أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم؛ الحاوي للشريعة الإسلامية، عقيدة، وآداباً، وعبادات، وأحكاماً شرعية، وها نحن مع مبطلات الصلاة.
ما معنى مبطلات الصلاة؟
معناه: أن الصلاة إذا بطلت لا تزكي النفس ولا تطهر الروح، فهي فارغة باطلة، والصلاة إنما شرعت إقامتها لتزكية النفوس وتطهيرها، فالأبدان تزكى وتطهر بالماء والصابون، أما الأرواح والأنفس فتطهر وتزكى بالصلاة.
فهذه العبادة التي يلازمها العبد طوال الحياة وفي كل يوم وليلة مهمتها تطهير النفس وتزكيتها، فإذا داخلها نقص أو زيادة بطل مفعولها في تزكية النفس.
ومبطلات الصلاة:
أولاً: ترك ركن من أركانها -بلا خلاف- فمن ترك ركناً من أركان الصلاة فهي باطلة.
ثانياً: الأكل أو الشرب، فالذي يأكل أو يشرب وهو يصلي فصلاته باطلة، لا تزكي نفسه وعليه أن يعيدها.
ثالثاً: الكلام لغير إصلاحها، فالحديث والكلام لغير إصلاحها يبطلها، إما لإصلاحها كقولك للإمام إن أراد يقوم: سبحان الله، فلا حرج، أو قولك له: زدت ركعة. لاحرج؛ لأنه لإصلاح الصلاة.
رابعاً: الضحك، وهو القهقهة: فهذا يبطل الصلاة نهائياً، أما الابتسامة فلا حرج.
خامساً: العمل الكثير: الشغل الكثير لمنافاته للعبادة وانشغال القلب والأعضاء بغير الصلاة.
سادساً: زيادة مثل الصلاة، كأن يصلي الظهر أو العصر ثمان ركعات، أو أن يصلي المغرب ست ركعات، أو الصبح أربع ركعات.. فلو زاد ركعة ساهياً لا بأس، أو اثنتين كذلك، أما أن يزيد أربعاً! فما كان هذا في الصلاة، فلهذا إذا سها فزاد مثل الصلاة فصلاته باطلة.
سابعاً: ذكر صلاة قبلها، كأن يصلي العصر ثم يذكر أن لم يصلِّ الظهر بعد، فتبطل صلاة العصر ويصلي الظهر أولاً، أو كان يصلي العشاء ثم تذكر أنه لم يصلِّ المغرب بعد، فتبطل العشاء ليصلي المغرب أولاً، وكذلك الصبح قبل العشاء، هذه هي مبطلات الصلاة السبع.
قال: [يباح للمصلي فعل أمور، منها:]
فمن تثاءب في الصلاة لا تبطل صلاته، والسنة أن يضع يده اليمنى على فمه، بباطن الكف، فإن كانت اليسرى جعل ظاهر الكف على الفم.
والسترة عمود أو خشبة أو كذا .. يستر المصلي بها نفسه من الناس؛ حتى لا يمر أحد بين يديه، فإذا أراد أحد أن يجتاز بين يديه أحد دفعه، فإن أبى أن يرجع وتعمد المرور فهو شيطان، يريد إفساد العبادة غير مبالٍ بالصلاة تصح أو لا تصح.
والسجود للسهو يجوز قبل السلام وبعده بلا خلاف، وإنما الاختلاف في أيهما أفضل، فالأفضل إذا كانت زيادة أن يكون السجود بعد السلام، وإذا كان نقص أن يكون قبل السلام، والكل صحيح، وهو إرغام للشيطان ولا حرج.
إذاً: عليه السجود قبل أن يسلم، أن يسجد للسهو سجدتين [وذلك كأن يترك التشهد الوسط ولم يذكره بالمرة أو ذكره بعد أن استتم قائماً فإنه لا يرجع إليه، وعليه أن يسجد قبل السلام] إذا ذكر أنه لم يجلس للتشهد الوسط وقام واعتدل فإنه لا يرجع، لكن إذا تحرك فقط وما استتم القيام رجع ولا حرج.
فمن سلم من صلاته، قبل أن يتمها فإنه يعود -إذا قرب الزمن- فيتم صلاته ويسجد بعد السلام، أما إذا خرج من المسجد وبعد فإنه يعيد الصلاة من أولها [والأصل في هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله] الرسول قال وفعل، سنة قولية وفعلية [فقد سلم من اثنتين] في هذا المسجد؛ صلى بهم الظهر أو العصر ركعتين وسلم، وسلموا وهم لا يدرون اتباعاً لإمامهم [فأخبر بذلك، فعاد فأتم الصلاة وسجد بعد السلام] قال له الصحابي: ( أنسيت أم قصرت الصلاة يا رسول الله؟! قال: لا قصرت ولا نسيت، قال: بل نسيت ) فعاد إلى المحراب وصلى بهم ركعتين، وسجد بعد السلام [كما قام مرة من الركعة الثانية ولم يتشهد فسجد قبل السلام] وفي مرة أخرى قام صلى الله عليه وسلم من الركعة الثانية ولم يتشهد فسجد قبل السلام، وهذا من فضل الله على أمة الإسلام؛ حتى تأتسي برسولها صلى الله عليه وسلم، فالرسول يسهو [وقال: ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى، أثلاثاً أو أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم )] هذه عامة، إذا شككت فلم تدر أصليت ثلاثاً أم أربعاً ابن على اليقين الذي تتيقنه، واسجد سجدتين قبل السلام، وأتم صلاتك، واسجد قبل السلام [( فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته )] أي أصبحت ستة والحمد لله [( وإن صلى إتماماً لأربع؛ كانتا ترغيماً للشيطان )] هو فيه خير، فما دام شك يبن على اليقين، فإن صلى خمساً -في الواقع- وهو لا يدري لما سجد أصبحت شفعاً ستة، وهكذا. وترغيم الشيطان إذلاله وإهانته.
[وقد سجد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مع النبي لما سها وسجد] سجد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مع النبي لما سها وسجد، فلا تقل: أنا ما سهوت وإنما سها الإمام، فعليه هو أن يسجد، فلابد من متابعة الإمام.
كيفية الصلاة هي: أن يقف المسلم بعد دخول وقتها متطهراً] لأن الصلاة إذا لم يدخل وقتها لا تصح، وهذا شرط لا تقبل الصلاة إلا بصحته؛ والطهارة شرط في صحة الصلاة أيضاً [مستور العورة] ستر العورة شرط في صحة الصلاة، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها إلا وجهها وكفيها، ويجوز للرجل أن يصلي وهو مكشوف الصدر أو الساقين، المهم ستر ما بين السرة إلى الركبة، فإذا انكشف شيء من هذا بطلت صلاته، أما المرأة فتظهر وجهها وكفيها فقط، حتى قدميها تسترهما في الصلاة، تتلفف في خمار يسترها بكاملها [مستقبل القبلة] استقبال القبلة ركن لابد منه أيضاً [فيقيم لها] ويقيم الصلاة بالإقامة المعروفة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله .. إلى آخره، سواء كان وحده أو في جماعة، فالجماعة الواحد يكفيهم، ومن صلى وحده أقام الصلاة وحده [حتى إذا فرغ من لفظ الإقامة] فإذا فرغ من الإقامة [رفع يديه محاذياً بهما منكبيه ناوياً الصلاة التي أراد أن يصليها] وبعض الجهال يجعل أصبعيه في أذنيه ويقيم، وهذا خطأ، بل يرفع يديه حذو منكبيه.
والنية ركن: ( إنما الأعمال بالنيات )، فلو أنه ما نوى لا تصح صلاته، والنية عمل قلب لا عمل لسان، فلا تقل: نويت أن أصلي الظهر أو العصر، هذا من عمل الجهال الذين لا بصيرة لهم، فإذا وقفت متطهراً وقد دخل الوقت، وأقمت الصلاة، واستقبلت القبلة، فهذه هي النية.
[ويضع يده اليمين على اليسار فوق صدره] بعد أن يكبر يضع يده اليمنى فوق اليسرى على صدره، وبعضهم يضعها عند سرته، وهذه نظرية ليست سليمة، قالوا: إذا وقف الإنسان أمام السلطان فإنه يضع يديه على مكان الإزار حتى لا يسقط؛ لأنهم كانوا يلبسون الأزر فقط ولا سراويل، فيضع يديه حتى لا تنكشف عورته أمام الملك، وهذه النظرية معمول بها عند الأحناف، ولكن السنة على الصدر، أن تضع يمينك فوق يسارك على صدرك، والذي يضعها على سرته يضيق على الناس بيديه، وبعضهم يضعها على قلبه ناحية اليسار، وهذا خطأ أيضاً، فالسنة الثابتة: اليمنى فوق اليسرى على الصدر، وقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم بشاب يصلي وقد وضع اليسرى فوق اليمنى، فنزع صلى الله عليه وسلم اليمنى وجعلها فوق اليسرى، ومالك في موطئه يقول: ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، ووضع اليمين على اليسار فوق الصدر في الصلاة سنة الأنبياء من قبلنا، أما إطلاق اليدين وتدليتها خطأ وقع فيه الخوارج والروافض وبعض المالكية [ثم يستفتح] الاستفتاح سنة لمن حفظه وعرفه، أما الذي لا يعرفه فلا يلزمه، وهو: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، هذا يسمى دعاء الاستفتاح، يستفتح المرء الصلاة بهذا الكلام [ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم سراً] وهذه القضية اختلف فيها أهل العلم، والصحيح أنه لابد من البسملة، ولكن سراً لا جهراً، ولنعلم أن سورة الفاتحة التي هي ركن الصلاة نزلت مرتين: مرة بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، ومرة بدونها، قرأها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) ومرة بدونها، فمن قال: نزلت بدون البسملة رأى أنها ليست واجبة، وليست بآية، ومن قال: إنها آية -كـالشافعي- قال: من لم يبسمل فصلاته باطلة؛ وذلك لأنه ترك آية من سورة الفاتحة.
وآيات الفاتحة سبع: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7] هذه سبع آيات، أما إن قلنا: إن البسملة ليست آية أصبحت الفاتحة ست آيات فقط.
ولكي ننتفع ولا نتعرض للفتنة نبسمل سراً، فيبسمل الإمام في نفسه ويجهر بالفاتحة؛ لأن أنساً قال: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء
فالفقهاء لم يتعرضوا لوضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع، لأنه لا يوجد وقت بين سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد، ثم السجود، فما هو الوقت الذي يضع فيه يده؟!
لكن إذا كان يعمل بهذه السنة -وأئمتنا جزاهم الله خيراً يعملون بها- وهي أن يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد .. فيحسن وضع اليدين على الصدر؛ لأنها طويلة.
ومرة سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: ( حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، ففرح بها صلى الله عليه وسلم وأقره عليها ).
[ثم يهوي إلى السجود قائلاً: الله أكبر، فيسجد على أعضائه السبعة، وهي: الوجه والكفان، والركبتان والقدمان، ممكناً جبهته وأنفه من الأرض، قائلاً: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً أو أكثر، وإن دعا بخير فحسنٌ، ثم يرفع من السجود قائلاً: الله أكبر، فيجلس مفترشاً رجله اليسرى جالساً عليها، ناصباً اليمنى ويقول: رب اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني، ثم يسجد كما سبق، ثم ينهض للركعة الثانية، فيفعل فيها مثلما فعل في الأولى، ثم يجلس للتشهد، فإن كانت ثنائية -كصلاة الصبح- فإنه يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويسلم قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله، ملتفتاً إلى اليمين، ثم يسلم ملتفتاً إلى اليسار كذلك].
قال: [وإن كانت غير ثنائية] رباعية أو ثلاثية [فإنه إذا قرأ التشهد ينهض مكبراً رافعاً يديه حذو منكبيه، فيتم صلاته على النحو الذي تقدم، إلا أنه يقتصر في القراءة على الفاتحة فقط، فإذا فرغ جلس متوركاً بإفضائه بوركه إلى الأرض ونصب قدمه اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض، ثم يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستعيذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب النار وعذاب القبر] كثير من المسلمين لا يعرفون هذا، كان الرسول إذا صلى لا يسلم حتى يستعيذ بالله من أربع، يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وعذاب النار، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة
[ويسلم جهراً] السلام يكون جهراً، من السنة الجهر بالسلام، بالقدر الذي يسمع نفسه ومن حوله [قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله ملتفتاً إلى اليمين، ثم يسلم ملتفتاً إلى اليسار، وإن لم يكن به أحد] ولو لم يكن على يساره أحد يسلم على اليسار، وبعضهم يكتفي بالتسليمة الأولى فقط، وهي تجزي، ولكن السنة أن يسلم عن يمينه وشماله.
هيا ندعو الله عز وجل أن يسقينا.
اللهم يا حي يا قيوم .. ابكوا يا إخواني .. والله ما يستجاب إلا للبكاء والباكين، قلوبنا قاسية، هيا نبكي بين يدي الله حتى يستجيب لنا.
اللهم يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، يا ولي المؤمنين، يا متولي الصالحين، هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين، فاسقنا يا ربنا وأغثنا ولا تجعلنا من القانطين، فاسقنا يا ربنا وأغثنا ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا وأغثنا يا أرحم الراحمين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، يا رب إليك رفعنا أكفنا سائلين ضارعين فلا تردنا خائبين يا أرحم الراحمين! يا أرحم الراحمين، هذه أكفنا رفعناها إليك، فاستجب لنا ربنا واسقنا سقيا عاجلة غير آجلة نافعة غير ضارة، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يا من يقول للشيء كن فيكون وهو على كل شيء قدير اسقنا وأغثنا كرامة منك لنا يا أكرم الأكرمين، أكرمنا يا أكرم الأكرمين، استجابة لدعائنا يا رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر