وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن مع خاتمة سورة الذاريات المكية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة الآيات، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ * فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الذاريات:52-60].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52]، لما قص تعالى تلك القصص وهي خمس أو سبع آيات من قوم نوح إلى قوم فرعون، وما استجاب المشركون، وما زالوا معرضين يتهمون الرسول صلى الله عليه وسلم بالسحر مرة وبالجنون أخرى، في إعراض كامل وطغيان وتكبر؛ سلّى الله تعالى رسوله ليحمله على الصبر والثبات، فقال له: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52] كما فعل هؤلاء فعل الأولون، ما بعث الله رسولاً إلى أمة إلا قال الطغاة والجبابرة مرة: ساحر، وقالوا أخرى: مجنون، فلا تحزن يا رسول الله ولا تكرب.
أَتَوَاصَوْا بِهِ [الذاريات:53]؟ لا، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53] فالأمم لا يوصي بعضها بعضاً بالتكبر وما إلى ذلك، بل من باب أن المتكبرين الطغاة يقولون هذا القول الباطل، ويتهمون الرسل والأنبياء بالسحر والجنون حتى لا يؤمن بهم الناس ولا يتبعونهم، هكذا يقول تعالى: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53].
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى [الذاريات:55] بإذن الله تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] سواء كانوا مؤمنين حقاً الآن، أو سيؤمنون غداً أو بعد غد لعلم الله تعالى بإيمانهم وكتابته في المقادير، ينتفعون بالموعظة والذكر، فحمله على الصبر والثبات وعزاه على ما يلاقي، فقال له: واصل دعوتك وواصل موعظتك لهم والله ينفع بها المؤمنين.
أولاً: الخلق: الملائكة، والإنس، والجن، والحيوان، أربعة أصناف.
الملائكة مخلوقون لعبادة الله لا يعصون الله ولا يقدرون على ذلك، مطبوعون بطابع الهداية لا يعرفون إلا ذكر الله وعبادته.
وأما الإنس والجن فعالمان: عالم الإنس نحن، وعالم الجن الذين اختفوا وراءنا وهم يسمعون كلامنا، هؤلاء ما خلقهم الله إلا لعبادته فقط، لو سألت: رب لم خلقت الإنس والجن؟ فالجواب: خلقتهم ليعبدوني، فمن عبدني أدخلته جنتي وأسكنته دار النعيم، ومن كفر بعبادتي وتركها أعددت له دار الجحيم النار وبئس القرار، هذه هي الحقيقة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:57] حاشا وكلا، ما أنا في حاجة إليهم كالملوك والرؤساء لهم خدم وعبيد يصنعون ويفعلون ويفعلون، أنا رب العالمين وخالق كل شيء وبيدي كل شيء.
فالجواب: هو ما ألزمهم بالعبادة وأكرههم عليها؛ لأنه أوجد عالمين: عالم السعادة وعالم الشقاء، أي: الجنة والنار، ولما كتب الخلق في كتاب المقادير علم من يعبده ومن لا يعبده، عرف من هو من أهل النار ومن هو من أهل الجنة، لما كتب في كتاب المقادير كل ما يكون إلى يوم القيامة، (أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم الدين).
ومثال ذلك أبو جهل وأبو بكر الصديق ، مكتوبان في ذلك الكتاب، أبو بكر يدعى فيستجيب ويطيع فيدخل الجنة، وأبو جهل يُدعى فيستكبر ويمتنع ويطغى ويتكبر فيدخل النار، هل الله تعالى أكره أبا جهل على الكفر حتى نقول: كيف يلزمه بالكفر ويدخله النار؟ لا والله، وهذه المسألة تحتاج إلى بيان وتفصيل.
تأملوا يفتح الله عليكم: كتب الله كتاب المقادير، فكلنا -والله- موجودون فيه، آباؤنا وأجدادنا من آدم موجودون في ذلك الكتاب، ومكتوب أن الشقي شقي والسعيد سعيد، والكافر كافر والمؤمن مؤمن، مكتوب هكذا.
فحين نخرج إلى الدنيا ويجيء الوقت ويوجد أحدنا فسوف يكون كما هو مكتوب في الكتاب، إن كان في الكتاب صالحاً فهو صالح، وإن كان في الكتاب كافراً فهو كافر، فلا تقل إذاً: لماذا يعذب هؤلاء ويسعد هذا؟
الجواب: أن من أطاعه برضاه واختياره أكرمه وأنعم عليه وأدخله جنته، ومن رفض عبادته وتكبر عنها ورفضها وتركها يشقيه ويعذبه.
فالله عز وجل ما يجبر إنساناً على الإيمان ولا على الكفر، هذه حرية كاملة: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، فمن اختار الإيمان ورضيه وعمل الصالحات كان من أهل الجنة الذين كتبهم لها، ومن اختار الكفر والشرك والفسق والفجور، وآثر ذلك وطلبه باختياره فهو من أهل النار، بدليل أنه لو أن شخصاً يكره إكراهاً على الصلاة لا تصح صلاته ولا تقبل منه إلا إذا كان برضاه، لو أن شخصاً يلزم ويكره على أن يقول كلمة الكفر فوالله! ما يكفر بها ولو قالها وهو مكره؛ إذ قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].
فلما خلق الله عالم الجنة وعالم النار خلق لهما من يسكنهما ويدخل فيهما ويعيش فيهما مليارات السنين، وهما عالمان: عالم الجن وعالم الإنس، وكتب الأشخاص في كتاب المقادير، هذا يختار الإيمان فتزكو نفسه ويدخل الجنة، وهذا يختار الكفر والشرك فتخبث نفسه ويدخل النار، وبذلك يملأ الجنة ويملأ النار.
يقول تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ [الذاريات:56] لشيء إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، خلقهم لأجل عبادته، فمن أطاعه وعبده طابت نفسه، زكت روحه، رفعه إلى الجنة فوق السماء السابعة، ومن تكبر وطغى وأعرض أنزله إلى أسفل سافلين، ولا ظلم: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، ما هناك إكراه ولا إلزام، باختيارك إن شئت الجنة وإن شئت النار، إن شئت الجنة فآمن واعمل الصالحات، وإن عصيت الله وفسقت عن أمره كنت من أهل النار.
وهكذا يقول تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ [الذاريات:56-57] ما هناك مصلحة ولا فائدة ولا حاجة لله أبداً، لا طعام ولا شراب؛ لأن الله هو الرزاق، هو خالق الأرزاق وواهبها ومعطيها للعبد.
الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والظلم يكون للنفس بحيث تظلم نفسك، ويكون لغيرك، ويكون لربك.
واقرءوا قول الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، أيخلقك الله ويخلق كل شيء من أجلك، من أجل أن تعبده، ثم تعبد غيره؟ أي ظلم أفظع من هذا الظلم؟
فلهذا يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وفي آية أخرى: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، فهل عرفتم ظلم العبد لربه؟ أن تأخذ حقه وتعطيه لغيره، أما تستحي؟ أما تخجل؟ خلقك لأجل أن تعبده فتعبد غيره؟ أو تشارك غيره في عبادته فتسوي بين ميت وبين الله؟ كيف يصح هذا؟ هذا أفظع الظلم والعياذ بالله تعالى.
ولهذا فالمؤمنون الموحدون لا يعبدون غير الله أبداً بطأطأة رأس ولا بكلمة، ولا بنظرة أبداً، لا يعبدون إلا الله فضلاً عن أن يذبحوا ويأكلوا ويشركوا ويصلوا ويصوموا.
النوع الثاني من الظلم: ظلمك لغيرك، بسلب مال غيرك، بإراقة دمه، بسبه وشتمه، بتقبيحه، بأذيته بأي أذى، هذا الظلم ما يغفر أيضاً، لا بد أن يؤخذ منك.
والظلم الثالث: ظلمك لنفسك، بدل أن تعمل على تزكيتها وتطييبها وتطهيرها بهذه العبادات في أوقاتها، مع خشوعك لربك، مع أداء العبادة على أكمل الوجوه فتصبح النفس زكية طاهرة كأرواح الملائكة، بدل ذلك تهملها وتصب عليها قناطير الذنوب والآثام هذا بالزنا وهذا بالربا، هذا بالغش هذا بالخداع هذا بالمكر هذا بالكذب، حتى تصبح عفنة منتنة لا يرضاها الله ولا يرضى عنها، هذا هو الظلم.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ [الذاريات:59] لا يطالبوا بالعذاب؛ لأن المشركين في مكة كانوا يعاندون ويطالبون: هات العذاب، أنزل العذاب الذي تخوفنا! هكذا يقولون، والآن يقول ذلك الفساق والفجار أيضاً.
فيقول تعالى: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ [الذاريات:59] كمن سبق من الأمم.
وهنا لطيفة أقولها: لم انقطع المطر عنا يا أهل المدينة؟ أصبحنا موقنين أن هناك ذنوباً خفية هي التي منعت المطر عن المدينة، فلا بد من وجود الذنب، فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ [الذاريات:59] فما علينا إلا أن نتوب، كم من مرة استسقينا وطلبنا السقيا وما سقينا أبداً؛ لأن الذنب في المدينة أفظع ذنب وأقبحه، لا يوجد ذنب أفحش من ذنب في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله تعالى، فلهذا نعامل كما يعامل أهل الذنوب: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ [الذاريات:59].
هذه خاتمة السورة: فَوَيْلٌ [الذاريات:60] ما الويل يرحمكم الله؟ واد في جهنم كله من قيح وصديد أهل النار، واد عرمرم كله قيح ودماء يشربونها، هذا الويل.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الذاريات:60] ألا وهو يوم يموتون وينتقلون إلى جهنم والعياذ بالله تعالى.
هكذا يقول تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الذاريات:60] أي: بربهم ولقائه، برسولهم؛ لأن السورة مكية وهي تقرر الإيمان بالله لا إله إلا الله، وبمحمد رسول الله، وبالبعث الآخر، والذين كفروا بهؤلاء الثلاثة هم الكافرون المشركون الفاسقون الفاجرون إذاً، وسوف يلقون جزاءهم يوم يلقون ربهم والعياذ بالله تعالى.
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: بيان سنة بشرية، وهي التكذيب والاتهام بالباطل وقلب الحقائق لكل من جاءهم يدعوهم إلى خلاف مألوفهم وما اعتادوه من باطل وشر، فيدفعون بالقول، فإذا أعياهم ذلك دفعوا بالفعل وهي الحرب والقتال ].
من هداية الآيات: بيان سنة بشرية من عهد آدم إلى يوم الدين، وهي: أن البشرية إذا جاءها من يذكرها، من يعلمها، من يهديها؛ فلا بد أن ترفض ذلك وتتكبر وتطغى وتقول: ساحر ومجنون وكذاب ودجال حتى لا يعبدوا الله ولا يستقيموا على الصراط المستقيم، ليكونوا من أهل جهنم والعياذ بالله تعالى.
[ ثانياً: بيان أن طغيان النفس يتولد عنه كل شر والعياذ بالله ].
من هداية الآيات: أن طغيان النفس يتولد عنه كل شر، من وجد طغياناً في نفسه تكبر وتجبر، يزني، يفجر، يفسق، يقتل، يتسبب في كل شيء، فلهذا يجب أن نزكي نفوسنا ونطهرها لتكون طاهرة نقية ما فيها ظلمة الكبر -والعياذ بالله تعالى- والعجب.
[ ثالثاً: مشروعية التذكير، وأنه ينتفع به من أراد الله إيمانه ممن لم يؤمن، ويزداد به إيمان المؤمنين الحاليين ].
من هداية هذه الآيات: مشروعية التذكير بكتاب الله، التذكير بالموعظة للمؤمنين وغير المؤمنين، شرع الله هذا لرسوله ولعباده المؤمنين، حتى الكافر، فتذكيره قد يدخله في الإسلام إن كان كتب الله إسلامه: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] ومعنى هذا: أنه يجب ألا نترك التذكير والموعظة طول الحياة في المساجد وغير المساجد.
[ رابعاً: بيان علة خلق الإنس والجن، وهي عبادة الله وحده ].
من هداية الآيات: بيان علة خلق الإنسان والجان، ما هي؟ هي أن يُعبد الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون [الذاريات:56] لا لشيء آخر، فمن عبده أكرمه وأسعده، ومن كفر به وتركه وأشرك به عذبه وأشقاه.
[ خامساً: بيان غنى الله تعالى عن خلقه، وعدم احتياجه إليهم بحال من الأحوال ].
من هداية الآيات: بيان غنى الله المطلق عن خلقه، فالله ليس في حاجة أبداً إلى عبيده ولا إلى ملائكته ولا إلى جنه أبداً، غناه مطلق؛ إذ كان ولم يكن شيء، وهو خالق كل شيء وبيده كل شيء.
[ سادساً: توعد الرب تبارك وتعالى الكافرين، وأن نصيبهم من العذاب نازل بهم لا محالة ].
من هداية الآيات: توعد الله تعالى الكافرين، توعدهم بالعذاب الأليم وذلك بعد موتهم حيث يلقون في جهنم وبئس المصير.
قال المؤلف في الهامش: [ في قوله تعالى: ذَنُوبًا [الذاريات:59] إشارة إلى ما حصل لصناديد قريش؛ إذ بعد قتلهم ألقوا في قليب ببدر، فكان ذلك مصداقاً لقوله تعالى: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا [الذاريات:59]، وهي الدلو الملأى، فعجباً لهذا القرآن العظيم ].
والآن نسمع الآيات مرة ثانية:
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ * فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الذاريات:52-60].
الجواب: المفروض أن يقوم أحدكم ليلقي الخطبة ثم يصلي بكم الجمعة، كيف بأهل مسجد كامل ما فيه من يقول كلمة ولو بالعامية، يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصيهم بالصلاة أو بالصبر والزكاة، ثم يستغفر الله لهم ويصلي، ولا يصلونها ظهراً أبداً، فالمسافر يصلي الجمعة ظهراً، أما المقيمون وأهل البلد الذين هم أكثر من أربعين شخصاً فينبغي أن يصلوا الجمعة.
الجواب: هذه القراءة ليست واجبة، بل مستحبة من فعلها أثيب عليها، ومن لم يفعلها فصلاته صحيحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقراءة الإمام له قراءة )، وإن شئت اغتنمت الفرصة الأولى في السكتة الأولى أو الثانية ولا حرج.
الجواب: أول رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ثم يضع يديه على صدره ويقرأ ما شاء الله أن يقرأ من الفاتحة وما بعدها، ثم يركع فيرفع يديه قائلاً: الله أكبر ويركع، ثم يقوم فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ويرفع يديه، هذا الرفع سنة من سنن الصلاة، ولكن ليس بواجب من واجباتها، سنن يثاب عليها فاعلها، لكن ما ينبغي للمؤمن أن يترك هذا الأجر ويستغني عن هذا الفضل تقليداً لبني عمه أو لأهل بلده، هذه السنن نحاول ألا نترك سنة منها أبداً.
الجواب: راتبة الظهر أربع ركعات تصليها بتسليمة واحدة، وإن صليت الركعتين وسلمت، وصليت ركعتين وسلمت فلك ذلك وأنت مأجور؛ لكن الأفضل أن تصلي أربع ركعات بتسليمة واحدة، هذه سنة، هذا قبل صلاة الظهر بعد الأذان وقبل الصلاة، تصلي أربعاً بتشهد واحد، وبعد الظهر أربع ركعات لمن استطاع ذلك أو ركعتان على الأقل.
الجواب: هذه فلسفة قل من يفهمها، إن أراد بها أن يواصل فجوره وفسقه ويكفي أنه في المدينة؛ فهذا فاسق فاجر ويا ويله، والله سيخرجه من المدينة، وإن أراد أن الحياة في المدينة أجر، فالنائم فيها مأجور فنعم، بخلاف النائم في بلد آخر، فالإقامة بالمدينة فيها أجر قطعاً، لكن لا نتخذ هذا وسيلة لئلا نعبد الله ونفسق ونفجر ونقول: يكفينا أننا في المدينة! هذا من الشيطان وتحسينه وتزيينه.
الجواب: بمجرد أن تستيقظ من نومك في الصبح ولو كادت الشمس أن تطلع فإنه يجب أن تصلي، كذلك عند الغروب إذا استيقظت، يجب أن تصلي ولو كانت الشمس ستغرب، أما النافلة فهي التي لا تصلى عند طلوع الشمس ولا غروبها، أما الفريضة فيجب أن تصليها، ولو أدركت ركعة قبل الغروب فكأنما أدركت الوقت كاملاً.
الجواب: قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة، وأهل العلم كلهم على أن كلمة (بأيد) أي: بقوة، ليست جمع يد؛ لأن الله ما له أيد، له يدان فقط، فهل هذا يتفق مع الأشاعرة الذين ينفون الصفات عن الله ويؤولونها؟
نحن ما نؤول صفات الله تعالى، لا نقول: اليد هي القوة، فقد أثبت رسول الله لربنا يدين كلتاهما يمين فنقول بذلك، وما نقول: قوة، لكن كلمة (أيدٍ) جمع، فهذه هي القوة، وفي كتاب الله تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:17] ذا الأيد أي: صاحب القوة.
الجواب: إذا حصلت نعمة وظفرت بها وقلت: الله أكبر ساجداً فادع الله بما شئت، سبحه، اشكره، اثن عليه، كله واسع.
الجواب: المكية: التي نزلت بمكة أيام كان الرسول صلى الله عليه وسلم بها، وأقام بها ثلاث عشرة سنة والقرآن ينزل، كل سورة نزلت في مكة مكية، وبعدما هاجر ودخل المدينة وأقام بها عشر سنوات والقرآن ينزل، فكل السور التي نزلت في المدينة مدنية.
يبقى: ما الحكمة، ما السر، ما العلة؟
بينا ذلك غير ما مرة، فالسور التي نزلت بمكة ما فيها جهاد ولا زكاة ولا مال ولا صيام، كلها للعقيدة، وفي السنة العاشرة فرضت الصلاة فقط، كلها لإيجاد عقيدة سليمة صحيحة ليصبح صاحبها حياً كامل الحياة يقدر على أن يقوم بالتكاليف، وأصول تلك العقيدة أولاً: التوحيد، ثانياً: النبوة المحمدية، ثالثاً: البعث الآخر.
أما في المدينة فالسور كانت تنزل بالصلاة، بالزكاة، في الرباط، في الجهاد، في بر الوالدين، في الإحسان، الحدود، في أحكام وشرائع؛ لأن الدولة قامت وأهل البلاد مؤمنون مسلمون، فتقام بينهم الشريعة، أما في مكة فما هناك إلا العقيدة، وإنما في السنة العاشرة فقط فرضت الصلاة.
الجواب: هذا الجار مبتدع يعيش على البدعة، ويتعلل ويقول: السنن لسنا بأهل لها، انتهى زمانها! فهذا إما أن تعظه وتذكره وتعلمه كلما لقيته، فإن عجزت عن ذلك فاهجره واتركه.
الجواب: نعم يجوز ما دام مضى عليها أكثر من أربعين سنة فهي عظام نخرة تنقل وتدفن في مقابر المسلمين، ويبقى مسجدكم نقياً طاهراً ما فيه قبور.
الجواب: نعم يجوز، ولا ينفي هذا إلا جاهل، فادعوا ربكم، فـأبو هريرة كان يعلم الناس في العراق ويرفع يديه يدعو بهم، فكيف لا ندعو الله؟ كيف لا نرفع أيدينا إلى ربنا؟ وأما بعد الصلاة فرفعهما -والله- جائز ومستحب وفاضل.
وأما الدعاء الجماعي بعد الصلوات الخمس فقد ابتدعه المبتدعة، إذا سلم الإمام يدعون مع بعضهم دبر كل صلاة، هذه بدعة، عاش النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات وما فعل هذا بأصحابه، لكن المؤمن إذا صلى وحده وخرج من صلاته يرفع يديه إلى ربه، فكيف تنكر عليه ذلك؟ وبعضهم يقول: اخفض يديك! فأعوذ بالله من هذا الجهل المركب.
فالبدعة هي الدعاء الجماعي بعد الصلوات الخمس، وهي منتشرة من المغرب إلى المشرق، والآن بعد أن انتشرت السنة انتهت، وقد كانت موجودة، فإذا سلم الإمام يقرءون آية الكرسي جميعاً، ثم الصمد والمعوذتين، ثم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعون دبر كل صلاة، هذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أمر به، فكيف نفعله؟ هذه البدعة التي قاومناها وانتهت، وأما كونك تصلي وترفع يديك فكيف يقول لك قائل: لا ترفع يديك؟ فهذا جهل والعياذ بالله تعالى.
الجواب: الأفضل ألا يؤمهم هذا، يؤمهم من يكون على زي الصالحين، ولكن إذا ما وجدوا غيره وصلى بهم فلا بأس، وتصح الصلاة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر