إسلام ويب

عام هجري جديدللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكرى هجرة الحبيب عليه الصلاة والسلام لها مدلولات في حياة الفرد المسلم، والجماعة المسلمة، ولابد من أخذ العبر والدروس من هذا الحدث الذي غير مجرى التاريخ، للاستفادة منها في واقعنا الحاضر الذي لن يصلح إلا بما صلح به شأن أول هذه الأمة.

    1.   

    التذكير بالتوبة والاستغفار

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

    من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    وبعد: فقد ختم بالأمس معشر الإخوة عام قد مضى وانصرم، وبدأنا اليوم في عام جديد، وكما قال الشاعر:

    تمر بنا الأيام تترى وإنما نساق إلى الآجال والعين تنظر

    فليس بعائد ذاك الشباب الذي مضى وليس بزائل هذا المشيب المكدر

    وكما قال تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64]، مضى هذا العام وانصرم، وفقدنا فيه من فقدنا من إخواننا والأعزة علينا، ومن المصلين معنا ومن غير المصلين كذلك قد ماتوا، ولا ندري هل يأتي علينا عام جديد أم نكون قد وسدنا التراب؟ فالله الله في أعمالكم، قال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ) .

    من المعلوم معشر الإخوة أن الأعمال عند خواتيمها يراعى فيها الله، وابتداءً فالأعمال لا تخلو من خير أو شر، فالخير يرجى له القبول، والشر يستلزم الاستغفار، عامكم قد مضى وانصرم، وقد حوى ما حوى من حسنات أو سيئات، فالحسنات يرجى لها القبول، فما ندري هل تقبلها الله سبحانه وتعالى، أما أنها تلف وتلقى في وجه صاحبها كما يلقى الثوب الخَلِق.

    الإكثار من الاستغفار

    كان أهل الفضل والصلاح يعملون أعمالاً صالحة ويسألون الله قبولها، فها هو الخليل إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل يرفعان القواعد من البيت ويقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]، يبنيان الكعبة، وأي بناء أفضل من بناء الكعبة؟ يرفعان القواعد من البيت ومع رفعهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127].

    ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يذبح متقرباً إلى الله بذبيحته وبأضحيته ويقول مع ذبحه: (باسم الله، اللهم تقبل من محمد، ومن آل محمد، ومن أمة محمد)، بل وأهل الإيمان عموماً كما قال تعالى: ( الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] وفي حديث حسنه بعض أهل العلم الفضلاء، أن عائشة سألت النبي صلى الله عيه وسلم عن قوله تعالى: والَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] قالت: (يا رسول الله! هذه الآية في قوم يسرقون ويزنون ويخافون العقاب؟ قال: لا يا بنت الصديق، إنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه).

    فلزاماً علينا معشر الإخوة، أن نسأل الله أن يتقبل منا كل عمل صالح، فقد تكون الأعمال قد شيبت بالرياء، والرياء يدمرها، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] وقال سبحانه في الحديث القدسي: (من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، وقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (يقول الله تبارك وتعالى إذا جاء الناس بأعمالهم يوم القيامة: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء؟) فتذهب الأعمال سدى ويذهب الجهد سدى، قال تعالى في شأن أقوام: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104].

    فكم من مجاهد تسعر به النار أول من تسعر! وكم من متصدق تسعر به النار أول من تسعر! وكم من عالم وطالب للعلم تسعر بهم النار أول ما تسعر -والعياذ بالله- كل ذلك إذا ابتغي بالعمل غير وجه الله سبحانه وتعالى.

    فلزاماً أن تسألوا ربكم تبارك وتعالى القبول، قبول الصلوات، قبول الزكوات، قبول الأعمال، فإن الله قال: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، وأمام ركام السيئات، وجبال الخطايا لابد وأن تقدموا لها استغفاراً يليق بها.

    ولا يزكي أحدنا نفسه؛ لأن من شأن أهل الفضل والصلاح احتقار النفس في ذات الله والاستغفار، فإذا كان الأنبياء هذه حالهم، آدم عليه السلام وزوجه يقولان: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] ونوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض يقول: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:47]، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82]، وموسى الكليم يقول: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص:16]، وداود عليه السلام: وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]، وسليمان : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35].

    نبينا صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه: (إنه يغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة)، وفي حديث آخر: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أستغفر الله في اليوم مائة مرة) ثم يعلم أصحابه ذلك، يقول أبو بكر: يا رسول الله علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الصديق: (يا أبا بكر قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).

    ثم إن ربكم يناشدكم جميعاً أن ترجعوا إليه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] ثم إن الله يذكرنا فيقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64] ويقول في آية ترق لها القلوب: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27] ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].

    فيا معشر الإخوة! استجيبوا لربكم إذ أمركم بالاستغفار، إذ ينزل إلى السماء الدنيا إذا كان الثلث الأخير من الليل فيقول: (هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه ؟) ماذا بعد ذلك؟ ماذا تريدون من ربكم سبحانه، الكريم الحليم الغفور الرحيم؟ وينادي في الثلث الأخير: من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأجيبه؟

    دعوة إلى التوبة وعدم القنوط من رحمة الله

    فيا معشر الإخوة! قدموا استغفاراً طويلاً لأعمالكم، ولا تيئسن أحد من رحمة الله مهما قدم وأسرف، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] وقال الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56]، وقال حفيده يعقوب عليه السلام: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]، فلا تيئسوا أبداً من رحمة الله، مهما قدمتم، فللتوبة باب مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

    واعلموا أن ربكم يفرح برجوعكم إليه كما قال عليه الصلاة والسلام وأقسم على ذلك: (والله للـه أفرح بتوبة عبده من رجل كانت معه راحلته في أرض فلاة، عليها زاده وطعامه وشرابه، فأضل راحلته وعليها الزاد والطعام والشراب فبحث عنها فلم يجدها، فلما يئس من رجوعها، نام مستسلماً للموت، واضعاً خده على يده، ينتظر الموت، فأفاق من نومه فإذا براحلته عند رأسه، فقال من شدة فرحه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) فربنا أفرح برجوع عبده إليه من هذا الذي أضل راحلته ثم وجدها.

    فلا ييئسن أحد من رحمة الله، ولا يقنطن أحد من رحمة الله، قال الشيطان لله عز وجل: (وعزتك يا ربي لا أبرح أغوي العباد مادامت الأرواح فيهم، قال تعالى: وعزتي لا أبراح أغفر لهم ما استغفروني).

    فلا ينبغي أن تقنط ولا أن تيئس أبداً من رحمة الله، ولا أن تقنط غيرك ولا أن تُيئسه من رحمة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان في بني إسرائيل رجلان متآخان، وكان أحدهما مسرفاً على نفسه والآخر عابداً، فكان العابد لا يرى المسرف على ذنب إلا ويذكره: اتق الله، دع ما تصنع، لا يحل لك، وفي يوم قال له هذه المقولة وقد رآه على ذنب، فقال المسرف على نفسه: يا هذا خل بيني وبين ربي عز وجل، أبعثت عليَّ رقيباً؟ فقال هذا العابد والله لا يغفر الله لك، قال تعالى: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، اذهب فقد غفرت له وأحبطت عملك) فحبط عمل العابد إذ تألى على الله وأقسم أن الله لا يغفر لفلان.

    بل والنبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128].

    فلا تقنطوا أحداً من رحمة الله، ولا يخفى على أحد حديث قاتل التسعة والتسعين، سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على راهب فأتاه، وقال له: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ قال: لا، فقتله فأتم به المائة، وهذا من سوء الفقه، من خطأ العبادة بلا علم وبلا فقه، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على عالم فأتاه، قال له: إني قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ قال: سبحان الله، ومن الذي يحول بينك وبينها؟ ولكن اترك أرضك -أرض السوء- واذهب إلى أرض كذا وكذا، ففيها قوم من أهل الصلاح يعبدون الله فاعبد الله معهم، ففعل ما أُمر به، ولكن مات في نصف الطريق.

    فحضرته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فاختصموا في أمره، قالت ملائكة الرحمة: رجل أقبل بقلبه إلى الله تائباً، قالت ملائكة العذاب: رجل قتل مائة نفس ولم يعمل خيراً، فاختصموا فيه، فأوحى الله إليهم أن يتحاكموا إلى أول من مر بهم، فأرسل الله إليهم ملكاً، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا ما بين الأرضين، وكان من قدرة الله أن الرجل نأى بصدره إلى أرض أهل الصلاح قيد شبر، فوجدوه أقرب إلى أرض الصلاح بشبر، فتلقته ملائكة الرحمة.

    فلا ينبغي أن ييئس أحدٌ من رحمة الله، ولا أن يُيئس شخصاً من رحمة الله، في الصحيح أن الصحابي الملقب بـحمار، هذا الصحابي كان يكثر من شرب الخمر، فيؤتى به فيجلد، ثم يعود فيؤتى به فيجلد، حتى قال بعض الصحابة: لعنك الله ما أكثر ما يؤتى بك، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تلعنوه فإنه ما علمت يحب الله ورسوله) وفي بعض الروايات: (لا تكونوا عوناً للشيطان على إخوانكم).

    1.   

    الحذر من مكر الله عز وجل

    فيا معشر الإخوة! لا تيئسوا من رحمة الله، ولا تقنطوا أحداً من رحمة الله، وفي ذات الوقت لا تستهينوا بمحارم الله، فقد يظن ظان أنه بإسلامه يغفر له كل شيء، ورب العزة يقول: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49]وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:50] ويقول:غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3].

    وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت) وفي الحديث الآخر: (أن رجلاً كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج مع النبي في غزوة من الغزوات، فأتاه سهم فقتله، فقال الصحابة: هنيئاً له الشهادة في سبيل الله، قال عليه الصلاة والسلام: كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لتشتعل عليه ناراً).

    فكما أن الشخص لا ييئس من رحمة الله، فعليه أيضاً ألا يغتر بسعة عفو الله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام:15] هكذا قال ربنا في كتابه الكريم، ولسنا بخير من أصحاب نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فلما عصوا نبيهم يوم أحد، حل بهم من البلاء والنكد ما لا يخفى: شج رأس نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام، وكسرت رباعيته عليه الصلاة والسلام، وقتل عمه حمزة، وبقرت بطنه واستخرجت الكبد ولاكتها امرأة بأسنانها.

    لسنا بخير من نبي الله يونس، كان داعياً إلى الله عليه الصلاة والسلام، وكان نبياً كريماً يدعو إلى ربه تبارك وتعالى، فلم يجبه قومه، فخرج من البلدة مغاضباً عن غير أمر الله له، قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] وفي الآية الأخرى: فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ [الذاريات:40] وفي الثالثة: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ [الصافات:143]* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:144].

    وأبونا آدم قبل كل هذا، ما الذي أخرجه من الجنة؟

    ما الذي تسبب في نزع اللباس عنه، بعد أن كان مكسواً ومستوراً، وبعد أن كان منعماً في الجنة يأتيه من كل صنوف النعيم فيها؟

    ما الذي كان سبباً في تعريته، ونزع اللباس والثياب عنه، وعن زوجته كما قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]؟

    ما الذي تسبب في هذا العري حتى جعل آدم على عورته ورقاً من أوراق الجنة؟ إنه ذنب عصى فيه ربه، ألا وهو: لا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35]، فاقترب منها آدم وزوجته عليهما السلام.

    1.   

    المعاصي سبب زوال النعم

    فتأكدوا وأيقنوا يا أولي الألباب، أن الذي يبدل النعم ويحيلها إلى نقم هو العصيان والتمرد عن أمر الله، قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [الطلاق:8-9]، وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:15-17].

    وغير هؤلاء: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا [الفرقان:37-40].

    وغير هؤلاء: وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:39-40].

    فاعقلوا هذه المعاني معشر الإخوة، قدموا استغفاراً وتوبة وإنابة، ولا تنسوا التحلل من المظالم، فالمظالم لا يكفيها الاستغفار بل لابد وأن تؤدى إلى أهلها، (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إنما هي الحسنات والسيئات).

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا).

    1.   

    ذكرى هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام

    هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة في مثل هذا اليوم، بعد أن لقي من البلاء ما لقي، وبعد أن ناله من العذاب ما قد ناله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك كان الأذى قد امتد إلى أصحابه وبلغ بهم مبلغاً شديداً، فأذن لهم بالهجرة، فاتجه بعضهم إلى الحبشة.

    وكان ممن اتجه إلى الحبشة بعد الأذى الشديد الذي لا يطاق ولا يكاد يصبر عليه، جعفر بن أبي طالب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم، في طائفة كبيرة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

    أبو بكر وأذى قريش له

    حتى إن الأمر اشتد بـأبي بكر الصديق هو الآخر، فخرج من داره في مكة مهاجراً رضي الله عنه، فلقيه رجل يقال له ابن الدغنة كما قالت عائشة: ما عقلت أبواي إلا وهما يدينان الدين، أي: وهما على الإسلام، وكان قلما يمر علينا يوم إلا وأتى إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بكرة وعشياً صباحاً ومساءً.

    ثم إنه بدا لـأبي بكر أن يهاجر، بعد أن بلغ به الأذى واشتد، فخرج من مكة فلقيه ابن الدغنة، وكان سيداً من سادات قومه فسأله: إلى أين يا أبا بكر ؟ قال أبو بكر : أخرج من بلدي أسيح في الأرض أعبد ربي عز وجل، لقد أخرجني قومي، قال له ابن الدغنة : والله يا أبا بكر لا تخرج منها، فإن مثلك لا يخرج يا أبا بكر، إنك رجل تصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار يا أبا بكر، فانزل إلى جواري.

    فوافق أبو بكر على هذا العرض، ورجع به ابن الدغنة إلى قريش، ومر بالملأ من قريش وقال: يا معشر قريش، كيف تخرجون رجلاً يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق؟ والله إن مثل هذا الرجل لا يُخرج، وقال: إني أنزلته في جواري، فقالوا له: لك ذلك، لكن لنا شرط أن يبقى أبو بكر في بيته يقرأ القرآن كما يشاء ويصلي كما يشاء، ولا يسمعنا القرآن، ولا يسمع نساءنا، ولا يسمع أبناءنا، فوافق أبو بكر على أن يقرأ القرآن في بيته، وعلى أن يصلي في بيته.

    ثم مضى على هذا زمن، ثم بدا له أن يبني في فناء داره مسجداً، ففعل، فكان يصلي فيه، وكان رجلاً رقيق القلب، لا يملك الدمع، فكان إذا قرأ القرآن بكى وذرفت عيناه الدمع، فالتفت حوله نساء قريش، وأبناء قريش ينظرون إلى صلاته، ويعجبون منه، فخشي القرشيون على أولادهم ونسائهم أن يؤمنوا لقراءة أبي بكر ، فذهبوا إلى ابن الدغنة ، قائلين له: إنا كرهنا أن نخفرك في رجل قد أجرته، فإما أن يترك أبو بكر قراءته، وإما أن يرد إليك جوارك، فإنا نخشى أن نؤذيه وهو في جوارك، فجاءه ابن الدغنة وقال: يا أبا بكر قد علمت ما عاهدت عليه قريش، فإما أن تقرأ في البيت ولا تعلن، فليس القرشيون بمقرين لك الاستعلاء، وأكره أن يتحدث الناس أني أخفرت في رجل قد أجرته، وإما أن ترد إليَّ جواري، قال أبو بكر: بل أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل، فلقي من الأذى ما لقي.

    الإعداد للهجرة

    ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد قال لأصحابه: (إني أُريت دار هجرتكم، وإنها أرض ذات نخل وأراها اليمامة أو هجر) هجر: التي هي الآن في بلاد السعودية، فما كانت اليمامة ولا هجر بل كانت المدينة، ثم إن الصحابة بدءوا في الهجرة إليها واحداً تلو الآخر، وأراد أبو بكر أن يهاجر وأن يسبق النبي عليه الصلاة والسلام، فطلب منه النبي المكث والصبر، قال: (أترجو يا رسول الله أن تهاجر فأكون صاحباً لك؟ قال: نعم).

    ثم إن النبي أتى أبا بكر وكان أبو بكر قد أعد راحلتين راحلة له وراحلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلفهما أربعة أشهر استعداداً للهجرة، ولمشوارها الطويل، فجاء النبي إلى أبي بكر في الظهيرة.

    قالت عائشة: يا أبي قد جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام في وقت لم يأتنا فيه، جاءنا في الظهيرة، فقال: ما أتى به إلا أمر قد حدث، فجاء النبي وقال: (قد أُذن لي في الهجرة، قال: الصحبة يا رسول الله، قال: الصحبة يا أبا بكر! فقال: عندي راحلتان خذ إحداهما يا رسول الله! قال عليه الصلاة والسلام -وهو العفيف المتعفف-: بالثمن) فاشتراها النبي من أبي بكر رضي الله تعالى عنه.

    قريش تحاول قتل رسول الله

    قال تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].

    تمالأ أهل الشرك في تلك الليلة على الفتك برسول الله عليه الصلاة والسلام واتفقوا على ذلك، فكان أن عليـاً نام في فراش رسول الله عليه الصلاة والسلام في تلك الليلة، ثم إن النبي خرج مع أبي بكر رضي الله عنه، وصلاة الله وسلامه على النبي الأمين، وجاء المشركون أمام بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يرقبونه طول الليل، وعلي يتصنع لهم ويتقلب في الفراش، يوهمهم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما النبي فخرج مع أبي بكر حتى بلغا غار ثورٍ، فباتا فيه ثلاثة أيام، وكان يرعى عليهما غلام لـأبي بكر ، فيأتيهما في الليل بالغنم يسقيهما من ألبانها، وكان محمد بن أبي بكر رضي الله عنه يتفقد أحوال القوم بمكة وينقل أخبارهم إلى رسول الله، أما أسماء -ذات النطاقين- فكانت تربط الطعام بجزء من نطاقها ولذلك سميت ذات النطاقين، وتجهز للرسول ولـأبي بكر سفرة الطعام وترسلها إليهم.

    فأصبح الصباح ودخل أهل الشرك على علي وهو نائم للفتك به ظناً أنه رسول الله، فإذا به علي، فسُقط في أيديهم: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].

    أما رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبو بكر رضي الله عنه، فاستأجرا رجلاً كافراً هادياً خريتاً عارفاً بالطرق، فجاءهما هذا الرجل وانطلق بهما في طريق الساحل متجهاً إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورصد المشركون الجوائز لمن يأتي برأس رسول الله وأبي بكر حياً أو ميتاً، وجعلوا مائة من الإبل لمن أتى بالرسول، ومائة أخرى لمن أتى بـأبي بكر، ثم ضاعفوا الأعطيات لمن أتى بهما.

    في غار ثور

    وقبل ذلك وصل المشركون إلى باب غار ثور، والنبي فيه هو وأبو بكر، وأبو بكر يقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت رجليه لأبصرنا، والنبي يقول: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) وفي ذلك يقول تعالى: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].

    أنجى الله نبيه وخرج مسافراً إلى المدينة في أيام طويلة، فلقيه الزبير في الطريق، وكان الزبير راجعاً من الشام بتجارات فيها الثياب البيض، فكسا النبي ثوباً أبيض، وكسا أبا بكر ثوباً أبيض، واتجه الرسول وصاحبه إلى المدينة، كلما سأل سائل أبا بكر - أبو بكر شخص يُعرف والرسول شاب لا يُعرف، مع أن الرسول أكبر سناً من أبي بكر - فكلما سأل سائل أبا بكر: من هذا الذي معك يا أبا بكر ؟ قال: هذا هادٍ يهديني السبيل.

    النبي صلى الله عليه وسلم يصل إلى المدينة

    علم أهل المدينة بمقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكانوا يخرجون لانتظاره عند الحرة كل يوم، لا يرجعهم إلى بيوتهم إلا حر الشمس، ثم إن أهل المدينة رجعوا ذات يوم من حر الشمس، وكان رجل من اليهود قد صعد على نخلة من نخيل المدينة يتابع الحدث، فرأى النبي وأبا بكر قادمين، فنادى بأعلى صوته: يا أهل المدينة هذا جدكم الذي تنتظرون قد وصل، فخرجوا إليه جميعاً مسرعين، أغلبهم لا يعرفه يظنه أبا بكر، فلما رأوا أبا بكر يقبل على خدمته، يأتيه من الأمام ومن الخلف يحرسه، علموا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا إليه والتفوا عليه يقبلونه، مستبشرين بقدومه، وأضاءت المدينة يوم أن دخلها النبي عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن الضوء حقيقة، لكن أضاءت كما يقول بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأظلمت يوم وفاته عليه الصلاة والسلام، أظلمت في وجوه أقوام وأضاءت في وجوه أقوام.

    دخل النبي والكل يأخذ بزمام ناقته، ونبينا يقول: (دعوها فإنها مأمورة) ثم نزلت ناقته عند بني النجار، وهذا بأمر الله تبارك وتعالى، ثم شرع النبي في بناء المسجد.

    هذا باختصار شيء من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، ذلكم النبي الكريم، الذي ترك الأرض والديار وخرج من مكة وعيناه تذرفان الدمع، وهو يقف على جبل وينظر إلى بلاده، ينظر إلى مكة وإلى دياره في مكة ويقول: (والله إنكِ أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن قومكِ أخرجوني منكِ ما خرجت).

    وقبل نبيكم محمد هاجر الأنبياء كذلك، ......... : فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26]قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:99]، فكما قال ربكم جل وعلا: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:56-57].

    فاذكروا معشر الإخوة! نبيكم محمداً عليه الصلاة والسلام، واذكروا أنكم دخلتم في عام جديد، فاسألوا الله التوفيق لصالح الأقوال، ولصالح الأعمال، ولصالح النوايا كذلك، دخلتم في شهر الله محرم، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، فأكثروا من الصيام في هذا الشهر الكريم، فما زلتم في الأشهر الحرم، ومحرم منها

    فلا تظلموا أنفسكم، ولا تظلموا إخوانكم، وبادروا إلى الخيرات، واستبقوها، وأكثروا من الدعاء لإخوانكم ولأخواتكم المؤمنين والمؤمنات، أكثروا من الاستغفار لكل من سبقكم بإحسان من أهل الإيمان، بل وللمسيئين من أهل الإيمان، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

    اللهم يا ولي الإسلام وأهله، ثبتنا على الإسلام والإيمان حتى نلقاك، اللهم يا ولي الإسلام وأهله انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وارفع رايتهم فوق كل الرايات، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وأرحم موتانا وموتى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسرى المسلمين.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756537074