إسلام ويب

مقومات الشخصية الإسلاميةللشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل قد ميز أهل دينه بمميزات ليست في غيره من الأديان السابقة، وليس هذا في الدنيا فقط وإنما كذلك في الآخرة، عندما تأتي أمة محمد عليه الصلاة والسلام وعليها علامة الوضوء، فيعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته من بين الأمم بهذه العلامة، والميزات التي تميز بها المسلم خمس ميزات: التميز في العقيدة، وفي العبادة، وفي الفكر، وفي الأخلاق، والخامسة هي التميز في المظهر.

    1.   

    اعتناء الإسلام بالشخصية الإسلامية

    الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وشرفنا باتباع خير الأنام، أحمده تعالى أن هدانا للإيمان: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43].

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا مانع لعطائه، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده.

    صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى.

    عباد الله: يقصد الإسلام بتشريعاته وأحكامه إلى رفعة الإنسان وكرامته، ويهدف بعقيدته وأخلاقه وتعاليمه إلى النهوض بالبشرية وإسعادها وإعزازها.

    لذا فقد حرص الإسلام على إبراز شخصية المسلم الحق، وأكد على الأخذ بمقوماتها الإسلامية الأصيلة، وأكثر من ذكر معالم هذه الشخصية، وملامحها وركائزها وآثارها في كيان الأفراد والأمم، لتُعرف الصورة الصادقة عن الإسلام الحق، وأحداثه في حياة الناس.

    وبقدر تمسك الأمم بمبادئها ومُثُلها، والتزامها بمناهجها ونظمها، واعتزازها بمميزاتها، وشخصيتها، بقدر ما تضمن مقومات حضارتها وأسباب عزها وكرامتها.

    وبقدر تخليها عن مبادئ أصالتها، وقيم عراقتها، تتخلى عن عوامل نهضتها، وأسرار أمنها وقوتها ونصرتها، فتضمحل شخصيتها، وتنحسر مميزاتها، وتضعف هيبتها، وتذوب في بوتقة غيرها، حتى تكون الغلبة والهيمنة لأعدائها عليها.

    ولكي لا يحصل ذلك فإنه لا بد من التذكير بين الفينة والأخرى ببعض خصائص هذه الأمة ومميزاتها، ولفت نظر أفرادها إلى الاعتزاز بشخصيتهم الإسلامية، وهويتهم الدينية؛ ليتميزوا عن غيرهم، ويحددوا مكانهم بين أفراد الأمم الأخرى، ويستقلوا بشخصيتهم، لا سيما مع التداخل العقدي، والتقارب الزمني، والاتصال المباشر، والتلاقح الفكري، والتأثر الجوهري والشكلي في هذه الأزمنة.

    أمة الإسلام: لقد جاء منهج هذا الدين في تربية الشخصية الإسلامية منهاجاً قويماً، وطريقاً واضحاً، وسبيلاً مُحكماً، فقد حدد معالم شخصية المسلم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ورسم ملامحها، وأثبت دعائمها، وأرسى قواعدها منذ انبثقت شمس هذا الدين، فكانت نقطة تحول في تاريخ البشرية، غيَّرت المعتقدات وبدلت المناهج، ونورت البصائر والأبصار، وسلكت بالناس الطريق المستقيم، فعزوا بعد ذُل، واغتنوا بعد فقر، وانتصروا بعد هزيمة، وقوُوا بعد ضعف، أعادت لهم شخصيتهم المفقودة، وأثبتت كرامتهم المنشودة.

    وهكذا يريد الإسلام من أبنائه أن يعتزوا بدينهم، ويتمسكوا بمبادئهم، ويثبتوا شخصيتهم أمام المتغيرات، فلا انفتاح، ولا تنازلات، ولا انبهار ولا مجاملات، ولا تبعية، ولا تقليد لأعداء الإسلام والمسلمين، ولا تشبه، ولا محاكاة للمخالفين في الملة والدين، فلا يستسمنوا الوَرَم، ولا ينخدعوا بالمناظر والبهارج، بل يميزوا بين الحقيقة والسراب، والجوهر والخراب، والصحيح والمزيف، والخالص والمشوب، حتى لا تتصدع الأصالة، وتهتز الشخصية، وتضطرب المقومات، وتتغير المعالم والمبادئ والاتجاهات.

    1.   

    المميزات التي تتميز بها الشخصية الإسلامية عن غيرها

    إخوة العقيدة والإيمان: هناك جانبان رئيسان تنحصر فيهما شخصية المسلم، كما يصورها القرآن الكريم، وسنة المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم:

    جانب خفي باطن.

    وجانب شكلي ظاهر.

    وتتفرع عنهما خمس دعائم مهمة، تقوم عليها الشخصية الإسلامية، وتتميز بها عن غيرها، وهي:

    التميز في العقيدة.

    التميز في العبادة، وأداء الشعائر.

    التميز في الفكر، والتصوُّر.

    التميز في الأخلاق، والسلوك.

    التميز في المظهر، والشكل العام.

    الدعامة الأولى: التميز في العقيدة

    أما الأول -وهو أهمها- فهو: الأساس الذي يقوم عليه بناء شخصية المسلم، فيستقي عقيدته الصافية من الكتاب والسنة وعمل سلف هذه الأمة، لا يتخذ إماماً غير القرآن، ولا هدياً غير هدي محمد عليه الصلاة والسلام، يجرد العبادة لله، خالقه ورازقه هو سبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يملك جلب النفع، ودفع الضر، وشفاء المرضى، وقضاء الحوائج إلا هو جل وعلا وحده، فكل عبادة من صلاة وتواصٍِ، ودعاء ونذر ونحر، وحلف وخوف، ورجاء، وغير ذلك فهو محض حقه سبحانه، لا يشركه فيه أحدٌ غيره، كائناً ما كان.

    فالمسلم الحق هو الذي يسير في عقيدته وتوحيده لربه في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه الحُسنى، وصفاته العلا، على ما سار عليه أعلام الهدى، وأئمة التقى من سلف هذه الأمة رحمهم الله، فيجرد العمل مخلصاً فيه لله، ومتابعاً فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، ويُعرض عما أحدثه الناس بعد القرون المفضلة على هذين الأصلين، فما جاء فيهما أخذه، وإن كان غير ذلك تركه، ونبذه, ولا يجعل لمكان على غيره, وزمانٍ دون سواه خصوصية وفضلاً؛ إلا ما استبان فيه الدليل، وظهرت فيه الحجة، شعاره في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }. أخرجاه في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، واللفظ لـمسلم رحمه الله.

    الدعامة الثانية: التميز في العبادة وأداء الشعائر

    أما الدعامة الثانية: فهي ما يخص التميز في العبادة من حيث شكلها، أو تطبيقها، فإن الشعائر الإسلامية متميزة عن طقوس الملل الأخرى، عبادات تزكي النفس، وتريح الضمير، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يطبقها المسلم على ضوء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، لا يشغله عنها شاغل، ولا يصرفه عنها صارف من مشغلات الحياة وصوارفها.

    الدعامة الثالثة: التميز في الفكر والتصوُّر

    أما الاستقلال الفكري: فإن المسلم يسير في أفكاره وتصوراته على ما يوافق الشرع المطهر، ففكره سليم، وتصوره نزيه، متميزاً فيه عن الأفكار الدخيلة، والتصورات الملوثة، حذراً من كل فكر فاسد، ونظر مشوب، مما طفحت به المجتمعات من الأفكار الإلحادية المخالفة للكتاب والسنة.

    الدعامة الرابعة: التميز في الأخلاق والسلوك

    أما التميز الأخلاقي: فهو الميدان الخصب الذي جاء به الإسلام؛ لتكوين الأفراد، وتربية المجتمع، وهو متمثل بالقدوة الصالحة، في الأخلاق الفاضلة، والمعاملات الحسنة، والسجايا الكريمة.

    تلك -يا إخوة الإسلام- أبرز معالم الشخصية المسلمة، عقيدة وفكراً، عبادة وأخلاقاً، فيها تبرز شخصية المسلم فيما قدمه تجاهها من عمل صالح، وفعل جليل، ومآثر حميدة، وليست شخصية المسلم في وفرة المال وربح التجارة، وعالي الشهادة، وفخر النسب، بل بقدر ما يسير المسلم على كتاب ربه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبني نفسه وأسرته على ذلك، ويقدم لأمته الخير الذي تريده، والصلاح الذي تنشده، بقدر ما تتمثل فيه الشخصية المطلوبة.

    أما الذي ينحرف عن تلك المعالم، وتنبثق في حياته تلك الملامح، فيترك مقوماته، ويتخلى عن مبادئه، فلا ريب أنه خطر على نفسه وعلى أمته، فمن لا تحركه العقيدة الصافية، والمثل العليا، والضوابط الشرعية؛ فإنه عضو أشل وعنصر فاسد، ومعول هدام، يجلب الانحراف لنفسه وأسرته، بل أمته بأسرها، ويوم أن كانت الأمة الإسلامية متميزة في شخصيتها، مستقلة في مقوماتها؛ ضمنت العزة والسعادة والنصر والكرامة.

    واليوم هل تمثل المسلمون معالم هذه الشخصية؟! هل حققوا دعائمها، وساروا على مناهجها؟!

    والجواب يبعث على الأسى والأسف، فقد تساهل كثير من المسلمين هداهم الله في تحقيق تميزهم، والسير على استقلال مبادئهم وأفكارهم، وانجرفوا -جهلاً وانخداعاً- في ركاب غيرهم من أعدائهم.

    ولقد حاول أعداء الأمة الإسلامية طمس معالم شخصيتها، ومحو ملامح تميزها، وهدم دعائم استقلالها، بالنقصان منها، أو الزيادة عليها، فعملوا جاهدين على إماتة حقائق الإسلام في نفوس المسلمين، بالجهل تارة، وبث الفساد والانحراف تارات كثيرة، فشوهوا تكوين الأمة، وبثوا بذور الفساد حتى آتت أكلها في كثير من البقاع والجوانب، فنشأت أجيال مات فيها الشعور الإسلامي، والحس الإيماني، لا ترتبط بدين, ولا تتحلى بخلق، ولا تعترف بفضيلة، انتشرت بينها ولاءات لغير الله، وانتماءات لغير دين الله، وشعارات مخالفة لسنة رسول الله.

    ومما يزيد الأسى، جهل المسلمين وانخداعهم بهذا الغزو ضد دينهم ومبادئهم.

    إن على المسلمين وهم يرقبون النهضة الإسلامية، أن يتحرروا من التقليد والتبعية لأعداء هذه الأمة، وذلك بالأخذ بمعالم الشخصية الإسلامية، وتربية الأجيال والأسر عليها.

    وإني لأرجو أن يكون هذا التذكير بمقومات شخصية المسلم وعناصرها الحقيقية ما يثبت الإيمان في نفوس المسلمين، ويقوي عزيمتهم في التمسك بشخصيتهم الإسلامية، التي جاء بها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الدعامة الخامسة: التميز في المظهر والشكل العام

    نحمدك اللهم ونستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك.

    ونشهد أن لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعــد:

    فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

    عباد الله: هناك جانب من جوانب إعداد الشخصية عَظُم التقصير والتساهل فيه، وهو من أميز الدلائل التي تدل على المسلم وتنبئ عن شخصيته، ألا وهو الجانب الهام المتعلق بمظهر المسلم.

    ومن غاية الإسلام أن عُني بهذا الجانب، فحث على النظافة في الجسم والملبس، ونهى عن التشبه بغير المسلمين، وأكد على مخالفتهم في أقوالهم وأفعالهم، ونهى عن التخنث، وأمر بإعفاء اللحية وتوفيرها، وقص الشارب، وتحريم الإسبال في الثياب ونحوها، وما إلى ذلك من مظاهر شخصية المسلم المعتَبرة بالنصوص الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة.

    ومما ينبغي أن يُعلم أن معالم هذه الشخصية يستوي فيها المسلمون جميعاً، لكن يتأكد تحقيقها والتزامها على بعض الناس بحسب مكانتهم في المجتمع، وعلى الشاب المسلم أن يعتز بشخصيته؛ لأنه مستهدف من قِبل أعداء الإسلام.

    أما المرأة المسلمة فإن شخصيتها ومكانتها في هذا الدين عظيمة، فعليها الاعتزاز بها، والحذر من مكائد أعداء الإسلام، ودعواتهم الباطلة، وعليها لزوم العفاف والحجاب والاحتشام، وبذلك يحصل التكامل المبتغى في تحقيق الشخصية الإسلامية.

    هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا فقـال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله.

    وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك، يا أرحم الراحمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين, واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

    اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيئ لهم البطانة الصالحة، يا رب العالمين!

    اللهم وفقنا جميعاً إلى ما تحب وترضى.

    اللهم وفق المسلمين قاطبة إلى العودة الصادقة إلى دينك القويم، يا رب العالمين، اللهم اجمع قلوبهم على الحق والهدى يا رب العالمين!

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُذَل فيه أهل معصيتك، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء!

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعـُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757160725