إسلام ويب

تفسير سورة لقمان (8)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خص الله عز وجل نفسه بعلم مفاتيح الغيب الخمسة، ولم يجعل لأحد من خلقه فيها نصيباً، فهو سبحانه الذي يعلم متى تقوم الساعة، وهو الذي يعلم متى ينزل المطر وفي أي موضع من الأرض يكون ذلك، وهو الذي يعلم ما في الأرحام، ويعلم ماذا تكسب الأنفس في مستقبلها، ويعلم كيف تنتهي حياة كل نفس ومتى وأين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ...)

    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن مع سورة لقمان الحكيم، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    بسم الله الرحمن الرحيم: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:31-34].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ [لقمان:31]، ألم تر يا عبد الله! أن السفينة تجري في البحر بنعمة الله، بتسخير من الله الذي أوجدها وأوجد البحر لها، وأوجد ملاحها؟ وهذه آثار نعمة الله، أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ [لقمان:31]، علة ذلك: لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ [لقمان:31]، الدالة على قدرته وعلمه وحكمته، وأنه لا إله إلا هو ولا رب سواه، إِنَّ فِي ذَلِكَ [لقمان:31]، أي: الذي سمعتم لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان:31]، -اللهم اجعلنا من الصبارين الشكورين-، وخص الصبار والشكور بهذه الآيات؛ لأنه لا يكون صباراً إلا إذا كان مؤمناً موقناً، ولا يكون شكوراً إلا إذا كان مؤمناً موقناً، والصبار: هو الذي يصبر في ثلاثة مواطن:

    أولاً: يصبر على طاعة الله، فلا يقصر في واجب أوجبه الله ولا فريضة فرضها الله.

    ثانياً: يصبر عن معصية الله، فلا يعصي الله أبداً، يبتعد عن معاصي الله.

    ثالثاً: يصبر على ما يأتي به قضاء الله وقدره.

    هذه مواطن الصبر الثلاثة: صبر على طاعة الله ورسوله. وصبر بعيداً عن معصية الله ورسوله. وصبر على ما يجري به القضاء والقدر من خير أو شر، أو من صحة أو مرض.

    والشكور: ذلك الذي يشكر الله على نعمه:

    أولاً: بالاعتراف بها.

    ثانياً: بحمد الله عليها.

    ثالثاً: بصرفها فيما من أجله أعطاه الله إياها، فهذا الصبور والشكور.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ...)

    ثم قال تعالى: وَإِذَا غَشِيَهُمْ [لقمان:32]، يعني: المشركين، الكافرين، الجهال، الضلال، وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ [لقمان:32]، وهم في السفينة، كَالظُّلَلِ [لقمان:32]، أي: كالسحاب أو الجبال، دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [لقمان:32]، يا ربنا نجنا، يا ربنا أنقذنا، يا ربنا لا تتركنا نغرق، دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ [لقمان:32]، أي: خرجوا من البحر سالمين، كان حالهم: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [لقمان:32]، ومنهم -والعياذ بالله- فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ [لقمان:32]، فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [لقمان:32]، والمقتصد: هو الذي ما يعلن عن كفره، ولا يعلن عن طلبه في البحر وهو في السفينة، بين حالة اقتصادية.

    أما الآخرون صرخوا بالدعاء وطلب النجاة، ثم إذا خرجوا من البحر سالمين يعودون إلى عبادة أصنامهم وأوثانهم ويدعونها ويذكرونها، قال تعالى: وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا [لقمان:32] آياتنا الدالة على وجودنا أولاً، وعلى ألوهيتنا ثانياً، وعلى حكمتنا وعلمنا، وهذه الآيات المتجلية في الذرة، في النجم، في الكون، في البحر، في النعم، في الأكل في الشرب وما يجحد هذه الآيات إلا كل غدارٍ.

    الختار: كثير الغدر سيئه.

    الكفور: كثير الكفر، فالآيات تحذرنا من الغدر ومن الكفر، وتعلمنا موقف الغدارين الختارين الكفار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ...)

    ثم قال تعالى منادياً لنا بهذا الاسم العام: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [لقمان:33]، أبيضكم وأصفركم، مؤمنكم وكافركم، يا ذرية آدم! اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان:33]، أولاً: أمرنا أن نتقي ربنا، ونتقيه بطاعته ولا نعصيه، ومن لم يعص الله اتقى عذاب الله، ومن لم يعص الله جعل بينه وبين العذاب وقاية، واتقوا الله وأدوا الواجبات وانهضوا بالفرائض، وأقيموا حدود الله واذكروا الله واشكروه.

    وَاخْشَوْا [لقمان:33] أي: خافوا من يوم لا يَجْزِي [لقمان:33] فيه وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان:33]، ألا وهو يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء، لا يجزي والد عن ولده مهما كان، ولا ولد عن والده كيفما كان.

    لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ [لقمان:33]، بأن يقول: يا رب خذني أنا واترك ولدي في الجنة، ولا يقول الولد للوالد كذلك: يا رب! خذني واترك والدي في الجنة، ما ينجي الولد الوالد ولا الوالد الولد، واتقوا يوماً لا يجزي والد عن ولده، ولا يجزي مولود عن والده شيئاً ولا حسنة واحدة ولا سيئة تمحى عنه، وإن قلت: ورد في السنة أن الأطفال الذين يموتون يشفعون لآبائهم، وأن من ربى ثلاث بنات وأحسن إليهن يكن له يوم القيامة حجاب عن النار، فذاك معنى وهذا معنى.

    أما الآية تقول: لا ينقذ والد ولده، إذا استوجب الوالد النار لن ينقذه ولده أبداً والله العظيم! وإن استوجب الولد النار لن ينقذه والده بحال من الأحوال، وهذه قاعدة عامة: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فإذا وجبت النار للأب فالابن يصرخ أو يبكي لا ينفعه ولا يشفع له أبداً، وإذا وجبت النار للولد فوالده كذلك ما ينفعه.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [لقمان:33]، أي: افعلوا أوامره واجتنبوه نواهيه، واجتنبوا نواهي رسول الله فإنها من نواهي الله، وامتثلوا أوامر رسول الله فإنها من أوامر الله، ولا فرق بين طاعة الله وطاعة الرسول أولاً.

    وَاخْشَوْا [لقمان:33]، خافوا يَوْمًا [لقمان:33]، شأنه كذا وكذا.. فإذا خفنا ذلك اليوم ما نستطيع أن نعصي الله، ما نقوى على أن نفجر، ما نقدر على أن نفسق أبداً، ما نرتكب ما حرم الله ما دمنا خائفين من عذاب يوم القيامة، وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان:33]، وإن قل.

    إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان:33]، والله لا يخلف الميعاد، فلابد من الحياة الثانية، ولابد من الحساب ولابد من الجزاء، وبهذا وعد الله: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33]، فإننا مأمورون بأن نخشى هذا اليوم ونخاف ما يقع فيه؛ حتى نثبت على طاعة الله وعلى البعد عن معصيته.

    إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان:33]، ما وعد به واقع ولا محالة.

    إذاً: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [لقمان:33]، بزخارفها وأضوائها وطعامها وشرابها وصحتها وعافيتها لا تغتروا بها أبداً.

    وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ [لقمان:33]، أي: بحلم الله وكرمه، الْغَرُورُ [لقمان:33]، الذي هو الشيطان من الإنس أو الجن. وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ [لقمان:33] عز وجل، لكونه يحلم عليكم ويرأف بكم ويرحمكم يغركم العدو من هذا ويقول: واصلوا معاصي الله وجرائم الذنوب والآثام.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [لقمان:33]، خافوه واخشوه بطاعته وطاعة رسوله، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وخافوا يوماً عظيماً ألا وهو يوم القيامة، يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان:33]، واعملوا أن هذا واقع والله لا محالة؛ لأن الله وعد به، ووعد الله حق.

    إذاً: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [لقمان:33]، الحياة تغر أصحاب المال والثراء والنعيم وكذا.. يغترون بها، أما الفقراء والبؤساء قد ما يغترون، ولكن مع هذا يجب أن نحذر اغترار الدنيا، سواء كنا في أمن أو في خوف، في فقر أو في غنى في صحة أو في مرض، لا نغتر بمظاهر الحياة الدنيا، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33]، الشيطان عليه لعائن الرحمن.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ...)

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34]، ذكر أهل العلم أن أعرابياً بدوياً يقال له: الوارث بن عمرو جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إن امرأتي حبلى، ماذا في بطنها ذكر أم أنثى؟ وإن أرضنا أصيبت بالجدب، متى ينزل الغيث عليها؟ وإني علمت متى ولدت، لكن ما علمت متى أموت، وقد علمت ما عملت اليوم، لكن لا أعلم ما أعمل غداً، ومتى تقوم الساعة؟

    فأنزل الله تعالى قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]، هذه مفاتح الغيب الخمسة، والغيب: ما غاب عنا، ومفاتحه التي يفتح بها ويعرف خمسة:

    أولاً: علم الساعة، فلا تعرف البشرية ولا الجن ولا الملائكة متى تقوم الساعة، وهذا المفتاح عند الله.

    ثانياً: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [لقمان:34]، لا يمكن أبداً لقبيلة ولا شعب ولا لفرد ولا لجماعة أن يقولون: غداً ينزل المطر في الساعة الفلانية، وكمية المطر كذا وكذا.. فهذا مستحيل، ولا يعرف متى ينزل المطر ومقداره ومكانه إلا الله عز وجل.

    ثالثاً: وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، ذكر، أنثى، طويل، قصير، أبيض، أصفر، أسود، كيفما كان لا يعرف هذا إلا الله عز وجل.

    رابعاً: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34]، أي واحد منا والله لا يعلم ماذا يكسب غداً من خير أو شر، من صلاح أو فساد، ولا يدعي أحد أنه يعلم غداً ما سيفعله.

    خامساً: ما يدري أين يموت، هو ما عاش في المدينة، وإذا كتب الله موته في بلاد أخرى، لابد أن يسافر لأمر حتى يموت في ذلك البلد، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، فهذه مفاتح الغيب، لا تسمع أحد يقول: أنا أعلم كذا وكذا من هذه الخمسة المفاتيح: عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وهذه مفاتح الغيب الخمسة.

    قد يقول قائل: الطبيب بالمنظار يعرف ما في البطن، فما دامت النظارة تعكس أنوارها على البطن ويظهر الداخل، وهذا كالذي يشق البطن ويعرفه، والذي يشق البطن يعرف، فكذلك أصحاب هذه النظارات العاكسة، وهذا لا يقال عنه، وأبعدها عنه وقل هذه فيها ولد أو ذكر أو أثنى، والله لن يعرف، ولو اجتمع الإنس والجن.

    فمفاتيح الغيب خمسة:

    أولاً: عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34]، من ادعى أن القيامة ستقوم هذا العام، أو العام الذي بعده، أو في القرن العشرين أو في كذا.. فهو كاذب.

    ثانياً: من يدعي ويقول: إن المطر ينزل كذا في ساعة كذا.. مهما كان فهو كذاب ودجال ومنجم، والذي يقول: أنا أعرف ما في الرحم من ذكر أو أنثى، سعيد أو شقي، أبيض أو أسود، والله دجال وكذاب، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34].

    ومن يقول: أنا أعرف ماذا أعمل غداً وماذا أكسب من خير أو شر، والله لا يصدق، فكذاب ودجال.

    وأخيراً: من قال: أنا أعرف أين أموت، لو يربط نفسه في عمود أو في حجرة يقول: أنا أعرف نفسي أموت هنا، والله ما يعرف أحد، لو سجنوه في قعر السجن ما يدرون أين يموت، ولا تدري بأي أرض وجزء منها تموت أبداً، فلنفوض هذه الخمسة إلى الله عز وجل.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ من هداية الآيات:

    أولاً: فضيلة الصبر والشكر والجمع بينهما خير من افتراقهما ].

    (فضيلة الصبر والشكر والجمع بينهما)، صابر غير شاكر، أو شاكر غير صابر لا ينفع، لابد وأن نجمع بين الصبر والشكر، والصبر هو حبس النفس؛ حتى لا تتألم ولا تتضجر فيما قضاه الله وقدره، والصبر على طاعة الله ما نتركها ولا نتخلى عنها، الصبر عن معصية الله ما نقربها ولا ندنو منها أبداً، والشكر كما علمتم، ولو حبة عنب، ولو تمرة ولو جرعة ماء، نقول: الحمد لله معترفين أن هذا من فضل الله ونعمه علينا، وإذا أعطانا نعمة ما نصرفها فيما يغضب الله أبداً، لا دينار ولا درهم ولا صحة ولا بصر ولا بدن، أية نعمة ما ننفقها ولا نصرفها إلا في مرضاة الله عز وجل، فهو الذي أعطاك بصرك فلا تستخدمه في النظر إلى الأجنبيات، وأعطاك لسانك فلا تقل به سباً ولا شتماً، وأعطاك سمعك فلا تسمع الباطل، وهكذا.. وأعطاك يدك فلا تتناول بها ما حرم الله، وأعطاك رجلك فلا تمش خطوة واحدة إلى ما يغضب الله وبهذا يكون الشكر.

    [ ثانياً: بيان أن المشركين أيام نزول القرآن كانوا يوحدون في الشدة ويشركون في الرخاء].

    هذه قاعدة تكررت في كتاب الله غير ما مرة، المشركون في مكة، في الحجاز، في الجزيرة حيث ما كانوا، إذا كانوا في الشدة يفزعون إلى الله، وإذا كانوا في العافية والرخاء يفزعون إلى الأصنام والأحجار يلهون ويلعبون، وهذه مظاهر أصابت العالم الإسلامي، فلما يصيب البلاد شدة يذكرون الله ويرجعون إليه، فإذا انتهت تلك المحنة يعودون إلى المزامير والطبول واللهو واللعب، والله لوقع هذا، ونعوذ بالله من ذلك، فينبغي أن نصبر على طاعة الله وعبادته في الرخاء والشدة في الأمن والخوف ونعبد الله عز وجل.

    [ ثالثاً: شر الناس الختار، أي: الغدار الكفور]، شر الناس الغدار الذي يغدر ويفجر والعياذ بالله تعالى، إن الله لا يحب كل ختار كفور، والختار: الغدار الذي يكفر النعم ويغطيها ويسترها ويقول: ما نعمة عندنا ولا.. ولا شيئاً أبداً -والعياذ بالله- فهذا شر الخلق.

    [رابعاً: ذم الختر وهو أسوأ الغدر، وذم الكفر بالنعم الإلهية].

    ومن هداية الآيات أيضاً:

    [أولاً: وجوب تقوى الله عز وجل بالإيمان به وتوحيده في عبادته].

    (وجوب تقوى الله عز وجل)، يا عباد الله، هيا نتقى الله، ونعرف ما يحب فنفعله ونعرف ما يكره فنتركه، ولا يتقى الله بشيء سوى هذا:

    أولاً: أن نعرف محاب الله ما هي، ثم نعملها تقرباً إليه وتزلفاً، ونعرف مكارهه وما يسخطه وما لا يرضيه فنتجنبه وبهذا نرضي الله عز وجل:

    أولاً: معرفة ما يحب الله من الاعتقاد والقول والعمل، ونحبه ونعمل به.

    ثانياً: معرفة ما يكره الله ويسخط عنه من المعاصي والذنوب والآثام ونتركها ونتجنبها.

    [ثانياً: تقرير عقيدة البعث والجزاء].

    (تقرير عقيدة البعث والجزاء)، الملاحدة، العلمانيون البلاشفة الشيوعيون، المعبوث بعقولهم، من قبل اليهود لا يؤمنون بالدار الآخرة أبداً، ولا يسألون: لِم خلقوا ومن خلقهم، فإذا سألوا عرفوا الذي خلقهم وهو الذي يخلقهم مرة ثانية ويوجدهم في مكان آخر، وقد قررنا معاشر المستمعين والمستمعات! أن القلب الذي يخلو من اعتقاد البعث الآخر والحياة الثانية والجزاء هذا القلب ميت، وصاحبه شر الخلق ولا يؤمل فيه ولا يرجى منه شيء ولا يؤمن على شيء أبداً فإنه شر الخليقة.

    أقول: إن القلب الذي لا يؤمن بالبعث الآخر، وبالدار الآخرة، وبالجزاء يوم القيامة، صاحب هذا القلب شر الخلق والله لشر من الخنازير والقردة ولا يوثق فيه ولا يعول عليه ولا يؤمن جانبه أبداً.

    وأزيدكم لطيفة أخرى، فالذين ينغمسون في الذنوب والآثام مرد ذلك إلى ضعف عقيدتهم في لقاء الله، والله العظيم، لو صدقت عقيدتهم واتضحت لهم والله لا يقوى أحدهم على أن يقول كلمة باطلة، فكيف يذبح أخاه أو يسلب ماله؟ إذا ضعفت عقيدة الإيمان بيوم القيامة يضعف إيمان العبد ويضعف عمله الصالح، وإذا انعدمت وأصبح لا يؤمن بيوم القيامة ويسخر من هذا اليوم فهذا شر البرية والعياذ بالله تعالى ولا يوثق فيه ولا يعول عليه ولا يؤمن جانبه.

    [ثالثاً: التحذير من الاغترار بالحياة الدنيا، والتحذير من الشيطان -أي من اتباعه- والاغترار بما يزينه ويحسنه من المعاصي]، إي نعم، حذرنا الله من شيئين:

    أولاً: من الاغترار بالدنيا وزخارفها وطعامها وشرابها فهي زائلة كالظل ويذهب ولا يدوم.

    ثانياً: حذرنا من الشيطان وما يزينه لنا؛ ليغرينا ويخدعنا والعياذ بالله، شيطان الإنس أو شيطان الجن، فلنحذر هذين المسألتين.

    [رابعاً: بيان مفاتح الغيب الخمسة واختصاص الرب تعالى بمعرفتها].

    إي نعم، مفاتح الغيب خمسة فلا ننسى، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، فلا نسمع من دجال ولا منجم ولا فيلسوف يقول كذا وكذا، لا المطر ولا ما في البطن ولا ماذا يحدث غداً ولا متى الموت ولا.. من خمسة أشياء تسمى: مفاتح الغيب، هذه مفاتح الغيب يملكها الله وحده فقط، لا يملكها أحد غيره.

    [خامساً: كل مدع لمعرفة الغيب من الجن والإنس فهو طاغوت يجب لعنه ومعاداته]، فكل من يدعي علم الغيب من شياطين الإنس والجن، من الجان أو الإنس ينبغي أن يلعن ويبعد ولا يقبل منه كلام، إذا الغيب استأثر الله به فلا يعلمه إلا هو.

    [سادساً وأخيراً: ما ادعي اليوم من أنه بواسطة الآلات الحديثة قد عرف ما في رحم المرأة فهذه المعرفة ليست داخلة في قوله وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، لأنها بمثابة من فتح البطن ونظر ما فيه فقال هو كذا وذلك لوجود أشعة عاكسة أما المنفي عن كل أحد إلا الله أن يقول المرء: إن في بطن امرأة فلان ذكراً أو أنثى ولا يقرب منها ولا يجربها في ولادتها السابقة، ولا يحاول أن يعرف ما في بطنها بأية محاولة].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756673961