إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين، وهم لا يدخرون جهداً في تثبيط همم المؤمنين، والنيل من عزيمتهم، وتشكيكهم في سلامة منهجهم وصدق دعوتهم، ولقد ذكر الله عز وجل دورهم في معركة الأحزاب وسطره في كتابه العزيز، مبيناً خبث طويتهم، وما يعتمل في نفوسهم من الغيظ والحقد على المؤمنين، ومبيناً ما يتمتعون به من صفات خسيسة تدل على وضاعة نفوسهم ولؤم طبعهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [الأحزاب:15-19].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! غزوة الأحزاب التي تعرف بغزوة الخندق تقدم السياق والحديث عنها، وقد وقعت وراء جبل سلع الموجود الآن.

    يقول تعالى: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:15]. وهؤلاء هم ضعاف الإيمان المنافقون، فهم لما فروا منهزمين من غزوة أحد في السنة الماضية قالوا: لئن أحيانا الله وأشهدنا الله قتالاً لنقاتلن في سبيل الله، وأعطوا الله هذا العهد، ولذلك قال تعالى: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ [الأحزاب:15] على أنهم لا ينهزمون، و لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ [الأحزاب:15] أبداً. وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:15]، معهم ومع غيرهم، فمن عاهد الله على أن يفعل شيئاً أو يترك شيئاً فيجب أن يفي بوعد الله، وعهد الله يسأل عنه صاحبه، غنياً كان أو فقيراً، عالماً أو جاهلاً. فمن عاهد الله على شيء يجب ألا يخون، و( آية المنافق ثلاث، ومنها إذا عاهد غدر ). ولم يف.

    وهنا يقول تعالى لرسوله والمؤمنين: وَلَقَدْ كَانُوا [الأحزاب:15]، أي: أولئك المرضى عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:15].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ...)

    قال تعالى: قُلْ [الأحزاب:16]، لهم يا رسولنا، لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ [الأحزاب:16]. فهو والله ما ينفع. فـ قُلْ [الأحزاب:16] لهم يا رسولنا! والمبلغ عنا لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ [الأحزاب:16]. بل إن فررتم من الموت فستموتون، وإن فررتم من القتل فستموتون؛ إذ لا حياة ولا بقاء في هذه الدنيا أبداً، ولابد من الموت. وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16]، أي: بعد ما تهربون من القتال وتشردون وتخافون فسوف تموتون، ولن تحيوا إلا أمداً محدوداً، ساعات أو أياماً، أو أشهراً أو أعواماً، وتموتون. فلا معنى للفرار من الجهاد، والهروب من قتال الكفار. وهؤلاء كما قلت لكم ضعاف الإيمان، وأكثرهم منافقون، فقد انهزموا، وما استطاعوا أن يقاتلوا. وهكذا يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، قُلْ [الأحزاب:16]، أي: لهؤلاء المرضى: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16]. سواء سنوات محدودة، أو أياماً أو أشهراً؛ إذ ليس هناك بقاء ولا خلد في هذه الدنيا. فلهذا من العجب أن يفر الإنسان من القتال -وهو واجب وفريضة الله التي فرضها- خشية أن يموت، وليس له أن يحيا أبداً، بل لابد وأن يموت، ولأن يموت شهيداً أفضل مليون مرة من أن يموت في مرضه وعلى فراشه، ولذلك قال تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ [الأحزاب:16] في هذه الدنيا بالأكل والشرب إلا أياماً وتنتهي حياتكم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل من ذا الذي يعصمكم من الله ...)

    قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ [الأحزاب:17] لهم: مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ [الأحزاب:17]؟ أي: يحفظكم ويدفع عنكم إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة، فلا تفروا وتهربوا من القتال وتتركوا رسول الله والمؤمنين وحدهم. وإذا أراد الله أن ينزل بكم نقمته وعذابه والموت فلا أحد يعصمكم من الله، ولا أحد يرحمكم من الله إذا لم يرد بكم الرحمة. هكذا يذكرهم بالله عز وجل، وبهذا تربوا ودخلوا في الإسلام. فقد قال تعالى لهم: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا [الأحزاب:17]، أي: شيء يسيء إليكم وتتأذون به، سواء مرض أو جوع، أو فقر أو بلاء تصابون به، أو يصيبكم برحمة من عنده. وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:17]. وحقاً لا يوجد نصير لهم دون الله، فمن هزمه الله مستحيل أن ينتصر، ومن لم يواله الله بل تركه وعاداه لم يجد ولياً ينصره ويتولاه، والله ما كان هذا.

    فليس هناك إلا الله يجب أن نواليه؛ لتتحقق ولايتنا له، ويكون ذلك بشيئين معلومين عند السامعين: الإيمان والتقوى. فيجب أن نوالي الله، وأن نجعله ولياً لنا، وأن نكون أولياء له، وذلك بشيئيين: بالإيمان الصحيح الذي جاء في الكتاب الكريم وعلى لسان سيد المرسلين، والتقوى التي هي الخوف من الله، التي يحمل الخائف على ألا يعصي الله ورسوله أبداً، لا بترك واجب ولا بفعل حرام؛ إذ قال الله في بيان أوليائه: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. وهم: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. فأي مؤمن ذكر أو أنثى .. عربي أو عجمي آمن حق الإيمان واتقى الله، ولم يعصه ولم يخرج عن طاعته إلا ووالله إنه لولي الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قد يعلم الله المعوقين منكم ...)

    قال تعالى لهؤلاء المنافقين ضعفة الإيمان: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:18]. وهؤلاء هم الطابور الخامس كما يعرفون في الاصطلاح. فهؤلاء يعوقون المجاهدين، فهم يقولون: لم تقاتل؟ وما الفائدة؟ وكيف ينتصر محمد والجيوش تحاصره من الشمال والجنوب، والشرق والغرب؟ ومثل هذه الأقوال. فهم معوقون. وقد علمهم الله وعرفهم، فهو خالقهم، وهو يخبرهم بما هو واقع، فيقول لهم: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ [الأحزاب:18] عن الجهاد وعن القتال؛ حتى ما يخرجوا من بيوتهم إلى جبل سلع مع رسول الله والمؤمنين. فقال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ [الأحزاب:18] في النفاق والكفر: هَلُمَّ إِلَيْنَا [الأحزاب:18]، أي: تعالوا، فطلبوا منهم أن ينزلوا من سلع، ويأتوا إلى بيوتهم في المدينة، فقالوا: هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:18]. ولا يخرجون مع الرسول في كل غزوة إلا إذا كانت الغزوة عامة، وما عدا ذلك ما يخرجون، ولم يخرج منهم أحد في بدر، كما قال تعالى: وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:18]. والبأس هو: القتال والحرب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أشحة عليكم ...)

    قال تعالى مخبراً عنهم أيضاً: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ [الأحزاب:19]. جمع شحيح. والجبن والشح مرضان لا نظير لهما، فهم جبناء من جهة، وأشحة ما يساعدون لا بدرهم ولا بحفنة تمر، والمؤمنون يبذلون ويزيدون، وهم أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ [الأحزاب:19] يا أيها الرسول! ويا أيها المؤمنون! فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [الأحزاب:19]. فهم إذا طوقت المدينة وجاءت الأحزاب من كل جهة يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [الأحزاب:19]، وهو على سرير الموت. فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ [الأحزاب:19]، أي: ذهب ما يخافون منه من قتال المشركين سَلَقُوكُمْ [الأحزاب:19]. وقطعوكم ومزقوكم بالكلام بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ [الأحزاب:19]، والعياذ بالله. أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ [الأحزاب:19]. ولا يبذلون ولا درهماً ولا ديناراً أبداً، وإن بذلوا يوماً فهو من الأيام من أجل أن يراءوا بذلك، وحتى لا يقال: منافقون ولا كافرون. أُوْلَئِكَ [الأحزاب:19] البعداء من كل خير من الإيمان وساحة المؤمنين لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ [الأحزاب:19]. والكافر لا يقبل منه عمل صالح، ولو جاهد .. ولو رابط .. ولو أنفق .. ولو بنى مسجداً .. ولو فعل ما فعل، فلا يثاب على ذلك أبداً؛ لأن الشرك محبط للعمل، ولهذا قال تعالى: فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [الأحزاب:19].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    معاشر المستمعين! أسمعكم شرح الآيات من الكتاب؛ لنزداد بصيرة وعلماً. قال: [ معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في عرض أحداث غزوة الأحزاب ] وقد كانت في السنة الخامسة [ فقوله تعالى: (( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ ))[الأحزاب:15]، أي: ولقد عاهد أولئك المنافقون الله من قبل غزوة الأحزاب، وذلك يوم فروا من غزوة أحد؛ إذ كانت قبل غزوة الأحزاب بقرابة السنتين، فقالوا: والله لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن، ولا نولي الأدبار. فذكرهم الله بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم ثم نكثوه. (( وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ))[الأحزاب:15]، أي: يسأل عنه صاحبه ويؤاخذ به ] وكما قلت لكم: من عاهد الله يجب أن يفي وإلا يهلك؛ لأنه (( وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ))[الأحزاب:15]، أي: يسأل عنه صاحبه ويؤاخذ به. [ وقوله تعالى: (( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ))[الأحزاب:16]، أي: قل لهم يا رسولنا! إنه (( لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ ))[الأحزاب:16]، أي: الهروب من الموت أو القتل؛ لأن الآجال محددة، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ] تعددت الأسباب والموت واحد [ فلا معنى للفرار من القتال ] والهرب [ إذا وجب. وقوله ] تعالى: [ (( وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ))[الأحزاب:16]، أي: وإذا فررتم من القتال فإنكم لا تمتعون بالحياة إلا قليلاً من الزمن، ثم تموتون عند نهاية أعماركم، وهي فترة قليلة. فالفرار لا يطيل أعماركم، والقتال لا ينقصها. وقوله تعالى: (( قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ))[الأحزاب:17]؟ أي: قل لهم يا رسولنا! تبكيتاً لهم وتأنيباً وتعليماً أيضاً: (( مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ ))[الأحزاب:17]؟ أي: يجيركم ويحفظكم من الله؟ (( إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا ))[الأحزاب:17]، أي: ما يسوءكم من بلاء وقتل ونحوه، (( أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ))[الأحزاب:17]، أي: سلامة وخيراً. فليس هناك من يحول دون وصول ذلك عليكم؛ لأن الله تعالى يجير ولا يجار عليه. وقوله تعالى: (( وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ))[الأحزاب:17]، أي: ولا يجد المخالفون لأمر الله العصاة له ولرسوله، لا يجدون من دون الله ولياً يتولاهم، فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء، ولا نصيراً ينصرهم إذا أراد الله إذلالهم، وخذلانهم لسوء أفعالهم. وقوله تعالى في الآية (18) في هذا السياق: (( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ))[الأحزاب:18]، أخبرهم تعالى بأنه قد علم المعوقين، أي: المثبطين عن القتال، والمخذلين بما يقولونه سراً في صفوف المؤمنين، كالطابور الخامس في الحروب، وهم أناس يذكرون في الخفاء ] وفي الليل والظلام فيما بينهم [ عظمة العدو وقوته؛ يرهبون ] بذلك [ منه، ويخذلون عن قتاله. وقوله: (( وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ))[الأحزاب:18]، أي: ] تعالوا [ إلينا إلى المدينة، واتركوا محمداً وأصحابه يموتون وحدهم، فإنهم لا يزيدون عن أكلة جزور. وقوله ] تعالى: [ (( وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ))[الأحزاب:18]، أي: ولا يشهد القتال ويحضره أولئك المنافقون المثبطون، والذين قالوا: (( إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ))[الأحزاب:13]، إلا قليلاً؛ إذ يتخلفون في أكثر الغزوات، وإن حضروا مرة قتالاً فإنما هم يدفعون به معرة التخلف، ودفعاً لتهمة النفاق التي لصقت بهم ] فهم أهلها ومتصفون بها. [ وقوله تعالى: (( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ))[الأحزاب:19]، وصفهم ] الله تعالى [ بالبخل بعد وصفهم بالجبن، وهما شر صفات المرء، أي: الجبن والبخل ] والعياذ بالله. ولذلك قال: [ (( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ))[الأحزاب:19]، أي: بخلاء لا ينفقون معكم، لا على الجهاد ولا على ] العباد [ الفقراء والمحتاجين. [ وقوله تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ ))[الأحزاب:19]، أي: بسبب هجوم العدو (( رَأَيْتَهُمْ ))[الأحزاب:19] أيها الرسول! (( يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ))[الأحزاب:19]، لائذين بك. (( تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ))[الأحزاب:19] من الخوف (( كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ))[الأحزاب:19]. وهو المحتضر يغمى عليه لما يعاني من سكرات الموت. وهذا تصوير هائل لمدى ما عليه المنافقون من الجبن والخوف، وعلة هذا هو الكفر ] والعياذ بالله [ وعدم الإيمان بالقد ] والقضاء [ والبعث والجزاء. وقوله: (( فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ ))[الأحزاب:19]، أي: راحت أسبابه بانتهاء الحرب، (( سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ ))[الأحزاب:19]، أي: سلقكم أولئك الجبناء عند اللقاء، أي: ضربوكم بألسنة ذرية حادة كالحديد بالمطالبة بالغنيمة، أو بالتبجح الكاذب بأنهم فعلوا وفعلوا. وهذا حالهم إلى اليوم ] أي: حال المنافقين، وإلى يوم القيامة. [ وقوله تعالى: (( أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ))[الأحزاب:19]، أي: بخلاء على مشاريع الخير، وما ينفق في سبيل الله، فلا ينفقون؛ لأنهم لا يؤمنون بالخلف، ولا بالثواب والأجر؛ وذلك لكفرهم بالله ولقائه. ولذا قال تعالى: (( أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا ))[الأحزاب:19]. فسجل عليهم وصف الكفر، ورتب عليه نتائجه، فقال: (( فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ))[الأحزاب:19]، أي: أبطلها، فلا يثابون عليها؛ لأنها أعمال مشرك، وأعمال المشرك باطلة. وقوله ] تعالى: [ (( وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ))[الأحزاب:19]، أي: إبطال أعمالهم وتخييبهم فيها، وحرمانهم من جزائها يسير على الله، ليس بالعسير، ولذا هو واقع كما أخبر تعالى.

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: وجوب الوفاء بالعهد ] فيا معشر المستعين والمستمعين! يجب علينا الوفاء بالعهد، فمن عاهد يجب أن يفي بعهده، ومن عاهد إنساناً يجب أن يفي بالعهد، وبالأولى الذي يعاهد لله، فلا يخونه ويخلفه [ إذ نقض العهد من علامات النفاق ] ففي الحديث: ( آية المنافق أربع، ومنها: إذا عاهد غدر ).

    [ ثانياً: ترك الجهاد خوفاً من القتل عمل غير صالح؛ إذ القتال لا ينقص العمر ] أبداً، بل العمر محدود [ وتركه لا يزيد فيه ] أي: ترك القتال لا يزيد في العمر والله ولا ساعة.

    [ ثالثاً: الشح والجبن من صفات المنافقين، وهما شر الصفات في الإنسان ] ونسأل الله ألا نتصف بهما. والشح هو: المنع والبخل، والصفة الثانية: الجبن، وهو: الخوف من غير الله، والعياذ بالله تعالى.

    [ رابعاً: الثرثرة وكثرة الكلام والتبجح بالأقوال ] وأنه فعل كذا [ من صفات أهل الجبن والنفاق ].

    [ خامساً: الكفر محبط للأعمال ] كما علمنا. فالكافر لو يبني ألف مسجد ما يدخل الجنة، ولو يطعم ألف ألف ألف ألف فقير مؤمن والله ما يدخل الجنة؛ للقاعدة العامة: الكفر يحبط العمل. فما دام كافراً لا يقبل الله منه عملاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756539000