إسلام ويب

حسن الخلقللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد امتدح الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق، والله سبحانه لا يمتدح إلا من كان أهلاً لذلك، وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً مع أمته ورعيته وأهل بيته، فكان صلى الله عليه وسلم حليماً متواضعاً سمحاً كريماً رحيماً، وما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى التأسي بخلقه صلى الله عليه وسلم والمضي على دربه.

    1.   

    حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله -جميعاً- أيها الإخوة الفضلاء الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم -جميعاً- من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! حسن الخلق يُحَب لذاته، فكيف لو اجتمع مع حسن الخلق حُسنُ الخَلق؟! ذلكم هو المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    إسلام ثمامة بن أثال وبيان جميل خلقه صلى الله عليه وسلم معه

    روى البخاري ومسلم رضوان الله ورحمته عليهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربط الصحابة ثمامة بن أثال في سارية -أي: في عمود من أعمدة المسجد النبوي- فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد ثمامة مربوطاً في سارية من سواري المسجد فعرفه -لأن ثمامة كان سيداً في قومه- فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال: عندي خير يا محمد! إن تقتل تقل ذا دم! -يعني: إن قتلتني قتلت رجلاً له مكانته في قبيلته، ولن تفرط قبيلتي في دمي وفي الأخذ بثأري -إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنْعِم تنعم على شاكر- يعني: فإن أطلقتني سأعترف لك بهذا الجميل وسأشكره لك ما حييت- وإن كنت تريد مالاً فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثاني دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال له: ماذا عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثالث دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال: ماذا عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فقال المصطفى: أطلقوا ثمامة .. أطلقوا ثمامة لا نريد فدية ولا مالاً، بل ولا نلزمه بالإسلام، ولا نكرهه على الإيمان أطلقوا ثمامة فانطلق ثمامة . بعد أن فكوا قيده وانطلق إلى أقرب نخل إلى جوار المسجد النبوي فاغتسل، ثم عاد مرة أخرى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله). أخي الحبيب! تدبر معي قول ثمامة : يا رسول الله! والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلدٌ أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إلي! ثم قال: يا رسول! الله لقد أخذتني خيلك وأنا أريد العمرة، وقد كانوا يعتمرون ويحجون إلى البيت وهم على الكفر والشرك. كان أحدهم يلبي فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، فإذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلمات يقول: قط قط. يعني: قد اكتفيتم قفوا عند هذا القدر ولا تزيدوا، ثم يزيدون قائلين لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك! ولو تدبر أحدهم في الإضافة بتعقل لوجد أن هذا الإله المعبود من دون الله لا يملك لنفسه شيئاً. ولو تدبر أحدهم بتعقل لعلم أن هذه الآلهة لا تضر ولا تنفع، ورحم الله من رأى يوماً على صنمه بولاً فنظر حواليه فوجد ثعلباً يلعب بالقرب من معبوده، فعلم أن الذي فعل هذه الفعلة الشنعاء هو هذا الثعلب، فنظر إلى إلهه والنجاسة تنساح عليه، وتفكر وتدبر في الأمر وقال بعقل راجح راشد: رب يبول الثُعلبان أو الثَعلبان -واللغتان صحيحتان كما قال ابن منظور في لسان العرب- ربٌ يبول الثُعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلو كان رباً كان يمنع نفسه فلا خير في رب نأته المطالب برئت من الأصنام في الأرض كلها وآمنت بالله الذي هو غالب يقول ثمامة : (لقد أخذتني خيلك يا رسول الله! وأنا أريد العمرة فماذا ترى أن أصنع؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر). قال الحافظ ابن حجر : فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: بالجنة أو بخيري الدنيا والآخرة، أو بمحو سيئاته. يا له من فضل (وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمر، فأقبل ثمامة إلى مكة ملبياً، فكان ثمامة هو أول من جهر بالتلبية في مكة، فأخذته قريش وقالوا: من هذا الذي اجترأ علينا -أي: جهر بالتلبية بين أظهرنا- من هذا الذي يردد الكلمات التي يعلمها محمد -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه؟! فأخذوه وضربوه ضرباً شديداً حتى قال قائلهم: دعوه إنه فلان فأنتم تحتاجون الميرة من اليمامة فجلس ثمامة وهو يقول: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله) هذا لفظ مسلم والحديث في الصحيحين. وفي رواية ابن إسحاق بسند صحيح: (لما جهر ثمامة بالتلبية وأقبل عليه المشركون فضربوه، وقال أبو سفيان : ألا تعرفون الرجل؟ إنه ثمامة سيد أهل اليمامة، دعوه فأنتم تحتاجون إلى الحنطة -أي: القمح- والميرة من اليمامة، فلما جلس ثمامة قال: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله). أقول: من أول لحظة دخل فيها ثمامة الإسلام جعل ووضع كل طاقاته ووجاهته ومكانته وقدراته وإمكانياته في خدمة الدين، عرف الإسلام فوضع كل ما يملك من قدرات وطاقات في خدمة دينه الذي اعتنقه، وأنار الله قلبه به، وبالفعل أدى العمرة.

    التسليم لأقدار الله

    وهنا أقف مع جزئية أخرى فريدة ألا وهي: أن أسر ثمامة كان سبب نجاته من النار، وسبب سعادته في الدنيا والآخرة! ولو علم أن أسره سيكون سبباً لسعادته في الدنيا والآخرة؛ لرحب به، فلقد خرج ليؤدي العمرة على الشرك فأبى الله إلا أن يؤدي العمرة على التوحيد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. إذاً: لابد أن نسلم لكل أقدار الله، ولابد أن تعلم يقيناً أن قدر الله دائماً هو الخير، فقد ينظر أحدنا إلى قدر الله من وجهة نظره، فيراه شراً عليه، لكن الله جل وعلا يقول: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]. كن عن همومك معرضاً ودع الأمور إلى القضا وانعم بطول سلامة تُسليك عما قد مضى فلربما اتسع المضيقُ وربما ضاق الفضا الله يفعل ما يريد فلا تكن متعرضا قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17].

    الولاء والبراء في الله

    انطلق ثمامة إلى اليمامة فمنع الميرة عن قريش، وقال: (والله لا تصل إليهم حبة حنطة بعد اليوم إلا أن يأذن رسول الله) إنه الولاء لله ورسوله والمؤمنين! إنه البراء المعلن من الشرك والمشركين. فلابد من هذه المفاصلة، ولابد من هذا الفرقان، فإنك إن عشت طوال حياتك حالة الغبش التي يحياها كثير من المسلمين اليوم، فلن تنصر ديناً ولن تنشر سنة. لا تكن مذبذباً بين هؤلاء وهؤلاء، فهناك صنف من الناس الآن كالشاة العائرة بين الغنمين تيعر إلى هذه مرة، وهي لا تسير مع هذه الأغنام، ثم تأتي في المنتصف لتيعر إلى هذه مرة، وهي لا تسير أيضاً مع هذه الأغنام، وهذا شأن النفاق وأهله، فهم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. ترى أحدهم إن جلس مع عامة المسلمين مع بداية انتخابات مقبلة لمجلس شعب أو لمجلس شورى، إن جلس مع أهل الالتزام والسنة قال: قال الله جل وعلا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا والله أحب اللحية وأحب الحجاب، بل وأنا ألزم بناتي بذلك! فإن جلس مع غير هذا الصنف الكريم، وجلس مع العلمانيين المجرمين ممن يعزفون على وتر التحرر والمدنية والبعد عن الرجعية! ومحاربة التزمت والتخلف والرجعية... إلى آخر هذه التهم المعلبة! إن جلس معهم قال: أعوذ بالله، عقول جامدة.. متخلفون.. متأخرون.. رجعيون.. متنطعون.. أصوليون.. وصوليون.. فوضويون! وحاله كما وصف الله فقال: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15]. إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتغالي أو قلت قال الصحابة والأولو تبعٌ لهم في الفضل والأعمال أو قلت قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والإمام الغالي صدوك عن وحي الإله ودينه واحتالوا على حرام الله بالإحلال يا أمة لعبت بدين نبيها كتلاعب الصبيان في الأوحال حاشى رسول الله يحكم بالهوى والجهل تلك حكومة الضلال وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205]. أعلن ثمامة المفاصلة الحاسمة بصدق، فلنقتد به، ولنخرج من حالة الغبش والتذبذب بين الإيمان والنفاق.. بين أهل الإيمان تارة وأهل النفاق تارة، بين أهل الطاعة تارة وأهل المعصية تارة، بين أهل السنة تارة وأهل البدع تارة، فبهذا لا تصح لك حياة، وبهذه الشاكلة وبهذا الغبش يحيا الآن كثير من الناس! لابد من أن تعلن المفاصلة، ولابد أن تستبين سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين، ولابد من إقامة الفرقان الإسلامي الآن؛ لأن كثيراً ممن ينتمون إلى الإسلام، بل من الكتاب والمفكرين والأدباء يغنون للحاكم بالإشتراكية إن كان الحاكمُ إشتراكياً، ويرقصون ويعزفون على الديمقراطية المزعومة إذا كان الحاكم ديمقراطياً، فهم يركبون كل موجة ويعيشون في كل بيئة، ويتلونون بلون كل أرض، فهم يعيشون حالة غبش وتذبذب لا ينبغي لمسلم صادق يحترم نفسه أن يحيا هذه الحياة أبداً. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الممتحنة:1]نداء لأهل إيمان: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] وقال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]. وقال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له؟! إن حبيب حبيبي حبيبي، وعدو حبيبي عدوي، هذا هو الولاء، وهذه قاعدة الولاء والبراء: حبيب حبيبي حبيبي وعدو حبيبي عدوي، من أحب الله ورسوله فهو حبيبي في أي أرض وتحت أي سماء، ومن عادى الله ورسوله فهو عدوي فوق أي أرض وتحت أي سماء!! أتحب أعداءَ الحبيب وتَدَّعي حباً له ما ذاك في الإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصان فإن ادعيت له المحبة مع خلافك ما يحبُ فأنت ذو بهتان وقال آخر: لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفر وواليت أهلَ الحقِ سراً وجهرة ولما تعاديهم وللكفر تنصر فما كل من قد قال ما قلت مسلمٌ ولكن بأشراطِ هُنالك تُذكر مباينة الكفار في كل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذاك وتجهر هذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68]. فنحن أولى الناس بإبراهيم عليه السلام. أعلن ثمامة الفرقان، أعلن ثمامة المفاصلة: (والله لا تصل إليكم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله)

    1.   

    قصة رأس النفاق مع ولده

    روى الطبري بسند حسن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله! هل سمعت ما قال أبوك؟! فقال عبد الله : وماذا قال بأبي أنت وأمي يا سول الله؟! فقال المصطفى: قال أبوك: لئن رجعنا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل -يذكر رأس النفاق أنه سيخرج من المدينة رسول الله، وهو الذي قال قولته الخبيثة: سمن كلبك يأكلك- فقال عبد الله : بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فوالله لأنت الأعز وهو الأذل)! انظروا إلى المفاصلة! وقفوا على الفرقان: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]. قال عبد الله رضي الله عنه: (بأبي أنت وأمي يا رسول! فوالله لأنت الأعز وهو الأذل! ثم قال: يا رسول الله! والله لقد قدمت يثرب ولا يعلم أحد من أهل يثرب أن هناك من هو أبر بأبيه مني، أما وقد قال ما قال، لتسمعن ما تقر به عينك يا رسول الله! وأخذ عبد الله السيف وانطلق إلى ناصية المدينة، فلما أقبل أبوه وقف له ولده ورفع السيف في وجهه وقال: إلى أين؟! قال: إلى بيتي .. إلى المدينة، فقال عبد الله : والله لا يأويك ظلها -يعني: المدينة- ولن تبيت الليلة في دارك إلا بإذن من رسول الله؛ لتعلم من الأعز ومن الأذل! إنه الفرقان .. إنها المفاصلة.. فصرخ رأس النفاق: يا للخزرج! يا للخزرج! ابني يمنعني داري! وأبى عبد الله أن يأذن لوالده فانطلقت الرسل إلى خير رسل الله في الأرض إلى المصطفى: يا رسول الله! قد حدث كيت وكيت وكذا وكذا، فأرسل صاحب الخُلق الرفيع إلى عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وقال له: يقول لك رسول الله: ائذن لأبيك، فقال عبد الله : أما وقد جاءك الإذن من رسول الله فلتدخل الآن لتعلم من الأعز ومن الأذل) إنه الفرقان!

    1.   

    أهمية تحقيق الولاء والبراء لا سيما في زماننا

    إننا في أمس الحاجة الآن إلى هذا الفرقان، فلا تكن مذبذباً وكن على سنة ولا تحد عن الطريق، ولا تطلق اللحية مرة فإذا وقفت أمام المرآة شعرت أنك تحتاج إلى حلقها بالمرة، لا تجلس في مجالس العلم مرة فإذا تعرضت لفتنة تركت مجالس العلم بالمرة. لا تجلس أمام كتاب الله مرة، ثم تتخلى عن كتاب الله بالمرة، لا ترتدي النقاب، ثم إذا تعرضتي لمحنة تجردتي من ثوب العزة والشرف. أخي! لا تكن مذبذباً، بل كن مستقيماً، كما قال المصطفى: (قل آمنت بالله ثم استقم) وكما قال عمر رضوان الله عليه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] قال: ثم استقاموا على دين الله فلم يروغوا روغان الثعالب، فلا تكن كل يوم على حال، إن جلست مع المتبعين فأنت متبع، وإن جلست مع العلمانيين فأنت كذلك. قال ثمامة : (والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة حتى يأذن رسول الله ومنع الميرة حتى أكلت قريش العلهز، -أي: وبر الإبل مع الدم يضعونه على النار ويشوونه ليأكلوه في وقت المجاعة- فأرسل أبو سفيان إلى صاحب الخلق صلى الله عليه وسلم، يقول له: إنك تصل الرحم ونحن رحمك -مع أنهم على الكفر والشرك- إنك تصل الرحم ونحن رحمك، ولقد منع ثمامة عنا الميرة فاكتب إليه، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي بين قريش وبين الميرة، التي كانت تصل إليهم من اليمامة). أيها الإخوة! أعترف منذ البداية أنني عاجز عن أن استخراج الدروس والعظات والعبر من هذا الحديث الجليل المبارك، لكنني أود أن أقف وقفات متأنية مع هذا الحديث العظيم الغالي؛ لأبين لحضراتكم أن الرفق والحلم والخلق حوّل البغض في قلب ثمامة إلى حب فياض. تدبر معي كلمات ثمامة: (والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إليّ). لماذا؟ إنه الرفق.. إنه الحلم.. إنه الخلق.. إنه الأدب، ولقد تعمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يظل ثمامة مربوطاً في المسجد، وهذا دليل آخر على جواز دخول المشرك إلى المسجد، إن دخل في حاجة أو لغاية بشرط أن لا يدخل للإفساد أو للنجاسة أو لامتهان مقدسات المسلمين. ظل ثمامة في المسجد ثلاثة أيام، وقد تعمد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ثمامة في داخل المسجد؛ ليسمع القرآن غضاً طرياً بأذنه من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليرى الصحابة بين يدي رسول الله كيف يعاملونه؟ وكيف يتأدبون في حضرته؟ وكيف إذا أمرهم ابتدروا أمره؟ وكيف يسمعون له؟ وكيف وكيف؟ رأى ثمامة في هذه الأيام الإسلام يتحول إلى واقع عملي وإلى منهج حياة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فتعلق قلبه بهذا الدين والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم. إنه الخلق، والحديث عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم أحوج ما تكون الأمة إليه الآن. الكل ينادي بالعودة إلى خلق النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من منا الليلة سيتخلق بخلق النبي؟! كلنا يعلم حلمه.. كلنا يعرف كرمه.. كلنا يعرف رقته.. كلنا يعرف أدبه.. كلنا يعرف تواضعه.. كلنا يعرف فضله.. كلنا يعرف رفقه.. كلنا يعرف جماله.. كلنا يعرف حسن خلقه وخلقه.. لكن من منا سيشهد الليلة أو من الليلة لدين النبي شهادة عملية على أرض الواقع، ليحول شيئاً من خلق النبي صلى الله عليه وسلم في حياته إلى واقع عملي ومنهج حياة؟!

    1.   

    تعظيم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم

    قال ربنا جل في علاه لسيدنا رسول الله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] ، بل وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] قال ابن عباس : فرسول الله رحمة للبار والفاجر، فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به أجلت له العقوبة إلى الآخرة مصداقاً لقول الله جل وعلا: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33]قال ابن عباس : (والله ما ذرأ الله وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم). وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس والحديث في البخاري أيضاً قال: (لما أوتي بالبراق -واللفظ لـمسلم- للنبي صلى الله عليه وسلم ليركبه ليلة المعراج فانتقض البراق، فقال جبريل للبراق: أبمحمد تفعل هذا؟! فوالله ما ركبك قط رجل هو أفضل عند الله من محمد فارفض البراق عرقاً، وقال المصطفى: فارفض البراق عرقاً)، ما من نبي ولا رسول إلا وله مكانة عند الله، لكن تتجلى مكانة سيد رسل الله في الأرض حينما نقف مع آيات القرآن، فنرى ربنا جل وعلا يخاطب كل الأنبياء والرسل بأسمائهم مجردة إلا المصطفى، فيقول الله: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35].. قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48].. (يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:104-105].. يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ [القصص:30].. يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55].. قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود:81].. يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ [مريم:7].. يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12].. يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ [ص:26]. ولما خاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46].. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41]. وناداه بصفته: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2].. يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2].

    1.   

    وجوب الاقتداء العملي بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم

    هذه مكانة النبي عند الله وهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الرب العلي جل في علاه، فمن منا سيشهد من الليلة عملياً للنبي صلى الله عليه وسلم ودينه؟ ما أيسر التنظير لمن يدعى حب النبي صلى الله عليه وسلم هو بعيد عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم. ما أيسر أن نتكلم كلاماً نظرياً جميلاً! لكن من منا سيتحلى في مظهره بشكل النبي عليه الصلاة والسلام؟! من منا سيتحلى في مخبره بالنبي عليه الصلاة والسلام؟! من منا سيسير على منهج النبي صلى الله عليه وسلم فيمتثل أمره ويجتنب نهيه؟! ومن منا سيتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أيها الأحبة! ما أحوج الأمة الآن بحكامها وعلمائها ودعاتها ورجالها ونسائها وأطفالها إلى أن ترجع من جديد إلى أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

    حلمه صلى الله عليه وسلم

    أيها الأحبة! روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أعرابياً قام في طائفة المسجد النبوي - يعني: في جانب من جوانب المسجد النبوي- يتبول في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه! فقام الصحابة وقالوا: مه مه! ماذا تصنع أيها الأعرابي الجلف؟! لم تجد مكاناً لتتبول فيه إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب الخلق يقول: لا تزرموه) ووالله لو سكت لكان فعلاً كريماً، ولكان هذا الفعل خلقاً كريماً، لكنه يقول: (لاتزرموه) يعني: دعوه يكمل بوله! والآن ماذا لو تبول طفل من أطفالنا في المسجد؟! ماذا لو دخل سفيه إلى مسجدنا في جميع كبير كهذا الجمع وتبول، أو وقف أمام الشيخ وتبول؟! ماذا لو دخل سفيه الآن فسبني وأنا أتكلم؟! ولكن صاحب الخلق يقول: (لا تزرموه) يعني: لا تقطعوا عليه بوله، وأكمل الأعرابي تبوله تماماً بطمأنينة كاملة وكأنه في خلاء بيت: (ثم نادى عليه رسول الله وقال له: إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا، وإنما جُعلت للصلاة ولذكر الله ولقراءة القرآن، يا فلان! ائتني بدلو من الماء، فأفاضوا عليه دلواً من الماء فطهر المكان) وهكذا أنهى الإشكال كله، فانفعل الأعرابي بهذا الحلم وهذا الخلق والرفق، فدخل في الصلاة -والحديث في صحيح البخاري في كتاب الأدب- فدخل الصلاة وقال بصوت مرتفع: (اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال له صاحب الخلق بخلق: لقد حجرت واسعاً!). يعني: لماذا تضيق ما وسع الله عز وجل وهو القائل سبحانه: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]؟!

    رفقه في تعليم المخطئين صلى الله عليه وسلم

    وروى مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (دخلت الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله. يقول معاوية : فرماني القوم بأبصارهم، -يعني: نظروا إليه- فقلت: وا ثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! يقول: فضربوا بأيديهم على أفخاذهم يصمتونني فسكت، فلما قضى النبي صلاته بأبي هو وأمي والله لم أر معلماً قبله ولا بعده أحسن منه، والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني إنما قال لي: إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتهليل وقراءة القرآن). وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

    حكمته صلى الله عليه وسلم

    وأختم هذا الدرس بهذا الحديث الغالي جداً، والحديث في البخاري ومسلم ومسند أحمد وعند أصحاب السنن وغيرهم، من حديث أبي سيعد وعلي وعبد الله بن عمرو وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنائم يوم حنين أعطى المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، ووكل الأنصار إلى إيمانهم بالعزيز الغفار وحبهم للنبي المختار، وأعطى المال للمؤلفة قلوبهم ليتألفهم، وليحببهم في الإسلام، فوجد الأنصار في أنفسهم، وقالوا كلمات شديدة، منها: (غفر الله لرسول الله، غفر الله لرسول الله يعطي قريشاً ولا يعطينا ولا زالت سيوفنا تقطر من دمائهم؟!). وقالوا أيضاً: (والله لقد لقي رسول الله قومه) يعني: من لقي أحبابه نسي أصحابه؟! لما رأى النبي قومه من قريش نسينا فأعطاهم ولم يعطنا، فسمع سعد بن عبادة هذه الكلمات وهو سيد الأنصار فأسرع إلى النبي المختار وأخبره بما قال الأنصار، فقال المصطفى: اجمع لي الأنصار يا سعد فإذا اجتمعوا فأعلمني، فانطلق سعد بن عبادة فجمع الأنصار جميعاً، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! قد جمعت لك الأنصار حيث أمرتني فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم. أخي الحبيب! أعرني قلبك وسمعك وانتبه! قام النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار خطيباً، وهو أفصح الخطباء الذي كانت تهتز بين يديه لكلماته أعواد المنابر، فهو أفصح من نطق بالضاد وأصدق الناس لهجة: (قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً في الأنصار فقال: يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! عالة -أي: فقراء- فأغناكم الله؟! أعداءً فألف الله بين قلوبكم؟! فقالوا: المن لله ولرسوله، المن لله ولرسوله، فقال المصطفى: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: جئتنا طريداً فآويناك.. عائلاً فواسيناك.. مخذولاً فنصرناك، فقالوا: المن لله ولرسوله، فقال: يا معشر الأنصار! أوجدتم في أنفسكم في لعاعة -أي: في أمر تافه من أمر الدنيا- أتألف به أقوماً ووكلتكم إلى إيمانكم بالله جل وعلا؟! يا معشر الأنصار! والله لولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، فاللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، فبكى الأنصار جميعاً حتى اخضلت لحاهم، ثم قال: يا معشر الأنصار! أما ترضون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير وترجعون أنتم إلى رحالكم برسول الله؟! فقال الأنصار جميعاً على قلب ولسان رجل واحد: رضينا بالله ورسوله قسماً ومغنماً). أيها الأحبة! إنه الخلق، فوالله ثم والله لو ظللت أتحدث طوال الليل عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم -على رغم جهلي وقلة بضاعتي- ما مللتم. أيها الإخوة! ما أحوج الأمة الآن أن تحول خلق النبي صلى الله عليه وسلم في حياتها إلى منهج حياة.. إلى واقع يتألق سمواً وعظمة وروعة وجلالاً، ما أيسر أن تحتفل الأمة وتحتفي بالمولد تارة وبالهجرة تارة، وبليلة النصف من شعبان تارة.. إلى آخره من هذه الاحتفالات والأعياد التي كثرت في أمتنا، أسأل الله أن يكثر أعيادها على السنة. ما أحوج الأمة التي تجيد الكلام والخطابات والاحتفالات والقصائد والأشعار إلى أن تحول خلق النبي المختار إلى واقع عملي ومنهج حياة. أيها الأحبة! لو ظللنا الدهر كله نتغنى بخلق النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لم نمتثل أمره ولم نجتنب نهيه ولم نقف عند حده، ولم نذب وندافع عن سنته ولم نحمل هم دعوته، فوالله لن نغير من الواقع شيئاً، فما أحوج الأمة في هذا الشهر الذي تحتفل فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحول خلقه إلى واقع عملي ومنهج حياة. وقبل أن أنهي الحديث أريد أن أشير وأنبه إلى ما حدث في أثناء المحاضرة: أقول: أنا قلت للأخ السائل أثناء المحاضرة: اجلس ولم أجبه لسؤاله، وهذا من السنة، والدليل على ذلك: ما رواه البخاري ومسلم : (أن رجلاً دخل المسجد فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس فقال: يا رسول الله! متى الساعة فمضى النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه ولم يجب السائل، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم حديثه قال: أين السائل؟ قال: هأنذا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال السائل -الفقيه-: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، فمن السنة أن يقول الخطيب أو المتكلم للسائل: اجلس حتى ينهي حديثه، فإن أراد أن يسأل عن السائل فعل وإلا فلا حرج ولا عيب. أسأل الله جل وعلا أن يرد الأمة إلى القرآن والسنة رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم منع المرأة من زيارة أمها

    السؤال: أخ ملتزم وزوجته ملتزمة، ولكن ظروفه المادية صعبة، وعنده مشاكل مع أم زوجته، فمنع زوجته من زيارة أمها، فهل هذا يجوز؟ الجواب: لا يجوز له أن يمنع زوجته من أن تزور أمها وأن تبر بها، حتى ولو كانت أمها على الشرك، قال الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، لكن يجوز له هو أن يمتنع عن زيارة أم زوجته، يقول: والله أنا لا أريد أن أذهب إلى هناك، ولا حرج عليه لاسيما إذا شعر أن هذا قد يسبب له ضرراً أو فتنة في دينه، لكن ليس من حقه أن يمنع الزوجة، وإن قال: إن بيت أم زوجته فيه معاصي، فأقول: فلتذهب زوجتك للبيت ولتجلس قليلا بنية الصلة ولترجع، فلا ذنب بعد الشرك ولا ذنب بعد الكفر، وقد أمر الله بالصلة مع الشرك والكفر، فلا تمنع امرأة من أن تكون برة واصلة لأمها. أقول: وصّل الزوجة إلى بيت أمها، واتفق معها على موعد محدد لترجع لها، ولكن لا تقطع الرحم. أسأل الله أن يرشدنا وإياكم بهداه.

    التوبة الصادقة طريق التخلص من الذنوب

    السؤال: أسأل عن معصية تراودني فترة بعد فترة، فهل هذا نفاق، وما الحل للتخلص منها؟ الجواب: إن كانت المعصية تراودك بعد توبة صادقة فجدد توبة أخرى ولو وقعت في المعصية ألف مرة! واعلم بأن الله لا يمل حتى تملوا، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة في حديث ثانٍ لـعمر سأذكره الآن: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم) واحذر أن تفهم هذا الحديث على أنه حث على المعصية، وإنما يفتح باب الرجاء لكل مذنب، فإن زلت قدمك في بؤرة معصية فعد إلى الله وأنت على يقين بأن الله سيغفر لك، واعلم بأن الله لا يمل حتى تملوا. والمهم أن تقلع عن المعصية وأنت نادم، وأن تدخل في التوبة وأنت صادق، فإن عاودت المعصية فجدد التوبة مرة أخرى وأخرى وأخرى، فجدد لكل معصية توبة وأسأل الله أن يتوب علينا وعليكم. قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (يا معاذ ! اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن).

    حكم العمل في محلات تبيع أشرطة الغناء

    السؤال: أعمل في سوبر ماركت، ولكن السوبر ماركت يبيع أشرطة الغناء، فماذا أفعل؟ الجواب: اجتهد في نصح صاحب المحل بأن يتخلص من أشرطة الغناء، وذكّره بالله ولو أهديته بعض الأشرطة فقد أحسنت وأجملت، وإن كنت تقدر على عمل آخر لا شبهة فيه فانتقل إليه، وإلا فكن في عملك مع البحث الجاد الصادق حتى ييسر الله لك عملاً آخر. وأسأل الله أن يرزقنا الحلال الطيب.

    حكم الهجرة إلى بلاد الكفار

    سؤال: شركة أمريكية تطلب شباباً للهجرة إلى أمريكا، وأنا أبحث عن مخرج من هذا البلد، فهل يجوز لي الهجرة إلى أمريكا؟ الجواب: لا تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر إلا لضرورة شديدة جداً، وأنا سافرت إلى أمريكا وإلى أوروبا، وأنا أنصح كل شاب يسألني عن السفر إلى هذه البلاد أن يجتهد قدر الإمكان ألا يسافر إلا لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها؛ لأنك ستذهب من أجل الدنيا فسترجع بلا دين في الغالب، ولا أحكم على الجميع، ولكن هذا هو الغالب، فهذه البلاد لاسيما إذا سافر الشاب بدون زواج وبدون عقيدة صلبة صحيحة فيخشى عليه الفتن، فالفتن هناك مشتعلة تموج كموج البحر، ووالله لولا الدعوة ما سافرنا إلى تلك البلاد، ولولا أن نخشى أن نأثم ما سافرنا إليها.. فتن شديدة جداً. كم من شباب سافر إلى أمريكا وإلى أوروبا وإلى إسرائيل، فعاد بغير دين. أقول لهذا الشاب: ابحث عن عمل في بلد مسلم، وإن لم يتيسر لك هنا في مصر، ففي أي بلد آخر من بلاد المسلمين، اجتهد والله تبارك وتعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] والضرورة تقدر بقدرها.

    الحث على ارتداء النقاب

    السؤال: أنا فتاة أرغب في ارتداء النقاب وهناك معارضة من العائلة، ويقولون لي: إن ارتديت النقاب فلن أتزوج؟ الجواب: البسي النقاب وأنا آتي لك بمائة عريس تختارين من تريدين! أقول: أنا أنصح العائلة الفاضلة بأن تحرص على أن ترتدي ابنتها النقاب، ولتعلم العائلة علم اليقين أن الشباب المسلم الملتزم لا يبحث إلا عن المنتقبات، ولا يبحث إلا عن الطاهرات الفاضلات، أما السافرات فلا والله، فممكن أن يلعب عليها أو يكلمها وتجلس معه والعياذ بالله في الحرام، لكن عندما يريد أن يتخذ الخطوة الحقيقة للزواج يقول: أنت لعبتِ معي، فلا آمن أن تلعبي! ويبحث عن الطاهرة العفيفة الشريفة.

    الصبر على الأذى في ذات الله

    السؤال: والدي يصر عليَّ بأن أقصر لحيتي -خوفاً عليَّ- وقد استنفذت معه جميع طرق الإقناع، ولكنه مازال مصراً عليَّ بأن أقصرها، فما هو توجيهكم؟! الجواب: اثبت واصبر فالله يقول: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90] ولا تتخلى بسهولة. يعني: نحن ما عُمل فينا ما عُمل في بلال وخبيب وعمار وزنيرة وخباب إن كان الوالد يشتمك أو يضربك، أيش المشكلة؟! ولابد من الرجولة ولابد من الثبات، والله العظيم لو وجدك والدك ثابتاً صادقاً لتركك، وأسأل الله أن يثبتنا وإياك.

    طريقة العلاج من المس الشيطاني

    السؤال: أنا فتاة على خلق والحمد لله، وأرتدي الحجاب الشرعي، وأحافظ على الصلاة وعلى مجالس العلم في أحيان كثيرة، لكن يحدث لي شيء غريب وهو أن بي مساً من الجن، علماً بأنني ذهبت إلى كثير ممن يدعون المعرفة بالقرآن فوجدتهم على غير ذلك، وأتمنى أن توضح لي الحل في نقاط محددة لأتبعها وجزاك الله خيراً. الجواب: أنصح كل من ابتلي بمس الجن -بمس الشيطان- أو بالسحر أن يحافظ على الرقية الشرعية، وليس بالضرورة أن يذهب إلى المعالجين أو إلى من نصبوا أنفسهم للعلاج. وأيضاً أنصح كل من نصب نفسه للعلاج أن يخشى على نفسه وعلى قلبه، ووالله العظيم إنه فتنة، ولا أود بذلك أن أقول: اتركوا، وإنما أنصح المريض ابتداءً أن يحرص على أن يرقي نفسه بنفسه بعد تحقيق تمام التوكل على الله عز وجل، ولو اجتمع أهل الأرض لرقيه وهو بعيد عن التوكل وعن اليقين فلن ينفعه ذلك على الإطلاق. فلو أن أختاً مصابة بمس من الشيطان وهي لا تصلي فلو قرأ عليها محمد حسان وأبو إسحاق ومصطفى العدوي ومحمد يعقوب وغيرهم فلا فائدة؛ إذ لابد من تحقيق التوحيد، ولابد من أن تحقق الأخت الفاضلة وكل أخت حقيقة التوكل على الله عز وجل. إذاً: لنعلم أولاً أن الشيطان لا سلطان له على المخلصين، فقد يؤذى الإنسان، وقد سحر النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد المخلَصين وسيد الذاكرين ابتلاءً؛ ليبين الله عز وجل لنا بشرية النبي من جانب؛ وليبين الله لنا العلاج لهذا الداء من جانب آخر. فنقول: العلاج بخطوات كالتالي: الأمر الأول: المحافظة على الصلوات، فلابد من المحافظة على الصلوات وترك الجلسة أمام التلفزيون ليلاً ونهاراً. الأمر الثاني: المحافظة على الأذكار: أذكار الصباح والمساء، فهي أمر في غاية الأهمية، وقد يستهين بها كثير من الإخوة والأخوات ولترجع -مثلاً- لكتاب رياض الصالحين، أو القصاصات التي تباع فيها الأذكار: أذكار الصباح والمساء، احفظ أي نوع من أنواع الذكر، وليس بالضرورة أن تحفظ الأذكار كلها، لكن احفظ شيئاً من الأذكار كأذكار الصباح وأذكار المساء، ولابد أن يكون لسانك رطباً بذكر الله عز وجل. الأمر الثالث: المحافظة على الورد اليومي من القرآن. الأمر الرابع: المحافظة على قيام الليل، فصلاة الليل تحفظك بإذن الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة عن السيئات، ومنهاة عن الإثم) فالصلاة بالليل تنهاك عن الآثام، وتحثك البعد عن الآثام، وهي قرب من الرحمن، فهي طاعة يتقرب بها إلى الله. الأمر الخامس: المحافظة على الوضوء، والأعظم من كل هذا: أن تحقق التوكل على الله، وأن تعلم يقيناً أن الضار والنافع هو الله، قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] فالضار النافع هو الله ولا يقع شيء في الأرض إلا بإذنه وأمره جل وعلا. الأمر السادس: قراءة سورة البقرة، فإن عجز عن قراءة سورة البقرة فعن طريق شريط الكاست، فتقرأ في البيت كل ثلاثة أيام مرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة)، يعني: السحرة. الأمر السابع: قراءة آية الكرسي، فالذي يقرأها بالليل لا يزال عليه من الله حافظ حتى يصبح، ومن قرأها الصبح لا يزال عليه من الله حافظ حتى يمسي، وقراءة أواخر سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:285] إلى آخره: (من قرأ آيتين من أواخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) أي: من كل هم وغم وجور. الأمر الثامن: أكل سبع تمرات من تمر العالية وهي منطقة في مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لا يصيبه في هذا اليوم سم ولا سحر). الأمر الثامن: الصبر. فسيدنا أيوب -على الراجح من أقوال أهل العلم- بقي مريضاً ستة عشر سنة، والابتلاء له ثلاث درجات: الدرجة الأولى: للتمحيص: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3]. إذاً: المرتبة الأولى من مراتب الابتلاء: التمحيص. المرتبة الثانية من مراتب الابتلاء: التطهير: (ما من مسلم يصيبه أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) إذاً: الابتلاء مع الصبر طهارة من الذنوب. المرتبة الثالثة من مراتب الابتلاء: رفع الدرجة؛ لأن الله قد ابتلى نبيه المصطفى؛ لرفع الدرجة، قال تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:2] والابتلاء للنبي صلى الله عليه وسلم رفع لدرجته. إذاً: الابتلاء إما أن يكون للتطهير، وإما أن يكون للتمحيص، وإما أن يكون لرفع الدرجة، فاصبر فأنت على خير في كل أحوالك، فإذا ابتلي إنسان ورقى نفسه ولم يقدر الله له الشفاء؛ فلا يتعجل ولا ييأس من المداومة والمواظبة على الرقية، بل يجب عليه أن يستمر على ذلك، وأن يصبر، ونسأل الله أن يرفع البلاء عن السائل وعن كل مرضى المسلمين من الرجال والنساء، إنه على كل شيء قدير. وهناك رسالة في الوقاية من الشيطان للشيخ الفاضل مصطفى العدوي فيها ما ذكرت وزيادة، وأسأل الله أن يتقبل منا ومنه ومن جميع إخواننا صالح الأعمال.

    دعاء لشاب أسلم حديثاً

    السؤال: يجلس بيننا الآن شاب يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، كان نصرانياً فأسلم بين أيدينا، ويصلي معنا في مسجد بعيد عن المنزل حتى لا يراه أهله، ونحن نطلب من حضرتك الدعاء له. نسأل الله أن يشرح صدره وأن يثبتنا وإياه على الحق، وأن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال، وأوصي هذا الأخ بالثبات، فإن الإسلام غال، وأحمد الله الذي شرح صدره للحق، وأسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياه على الحق حتى نلقاه. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756482081