فما معنى الأدب مع الله؟ وما معنى الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وما معنى الأدب مع خلق الله؟
أولاً: الأدب مع الله في إطاره العام: ألا ترى نفسك على معصية، أو على إصرار على معصية.
ففي الدنيا لو وصف أب ابناً له بأنه مؤدب، أو وصف أهل الحي أحداً بأنه إنسان مؤدب -أي: أدب دنيوي- فمعناه: أنه يحترم الكبير، فاحترامه لكبير القوم نوع من الأدب.
فأدبك مع الله عز وجل: ألا تسيء إلى شرع الله والقانون الذي وضعه الله عز وجل، وقانون الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: أمر ونهي.
فالأمر: التنفيذ، فلا يكون هناك تقصير.
ففي القانون الوضعي عندما أخالف الأمر تأتيني المخالفة، فإذا خالفت أمر المرور مثلاً أتتني المخالفة، فإذا كانت السيارة محطمة، أو أخذ التاكسي حمولة أكثر من اللازم أو غير ذلك فإن المخالفة تسجل علي، أو في قانون المباني إذا كان قد صرح له ببناء خمسة أدوار فبنى سبعة سجلت عليه مخالفة، وهكذا في كل القوانين الوضعية عندما لا تنفذ الأمر، أو ترتكب منهياً عنه في القانون تأتيك المخالفة.
إذاً: أليس من باب أولى أن يكون لك مع الله قانون؟! فقانون الله عز وجل عبارة عن أمر ونهي، فإذا خالفت الأمر فأنت مخالف، وعندها نقول عن فلان: إنه غير مؤدب مع الله، فأي إنسان مستمرئ لمعصية، ومعتاد عليها، أو أنه يضيق صدور المسلمين فيدخل النكد عليهم، أو يحاول أن يثير الذعر بينهم، أو يحاول أن يوقع المسلم في أخيه، والجماعة المسلمة في الأخرى، فهذا إنسان لا يعرف الأدب مع الله، أي: أنه ارتكب مخالفة، أو لم يطبق أمر الله عز وجل.
وقد يجتمع المسلمون في بيت واحد لمدة ساعتين أو ثلاث فيسأل كل واحد منهم عن الآخر، وربما لا يعرف بعضهم أسماء بعض، لكن الأرواح قد تلاقت في الأزل منذ أن قال ربنا: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف:172]؟ فقال الجميع: بَلَى [الأعراف:172]، بل وأشهدنا على أنفسنا، قال ربنا: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172]، فكل الأرواح اجتمعت في ذلك اليوم، فأنت ترى الأخ في المسجد ولم تره من قبل حقيقة، فتقول له: قد رأيتك من قبل؟! فيقول هو أيضاً: وأنا رأيتك، ولعلك تتذكره فتقول: كنت في كلية كذا؟ فيقول: لا، هل اشتغلت في المصلحة الفلانية؟ فيقول: لم يحصل، هل كنا مع بعض في المدرسة؟ فيقول: لا، أو في الروضة؟ فيقول: لا، فتقول له: أنا كنت في الإسكندرية، فيقول: وأنا أتيت من سوهاج، وكلاهما صادق؛ لأن روحيهما قد التقتا في عالم الأزل، فلما تلاقت الأجساد لم تكن الأشكال غريبة.
فالحالة نوعان: إما حالة إيمانية، أو حالة تمردية عصيانية، وهذا كما يقال: أعلنوا التمرد العام أو العصيان المدني، فنحن مع الله في إحدى حالتين: حالة إيمانية تقترب فيها من رب العباد كلما ازداد العمر ومضت السنين، وكلما ذقت حلاوة الهداية والطاعة ورقة القلب عندما تقترب من الله، أو حالة تمردية عصيانية تدخل بها في دائرة إبليس، قال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأنعام:142]، وقال: إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، ويأتي إبليس بعد ذلك ويتبرأ: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22]، فشخص يقول لك: ضع نفسك تحت القطار، أو اشرب هذا السم فتشرب، أو ارم نفسك من الدور العاشر فترمي بنفسك، لم يكن له عليك من سلطان إلا أن دعاك، فلم أُشربك السم رغماً عنك، ولم أضعك على سكة القطار رغماً عنك، ولا جعلتك تقتل نفسك رغماً عنك، ولكن بمجرد أن دعوتك دعوة استجبت لي، وهذا مثل الولد الفاشل إذا قيل له: تعال نلعب قليلاً استجاب، فزميله ليس له سيطرة عليه إلا أنه زين له اللعب، فإذا ما جاءت نهاية السنة فشل وسقط، فإذا قال له: أنت السبب، قال له: ليس لي دخل فيك، إنما دعوتك إلى اللعب فاستجبت لي، ولم أمسك بك لكي تلعب، ولم أهددك أبداً، وإنما استجبت لي بمحض إرادتك.
ثم يترتب بعد ذلك على هذه الحالة هالة، والهالة نوعان: هالة مضيئة إذا كنت في حالة إيمانية، وهالة مظلمة قاتمة لا ترى فيها سبيل الهداية إن كنت متمرداً عاصياً؛ ولذلك تسمع أن فلاناً عليه هالة من النور، أو فلاناً في جبينه نور، أو فلاناً في وجهه السماحة، بينما فلان من أهل المعصية عليه غبرة، رجل ليس فيه نور، إذا تكلم لم يسمعه أحد، إذا خرج كلامه من لسانه لم يتجاوز الآذان، فالهالة إذاً مترتبة على الحالة.
وفي الآخرة تنير حالتك الإيمانية طريقك على الصراط -اللهم أضئ لنا طريقنا يا رب العالمين-، فإذا كنت مستقيماً على طريق الله في الدنيا تأتي على الصراط وهو مظلم ومن تحته جهنم -والعياذ بالله نسأل الله السلامة- وجهنم مظلمة لا يرى الإنسان فيها نوراً، فالذي يظلك في هذا الوقت هالتك الإيمانية، وكل إنسان على قدر إيمانه.
فمثلاً: تجد أن الإنسان إذا كان غنياً في الدنيا يصنعون له صيواناً عند موته، يأتي المهندس فيقال له: نريد الكثير من قناديل الإضاءة، والمهندس عليه التوصيل الكهربائي، فتضاء القناديل كلها، ويكون الصيوان كضوء النهار، بينما الآخر المسكين ليس معه عند موته سوى قنديلين أو ثلاثة، وهكذا المؤمن كلما ازداد إيمانه ازدادت هالته الإيمانية النورانية فأضاءت له على الصراط، كما وصف الحبيب أن من الناس من يضيء له إيمانه على قدر إبهامه، يعني: قدر إبهام إصبع رجله، مثل بطارية الدكتور الصغيرة الخاصة بالأنف والأذن والعيون، شيء على قدر الحاجة يفي بالغرض.
قال تعالى: كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا [البقرة:20] يعني: أن الصراط مظلم، وهذا هو حال من يصلي من رمضان إلى رمضان، ومن الجمعة إلى الجمعة فقط، وكلما مات له قريب قال: سأتوب وسأصلح حالي، فهذا الإنسان يضاء له على الصراط قليلاً ثم ينطفئ ضوءه، قال تعالى: كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [البقرة:20] لأنه رأى طريقه، قال: وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا [البقرة:20] لأنه لا يرى أمامه فيوشك أن يقع في جهنم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ومنكم من يضيء له إيمانه كضوء الهلال) يعني: كالشهر في أوله، (أو المحاق)، وهو الشهر في آخره، (ومنكم من يضيء له إيمانه كضوء القمر ليلة التمام، ومنهم من تناديه النار: يا مؤمن! أسرع بالمرور من فوقي فإن نورك غطى على ناري) سبحان الله!
إذاً: هذه هي الهالة الإيمانية، اللهم أنر لنا الدنيا والآخرة بالإيمان يا رب!
فأنت مع الله عز وجل في قضية الأدب لا تكسر أمراً ولا ترتكب منهياً، هذا هو الإطار العام.
ولقد كان أنبياء الله عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام في قمة الأدب مع الله عز وجل، وهناك صور شتى: فسيدنا إبراهيم، والرجل الصالح الذي يقال له الخضر عليه السلام الذي التقى به الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وسيدنا يوسف كيف تعلمنا منه الأدب عندما التقى بأبيه وإخوته، قال: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [يوسف:100] مع أن الورطة الكبرى كانت في إخراجه من الجب وهو البئر، لكن لو أنه قال: (إذ أخرجني من الجب) لكان فيه جرح لمشاعر إخوته، لكن من أجل صفاء القلوب لم يذكر هذا الأمر.
فالنفوس مثل الحوض أو البئر الذي فيه ماء معكر، ومع مرور الوقت أو الزمن ينزل التعكير إلى الأسفل، فمن باب المصلحة أن نأخذ كوباً منه أو إناء من حافة الحوض دون تحريك العكارة، وهذا من باب الأدب.
قال رجل للحسن البصري : يا بصري! تعال لنتعاتب -يعني: نجلس مع بعضنا جلسة عتاب- قال: كلا! قل: تعال لنتغافر. يعني: لا نريد أن نجلس للعتاب ولكن للمغافرة.
وتقول العرب في أمثالها: أنت تئق وأنا مئق فمتى نتفق؟! وتئق يعني: رجل سريع الغضب، وأنا مئق: يعني سريع الاندفاع، يعني: أنك لا تتحمل وأنا لا أستطيع أن أمسك نفسي، إذاً: من اللازم أن أخفف من حدة انفعالي، وأن تخفف من حدة توترك وتلقيك للمسألة.
والسلف الصالح كانوا في قمة الأدب مع الله في مسألة الوقت، وقد علمنا أهل العلم رضي الله عنهم: أن من الحقوق في الأوقات ما يمكن قضاؤها، ومن حقوق الأوقات ما لا يمكن قضاؤها.
المثال الأول: أن يدخل وقت الظهر فأقوم للصلاة، فهذا حق الوقت في الظهر، وإذا انقضى وقت الظهر أصليه قضاءً، فإذا دخل وقت العصر ولم أصله بعد والشمس سوف تغرب فمن الواجب أصليه، فقبل أن أنام لابد أن أصلي خمس صلوات، والصلوات على أوقاتها من أفضل القربات، لكن الإنسان أحياناً قد يؤخر الوقت، أو تأتيه ظروف تضطره لتأخير الصلاة فيدخل وقت على وقت، وهذا لا يستوي مع الذي يؤديها في نفس الوقت.
أما حقوق الأوقات مما لا يمكن قضاؤها فمثل اليوم الذي يفوت من غير طاعة، أو سنة أو سنتين تمر عليك ولم تطع الله فيها، فهل تستطيع أن تستعيد هذا الزمن مرة أخرى؟ وهل ما فات حجة لك أم عليك؟ اللهم اجعله حجة لنا لا علينا يا رب العالمين!
إذاً: هذه بعض من صور الأدب مع الله.
يعني: إذا قال الله.. أو قال رسوله، قلنا: سمعنا وأطعنا، سواء فهمت العلة أم لم أفهمها، فهمت المسألة أم لم أفهمها، ما دام أن هذا الكلام من حبيب الله فقد انتهى الأمر.
جاء عن ابن مسعود: أنه كان ذاهباً إلى المسجد النبوي فبينما هو في وسط الشارع سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لمن في المسجد: اجلسوا! فجلس ابن مسعود على قارعة الطريق، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم رأى ابن مسعود جالساً على الطريق فقال له: مالك تجلس هكذا، قال: سمعتك تقول: اجلسوا! فجلست مخافة أن أتقدم خطوة فأكون مخالفاً لأمرك يا رسول الله! وهذا غاية الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن إذا أتتنا امرأة قليلة أدب -وكثيرات ما هنّ- تقول لك: الحجاب هذا لم يرد، وتجد إنساناً أيام عبد الناصر كان من أكبر الماركسيين في مصر، فلما كبر قليلاً في السن -والسن عند بعض الناس الذين لا يتقون الله في ماضيهم يصير وبالاً عليهم إذا تقدم بهم- فالشاهد: أن هذا الماركسي طلع على الناس في إحدى المجلات يقول لهم: الحجاب ليس بفرض، كيف هذا يا رفيق؟! ورفيق: تطلق على الشيوعيين في الوقت الحالي، فبئس الرفيق هذا.
فهؤلاء الذين يدعون إلى حرية المرأة هم لا يدعون إلى حرية المرأة ولكن يدعون إلى حرية الوصول إلى المرأة، وأنا عندي قناعة بهذه المسألة، وأعرف أناساً كثيرين وأتمنى ألا عرفهم من هؤلاء، فأي حرية مرأة!! وما الذي يغضبك يا أخي في هذا الشيء؟! فإذا لم نأخذها بالفطرة أو بالدين، أو أنه لا توجد آية في النور أو في الأحزاب، أو لا يوجد شيء في أيام رسول الله أو في الإجماع، فهب أنها بالغيرة العربية، هل تحب أن تمشي زوجتك عارية أم مستترة؟!
انظر إلى حيوانات الغابة هل هي محجبة أم عارية؟ هل في عمرك رأيت جاموسة منقبة أو مخمرة؟ لم نسمع في عمرنا -أعزكم الله-، بل تمشي عارية كما خلقت، هذه حياتها، لكن الإنسان الذي كرّمه الله يقول الله عنه: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف:26]، وأبونا آدم عندما أكل من الشجرة وبدت له سوءته قال الله: وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف:22] أي: يريد أن يغطي سوأته.
فالمرأة عورة وإن لم يكن النقاب فرضاً، لكن جزاها الله خيراً من غطت جسدها أمام الرجال، فما الذي يغضب الآخرين سوى أنه يريد أن ينظر إليها؟! وإذا سألته: هل هذه أختك؟ قال: لا. ابنتك؟ قال: لا.
و قاسم أمين -رحم الله الجميع- لما أخرج كتاب: (المرأة الجديدة)، و(تحرير المرأة) ذهب إليه أحد أصحابه ممن لم يقتنع بالكلام الذي كتبه قاسم أمين عن خروج المرأة وجلوسها مع الرجال، فلما أتاه قال له: أنا لم آت لأجلس معك، ولكن لأجلس مع امرأتك قليلاً!! فقال: ما قلة الأدب هذه؟! فقال له: ألم تقل أنت هذا! ما المشكلة؟!
فلو خرج قاسم أمين من قبره وسمع ما يقال اليوم لظن نفسه عمر بن الخطاب ؛ لأن قاسم أمين كان يقول: لا داعي أن تغطي المرأة وجهها؛ لأن جدتي وجدتك من عهد قريب -أربعين أو خمسين سنة- كانت إذا خرجت من البيت غطت وجهها لكي لا يراها أحد؛ من باب الفطرة، ولو سألت جدتك: ما هذا؟ وهل النقاب فرض أم لا؟ لما عرفت الجواب؛ لأنهم لم يكونوا يعرفوا هل السلام على الرجال حرام أم لا؟ لكن إذا جاءت تسلم على الرجل أدخلت يدها في الكم أو الشال الذي معها وسلمت عليه، رغم أنها لم تكن تسلم على الرجال، لكن إذا اضطرت وضعت يدها بالفطرة من غير أن يعلمها أحد، ونحن أتينا لنكسر هذه الفطرة ونكسر الدين، ولو جلست امرأة غير محجبة بجانب امرأة يهودية أو نصرانية أو روسية فكيف ستعرف المسلمة؟!
ويقولون: أنتم أيها الإسلاميون! تذهبون بعيداً جداً، امرأة عارية تذهب وتجيء في المسرح!! يقول تعالى: وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [الأنعام:36]، ويقول: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22] انظر إلى شر الدواب!! فقد جعل الله الذي لا يفهم في الدين ولا يريد أن يفهم الدين أسوأ من البقرة والجاموسة والحمار، والبقرة والجاموسة والحمار هذه البهائم مجبولة ومفطورة ومسخرة لطاعة الله وتسبيحه وتقديسه طوعاً أو كرهاً.
لكن نحن -من أعطانا الله العقل- متمردون على الدين، فأين أدب هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! يقول تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، هذا هو الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك أخ كريم له صاحب غير ملتزم، وهو يحكي لنا يقول: اتصل بي وقال: يا شيخ! أريد أن أتوب إلى الله وأترك الفوضى التي أنا فيها، وسأذهب معك إلى المكان الذي تذهب إليه في رمضان، فقال له: نحن نذهب إلى العمرة في رمضان عشرة أيام لا نتحرك فيها من الحرم، فقال له: موافق، فقال له: لن تتحمل، قال له: سوف أتحمل، ومتى سنرجع؟ قال: يوم العيد، فقال: موافق وسوف أحج معك بالمرة، فقال له: أين تحج؟ فقال: ما دمت سأجلس معك عشرة أيام إلى العيد ولن أخرج من الحرم فسأحج بالمرة، فليس من اللازم أن يكون الحج في ذي الحجة؟!! قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، ففي الآية دلالة على عظم أهمية الوقت في حياة المسلم.
وأتى رجل إلى الإمام أبي حنيفة وكان يمشي في الشارع يذاكر مسألة فقهية، فقال له: يا إمام! فقال له: نعم، قال: عندي سؤال صغير، فقال له: سل فيه عالماً صغيراً!
فهناك أناس من الخلق لهم أكبر الحقوق، مثل الوالدين: أبوك وأمك، فهؤلاء لهم أكبر الحقوق، فأدبك معهم: ألا تناديه باسمه، وألا تجلس بحضرته إلا إذا أذن لك، وألا تسير أمامه إلا إذا كان ليلاً، ولا تقل له: تعال، ولا ترفع الصوت عليه، ولا تجعله يبيت باكياً، وأظن أن هذا الكلام واضح جداً للشباب، ولن يدخل أحدٌ الجنة إلا برضاهما، (فالوالدان على بابين من أبواب الجنة، وإن كان واحداً فواحداً)، يعني: لو كان أبوك على قيد الحياة وأنت تبره فستدخل من باب من الجنة، وإن كنت تبر أباك وأمك فستدخل من بابين من الجنة تخير بينهما فتدخل من هذا أو من الآخر، ومن عقهما فلن يدخل الجنة، فإياكم وعقوق الوالدين، ولا توجد آية في كتاب الله تنهى عن الشرك إلا وتنهى عن العقوق، ولا آية تأمر بالتوحيد إلا وتأمر بالبر.
فإن قيل: فإذا مات الأب والأم ولم أبرهما فماذا أفعل؟ قلنا: ليست بمشكلة فالبر موجود أيضاً، وهو أن تبر صديقهما من بعدهما، تأتي في رمضان وتتصل بصديق أبيك الذي كان يزوركم، وتسأل عن أحواله وأخباره.
كان لسيدنا ابن عمر عمامة يحبها كثيراً لأن رسول الله صنعها له مرة، وذات مرة ذهب ليعتمر فلما أنهى العمرة ولبس ملابسه وعمامته لقي شخصاً فأخذ عمامته ووضعها على رأسه، فقيل له: لم فعلت هذا؟! فقال: كان والد هذا وداً لـعمر بن الخطاب ، يعني: صاحباً وخليلاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صل ود أبيك)، وليس كالولد الذي قال لأبيه:
لو كان مثلك في زمان المصطفى ما كان في القرآن بر الوالدين
فهذا حق من الحقوق قد يضيع كالدعاء لهما، والاستغفار، وصلة صديقهما من بعدهما، والتصدق على روحيهما، وإن كان عليهما أيام صيام صام عنهما، وإن كان عليهما حج ولم يحجا ويسر الله له حج عنهما، فهذه من حقوق الوالدين.
أما قراءة القرآن فإنها لا تصل؛ لأن الله يقول: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:70] أي: ما زال في الدنيا، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذهب إلى قبر أو جلس في بيته وقرأ وقال: هذه القراءة لروح فلان.
لكن الواجب عليك تجاه الميت: أن تدعو له، وتذكر أنك ستصل بعده لهذه الحالة، هذا هو هدي حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر