أما بعد:
أحبتي في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نلتقي في يوم الإثنين الموافق للسابع والعشرين من الشهر الثامن لعام (1414هـ) ومع موضوع بعنوان: ثلاثون وسيلة لاستغلال رمضان، ولعل هذه الوسائل ازدادت بعد الإعلان وتواصل الإخوة بارك الله فيهم جميعاً، فأصبح العنوان: (أربعون وسيلة لاستغلال رمضان) ولعلنا لا نخرج من هذا المكان إلا وقد زيدت هذه الوسائل وهذه الأفكار من قبلكم -إن شاء الله- باقتراحاتكم وآرائكم إلى الخمسين أو فوق ذلك.
وهذه الوسائل هي عبارة عن جمع عدد من التوجيهات والأفكار والمقترحات لاستغلال رمضان، ولابد لهذه الوسائل من شرطين حتى تكون الوسيلة صحيحة:
أولاً: أن تكون وسيلةً مشروعةً، أي: مباحة.
وثانياً: أن تؤدي هذه الوسيلة الغرض المطلوب والمقصود منها.
أما أسباب اختيار الموضوع، فمن هذه الأسباب:
أولاً: كيف نستغل رمضان؟ وماذا نفعل في رمضان؟
سؤال نسمعه كثيراً من الحريصين والحريصات، ومن بعض أئمة المساجد، ووجود هذا السؤال من المبشرات، فتبقى الإجابة، ومن هذه الإجابة هي جمع هذه الوسائل.
سبب ثانٍ: تضييع ليالي رمضان باللهو والسهر، ونهاره بالنوم والكسل، فذكر هذه الوسائل وحصرها توجيهات لمثل هؤلاء، وتشجيعاً لاستغلال رمضان.
وسبب ثالث: وهو ترشيداً لهذه الصحوة المباركة، وتوجيهاً لطاقاتها للعمل والعبادة والدعوة إلى الله من خلال هذه الأفكار والوسائل.
وسبب رابع: يمر على الإنسان رمضان تلو رمضان، وهكذا تمر الرمضانات بدون رصد للأعمال والمواضيع والمشاريع، وبدون تدارك للأخطاء والتقصير، مما يجعلنا في كل رمضان يأتي نبدأ من جديد، ولا شك أن هذا مضيعة للأوقات والأعمار، فكان هذا الرصد لهذه الوسائل .
سبب خامس: لو لم يكن في شهر الصوم إلا أنه أحد أركان الإسلام التي لا يتم إسلام المرء إلا بها، ثم أيضاً أنه العمل -أي: الصيام- الذي اختصه الله سبحانه لنفسه من بين عمل ابن آدم كله، ثم أيضاً فيه ليلة هي أفضل من ألف شهر، وأنه الشهر الذي اختصه الله بنزول القرآن، وأنه شهر المغفرة ومحو الذنوب والسيئات، لو لم يكن في هذا الشهر إلا هذه الأمور لكفاه شرفاً ومنزلة، ولكفانا حرصاً وإصراراً على استغلال أيامه وساعاته وكل لحظة من لحظاته.
وهذا الاستغلال منطلق من سنته صلى الله عليه وآله وسلم، فاسمع لـابن القيم رحمه الله تعالى وهو يقول في زاد المعاد في الجزء الثاني صفحة [32]: (فصل: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً؛ ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة..) إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
إذاً: فاستغلال هذا الشهر المبارك، بل أقول: استغلال كل لحظة من لحظاته وساعة من ساعاته هو أمر وسنة نبوية، كان صلى الله عليه وآله وسلم يحرص عليها كل الحرص وكان يحث أصحابه.
هذه الأسباب الخمسة وغيرها جعلتني أختار مثل هذا الموضوع.
وهذه الوسائل -كما ذكرت- هي أربعون وسيلة، وقد قسمت هذه الوسائل إلى أقسام، منها ما هو توجيهات وأفكار عامة، ومنها ما هو وسائل وتوجيهات لأئمة المساجد، ومنها توجيهات وأفكار للجادين فقط، ومنها توجيهات وأفكار في الاهتمام بالقرآن، ومنها توجيهات للمرأة، ومنها وسائل وأفكار للصغار.
وتنبيهات قبل أن أبدأ بعرض هذه الوسائل:
أولاً: سيكون العرض بالاختصار الشديد في طرح الأفكار والتوجيهات بقدر الإمكان، فأكتفي في بعض الأحيان بذكر المضمون فقط لوضوح الفكرة ولضيق الوقت، فلعلكم -بارك الله فيكم- تعذروننا في سرد هذه الأفكار والتوجيهات، والقصد منها المعرفة والبيان، أما التفصيل فلا شك أن كل فكرة وتوجيه يحتاج إلى درس خاص، وإذا كانت الأفكار أربعين فكرة أو وسيلة، فلو أعطينا كل وسيلة أو فكرة دقيقتين فقط، لرأيتم كيف سيذهب علينا الوقت بدون أن نشعر.
التنبيه الثاني: من هذه التوجيهات ومن هذه الوسائل ما هو مكرر ومعلوم ومشهور، لكن ذكرها من باب التذكير والإرشاد ولتكامل الموضوع، ثم للتأكيد عليها في هذا الشهر الكريم الذي تضاعف فيه الحسنات.
تنبيه ثالث: هذه الوسائل والأفكار هي للنشر ويجوز فيها الزيادة والنقصان، فحقوق الطبع والنشر فيها ليست محفوظةً، بل هي وقف لله تعالى، فعلى كل داع للخير أن ينشرها ويذكر بها، والدال على الخير كفاعله.
توجيهات وأفكار ووسائل عامة، أي: للناس عامة:
الإجابة تكمن في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء) رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما، والحديث قال عنه الترمذي : حسن صحيح، وهو صحيح كما قال.
ولهذا -أي: لهذا الأجر- ولصيام رمضان مرتين كما فهم من تفطير الصائمين صور، من هذه الصور:
تفطير الصائمين من المسلمين في الخارج.. فهل تصدق يا أخي الحبيب! أن عشرة ريالات تفطر صائماً في اليوم الواحد؟ إذاً ففي الشهر ثلاثمائة ريال، فإذا أردت أن تصوم رمضان مرتين فعليك أن تدفع ثلاثمائة ريال وتنال أجر تفطير صائم.
ثم صورة أخرى: تفطير الجاليات المسلمة الموجودة في البلد أو المدينة من خلال مساجد الأحياء، وهذه مشهورة في كثير من مساجد وأحياء هذه المدينة، ولكننا نريد المزيد، ونريد أيضاً التخطيط والتنظيم، فلو رافق هذا التفطير التوجيه والإرشاد، وعقد الدروس قبل الإفطار على الأقل بساعة؛ لكان هذا شيئاً جيداً يضاف إلى هذا الإفطار وإلى هذا العمل العبادي.
ثم أيضاً لو قامت مكاتب دعوة الجاليات مشكورةً بتبني هذه الفكرة، أقصد بتبنيها عموماً بتخطيط وتنظيم مجدول، يشرف عليها المكتب في جميع مساجد أحياء المدينة، وأيضاً يشرف على الدروس وتوفير المدرسين باللغات المختلفة أو الترجمة، ويصاحب هذا توزيع الأشرطة والرسائل والكتيبات التي تناسب لغة أولئك القوم، ولا شك أن هذا متوفر في هذا الزمن ولله الحمد وبكثرة بجميع اللغات .
ثم أيضاً صورة ثالثة: قد يكون التفطير للأقارب والأسر والجيران، وفي هذا صيام -كما ذكرنا- لرمضان مرتين، وفيه صلة رحم وبر.
يستغل بالبذل والعطاء، ولجمع الصدقات من خلال صناديق صغيرة توضع عند الرجال وعند النساء، ولا شك أن هذا باب عظيم لو جرب لكثير من الأسر والعوائل لوجدنا خيراً كثيراً.
وقد جربه -كما أشرت في بعض الدروس- أحد الشباب ونجح نجاحاً باهراً مع أسرته، فجمع أموالاً، نسأل الله جل وعلا أن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
فلعل هذا الأمر أن يجرب، فإن حال المسلمين اليوم في كل مكان وفي كل صقع من أصقاع المعمورة حالة يرثى لها، وإن كان هناك كثير من المبشرات ولله الحمد والمنة، ولكننا أيضاً نريد أن نشعر بالجسد الواحد، وأن نقف مع المسلمين وقفةً صادقةً؛ لنكون كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك المثل في (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
ولا بأس أن يكتب حتى تتجه النية للمتصدق على هذه الصناديق، إما للفقراء والمساكين في الداخل، أو يكتب عليها -أيضاً- للمسلمين في الخارج، أو ما شابه ذلك.
نتمنى حقيقةً أن نجد من أصحاب الهمم والسواعد الفتية، ومن شباب الإسلام، وممن تعلق قلبه بالجنان؛ ألا يترك أسبوعاً من أسابيع رمضان في هذا الشهر إلا وتنطلق فئات الشباب محملون بكل خير، ولو نظم هذا الأمر أيضاً وخطط له وطرح بقوة، ورتب له من قبل مكاتب الدعوة والجمعيات الخيرية؛ لرأينا شبابنا أفواجاً، فإننا نحسن الظن كثيراً ولله الحمد والمنة بهم، وقد رأينا كثيراً من نشاطاتهم.
ولكننا نريد أن نستغل توجه القلوب إلى الله جل وعلا في هذا الشهر المبارك، فلا نريد الخمول والكسل، والجلوس بين الأولاد والأزواج، وترك هذا الأمر العظيم، وندع كثيراً من المسلمين ومن أهل البادية في جهل عظيم.
و أتمنى كذلك لو قامت مكاتب الدعوة والإرشاد بالإعلان عن مثل هذا المشروع قبل رمضان، وتسجيل الأسماء وترتيب جدول للزيارات، ويكون ذلك -كما ذكرت- قبل دخول شهر رمضان.
فحاول يا أخي الحبيب! واستعن بالله تعالى، وكن صادقاً من قلبك، ستجد -إن شاء الله- العون وستجد الإجابة والإعانة من الأهل والأولاد، بل وستجد -إن شاء الله- الإعانة ممن يكونون حولك من أهل الحي، فعلَّنا نرى هذه صفة مميزة؛ خاصة وأننا نرى في شهر رمضان تخطيط أعداء الإسلام لأولادنا ونسائنا، لا أعلق ولكني أقول: انظروا إلى البرامج المنشورة في وسائل الإعلام هذه الأيام؛ أقصد برامج شهر رمضان؛ فسوف تجدون عجباً.
وأيضاً أتمنى أن تفكر كثيراً بأن تتوقف في هذا الشهر المبارك عن شراء المجلات والجرائد، حتى ولو كانت مباحة، فإن السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ومن سار على نهجهم كانوا يهجرون حلق التحديث والتعليم؛ ليتفرغوا في رمضان لقراءة القرآن والنظر فيه والعبادة ولقيام الليل.. أفلا نستطيع أن نهجر الجرائد والمجلات خلال هذا الشهر فقط؟
فلماذا لا نتذاكر -أيها الأحبة- بفضل استغلال هذه اللحظات والحرص عليها، برفع الأيدي والأكف والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى؟
راقب هذه اللحظات وستجد الغفلة العجيبة من كثير من الناس، والعجيب -أيضاً- أننا نرى التجمعات والجلسات في الطرقات وعند الأبواب من بعض الشباب، بل أقول: أيضاً من بعض الآباء، وإذا مررت بأحد الشوارع فانظر يمنةً ويسرةً ستجد تلك التجمعات، وتستمر وللأسف هذه التجمعات حتى قبيل الغروب إن لم يكن إلى الأذان.. سبحان الله! هذه اللحظات الغالية، أوقات الدعاء والاستجابة والتفرغ يغفل عنها أهل التوحيد، وكلنا بحاجة إلى الله جل وعلا وسؤاله سبحانه وتعالى، والموفق من وفقه الله تعالى.
فمثلاً: التدخين، فرمضان فرصة عظيمة للمدخنين في هجر وترك التدخين وتدريب النفس على الابتعاد عنه، وكذلك العادة السرية التي يشكو منها كثير من الشباب، وكذلك مشاهدة الحرام، أو الغيبة، أو النجوى، أو استماع الغناء، أو بذاءة اللسان، أو غيرها من الابتلاءات، نسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم، وأن يعين أصحابها على هجرها وتركها.
فأقول لك يا أخي الحبيب: استعن بالله سبحانه وتعالى، وكن صاحب عزيمة وهمة عالية، فلا تغلبك تلك الشهوة.. أيجوز أن تكون مسلماً موحداً وتغلبك سيجارة؟! والله إن هذه هي الدناءة، نسأل الله العافية!
ثم أيضاً عليك بالإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى فإنه خير معين، واصبر وصابر واحتسب، وحاسب النفس، وستجد -إن شاء الله- أنك تغلبت على هذه الشهوات المحرمة.
واسمحوا لي -كما ذكرت- بأن أواصل وباختصار وبسرعة لهذه الوسائل وهذه الأفكار، وكما ذكرت أنها بلغت أربعين، لعلنا -إن شاء الله- أن نأتي عليها وبدون أن يضايقنا الوقت.
ومنافع السواك كثيرة، وفيه من الأجر والثواب العظيم، ولكن -كما ذكرنا- يغفل عن هذا الكثير خاصةً من النساء، فإنك لا تكاد ترى أو تسمع هذه السنة بين النساء، وأنت تنظر لزوجك أو بناتك أو أخواتك، وترى قلة وجود السواك بين الأصابع، وقد كانت كثير من الصالحات من الصحابيات رضوان الله تعالى عليهن، وأيضاً من غيرهن ممن سار على نهج سلفهن يداومن على هذه السنة.ومن الطريف أن علياً بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه دخل يوماً على زوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوجد في فيها عوداً من الأراك، فأراد أن يداعبها، والشاهد أنها كانت تستاك رضي الله عنها، وهذه قصة ومثال نسوقه لأخواتنا من الصالحات ومن بناتنا لعلهن -إن شاء الله- أن يقتدين بتلك الصالحات؛ فأراد أن يداعبها رضي الله تعالى عنه، فقال لها هذين البيتين الجميلين وهو يخاطب عود الأراك:
و هذه من مداعبة الأزواج لزوجاتهم.ولو قام بعض أهل الخير والمحسنين بتوفير أعداد كبيرة من السواك في هذا الشهر المبارك وتوزيعها على المساجد بين المسلمين خلال هذا الشهر؛ لكان ذلك إحياء لسنة غفل عنها كثير من الناس.
ثم -أيضاً- قضاء العمرة في العشرين الأولى يتيح لك فرصة استغلال العشر الأواخر بالاعتكاف، أو نفع المسلمين، أو القيام على الأهل وحاجاتهم والوالدين والجلوس معهما، أو حتى -كما ذكرنا- في نفع المسلمين في الوقت الذي ارتحل فيه كثير من الدعاة والمصلحين وطلبة العلم عن أحيائهم وتركوا مساجدهم بدون موجه أو مرشد.
ولو نظرنا لسيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل مكثوا في المدينة ؟ لا. بل إنك تجد أنه ما مات منهم بـالمدينة إلا عدد قليل، كلهم توجهوا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لبث الدعوة، ونشر الإسلام وتفقيه الناس، فقد يتثاقل بعض الشباب عن مثل هذا الأمر، فأقول: لا بأس بالتعاون؛ بالتناوب بين بعض الشباب لسد هذه الأماكن وحاجاتها، ولو في القرية الواحدة والهجرة الواحدة، يتناوب عليها ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو أقل أو أكثر.
ولو قامت -أيضاً- مكاتب الأوقاف لشئون المساجد بالتعاون مع مكاتب الدعوة والإرشاد؛ بالتخطيط والتنظيم لهذه الفكرة، وقام المحسنون أيضاً برصد المكافآت المالية لأولئك الشباب المحتسبين، لوجدنا ورأينا أثر هذا الأمر على تلك المناطق.
وقد سمعت -ولله الحمد- أن وزارة الشئون الإسلامية ممثلةً بمكاتب الأوقاف وشئون المساجد، قد وضعت مكافأةً ماليةً قدرها ألفا ريال لأولئك الذين يؤمون الناس في تلك المساجد الشاغرة، سواءً في داخل المدينة أو في غيرها.فما هو عذركم أيها الشباب أمام الله والسبل كلها مهيئة؟
يكون مثلاً في إقامة المحاضرات العامة، أو الندوات، أو المسابقات الثقافية الكبرى.
ولماذا عصر الخميس بالذات؟ لأن الناس في إجازة، وقد أخذوا قسطاً كبيراً من الراحة، ثم الناس أيضاً في عصر الخميس تجد أنهم متفرغون لا شغل لهم، فيقبلون -لا شك- على مثل هذه المشاريع عندما يسمعونها، وعندما تتبنى من مكاتب الدعوة ويعلن عنها، فهل نرى ذلك قريباً؟ إن شاء الله!
ويتصور بعض أئمة المساجد أن الوظيفة هي الصلاة بالناس وينتهي الأمر، لا والله، بل إن الأمر عظيم، والمسئولية أشد، ولذلك على هؤلاء الأخيار أن يتموا هذا العمل، ولعل هذه الأمور أن تعينهم إن شاء الله.
فهذه التوجيهات لأئمة المساجد في استغلال هذا الشهر المبارك لنفع الناس بكل وسيلة، ومنها:
وأقول: لماذا يا أيها الإمام! يا من توليت هذه المسئولية! لماذا لا تضع خطةً كاملةً لشهر رمضان في المواضيع والمشاريع التي ستعملها خلال هذا الشهر؟ بدلاً من اللامبالاة وعدم الاهتمام والتخبط في المواضيع التي يقرؤها بعض الأئمة على جماعتهم، أو القراءة من أي كتاب قريب لديه، بدون إعداد ولا تعليق، بل تعال واسمع لكثرة الأخطاء واللحن في كثير من النصوص.
ولا تجزع إذا لم تعط طاعةً، وإذا لم يكن يقدر لك قدر أيها الإمام! مادمت لا تبالي ولا تهتم بهؤلاء الناس الذين أمامك، لكن افعل ذلك وستجد التكريم والتقدير من جماعة المسجد، والاحترام الذي فرضه عليهم حبك لله سبحانه وتعالى ونشر هذا الدين، فضلاً عن الأخلاق وما يرونه من نشاط ومن عمل تقوم أنت به.
وليس شرطاً أن يكون بعد صلاة العصر، فاجعل ما بعد صلاة العصر للمواضيع العامة، وقد يكون بعد صلاة الفجر؛ خاصةً أنه بعد الصلاة، ومن أراد أن يجلس فليجلس، ومن أراد أن يذهب فليذهب، ولو لم يبق بعد صلاة الفجر إلا واحد أو اثنان معك لكفى؛ فهو تفقيه للنفس، وجلوس في المسجد إلى شروق الشمس، وعلم ينتفع به. أو بعد صلاة الظهر، أو ما شئت من الأوقات، ولكن هذا مجرد اقتراح، فنسأل الله أن نراه قريباً في مساجدنا من خلال أئمتنا.
ومثل هذه الصناديق، لا شك أنها ستكون -إن شاء الله- عوناً وميسراً لهم لكثير من المسائل والاستفسارات، وجرب هذا وستجد أثر ذلك لا شك من خلال جمع الأسئلة والاستفسارات من خلال هذه الصناديق.
فأقول: لماذا لا يستغل المسجد أيضاً لطرح مثل هذه المسابقات؟ بعنوان: (مسابقة الأسرة المسلمة) توزع على أهل الحي، ويشارك فيها الجميع كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، ثم تعلن النتائج في آخر ليلة من رمضان.
ولا بأس أن يشارك المأمومون من الناس في الحي أو في المسجد كل بما يستطيع.. هذا بإعداد الأسئلة، وهذا بتوزيعها من الصغار، وبعض التجار والمحسنين برصد مبالغ للجوائز في ليلة رمضان، وهكذا يتكاتف المسلمون في إحياء شهرهم، وأيضاً في تحريك وتوجيه وتفقيه أولادهم وبناتهم.
فأقول: إن اغتنام فرصة وجود هؤلاء والذين لا نراهم إلا في رمضان، وذلك بكثرة السلام عليهم، والتودد لهم بزيارتهم وبإهدائهم بعض الهدايا، لإبعاد الوحشة والنفرة التي يظنونها، أو التي يوقعها الشيطان في قلوبهم.
وسائل وأفكار وتوجيهات في الاهتمام بالقرآن، وهي تقريباً أربع وسائل:
فأقول: لماذا لا تقوم جماعات المساجد وأئمة المساجد بإحياء حلقات للكبار لتحسين التلاوة، لا نقول للحفظ وإنما لتحسين التلاوة، ويكون ذلك بعد صلاة الفجر أو الظهر أو العصر، أو غيرها من الأوقات المناسبة التي يتفقون عليها، وإعلان ذلك لجماعة المسجد وحثهم على المشاركة خلال شهر رمضان، وستكون هذه بداية خير لكثير ممن يشارك في مثل هذه الحلقات.. فهل نرى ونسمع هذه الإعلانات من أئمة المساجد لتطبيق هذه الفكرة؟ فلا شك أن في ذلك خيراً كثيراً لو وجدنا مثل هذه الأمور منتشرة في مساجد أحيائنا.
وبهذا العمل تحصل مكاسب عظيمة، من هذه المكاسب:
أولاً: حفظ الأولاد من البرامج المسمومة الموجهة لهم، وقتل أعظم أيامهم وأفضلها.
ثانياً: مشاركة البنات اللاتي يذهبن ضحية الغفلة عن تربيتهن والمحافظة على أوقاتهن.
ثالثاً: إحياء البيت بذكر الله، وملؤه بالجو الإيماني الروحاني، بدل إماتته وملئه بالأغاني وبرامج التلفاز ومسلسلاته.
رابعاً: الارتباط الأسري الوثيق بين الأب وأولاده وبناته.
خامساً: محاولة ختم القرآن لأهل البيت جميعاً، واستغلال رمضان من جميع أهل البيت، وغيره.
ونغفل أيضاً عن الأحاديث الرمضانية والنظر فيها، وفي شروحها، وتقييد الشوارد والفوائد منها، فإنه يفتح على الإنسان في الشهر ومناسبة الزمان ما لا يفتح عليه في غيره.
فأقول لهؤلاء الشباب: لماذا لا يفكر هؤلاء الشباب ولو في ليالي رمضان من إدخال بعض البرامج النافعة؟ نتمنى أن يغير البرنامج كاملاً، ولكن لن يستجاب لنا بهذا الطلب؛ فأقول: لماذا إذاً لا يفكر بإدخال بعض البرامج النافعة؟ ولا ينكر على هؤلاء الشباب أيضاً بإدخال بعض هذه البرامج.
مثلاً: لماذا لا يكون من البرنامج الليلي الذي سمعتوه قبل قليل؛ ما بين لعب كرة، ولعب ورقة، وثرثرة، ومشاهدة تلفاز أو غيره، لماذا لا يكون على الأقل ولو لمدة نصف ساعة قراءة القرآن، وضع من ضمن البرنامج قراءة قرآن لمدة نصف ساعة؟ أم أننا نقول كما يقول بعض الشباب: إن قراءة القرآن لا تصلح إلا للمطاوعة!!
أذكر أنني طرحت هذه الفكرة على طلابي في الكلية، وقلت: لماذا لا يتجرأ أحدكم على زملائه ويقول: لنحرص يا شباب على أن نجلس نصف ساعة مع كتاب الله سبحانه وتعالى نقرأ؟
القرآن ليس حكراً على الصالحين، القرآن دستور الله جل وعلا، وكتاب الله سبحانه وتعالى، وهو لنا جميعاً، وإن عصينا وأذنبنا، وإن وقعنا في كبائر الذنوب، فإن من يقع في ذلك أيضاً يقرأ القرآن وينظر فيه، فإذا كنا نريد أن نضع في برنامجنا ولو شيئاً قليلاً من الفائدة، فلماذا لا نقترح على هؤلاء الشباب، أو يقترح بعضهم على بعض أن يكون من البرنامج ولو لنصف ساعة قراءة القرآن، أو استماع شريط، أو غيرها من البرامج الجادة النافعة، فإنه -كما ذكرنا- حب القرآن وقراءته والإقبال عليه ليس حكراً على الصالحين فقط، فهل نرى ذلك -إن شاء الله- بين شبابنا قريباً؟
ثم أيضاً: لماذا لا نحرص على تطبيق اليوم الإسلامي الكامل خلال رمضان؟ وذلك بالحرص على النوافل، والطاعات، وإحياء السنن، فلا تفوت عليك السنن الرواتب خلال هذه الثلاثين يوماً أبداً، احرص على ألا تفوت عليك سنة من السنن الرواتب خلال هذا الشهر كاملاً.
ولا تغفل عن لسانك وحبسه من الغيبة والنجوى وغيرها، وأيضاً لا تغفل عن صلاة الليل وقيامه، وقراءة جزء واحد من القرآن على الأقل، أو الحرص على الصدقة، وصلة الرحم، وقضاء حاجات الناس؛ خاصةً الفقراء والمساكين، وزيارة المرضى والمقابر، والاستغفار والدعاء في كل لحظة، بل أقول: في كل ساعة، فإن هذه غنيمة باردة، وهذا الشهر فرص ومواسم تذهب ولا ترجع.
وباختصار أقول لك يا أخي الحبيب! احرص على كل عمل صالح، وإن كنت تفعل ذلك في غير رمضان فإنه يتأكد في شهر رمضان لمضاعفة الحسنات ولمناسبة الزمان، وفقنا الله وإياك للعمل الصالح.
فأين الكلمة الصادقة الناصحة في نهار رمضان من المدرس لطلابه، أو من الطالب أو الموظف لزملائه؟
أين الجلسات الانفرادية بالزملاء الغافلين، والتحدث معهم ونصحهم باستغلال شهر رمضان هذه الأيام، وإهداؤهم الشريط أو الكتاب، أو غير ذلك من الهدايا النافعة؟ فإن النفوس -كما ذكرنا- مهيأة، ورغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له!
وأنصحك -أيضاً- بألا يعلم بهذا العمل أحد غيرك، فإنك بحاجة إلى عمل السر بينك وبين الله، فكم من الأجر العظيم سينالك بهذا الفعل، وقد ورد مثل هذا عن كثير من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، بتحسس بيوت الفقراء والمساكين، وهذا العمل السري بينهم وبين الله جل وعلا، فهل تفعل ذلك وتحرص على هذه العبادة العظيمة في السر بينك وبين الله؟
فكثير من الناس عن هذا غافلون أو متهاونون، وبعض الناس يتصور أنه إذا صلى التراويح مع الناس وأوتر في أول الليل انتهت صلاة الليل واكتفى بذلك، وحرم نفسه من هذه الأوقات الثمينة والدقائق الغالية.
فالله الله في استغلال السحر مادمت فيه مستيقظاً، فإن من صفات أهل الجنة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17].
ثم ذكر سبحانه وتعالى في الذاريات صفات المتقين أصحاب الجنات والعيون فقال: وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18] فهذه من صفات المتقين.
ثم هل تستغل هذه الأوقات بكثرة الاستغفار؟ فإن قلت: نعم. فأقول: إذن عليك بسيد الاستغفار، وعليك أيضاً بكثرة التكرار للمائة والسبعين كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة وقت من أوقات السحر خلال هذا الشهر المبارك.
وأخيراً لا تنس أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
فاحرص يا أخي الحبيب! على هذا الوقت الثمين، واحرصي يا أختي المسلمة! على هذا الوقت العظيم؛ ألا يفوت علينا، خاصةً وأننا في شهر رمضان، وخاصة وأننا ممن قام للسحور، فجميعنا يقظان في هذه اللحظات، فلنستغل هذه الدقائق بمثل هذه العبادة.
وأنا قلت: -ولله الحمد- (تصرف) ولم أقل (تضيع) كما يتهمها الكثير بمثل هذا، لكن وحتى لا تعتبر هذه الساعات الطويلة ضياعاً عليها أن تنتبه لهذه الأمور، على المرأة أن تنتبه لهذه الأمور، وعلينا نحن أن ننبه زوجاتنا وبناتنا ونساءنا على مثل هذا الأمور؛ حتى يكتب لها وقتها ولا يضيع عليها، ومن هذه الأمور:
فيا أيتها المسلمة! إن عملك لن يضيع أبداً، بل هل تصدقين إن قلت لك أن هذا العمل حرم منه كثير من الرجال؟ لأن القائم على الصائم له أجر عظيم، فما بالك وأنت صائمة، ثم أنت أيضاً تعدين هذا الطعام وتقضين كثيراً من وقتك في إعداده، والمهم استحضار النية في هذا العمل، ولن يضيع -إن شاء الله- عليك لحظة من اللحظات باستحضار هذه النية.
ثم أمر آخر: يمكنها استغلال هذه الساعات في الغنيمة الباردة، وهي كثرة الذكر والتسبيح والاستغفار والدعاء، وهي تعمل لا بأس أن تستغفر مائة مرة في اليوم، لا بأس أن تذكر وتهلل وتسبح بدل أن يضيع عليها وقتها أو كثير من أوقاتها في رمضان بدون فائدة.
أيضاً أمر ثالث هو الاستماع إلى القرآن والمحاضرات عبر جهاز التسجيل الخاص بالمطبخ، وأقول الخاص بالمطبخ لأحث الرجال والإخوان على الحرص على توفير جهاز التسجيل الخاص بالمطبخ، لماذا؟ لأنه كما ذكرت أن المرأة تقضي كثيراً من وقتها في مطبخها فلعلها أن تستغل وقتها بمثل هذه الأمور، تارةً باستماع شريط، وتارةً بالتسبيح والاستغفار والتهليل والتكبير، وأيضاً بالاحتساب واستحضار النية الخالصة في إطعامها وعملها وتعبها لأهلها وأولادها وزوجها.
استغلال أيام وليالي رمضان وخاصةً في العشر الأواخر، ما الذي يحدث؟ يضيع وقت كثير من النساء، بل وأقول من أولياء النساء.. اذهب للخياط.. اذهب للمعارض.. ادخل إلى السوق.. إلخ.
ثم أيضاً الاختيار الحسن وقلة التكاليف، الآن -والحمد لله- الأسواق شبه فارغة، فلماذا إلا في أوقات الازدحام وغلاء البضاعة؟
أيضاً أمر آخر وهو تفريغ الزوج وعدم إشغاله في أعظم الأيام وأفضلها العشر الأواخر.
وأيضاً لماذا أفتن ولدي أو زوجي أو غيره بمخالطة النساء المتبرجات في مثل هذه الأيام الفاضلة، خاصةً وأننا نعلم أنه كما أن الحسنات تضاعف في شهر رمضان أيضاً السيئات تضاعف في شهر رمضان؟
فلعلنا من خلال هذه الأسباب نقترح ونقول: لماذا لا يبكر بشراء وتفصيل الملابس وحاجيات العيد من الآن؟
إما الذهاب إلى المسجد وأخذ صغارها، وقد يؤذون المصلين وتنشغل بهم، أو بين الجلوس في البيت وحرمان النفس من المشاركة مع المسلمين، وربما حاولت الصلاة في بيتها وبمفردها، لكنها تشكو من ضعف النفس، وقلة الخشوع، وكثرة الأفكار والهواجس والشوارد، فماذا تفعل إذن؟
أسوق هذا الاقتراح، فأقول: لم لا تتفق مع أخواتها -شقيقاتها- أو رفيقاتها وصاحباتها بالاجتماع في أحد البيوت للصلاة جماعةً مع اهتمام إحداهن بالصغار، أو تجلس إحداهن مع الصغار والأخريات يذهبن لحضور الصلاة بالمسجد؟
وهكذا إذا اتفقت الأخوات على أن تقوم واحدة منهن كل ليلة بالاهتمام بالصغار؛ فإنها على الأقل ستكسب كثيراً من ليالي وأيام رمضان والصلاة مع المسلمين، أما أن تخسرها بهذه السهولة فلا، ولا نؤيد ذلك؛ بل وأقول: على الأزواج والآباء الحرص والحث لأزواجهم وأخواتهم وبناتهم بأخذهم معهم إلى المساجد.
فإلى متى ونحن نترك المرأة أيها الأخيار! لوحدها في البيت، ونحرمها من الدروس والتوجيه والروحانية في الصلاة مع المسلمين وسماع الخير الكثير؟ فإن في ذهابها خيراتٍ حساناً، فمن المسئول عنها أمام الله سبحانه وتعالى؟
ولا تنسوا أنه بصلاح النساء صلاح للمجتمع؛ فلذلك نحث الآباء والإخوة على الحرص على أخذ أزواجهم وأخواتهم وبناتهم إلى المساجد، وألا يتركوا في البيت؛ لأنها بلا شك ستكون أمام التلفاز، أو أمام غيره في ضياع الأوقات.
فهل يشترط أن نرى جميع أنواع المقليات -مثلاً- من السنبوسة، أو اللقيمات، أو البطاطس أو غيرها في كل يوم؟ لا يشترط هذا.
وهل يشترط أن نرى -مثلاً- جميع أنواع العصيرات والمشروبات في كل يوم؟ أيضاً هذا لا يشترط.
فأقول للأخوات: لماذا لا تضع جدولاً غذائياً منتظماً تقسم فيه هذه الأصناف على مدار الأسبوع؟
ولا شك أننا بهذا العمل نكسب أموراً كثيرة منها:
أولاً: عدم الإسراف في الطعام والشراب.
ثانياً: قلة المصاريف المالية وترشيد الاستهلاك.
ثالثاً: التجديد في أصناف المأكولات والمشروبات، وإبعاد الروتين والملل الموجود بوجود الأصناف في كل يوم.
رابعاً: حفظ وقت المرأة وطلب راحتها، واستغلال وقتها بما ينفع، خاصةً في هذا الشهر المبارك.
فهذا شيء من الثمار والفوائد في تطبيق هذا الاقتراح.
فيا ليت المرأة أو بعض الأخوات يفعلن ذلك الجدول، ولعلهن أن ينفعن بعض أخواتهن في توزيعه في مدارسهن وأماكن اجتماعهن، فإن فعل ذلك -كما ذكرنا- فيه فوائد جمةً.
ثم أختم هذا الاقتراح بتذكير المرأة أنها المسئولة أمام الله سبحانه وتعالى عن الإسراف في بيتها، هي المسئولة الأولى عن الإسراف في بيتها؛ في الطعام والشراب، وتعداد الأنواع وغيرها، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته -ثم قال- والمرأة راعية ومسئولة في بيت زوجها).
وأيضاً بعض النساء إذا حاضت أو نفست تركت الأعمال الصالحة، وأصابها الفتور؛ مما يجعلها تحرم نفسها من فضائل هذا الشهر العظيم ومن خيراته، فنقول لهذه الأخت: وإن تركت الصلاة والصيام فهناك -ولله الحمد- خير كثير، مثل الدعاء، والتسبيح، والاستغفار، والذكر بأنواعه، والصدقة، والقيام على الصائمين وتفطيرهم، وغيرها من الأعمال الصالحة الكثيرة، ثم أبشرك أنه يكتب لك مثل ما كنت تعملين وأنت صحيحة شحيحة.
كيف ذلك؟ في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً) أخرجه البخاري ومسلم .
إذاً: فأبشري، المهم هو استحضار النية الصادقة والخالصة، والحرص على كثير من الخير والعبادات التي تستطيعينها.
ثم أيضاً قراءة القرآن للحائض والنفساء على خلاف مشهور بين العلماء، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى يرى جواز قراءة القرآن للحائض والنفساء بدون شرط أو قيد.
يكون ذلك بأن يعلن إمام المسجد لأهل الحي من أول يوم في رمضان أن هناك عشر جوائز -تقل أو تكثر- لأحسن وأفضل عشرة صغار يحافظون على صلاة الجماعة ويبكرون لها، ويحرصون على صلاة التراويح.
ولا بأس بمشاركة بعض جماعة المسجد بالتشجيع، كبعض التجار بالجوائز القيمة، ولا بأس أيضاً بمشاركة بعض الآباء بطرح بعض المبالغ المالية لشراء جوائز قيِّمةٍ لتشجيع هؤلاء، ولا بأس بالتعاون من الشباب مع إمام المسجد؛ بمتابعة هؤلاء الصغار، أو تكوين لجنة خاصة تتابعهم لتفرز في نهاية الشهر عن هؤلاء العشرة أو العدد الذي يحدد.
ثم في نهاية الشهر -أي: في ليلة العيد- توزع الجوائز على هؤلاء الصغار، ولك أن ترى أثر ذلك على الصغار؛ بل وأقول الكبار؛ بل الحي كله، ولو كان في المسجد لوحة للمثاليين كل شهر، لرأيت عجباً من الأبناء بل ومن الآباء.
ولعلك تسمع كثرة توزيع الجوائز من خلال هذه المسابقات في ليلة العيد، فأصبحت ليلة عيد حقاً، ففي ليلة العيد وفي ختام شهر رمضان -نسأل الله أن يبلغنا ذلك- تجد أن المسجد الذي قامت فيه هذه الأنشطة أصبح مسجداً نشيطاً وحياً، ترى أثر ذلك كاملاً على أهل الحي جميعاً، لا أقول على الصغار فقط، ولا أقول على الآباء؛ بل حتى والله على النساء في البيوت.
وإننا لنسمع تشجيع كثير من الأمهات ومن الأخوات لكثير من الصغار في مثل هذه الأمور إذا طرحت من جماعة المسجد، فهل نرى أيضاً ذلك قريباً إن شاء الله؟
تقول إحدى الأمهات لصغيرها بعد أن وزع بعض الأشياء على بيوت بعض جيرانهم، قالت له -وكان في وجبة الغداء- تغديت؟ قال: نعم تغديت أجراً.
فنتمنى حقيقةً أن يعيش صغارنا في مثل هذه المعاني الجميلة التي تربيهم وتنشئهم تنشئةً صالحةً.
وتقول الربيع بنت معوذ عن رمضان: (فكنا نصومه بعد ونُصَوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن -أي:من القطن- فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك -أي: اللعبة التي من العهن- حتى يكون عند الإفطار) أخرجه البخاري في صحيحه.
تقول رضي الله عنها: حتى يتم صومه ذلك اليوم نشغله بهذه اللعبة.
وفي ذلك -كما ذكرنا- تمرين لهم، وقد أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الفعل؛ لأنه فعل في حضرته، فهو أيضاً من السنن التقريرية عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
هذه أربعون وسيلة لاستغلال شهر رمضان، وكما ذكرت أن هذه الوسائل منها ما هو معلوم، ومنها ما هو جديد، وما بقي -أيها الأحبة- إلا أن نستغل هذه الوسائل، وننشرها بين الناس عموماً، ومحاولة الوقوف مع أئمة المساجد، ومع الشباب الصالحين لإحياء مساجدنا وأحيائنا بمثل هذه الأفكار وهذه الاقتراحات.
الجواب: ذكر كثير من أهل العلم أنه كما أن الزمان له شرف في الأعمال الصالحة، فأيضاً له شرف في الخطأ والمعصية فيه، فإنه تتضاعف السيئة فيه كما تتضاعف الحسنة، كما أنه إذا قلنا أن الحسنة تتضاعف في الحرم فإن السيئة أيضاً تتضاعف في الحرم، فإن مناسبة الزمان أو مناسبة المكان لها حرمتها، وقد نص كثير من أهل العلم على هذا الأمر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما قيل، وأن يوفقنا للعمل الصالح النافع، ونسأله جل وعلا أن يبلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا من الصائمين القائمين فيه يا أرحم الراحمين .
اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين، اللهم انفعنا وانفع بنا، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر