يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
البنت فرع من الفروع، وإن نزلت، وليس المقصود منه بنت البنت أو بنت بنت البنت فإنها لا ترث بالإجماع؛ لأنها رحم تدلي بأنثى، إنما المقصود من البنت إن نزلت: بنت الابن أو بنت ابن ابن الابن أو بنت ابن ابن ابن الابن، فالبنت وإن نزلت لا بد وأن تدلي بابن من العصبة، ولها حالتان:
الحالة الأولى: ترث بالفرض.
والحالة الثانية: ترث بالتعصيب بالغير كما سنبين أن التعصيب تعصيب بالغير وتعصيب مع الغير.
فإن كانت ترث بالفرض فلها حالتان:
إما أن تكون اثنتين فأكثر فيرثن الثلثين بالفرض، لقوله تعالى: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11] فتقدم على من يرث بالتعصيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها)، فالأصل أن يقدم صاحب الفرض فما بقي فلأولى رجل ذكر، وهذا ترتيب قطعي من الشرع.
وإما أن تكون واحدة ففرضها النصف، لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ .
وقوله تعالى: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ، يدل بمفهوم المخالفة على أن اثنتين من البنات أو أقل لا يرثن الثلثين؛ لأنه سكت عن الاثنتين وصرح بمن فوقهما، ولكن قد ورد منطوق من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أنه ورث ابنتي
إذاً الحالة الأولى أن ترث بالفرض فإن كانت واحدة فلها النصف، وإن كانتا اثنتين فأكثر فلهما الثلثان.
الحالة الثانية: التعصيب بالغير: وهو أن يكون هناك فرع وارث ذكر في درجتها فترث معه بالتعصيب، لقول الله عز وجل: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فإذا هلك عن بنت وابن فلا فرض للبنت معه وإنما ترث معه بالتعصب.
وشرط ميراث البنت تعصيباً أن يكون الابن في درجتها، أما إذا هلك عن بنت وابن ابن فإنها لا ترث معه بالتعصيب وإنما ترث النصف فرضاً لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ، وابن الابن ينزل منزلة الابن فيرث الباقي تعصيباً.
فالابن لما كان أنزل منها في الدرجة لم يصعد ليعصبها فسعدت بذلك لأنه لو عصبها سيأخذ ضعف ما تأخذ هي، لكنها الآن تشاطرت معه فأخذت النصف وأخذ هو النصف تعصيباً.
وهذه هي الحالة الأولى لبنت الابن.
الحالة الثانية: ترث بالتعصيب بالغير إذا كانت مع أخ لها في درجتها لقوله تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ، فإذا مات وترك بنت ابن وابن ابن أي: بنتاً وأخاً لها ورثوا.. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ، والدليل على ذلك قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ، وبنت الابن وابن الابن من الولد، فتكون الآية عامة للأولاد وأولادهم.
فإذا ترك بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن ابن فللبنتين الثلثان ويصعد هذا الولد الأنزل لأنه ابن ابن عاصب فتسعد به بنت الابن فيعصبها؛ لأن أقصى شيء للبنات الثلثان، وقد أخذت البنتان الثلثين ولم يبق لبنت الابن شيء، ولكن ابن الابن النازل صعد فورثت معه الباقي تعصيباً لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ .
أما إذا لم يكن هناك إلا بنت واحدة فإن بنت الابن تأخذ السدس تكملة الثلثين والباقي يأخذه ابن الابن تعصيباً فما بقي فلأولى رجل ذكر.
الحالة الثالثة: إذا وجد الفرع الوارث الذكر فبنت الابن ليس لها شيء وسيحصل الابن على كل شيء؛ لأنه يحجبها، وإن كانت ترث بالبنوة إلا أن الابن هو الأقوى والأقرب والأرفع درجة، فإذا وجد الفرع الوارث الذكر فلا تأخذ معه بنت الابن شيئاً.
إذاً إن كان الفرع الوارث ذكراً فليس لبنت الابن شيء، وإن كان الفرع الوارث أنثى فإن كن اثنتين فما فوق فليس لها شيء؛ لأنهن سيأخذن الفرض المقدر للنساء وهن أقرب منها وأقوى، أما إن كانت البنت واحدة فإن فرضها النصف وسيبقى السدس من فرض النساء فترثه بنت الابن.
فالبنت المنفردة لا تحجب بنت الابن حجباً كاملاً والدليل على ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أن قوماً جاءوا أبا موسى الأشعري فسألوه عن بنت وأخت وبنت ابن فقال لهم: للبنت النصف، وأما الأخت فلها الباقي تعصيباً -أي: تعصيباً مع الغير- ولا شيء لبنت الابن؛ لأنه نظر فوجد أن البنت الصلبية أقرب من بنت الابن فحجبتها فليس لها شيء، فسألوا ابن مسعود فقال: قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، سأقضي لها بقضاء رسول الله: للبنت النصف وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للأخت تعصيباً.
وهذا استنباط قوي جداً؛ لأنه نظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم بالعموم والخصوص، وهو قوله: (ألحقوا الفرائض بأهلها ..)، فألحق الفريضة الأولى وهي النصف للبنت ولما لم يكتمل نصاب فرض النساء أعطى بنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي لأولى معصب، وتكون الأخت الشقيقة أو الأخت لأب معصبة مع الغير وتأخذ هذا الباقي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر