إسلام ويب

الشباب والتحديات المعاصرةللشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن شباب الأمة الإسلامية يواجهون اليوم تحديات كبيرة من اليهود والنصارى، تحديات الشبهات والشهوات الواردة من حضارتهم الزائفة، فيجب على شباب الإسلام العودة إلى كتاب ربهم، فلقد قص علينا قصص الشباب والفتيان في الأمم الماضية، وفي عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلتكن لنا بهم أسوة.

    1.   

    قصة أصحاب الكهف

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    الشباب المسلم أمام التحديات المعاصرة، الشباب، الفتيان، الرجال، كلمات متقاربة في العصور الأولى، حمل دين الإسلام الرجال والشباب، وبداية الدعوة حمل هذا الدين الشباب، وسوف يحمل هذا الدين الشباب، قال الله جل وعلا حاكياً قصة فتيانٍ سماهم أهل الكهف، كانوا يعيشون بين الملوك، وكانوا من أبناء الملوك، يعيشون في القصور على الحرير والديباج، يأكلون أفضل المأكولات ويلبسون أفضل اللباس، ويسكنون القصور، هؤلاء الشباب وأولئك الفتيان علموا أنهم لا يعبدون الإله الحق، ماذا قال الله جل وعلا عن حالهم؟: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف:13] فتية، انظر كل كلمة في القرآن لها حكمة، الله عز وجل يريد أن يميزهم قال: فتية: فتيان صغار، لكن انظر كيف كان شأنهم؟ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً [الكهف:13-14] هربوا من قومهم وتوجهوا إلى الكهف فكان من شأنهم ما كان.

    1.   

    قصة الغلام المؤمن والراهب

    قصة أخرى:

    غلام يعيش في قصر الملك، والقرآن والسنة يحدثانا بأنباء الشباب والفتيان الذين كان لهم شأن عظيم، اسمع إلى قصة هذا الغلام: أجبره الملك أن يذهب يتعلم السحر من ساحر كافر، وهذا الساحر وذلك الشعب لا يؤمن بالله، والساحر يعلمه السحر ليكون خليفة له في السحر، وكان الغلام الشاب الصغير يمر في طريقه على راهب يتعلم منه الإيمان والتوحيد، وكل يوم هذا حاله، يمر على راهب يعلمه الدين، وساحر يعلمه الكفر برب العالمين، لكن الغلام مؤمن، صادق الإيمان، انفضح أمره، وانكشف سره، فهدده الملك، أقتلك أو ترجع عن دينك؟

    والقصة تعلمها، لكن أرجو منك أن تتخيلها: غلام صغير شاب أمام ملك طاغية جبار، قتل أمامه أناس، فقال الملك للغلام: ترجع عن دينك وإلا أقتلك؟

    قال: لا أرجع عن ديني.

    فأرسله مع الجنود ليرمى به في البحر فيغرق، فلما توسط البحر، -تخيل الموقف- فلما وصلوا به إلى البحر وأرادوا أن يرموه في البحر ليغرق، رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اكفنيهم بما شئت يا رب! أنت حسبي أتوكل عليك أن تكفيني هؤلاء الجنود، فاهتز المركب بالجنود وسقطوا وغرقوا جميعاً ولم يبق إلا الغلام.

    من الذي نجاه؟ من الذي نصره مع أنه غلام صغير مربوط أمام جنود؟!

    إنها سنة الله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].

    هل تظنه هرب؟ لكنه رجع إلى الملك ولو كان أحدنا مكانه الآن فأقل شيء يفكر فيه الهرب، ولكن الغلام قضيته أكبر، قضيته أن يدعو إلى الله، أن يؤمن الناس برب العالمين وإن مات، رجع يمشي على رجليه إلى الملك مرة أخرى، فخاف الملك منه، وقال: ما الذي جاء بك؟ أين الجنود؟ كيف لم تمت؟ فأخبره بالخبر.

    قال: الآن أقتلك حقيقة، وأرسله مع جنود آخرين يرفعونه إلى أعلى جبل ليرموه من هناك إلى الأرض فيهلك، والغلام مربوط مقيد، غلام صغير يكفي أن يقتله رجل واحد، ولكنه يرسل معه الجنود خوفاً ورعباً ووجلاً؛ لأن الكلمات التي يقولها تقذف في أنفسهم الرعب، فلما صعدوا به إلى أعلى الجبل -انظر إلى الغلام، انظر إلى الصفاء والنقاء، انظر إلى التوكل- قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فما هي إلا ثلاث كلمات وإذا بالجبل يهتز، فيسقط الجنود ويبقى الغلام.

    الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إنها جنود من جنود الله، هذه الجبال، وتلك الرياح، وهذه البحار، كلها جنود لله جل في علاه: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] سقط الجنود، ورجع الغلام يمشي على قدميه إلى الملك، أنا أريد أن أخبرك أن هذا غلام ليس رجلاً كبيراً هذا غلام صغير.

    فلما دخل على الملك المرة الثالثة، خاف الملك منه واقتنع الملك أن في الأمر شيء غريب، فقال له الغلام: أتريد أن تقتلني؟ قال: نعم. قال: إذا أردت قتلي فاسمع ما أقوله لك.

    قال: إذا أردت أن تقتلني فأنا أدلك، الغلام يريد أن يدعو إلى الله، وأن يدخل الناس في الدين لو على حساب موته.

    قال: اجمع الناس على صعيد واحد وعلى أرض واحدة، كل الناس النساء والرجال -هو الآن يريد أن يعرف الناس التوحيد، يقيم عليهم الحجة أو يهتدوا- ثم اربطني في جذع شجرة، ثم خذ سهماً من كنانتي، لا تأخذ أي سهم، وإنما سهم من كنانتي أنا، ثم أنت الذي ترميني ليس غيرك، وقبل أن ترميني ترفع صوتك أمام الناس وتقول: بسم الله رب الغلام، ثم ترميني بالسهم وإنك بهذا قاتلي، وليس هناك طريقة أخرى لقتلي إلا هذه.

    الملك الآن نسي كل شيء أهم شيء عنده أن يموت الغلام وأصبح تفكيره أقتل الغلام ثم أفعل بعد هذا ما أفعل، فجمع المك الناس في صعيد واحد، ويا له من منظر، الغلام يدل الملك على قتله، ويمكن البعض منا وقف أمام المقصلة أو المشنقة يريد أن يقتل إعداماً يسقط على الأرض ويغمى عليه قبل الموت وقبل الإعدام، وأناس يصرخون، وبعضهم من شدة خوفهم قد انتفخت بطنه ورأي هذا، وبعضهم مات قبل أن يعدم من الخوف، وهذا الشاب الصغير بكل ثقة وهدوء يربط على تلك الشجرة، والناس كلهم مجتمعون ينظرون، النساء والرجال والأطفال والجنود، والملك يأخذ سهماً من كنانة الغلام، ويريد أن يرمي بالسهم ثم يقول قبل أن يرمي بالسهم: بسم الله رب الغلام، ثم يرمي بالسهم فيأتي السهم على صدر الغلام ويسيل الدم ثم يموت الغلام.

    فلما مات الغلام بدأ الناس كلهم يهللون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله رب الغلام، لا إله إلا الله رب الغلام، فالتفت الملك ما الذي حدث؟ ما الذي جرى؟ انفجرت المدينة بالإيمان، انطلق التوحيد، الملك استغرب من الأمر، هذا الذي كان يخشاه، بدل الغلام صار الآن أمة كاملة، أراد أن يقضى على مؤمن صغير، فما علم أن أولئك الناس كلهم سيؤمنون، انطلق الناس بالإيمان.

    قال لجنوده: مروهم بالكفر والردة، فما استطاعوا، قال: احفروا لهم الأخاديد والحفر، حُفروا لهم الحفر وأشعلوا فيها النيران، أخذوا الناس واحداً واحداً: ترتد عن دينك أو نرميك في النار؟ هو يرمي بنفسه في النار، كلما جاءوا لواحد يرمونه في النار وهو يقول: لا إله إلا الله رب الغلام، لا إله إلا الله رب الغلام، آمنت بالله رب الغلام، ويرمى الناس في تلك النيران، والملك يشاهد ويتعجب، شعبه كله يحترق، أي إيمان هذا؟ أي دين هذا؟ أي عقيدة تلك؟

    حتى جاءوا بامرأة تحمل رضيعاً صغيراً، قالوا لها: ترتدين عن دينك وإلا رميناك في النار؟ قالت: ارموني في النار ولكن اتركوا الغلام يعيش، قالوا: بل نرميه معك، فترددت المرأة، هذا الغلام ترمونه معي في النار، ما ذنبه؟ ما جريمته؟

    تخيل طفل صغير ترددت المرأة وكأنها أرادت الرجوع، ولكن الله أنطق الغلام في المهد فقال: يا أماه أثبتي فإنك على الحق، فرمت بنفسها ورضيعها في النار: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:8-7] كلهم شهود ينظرون إلى الناس يحترقون: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:8-9] هذه القصة العظيمة التي نقرؤها إلى قيام الساعة من بطلها؟ إنه غلام صغير، إنه شاب أيها الرجال! غلام صغير آمنت أمة كاملة بسببه!

    1.   

    صور من حياة شباب الصحابة

    محمد عليه الصلاة والسلام يبعث لهذه الأمة بشيراً ونذيراً، يأتي إلى خديجة ، تأخذ بيده إلى من؟ إلى ورقة بن نوفل ، فيقول له: يا بن أخي! أخبرني بالذي جرى لك؟ فيخبره بالقصة، فيقول له: هذا الناموس الذي أنزل على موسى وقال: يا ليتني كنت جذعاً -يعني شاباً قوياً لأنه كان شيخاً كبيراً- إذ يخرجك قومك، فتعجب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: أومخرجي هم؟ -ما الذي فعلته لهم- قال: نعم، ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا أوذي.

    بداية البلاء، فانطلقت الدعوة، ونشر الدين.

    ومن أكثر الذين بدءوا الدخول في الإسلام الشباب.

    هذا علي بن أبي طالب وذاك طلحة وهذا سعد ، والأرقم ذلك الشاب القوي المؤمن الذي فتح بيته لتكون مقراً للدعوة، قال: بيتي لكم. شباب آمنوا بالله جل وعلا، وأخذوا ينشرون هذا الدين. لـعلي وحده قصص وحكايات في الدعوة إلى الله جل وعلا: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

    انطلق عليه الصلاة والسلام في الدعوة، وبدأ يعلم الصحابة القرآن، فجاء الفتيان الصغار والشباب يحفظون كتاب الله جل وعلا.

    سمعتم بالقراء الأربعة الذين تلقوا القرآن من محمد عليه الصلاة والسلام؟ ثلاثة من الأربعة من الشباب من الفتيان: معاذ بن جبل شاب، عبد الله بن مسعود شاب، سالم مولى أبي حذيفة شاب، ثلاثة شباب يحفظون كلام الله جل وعلا، ليكونوا نبراساً للأمة بعده.

    ترجمان القرآن

    فتىً صغير لا يتجاوز السابعة من العمر يتعلم الدين، ويحفظ القرآن، بل ويقرأ المفصل، بل ويسأل عن التفاسير، يموت عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنوات ويصير ترجمان القرآن، من هو؟

    إنه ابن عباس رضي الله عنه، ترجمان القرآن، ما من آية إلا وتجد له فيها قول، إذا قال ابن عباس فكفى، مات أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنين، إنهم الشباب، انطلقوا للجهاد معه عليه الصلاة والسلام فمن الذي كان يحمل الرايات؟ ومن الذي كان يقاتل، الشيوخ؟ لا. ولكن الشباب هم من حملوا هذا الدين على أعناقهم وعلى أكتافهم.

    عبد الله بن عمر

    ابن عمر في غزوة أحد: عبد الله بن عمر بن الخطاب أراد أن يقاتل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أريد القتال، قال: أنت لا تقاتل، قال: أنا أستطيع حمل السلاح، قال: أنت لا تقاتل، وكان عمره ثلاثة عشر سنة، وكان يجادل النبي صلى الله عليه وسلم على القتال، فجاء الخندق قال: الآن تجيزيني يا رسول الله! وعمره خمسة عشر سنة، فأجازه صلى الله عليه وسلم القتال.

    كان شباب وفتيان الصحابة يقفون على أصابعهم ليرتفعوا؛ حتى يجيزهم عليه الصلاة والسلام بالقتال، فإذا ردهم عن الموت والقتال بكوا: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ للجهاد، للموت، للسيوف، للدماء تتطاير: قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة:92].

    شبابهم يبكون على الموت في سبيل الله، وشباب هذا الزمن إلا من رحم الله يبكي لأن عشيقته لم تتصل به، يبكي لأنها فارقته، لا ينام أياماً وليالي ويصفَرُّ لونه ويضعف جسمه لما يا فلان؟ هل لأن فلسطين احتلت؟! هل لأن الشيشان تدمر؟! هل لأن المصحف يدنس؟! لا. لأن عشيقته تركته، لأن حبيبته لم تلتفت له، لأنه لم يحصل على تلك الحبوب أو لم يحصل على ذلك الشراب، يبكي أياماً وليالي.

    عمير بن أبي وقاص

    عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص: في يوم من الأيام أراد الجهاد وأراد القتال فرده عليه الصلاة والسلام فبكى، حتى رق النبي صلى الله عليه وسلم له فأجازه.

    يقول سعد: كنت أعقد له خمائل السيف، يعني: كان صغيراً فأربط السيف حتى يحمله، السيف قد ينزل على الأرض وهو يمشي من صغر، عمره ستة عشر سنة، يقول: فدخل المعركة فأصيب فقتل، وعمره ستة عشر سنة، أرأيت إلى الشباب؟ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

    علي بن أبي طالب

    شاب من الشباب اسمه علي بن أبي طالب: كل مسلم يعلم من علي، علي الأسد الشجاع، هذا الشاب في معركة خيبر اصطف الصحابة في صف واليهود في صف ثانٍ، خرج من بين المسلمين، وكان من عادة القتال في السابق، أن يخرج المبارزين من هذا الصف ومن هذا الصف يتبارزون قبل المعركة؛ ليحمى الوطيس ولتشتعل المعركة، يخرج أحد الأبطال من المسلمين وخرج من جانب اليهود رجلٌ يقال له مرحب؛ وهو من أشجع الأبطال ويعرف عند العرب كلهم، لو يقف أمامه عشرة لا يقدرون عليه، ومدجج بالدروع والأسلحة، سيف، ورمح، كل شيء عنده، ورجل كبير صاحب جسم ضخم، مدرب على السلاح لا يجابهه أحد، خرج من بين الصفوف، قائلاً:

    قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب

    إذا الحروب أقبلت تلهب

    يعني: كلهم يعرفون من هو مرحب، ويعرفون شجاعة مرحب، ويعرفون بطولة مرحب

    قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب

    إذا الحروب أقبلت تلهب

    من الذي خرج لـمرحب؟ من الذي ظهر ليبارزه؟ إنه الشاب الشجاع القوي، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتخيل شاب أمام رجل، هذا ليس عنده من الأسلحة الشيء الكثير وذاك مدجج بالأسلحة، هذا معروف بخبرته في القتال وهذا شاب صغير، خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يرد عليه شعراً بشعر، فقال:

    أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره

    أكيلهم بالسيف كيل السندرة

    وخرج المتبارزان وبدأت المبارزة والناس كلهم يتوجسون من الذي ينتصر؟ ضربة بضربة، وما هي إلا ضربة من علي يقسم به عدوه نصفين أمام الناس، فكبر الصحابة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إنها الشجاعة، وإنه الإيمان إذا دخل في القلوب.

    انظر أيها الأخ العزيز! إلى الشباب كيف كانوا يتحملون الأذى.

    خباب بن الأرت

    1.   

    الحقد الصليبي على الإسلام

    إن هذه التحديات المعاصرة هي واقعنا وعالمنا، وهذا الكلام أوجهه للشباب وللكبار وللشيوخ، كل منا متحدى بهذه التحديات، بل للرجال والنساء، بل حتى للأطفال.

    نحن نعيش في عالم يسيطر عليه اليهود والنصارى، ولا ريب في هذا

    يقضى الأمر حين تغيب تيم     ولا يستشهدون وهم شهود

    نحن الآن لا نتصرف حتى في أمورنا الخاصة، أذكركم حتى لا تنسون وحتى يسجل التاريخ هذا، وحتى لا يوصف المسلمون بأنهم متخلفون أو بأنهم إراهبيون رجعيون، نذكركم بالواقع الذي نعيشه، قبل بضعة قرون دخل النصارى بيت المقدس ، وأول من استحله النصارى قبل اليهود، فذبحوا ما يقارب سبعين ألف مسلم، نحروهم مثل الشياه، وهم يستبيحون تلك الأرض المقدسة.

    يقول أحد النصارى المستشرقين: كانوا يُكرهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعلى الأبراج.

