أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
أيها الأحبة: إن من الظواهر التي يلاحظها المتأمل في أحوال كثير من الناس، والشباب منهم خاصة، ظاهرة السفر إلى الخارج، ظاهرة السفر إلى البلدان الغربية والأوروبية في أي فرصة مواتية، سواءً كانت تلك الفرصة عطلة نهاية العام الدراسي أو الفصل الدراسي الأول أو عطلة عمل يطلبها الموظف ويرغب في قضائها خارج بلاده، والكلام اليوم ليس عن حكم السفر إلى الخارج أو السفر إلى دول الكفار، وليس للتفصيل في نوع السفر وحكمه ومدى الحاجة إليه من دراسة أو علاج أو تجارة أو اطلاع.
وحديثنا اليوم إنما هو عن ممارسة بعض المنتسبين إلى الإسلام حينما يسافرون إلى الخارج، وهم الذين تربوا وعاشوا في مجتمعات إسلامية حينما يسافرون إلى بلاد الغرب يقعون وينغمسون في ألوان الفواحش؛ من الزنا والسفاح، وشرب الخمور، وتناول المخدرات والقمار والوقوع في أردى ألوان الشذوذ الجنسي، هذه هي المشكلة، ما هي أسبابها؟ ما آثارها؟
والفراغ يا عباد الله ليس فراغاً دائماً، بل هو مرحلة بين مرحلتين؛ إذ الإنسان لا بد أن يكون منشغلا، إما منشغل بالواجبات والمندوبات وهي لاشك أكثر من الأوقات، ولا يستطيع إنسان أن يؤدي المندوبات إضافة إلى الواجبات، وأن يقوم بالحقوق جميعها إلا بجهد جهيد من تنظيم الوقت وعدم صرف جزء منه فيما لا فائدة فيه، فإذا لم ينشغل الإنسان بالواجبات والمندوبات فبم ينشغل؟ في أي شيء يقضي الوقت؟ بأي شيء يقتل الوقت؟
فيبدأ بالتهاون والتكاسل شيئاً فشيئاً حتى يدع أوجب الواجبات ويتهاون بها، ثم يعيش فترة من الفراغ الذي لا يدري أين يقضيه، فالشيطان قد صده عن القيام بالواجب، ولم ينتهِ شيطانه من التغلب عليه لإيقاعه في المحرمات.
إذاً ما فترة الفراغ إلا مرحلة صراع الشيطان للإنسان ليطمس على قلبه، وليضله ويقوده إلى مهاوي الرذيلة والضلال، الإنسان لا شك منشغل، ورحم الله القائل: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
إذاً يا عباد الله الفراغ هو أول أسباب هذه المصيبة، أول أسباب ظاهرة السفر إلى بلاد الكفار والوقوع في ألوان المحرمات والانغماس فيها هناك.
إذ أن الثراء يا عباد الله من الأسباب التي تدعو إلى هذه المصيبة؛ ما دام الإنسان فارغ القلب خلي الذهن من الواجبات والمندوبات، فالثراء من الأسباب التي تدعو إلى ذلك، ولعل كثيراً من الناس من عصمة الله لهم ألا يجدوا مالاً كثيراً، إذاً فقول القائل، أو لعله من الأثر: من العصمة ألا تقدر، صحيح إذ أن كثيراً من الناس لو قدروا على المال لتوجهوا به، ولفعلوا به مثلما فعل غيرهم، فإن الله جل وعلا قد يعصم كثيراً من الناس بالفقر وقد يعصمهم بقلة ذات اليد، وفي الحديث الصحيح: (إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر، ولو أغنيته لطغى، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى).
إن الفراغ والشباب والجـده مفسدة للمرء أي مفسده |
والعجيب يا عباد الله أن الأسباب الرئيسية للوقوع في هذه الظاهرة أو في تلك الجريمة والمشكلة هي في حد ذاتها من أعظم النعم على الإنسان، وقد تكون ابتلاءً وامتحانا، يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان عظيمتان مغبون فيهما كثير الناس: الصحة والفراغ) إنها لنعمة عظيمة ولكن الكثير يغبنون فيها، فالصحة التي هي فرصة القوة والجلد والنشاط بدلاً من أن يقضيها في نشاط العبادة والتشمير في العلم والفقه، والدعوة إلى الله، وفعل الواجبات، وإمداد الآخرين بالخيرات، تجد الكثير يغبن في هذه النعمة فيصرفها في شر المصارف وأفسدها.
والأمر الثاني الفراغ: فالكثير من الناس حينما يكون فارغاً لا يجد أن هذه نعمة يجب أن يصرفها في فائدة من الفوائد التي تعود عليه، وليس من شروط هذا الفراغ إذا كان الإنسان لا استعداد له أن يقضيه في الدعوة أو في العبادة أو في العلم، فأبواب المباحات مفتوحة، وأبواب المكاسب والتجارة في سبل الحلال مفتوحة، فما الذي يمنعه أن يسلكها؟ ولكن الكثير يصرفون هاتين النعمتين في كفر نعمة الله وجحودها.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم |
فيا سبحان الله العلي العظيم!
إذا سئل أحدهم: ما دينك؟ يقف بملء فيه ويقول: أنا مسلم، ولا غرو أن يقول ذلك، ولكن المصيبة ما يكون من أفعاله التي تناقض أقواله، يقول أفعالاً تناقض ما ينطق به، كثيراً ما يقول: أنا مسلم، وهو يقولها في نادٍ من نوادي القمار، أو في دور البغاء والحانات والخمور وغير ذلك، وإن كثيراً من الغربيين الذين أرادوا الدخول في الإسلام يوم أن دعوا إلى هذا الدين العظيم، قال كثير منهم: مادام هذا هو أحد المسلمين -الذي نراه في نادي القمار ونراه في دور البغاء ونراه في حانة الخمر- فما الفرق بيننا وبينه؟ وأي دين تدعوننا إليه؟ يظنون أن هذا الرجل بما ينتسب إليه لفظاً وشفهية لهذا الدين يظنون أنه يمثل دين الإسلام، والإسلام من فعله هذا براء.
إذاً فانظروا كيف جنى أولئك الذين يسافرون لدول الغرب ويقعون فيما يقعون فيه؛ كيف جنوا على كثير من الذين أرادوا الإسلام وصدوهم عن الدخول في الدين إذ لم يجدوا فرقاً بين ذلك، ولعلها من تدابير اليهود وخططهم وكيدهم لهذا الدين وأهله، يريدون أن يظهروا المسلمين بين اثنين: إما رجل صوفي متنسك لا يعرف شيئاً من أسباب الحياة، ولا يعرف شيئاً من وسائل التطور والتمدن فيها، لا يعرف إلا المسبحة والطوفان حول القبور، ولا يعرف إلا شيئاً من المدائح والقصائد وغير ذلك، يصورون الإسلام في هذا الجانب أو يأتون إلى الناس بجانب آخر ويقولون: انظروا إلى أولئك من دول الإسلام، من دول عربية، انظروهم في نادي القمار، انظروهم في حانة البغاء، انظروهم في أماكن الخمر، هؤلاء مسلمون فما الفرق بينكم وبينهم، ولم تتجشمون المصاعب في سبيل تغيير دينكم وما تلاقونه من الكراهية والبغضاء من مجتمعكم، وأنتم ترون صورة هؤلاء المسلمين؟
إذاً: فإنهم يسيئون إلى الإسلام أعظم الإساءة، والإسلام من أفعالهم هذه براء.
فأي سمعة سيئة وأي سمعة رديئة يسببها أولئك لبلادهم وأي مشاكل يقعون فيها؟ ولذلك فإن المطلع على الصحف الأجنبية يرى كثيراً ما تتهكم تلك الصحف بهم خاصة في رسم ما يسمى بالكاريكاتير، فلقد رأيت ذات مرة في إحدى الصحف الأجنبية رجلاً وموضوع نحو رأسه إشارة سهم، رجل عربي، وأمامه رزم متكومة من النقود وحوله مجموعة من البنات والحسناوات في صورة لا تليق، يريدون أن يصوروا أبناء البلاد العربية وأبناء المسلمين خاصة، وأبناء الذين ينتسبون إلى البقاع المقدسة بالأخص ينسبونهم إلى هذه الأفعال، لكي يردوا الناس عن دين الله جل وعلا.
وأي تهكم بلغ بهم إذ ذكروا أن واحداً منهم يوم أن وصل إلى أحد الفنادق دعا عدداً من البغايا لكي يبيت معهن في ذلك الفندق، انظروا أي تهكم وصل ببعض الذين ينتسبون إلى البلدان الإسلامية بسبب أفعال أولئك الذين يشوهون سمعة دينهم ويشوهون سمعة بلادهم.
نعم يا عباد الله، إن المتأمل يرى أن تلك الأماكن إنما هي خصيصاً وبالدرجة الأولى لأبناء البلاد العربية، لأبناء المسلمين خاصة، إذ أن الغربيين ليسوا بحاجة إلى أن يقيموا هذه الدور، إذ بينهم من الإباحية والانحلال، وبينهم من الشذوذ ما يجعلهم يقعون فيه بالمجان، ما يجعلهم يقعون فيه بلا مقابل، ولكن يقيمون هذه الدور ليجذبوا أبناء المسلمين إليها، ليجلبوا ضعفة الإيمان، ليجلبوا ضعفة القلوب إليها، وبعد ذلك يصورونهم ويأخذون عليهم كثيراً من الصور التي تعتبر مستندات ورهينة بالنسبة لهم، خاصة بالنسبة لرجال الأعمال الذين يقعون في هذه الأمور فكثيراً ما يقع تحت مراهنة وتحت مساومة.
إذ لا يدري وهو في ذلك الفندق أو في تلك البلاد قد التقطت له صور عديدة مع باغيات وفي أماكن مشبوهة وبعد ذلك يقال له: إما أن تدفع كذا وكذا، وإما أن ننشر هذه الصورة في مختلف الصحف، فبعد ذلك لا يجد نفسه إلا مضطراً ذليلاً ليقدم لهم هذا المال ليستروا عن نفسه ذلك، عياذاً بالله من حالهم ومكائدهم.
وما يبلغ الأعداء من جـاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه |
فانظروا يا عباد الله عظم خطر هذه المصيبة، وخطر هذه المشكلة على أنفسهم، وعلى بلادهم، بل حتى على عقائدهم ودينهم.
حدثني شاب أنه يعرف رجلاً قد جيء به إما هو أو صديقه قد جيء به ميتاً، يقول: إنه كان في حالة من الشرب والسكر وغير ذلك، كان ينتظر حبيبة له في أحد الفنادق، فلما تأخرت عنه وصل به الجنون ووصل به الأمر إلى حد غريب، فلما وصلت إليه ذكروا أنه سجد لها لما أقبلت، فانظروا أعظم خطرٍ وصل بهم، ووصل بالكثير منهم وهم في حالة الشهوات والخمور وغيبة العقول إلى أن يخرج الإنسان عن دينه عياذاً بالله من ذلك.
وأعداء المسلمين يوم أن رأوا أن المسلمين والعرب منهم خاصة لا يمكن الوصول إليهم بالسلاح غزوهم بغزو فكري وغزو خلقي وغزو جنسي، واستطاعوا بعد ذلك أن يجندوا أبناءهم ليكونوا في خدمتهم ولا عجب من ذلك يا عباد الله، إذ أن الشجرة لا يقطعها إلا غصن من أغصانها.
يقول زعيم طائفة المبشرين يوم أن اجتمع به عام (1964م) على أغلب الظن، أنه لما اجتمع مع القسيسين وغيرهم وسألهم ماذا عملتم، فقالوا: قد نصرنا عدد كذا وكذا، ونصرنا عدد كذا وكذا، ولكن بعضهم رجع إلى الإسلام، ماذا قال القس صموئيل زومير الذي هو رئيس ذلك الاجتماع الذي عقد في القاهرة في ذلك العام؟ قال: اسمحوا لي معاشر المبشرين أنكم لم تعرفوا حقيقة التبشير حتى الآن، إن العرب المسلمين ليسوا بأكفأ أن يدخلوا في المسيحية ولكن يكفي أن تخرجوهم من دينهم حتى يعيشوا في الضلال والضياع.
انظروا إلى أعظم شيء في ذلك، وقال غيرهم: إن العرب لا يغزون بالسلاح وإنما يغزون بغزو فكري، إنه مؤكد ولكنه بطيء، فماذا بعد الأخلاق إذا انهارت؟ وماذا بعد المروءات إذا تكسرت؟ وماذا بعد الشيم إذا ماتت؟ ماذا يبقى للناس من دين أو عقيدة يدافعون عنها، أو أعراض يموتون دونها، أو شمم وإباء ورفض للضيم؟ بعد ذلك تصبح النفوس كنفوس الديوثين والخنازير، إذا وقعوا في ألوان الانحلال والشذوذ عياذاً بالله من ذلك.
إذا مات الإنسان شهيداً بعث شهيداً، جرحه يثعب دماً، اللون لون دم والريح ريح مسك، إذا مات الإنسان محرماً فإنه يكفن في إحرامه ولا يغطى رأسه لكي يبعث يوم القيامة ملبياً، إذا مات الإنسان ساجداً بعث يوم القيامة ساجداً، فما حال من مات وهو في أحضان باغية؟ ما حال من مات وهو عند فرجها؟ ما حال من مات وهو بين مجموع من ألوان المصائب والبلاء والخمور وغيرها؟ كيف يبعث يوم القيامة وعلى أي حال يبعث؟!
وا سوءة الحال من حال كتلك وا سوءة الأمر في حال كتلك |
نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا على دينه، وأن يحسن خاتمتنا وأن يتوفانا على أحسن حال ترضيه إنه سميع كريم مجيب.
عباد الله لا تظنوا أن هذا الكلام فيه ضرب من المبالغة، اسألوا الصالات الدولية في المطارات المتعددة كم استقبلوا من جثة في أقرب عطلة انتهت، عطلة الربيع الماضي، كم استقبلوا من جثة شاب جيء بها في التابوت، ذهب يمشي وعيد به محمولاً، أي مال أنفقه؟ وأي جهد ضيعه؟ وأي فريضة ضيعها؟ وأي فاحشة ارتكبها؟
انظروا إلى عظم هذا الأمر الذي يقع فيه كثير من الناس، أسأل الله جل وعلا أن يمن على شباب المسلمين، وأن يهديهم، وأن يفوقهم إلى ما يحبه ويرضاه، ثم اعجبوا بعد ذلك يا عباد الله بمجموع هذه المشاكل ومجموع هذه المصائب التي يسببونها لأنفسهم ولأموالهم ومعتقداتهم وغير ذلك، يسببون أيضاً مشاكل لا حصر لها للجهات الرسمية التي تمثل بلادهم.
والذي يعرف واحداً خاصة في البلدان التي تشتهر بالسياحة وما تحت السياحة من ألوان مزركشة وما دونها من بلاء، فليسأله إن كان له في الجهات القنصلية أو السفارات أو غيرها ليسمع منه العجب العجاب في حال بعض الذين يذهبون إلى تلك البلاد، ويعودون بأسوأ سمعة لدينهم وبلادهم، نسأل الله أن يتوب علينا، ونسأله جل وعلا أن يهدي شباب المسلمين وأن يوفقهم إلى ما يحبه ويرضاه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأسأله أن ينفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بدين الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار.
عباد الله! إن من نعمة الله جل وعلا على العبد أن ولد في مجتمع مسلم، إنها من أعظم النعم يا عباد الله أن يولد الإنسان في مجتمع مسلم، هداية ومنة عظيمة من الله جل وعلا، لو ولد الإنسان في مجتمع دهري أو إباحي أو غربي ونحو ذلك أتظنون أنه يصل به الأمر في دينه إلى ما أنتم فيه الآن -ولله الحمد والمنة- من معرفةٍ لأحكام الدين والعقيدة والفروع وغير ذلك؟
إنها لنعمة عظيمة، فاستمسكوا بهذه النعمة، وتمسكوا بها والزموها، وإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن جاءه رجل قال: يا رسول الله! مرني بأمر لا أسأل أحداً فيه بعدك، أو قال: أوصني يا رسول الله، فقال: (قل آمنت بالله ثم استقم) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112].
إن الاستقامة على دين الإسلام لمن أعظم النعم، إننا يوم أن نرى رجلاً قد وصل الستين عاماً أو الثمانين أو المائة أو غيرها؛ نغبطه أن بلغ ستين عاماً في دين الإسلام، وقد ثبته الله على هذا الدين من يوم أن ولد إلى أن بلغ هذه الخمسين أو الستين، ولا عجب أن نسمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله حين يقول: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم) لأنه شاب ونشأ وترعرع في دين الإسلام، فماذا بعد ذلك إلا التمسك بالنعمة.
إذا ما مات ذو علم وتقـوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه |
وموت الحاكم العدل المـولى لحكم الأرض منقصة ونقمه |
وموت فتى كثير الجود مـحل إن بقاءه خصب ونعمه |
وموت الفارس الضرغام هـدم فكم شهدت له بالنصر عزمه |
وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه |
فحسبك خمسة يبكى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه |
وباقي الخلق همج أو رعاع وفي إيجادهم لله حكمه |
نعم يا عباد الله ينبغي أن يكون الإنسان مجاهداً شجاعاً عالماً تقياً، تاجراً مصدقاً منفقاً في سبل الخيرات، عابداً يرحم الله ببركة دعائه وبركة نفعه، أما الذين يعيشون لا همَّ لهم إلا أنفسهم وشهواتهم وبطونهم ماذا قدموا لأمتهم؟ ماذا قدموا لدينهم؟ أولئك الذين صرفوا الأموال في تلك البلدان وأساءوا سمعة دولتهم، وأساءوا سمعة دينهم، ووقعوا في البلاء، وقد يختم لهم بخاتمة الشقاء عياذاً بالله من ذلك، حتى أنفسهم أقرب الأمور إليهم ماذا قدموا لها؟
أسأل أن جل وعلا أن يستعملنا في طاعته، وأن يستعملنا فيما يرضيه، وأن يجعل أقوالنا وأفعالنا خالصة لوجهه، وأن يجعل جميع أعمالنا عبادة خالصة له جل وعلا.
اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين فإنك ربنا تزع بالسلطان مالا تزع بالقرآن، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له، اللهم أبعد عنه من علمت فيه سوءاً وشراً له، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم ثبت أقدامهم ووحد كلمتهم، واجمع شملهم، ولا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً.
اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم سخر لنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، واجعل لنا في كل دين قضاء، وفي كل مرض شفاء واحتساباً، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لأحدنا في هذا المكان ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفتيه، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره.
معاشر الأحباب! ولو أطلنا عليكم أعود لأتذكر نقطة: إن كثيراً من الذين يسافرون إلى تلك البلدان بحمد الله جل وعلا لم يجدوا مجالاً مفتوحاً للفساد والعهر في هذه البلاد وهذه نعمة عظيمة، قد يقول قائل ويدور بذهن أحدكم الآن يقول: وهل تجهل أن هناك ما يمارس سراً وخفاء؟ نقول: إن المعصية إذا ظهرت عمت، وإذا خفيت خصت، ولا يخلو مجتمع من فساق أو من فعلة الفحشاء وغيرها، ولكن بحمد الله جل وعلا أنهم لم يجدوا متسعاً ومتنفساً في هذه البلاد، فيذهبون إلى تلك البلاد، ولكن رغم ذلك ننصحهم بالتوبة والعودة والإنابة إلى الله جل وعلا.
اللهم صل على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر