إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الصيدللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سخر الله سبحانه وتعالى الأرض لبني آدم؛ فمنها طعامهم وشرابهم ولباسهم ومساكنهم، ومن جملة ما سخر الله سبحانه في هذه الأرض أن سخر الحيوان لبني آدم، فبه يصطادون ومنه يأكلون، ولحل هذا الصيد والأكل جاءت الشريعة الإسلامية بعدة شروط وأحكام، تطالعها -أخي القارئ الكريم- في هذه المادة.

    1.   

    شروط حل الصيد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [باب الصيد.

    لا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط:]

    باب الصيد مفرع على باب الذكاة، والصيد -كما ذكرنا في الحيوان المتوحش- وأحكامه بينتها أدلة الكتاب والسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عدي بن حاتم الطائي ، وكان عدي رضي الله عنه يربي العاديات، حتى قالوا: إنه لما مات عكفت على قبره السباع من حبها له رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه كان مولع بالصيد بالسباع العادية، وكذلك أيضاً: حديث أبي ثعلبة الخشني في الصيد بالمعراض والصيد بالقوس.

    والصيد يكون واجباً إذا كان لإنقاذ نفس، ويكون مكروهاً إذا فوت الإنسان به الأفضل والأكمل؛ لأن الصيد يشغل الإنسان ويلهيه، ويكون مندوباً إذا كان الإنسان يستغني به، أو يريد أن يطعم به ضيفاً أو نحو ذلك، ويكون مباحاً في غير ذلك.

    ويكون محرماً إذا كان لإزهاق الأرواح، كمن يقتل البهيمة دون أن يأكلها، ويترك الطير بعد قتله، ولا يأكله، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح عنه (أن يتخذ الحيوان غرضاً) يعني: هدفاً، فالصيد على هذا النوع محرم لا يجوز.

    الشرط الأول: أهلية الصائد

    قال رحمه الله: [أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة].

    وقد تقدم هذا في شروط أهلية المذكي.

    الشرط الثاني: الآلة الشرعية

    قال رحمه الله: [الثاني: الآلة، وهي نوعان]:

    الصيد إما أن يكون بالسهم، وبالرمح كما في القديم، أو بالبنادق وبالرشاش كما في عصرنا الحاضر.

    وإما أن يكون بالحيوان.

    يعني: الصيد إما أن يكون بآلة، وإما أن يكون بحيوان.

    قال رحمه الله: [محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح وأن يجرح].

    يشترط في هذه الآلة أن تكون جارحة، فيجوز أن يصيد بالبنادق الموجودة الآن؛ لأن البندق يخزق البهيمة، قال صلى الله عليه وسلم : (إن أصاب فخزق فكل). فإذا خزق البهيمة فقد أنهر الدم، فيذكر اسم الله عند ثوران السلاح، ويأكل ما صاد له، ما دام أنه أنهر الدم.

    لكن لو كان لا ينهر الدم مثل النبال الموجودة الآن، بأن يضع الحصى ويرمي الطائر، فهذا إذا وجد الطائر ميتاً فهو موقوذ لا يحل، فقد حرم الله الموقوذة، وإذا كانت الآلة التي يستخدمها أو السلاح الذي يقتل به البهيمة له مور ويشق ويخزق ونحو ذلك حل أكل البهيمة، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ومفهومه: أن الذي لا ينهر الدم لا يأكل منه، كما لو كانت عنده خشبة يضرب بها الطير فتموت الحمامة أو يموت العصفور، نقول: هذا لا يجوز؛ لأنها ميتة بالارتطام، وليس فيها خزق، لكنه لو رمى سهماً أو نحو ذلك فخزق الروح ونفذ إلى البدن فإنه يحل أكله.

    [فإن قتله بثقله لم يبح].

    كما ذكرنا، ومنه صيد المعراض، فقد كانوا في القديم يضعون المعراض ويضعون الحجر المقلاع ويرمون به، فيجدون البهيمة ميتة، فإذا وقعت الحجرة على رأس البهيمة أو في مقتل منها فماتت، لم يحل أكلها.

    [وما ليس بمحدد كالبندق والعصا والشبكة والفخ لا يحل ما قتل به].

    لأنه ليس بمحدد، البندق قالوا: كان الطين يجفف ويرمون به، فيدوخ البهيمة وقد يقتلها ويقضي عليها، فله قوة قريبة من قوة الحجر، فهو يأخذ حكم الوقيذ.

    والشبكة فيها خنق، فقد كانوا يضعون فيها أكلاً، وبعض الأحيان يضعونها في مجرى الصيد، ثم يثيرون الصيد من ناحية ويأتون إلى الشبكة -وهي غير الشبكة الموجودة الآن التي تمسك البهيمة حية- وكلما تقدم الحيوان جذب حتى ينخنق ويبرد، وهذا نوع من الخنق، ولذلك لا يحل أكله، لأن الإزهاق به ليس بإنهار الدم، وقد اشترط النبي صلى الله عليه وسلم لحل الذكاة إنهار الدم.

    [والنوع الثاني: الجارحة، فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة].

    الجوارح نوعان: طيور، وسباع عادية، فالسباع العادية الصحيح أنه يجوز الصيد بأي منها، فلو علمت أسداً فصد ما شئت، وهذا له طريقة، وقد بين كتاب: حياة الحيوان، ونهاية الأرب، وصبح الأعشى للقلقشندي أنواع الحيوانات التي يصاد بها، وطريقة تعليم الصيد لهذه الحيوانات، والأصل في الشريعة أن هذا السبع وهذا الطائر يعلم بطريقة مخصوصة، ويشترط فيه أن يدعوه فيجيب، وأن يشليه فينشلي، وألا ينطلق إلا بأمره.

    فمثلاً: السباع العادية نوعان مما يعلم:

    مما له كلب: إما أن يكون من السباع العادية كالأسد والنمر والفهد والكلب، فهذه كلها تعلم الصيد، فإذا علم الصيد جاز أكل صيده وميتته، وكذلك أيضاً الطيور الجارحة مثل الباز والنسر والباشق والشواهين والعقاب ونحو ذلك إذا علم جاز أكل صيده.

    أما كيفية تعليمه:

    فأولاً: يعلمه استجابة الدعاء، كأن يكون بينه وبينه صوت معين، فإذا ناداه بهذا الصوت عرفه فأتاه.

    ويكرر هذا ثلاث مرات، أي: يدعوه ثلاث مرات فيستجيب، ويكون هذا الصوت متعارفاً عليه، فلو علمه مرتين، ودعاه فاستجاب مرتين، فرأى الفريسة في الثالثة وانطلق بأمره وجاءه بها لم يحل أكلها، لأنه لا يصبح معلمه إلا بعد الثالثة.

    الشرط الثاني: أن يشليه فينشلي، والإشلاء: التحريش..

    أتينا أبا عمرو فأشلى علينا كلابه فكدنا بين بيتيه نؤكل

    هذا رجل بخيل، وجاءوا يريدون أن يطعمهم، فوجدوا طعاماً لكن من نوع خاص، فالإشلاء هو التحريش، أن يحرش الكلب أو الأسد الذي يعلمه أو النمر ثلاث مرات، فبعض الأحيان يكون عنده لحم ويرميه له، فيدعوه أن يذهب ويأتي باللحم، أو يرمي له دجاجة فتفر، فيحرشه بها. ويكون ساكناً ينتظر أمره، فإذا استجاب ثلاث مرات ورأى صيداً في الرابعة فحرشه عليه فجاء بالصيد ميتاً حل أكله.

    إذاً: هذه الأمور لابد أن تكرر ثلاث مرات: دعوى مع الإجابة، والإشلاء؛ فينشلي بأمر سيده، ويكون انبعاثه بأمر السيد لا بنفسه.

    قال تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4]، وهذا يدل على مشروعية تعليم الجوارح، ويشمل جارحة الطير، قال أبو ثعلبة : (يا رسول الله! إني أصيد بهذه البزاة -الباز من أفضل أنواع الطيور التي يصاد بها- وأصيد بكلبي المعلم، وأصيد بكلبي غير المعلم، فما يحل لي؟ -فبين له الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل له إلا أكل ما صاد المعلم- إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) فدل على اشتراط التعليم، كما هو ظاهر القرآن.

    الشرط الثالث: إرسال الآلة قاصداً

    قال رحمه الله: [الثالث: إرسال الآلة قاصداً].

    يعني: لو أن البندقية ثارت من نفسها، فضربت فريسة، فهذا لا يؤثر ولا يعتد به، وإنما تكون ميتة.

    ثم الخلاف: هل يشترط أن يعين الصيد أم لا يشترط؟

    وفائدة الخلاف: لو أنه أرسلها على حمامة معينة، ثم طارت وجاءت حمامة أخرى، فإن قلنا: يشترط التعيين، فإنها تكون ميتة، وإن قلنا: لا يشترط التعيين حلت، والأقوى أنه لا يشترط التعيين، ويتخرج عليه أنه لو ذبح الشاتين بشاة واحدة، فإنه يصح، وهكذا يتفرع عليها مسألة الرصاص المنتشر؛ لأنه إذا أرسله على الصفة الشرعية بذكر اسم الله عز وجل صار مذكياً، يستوي أن يصيب ما عينه صيداً أو ما لم يعينه، ثم إنه من الصعوبة بمكان لو قلنا بالتعيين وجاء بقطيع من تيس الجبل، فصعب جداً أن يحدد واحداً، لا يمكن هذا، فأنت عندما ترى القطيع يفر ترمي مباشرة، وقد تصيب هذه أو هذه، فهل تظل تبحث عن واحدة معينة؟!! هذه مشكلة وحرج عظيم، لذلك لا يشترط التعيين، وهو الصحيح.

    والسلاح الموجود الآن والذي ينتشر منه عدة طلقات إذا أصابت طلقة واحدة الفريسة فإنه يحل أكلها على الصحيح، وهو مذهب الجمهور رحمهم الله.

    [فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح إلا أن يزجره فيزيد في عدوه بطلبه، فيحل].

    إذا استرسل الكلب وأنت جالس، سواء رأيت الصيد أو لم تر، فما شعرت إلا والكلب -أكرمكم الله- قد هاج على الصيد، فهذا له صورتان:

    الصورة الأولى: أن يشليه -يحرشه-، أي: فبعد أن رأيته مسرعاً زدت في تحريشه، فهذه فيها خلاف بين العلماء.

    والصورة الثانية: أن تسكت.

    فأما إذا سكت فإنه قد أمسك لنفسه فلا يحل الصيد؛ لأن الله يقول: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4] أي: لكم، وإذا انبعث من نفسه فهو يريد الصيد لنفسه وليس لسيده، ولذلك قال: (إذا أرسلت كلبك..) ومفهوم الصفة في قوله صلى الله عليه وسلم: (أرسلت) أنه لا يحل إذا لم يرسله، فالذي يترجح مذهب من قال: أنه يستوي إذا حرشه بعد انبعاثه أو لم يحرشه، فما دام أن الكلب بنفسه انبعث فإنه لا يحل أكل صيده، وهكذا لو أن الباز بنفسه انطلق دون أن يكون هو الذي أطلقه، ودون أن يكون هو الذي أرسله لم يحل الصيد.

    الشرط الرابع: التسمية

    قال رحمه الله: [الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة].

    لأنها شرط، قال تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4] فدل على اشتراط التسمية، ولا بد من ذكر اسم الله عند إرساله، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه)، وقال: (وما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه)، فأكدت السنة ما دل عليه القرآن من اشتراط التسمية.

    [فإن تركها عمداً أو سهواً لم يبح].

    تقدم معنا في باب الذكاة أنهم قالوا: لو نسي البسملة في الذبح والنحر صح، أي: جاز أن يأكل، وهنا -في الصيد- قالوا: لم يجز، وهذا يؤكد أن باب الصيد أضيق من باب التذكية؛ لأنه خرج عن الأصل.

    قال رحمه الله: [ويسن أن يقول معها: الله أكبر كالذكاة].

    لثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756982217