    تخيل! يأتون بهم من فوق أعلى بناية وأعلى عمارة ويدفعونهم وهم أحياء، نساء، أطفال، رجال، تخيل هذا المنظر، يعني: يتفننون في قتل المسلمين، يقول: ويجعلونهم طعاماً للنار. يشعلون الحفر فيحرقون فيها المسلمين، بل يقتلون الجثث فوق الجثث.

    ويقول الآخر وهو من المستشرقين: كان دم المقهورين -أي: المسلمين- يجري في الشوارع، حتى -انظر الوصف الدقيق البليغ- كان الفرسان يصيبهم رشاش الدم وهم راكبون. فارس على دابته وحصانه يمشي فإذا وطأت قدمه دم المسلمين يصيبه من دم المسلمين.

    أرأيت كيف حقدهم! أرأيت ماذا يريدون منا! وما البوسنة والهرسك عنا ببعيد، وما الذي حصل في الشيشان ببعيد، وما المحرقة التي يحرقون بها لبنان ببعيد، حقد في القلوب: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] من ظن أنهم سوف يرضون عنا فإنه يخالف كتاب الله.

    انتبه يا أخي العزيز فإن كلام الله حق: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122] ما كانوا يميزون بين طفل وشاب أو امرأة وشيخ، يقتلون الجميع.

    أسمعت بـالأندلس ، وعرفت ما الذي حصل فيها؟

    أمة أبيدت من على الأرض، هذه أسبانيا الآن كانت في حضارة إسلامية، بل أكثر العلماء تخرجوا من الأندلس ، ولو تذهب الآن إلى الأندلس لا تجد رائحة للإسلام، حولوا تلك المساجد إلى متاحف، كانوا يضعون الرجل في تابوت مخرق بالخناجر ويغلقونه بقوة، حتى يتعذب شيئاً فشيئاً فيموت.

    كيف كانوا يعرفون المسلمين؟ المسلمين تنكروا لدينهم خوفاً على أنفسهم، فكان النصارى يأتون إلى الأطفال فيكشفون عن عوراتهم فإذا رأوه قد ختن علموا أن عائلته مسلمة فقتلوهم جميعاً: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً [التوبة:10] حقد على المؤمنين من اليهود والنصارى، ثم بعد هذا يقولون: المسلمون إرهابيون، المسلمون يقتلون.

    قتل امرئٍ في غابة     جريمة لا تغتفر

    وقتل شعب كامل     مسألة فيها نظر

    انظروا إلى قضية الشيشان الآن، كم ألف قتل، وكم ألف فُجِّر، ومازالت المسألة فيها نظر، ومباحثات، وجولات، المسألة فيها زيارات، ثم لما أجلوا إلى تلك المخيمات وإلى تلك المعسكرات لم يسلموا، فرجالهم يعذبون صباح مساء، ونساءهم تغتصب على مرأى ومسمع من العالم كله، ولا يحرك أحد ساكناً.

    أين الشباب؟

    أيحق لنا بعد هذا أن ننام نومة هنيئة؟!

    أيحق لنا بعد هذا أن ينادي ربنا للصلاة فنتولى؟!

    أيحق لنا أن نهجر المصاحف بعد أن علمنا أن اليهود والنصارى الحاقدون يريدون القضاء على هذه الأمة؟!

    أيحق لنا بعد هذا أن نرضى عنهم ونحبهم ونودهم؟!

    1.   

    حال الأمة الإسلامية في هذا الزمن

    إن النصر عند المسلمين في هذا الزمن ليس نصر الحروب والمجد، بل أصبح في بعض الأمور التافهة، مثل: لعب الكرة، والرياضة ليست بحرام، وأنا لا أحرم الرياضة، ولا لعب الكرة إذا كانت بقدر مباح، ولكن إذا تجاوز الأمر حتى صارت انتصارات المسلمين في ملاعب الكرة، وصار المسلمون يكرهون بعضهم بعضاً لأجل الكرة ولأجل الملاعب فحرام، أيها الأخ العزيز! ما الذي يحدث في ملاعبنا؟! وما الذي يجري في مبارياتنا؟! المسلمون يريدون الانتصار لكن ليس في المعارك بل في الكرة، وأخبرك أن اللعب ليس بحرام ولكنه بقدر، اسمع الشاعر كيف يصف أحوال المسلمين.

    للأسف:

    عربات تدفقت     تشبه الهائج الخضم

    وعليها تكومت      زمرٌ طيشها احتدم

    ماجت الأرض بالورود     وداء الضجيج عم

    فتساءلت والأسى     ينبض القلب بالألم

    هل فلسطين حررت     وقطاف العناء تم

    أم بـكشمير دمرت      قوة الغاصب الأذم

    قيل لا بل فريقنا     فاز في لعبة القدم

    أي سخف مدمر     عن فساد الشعوب نم

    وإلى أي خيبة     هبطت هذه الأمم

    ألف مليون أصبحوا     كغثاء بشط يم

    ومصلى نبيهم     بيد اللص يقتسم

    أنا أقسمت بالذي     برأ الكون من عدم

    وكسا ثوب عزة     كل من بالهدى اعتصم

    إن ركنا لعزنا     وقنعنا بالنعم

    فخطى الخصم ماضيات     من القدس للحرم

    عندها يندم الجميع     يوم لا ينفع الندم

    صار عزنا اليوم في المباريات، يقولون: نجم، على أي شيء صار نجماً أو صار بطلاً؟ لأنه غنى أغنية، أو لأنه مثل في مسلسل، حتى صار القدوات اليوم للشباب ليس صلاح الدين ، صار القدوات في هذا الزمن إما ممثل أو ممثلة، أو مطرب أو مطربة، أو مغني أو مغنية، أين صلاح الدين؟ أين سعد بن أبي وقاص أول رامٍ في الإسلام؟ أين علي بن أبي طالب أول فدائيٍ في الإسلام؟ أين الشيخان أبو بكر وعمر ، أين أولئك الأبطال؟ نسوا إلا ممن رحم الله جل وعلا، صار الشاب الصغير منذ صغره يعلق على فنيلته وعلى ملابسه بعض صور أعداء الله، صور أناس عرفوا بأنهم يتعاطون المخدرات أو ماتوا بتعاطي المخدرات.

    1.   

    العقبة الكئود أمام الغرب النصراني

    اسمع أيها الأخ العزيز! إلى أحد كبار الوزراء في دولة غريبة نصرانية يقول: إن العقبة الكئود أمام استقرارنا بمستعمراتنا في بلاد الإسلام شيئان.

    شيئان هما العقبة الكئود، اللذان يمنعاننا عن الاستقرار في هذه المستعمرات، ما هما؟ هل تظن أنها أعدادنا؟ ألف مليون، هل تظن أنها أموالنا التي تغطي العالم كله؟ هل تظن أنها مناصبنا أو وجاهتنا؟ كل هذا لا يسوى عندهم شيء، انظر ما الذي يصعب الأمر عليهم.

    قال: شيئان لا بد من القضاء عليهما: أولهما هذا الكتاب وأشار إلى القرآن، ثم سكت واتجه نحو القبلة وقال: الكعبة، هذان الأمران هما اللذان يمنعاننا من الاستقرار في بلادنا.

    بثوا الشبهة، أثاروا الشكوك، صار الشاب المسلم في حيرة من أمره هل صحيح ما يقال: إن الإسلام دين إرهاب، دين تخلف، دين رجعية؟ صار بعض الشباب يتساءل: هل صحيح أنه في يوم من الأيام كان لنا عز؟ هل صحيح أن الإسلام مصدر عزنا؟

    بدأ بعض الشباب يتساءلون: هل يصلح القرآن لهذا الزمان؟ إنا لله وإنا إليه راجعون!

    بدأت فتيات يتكلمن ويقلن: إن القرآن لم ينصفنا، والدين قد بخسنا حقنا، فلابد من التحرر، ولابد من نزع الحجاب، وإلقائه، ولابد من تكسير تلك القيود، وهؤلاء مساكين، خرجوا من الحرية إلى العبودية، خرجوا من عبادة رب الأرباب إلى عبادة البشر والدنيا والشهوات، انظر إلى وسائلهم، اتهموا المصلحين والدعاة إلى الله، والعلماء، والمشايخ، قالوا: متطرفين متنطعين، رجعيين، قالوا وقالوا وقالوا: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ [الذاريات:52-53] سبحان الله، كأن واحداً يوصي الآخر، كأن أمة توصي التي بعدها: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ .

    1.   

    خطورة العلمانية

    جاء فرعون إلى موسى عليه السلام قال له: ترجع؟ قال: لا أرجع، قال: أنت مجنون، قال: إن كنتم تعقلون، قال: ماذا تقول؟ قال: قال: أسجنك، قال: اسجني، أتى بالسحرة فإذا بموسى عليه السلام يواجه السحرة، فنصره الله تعالى عليهم.

    تشكيك في الدين، بدءوا يزرعون أناس في بلاد المسلمين يكتبون كل شيء باسم الإسلام، أسماءهم: عبد الله وأحمد ومحمد وأسماء الأنبياء والصالحين، كأن الحديث الصحيح بدأ يتمثل الآن: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم قذفوه فيها) يقولون: نحن نصلي لكن وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] يستهزئ، فإذا جلس قال: أنا أخاف الله، نحن مسلمون ومؤمنون: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205] بل عقدوا مؤتمرات يناقشون فيها هل يصح أن تكون العصمة بيد الرجل؟ لماذا لا تطلق المرأة الرجل؟ هل هذا عدل أن الذكر يأخذ حظ الأنثيين؟ لابد أن نعيد النظر في هذا، قالوا: لا بد أن نعيد النظر في الأسرة، هل يجب أن تكون من رجل وامرأة؟ لمَ لا تكون الأسرة من رجلين؟ أو من امرأتين؟ مؤتمرات تعقد وتنشر في بلاد المسلمين، حتى يشككوا المسلمين في دينهم.

    يوم من الأيام كنت أصلي وبعد الصلاة ذهبت فاستقبلني شاب صغير، قال: أين كنت؟ قلت: في الصلاة، وكان يتكلم صادقاً، قال: إلى متى تصلون؟ قلت: له ماذا تقصد؟ قال: يا أخي الناس تطورت، والناس وصلوا الآن القمر، وأنتم إلى الآن تصلون، وكان صريحاً، أراد الخير، أراد أن يخبرني عما وصل إليه في قلبه، قلت: تتكلم بحق؟ قال: نعم، الناس تطورت، وصلت القمر، اكتشفت الذرة، وأنتم لا زلتم تصلون، قلت له: إنا لله وإنا إليه راجعون! كيف أجيبه؟ إذا وصلوا إلى القمر نحن نريد أن نصل إلى الفردوس الأعلى، إذا كانوا فعلوا ما فعلوا فإنهم لم يعلموا حقيقة خلقهم وحياتهم.

    وإيليا أبو ماضي ، اسمعوا ماذا يقول؟

    جئت من أين لا أدري ولكني أتيت

    ثم أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

    وسأبقى سائراً شئت هذا أم أبيت

    لست أدري لست أدري لست أدري

    لا يدري لماذا يعيش، ولا يدري لما يحيا.

    يُسب الرسول ويشتم الدين ويطعن في القرآن، يطعن في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يشكك في الدين، ووصل الأمر إلى بعض جرائد المسلمين، حتى يسهلوا على المسلمين الطعن في دينهم.

    هنا رجل يعاقب ويلاحق، ثم الآخر، ثم الثالث، ثم الرابع، حتى يقول المسلمون:

    تكاثرت الظباء على خراش     فما يدري خراشٍ ما يصيد

    1.   

    حال صغار الصحابة

    عبد الرحمن بن عوف في غزوة بدر يقول: وأنا واقف قبل المعركة غمزني شاب فالتفت عن يميني فإذا شاب صغير، قلت له: ماذا تريد؟ قال: يا عم! أين أبو جهل؟ -يريد من؟ يريد أبو جهل، يريد قائد المعركة، يريد سيد القوم، لا يريد أي أحد- قال: وما شأنك وشأنه يا بني؟ قال: يا عم سمعت أنه سب رسول الله، قال: والله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، يعني: يا إما أن أموت أنا أو هو يموت، يقول: فعجبت من أمره، فغمزني شاب عن شمالي، فنظرت فإذا هو شاب آخر يقول لي نفس الكلام -اثنين يبحثون عن أبي جهل - يقول: بعد قليل حمي الوطيس واشتدت المعركة، وقلت لهما، وكانا بجانبي، هذا صاحبكما، يقول: والله انقضا عليه كالصقر يضربانه من كل جهة.

    أبو جهل الذي عادى الدعوة، فرعون هذه الأمة شابان صغيران ينقضا عليه كل واحد يضربه من جهة، يقول: وما هي إلا لحظات وسقط على الأرض وقتلاه وهرعا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، هو في الحقيقة لم يمت، وأجهز عليه شاب ثالث هو ابن مسعود كان ينتظر تلك اللحظة المثيرة حتى ارتقى على صدره ابن مسعود فقال له أبو جهل وهو في الرمق الأخير: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم، انظر العزة بالإثم، انظر الكبر حتى عند الموت، قال لمن الدائرة اليوم، انظر حرصهم على نصر باطلهم حتى في الرمق الأخير، من الذي ينتصر الآن؟ قال: لله ورسوله يا عدو الله، فحز رأسه، وجاء الشابان إلى محمد عليه الصلاة والسلام كل واحد يقول: يا رسول الله! أنا قتلته، أنا قتلته، فقال عليه الصلاة والسلام: هل مسحتما سيفكما؟ قالا: لا، فنظر إلى السيف ثم قال عليه الصلاة والسلام: (أبشرا أبشرا كلاكما قتله).

    الآن لا نريد هذا، نريد أقل من هذا، نريد من يكتب في نصرة دين الله مقالة في جريدة، نريد من يقوم في مسجد يتكلم، نريد أدنى من هذا، نريد من يشتري عشرة أشرطة إيمانية تتحدث عن الصلاة يوزعها في عمله، أو في مدرسته، أو عند جيرانه، نريد شاباً يتبرع بطباعة مصاحف تنشر في أفريقيا ، نريد شاباً شجاعاً إذا قام لصلاة الفجر أيقظ إخوانه وأخواته وأمه وأباه، بل طرق الباب على الجيران.

    أذكر شاباً صغيراً كان يستيقظ كل يوم قبل أذان الفجر يتجول على البيوت يطرق الأبواب يوقظهم لصلاة الفجر، وربما إلى الآن يفعل هذا الفعل: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

    1.   

    الشهوات عقبة أمام الشباب

    تحديات العصر أكبر وأكبر من هذه الشبهات فقط، تحديات العصر في الشهوات:

    الشهوات التي دخلت في كل بيت، النساء، الأغاني، الطرب، الحفلات، الفضائيات وصلت إلى بيوتنا، بالله عليكم هل خلا بيت منها؟ هل خلا بيت من هذه الشهوات، وهذه الملهيات؟ هل خلا شاب من التعرض لها؟

    اسمع أيها الأخ الكريم إلى الرب جل في علاه كيف يربينا ويوجهنا! يقول الله جل وعلا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] في البيت لوحدك لا يوجد أحد وعندك الجهاز، إنترنت يفتح لك العالم كله، صفحة واحدة بين يديك تتجول على العالم كله في بضع ثوانٍ، ثم بعد هذا ما الذي يمنعك أن تضع تلك الكلمة فتدخل على هذا الباب؟

    إنه الخوف من الله، إنها مراقبة الله لا غير، مهما منعت، مهما روقبت، فإنه ليس أعظم من مراقبتك لله جل وعلا، ما الفاصل الذي يجعلك تدخل على برامج القرآن والإسلام، والمقالات الإسلامية وأخبار الإسلام، والأخبار المفيدة والمعلومات النافعة، وبين أن تدخل على الجانب الآخر، ما الذي يمنعك؟ إن لم يكن الخوف من الله جل وعلا.

    يقول الله جل وعلا عن يوم القيامة: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الكهف:49] يوم القيامة تتطاير الصحف، ووقت تتطاير الصحف تسود وجوه وتبيض وجوه، تخيل الصحيفة تأتيك فيُسهل الله لك مسك الصحيفة باليمين، ومن الناس من يريد أن يأخذها باليمين فتلتف يده وراء ظهره، فإذا التفت وراء ظهره قبض صحيفته بشماله، لا إله إلا الله، يسود الوجه بعد هذا، ويبدأ بالصياح فيفتح صحيفته: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14] ترى ذاك اليوم لا يوجد أحد، فتح ذلك الإنترنت ودخل على كل حرام وكل صورة خليعة، مسكين، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] لا يدري أن الله يراه، يفتح صحيفته يوم القيامة: فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً [الكهف:49] كل نظرة، وكل كلمة، وكل لحظة مكتوبة: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49].

    شباب المسلمين الآن مستهدفين بهذه الأجهزة وتلك الفضائيات، ولا يدرون أن الله مطلع عليهم، يفتح قنوات فضائية على صور خليعة، أفلام ماجنة، رقص، طرب، وإذا قلَّب القناة وجد إذاعة قرآن، أو درس ديني، أو برنامج مفيد، تركه ولم يأبه به، سبحان الله! أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].

    بل أكثر من هذا، الآن المسلمون مستقصدون حتى بالمخدرات، انظر إلى مناطقنا التي بفضل الله تتمسك لا زالت بالدين وبالعادات الحسنة، تغرق الآن بالمخدرات، ترسل إليها المخدرات من جميع الدنيا، حتى صار بعض شباب المسلمين أسارى وأي أسارى لتلك الحبوب وهذه الإبر، كم واحد منهم يموت بسوء الخاتمة؟ سلوا المسئولين، سلوا المتخصصين، هل حقاً هناك من يموت بالمخدرات؟ إحصائيات عجيبة في بلاد المسلمين.

    رأيت بعيني صوراً لشباب ماتوا بالمخدرات وقد تجمع النمل على أجسادهم؛ وتخيل منظره، وسوء الخاتمة.

    بل رأيت أخطر وأكبر من هذا، شاب عندما مات في المخدرات على هيئة سجود، لا ندري سجد لمن؟ الله المستعان، لا ندري هل سجد لشيطانه؟ أو لشهوته أو لغير هذا؟

    ثلاثة شباب يسافرون إلى بلاد الكفر، يذهبون إلى المراقص، يشربون الخمر، يعاشرون النساء، لحظة من اللحظات وهم في مرقصهم في لهوهم في الثلث الأخير من الليل سقط أحد الثلاثة على الأرض وهو سكران، جاءه أصحابه يهزونه فإذا هو يحتضر، يا فلان ما الذي يحدث؟ وأحدهم كان في وعيه، قال له: قل لا إله إلا الله، قل لا إله إلا الله، قال: زدني كأس الخمرة، زدني كأس الخمرة، يا فلان يا فلان، ثم مات، رجع اثنان إلى بلدهم ومعهم الثالث في تابوت، إنا لله وإنا إليه راجعون، شهوات يغرق بها المسلمون.

    أما تخاف يا أخي الكريم، أما تخاف أن تقول في اللحظة الأخيرة، مرة أفعلها وأتوب إلى الله، ما يدريك لعل خاتمتك تكون في هذه اللحظة.

    الله جل وعلا يأتي بالناس في يوم القيامة فيأتي بالعبد فيقول له: عبدي ماذا فعلت؟ يقول: يا رب لم أفعل شيئاً في الدنيا؛ أصلي وأصوم وأذكرك، ولا يذكر السيئات ويذكر الحسنات، فتأتي الملائكة تشهد عليه؛ لأن معك ملائكة لا يفارقونك، تأتي الملائكة تشهد، ويأتي الصالحون يشهدون: يا رب نصحناه لكنه لم ينصح، يا رب علمناه فلم يتعلم.

    فيقول بعد هذا: ربي لا أقبل شاهداً إلا من نفسي، فيقول الرب جل وعلا: لك ذاك، فيختم الله على فمه ويبدأ الجلد فيتكلم، واليدان فيتكلمان والرجلان يتكلمان: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون [يس:65].

    في أمريكا طائفة يسمونها المورمن يخبرني أحد الدكاترة، يقول: إن هذه الطائفة إذا بلغ الشاب سن الرشد، لزم إلزاماً دينياً أن يؤخذ من أهله سنتين، يذهب فيها إلى معسكرات للتربية، يربونه، يترك كل شهوات الدنيا وملذات الدنيا، سنتين كاملتين، لا يحق له أن يتصل بأهله إلا في كل بضعة أيام مرة وزمن محدد، لا وأكبر من هذا أن هذين السنتين كلها على حساب أهله، سفر، وإقامة، وأكل وشرب كله على حساب الأهل، هذا واجب ديني عندهم، سنتين لأجل دينهم فأين شباب المسلمين؟ أين رجال المسلمين؟ الواحد بعض المرات ولده يقول: أريد أن أذهب إلى العمرة؟

    أما الفضائيات وما أدراك ما الذي تحدثه في هذا الزمن؟ إنها تنخر الدين نخراً، حتى يصبح الرجل ليس له من الدين إلا الظاهر، بل أعلم عن أناس بسببها انتكسوا وتركوا حتى الصلاة، الفضائيات فيها خير وشر كثير، ولكن من الذي ينتقي الخير ويترك الشر؟! كن صادقاً مع نفسك، وكن مراقباً لله جل وعلا.

    1.   

    هذا حال السلف مع ذكر الله

    الإمام أحمد جالس في درس، دخل عليه أحد الشعراء فأخبره بشعر، ثم ذهب، فقام الإمام أحمد من المجلس وأغلق على نفسه الباب، والطلبة ينتظرون فلم يخرج الإمام أحمد ، فذهبوا إلى الغرفة فإذا الإمام أحمد يبكي لما ورد في الشعر، وأخذ يردده ويبكي، ما هو هذا الشعر؟

    إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل      خلوت ولكن قل عليّ رقيب

    ولا تحسبن الله يغفل ساعة     ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

    لهونا لعمر الله حتى تتابعت     ذنوب على آثارهن ذنوب

    فيا ليت أن الله يغفر ما مضى     ويأذن في توباتنا فنتوب

    هذا حال الإمام أحمد ، فكيف بالذي يجلس أمام النساء ويكلمهن، ووقته مع الفضائيات، والأفلام الخليعة، ويفعل ويفعل، وسيارته امتلأت بأشرطة الأغاني والطرب، وإن سألته من أحب الناس إليك؟ قال: الممثلة الفلانية، والمطربة الفلانية، ولا يدري المسكين أن المرء يحشر مع من أحب، تريد أن تحشر مع من؟ مع محمد عليه الصلاة والسلام، مع إبراهيم وموسى وعيسى، مع أبي بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وطلحة بن عبيد الله وبلال ، أم مع تلك المغنية الساقطة، أو الراقصة الفاجرة، أو الممثلة الخليعة، تريد أن تحشر مع من؟ أجب على نفسك بهذا السؤال، أجب وكن صادقاً مع نفسك: (يحشر المرء مع من أحب).

    والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) حديث صحيح، وأكثر ما يدخل الناس النار هو الفم والفرج، إذاً اتق الله وانتبه.

    يقول أحد اليهود، وكان صادقاً في هذه الكلمات: نحن اليهود لسنا إلا سادت العالم ومفسديه ومحركي الفتن فيه وجلّابيه. هل كذب في هذا العصر؟ والله صدق، هم يسوسون العالم طبعاً بأمر الله، نعم كتبت عليهم الذلة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، هم الذين تركوهم يفعلون هذا الأمر، قال: ومحركي الفتن. تظنون هذه أكثر الفضائيات الخليعة، ووسائل الدمار في الإنترنت، وبعض المخدرات التي تبث في العالم، تظنون من وراء هذا كله؟ لو رجعت لوجدت الأمر أو المصدر الأساسي اليهود في العالم كله، يغرقون المسلمين بهذا.

    وأسامة بن زيد هذا الشاب عمره سبعة عشر عاماً يقود جيشاً فيه أبو بكر وعمر ، أين شباب المسلمين في هذا الزمن؟ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

    رأيت في أفلام عن البوسنة شباباً أعمارهم أقل من العشرين سنة والله رأيت أحدهم في الفيلم المصور مقتول يدفن وهو مبتسم، ووالله أنت لمّا ترى هذا المشهد تدمع عينك وتأسف على حالك، وتقول: والله فازوا.

    هذا عبد الله بن حرام يطعن، ثم أخذ الدم ومسح به على وجهه، وقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة ثم يموت.

    انظروا إلى الأوائل وانظروا إلينا، أولئك يموتون لنصر دين الله، وهؤلاء يموتون في إبرة مخدر، قال الله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36].

    من وسائل الحرب على الشباب والشابات في هذا الزمن: أن يؤثر الناس على المسلمين في الحضارات الغربية، حتى صوروا الحضارة الغربية ألا عيب فيها، ولا شيء سيئ في هذه الحضارات، حتى صار الشباب اليوم يتأثرون بالملابس وباللغة، يتكلمون كلمات ليست إسلامية، سلامهم وتحيتهم ليست إسلامية، ملابسهم تغيرت، شعورهم تغيرت، أحاديثهم تغيرت، مجالسهم تغيرت، ما الذي حدث؟ ما الذي جرى؟ تأثروا بالحضارات الغربية: أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51].

    بعضهم يفتخر: أنا ولدي يدرس في مدرسة إنجليزية، يفتخر ويعرف أنه اختلاط، وتضييع هوية الولد، ويحتفلون بأعياد النصارى وبرأس السنة، بل يضعون الصليب على بعض احتفالاتهم، يفتخر: أنا ولدي يدرس في مدرسة إنجليزية، أو يفتخر لأنه يقيم في بلاد الكفر، يفتخر لأن لهجته الآن ليست عربية، يفتخر أنه يتعلم لغات ليست لغات عربية وإسلامية.

    1.   

    قصة الغلام مع أبي قدامة

    آخر قصة: قصة غلام سمع رجلاً يحث على الجهاد في سبيل الله، فلما انتهى من الخطبة قال: يا شيخ! أريد الجهاد، قال: أنت صغير، قال: والله لتحملني معك، أقسم بالله لتأخذني للجهاد معك، فأجابه وأردفه على دابته وسار، وقبل أن يسير جاءته امرأة وقالت: يا شيخ ليس عندي شيء أتبرع فيه إلا هذا الظرف، فلما فتح الظرف وجد فيه ظفيرة المرأة؛ شعرها، لا تملك من الدنيا إلا شعرها، وليس عندها مال، تقول: وكتبت له رسالة، أسألك أن تجعل ظفيرتيَّ رباطاً لفرسك.

    هل عند المرأة شيء أغلى من شعرها، قطعت الشعر ليجعل رباطاً للفرس، ذهب الشيخ ومعه الغلام الصغير، أثناء المعركة بدأت المعركة وبداءوا يترامون بالسهام والنبال، قال الغلام للشيخ: يا شيخ! أعطني السهام، قال: أنت صغير، قال: أعطني، فأعطاه ثلاثة أسهم، فرمى بالسهم الأول وقال: بسم الله فرمى نصرانياً وقتله، وكذا الثاني والثالث، ولما اشتدت المعركة رمي الغلام بسهم فأصيب، وسقط من أعلى الدابة، ونزل الشيخ ينظر إلى الغلام، وهو الآن يحتضر والدم يسيل منه، فقال له: أتريد شيئاً؟ قال: نعم، أبلغ سلامي على أمي وأخبرها بخبري، قال الشيخ للغلام: يا غلام وما أدراني من هي أمك؟ قال: أمي صاحبة الظفيرتين -أرأيت إلى أمهات ذلك الزمن، ابنها وشعرها- قال الشيخ للغلام: يا غلام أذكرك العهد الذي بيني وبينك، ومات الغلام، فلما رجع الشيخ إلى البلد، طرق الباب، وفتحت أخت الغلام، قالت: أتبشرنا، قال: نعم أبشركم بموت ولدكم، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! مات أبي فاحتسبناه عند الله، وقتل أخي الكبير فاحتسبناه عند الله، والآن يموت أخي الصغير ونحتسبه عند الله. دين الله جل وعلا يحتاج إلى أولئك الذين يتنبهون لدينهم، ويحفظون دينهم وينشرونه في الآفاق، فماذا صنعنا لهذا الدين؟

    أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما تكلمنا وذكرناه في هذا الدرس، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وأشكر في النهاية النادي العلمي القطري على هذا المجهود الكبير الذي أرجو من الله عز وجل أن تحذو جميع النوادي حذوهم وجزاهم الله كل خير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756471974