ثانياً: بإيجاز شديد! هذه حضارتنا وتلك حضارتهم:
لقد صرح رئيس الوزراء الإيطالي الجاهل أن الحضارة الغربية يجب أن تتفوق على الحضارة الإسلامية، وأن الحضارة الإسلامية هي حضارة التطرف والإرهاب، وحاول بشتى الطرق أن يجمل وأن يزين اللفظ فما استطاع، وصدق ربي إذ يقول:
[آل عمران:118].
وصرح رئيس وزراء بريطانيا
!
وصرح رئيس الوزراء الإيطالي بأن الحضارة الإسلامية حضارة يجب أن تزول، ويجب أن تهزم.
أيها الأحبة: تعالوا بنا نعقد مقارنة سريعة بين حضارتهم وحضارتنا، ولنبدأ بحضارتهم:
فحضارتهم هي الحضارة التي سبت رب العزة سباً فضيعاً منكراً، فنسبت عيسى ابن مريم ابناً لله جل وعلا، ففي جانب الاعتقاد: نرى عقيدة متعفنة، ونرى عقيدة لا أصل لها ولا صواب.
حضارتهم هي التي دافعت عن الشذوذ الجنسي إلى هذه اللحظة.
حضارتهم هي التي تدافع عن مصارعة الثيران.
حضارتهم هي الحضارة التي تدافع عن العنصرية اللونية البغيضة وإلى هذه اللحظة.
حضارة الغرب هي الحضارة التي أسقطت القنبلة النووية على هيروشيما وناجازاكي.
الحضارة الغربية برائدة الإرهاب في الأرض أمريكا هي التي قتلت أربعة ملايين في الفيتنام.
الحضارة الغربية هي الحضارة التي استخدمت أطفال المسلمين ولأول مرة في التاريخ كدروع بشرية في البوسنة والهرسك.
الحضارة الغربية هي التي قتلت ما يزيد على مليون ونصف طفل من أطفال العراق.
الحضارة الغربية هي التي دمرت مصنع الشفاء في السودان.
الحضارة الغربية هي التي ما زالت منذ عشر سنوات تدك العراق والمدنيين في العراق دكاً.
الحضارة الغربية هي الحضارة الظالمة التي أبادت الهنود الحمر من الأمريكان.
الحضارة الغربية هي الحضارة التي استعبدت الزنوج لوقت من الزمان.
الحضارة الغربية هي الحضارة التي فعلت بالإنسان على وجه الأرض ما تخجل الوحوش الضارية أن تفعله ببعضها البعض في عالم الغابات.
هذه حضارتهم التي مجدت
جانجاكروستو .
تلك الحضارة التي مجدت العقد الاجتماعي الفاسد الباطل.
تلك الحضارة التي مجدت المذهب الميكافيلي الخبيث.
تلك الحضارة التي مجدت كل جاهليات الأرض.
هذه هي الحضارة الغربية حضارة الإرهاب.
الحضارة الغربية التي ما زالت إلى يومنا هذا تقصف العزل والمدنيين في أفغانستان ممن لا ذنب لهم ولا جريرة.
الحضارة الغربية التي تكيل بمكيال واحد لا بمكيالين ألا وهو مكيال العداء للإسلام.
الحضارة الغربية التي تمد اليهود بأحدث أنواع الأسلحة لتدك هذه الحضارة الغربية الغاشمة الظالمة الفلسطينيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال إلى هذه اللحظة التي أقف فيها على المنبر.
الحضارة الغربية هي التي أعلن عضو بارز من أعضائها وهو الإرهابي الكبير
بوتن فقال: إنني أحارب عدوي الأول ألا وهو الإسلام، وسأقضي على الإرهابيين في داغستان والشيشان؛ لأحول البقية الباقية منهم إلى النصرانية.
إنها الحضارة التي قال عضو بارز من أعضائها: إن العرب صراصير ينبغي أن يبادوا من على وجه الأرض! إنها الحضارة التي قال عضو بارز من أعضائها: فليذهب العرب إلى الجحيم!
إنها الحضارة الغربية التي تغذي الإرهاب والتطرف في قلوب الصغار والأطفال منذ الصغر كما تقول الملحمة الشعرية التي تسمى بإكليل الجبل، وهي الملحمة التي يحفظها الطفل الصربي، تقول كلماتها:
سلك المسلمون طريق الشيطان.
دنسوا الأرض ملؤها رجساً.
فلنعد للأرض خصوبتها.
ولنطهرها من تلك الأوساخ.
ولنبصق على القرآن.
ولنقطع رأس كل من يؤمن بدين الكلاب ويتبع محمداً.
فليذهب غير مأسوف عليه.
هذه هي الحضارة الغربية، في الجانب العقدي، وفي الجانب الأخلاقي، وفي الجانب الإرهابي، فهي الحضارة التي تغذي وتؤصل الإرهاب في الأرض على يد رائدة الإرهاب في الأرض أمريكا، وربيبتها على الأراضي المحتلة (إسرائيل) على حد زعمهم، وأنا لا أحب أن أستعمل هذه اللفظة.
اليهود يمارسون الإرهاب في كل لحظة.
والأمريكان مارسوا ويمارسون وسيمارسون الإرهاب.
والروس يمارسون الإرهاب إلى هذه اللحظة.
وعباد البقر في كشمير يمارسون الإرهاب إلى هذه اللحظة.
والصربيون أصلوا الإرهاب وزرعوا جذوره في قلب البلقان.
فهذه هي الحضارة الإرهابية المتطرفة اللصوصية الأصولية، الحضارة المتعفنة الروح والضمير، وأنا لا أنكر أن هذه الحضارة قد قفزت في الجانب المادي قفزات هائلة، ففجرت الذرة، وانطلقت إلى أجواء الفضاء، وغاصت في أعماق البحار، وحولت العالم إلى قرية صغيرة عن طريق هذا التكنيك العلمي المذهل في عالم الاتصالات والمواصلات، لا أضع رأسي في الرمال كالنعام لأنكر هذا الشق المهم من شقي الحضارة، إذ لابد لأي حضارة من شق مادي علمي وشق ديني أخلاقي، ولقد قفزت الحضارة الغربية في الجانب المادي، وانتكست في الجانب الأخلاقي والديني، ليتبين لنا أن الأصل الأصيل في أي حضارة هو جانبها الديني والأخلاقي، إذ إن الشق المادي لما غاب عنه الجانب الخلقي تحول هو ذاته إلى ضنك وشقاء ومصدر إبادة للجنس البشري كله.
لما غاب الدين وغاب الخلق تحول الشق المادي إلى مصدر فزع، فالعالم الآن عالم مجنون، لو نظر العاقل إلى أحواله لضحك ضحكاً يشبه البكاء.
تصور طائرة في سماء أفغانستان تسقط القنبلة التي تدمر مساحة من الأرض -كما يقولون- مثل مساحة استاد كرة رياضي، وبعد لحظات تسقط طائرة أخرى كيساً من الدقيق أو من الأرز!
إنه قمة الاستخفاف والظلم!
تطعم من استباحت دمه؟ تطعم من ذاق طعم الرعب! ماذا يأكل؟ وماذا ينتظر من يد تضربه بالرصاص في قلبه، وتمنحه الطعام من خلف ظهره؟! مات، قتل، ماذا يريد بعد ذلك؟ ماذا يريد من سالت دماؤه؟ ماذا يريد من هدم بيته؟ ماذا يريد من فقد والديه؟ ماذا يريد من فقد أولاده؟ ماذا يريد من فقد وطنه؟ ماذا يريد من يحال بينه وبين أن يمارس دينه بحرية؟
لا يريد شيئاً على الإطلاق، لكنه اللعب، لكنه الاستخفاف بالعقول، عالم يدمر، ثم بعد ذلك ترى الجمعيات الماجنة التي تطالب من الميسورين والأغنياء في العالم أن يساهموا بالتبرعات للاجئين الأفغان، ولإعادة تعمير أفغانستان مرة أخرى بعدما دمرتها الأسلحة الأمريكية!
عالم مجنون بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
أما حضارتنا فنقول بملء الفم وأعلى الصوت: إنها حضارة لا وجه للمقارنة مطلقاً بينها وبين حضارات الأرض؛ لأن حضارات الأرض استمدت أصولها من الأرض، أما حضارة الإسلام فقد استمدت أصولها من السماء، فأصول الحضارة الإسلامية القرآن والسنة.
هذه أصول حضارتنا: (القرآن والسنة) القرآن: كلام الله، والسنة: وحي الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستمد الحضارة الإسلامية أصولها من هذين الوحيين، ومن هذين النورين المشرقين، أصلت عقيدة التوحيد، فلا ينبغي أن توجه القلوب ولا أن تصرف العبادة إلا لله الواحد الأحد؛ لتلم شمل وشتات الإنسان، فالإنسان المتوجه لإلهين مختلفين مشتت ، أما حضارة الإسلام، فهي الحضارة التي أصلت التوحيد.. الحضارة التي أصلت حقيقة العبودية لله جل وعلا.. حضارة الإسلام هي الحضارة التي أرست الخلق: خلق الأمن .. خلق التسامح .. خلق الوفاء بالوعود والعهود، ولم تكن مبادئ الحضارة الإسلامية كلمات لا تساوي قيمة الحبر التي كتبت به كما هو الحال في ميثاق حقوق الإنسان في هيئة الأمم.
ولم تكن الحضارة الإسلامية تماثلاً يصدم الناظرين في قلب أمريكا ليرمز للحرية وهم يسحقون الأحرار خارج بلادهم وأرضهم.
ولم تكن الحضارة الإسلامية كلمات حبيسة الأدراج كما هو الحال في الثورة الفرنسية التي حبست دستورها، أو حبست ما تحويه هذه الثورة من معانٍ جليلة عن مستعمراتها التي استعمرتها سنوات طويلة، ولكن الحضارة الإسلامية تحولت على أرض الواقع إلى منهج حياة، فهاهو المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أصّل هذه الأصول يعلنها صريحة، ويقول: (
أيها الناس! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، إن آدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، وقرأ قول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]).
وهاهي امرأة من أشراف بني مخزوم تسرق، ويشفع بعض الصحابة لها عند رسول الله -والحديث في الصحيحين- فيغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً ويعلنها صريحة مدوية: (
وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
هذه هي الحضارة الإسلامية التي ما ذاق اليهود ولا النصارى طعم الأمن إلا في ظلالها، فهاهم اليهود يعرفون طعم الأمن سنوات طويلة حينما وفوا بالعهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهاهم النصارى يذوقون طعم الأمن في ظلال الحكم الإسلامي.
جاء
عمر بن الخطاب من المدينة إلى بيت المقدس ليحقن دماء النصارى، وهو الخليفة الذي كان قادراً على أن يصدر الأوامر لجيشه المنتصر أن يفتح مدينة بيت المقدس عنوة ولكنه أبى، وأتى من المدينة إلى بيت المقدس ليمشي مسافة تزيد على ألفين وخمسمائة كيلو متراً من المدينة إلى بيت المقدس، لم يركب طائرة خاصة، ولا سيارة مكيفة، بل ولم يأت بموكب رهيب يتكون من آلاف الفرسان وآلاف الرجال والجنود، وإنما جاء في موكب مهيب في تواضعه، جاء يركب دابة واحده مع خادمه فقط، يركب
عمر الدابة تارة بمقدار قراءة سورة يس -كما قال المؤرخون- وينزل
الفاروق من على ظهر الدابة ليركبها خادمه بمقدار قراءة السورة، ثم يمشي
عمر إلى جوار خادمه لتستريح الدابة بمقدار قراءة السورة، ولما وصل إلى مدينة بيت المقدس كانت الكرة في الركوب لخادمه، فأصر الخادم أن يركب أمير المؤمنين وأن يمشي هو فأبى، وأصر
الفاروق على أن يركب الخادم -وأنا لا أقول هذا من أجل تضييع الوقت ولا لاستهلاكه، وإنما لأبين لحضراتكم حقيقة القلوب التي فتح الله بها بيت المقدس- ويركب الخادم ويجر الدابة له أمير المؤمنين
عمر ، ويرى
أبو عبيدة قائد الجيش هذا المشهد المهيب، وتعترض الدابة مخاضة ماء -بركة ماء- فيشمر
الفاروق عن ساعديه، ويضع نعله تحت أبطيه، ويجر الدابة لخادمه، فيقول
أبو عبيدة : مه يا أمير المؤمنين! والله ما أحب أن القوم قد استشرفوك -أي: لا أحب أن يراك القوم وأنت في هذه الحالة- فقال
الفاروق الأواب: أوه يا
أبا عبيدة ! لو قالها غيرك يا
أبا عبيدة ! لأوجعته، لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
هذه هي القلوب التي فتح الله لها بيت المقدس.
ويستلم
عمر مفاتيح المدينة المقدسة، ويعطي النصارى عهداً بالأمان لأموالهم ولأنفسهم ولكنائسهم، وألا تسكن كنائسهم وألا تهدم، ومن أراد منهم أن يخرج فله الأمان، ومن أراد أن يبقى في المدينة المقدسة فلا تؤخذ منه الجزية حتى يحصد حصاده.
هذا هو الإسلام وهذه حضارته!!
وفي هذه الحضارة الإسلامية يبرز جانباً رائعاً منها أمين سر رسول الله
حذيفة بن اليمان ، والحديث في صحيح
مسلم، يقول
حذيفة : ما منعني أن أشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أني خرجت أنا وأبي
حسيل ، فأخذنا المشركون وقالوا: أتريدان محمداً؟ قلنا: لا. بل نريد المدينة، قال
حذيفة : فأخذ علينا المشركون عهد الله وميثاقه ألا نقاتل مع رسول الله، وأن ننطلق مباشرة إلى المدينة، قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قلت أنا وأبي وبما قاله المشركون -اسمع ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (انصرفا) -أي: لا تشهدا معنا المعركة- (
انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)، هذه حضارتنا.. إنها حضارة الإسلام!!
وهذا
أبو عبيدة يرسل كتاباً إلى
عمر ليقول له: يا أمير المؤمنين! لقد أعطى جندي في الجيش عهداً بالأمان لأهل بلد من بلاد العراق، فماذا أصنع؟
اسمع ما قال
عمر ؟ أسرع وأرسل كتاباً إلى
أبي عبيدة ليقول بعد حمد الله والثناء عليه: من
عمر إلى
أبي عبيدة : سلام الله عليك وبعد، فإن الله قد عظم الوفاء ولا تكونون أوفياء حتى تفوا فوفوا لهم بعهدهم، وانصرفوا عنهم، واستعينوا الله عليهم.
هذه حضارتنا التي تعظم الوفاء بالوعود والعهود!!
حضارتنا التي تعظم الدماء!!
حضارتنا التي تعظم الأمن والأمان!!
حضارتنا التي لا تقر الإرهاب فوق أي أرض وتحت أي سماء، مهما كان لون الإرهاب ووطنه وجنسه!!
حضارتنا التي أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة، وأن بغياً من بغايا بني إسرائيل دخلت الجنة في كلب!!
حضارتنا .. حضارة العدل، تحرم الظلم والبغي والعدوان!!
حضارتنا التي جلى عظمتها
صلاح الدين يوم فتح بيت المقدس وأرسل طبيبه الخاص إلى عدوه اللدود وقائد الجيش الجسور
ريتشارد قلب الأسد!!
حضارتنا هي التي جلى
محمد الفاتح عظمتها يوم فتح كنيسة (آياصوفيا)، وعلم العالم الصليبي الحاقد درساً من أعظم دروس التسامح والوفاء!!
ويكفي أن نعلم أن حضارتنا تستمد أصولها وأخلاقها من كلام ربها وكلام نبيها صلى الله عليه وسلم.
أيها الأخيار! حتى في الجانب المادي، والله الذي لا إله غيره ما قفزت أوروبا هذه القفزة العلمية إلا على أسس حضارتنا الإسلامية العلمية، ففي الوقت الذي أنار المسلمون الأندلس بضوء الكهرباء، كانت فرنسا ما زالت تعيش في الظلام، ولم تصل بعد إلى ضوء المصباح الكهربائي، وفي الوقت الذي رصف وعبد المسلمون طرق الأندلس، كانت إيطاليا وبريطانيا تعيش في الوحل والطين، ولم تعرف بعد الطرق المعبدة.
لكنني أسجل أن المسلمين انتكسوا وتخلوا في الجانب المادي عن حضارتهم، وفي نفس الوقت أخذ الأوروبيون أسس وأصول هذه الحضارة، وطوروها وقفزوا قفزات علمية هائلة، إذ إن الحضارة في أي عصر ما هي إلا نتاج علمي وفكري لآلاف الأدمغة والرءوس التي عملت قبل ذلك.
فمحال أن تقارن بين حضارة القرن العشرين وحضارة القرن الخامس عشر؛ محال لأن حضارة القرن العشرين ما هي إلا محصلة لنتاج عقلي وعلمي وفكري لآلاف الرءوس والأدمغة التي عملت في كل مجالات الحياة، فجاءت هذه الحضارة فجنت الثمار وطورت، وأنا لا أنكر ذلك.