أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم؛ ذلكم الكتاب الجامع للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وها نحن مع الأحكام، وقد تقدم دراسة ثمان مواد وهي: القرض والوديعة والعارية والغصب واللقطة واللقيط والحجر والتفليس والوصية والوقف والآن [المادة التاسعة: في الهبة والعمرى والرقبى].
أولاً: تعريفها: الهبة هي تبرع الرشيد] أما السفيه فلا يحق له أن يتبرع [بما يملك] أما إذا تبرع بما لا يملك فليس له ذلك [من مال أو متاع مباح] فلو تبرع بمصحف ليهودي أو نصراني لا يجوز، ولو تبرع بخمر أو باطل لا يجوز، ولكن عليه أن يتبرع بمباح [كأن يهب مسلم لآخر داراً أو ثياباً أو طعاماً، أو يعطيه دراهم ودنانير].
هذه هي الهبة: تبرع الرشيد بما يملك من مال أو متاع مباح، أما الحرام فلا يعطى ولا يوهب.
[وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا )] أي: عباد الله! ليهدي بعضكم بعضاً [( تحابوا)] أي: وليحب بعضكم بعضاً [( وتصافحوا يذهب الغل عنكم )]. والغل هو الحقد والحسد والعياذ بالله، والمصافحة ليست بتقبيل الوجه، ولكن بمصافحة اليد، فالمصافحة تذهب الغل [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالعائد في قيئه )] وهذا دليل على مشروعية الهبة، وأنها حسنة مستحبة، فالذي يهب شيئاً ويرجع فيه كالذي يتقيأ ثم يأكل قيأه.
[وقول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها )] كان صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها بأكثر منها [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه )] (من سره) أي: أفرحه (أن يبسط له في رزقه) فيتوسع (وأن ينسأ له في أجله) أي: يؤخر عمره (فليصل رحمه) والهبة من الصلة.
إذاً: عرفنا حكم الهبة، فما هي شروطها؟
[وإذا قبلها وجب عليه مكافأة المهدي بما يساويها أو أكثر] كما كان الرسول الكريم يفعل [لقول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها )، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه )] أي: كافئوه مقابل معروفه الذي فعله؛ فمن أهداك هدية ردها بأحسن منها [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء )] وهذه سهلة علينا، فمن أهداك هدية قل له: جزاك الله خيراً ويكفي.
العمرى والرقبى كالعطية أو الهبة، والعمرى بالألف المقصورة.
إذاً: هي أن تقول لأخيك: أعمرتك بيتي أو بستاني مادمت حياً، مدة عمرك، فإن شاء قال: مدة عمرك، أو قال: طول حياتك، والمعنى واحد.
[ثالثاً: أحكامها: أحكام العمرى هي]
وأخيراً: [الرقبى] ما هي الرقبى؟
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
والآن مع بعض الأسئلة والإجابة عنها.
الجواب: الحرام لا يجوز، هل تهدي لكافر مصحفاً؟ والله لا يجوز، هل تهدي لكافر برميل خمر؟ وإن كان يشربه، هل تساعد أنت على ما حرم الله؟! لا يجوز، أما الهدية الجائزة فإنها تجوز؛ كالثوب أو الطعام الحلال، والمحرم لا يهدى أبداً، ومن بين ذلك المصحف لا يهدى لكافر؛ خشية أن يعبث به.
الجواب: مادام وهبه هبة ولم يتمها فلا بأس عليه، ولكن الأفضل أن يتم له ما أهداه، لكن لما أهداه النصف وبقي النصف في ذمته وما استطاع فلا حرج.
الجواب: المفروض أن يسوي بين الورثة في العطية، وإن ما سوى فقد فعل مكروهاً.
الجواب: يجوز أن يعطي الرجل لولده أو لأحد أولاده، ولكن الأفضل أن يسوي بينهم في العطية، فيعطيهم كلهم، لكن لو لم يفعل فما فعل حراماً، وإنما ترك مستحباً فقط، ما ترك واجباً.
الجواب: هذا شأنهم؛ سواء في الشدة أو في الرخاء، فمن أراد أن يهدي يهدي، وعلى المسلم أن يقبل الهدية ويردها بأكثر، وإن عجز دعا للمهدي، وقال: جزاك الله خيراً.
الجواب: الهدية جائزة بلا خلاف، والذي ينبغي لمن أخذ الهدية أن يردها بما هو خير منها إن أمكن ذلك، وإن عجز أن يقول: جزاك الله خيراً، لكن إذا كان هناك حكم قضاء ورشوة فإنه لا يجوز.. لا يجوز، أما إذا لم يكن هناك لا حكم ولا قضاء فإنه يجوز ولا حرج، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا تحابوا ).
مداخلة: التلميذ -فضيلة الشيخ- إذا أهدى مدرسه قد يجعل المدرس يتعاطف معه في بعض الأمور؟
الشيخ: قال: التلميذ إذا أهدى المدرس يستفيد من المدرس ليحسن إليه؟
لا بأس ولا حرج.
مداخلة: يحسن إليه دون الطلاب -يا شيخ- يعني: يعطيه درجات.
الشيخ: ما عندنا ما يحرم الهدية، هل نكذب؟!
نقول: هي جائزة، وعلى من أهدي إليه أن يحسن مقابل الهدية.
الجواب: إذا كان شيئاً محرماً فلا يهديه، ولا يعطيه إياه، ولا يهبه، أما إذا كان شيئاً مباحاً فإنه يجوز.
الجواب: إذا كان قد جامعها بالليل فيجب أن يصلي الصبح، عليه أن يغتسل أولاً ويصلي، أما إذا كان قد جامعها بعد صلاة الصبح فله أن يبقى طول النهار إلى الظهر بدون اغتسال ولا حرج، يستنجي فقط أو يتوضأ، ثم له أن يأكل ويشرب ويعمل؛ والجنب يستحب له أن يتوضأ وضوء الصلاة، وينام بعد ذلك.
الجواب: يجوز ما هناك مانع ولا حرج، فإذا ذكرت النعمة خرت ساجدة، وليس هناك تحديد للأذكار أو الصلاة أبداً، ولكن تذكر النعم التي أنعم الله بها عليها وتحمد الله وتثني عليه وتسجد له.
الجواب: يجوز ولا حرج، يتوسل إلى الله ويتملق إليه ويصلي ويطلب حاجته ولا حرج.
الجواب: لا.. لا.. لا، فما هو إذاً؟
هو يطلب الخيرة من الله، والذي يقع له هو الذي اختاره الله له، مثلاً: أراد أن يسافر فصلى ركعتين واستخار الله، هل يسافر هذا السفر أو لا؟ فإن لم يسافر فليعلم أن الله قد اختار له عدم السفر، وإن سافر فليعلم أن الله قد اختار له السفر، أو أراد أن يتزوج فتاة -مثلاً- فاستخار الله مرتين أو ثلاثاً أربعاً، هل هي صالحة أم لا.
فالذي يتم هو الذي اختاره الله لك، أما أن المستخير يرى رؤيا فيها كذا أو كذا فلا.. لا أبداً، لا وجود لهذا في الشريعة.
الجواب: لا يقال على هذا عهد، وإنما يقال: نذر، ويجوز للمؤمن أن ينذر لربه، فيقول: رب إن فعلت بي كذا أو أعطيتني كذا فسأصوم كذا، أو أتصدق بكذا، ويجب الوفاء بالنذر، وهو واجب بالإجماع.
فالنذر مشروع، تقول: يا رب! إن أرجعتني إلى بلادي أو أعطيتني كذا صمت اليوم كذا، أو تصدقت بكذا وكذا، فإذا أعطاك الله تعالى يجب أن تفعل وجوباً، ويصبح الصيام كرمضان، ومن نذر نذراً وعجز عن إتيانه والقيام به يكفر كفارة يمين، ويخرج من تلك العقدة، فإن نذر ألا يفطر الدهر كله فإنه لا يمكن، وعليه أن يكفر كفارة يمين، أو نذر -مثلاً- أن يتصدق بمليار ريال، ومتى سيحصل عليه؟ مستحيل! عليه أن يكفر كفارة يمين.
الجواب: أعوذ بالله، ونعوذ بالله، ماذا نقول؟ اخرج بسرعة، لا تبقى جالساً، استعجل في الخروج، لا تبقى والمصحف وأنت تتغوط، هذا إن كان ناسياً، أما إذا كان متعمداً فيا ويله! والعياذ بالله، ولا يفعل هذا مؤمن، لكن إن كان ناسياً وتذكره فعليه أن يعجل ويخرج.
الجواب: إذا كان المصحف كاملاً من الفاتحة إلى الناس ليس فيه تفسير فلا يحل لمؤمن أن يمسه أبداً حتى يتوضأ، أما إذا كان مجزأً فلا حرج، أو كان فيه تفسير للعلماء فلا حرج، أما المصحف الكامل، فالله يقول: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، عليه أن يتوضأ وبعد ذلك يمسه.
الجواب: هذه عادة موجودة في المغرب من قديم الزمان، فإذا صلى الإمام بالمؤمنين يستقبلهم ويقرءون آية الكرسي بصوت واحد، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرون الله عدد كذا، ثم يدعون الله مجتمعين؛ هذه بدعة ابتدعوها، ليست من السنة في شيء.
ومن السنة أن من صلى الفريضة يقرأ آية الكرسي فإنها تشفع له عند الله، ويدخل الجنة بها، وبعد الصلاة يدعو المؤمن ربه فيرفع يديه ويسأل حاجته، ومستحب الدعاء بعد الصلاة، والذكر وارد بألفاظه، أما جماعياً فليس بشيء، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات في هذا المسجد -فوالله- ما قرأ معهم آية ولا دعاء بشكل جماعي، وها نحن عندنا الإمام والأئمة لا يدعون مع الناس في كل صلاة ولا يقرءون معهم آية الكرسي، فهذه بدعة، وبلغوا إخوانكم أن يتركوها، وقد تركوها في بلاد كثيرة.
الجواب: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، الذي أمر والذي قتل كلاهما قاتل. كيف يقول له: اقتل فيقتل؟! هل هو مجنون أم عاقل، كلاهما قتل، فإذا اجتمع عشرة على قتل واحد فكلهم قتلة، وإذا اجتمع أهل قرية على قتل مظلوم فكلهم قتلة والعياذ بالله.
الجواب: يا أرحم الرحمين.. يا أرحم الرحمين.. يا أرحم الرحمين.. اكشف ضر هذه الأسرة يا رب العالمين، وأنجهم من هذا الوباء، وأبعده عنهم يا رب العالمين، وأنج منه كل مؤمن ومؤمنة، وأبعده عن كل مؤمن ومؤمنة يا رب العالمين.
اللهم يا أرحم الرحمين، يا أرحم الرحمين اشف ضر هؤلاء المؤمنين، واشفهم بشفائك الذي لا يغادر سقماً، اللهم زكنا وآت نفوسنا هداها وتقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
ربنا أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، رب انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين يا ربنا.. يا ربنا.. يا ربنا.. يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، وأعل كلمتك رب العالمين! اللهم آمين.. اللهم آمين..
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر