسلم بالقول، أن أي امرئ شهد له أربعة من المؤمنين بالخير أو ثلاثة أو اثنان، فإن الله عز وجل يدخله الجنة، أما الواحد فلم يسألوه عنه؛ لأنهم أدركوا أنه إذا لم تقبل شهادة الواحد في أمور الدنيا، في التجارات والبيع والشراء، في الأراضي، فكيف تقبل شهادة الواحد على صلاح الإنسان، ليكون أهلاً لدخول الجنة؟ ولهذا لم يسألوه صلى الله عليه وسلم عن الواحد.
ولما لقنهم هذا الدرس القولي البليغ، الذي فيه من الحكم والمعاني والأسرار ما سوف يتجلى لنا شيء منه الآن، أحب صلى الله عليه وسلم أن يكرر عليهم الدرس نفسه بصورة عملية.
ففي صحيح البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: {كان يوماً جالساً بين أصحابه، فمرت جنازة -مُر من أمامهم بجنازة- فأثنى الناس على صاحب هذه الجنازة خيراً- قال أحدهم: فلان نِعْمَ الرجل، كان يشهد الصلاة مع الجماعة، قال الآخر كان محسناً إلى جيرانه، قال ثالث: كان وصولاً للرحم، وقال رابع وخامس وسادس، ويبدأ الثناء عليه من هذا وهذا وهذا- فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت}.
وما هي إلا لحظات حتى تمر جنازة أخرى، وإذا بالمدح ينقلب ذماً قال رجل: هذه جنازة فلان بئس الرجل، كان لا يشهد الصلاة مع الجماعة، قال الآخر: كان مؤذياً لجيرانه، قال الثالث: كان قاطعاً لرحمه عاقاً لوالديه، قال رابع: كان أكّالاً لأموال الناس بالباطل، وقال خامس وسادس وسابع.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {وجبت وجبت} ويتساءل الصحابة رضي الله عنهم.
فيسأله عمر بن الخطاب يا رسول الله ما وجبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {أما الأول فأثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وأما الثاني فأثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه} وفي رواية أبي داود {بعضكم على بعض شهداء} وهكذا تركها صلى الله عليه وسلم كلمة خالدة، {أنتم شهداء الله في أرضه}.
فالكافر قد انقلبت الموازين في نظره، فالمهتدي المؤمن عنده ضال، والمستقيم عنده منحرف، والصالح عنده طالح، فلا عبرة بكلامه يقول عز وجل عن الكافرين: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحج:72].
وإذا كانت شهادته لا تقبل على ريال، أو على دجاجة، أو على شبر أرض، فكيف تقبل على صلاح إنسان أو فساده.
فلا تقبل شهادة الفساق؛ لأن الفاسق هو أيضاً في الغالب يحب نظراءه وأشباهه، ويقول بعض الخبراء في العصور المتأخرة: إن الإنسان المنحرف يكره الإنسان الصالح لماذا يكرهه؟ يكرهه لأنه يذكره بالصلاح، الذي كان يجب أن يتحلى به، والفطرة التي كان يجب أن يكون عليها، فكأنه يحسده على ما آتاه الله من فضله فيغمزه ويتكلم فيه.
وقد حدثني بعض شيوخنا أنه كان هناك أحد المشايخ المعروفين في البلد، وكان شيخاً عالماً عابداً تقياً، فذات يوم لحق به أحد الفساق الدعار الفجار وقال له: يا فلان والله إني لأبغضك، فقال: تحلف بالله، قال: والله إني لأبغضك. فقال: جزاك الله خيراً ثم ذهب هذا العالم إلى السوق، وكان الناس في وقت جوع وشظف في العيش، فاشترى له كسوة وشيئاً من القهوة وشيئاً من الشاي، وبعض الحاجيات الضرورية ووضعها -صرها- في هذه الكسوة، ثم أهداها إليه، وقال له: هذه عن البشارة التي بشرتني بها أمس، ما البشارة؟ قال: بشرتني أنك لا تحبني، أنا مصيبة عندي لو كنت تحبني؛ لأني أعرف أنك لو كنت تحبني لكان معنى ذلك أنني مثلك وعلى شاكلتك، فلما أبغضتني زاد أملي ورجائي في نفسي، أن يكون فيّ شيء من الصلاح سبب بغضك.
فالفاسق لا يقبل كلامه، ولا تقبل شهادته أيضاً على الصالحين الخيرين المستقيمين، ولذلك جاء في بعض ألفاظ الحديث {المؤمنون شهداء الله في أرضه} والفاسق لا يستحق أن يوصف بأنه مؤمن، هل نقول على الفاسق بأنه كافر؟ كلا، إذا كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلي مع الجماعة، أو يصلي ولو في بيته، ولا يرتكب مكفر ولا ناقضاً من نواقض الإسلام، فنحن لا نكفره، لكن لا نعطيه وصف الإيمان على الإطلاق، فنقول مؤمن، لا إما أن نقول: مؤمن ناقص الإيمان، أونقول: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
فلفظ الإيمان لا يطلق إلا على إنسان لا يظهر أمور الفساق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {المؤمنون بعضهم على بعض شهداء، المؤمنون شهداء الله في أرضه}.
إذاً من هم الذين تقبل شهادتهم؟ من هم شهداء الله في أرضه؟ هل هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط؟ قال بعض أهل العلم: نعم هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط، لكن هذا قول لا يعبأ به، بل لا يدل عليه دليل، والظاهر أن الحديث عام في كل إنسان صالح مستقيم، فالخيرون الصالحون المصلون الذين يترددون على المساجد، ويعرفون بالخير، ولا يعرف منهم فسق، إذا أثنوا على إنسان خيراً، كان هذا دليلاً على أنه من أهل الجنة، وإذا أثنوا على إنسان شراً كان هذا دليلاً على أنه من أهل النار، ويدخل في ذلك الرجال والنساء على حد سواء.
عتبان بن مالك
رضي الله عنه، وكان رجلاً من الأنصار، وكان رجلاً ضخماً -كبير الجسم- ففي آخر عمره ضعف بصره، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله إنني قد ضعف بصري وأحب أن تأتي إلى بيتي فتصلي في مكان اتخذه مصلى-تصلى في موضع من البيت حتى أصلي فيه، أتخذه مصلى في داخل البيت- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غداً آتيك، فلما كان الغد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في الضحى، ومعه نفر من أصحابه،أبو بكر
وعمر
وأنس بن مالك
ومحمود بن لبيد
وغيرهم، فدخلوا إلىعتبان
رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين تحب أن أصلى؟ فقال: في هذا المكان، وأشار رضي الله عنه إلى مكان، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى بأصحابه -كانت صلاة الضحى- ولما صلى جاءوا إلى مكان وجلسوا فيه، فحبسهمعتبان
رضي الله عنه على طعام صنعه للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما أكلوا الطعام بدأوا يتحدثون. فذكر أحدهم رجلاً من أهلمالك بن الدخشم
، فقال: واحد ذاك رجل لا يحب الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن لا شهادة له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، فقام رجل آخر، وقال يا رسول الله، إنا نرى وجهه إلى المنافقين -الرجل توجهه وعلاقته وحياته أكثرها إلى المنافقين ومعهم- فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الجزم؛ بأن هذا الرجل لا يحب الله ورسوله، وقال: (أليس يشهد أن لا إله إلا اللهمالك بن الدخشم
، بأنه لا يحب الله ورسوله، ففي المقابل استمع إلى هذه القصة، لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم منعثمان بن مظعون
،أبو السائب
رضي الله عنه وأرضاه، كان رجلاً من عُبّادِ الصحابة، فلما هاجر، كان المهاجرون أقل من الأنصار. ولذلك تنافس الأنصار في المهاجرين، كل واحد أو كل بيت من بيوت الأنصار يقولون: لا!، نحن نريد فلاناً، منافسة في الخير، كل بيت من بيوت الأنصار يقولون: نريد نصيبنا من المهاجرين، من غير المعقول أن يذهب بنو فلان وبنو فلان بالمهاجرين، ونحن لا يصيبنا أحد منهم، فلما تشاحوا جعل الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم قرعة، أقرع بينهم، فتقولأم العلاء الأنصارية
كما في صحيح البخاري، تقول: طار لناعثمان بن مظعون
أي وقع في سهمناعثمان بن مظعون
فجلس عندهم، وكان يصوم النهار، ويقوم الليل. حتى إنه هَمَّ بأن يتبتل، هَمَّ بأن يترك الزواج ويترك الدنيا ويتفرغ للعبادة، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولذلك جاء في الصحيحسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: {عثمان بن مظعون
عن التبتل، ولو أذن له لاختصيناعثمان بن مظعون
كما في الصحيحين جاءت إلى بعض أمهات المؤمنين، جاءت عندعائشة
، وكانت متبذلة -ملابسها متواضعة لا يظهر فيها أي اهتمام بهيأتها- لما خرجت سأل النبي صلى الله عليه وسلمعائشة
من هذه؟ قالت: هذه زوجة عثمان بن مظعون، فسألها: لماذا كانت متبذلة؟ قالت: إنها تقول أن عثمان ليس له حاجة فيها. ليس له حاجة في الدنيا، ليس له سبيل إليها، فهو مشغول بعبادته وصلاته، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ونهاه عن ذلك، وأمره بأن يعطي كل ذي حق حقه، هذا الرجل العابد، مات في أول أزمنة الهجرة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم بالسلف الصالح، فقال: {عثمان بن مظعون
أم العلاء الأنصارية
رحمة الله عليكأبا السائب
فشهادتي عليك لقد أكرمك الله تترحم علىعثمان بن مظعون
وتقول: شهادتي عليك، لقد أكرمك الله فشهدت، لكن شهدت بماذا؟ شهدت بأن الله أكرمه فما أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الكلام- وقال لها: ماذا قلت؟ قالت: شهادتي عليك ياأبا السائب
لقد أكرمك الله قال: لها صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟! قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فمن يكرمه الله إذا لم يكنعثمان بن مظعون
رجل من خيرة الناس من عباد الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني والله وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم، وإني لأرجوا له خيراًعثمان بن مظعون
على أحسن حال، ورأت له عيناً تجري في النوم، فجاءت إلى سول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم: ذلك عملهأنت أيها العابد أحبط الله عملك، لماذا؟ لأنك مغرور، مغرور معجب بعملك، ما الذي جعلك تحكم بأن الله لا يغفر لفلان، الله عز وجل لا يعلم ما عنده إلا هو، ربما يعمل إنسان عملاً عظيماً يخيل إليه أنه به يدخله الجنة، ثم يجعله الله هباء منثوراً، لأنه دخله رياء أو عجب، أو غرض دنيوي، وربما يعمل الإنسان عملاً يسيراً يخيل إليه أنه لا شيء، ويدخل بهذا العمل الجنة.
يُروى أن زبيدة لما ماتت رآها رجل في المنام فقال لها: (ما فعل الله بك؟ فقالت: كدت أهلك، ولكن الله رحمني بركعتين كنت أصليهما قبل الفجر) ركعتان كانت تصليهما، كانت سبباً في إنقاذها من الهلاك.
أما الأعمال الأخرى وهي أعمال كثيرة، والإحسان إلى الناس و.. و.. إلخ، فربما لم يكن لها من المنـزلة ما لهاتين الركعتين، ولذلك يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: (اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحاً، وإذا ما هممت بالنطق بالباطل فاجعل مكانه تسبيحاً) فربما تعمل عملاً يسيراً يكون سبباً في نجاحك، والعكس بالعكس، ربما يعمل الإنسان عملاً عظيماً، ثم يتوب منه، فيكون سبباً في نجاته؛ لأنه كلما تذكر هذا العمل زاد من أعماله الصالحة.
وربما يعمل عملاً سيئاً يسيراً ويستهين به، فيكون سبباً في هلاكه، فلا يعلم ما عند الله إلا الله، إنما نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء، هذا المعلم الأول.
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يرتل على أصحابه صباحاً ومساءً أحاديث حسن الخلق، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بأحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويُؤلفون}.
وهكذا يأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بحسن الخلق، ويبين لهم أن العبد يبلغ بحسن الخلق كما في حديث أبي الدرداء، وهو عند الترمذي بسند صحيح {يبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم} درجة الصائم الذي لا يفطر ودرجة القائم الذي لا يفتر.
فحسن الخلق ذو مكان عظيم في الإسلام، فبشاشة الوجه وطلاقته، ولين الكلام، ولين الجانب، هي من الأشياء التي تحببك إلى الناس، وتقربك إلى الله عز وجل، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حصر المهمة التي بعث بها في حسن الخلق، فقال: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } .
وفي لفظ {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق} والحديث رواه مالك في الموطأ، وابن سعد والبيهقي في الشعب، وغيرهم وهو حديث صحيح.
فالأخلاق على جانب كبير من الأهمية، في تحبيبك إلى الناس، وتحبيبك قبل ذلك إلى الله عز وجل، فالله يحب الإنسان اللطيف الوديع الهادي الخلوق البشوش، وهذه كلها صدقات منك على الناس، ليست الصدقة أن تخرج من جيبك مالاً، وتعطي الفقير وأنت مكفهر في وجهه عابس، كلا، بل هذا من الصدقة -المال من الصدقة- ومن الصدقة أن تلقى أخاك بوجه طلق، وتتبسم في وجهه، وتهش وتبش له، وتحسن إليه فهذا حسن الخلق.
لهذه الذبيحة وأنت تذبحها.
فمثلاً: لا تحد الشفرة أمام الذبيحة، ولا تؤذيها، بل اجعل السكين حادة حتى تزهق روحها بسرعة، ولا تذبح واحدة أمام الأخرى، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم، وكل سبب من أسباب الإحسان إلى الذبيحة مطلوب، وهذه الذبيحة بعد خمس دقائق سوف تكون انتهت، وهي حيوان لن يلقاك يوماً من الأيام، ويحقد عليك أو يسألك لماذا ذبحته بهذه الطريقة أو تلك؟! ومهما آذيته فهو سوف تزهق روحه بعد دقائق، ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك بأن تحد شفرتك، وتريح ذبيحتك.
وخذ مثلا آخر: رجل مستحق للقتل؛ إما لأنه قتل نفساً بغير حق، أو لغير ذلك من الأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمر من يقتله بأن يحسن القتلة -يعني طريقة القتل- وإذا كان الإسلام يأمرك بأن تحسن إلى الذبيحة، وتحسن إلى القتيل، فما بالك بغير ذلك؟ ما بالك بالإحسان إلى غيره من سائر الناس؟
بل أعجب من ذلك وأعجب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه بتلك القصص العجيبة، التي تهز النفوس يوماً من الأيام، يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة :{إن امرأة من بني إسرائيل أصابها العطش، فذهبت حتى وجدت بئراً فنـزلت فشربت، ثم صعدت فوجدت كلباً يلهث الثرى من شدة العطش، فقالت هذه المرأة: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني} ولذلك الإنسان إذا بلغه الجوع والعطش تذكر المحتاجين، والشاعر من قبل كان يقول:
لعمري لقدماً عضني الجوع عضةً فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا |
والله عز وجل أرشدنا وأمرنا بالصيام، حتى نتذكر الفقراء والمحتاجين، هذا من أسرار الصيام فنحسن إليهم.
المهم أن هذه المرأة قالت: {لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنـزعت خفها ونـزلت إلى البئر ثم ملأت الخف بالماء وعضته بفمها وتمسكت بيدها وصعدت البئر، ثم سقت الكلب} وكانت بغية زانية، تتاجر بعرضها، فلما حصل منها هذا العمل الذي هو في نظرنا بسيط، {شكر الله لها، فغفر لها}ولعل الله تاب عليها، فأقلعت عما كانت عليه.
انظر كيف تكون قيمة الإحسان، الإحسان إلى كلب، فما بالك بالإحسان إلى مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، كيف يكون قدره عند الله عز وجل؟.
وفي مقابل ذلك أخبرنا صلى الله عليه وسلم، عن المرأة الإسرائيلية الأخرى، التي ذكر لما كان يصلي الكسوف، والحديث في الصحيحين، أنه كسفت الشمس، فصلى صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وأطال الصلاة، فتقدم أثناء الصلاة، ثم تكعكع وتراجع إلى الوراء، فلما سلم قال له أصحابه: يا رسول الله! رأيناك تقدمت ثم رأيناك تكعكعت -يعني تراجعت إلى الوراء- فقال عليه الصلاة والسلام:{أما حين رأيتموني تقدمت فإني رأيت الجنة في عرض هذا الجدار فهممت أن آخذ منها قطفاً من عنب، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ثم عرضت لي النار حتى قلت: يا رب! وأنا فيهم؟ -يعني خشي أن تأكل النار المدينة في ذلك العصر- فقال: يا رب! كيف تعذبهم وأنا فيهم} ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أنه رأى فيها ورأى فيها، ورأى فيها صاحب المحجن، وهو رجل يسرق الحجيج بمحجنه، وذلك أن معه عصا في نهايتها محجن، فيضعه في متاع الحاج، ثم يجره فإذا فطن الحجاج له، قال: أنا ما علمت، إنما تعلق هذا بمحجني، وإذا لم يفطنوا له سرقه، فيقول: {رأيته متكئاً على محجنه} ورأى عمرو بن لحي الذي سيب السوائب، وجلب الأصنام إلى جزيرة العرب، رآه يجر قصبه -والعياذ بالله يجر أمعائه في نار جهنم- وهو أول من سيب السوائب، قال: {ورأيت امرأة تخمشها هرة، حبستها هذه المرأة، لا هي أطعمتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض} فماتت فدخلت فيها النار.
إذاً يا مسلمون! الإحسان إلى القطط والكلاب والحيوانات، هذا له مكانه عند الله عز وجل، فما بالك بالإحسان إلى المسلمين؟ ما بالك بالإحسان إلى أصحاب لا إله إلا الله محمد رسول الله؟
ما بالك بالإحسان إلى المترددين على المساجد، والمحافظين عليها؟! لا شك أن له عند الله فضل عظيم.
هذه سبع خصال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أصحابه وهي من الأمور التي توجب المودة والألفة بين المسلمين.
فرد السلام جاء في حديث عند محمد بن نصر المروزي، في تعظيم قدر الصلاة وغيره، أن من سلم على إنسان ولم يرد عليه رد عليه الملك، ولعن هذا الذي لم يرد السلام، إذا تعمد ترك السلام.
ولا شك أن رد السلام واجب، وكذلك تشميت العاطس، إذا حمد الله أن تقول له: يرحمكم الله، وكذلك أجابه الداعي إذا دعاك إلى وليمة عرس، وليس في هذه الوليمة معصية، ولا غناء محرم، ولا اختلاط، ولا تصوير، ولا غير ذلك من المنكرات، فيجب إجابته وتطييب خاطره بذلك، كذلك نصرة المظلوم، ويكون نصره بالقول وبالفعل.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري عند ابن ماجة {لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع} لما ذهب المسلمون إلى الحبشة، ذكرت أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قصة غريبة قالت: يا رسول الله! رأيت امرأةً عجوزاً تحمل على ظهرها قربة من الماء تسقي، فمرت بشاب -شاب من هؤلاء الشباب المراهقين، الذين يتسكعون في الشوارع، ويؤذون الخلق- فلما رآها هذا الشاب وهي عجوز مسنة تعرض لها، ثم دفعها، فسقطت، فسقطت قربتها، فماذا صنعت هذه المرأة؟ لم تستطع أن تشكي إلى أحد، ولكنها قامت وقالت لهذا الشاب: ستعلم يا غُدر -يعني يا غادر- إذا نـزل الله لفصل القضاء كيف يكون جزاؤك! فتعجبت أم سلمة مما رأت، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:{صدقت، صدقت، لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه}والأمة إذا ما كان فيها من يأخذ فيها حق المظلوم، وينصره بالقول وبالفعل، فهي إلى هلاك وفناء وزوال، فالظلم سبب خراب الأمم وديارها، وضلالها وضياعها.
وكذلك زيارة المريض وعيادته وما فيها من تسليه، ومن ترويح، ومن إزالة الهم عن قلبه، وتطييب خاطره، بل ورد في الحديث الصحيح {أن من زار مريضاً لم يحضر أجله ثم قال: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا شفاه الله عز وجل} فتزور أخاك المسلم وتجلس عنده خمس دقائق تكون {في خَرْفَةِ الجنة حتى ترجع} كما في الصحيحين، أي خير أعظم من هذا؟ عمل قليل وخير كثير.
وكذلك اتباع الجنائز، علاقتك بأخيك المسلم لا تنته بموته، بل حتى في الآخرة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] فلذلك حتى بعد موته يشرع أن تشيعه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه {ومن تبع جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قالوا يا رسول الله وما القيراط؟ أو وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين} وفي لفظ عند مسلم {أصغرهما مثل أحد} فمثل هذه الحقوق تؤديها لإخوانك المسلمين.
وفي حديث آخر حديث أبي هريرة في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه}.
الجزاء من جنس العمل، تنفس عن المؤمن كربة في الدنيا، يجازيك الله بجنس عملك، فينفس عنك كربة، لكن ليست من كرب الدنيا فقط، بل حتى من كرب يوم القيامة، وهي أهوال عظام وشدائد جسام، لا يعلمها إلا من عاشها.
تعين المسلم وتيسر عليه، ييسر الله عليك في الدنيا والآخرة، ألست تعلم أيها المسلم، أنه سيمر بك عسر في الدنيا؟ الصحيح قد يمرض، والغني قد يفتقر، والكبير قد يزول قدره ومكانه، فالدنيا لا بقاء لها ولا دوام، ولنفترض أنك بقيت صحيحاً قوياً غنياً ثرياً متمكناً إلى الموت، أليس الموت أعظم كربة في الدنيا، فإذا أردت الله عز وجل يكون معك في تلك الكربة، يثبتك بالقول الثابت ويرحمك، فأحسن إلى إخوانك المسلمين، ابحث عن الكربات ونفِّسّها، يسر عن المعسرين، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.
فإذا وجدت إنساناً وقع في خطأ فاستر عليه، إلا أن يكون هذا الإنسان مجرماً محترفاً، كما نجد في كثير من المجتمعات، بعض الناس الذين يسعون في الأرض فساداً، كمروجي المخدرات، مروجي الأفلام الخليعة -مثلاً- دعاة الجرائم، يبيعون الخمور للناس، يسعون بين الناس بأسباب الفساد، ويحاولون نشر هذه الأشياء، ومثلهم السحرة والمشعوذين، فمثل هؤلاء يجب على كل إنسان أن يسعى في فضحهم بكل وسيلة، هذه الوسيلة الثالثة لكسب مودة الناس: أداء حقوقهم.
فالإسلام ما نـزل لطبقة خاصة من الناس، الإسلام نـزل للناس كلهم، فلذلك قال: {أرأيت يا رسول الله إن ضعفت عن بعض العمل -ما أستطيع أن أعمل- قال النبي صلى الله عليه وسلم: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك} والحديث رواه البخاري ومسلم.
وأبو سعيد أيضاً يقول: {جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أفضل الناس؟ قال: رجل مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله} ولا شك أنه أفضل الناس الذي يضحي بماله ونفسه، قال: ثم ماذا؟ قال: {رجل معتزل في شعب من الشعاب، يعبد ربه ويدع الناس من شره} هذا إنسان فيه شر إذا اختلط بالناس يسيء إليهم، يسيء إليهم بالقول والفعل ويعتدي عليهم، فيقال له يا أخي: الأفضل أن تعتزل، لأنك تؤذي الناس، بقولك وفعلك (يعتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره) وفي لفظ {ليس من الناس إلا في خير} أي الناس كلهم لا يعرفونه إلا في خير، ولابد إذاً من الكف عن أذى الناس.
إلا الخير، لكن يكون بالنسبة لبعض الناس غير موفق، ربما تجتهد مع إنسان وتحسن إليه فيما تظن، لكن ما وقع هذا الإحسان في موقع الإحسان، على سبيل المثال قد تقدم له أمراً، فيفسر هذا الشيء تفسيراً غير صحيح ويحمله في نفسه، فالناس مختلفون في طباعهم وعاداتهم وأمورهم، فكل إنسان يصدر منه أذى إلى غيره، وكذلك يصدر من غيره الأذى إليه.
فكذلك لابد من الصبر على الأذى وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17] ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الترمذي وأحمد وغيرهما وهو حديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم} كأن المعنى إذا خالطت الناس، لابد أن تلقى منهم أذى، -أذى كثير- من ألوان الأذى: الأذى الدنيوي، حينما نكون جيراناً ويصبح بين أولادي وأولادك شيئاً من الشجار، الذي يحدث عادة بين الصبيان، هذا قد يتطور إلى مشكلة عندنا، لكن حين يكون عندنا إيمان ومعرفة بحقوق الإخوان والجيران، نصبر ونتحمل هذا الشيء، ونعرف أنه قد يكون عند الجار مثل ما عندك وأشد، وكذلك حينما نكون شركاء في الأرض في تجارة في شيء يحصل بيننا مثل ذلك، وكذلك الإخوان في البيت الواحد يحصل بينهم شجار.
فلابد من التحمل والصبر {المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم}.
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها وسيق إليَّ عذبها وعذابها |
يقول الإمام الشافعي لقد جربت الدنيا يا إمام! أخبرنا ما هي؟ قال:-
فما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها |
فإن تجنبتها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها |
ولذلك تجدون معظم المشاكل بين الناس، بسبب الخصومات الدنيوية؛ فإذا استطاع الإنسان منا ألا يتعلق بالدنيا تعلقا كبيراً، فليفعل، نحن لا نقول دع الدنيا وراءك، الإنسان لابد له من شيء من الدنيا، لكن لا يتعلق بها، لا تكون الدنيا كل همه؛ لأن الإنسان إذا صارت الدنيا كل همه، فربما يكون فقره بين عينيه، ولا يأتيه من الدنيا بكل حال إلا ما كتب له، فلابد من التقلل من الدنيا وخاصة إذا كان الإنسان يريد الإصلاح في أوساط الناس، أن يعرفه الناس بأنه رجل متخلٍ عن الدنيا ليس له فيها همة ولا طمع.
النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان شأنه مع الدنيا؟ اسمع هذه القصة العجيبة، وهي في صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام صلى بأصحابه، صلاة العصر، فلما سلم قام مباشرة وذهب مسرعاً إلى بيته، فتعجب الناس، العادة أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا صلى استغفر وسبح والتفت على أصحابه وذكر الله، ثم جلس بينهم، وتحدث معهم وذكّرهم، هذه المرة لما سلم على اليسرى قام مسرعاً إلى بيته، فلما جاء استقبله أصحابه، خيراً يا رسول الله، قال: {ذكرت شيئاً من تبر كان عندي، فأحببت أن أوزعه بين الفقراء والمحتاجين} (ذكرت شيئاً من تبر) أي: من ذهب، ما أحب صلى الله عليه وسلم أن يجلس حتى ينتهي من التسبيح، ثم يذهب ليفرق هذا المال، بل ذهب بسرعة وأخرجه وأعطاه لغلام عنده ليوزعه على الفقراء.
هذا أنموذج من قوله صلى الله عليه وسلم {أنتم شهداء الله في أرضه} الناس يدخلون أفواجاً على عمر كل واحد يدخل، يا أمير المؤمنين جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فعلت وفعلت وفعلت، حتى يدخل عليه ابن عباس ويثني عليه خيراً [[هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي وهو عنك راض، ثم كنت وزير صدق لـ
يأتي علي بن أبي طالب فيشهد له، يأتي غلام من الأنصار شاب، فيثني على عمر خيراً.
فلما ولى هذا الشاب وجد عمر ثوبه طويل، فقال: [[ردوا عليَّ الفتى -فلما ردوه عليه- قال: يا ابن أخي ارفع إزارك، فإنه أبقى وأتقى وأنقى]] يلقي الحكمة حتى وهو في الموت، اتقى الله عز وجل، وانقى للثوب، وأبقى له، أي يبقي مدة أطول، مما إذا كان نازلاً يصيب الأرض.
عالم المسلمين كله فجع بمقتل عمر، بل إلى اليوم كل مسلم إذا قرأ قصة مقتل عمر رضى الله عنه بكى وحزن وتأثر، وبعد عمر رضى الله عنه نجد مثل ذلك في كثير من الناس.
الإمام أحمد لما مات حضر جنازته مئات الألوف، حتى إنهم قدروا بما يزيد عن مليون، الذين حضروا جنازته في بغداد، وصار زحام شديد حتى إن بعض الناس مات من شدة الزحام، وكان في وقت حياته يقول لأعدائه وخصومه قولوا لهم: [[الموعد بيننا وبينكم الجنائز] فمن خصوم الإمام أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي، لما مات ما حضر جنازته إلا ثلاثة فقط.
الإمام أحمد لما مات حضر جنازته مئات الألوف، الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية لما مات رحمه الله، حضر جنازته كذلك أعداد هائلة من الناس، وخرجت النساء تنظر في الأسطح، وفتحت الأبواب ليتوضأ الناس في كل مكان، وازدحمت الشوارع والأزقة والطرقات والمقابر، وظل الناس أفواجاً بعد أفواج يترددون على المقبرة أياماً {أنتم شهداء الله في أرضه} ولا زلنا نجد إلى اليوم، أن العلماء الصادقين، يحبهم الناس ويُلهمون مودتهم ما هذا؟ كل المسلمين تجتمع قلوبهم على العلماء الأجلاء، الذين عرف عنهم العلم والعمل والصدق والإخلاص.
أو كان داعياً إلى الشهوات كمروجي المخدرات كما أسلفت، أو مروجي الفواحش، أو مروجي الأفلام السيئة، أو الدعاة إلى أبواب جهنم أياً كان، فمثل هؤلاء غيبتهم مشروعة، ويجب الكلام فيهم وفضحهم أمام الناس، حتى يحذر الناس من شرهم، ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان جالساً، وعنده أبو ذر فمر رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر: {ما رأيك في هذا؟ قال يا رسول الله: هذا رجل من أشراف الناس، هذا رجل حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، ثم مضى رجل آخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ قال يا رسول الله: هذا رجل من ضعفاء الناس، هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع لا يشفع، وإن قال لا يسمع لقوله، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا -يعني الأخير الضعيف- خير من ملء الأرض مثل هذا}.
الموازين عند الله تختلف عن الموازين عندنا، قد يكون إنسان له عندنا قدر كبير، وهو لا يزن عند الله جناح بعوضة، {يؤتي بالرجل السمين العظيم يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة} ويؤتي بالرجل الضعيف كـعبد الله بن مسعود، وله في يوم القيامة من الثقل، ما ليس للجبال، ساقاه أثقل من جبل أحد في الميزان.
الموازين عند الله تختلف عن الموازين عندنا، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي أثنى الناس عليه شراً قال: { وجبت} ولم يعاتب أصحابه على أنهم وقعوا فيه، وقالوا فيه: بئس الرجل فيه كذا، وفيه كذا، وفيه كذا.
فإذا كان الإنسان فاسقاً معلناً فسقه، فليس له قيمة ولا كرامة، وقد ورد في ذلك أحاديث لكنها لا تصح، مثل: {من خلع جلباب الحياء لا غيبة له} ومثل حديث { أيها الإخوان: ينبغي أن نحرص على ثناء الناس بالأعمال الصالحة، وخاصة أهل الخير والصلاح والاستقامة؛ فإنهم شهود الله في أرضه: {وما من مؤمن يشهد له أربعة من الصالحين بخير إلا أدخله الله الجنة، وقال: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون}. أسأل الله لي ولكم الصلاح والتوفيق في عاجل أمرنا وآخره، وخير أيامنا يوم نلقاه،وآخر كلامنا في الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم ويتوب عليكم إنه هو الغفور الرحيم.
الجواب: الشهادة المذكورة في الحديث، بل وفي القرآن الكريم وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143] ليس سببها العلم الذي يحصل بشهادة هذا الشاهد، كلا! فالله عز وجل هو مقدر الأشياء قبل أن تقع، فهو العليم بها قبل وقوعها وبعد وقوعها، والله عز وجل لا يُنْبّأ بشيء لا يعلمه في السموات ولا في والأرض ولا يخفى عليه خافية سبحانه، وإنما المقصود بالشهادة الإشارة إلى أن المؤمن هو من امتلأت أذنه من ثناء الناس عليه في الدنيا قبل الآخرة، وأن المنافق أو الفاسق هو من امتلأت أذنه من ذم الناس له في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن الإسلام دين العمل الاجتماعي، يأمر بالإحسان وحسن الخلق والجود والكرم وبصلة الرحم، وببر الوالدين وبالصدقة، فلذلك إذا حقق الإنسان الإسلام حصل له ثناء الناس، فكان هذا علامة على أنه من أهل الجنة، ولذلك في اللفظ الآخر، في الحديث عند الحاكم وابن حبان وغيرهما، أنه إذا قال أربعة من الناس عن هذا الرجل أنه رجل صالح، فيه كذا وكذا وكذا، قال الله عز وجل: {قد قبلت شهادتكم فيه، وغفرت له ما لا تعملون} أي: هم يحكمون بحسب الظاهر لهم من شأن هذا الإنسان، وإلا فليس المعنى أن الله عز وجل يحتاج إلى شهادة هؤلاء الشهود، كما أن الشهادة على الفاسق من كمال عدل الله عز وجل، ولذلك يوم القيامة، يأتي أناس يشهدون على هذا الفاسق، فيقول: يا ربي أنا ما أقبل شهيداً إلا من نفسي، حتى الملائكة لا يقبل شهادتكم، فيختم الله تعالى على فيه، وينطق جوارحه، فيتكلم لسانه ويده وقدمه وفرجه بما كان يعمل في الدنيا.
فذلك قول الله عز وجل: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65] فإذا شهدت ونطقت خلي بينه وبين الكلام، فيقول هذا الكافر لأعضائه: سحقاً لكُنَ وبعداً، فعنكن كنت أجادل وأناضل، فهذا من كمال عدله جل وعلا.
الجواب: الحقيقة السائل أخطأ أنا ما قلت ذلك، إنما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكرت لكم ما قال رسول الله والحديث متفق عليه، حديث عتبان بن مالك {إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله}؛ ولأن المحاضرة ليس مجالها مجال الكلام عن الشهادتين -بل سوف نتكلم عن هذا إن شاء الله في محاضرة في الليلة بعد القابلة، كما قد يعلن عنها فإنني لم أتعرض للكلام عن موضوع الشهادة وشروطها- وإلا فمن المعلوم أن الشهادة لا تكفي أن يقولها الإنسان بلسانه؛ فإنه أولاً لابد مع شهادة أن لا إله إلا الله من شهادة أن محمداً رسول الله، ولابد من معرفة معناهما، ولابد من العمل بمقتضاهما، وقد ذكر العلماء أن لشهادة أن لا إله إلا الله سبعة شروط:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها |
هذه سبعة شروط لشهادة لا إله إلا الله فلابد من العلم بمعناها واليقين والإخلاص والصدق والمحبة والانقياد والقبول، وعلى كل حال، لا إله إلا الله تترجمها أعمال الإنسان، أما من يقول لا إله إلا الله بلسانه، ويعبد غير الله، أو لا يعبد الله، فهذا لا تنفعه لا إله إلا الله، وكل إنسان يبتغي وجه الله بهذه الكلمة ويقولها من قلبه؛ فإنه لا بد أن يعمل بمقتضاها، أضعف مقتضيات لا إله إلا الله -يعني أضعف الإيمان- أن الإنسان مع نطقه بهاتين الشهادتين ومعرفته بمعناها، أن لا يرتكب مكفر من مكفرات الإسلام، أو ناقضاً من النواقض، لا يسخر بالإسلام مثلاً لا يسخر بالسنة، لا ينكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، وأن يقيم الصلاة؛ فإنه لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
الجواب: الحكم على الناس يا أحباب له أنواع: هناك حكم على الفرد، وهناك حكم على النوع، أما الحكم على الفرد: فهو أن تحكم على فلان بن فلان، بأنه في النار، أو بأنه كافر، وهذا من أخطر الأمور وأعظمها عند الله عز وجل، فأحذر نفسي وأحذركم، ثم أحذركم من الحكم على فرد معين مهما بلغ، الله عز وجل ما جعلك وكيلاً على عباده، تكفر فلان وتضلل فلان، وتدخل فلان الجنة، وتدخل فلان النار، لا تحكم لمعين بالجنة ولا بالنار، إلا من حكم له الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما الحكم على الطائفة: أو على النوع: كأن تقول مثلاً، أكلة الربا في النار، الفساق في النار، العصاة في النار، العاق لوالديه في النار، الذي يتعاطى الغِناء والطرب واللهو في النار، دون أن نخص أحداً بعينه، فهذا لفظٌ عام، ولذلك جاء لعن هؤلاء، فيمكن أن نقول: لعن الله الفساق، لعن الله الزناة، لعن الله المرابين، لعن الله الظالمين الذين يظلمون الناس، لعن الله الذين يشهدون شهادة الزور، لكن لا تدعو على شخص بعينه؛ لأن هذا الإنسان قد يوجد فيه ما يجعله من أهل النار، وفي المقابل يكون هناك أشياء لا تعلمها أنت سببت أن الله غفر له، إما عنده أعمال صالحة، أو أنه أصابته مصائب دنيوية كفر الله بها عنه من خطاياه، أو أنه كثير الاستغفار، أو أنه يدخل في شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو شفاعة بعض الشافعين، أو في رحمة أرحم الراحمين، فلا تحكم لفرد معين مهما كان الأمر، أما الكافر الذي تعلم أنه مات على الكفر، هذا نحكم بأنه كافر، وقد جاء في بعض الأحاديث والآثار {حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار}.
الجواب: إذا رأينا شخصاً يقيم شعائر الإسلام فهو مسلم، ونحن إنما نأخذ الناس بظواهرهم ونكل سرائرهم لله عز وجل، وهذه قضية معروفة معلومة، والإنسان لا يطالب بالكشف عن سرائر الناس ولا بالتحري عنهم، إنما يأخذ بما ظهر له، فإذا عرفنا أن هذا الإنسان يتردد على المسجد، ويقيم الشعائر فهو مسلم وهو مؤمن أيضاً، باعتبار أنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، ولا يطالب الإنسان إلا بما ظهر منه.
الجواب: تارك الصلاة بالكلية الذي لا يصلي مع الجماعة، ولا في بيته كافر بالله العظيم، على أصح قولي العلماء، وهذا إجماع من الصحابة رضي الله عنهم ففي سنن الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن شقيقرضي الله عنه قال:{لم يكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة}وعند الحاكممن حديث أبي هريرةوعند المروزيمن حديث جابرأيضاً نحو ذلك، فإجماع الصحابة قائمٌ على أن تارك الصلاة كافر، وكيف لا يكون كافراً، وقد نطق الرسول صلى الله عليه وسلم بكفره؟! أي كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كافر، ونحن ما نتجرأ أن نقول بأنه كافر.
في صحيح مسلمعن جابر{بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة} وفي الحديث الآخر في السنن عن بريدةرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} ولذلك الله عز وجل قال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم:31] وسيأتي إن شاء الله مزيد حديث عن هذه المسألة في المحاضرة التي ذكرت.
الجواب: الصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بأحد من الصالحين إلى الله عز وجل، فلا يجوز أن تقول مثلاً: اللهم إني أسألك بنبيك صلى الله عليه وسلم، أو اللهم إني أسألك بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم، أو اللهم إني أسألك بفلان، أن تغفر أو ما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، ولذلك لما احتبس المطر عن المسلمين في عهد عمررضي الله عنه وأرضاه، وخرجوا إلى المصلى يستسقون، قال عمر [[اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بـ
ولذلك عمررضي الله عنه ما استسقى بالنبي صلى الله عيه وسلم، ما استسقى به بعد موته، أما في حياته فكانوا يتوسلون به، بمعنى أنهم كانوا يطلبون منه الدعاء، فيقولون: استغفر لنا يا رسول الله! ولذلك لا بأس أن تأتي إلى رجل صالح، فتقول له: استغفر لي لا بأس بذلك.
أما أن تتوسل به حياً أو ميتاً إلى الله عز وجل، فهذا لا يجوز كما يقع عند كثير من الناس: يا رب بجاه المصطفى، وبعضهم يقولون في القصائد:
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم< |
وهذا كله لا يجوز.
أحمد بن حنبل
أنه أجاز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وما حكم الذي يدعو لهذا الأمر؟ الجواب: أما الحلف بغير الله ففي الصحيحمن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك} وقال صلى الله عليه وسلم: {أحمد
أنه أجاز الحلف بغير الله عز وجل، ولا عن غيره من العلماء المعتبرين، فإن الحلف بغير الله شأنه ما سبق، فلا يجوز الحلف بغير الله أو بغير أسمائه أو صفاته، وإنما يجوز لك أن تحلف بالله أو بأسمائه أو صفاته.الجواب: هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من كلام بعض الناس، وليس على إطلاقه ففيه حق وباطل، وإطلاق هذا التنقص على النساء مجملاً هو من عادات الجاهلية، الذين يزدرون المرأة وينسبون إليها كل عيب وكل نقص.
فإن قوله في هذه الكلمة: (إنهن يحلفن وهن الكاذبات) ليس على إطلاقه، بل من النساء من لا تحلف، أو لا تحلف إلا وهي صادقة، وعكس ذلك من الرجال، من يحلف بالله وهو كاذب، ومن النساء مريم، وآسيةامرأة فرعون، وخديجةوعائشةوأسماء وفلانة وفلانة من أمهات المؤمنين، ومن سيدات نساء أهل الجنة، ومن الفاضلات، بل قد ذكر صلى الله عليه وسلم: {أنه كمل من النساء أربع:
وكذلك قوله: (يتظلمن وهن الظالمات) ففي كثير من البيئات المرأة مظلومة، قد يظلمها زوجها، وقد يظلمها أبوها، فيعضلها ويمنعها من الزواج، أو يأخذ مهرها بغير حق، وقد يظلمها حتى ابنها أحياناً، فليس على الإطلاق أنهن الظالمات، بل هن مظلومات أكثر منهن ظالمات، وهذا من أسباب ضعف المرأة، فإن الضعيف يتعرض للظلم أكثر من القوي، فلأن الرجل قوي يصدر منه الظلم أكثر.
وأما (أنهن يتمنعن وهن الراغبات) فهذا ليس أيضاً على إطلاقه، وقد يكون الرجل أحياناً أقوى شهوة وأكثر غريزة من المرأة، ولذلك تجد الرجل يتزوج بأربع، وهذا أيضاً دليلاً قطعياً على أن الرجل أقوى غريزة من المرأة، فالعلماء تكلموا في هذه المسألة، ولم يصلوا إلى نهاية، وهذه قد تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، ومن امرأة إلى أخرى، أو من رجل إلى آخر، فهذا الكلام ليس على إطلاقه.
الجواب: نعم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال كما في الصحيح: {إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ -والحمو هو قريب الزوج كأخيه وابن عمه ونحو ذلك- فقال صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت} أي الحمو أخطر من الأجنبي.
وهذا ملموس في الواقع، فإن أخاك يدخل في البيت باستمرار، ويرى المرأة ويعرفها، ويسهل وجود علاقة بينهما أو إعجاب، وكثيراً ما نقرأ في القصص والأسئلة التي تقدم للعلماء والمشايخ وغيرها، والمشاكل التي تعرض أنه يوجد علاقة خفية بين الزوجة وبين أخ زوجها.
هذا كثير ما يقع، ولذلك على الإنسان يا إخوة ألا ينخدع، ولا يتساهل، بعض الناس يقول هذا من سوء الظن، لا،هذا ليس من سوء الظن، لكن هذا مراعاة ومعرفة بطبيعة الإنسان.
الإنسان بشر ضعيف لا يتمالك، بطبيعته ضعيف، ولذلك في الحديث الصحيح في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خرج يوماً فرأى امرأة في السوق فدخل إلى زوجته
فالإنسان هذا طبعه، فيه ميل إلى النساء، وبطبيعة الإنسان أيضاً، أحياناً الشيء الذي يمنع منه يميل إليه، فقد يدفعه الشيطان إلى شدة ملاحظة المرأة، التي تكون أجنبية عنه، وتحرم عليه وتتحجب منه، أكثر مما يدفعه إلى النظر إلى زوجته التي تحل له.
يحدثني بعض الشباب أنهم كانوا في ماضي أيامهم الغابرة، ابتلوا بمشاهدة الأفلام المحرمة السيئة فيقول: إذا كان هناك مشهد مكشوف مفضوح فإنه لا يلتفت إليه ولا يهتم به، لكن إذا كانت المرأة متسترة بعض التستر، تكون الدوافع للنظر إليها أكثر، فالإنسان إذا منع من شيء يكون الدافع إليه أقوى، فلا ينبغي للإنسان أن يتساهل مثلاً في حجب زوجته عن إخوانه، وبني عمه وأصدقائه وأقاربه وجيرانه، بل ينبغي أن ينتبه إليهم أكثر مما ينتبه إلى غيرهم.
الجواب: أما محبته فأحبه الله الذي أحبني فيه، والحب بين المؤمنين من أفضل الأعمال، ومن أسباب محبة الله تعالى للعبد، وفي الحديث الذي رواه مالكفي الموطأبسند صحيح، عن أبي إدريس الخولانيضي الله عنه قال: [[دخلت مسجد دمشقإذا فيه فتى براق الثنايا، وإذا الناس حوله، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه فيه، قال فلما كان من الغد هَجّرت -يعني بكرت- فوجدته قد سبقني في التهجير ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته فأتيته من قبل وجهه، فقلت له إني أحبك في الله، قال: آلله، قلت: آلله؟ قال:آلله؟ قلت: آلله، قال: آلله؟ قلت: آلله أي يستحلفه بالله ثلاثاً إنه صادق قال: نعم. قال: فأخذ بحبوة ردائي فجذبني إليه، وقال لي: أبشر أبشر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى: {وجبت محبتي للمتحابين فيّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ، ووجبت محبتي للمتباذلين فيّ}]]الحب في الله والمجالسة في الله، والتزاور في الله، والتباذل والتعاطي في الله، كل هذا مما يسبب محبة الله تبارك تعالى للعبد، وإذا أحب الله عبداً فهو من أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] إذا أحبك الله فنم، فالمخاوف كلهن أمان، فينبغي أن نحرص أن نتحاب في الله تبارك وتعالى، ونتعاطى الحب في الله، والكلام الطيب والتزاور في الله، والتآخي في الله، والتناصح في الله، حتى يحبنا الله عز وجل.
أما طلب الأخ أن أزوره أو أزوركم كل شهر، أو كل نصف شهر، فهذا متعذر لأن الإنسان بحكم ارتباطه ما بين ارتباطات بالعمل، إلى بعض الأعمال والدروس وغيرها، إلى بعد المسافة، كل هذا يحول دون ذلك، لكن لعلها أن تتحقق ولو زيارة حولية، من الحول إلى الحول، حتى لا ينسى بعضنا بعضاً، وأفيدكم أيها الإخوة: بأن حضور مثلكم في مثل هذا الاجتماع، وتشجيعكم ودعوتكم غيركم، مما يشجع على الزيارة، فإن الإنسان إذا جاء ووجد القبول ووجد الإقبال، ووجد الرغبة فإن هذا يدعوه إلى أن يكرر الزيارة، فجزاكم الله خيراً على جلوسكم وزيارتكم لهذا المكان، وجعلنا وإياكم من المتجالسين فيه، والمتزاورين فيه.
وأما السؤال عن الذهب، فإن الأخ يبيع بالذهب كما هو ظاهر السؤال، فالذهب حينئذ يعتبر من عروض التجارة، فإذا حال الحول على المبلغ المالي عند الإنسان، زكّاه، وكل مبلغ حال عليه الحول عنده أخرج زكاته.
الجواب: هذا نستغفر الله تعالى له، ونرجو الله له الجنة والمغفرة، بسبب أنه بذل مهجته في سبيل الله عز وجل، وجاد بنفسه وقد قيل:
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود > |
أما عصيانه لوالديه فإن الله عز وجل جعل حق الوالدين كبيراً، وأمر بطاعتهما حتى وهما مشركان، فقال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] ولكن لعل الله أن يغفر له فإن الله واسع المغفرة، وينبغي لأخيه ولغيره ممن يعرفه ولأصدقائه أن يكثروا له الاستغفار والدعاء.
الجواب: سؤال جيد، أما بالنسبة لليدين أصح ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه يضع اليد اليمنى فوق اليسرى فوق الصدر، هذا هو أصح الأوضاع، وهناك قول آخر: أنها توضع فوق السرة، وقول ثالث: أنها توضع تحت السرة، وبعض المتأخرين يقولون: ترسل إرسالاً، لكن أصح ما ورد: هو أن توضع اليمنى فوق اليسرى فوق الصدر، والأمر في ذلك واسع، فما ينبغي أن نجعل قضية وضع اليمنى فوق اليسرى فوق الصدر قضية كبيرة، ونجعلها هي الفيصل بيننا وبين الناس؛ لأننا إذا أحدثنا بيننا خصومة من أجل هذه القضية، قد لا يتقبل منا أشياء أعظم من ذلك.
لكن بالمقابل على الآخرين أن يتعلموا السنة، ألا ينكروا ما لا يعلمون، فإن علماءنا -مثلاً- كالشيخ عبد العزيز بن بازوالشيخ محمد بن العثيمينوالشيخ عبد الله بن حميدرحمه الله، والشيخ الألبانيوغيرهم، من جهابذة العلماء في هذا العصر، كلهم يقولون: بأن اليد توضع اليمنى فوق اليسرى فوق الصدر، فلا ينبغي لأحد أن يستنكر هذا الأمر أو يستغربه.
لكن بعض الناس يرفعون أكتافهم أيضاً في الصلاة، ويطأطئون رؤوسهم فيبدو مظهرهم مظهر مثير، وهذا ينبغي أن يتجنبه الشاب، بل ينبغي أن يكون وضعه طبيعي، أكتافه في وضعها الطبيعي، ورأسه في وضعها الطبيعي، وبصره في موضع السجود، ويداه فوق صدره، وحينئذ لا يكون شكله مثيراً، ولا مدعاة للسخرية، ولا ينبغي أن نثير مشكلات في مثل هذه القضية.
أما المسألة الأخرى: وهي مسألة الثوب، فالسنة في الثوب أولاً: لا يجوز أن يكون الثوب أسفل من الكعبين، لقوله صلى الله عليه وسلم {ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار}رواه البخاريوإن جعل الإنسان ثوبه إلى نصف الساق فهذا سنة، أو دون ذلك بقليل فهذا أيضا سنة، لكن الذي أنصح به الشباب أن يجعلوا ثيابهم طبيعية الحال، بحيث تكون فوق الكعبين، ولا تكون مرتفعة ارتفاعاً يثير السخرية، ويدعو إلى استنكار الناس؛ لأننا نعلم من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك الأمر الأفضل من أجل تأليف قلوب الناس، -مثلاً- الرسول عليه الصلاة والسلام لماذا ترك هدم الكعبة؟ كان يقول لـعائشة، كما في البخاري من حديث جابر {لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة، وجعلتها على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين، باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه}لماذا لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ حتى يجلب مصلحة أعظم، وهذه المسألة سأتحدث عنها الليلة المقبلة في حديث مفصل، وسأترك إن شاء الله مجال للأسئلة والمناقشة والتعليقات من الإخوة، بحيث نصل فيها إلى نتيجة مفيدة للجميع بإذن الله تعالى.
الجواب: ينبغي على الشاب أن يبحث عن قرناء صالحين يشدون من عزيمته، ويعينونه على تجنب هذه الفتن ويقوونه، وإن كانت في البيت، بل ربما يكون بقاؤه في البيت سبب لأن ينشر الفضيلة في البيت، ويؤثر فيه بالأسلوب الحسن، لكن عليه أن يتكئ على مجموعة من الأصدقاء الطيبين الذين يساعدونه على الخير والصلاح.
الجواب: لا بأس بالأضحية عن الميت والحي، خاصة إن كان الميت قد أوصى بهذا، فيجب أن تنفذ وصيته.
الجواب: في حديث ابن عباس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: {إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر- أي لا يتنـزه كما في رواية أخرى- من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة}وهذا دليل على أن النميمة وأن عدم التنـزه والتنظف من البول من أسباب عذاب القبر، {ثم أخذ صلى الله عليه وسلم: جريدة رطبة وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا}وهذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم. ولهذا جاء في لفظ آخر أنه قد يخفف عنهما بشفاعته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر