لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه المساجد، وقال: (المسجد بيت كل تقي)، وذكرها الله سبحانه تبارك وتعالى في كتابه فقال: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] ، وقال سبحانه: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31].
فالله عز وجل يأمر بالتوجه إلى المساجد وخاصة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9]، وقال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] ، وقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:18].
فقد شرف الله المساجد بهذه الإضافة إليه، إذاً فعلى الإنسان أن يلبس أفضل الثياب الطاهرة النظيفة التي يتجمل بها لبيت الله، والتي تليق به وتكون هذه الثياب ثياباً شرعية يتجمل بها للصلاة، فيلبس القميص، ويلبس الثياب التي تستره وتستر عورته إذا ركع وإذا سجد، كما قال الله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، وأحياناً بعض الشباب تجده يلبس لبساً ضيقاً جداً فإذا ركع أو سجد يظهر ظهره وتنكشف عورته وهو راكع أو ساجد، فهذه ليست زينة للصلاة، بل عليهم أن يلبسوا ثياباً تليق بالصلاة .
فإذا كان الإنسان يتعمد هذه الثياب الضيقة التي تكشف عورته فهذا لا صلاة له، وتبطل صلاته إذا تعمد هذا الشيء، وقد قال الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، وقال لنا: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بستر العورة فقال لـجرهد : (لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت، استر عورتك، فأمره بذلك صلى الله عليه وسلم).
إذاً فنأخذ الزينة التي تليق ببيت الله سبحانه، فتركع وتسجد وأنت مستتر لا ينكشف منك شيء.
وهنا بعض الآداب الخاصة بالمسجد نتعلمها، الإنسان المسلم يحب بيت الله، ويريد أن يحشر يوم القيامة عند الله سبحانه وقد غطاه وظلله بحبه وملازمته لبيت الله سبحانه، وأن يجعله مع السبعة الذين يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم رجل قلبه معلق بالمسجد، خرج منه حتى يرجع إليه.
فإذا جاء إلى بيت الله لم يأت للسمر، ولا للضحك، ولا ليسمع القصص، ولكن أتى لبيت الله عز وجل لذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
نسأل الله عز وجل أن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله .
وأما الجنب أو المرأة الحائض أو النفساء: فليس لهم أن يمكثوا في المسجد، بل يحرم عليهم ذلك.
ولقد ذكر الله تبارك وتعالى لنا أحكام المساجد فقال: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا [النساء:43] إذاً فلا تقرب الصلاة وأنت جنب، وأما المساجد فيجوز لك أن تقربها وتدخلها وأنت على جنابة إذا كنت عابر سبيل، فلا عبور سبيل في الصلاة، وإنما عبور السبيل يكون في المساجد بيوت الله عز وجل.
فالإنسان الذي على جنابة يجوز له أن يعبر السبيل من المسجد إذا كان في طريقه إلى مكان الماء ليغتسل، فهنا يعبر منه، لكن إذا كان المسجد ليس طريقاً إلى مكان الإغتسال، فليس له أن يقرب المسجد وهو على جنابة.
إن الجنب طاهر، والمني الذي يخرج من الجنب طاهر، فلو أنه أصاب شيئاً لم يجب عليك أن تغسله، ولكنك محدث حدثاً أكبر، ويلزمك أن ترفع هذا الحدث .
والمرأة الحائض محدثة حدثاً أكبر، فيجب عليها الغسل، ولو أصاب دمها الأرض فلا بد من غسل الأرض أو الشيء الذي نزل عليه.
فإذا: قال الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] فمن باب أولى الحائض والنفساء، فليس لهما أن يدخلا المسجد في مثل هذه الحال.
لكن يجوز لهن حضور صلاة العيد في المصلى، والمصلى ليس بمسجد، وإنما هو مكان ملحق به، وهو مكان خارج المسجد تصلي فيه النساء إذا كان الرجال يصلون في المسجد، أو إذا كان الجميع يصلون العيد في الصحراء، فالمرأة تحضر حتى تستمع للذكر، وحتى تشهد الخير ودعوة المسلمين.
إذاً: فإذا كانت المرأة حائضاً أو نفساء، أو كان الرجل على جنابة فليس لهم أن يمكثوا في المسجد حتى يتطهروا.
ولو احتلم إنسان في المسجد وجب عليه أن يخرج، وذلك كان يكون معتكفاً في المسجد وحدث له ذلك، ولا يوجد في المسجد دورة مياه، فوجب عليه أن يخرج ليغتسل، ثم يرجع إلى بيت الله سبحانه، إلا إذا عجز عن الخروج كأن تكون أبواب المسجد مغلقة ولا يستطيع أن يخرج، فهو معذور في هذه الحالة، أما إذا لم يكن له عذر فيجب أن يخرج من المسجد حتى يغتسل .
وكذلك إذا خاف على نفسه أو ماله إن خرج من قطاع الطريق، أو أن يسرق منه ماله، فهو معذور أن يمكث في المسجد إلى أن يزول الخوف، وهذا إذا كانت المساجد ليست فيها دورات مياه، وأما الآن فكل المساجد تقريباً فيها دورات مياه، إذاً فيلزمه أن يغتسل إلا إذا خاف على نفسه من البرودة أو المرض.
إذاً فيجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يمكث في المسجد، كأن يجلس بعد صلاة الظهر ينتظر صلاة العصر في المسجد، والأفضل له أن يكون على وضوء؛ لأنه إذا كان على وضوء فإنه يكتب له أجر الصلاة مع أنه لا يصلي، وإنما جالس فقط ينتظر الصلاة، وأما المحدث حدثاً أكبر فهو الذي لا يجوز له ذلك، سواء قعد لغرض شرعي منتظر للصلاة، أو في اعتكاف مثلاً، أو ليسمع القرآن، أو يسمع درس علم، أو موعظة أو غير ذلك.
ويجوز النوم في المسجد مع الحاجة، فإذا كان الإنسان معتكفاً في بيت الله عز وجل فيجوز له أنه ينام فيه إذا كان له عذره في ذلك.
فهناك أشياء تجوز بالتبع ولا تجوز بالأصل، مثل أن يذهب إلى بيت الله من أجل أن ينام؛ حتى لا تضيع عليه صلاة الفجر، فهذا النوم تابع لشيء، وأما أن يذهب المرء لينام قليلاً في بيت الله، فإذا جاء وقت الصلاة ذهب ولم يصل، كأن يكون جالساً في السوق يكد طول النهار، ثم يدخل المسجد لينام، وقبل صلاة الفجر يمشي ولا يصلي، فالمساجد لم تبن لهذا.
وإذا أكل في بيت الله عز وجل فعليه أن يجعل على الأرض مفرشاً أو شيئاً؛ حتى لا يقع ما يأكله على الأرض فيلوث المسجد.
إذاً: فهذا يؤذي الملائكة فليس له أن يحضر المسجد وهو على هذه الحال، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقرب مسجدنا)، وفي رواية ذكر الكراث .
وإذا خرج من الإنسان ريح وهو جالس في المسجد مع طول الوقت فلا يحرم عليه هذا، يقول العلماء: إنه لا يحرم إخراج الريح، لكن الأولى أن يجتنب ذلك، إذا كان يستطيع ذلك، فيذهب إلى دورة مياه ويقضي حاجته هناك فهذا الأفضل، فالملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم كما ذكرنا.
فيحرم إدخال النجاسة إلى المسجد، فأما من كان في بدنه نجاسة، أو به جرح، فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه الدخول؛ لأنه سينجس أرض المسجد بهذا الدم أو غيره، فليذهب إلى بيته إلى أن يقف جرحه ثم يأتي إلى بيت الله سبحانه.
وقد جاء في الحديث: (أن أعرابياً تبول في المسجد في قصة طويلة، فقام إليه الصحابة ينهرونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه بولته) يعني: اتركوه يقضي حاجته فقد فعل هذا الشيء، (فتركوه حتى بال، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر).
فالمساجد ليست مكاناً للتبول، ولا مكاناً لحط القاذورات، و(إنما هي لذكر الله عز وجل)، ولاحظ إلى أسلوب القصر، فـ(إنما) أداة قصر، يعني: أن المساجد وضعت لهذا الشيء فقط، وما زاد على ذلك فلا، فالمساجد (إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
(فأمر رجل من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه)؛ وهذا حتى تطهر أرض المسجد.
إن أبغض البلاد إلى الله أسواقها؛ لأن الأسواق هي محل الهيشات التي منعنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحدثها في المسجد، فقال: (إياكم وهيشات الأسواق) ، لذلك ننبه إخواننا البائعين الذين يبيعون في خارج المسجد فيرفعون أصواتهم بعد كل صلاة، ببيع الكتب والكاسيتات أن يتقوا الله، فقد قلبوا المسجد إلى سوق، ولا داعي لرفع الأصوات، فإذا كنت تبيع فأعرض سلعتك، فالذي يريد يشتري سيشتري، ورزقك سيأتيك، وأما التهليل والصياح فهذا لا يصلح.
فلذلك نحذر البائعين خارج المسجد من ذلك، فهذا بيت الله سبحانه، فلا ينبغي أن ترفع صوتك، ولا أن تؤذي المصلين، وتؤذي النائمين المعتكفين، وتؤذي من يقرأ القرآن، فاتقوا الله سبحانه، واحذروا من هيشات الأسواق التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فالأسواق هي شر بلاد الله، فلا تأت لنا بالسوق إلى باب المسجد.
وإذا أحببت أن تعرف الضالة فاجلس خارج المسجد، فإذا خرج الناس من المسجد فأخبرهم بما وجدت، أو تعطيها لإدارة المسجد، والذي ضاع عليه شيء فإنه يذهب إلى هناك ويسأل عنها، فهذا أفضل لك ولهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر