إسلام ويب

شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السابع عشر)للشيخ : عمر سعود العيد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجنة مآل الأتقياء والنار مأوى الأشقياء، ودخول العبد الجنة هو برحمة الله والأعمال سبب في الدخول. وأول من يدخل الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم، وصفات الداخلين إلى الجنة متعددة .. وهي لا تفنى ولا تبيد، وأهلها خالدون مخلدون فيها. وإن الإيمان باليوم الآخر يوجب على العبد أن يؤمن بالقبر ونعيمه وعذابه، فإن أدلة إثباته في الكتاب والسنة كثيرة، والناس يسألون ويفتنون في قبورهم، والسؤال عام لكل الأمم ونمسك عن الاستفصال بأي لغة يسألون، ولعذاب القبر تأثير على البهائم كما ورد في الآثار، كل ذلك فصله الشيخ في هذا الدرس.

    1.   

    مصير الإنسان بين الشقاوة والسعادة

    الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    وبعد.. فقد تكلمنا عن النار نعوذ بالله من النار وأن نكون من أهلها، واليوم نختم بأن النار كما قال العلماء: سبع طبقات: جهنم، فلظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم الجحيم، ثم الهاوية، ثم سقر، قالوا: ولكل طبقة منها داخلون وسكان، ونعوذ بالله أن نكون من أهلها.

    يقول شيخ الإسلام : (والنار يصلاها الشقي) ذكرنا تعريفاً للشقي، ولعل هذا الشقي هو الذي ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فيرسل إليه ملك، فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد) وأود أن أنبه على مسألة، حتى لا يظن بأن ما دام أنه قد كتب على الإنسان أنه شقي أو كتب عليه أنه سعيد أنه لا خيار له في قضية العمل ولا غيره، وهذا مما سيجعلنا نتكلم عن مبحث القضاء والقدر تكلماً سريعاً، وإن كان المؤلف رحمه الله تعالى لم يذكره هنا.

    قال رحمه الله:

    والنار يصلاها الشقي بحكمة     وكذا التقي إلى الجنان سيدخل

    إن الله سبحانه وتعالى كتب على هذا العبد بأنه شقي، وهذا كتب عليه بأنه سعيد ليس هذا جبراً لهذا العبد على العمل، ولكن الله سبحانه وتعالى عالم بما سيعمله العبد، لأن من مراتب القضاء والقدر: العلم، وهو أن تثبت بأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، عالم بما كان في الماضي، وعالم بما هو كائن الآن، وعالم بما سيكون في المستقبل، فهذا الجليل علم ما سيفعله هذا الإنسان، فكتب عليه أهو شقي أم سعيد.

    ثم نقول للأحبة: إن الإنسان إذ يعمل العمل، ولنضرب بمثال يسير: حضور الإنسان حلقات العلم، هل يشعر الإنسان بقهر وإلزام بها؟ لا، بل ربما الأشياء التي تسعده لا يشعر الإنسان إلا بالاختيار التام الكامل، ولهذا قال بعض أهل العلم: القضاء والقدر ينقسم إلى قسمين:

    1- قسم مجبور الإنسان فيه لا خيار له فيه أبداً.

    2- قسم للإنسان فيه خيار، ويضرب بمثال للقسم الذي مجبور فيه الإنسان: طول الإنسان وقصره، هل للإنسان خيار فيه؟ لا.

    ومنه قالوا: كون الإنسان من عائلة فلان دون فلان، ليس للإنسان خيار فيه.

    منه: موطن الإنسان فكون هذا -مثلاً- يميناً وهذا عمانياً وهذا من بلد كذا؛ ليس للإنسان فيه خيار، ولو طلب من الإنسان أن يختار لتمنى أن لو كان من أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أهل مكة والحرم، لكنه لا خيار له فيه، ولون الإنسان لا خيار له فيه، ولذلك قال العلماء: إن ما كان من القضاء والقدر المسير فيه العبد، ليس محلاً للتفاضل ولا للتفاخر قالوا: ولا للثواب والعقاب، هذا من رحمة الله تعالى، لا يعاقب الإنسان لأنه من بلد كذا فتزاد عليه العقوبة، والآخر من بلد كذا فيخفف عنه.

    وتكلم العلماء إيماءة لطيفة، وممن أومأ إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم ، وهي قضية: تفضيل جنس العرب على غيرهم بناءً على الاصطفاءات الربانية التي لهم، اصطفى إبراهيم، ومن إبراهيم إسماعيل، ومن إسماعيل .. حتى قال: واصطفاني الله من بني هاشم، قالوا: فتلك الاصطفاءات تدل على فضل العرب على سائر الناس.

    وتأتي قضية: هل معناها أن العربي يزداد في الأجر أكثر من غيره؟

    الجواب: اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال: إذا تساوى العربي وغيره في التقوى والإيمان والصلاح قد يعطى شيئاً من المزية، لكنه لا يظلم ذاك الرجل، أي: من ليس من العرب.

    ومن العلماء من قال بالقاعدة العامة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فجعل الميزان هو تقوى الله تعالى.

    قوله: (بحكمة) أي: أنه بحكمة أحكم الحاكمين، فإن الله إذ يدخل هذا الشقي النار بحكمة يعلمها، ليس ظلماً له ولا عبثاً، وإنما بحكمة يعلمها الله تعالى، ولإظهار عدله سبحانه وتعالى.

    ذكرنا فيما سبق قضية التقوى والخلاف في التعريف، وجعلناها لبعض العلماء، وذكروا في تعاريفها الاصطلاحية: لما سأل عمر أُبياً عن التقوى؟ قال: [يا أمير المؤمنين! إذا مشيت في أرض ذات شوك ماذا تعمل؟ قال: أشمر -أي: أرفع ثوبي- وأنظر مواطئ قدمي حتى لا أصاب بشوك، قال: فكذلك التقوى].

    وعرفها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين بأنها: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

    وعرفت بأنها: العمل بطاعة الله بنور من الله، والبعد عن معصية الله بنور من الله.

    أي: أنه سائر في الطاعة وفي ترك المعصية بنور من الله وهو الكتاب والسنة، فهو يحمل ما أمر به وينتهي عما نهي عنه.

    1.   

    الجنة دار الأتقياء الأبرار

    قوله: (وكذا التقي إلى الجنان سيدخل) بين الآن أن التقي إلى الجنان سيدخل، وسبب دخول هذا التقي إلى الجنان: أنه دخل برحمة الله تعالى وليس بعمله، ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: يا رسول الله! ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) فدل على أن دخول الإنسان إلى الجنة ليس بعمله، وإن كانت وردت: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32].. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [غافر:17] قالوا: هذه الباء هي باء السببية، أي: أنهم بسبب أعمالهم يدخلون، ولو لم توجد تلك الأعمال لا يدخلونها، وهذه تدل على أن الإنسان ما عمله في هذه الحياة الدنيا سيجده أمام عينه يوم القيامة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ونعوذ بالله أن نكون من أهل الشر.

    الجنة أعظم ثواب الله

    الجنة تعتبر أعظم ثواب الله تعالى، وسبب دخول الإنسان الجنة بسبب الأعمال الصالحة التي قدمها في هذه الحياة الدنيا، والله قد بين في قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] فقد ثبت في الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ومهما يخطر على قلبك فالجنة أعظم من ذلك، وقد قال: (ما لا عين رأت) وقد نستثني منها عين النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد رأى الجنة صلوات الله وسلامه عليه، ورأى ما أعد الله فيها لأوليائه، وقد بين أن الدنيا مهما كانت فهي بالنسبة للجنة أمرٌ هين، ولذلك ثبت في صحيح البخاري من حديث سهل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) فما تكون الدنيا أمام الجنات والقصور والأنهار، نسأل الله أن نكون من أهل تلك الجنات.

    دخول الجنة .. وشفاعة المصطفى

    ومما ينبغي أن يعلم أنه لن يدخل أحد الجنة أبداً إلا بعد شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهلها، ولذلك فقد ورد في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه أول شافع وأول مُشفع، وأن من شفاعته صلى الله عليه وسلم الشفاعة الخاصة به، والشفاعة الخاصة به ثلاثة أنواع:

    الشفاعة الأولى: شفاعته في أهل الموقف العظيم، وهذه قد ثبتت في الصحيح وغيره، حيث يأتي الخلائق كلهم يبحثون من شدة ما أصابهم من الهول العظيم في هذا الموقف، يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيسجد تحت العرش ويقول: أنا لها، ثم يفتح الله عليه بمحامد، وحينئذٍ يقال له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع للخلائق جميعاً من آدم إلى قيام الساعة أن يقضي الله بينهم.

    الشفاعة الثانية الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: شفاعته في دخول أهل الجنة الجنة.

    والشفاعة الثالثة: شفاعته في عمه أبي طالب بأن يشفع له في أن يخفف عنه العذاب، فيكون في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه، وهو أهون أهل النار عقوبة، هذه الشفاعة الخاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم.

    ذكروا أن أهل الجنة بعد أن يعبروا الصراط يقفون في قنطرة، وهذه القنطرة ثبتت في حديث أبي سعيد الخدري ، وهو في صحيح البخاري (يخلص الناس من النار فيحبسون على قنطرة) والمقصود منها: (ليقتص بعضهم من بعض) بمعنى: أنهم لا يستحقون دخول النار، وحدوث القصاص بينهم حتى يعرف هذا منزلته: أفي أعلى الجنة، أم في وسطها، أم في أدناها؟ فيؤخذ بعضهم من بعض، دل على أنهم لا يستحقون النار، وإنما يكون الاقتصاص بمجرد أن توجد مراتبهم في جنات عدن.

    أول من يدخل الجنة

    من الأحداث التي يجب أن نعلمها: أن أول من يدخل الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يكون بعده الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وأول من يدخل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أنس : (أنا أول من يقرع باب الجنة) وفي صحيح مسلم كذلك من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول الخازن: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك) بمعنى: أنه لا يفتح لأحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في أمة محمد وهذه من نعمة الله تعالى علينا أن كنا من أمته صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة) نحن آخر الأمم وجوداً ولكننا أول الأمم دخولاً إلى جنات عدن، ونسأل الله أن نكون ممن يدخل الجنة.

    مراتب الذين يدخلون الجنة وصفاتهم

    الذين يدخلون الجنة منهم من يدخل بغير حساب ولا عذاب، وهؤلاء ذكروا أن أول زمرة تدخل وجوههم كالقمر ليلة البدر، وذُكر من صفات هذه الزمرة كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة : (أنهم لا ينامون ولا يبصقون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم الذهب، وأمشطتهم الفضة) صفات عجيبة لهؤلاء القوم، ويكفي مجرد التخيل، وإن كان التخيل لا يوصلك إلى الحقيقة؛ لأن الله قطع الأطماع نهائياً.. (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

    ويأتي تسلية لأولئك الذين لم يأخذوا شيئاً من زهرة الحياة الدنيا، وهم الفقراء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الفقراء من المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً، أي: أربعين سنة. ومن الأمور التي تأتي تسلية لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد قال: (قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين) مما دل على أنهم حرموا شيئاً من اللذة، فيعطون شيئاً من التعويض يوم القيامة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأصحاب الجد -أي: الغنى- محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أدخلوا النار أو دخلوها).

    وثبت في الصحيح كذلك أن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، أي: أصحاب الأموال وأكثر أهل الأموال هم أقل الناس دخولاً الجنة يوم القيامة، والسبب: لأنهم يعيشون في المعاصي والفجور، وتكون تلك الأموال سبباً للوبال عليهم، فيحبسون عن الجنة.

    ونجد أن آخر قوم من الناس يخرجون من النار، ولعل هؤلاء من عصاة الموحدين ويدخلون الجنة، ويسمى هؤلاء بالجهنميين، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم أو بخطاياهم، فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن الله بالشفاعة فيهم، فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويخرجون من النار وقد امتحشوا فكانوا كالفحم، ثم يوضعون في أنهار الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يخرجون ويوجد عليهم إشارة تبين أن هؤلاء هم آخر أهل الجنة دخولاً، ويسميهم أهل الجنة بالجهنميين، وليس استنقاصاً لهم، وإنما تميزاً لهم بفضل الله تعالى عليهم؛ لأنهم أقحموا في النار وخرجوا، فوجدوا شيئاً من هذا النعيم الذي أعطاهم الله، والأحاديث في هذا كثيرة.

    وقد ذكرنا فيما سبق آخر من يدخل الجنة عندما تكلمنا على الصراط.

    وذكر من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث أخرجه البخاري ومسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً فيها، رجل يخرج من النار حبواً، فيقال له: اذهب إلى الجنة، فيقف على باب الجنة، ويجدها مزدحمة، فيرجع إلى ربه فيقول: يا رب وجدتها ملأى وليس لي موضع فيها، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشر أمثالها، فيقول: أي رب! أتسخر بي وأنت رب العالمين، قالوا: فيضحك الرب، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك حتى بدت نواجده، فكان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أدنى أهل الجنة منزلاً) فإذا كان هذا أدنى أهل الجنة منزلاً يعطى مثل الدنيا عشر مرات، فدل على أن هذه الجنة عظيمة، وأن مكانها كبير، وما نظر إليها هذا المسكين فإنما هو نظر لما أعطى الله لأوليائه من عظيم المنازل.

    أبدية الجنة وخلود أهلها فيها

    أهل الجنة خالدون فيها، ولا فناء لأهلها أبداً، وهذا هو الصحيح عند أهل السنة والجماعة ، بل هو قول أهل السنة قاطبة أن الجنة لا فناء لأهلها، بخلاف ما قاله المبتدعة فإن هؤلاء لا يلتفت إلى مقالهم أبداً، ولذلك يقول الله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [الدخان:56] وقال: خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف:108] أي: منزلاً آخر.

    ولذلك يؤتى بالموت بعد أن يخرج أهل النار من الموحدين من النار، ولا يبقى فيها إلا الخلص من المشركين والكفار، فيؤتى بالموت فيذبح بين الجنة والنار، ويقال لأهل الجنة: خلود فلا موت، ولأهل النار: خلود فلا موت، وذكروا أنه إذا جيء به قيل لأهل الجنة: أتعرفونه؟ وقيل لأهل النار: أتعرفونه؟ فأهل الجنة يخشون منه مخافة أن يزول عنهم هذا النعيم، وأهل النار يفرحون برؤيته يتمنون أن لو جاءهم ملك الموت ليقبض أرواحهم، ولذلك يقولون: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] ثم يذبح زيادة حسرة على الكفار، وزيادة نعيم لأهل الجنة، بمعنى: أن هؤلاء خلود لهم فلا موت، ولهؤلاء خلود فلا موت، ولذلك يبقون على ما هم فيه، ونعوذ بالله أن نكون من قوم يبقون في النار خالدين.

    أبواب الجنة

    ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن الجنة لها أبواب، والله قد قال في القرآن جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ [ص:50].. وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [الرعد:23].. حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73].

    أبواب الجنة ثمانية، وقد ثبت ذلك في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد ورواه أهل السنن، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تؤضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء) بمعنى: أنه لو مات في هذه اللحظة فإن أبواب الجنة مفتوحة له يدخلها، وقد ثبت كذلك في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله -أي: من ماله في سبيل الله- دعي من أبوب الجنة الثمانية، فمن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! والله ما على أحد من ضرر دعي من أيها دعي -أي: أنه يدعى من الأبواب كلها- ثم قال أبو بكر رضي الله عنه: فهل يدعى يا رسول الله أحد من هذه الأبواب كلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم وإني لأرجو أن تكون ممن يدعى من أبواب الجنة الثمانية) وما ذلك إلا لكثرة أعمال الخير التي يعملها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على أن ينفق زوجين في سبيل الله.

    ذكر شيخنا العلامة أن من الأمثلة عليه: أن ينفق صاعين .. ينفق درهمين .. ينفق كذا من أعماله.

    وبعضهم قال: لا، ينفق زوجين، أي: من نوعين مختلفين، يعني: من مال ومن بر ومن غيره.

    وعلى كل حال إن أخذ بهذا القول أو بهذا القول فإنه يرجى له أن يدعى من أبواب الجنة الثمانية.

    نور الجنة وريحها

    بين العلماء بأن الجنة لها نور، وليس فيها ليل ولا نهار، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، ولكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر لهم من قبل العرش، والله يقول: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً [مريم:62]هل معنى: أنه يوجد ليل ونهار وشمس وقمر؟

    العلماء يقولون: ليس فيها شيء، وإنما تجد أن فيها نوراً يخرجه الله يميزون به بين الليل وبين النهار.

    هذه الجنة لها ريح، وريح الجنة ليس كريح الأمور الدنيوية التي توجد، ولهذا ثبت في صحيح البخاري وكذلك في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وسنن ابن ماجة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) أي: مسيرة أربعين عاماً تجد ريح الجنة، ومع ذلك هذا الذي يقتل معاهداً لا يجد ريح الجنة، ولعل عدم وجود ريح الجنة عقوبة له، ويعتبر هذا من نوع العقوبة لهذا الذي قتل هذا المعاهد، وقد ورد كذلك في مسند الإمام أحمد وفي سنن النسائي وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم بسند صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) دل على أن للجنة ريحاً وتتميز به.

    أشجار الجنة

    الجنة فيها أشجار، ولسنا بصدد ذكر الأشجار التي توجد فيها بأنواعها، سدرة المنتهى، وطوبى.. وغيرها، فقد ثبت كذلك في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطع ظلها) لا يقطع هذه الشجرة، دل على أنها شجرة عظيمة، وهو مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) عقل الإنسان لا يمكن أن يتصور شجرة مسيرتها مائة عام على الجواد المضمر السريع، وهذا يدل على أنها ولا شك أكبر من الأرض كلها التي نحن ساكنون فيها، ولذلك لو جئت بجواد مضمر سبعين أو مائة عام ويمشي فيها، ما احتاج إلى هذه المسافة كلها ليقطعها، مما يدل على عظم هذه المخلوقات، وأن ما نشاهده من هذا الكون ليس إلا شيئاً يسيراً، وأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل ما خلقه وأوجده سبحانه وتعالى وهو المدبر له.

    ووجد كذلك سدرة المنتهى، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من صفاتها العظيمة، بين النبي صلى الله عليه وسلم أن نذقها -أي: ثمرها- مثل تلال هجر ، وورقها مثل آذان الفيلة، وأنه يخرج من أصلها أربعة أنهار، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الراكب يسير فيها سبعين عاماً لا يقطع ظلها.

    منها: شجرة طوبى، وذكروا أن شجرة طوبى شجرة عظيمة، ومنها يخرج ثياب أهل الجنة، تخرج من أكمامها، وهذا يدل على أنها شجرة عظيمة، ولها صفة معينة، وهذا الحديث ذكر في مسند الإمام أحمد ، وتفسير ابن جرير الطبري ، وفي صحيح ابن حبان ، والحديث صححه جمع من أهل العلم.

    دواب الجنة

    من الأمور وهي من لطائف الجنة: أن في الجنة دواب، ولذلك قال الله: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21] دل على أن فيها طيوراً، ويدل على أن الإنسان يمر الطائر فإذا اشتهاه الإنسان ينزل مشوياً طيباً يأكله الإنسان، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها نهر الكوثر، وكذلك ورد بسند صحيح، بل في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة، وقال: يا رسول الله! هذه اجعلها فيما تراه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك بها سبعمائة ناقة يوم القيامة) ويصح أن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وورد في حديث رواه أبو نعيم والحاكم في مستدركه من حديث ابن مسعود أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك بها سبعمائة ناقة في الجنة) بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، مما يدل على أن الله يأتيهم شيئاً من هذه.

    صفات أهل الجنة

    ذكر العلماء في صفات أهل الجنة: أنهم على صورة أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام، قالوا: لا أكمل ولا أتم من هذه الصورة، لأنه خلقه الله بيده، وصوره سبحانه وتعالى.

    قالوا: وطوله ستون ذراعاً، دل على أن الطول عظيم جداً، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم أنه قال من حديث أبي هريرة : (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لا زال الخلق ينقص) أي: إلى الآن الناس إلى قصر ليسوا إلى طول، وكان الناس إذا رأيت بعض الحضارات القديمة تجد فيها شيئاً عجيباً، من الأماكن الكبيرة، ومما جعله الله لهؤلاء القوم من القوة، ودل على أن الخلق لا يزال ينقص، وهذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وتصبح أمة محمد هي أقصر الخلق وأقلهم.

    وذكر أنه يدخل أهل الجنة الجنة وهم جرد مرد كأنهم مكحلون، أبناء ثلاث وثلاثين، والحديث في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي بسند صحيح، وذكر أنهم لا يبصقون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، وأن أهل الجنة كذلك لا ينامون.

    ومما ذكر من فضل الله تعالى على أهل الجنة أنه ربما يتمنى أحدهم الأمنية فتحقق له مباشرة.

    ومن اللطائف التي وردت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعها، ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ، قال: كان الناس يتحدثون -أي: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم- وعندهم رجل من أهل البادية، فسأل أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه بالزرع) أي: هو في الجنة ويريد أن يزرع، فهذا الرجل لما استأذن فقال الله له: (ألست فيما شئت) أي: ما تطلبه موجود بين يديك: (قال: بلى. ولكني يا رب أحب الزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته في استواء) في لحظة حصل له النبات والاستواء والجني كله وحتى الحصاد، فكان أمثال الجبال، فيقول الله له: (دونك يا ابن آدم هذا زرعك) فكان أحد الأعراب موجود في المجلس، فقال الأعرابي: والله لا تراه إلا أنصارياً أو قرشياً، هم الذين يحبون الزرع، والأعراب لا يزرعون أصلاً، ولا يعرفون الزراعة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذا من اللطائف التي تحدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإخبار، وليس الحكم خاص بالأنصار وغيرهم، فإن الزرع يحدث لقريش ولغيرهم، لكن يدل على أن ما تمناه الإنسان يحدث له.

    بل إنه قد يتمنى الإنسان الولد فيخلق الله له أمنيته في لحظة، وهذا من فضل الله تعالى.

    أعظم نعيم أهل الجنة ذكر العلماء أنه: رؤية الرب سبحانه وتعالى، وقد تكلمنا عليه بشيء من التفصيل في رؤية الرب سبحانه وتعالى.

    1.   

    ذكر بعض نعيم الجنة

    قوله: (وكذا التقي إلى الجنان سيدخل) بين الآن أن التقي إلى الجنان سيدخل، وسبب دخول هذا التقي إلى الجنان: أنه دخل برحمة الله تعالى وليس بعمله، ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: يا رسول الله! ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) فدل على أن دخول الإنسان إلى الجنة ليس بعمله، وإن كانت وردت: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32].. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [غافر:17] قالوا: هذه الباء هي باء السببية، أي: أنهم بسبب أعمالهم يدخلون، ولو لم توجد تلك الأعمال لا يدخلونها، وهذه تدل على أن الإنسان ما عمله في هذه الحياة الدنيا سيجده أمام عينه يوم القيامة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ونعوذ بالله أن نكون من أهل الشر.

    نور الجنة وريحها

    بين العلماء بأن الجنة لها نور، وليس فيها ليل ولا نهار، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، ولكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر لهم من قبل العرش، والله يقول: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً [مريم:62]هل معنى: أنه يوجد ليل ونهار وشمس وقمر؟

    العلماء يقولون: ليس فيها شيء، وإنما تجد أن فيها نوراً يخرجه الله يميزون به بين الليل وبين النهار.

    هذه الجنة لها ريح، وريح الجنة ليس كريح الأمور الدنيوية التي توجد، ولهذا ثبت في صحيح البخاري وكذلك في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وسنن ابن ماجة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) أي: مسيرة أربعين عاماً تجد ريح الجنة، ومع ذلك هذا الذي يقتل معاهداً لا يجد ريح الجنة، ولعل عدم وجود ريح الجنة عقوبة له، ويعتبر هذا من نوع العقوبة لهذا الذي قتل هذا المعاهد، وقد ورد كذلك في مسند الإمام أحمد وفي سنن النسائي وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم بسند صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) دل على أن للجنة ريحاً تتميز به.

    أشجار الجنة

    الجنة فيها أشجار، ولسنا بصدد ذكر الأشجار التي توجد فيها بأنواعها، سدرة المنتهى، وطوبى.. وغيرها، فقد ثبت كذلك في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطع ظلها) لا يقطع هذه الشجرة، دل على أنها شجرة عظيمة، وهو مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) عقل الإنسان لا يمكن أن يتصور شجرة مسيرتها مائة عام على الجواد المضمر السريع، وهذا يدل على أنها ولا شك أكبر من الأرض كلها التي نحن ساكنون فيها، ولذلك لو جئت بجواد مضمر سبعين أو مائة عام ويمشي فيها، ما احتاج إلى هذه المسافة كلها ليقطعها، مما يدل على عظم هذه المخلوقات، وأن ما نشاهده من هذا الكون ليس إلا شيئاً يسيراً، وأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل ما خلقه وأوجده سبحانه وتعالى وهو المدبر له.

    ووجد كذلك سدرة المنتهى، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من صفاتها العظيمة، بين النبي صلى الله عليه وسلم أن عذقها -أي: ثمرها- مثل قلال هجر ، وورقها مثل آذان الفيلة، وأنه يخرج من أصلها أربعة أنهار، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الراكب يسير فيها سبعين عاماً لا يقطع ظلها.

    منها: شجرة طوبى، وذكروا أن شجرة طوبى شجرة عظيمة، ومنها يخرج ثياب أهل الجنة، تخرج من أكمامها، وهذا يدل على أنها شجرة عظيمة، ولها صفة معينة، وهذا الحديث ذكر في مسند الإمام أحمد ، وتفسير ابن جرير الطبري ، وفي صحيح ابن حبان ، والحديث صححه جمع من أهل العلم.

    دواب الجنة وطيروها وأنهارها

    من الأمور وهي من لطائف الجنة: أن في الجنة دواب، ولذلك قال الله: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21] دل على أن فيها طيوراً، ويدل على أن الإنسان يمر الطائر فإذا اشتهاه الإنسان ينزل مشوياً طيباً يأكله الإنسان، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها نهر الكوثر، وكذلك ورد بسند صحيح، بل في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة، وقال: يا رسول الله! هذه اجعلها فيما تراه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك بها سبعمائة ناقة يوم القيامة) ويصح أن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وورد في حديث رواه أبو نعيم والحاكم في مستدركه من حديث ابن مسعود أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك بها سبعمائة ناقة في الجنة) بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، مما يدل على أن الله يؤتيهم شيئاً من هذه.

    صفات أهل الجنة

    ذكر العلماء في صفات أهل الجنة: أنهم على صورة أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام، قالوا: لا أكمل ولا أتم من هذه الصورة، لأنه خلقه الله بيده، وصوره سبحانه وتعالى.

    قالوا: وطوله ستون ذراعاً، دل على أن الطول عظيم جداً، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم أنه قال من حديث أبي هريرة : (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لا زال الخلق ينقص) أي: إلى الآن الناس إلى قصر ليسوا إلى طول، وكان الناس إذا رأيت بعض الحضارات القديمة تجد فيها شيئاً عجيباً، من الأماكن الكبيرة، ومما جعله الله لهؤلاء القوم من القوة، ودل على أن الخلق لا يزال ينقص، وهذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وتصبح أمة محمد هي أقصر الخلق وأقلهم.

    وذكر أنه يدخل أهل الجنة الجنة وهم جرد مرد كأنهم مكحلون، أبناء ثلاث وثلاثين، والحديث في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي بسند صحيح، وذكر أنهم لا يبصقون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، وأن أهل الجنة كذلك لا ينامون.

    تحقيق الأمنيات لأهل الجنة

    ومما ذكر من فضل الله تعالى على أهل الجنة أنه ربما يتمنى أحدهم الأمنية فتحقق له مباشرة.

    ومن اللطائف التي وردت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعها، ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ، قال: كان الناس يتحدثون وعندهم رجل من أهل البادية، فسأل أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه بالزرع) أي: هو في الجنة ويريد أن يزرع، فهذا الرجل لما استأذن فقال الله له: (ألست فيما شئت) أي: ما تطلبه موجود بين يديك: (قال: بلى. ولكني يا رب أحب الزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته في استواء) في لحظة حصل له النبات والاستواء والجني كله وحتى الحصاد، فكان أمثال الجبال، فيقول الله له: (دونك يا ابن آدم هذا زرعك) فكان أحد الأعراب موجود في المجلس، فقال الأعرابي: والله لا تراه إلا أنصارياً أو قرشياً، هم الذين يحبون الزرع، والأعراب لا يزرعون أصلاً، ولا يعرفون الزراعة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذا من اللطائف التي تحدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإخبار، وليس الحكم خاص بالأنصار وغيرهم، فإن الزرع يحدث لقريش ولغيرهم، لكن يدل على أن ما تمناه الإنسان يحدث له.

    بل إنه قد يتمنى الإنسان الولد فيخلق الله له أمنيته في لحظة، وهذا من فضل الله تعالى.

    أعظم نعيم أهل الجنة ذكر العلماء أنه رؤية الرب سبحانه وتعالى، وقد تكلمنا عليه بشيء من التفصيل في رؤية الرب سبحانه وتعالى.

    1.   

    القبر والحياة البرزخية

    ننتقل إلى موضوع القبر والحياة البرزخية، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول في لاميته :

    ولكل حي عاقل في قبره     عمل يقارنه هناك ويسأل

    لاشك أن القبر يعتبر منزلاً، أو يسمى: الحياة البرزخية، منزلة بين الحياة الدنيا وبين دخول الجنة أو دخول النار نعوذ بالله من النار.

    قال المؤلف: (ولكل حي) قال العلماء في اللغة: الحي: هو نقيض الموت، أو الحياة هي نقيض الموت، والحي هو: كل متكلم ناطق، ويعرف أن الإنسان بالنسبة لخصيصته هذه أنه متكلم ناطق، هذا ينطبق على الإنسان فقط، قالوا: إن الإنسان حيوان ناطق، ويعتبر كلُ شيء له حياة مستقلة، بالنسبة للإنسان قالوا: هو متكلم ناطق، وبالنسبة للنبات قالوا: ما كان طرياً يهتز، وقالوا: المسلم هو الحي الحياة الحقيقية، ولذلك الكفار يعتبرون أمواتاً.

    قال المؤلف: (عاقل) العقل مأخوذ من عقل فهو عاقل وعقول، قال ابن الأنباري : رجل عاقل، وهو الجامع لأمره ورأيه، دل على أن من لم يجمع أمره ولا رأيه لا يصبح عاقلاً، قالوا: إنه مأخوذ من عقلت البعير، وهو إذا جمعت قوائمه بحيث لا ينطلق، والعقل يجعل الإنسان يضبط سلوكه وأعماله، ولهذا أضرب لكم مثالاً سهلاً: نحن الآن جلوس، فلو جاء إنسان وخلع ثيابه وجلس (بفنيلة) وسروال مثلاً، ستجد الناس يقولون: هذا ليس بعاقل، هل خالف في ستر العورة؟ لم يخالف.

    هل فعل أمراً محرماً؟ لا، لكن العقل يضبطه، وهو الذي يضبط تصرفات الإنسان، ولكل مقام مقال، ولكل حادث حديث، ينبغي للإنسان أن يضبط جوارحه، ولهذا تجد مثالاً سهلاً: لو جاء إنسان ولبس لباس الرياضة وجلس في وسط المسجد في حلقة العلم، نقول: هذا خلاف الأدب، وما كان ينبغي مثل هذا العمل.

    ولهذا قال بعض العلماء: بعض الأمور تخالف المروءة، والإنسان لا يذهب الآن إلى المسجد بقميص النوم مثلاً لصلاة الجمعة وغيرها، وإن كان قد بدأ يظهر عند الناس هذه المفاهيم ولا ينضبطون بها، هذا هو العقل.

    وسمي العقل عقلاً لأنه هو الذي يحبس الإنسان عن الانطلاق إلى سفاسف الأمور، أو الأمور التي لا تحب، وقيل: إن العاقل هو الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، وسمي العقل عقلاً؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك.

    وقيل: إن العقل هو الذي يميز الإنسان عن سائر الحيوانات كلها، وما ميز الإنسان إلا بعقله.

    تعريف القبر

    قال المؤلف: (في قبره)

    قال في اللسان: القبر هو مدفن الإنسان، وجمعه قبور، وسيأتي الخلاف بين العلماء هل هذا خاص بالمسلم أم أنه حكم عام؟ الذي يظهر أن القبر عام بالبشرية كلها، وهذه تعتبر من كرامة الإنسان: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] لفظ عام ليس للمسلم ولا للكافر، وهذه من كرامته أن الله لم يجعل الإنسان يلقى على الأرض تأكله السباع، وتنهشه الطير، ويقذره الناس.

    ولذلك سن الله سبحانه وتعالى القبر للناس، وكان القبر مما أكرم الله به بني آدم، ونذكر هنا قصة ابني آدم: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27] قتل أخاه، فلم يدر ماذا يعمل به، وقد ذكرت كتب السير أنه حمله معه زمناً طويلاً لا يدري ما يعمل به، فجاء الله بغراب.. اقتتل غرابان ثم قتل أحدهما الآخر، فقام الغراب فبحث في الأرض وذاك ينظر إلى ما يعمل فدفنه، فقال: يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي [المائدة:31].

    ولذلك ذكروا أن هذه سنة، وامتن الله في قوله تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:21] أي: جعل له قبراً، أو أن الله سبحانه وتعالى جعل له سبباً أن يقبر، فالله جعل للناس قبوراً، والآية تدل على وجوب دفن الأموات، فهذه الآية: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:21] تدل على وجوب دفن الأموات وإقبارهم دون إحراقهم، إلا ما يفعله المجوس والهندوس نعوذ بالله، فإنهم إذا مات ميتهم يحرقونه بالنار، ولعل هذه عاجل عقوبتهم في الدنيا.

    وأذكر من اللطائف أنه ذكر لسماحة شيخنا لما ماتت أنديرا غاندي ، فاجتمع أهلها وقراباتها بل وأولادها، وجعلوها في مكان وأضرموا عليها النار، ولما سئل سماحة شيخنا عن هذه قال: عاقبها الله في الدنيا بالنار قبل أن تصل يوم القيامة، مما يدل والعياذ بالله على نقص عقولهم وعدم معرفتهم.

    ولا كما يفعله المشركون بالموتى، فإن المشركين في الحروب يتركونهم، المجوس يحرقونهم بالنار، والمشركون في الحروب يتركون موتاهم في الفيافي والقفار تنهشهم وتأكلهم السباع والطيور ولا يعبئون بهم.

    وجاءت مفخرة لأهل الإيمان بقضية القبر، ولهذا قال الشنفرى :

    ولا تقبروني إن قبري محرم     عليكم ولكن أبشري أم عامر

    أي: يفتخر بأنه يلقى بسبب المعارك والقتال، ويفخر أنه قتل في المعارك ويرى أن هذه شجاعة ليبقى، ويريد أن يترك حتى تأكله السباع، أبطل الله هذا الأمر وأمر بالدفن سواء قتلوا في المعارك أو غيرها، ودفن النبي صلى الله عليه وسلم شهداء أحد، وأما الكفار فألقاهم في القليب موارياً لجثثهم.

    القبر من الأمور الغيبية السمعية

    يعتبر القبر وأحداثه من الأمور السمعية، أي: أنه لا يمكن إثبات هذه الأحداث والأخبار التي فيه إلا عن طريق نص من كتابٍ أو سنة.

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة تفتن في قبورها كما ثبت في حديث الكسوف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنكم تفتنون في قبوركم وتسألون عني) وهذه الفتنة يقصد بها الامتحان والاختبار، وتسمى حياة القبر بالحياة البرزخية، والحياة البرزخية هي البرزخ، وهو الحاجز بين الشيئين، وتعتبر حياة القبر برزخاً بين الحياة الدنيا وبين الحياة الآخرة.

    يقول الإمام القرطبي : أول من سن القبر قيل: الغراب، لكن هذا القول ليس على إطلاقه، بل إن بعضهم قال: إن من شدة ما أصابه من المصيبة بقتل أخيه ما علم ماذا يعمل به، ولا علم كيف يواريه، فأرسل الله هذين الغرابين من أجل أن يريه كيف يواري سوأة أخيه.

    أدلة إثبات عذاب القبر

    من أحداث القبر أن أول حدث يؤمر به: أننا نأتي بالإنسان وندفنه، وأول ما يحدث له من أحداث القبر سؤال الملكين، وهذان الملكان هما: منكر ونكير، وقد دل على قضية أحداث القبر الكتاب والسنة، يقول الله تعالى في حال آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] ويقول الله سبحانه وتعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم:27] وروى البخاري ومسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: يقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدها: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27] فدل على أن الإنسان يسأل في هذا القبر، هذا السؤال قد يستطيع الإنسان أن يجيب عليه في الحياة الدنيا، ولكنه يوم القيامة لا يدري أيجيب أم لا؟ والذين يجيبون هم أهل الإيمان، ويبقى أهل الكفر وأهل النفاق، فإنهم يعيشون مع أهل الإيمان ويعرفونهم، ولكن يقول: هاه هاه! لا أدري، أما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد.

    حال العبد في قبره

    ذكر العلماء من اللطائف هنا: أن الإنسان في قبره لا يسأل إلا عن مسائل الاعتقاد فقط، أما المسائل المتعلقة بالأحكام فلم يرد فيها قضية السؤال، وهذه الأسئلة الثلاثة كلها مرتبطة بالعقيدة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ويصبح المؤمن يجيب.

    ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من مسائل القبر:

    أولها: أن الإنسان ترد إليه روحه، وهذا الرد رد جزئي، وتعتبر الحياة فيه حياة كاملة كحياته في الحياة الدنيا، وسوف يأتي تعلق الروح بالبدن، وأن العلماء ذكروا أن هذه التعلقات على ثلاث مراتب:

    1- تعلق في الحياة الدنيا.

    2- تعلق في القبر.

    3- تعلق يوم القيامة.

    قالوا: أما التعلق في الحياة الدنيا فإن الروح مع الجسد وإن كانت الأغلب إلى الجسد، ولذلك تجد الإنسان في الحياة الدنيا يحرص على قضية الجسد حرصاً كبيراً جداً، اللباس.. المأكل.. المتاع.. القصر.. إلى غيره، كلها مرتبطة بالجسد، وهذا ليس ارتباطاً بقضية الروح، وتأتي أنه من رحمة الله تعالى جاءت الشرائع لتغذية الجانبين: الروح والجسد.

    التعلق الثاني: الحياة البرزخية، قالوا: هو مرتبط بالبدن وبالروح جميعاً وإن كان تعلقها بالروح أكبر منها بالجسد، ولهذا يحدث للروح من النعيم في القبر أكثر من قضية تنعم الجسد.

    التعلق الثالث: يوم القيامة، قالوا: تكون للجسد كاملاً وللروح كاملة، لا يغلب أحدهما على الآخر، قالوا: إن كان من أهل الجنة تحدث النعومة أو اللذة لجسده وروحه جميعاً، وإن كان من أهل النار -نعوذ بالله- يحصل له العقوبة جميعاً.

    بين النبي صلى الله عليه وسلم أن رد الروح له نوع من التأثير، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى أهله عنه، إنه ليسمع قرع نعالهم) ولهذا نقول: يتوسع بعض العلماء، وتجدونه في كتب الوعظ تذكر شيئاً من الأخبار، أن الموتى إذا زوروا يفرحون، وأنهم يردون السلام على من سلم عليهم، وأنهم إذا أنفق إليهم حصل لهم أشياء معينة، وأنهم يرون ويتحدثون: حدث لفلان، وفلان فعل كذا، ووصلنا كذا.

    نقول: قاعدتنا في الأمور الغيبية التوقف، أننا لا نتكلم إلا بما ثبت، فما ورد أثبتناه وما لم يرد نمسك عنه، هل معنى ننفيه بالكلية؟ نقول: لم يثبت بنص فنمسك عنه، ولذلك ثبت أنه يسمع قرع نعالهم، فإذا ثبت سماع قرع النعال نثبته، أما بقيتها فلا.

    ولهذا تجدون بعض الناس يوم العيد يذهبون إلى المقابر لزيارة موتاهم، ويوم الجمعة يذهبون إلى المقابر، ويستدلون برؤى ومنامات، نقول: مثل هذه الرؤى والمنامات لا نثبت بها حكماً شرعياً حتى نقول للناس: تسن زيارة المقابر يوم الجمعة ويوم العيد حتى يفرح الموتى بزيارتكم.

    ولكن نقول: قد يصلهم شيء من الأجر والثواب مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأعمال التي تصل إلى الميت ويستفيد منها، وما عداه فلا نثبته.

    ورد في تسمية هذين الملكين، وصححه بعض أهل العلم كما أظنه في مسند الإمام أحمد وغيره، أن اسميهما: منكر ونكير، فيثبت هذا الاسم وأنه منكر ونكير.

    المعتزلة أبوا أن يثبتوا هذا الاسم للملائكة، وقالوا: إن اسم منكر ونكير لا يليق بالملائكة، لكن هذا بمجرد إجالة العقل، ومادام أنه قد ورد وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية هذين الملكين فنثبت أنهما ملكان، وقد ورد في بعض الآثار أنه ملك واحد، ولكن الصحيح أنهما ملكان، يأتيان الإنسان ويسألانه ويجيب الإنسان عما سئل عنه، ونثبت ذلك بمقتضى النص، وهذه الأسئلة ذكرنا أنها من مسائل الاعتقاد.

    حال الموتى الذين لم يدفنوا في القبور

    مسألة: من لم يدفن أصلاً أو كان مصلوباً، أو ألقي في البحر، أو حدث له أن تمزق أو احترق فما وجد منه شيء، أو سقط في بئر ثم لا ندري أين ذهب، فما حاله؟

    نقول: كل هؤلاء بجميع صفاتهم يحدث لهم سؤال الملكين، ويحدث لهم النعيم والعقوبة، ويفتح لهم باب إلى الجنة وباب إلى النار، نثبته لأن هذا قد ثبت عندنا، وما استثني، أي: لم يرد عندنا من الأحاديث هو في مجرد من قبر، هل معناه أن من لم يقبر لا يحدث له؟

    نقول :لا، وإلا لقام الإنسان ووضع والده الفاسق أو الكافر أو الملحد في (فريزر) عنده، وأبقاه سنوات حتى لا يصاب بعقوبة الله، نقول: بل يصل إليه، لكن كيفية الوصل وغيره؟ نقول: الله أعلم بها.

    والعجب من المعتزلة أنهم أنكروا ذلك إنكاراً كلياً، ولا شك أن هذا الكلام باطل، وأجالوا العقل فيه، ونحن نقول مثل هذه الأمور الغيبية: لا يمكن إجالة العقل فيها أبداً؛ لأن هذه ليس للعقل فيها مجال.

    ولذلك أنكرت المعتزلة عذاب القبر، ومن اللطائف أن أحد أئمة أهل السنة صلى على أحد المعتزلة ، فكان من دعائه الذي دعا له أن قال: اللهم أذقه عذاب القبر فإنه لا يؤمن به، وهذا دعاء عليه وليس دعاء له.

    هؤلاء استبدعوا هذا الأمر بأمورٍ عقلية، منها قالوا: إن الملائكة لا نجدهم، لو فتحنا القبر لم نجد أنه يضرب بمرزبة من حديد، ولم نجد في قبره ناراً، ولم نجد تضييق القبر عليه في القبر واختلاف أضلاعه.

    قالوا: كذلك ونحن نجد المصلوب على الخشبة، قد يصلب الإنسان مثلما قيل عن أحمد بن نصر الخزاعي إنه بقي مصلوباً سبع سنين على خشبة في العراق ، فهل معنى ذلك أنه لا يصل إليه شيء من النعيم ولا من العذاب؟

    لا يمكن أبداً.

    وذكروا كذلك من افترسته السباع أو أكلته الحيتان في البحر، لم نجد له عقوبة ولا غيرها، نقول: هذا الكلام مجرد كلام وهذيان عقلي، وهذا لا يمكن أن نقول به إطلاقاً، بل ما ورد إثباته فنثبته.

    سؤال المؤمن والمنافق والكافر في القبر

    مسألة: اختلف العلماء: هل السؤال يكون للمؤمن والمنافق وللكافر، أم أنه خاص بطائفةٍ دون أخرى؟

    الجواب: يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى: إنه لا يسألُ إلا المؤمن والمنافق، وأما الكافر فلا يسأل، ولكن هذا القول خالف فيه الجمهور.

    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الروح : والقرآن والسنة يدلان على إثبات السؤال للمؤمن والكافر والمنافق، ويستدل له بعموم قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27].

    وذكرت الأحاديث الكثيرة في إثبات أن السؤال للمؤمن والفاجر، ولا شك بأن الفجور يكون كفراً ويكون فسقاً.

    أقوال أهل العلم في خصوصية عذاب القبر وعمومه

    مسألة: هل السؤال خاص بأمة محمد أم أنه عام بالأمم كلها؟

    من العلماء من قال: إنه خاص بأمة محمد، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إنكم تفتنون في قبوركم، وإن أمتي تفتن) ولكن ذكر جمع من أهل العلم: أن الحكم عام بأمة محمد وبغيرها من الأمم.

    وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أنه ليس خاصاً بأمة محمد، بل هو عام بأمة محمد وغيرها، وممن ذكر بأنه خاص بأمة محمد: الحكيم الترمذي ، وتوقف فيه ابن عبد البر ، أي: هذا قول ثالث وسط بينهما، قالوا: نتوقف فلا ندري هل هو بأمة محمد أو ليس بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    الإمساك عن حقيقة سؤال القبر بأي لغة كان

    مسألة: هل يسأل الميت باللغة العربية أو باللغة السريانية أو غيره؟

    الجواب: نمسك عنها فليس لنا حق أن نتكلم بهذا أصلاً، والواجب أن نقول: الإنسان يسأل ونثبت على ضوء النص ولا نستفصل في ذلك.

    أناس لا يفتنون في قبورهم

    مسألة: ذكر العلماء أن هناك أناساً لا تصلهم فتنة القبر، وذكروا منهم: من قرأ سورة تبارك لا يحدث له فتنة، وقد صحح أو حسن بعض أهل العلم الحديث الوارد فيها.

    وذكروا: من مات يوم الجمعة أو ليلتها أنه يُؤمَّنُ من فتنة القبر.

    وذكروا منها كذلك الذين يقتلون في الجهاد في سبيل الله وأن هؤلاء لا يفتنون في قبورهم.

    الحكمة من عدم ذكر القبر في القرآن كثيراً

    مسألة: ذكر الإمام ابن القيم : ما الحكمة من عدم ذكر القبر في القرآن كثيراً؟

    الجواب: ليس لنا الحق أن نعترض، بل الواجب علينا أن نسلم، وأن نصوص السنة كافية في إثبات هذا الأمر، والله قد بين أن رسوله لا ينطق عن الهوى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4].

    قضية عذاب القبر وإثباته لا شك أنه قد تواتر في الكتاب والسنة، وذكر بعض أهل العلم أنه ورد فيه أحاديث عديدة جداً في إثبات هذا الأمر، وممن نقل التواتر فيه: الحافظ ابن رجب ، والإمام السيوطي ، والإمام ابن القيم ، وأجمعت الأمة على إثباته، وبينوا في ذلك أحاديث كثيرة.

    تأثير عذاب القبر على البهائم

    من اللطائف هنا أن عذاب القبر يؤثر على البهائم، وتأثيره على البهائم من جهتين:

    1- تأثيره على البهائم من جهة سماعه، وسبحان الله! صاحب القبر في قبره يعذب ويحصل له من البكاء والعويل وغيره يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ومن رحمة الله تعالى أننا لا نسمع، ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لولا ألا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم من عذاب القبر) والحمد لله أننا لا نسمع، وإلا لتنغص على الإنسان حياته كلها، لا يأكل ولا يشرب ويبقى في فزع وهلع مما يسمع من بكائهم، لكن البهائم تسمع.

    2- أن البهائم إذا سمعت أدى إلى شيء من إسهالها، ونقل هذا عن ابن عباس وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن البهائم إذا أصيبت بشيء من الإمساك مروا بها على قبور المشركين فيصيبها إسهال؛ لأنها تسمع ما يحصل لهم من العقوبة، ويدل على أن هذه يحدث لها شيء من التأثر بما يحصل لها.

    ضمة القبر .. والحكمة في ذلك

    من أحداث القبر: قضية الضمة، أو ضغطة القبر، ولقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للقبر لضغطة، ولو كان أحد منها نجا لكان سعد بن معاذ) رضي الله عنه وأرضاه.

    وإثبات ضغطة القبر قد دلت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على إثباتها، وهذه الضغطة نقول: إنها ضغطة حقيقية، وليست كما يقول بعض الناس: إنها ضغطة معنوية، لكنها تختلف باختلافها، المؤمن له ضغطة والكافر له ضغطة، فالكافر يحصل له ضغطة تختلف فيها أضلاعه، وأما المؤمن فيحدث له غم شديد.

    ولذلك قال بعض أهل العلم كـابن أبي مليكة: [ما أجير من ضغطة القبر أحد ولا سعد بن معاذ رضي الله عنه، مع أن مناديله في الجنة خير من الدنيا وما فيها].

    مسألة: اختلف العلماء لماذا تحدث ضغطة القبر؟

    الجواب: من العلماء من عللها وقال: لأنه ما من إنسان إلا ويحدث له شيء من المعاصي في الدنيا، ويحدث له في هذه الضغطة نوع تكفير، فتعتبر هذه نوع تكفير، ولعل هذه من نعمة الله تعالى أن يكفر الله عن العبد بها في أول دخوله إلى القبر.

    من المعلوم أن الناس في القبر على قسمين:

    1- إما روضة من رياض الجنة.

    2- وإما حفرة من حفر النار.

    3- وإذا كان روضة من رياض الجنة فُتِحَ له باب إلى الجنة بعد أن يجيب، وقيل: يبين له هذا منزلك من النار لو كنت كفرت وعصيت، وهذا منزلك بسبب طاعتك، فيقول: رب أقم الساعة فرحاً بما رأى، وأما الكافر فعلى الضد! يرى مقعده من النار، وتكون نتيجتها نعوذ بالله من النار يقول: رب لا تقم الساعة، مخافة أن يدخل، مع أن ما هو فيه من العقوبة أمر عظيم جداً.

    القول الثاني لتعليل ضغطة القبر، وإن كان هذا معنىً الله أعلم بصحته، قالوا: إن الأرض أم، والأم تفرح بمجيء ولدها إليها، كما تأتي من سفر فتضمك أمك فهذا ضم له، ولكن هذا لا شك أنه قول يحتاج إلى دليل، ولا نجد دليلاً ثابتاً فيه يدل عليه.

    أحداث تتعلق بالأصناف الذين يعذبون في القبر

    بين النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ممن يعاقبون في قبورهم، ومنهم صاحب النميمة، ومنهم الذي لا يتنـزه من بوله، وبين النبي صلى الله عليه وسلم بعضاً من أصحاب القبور: (إن الشملة التي غلها تشتعل عليه في قبره ناراً قالوا: فنظرنا إليها وإذا هي لا تساوي درهمين).

    أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أحوال أهل القبور الزناة، وآكلي الربا، والذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يفطرون في نهار رمضان بأنهم معلقون بأقدامهم، ومشدوقة أشداقهم تسيل دماً، ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل قال: (هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلته) وهذا الحديث حسنه بعض أهل العلم، والذين يتثاقلون عن الصلوات ترضخ رءوسهم بحجارة لتثاقلهم عن الصلوات .. إلخ

    هذه بعض الأحداث التي تتعلق بعذاب القبر، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756525279