إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [33]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإسلام يدعو إلى التعاون على البر والتقوى، وهذا من أسباب المودة والمحبة، ومن ذلك القرض، فقد رغب الإسلام فيه، وأوجب على المقترض أن يرد مثل ما أخذ بلا زيادة مشترطة، وفي القرض أحكام كثيرة بينها أهل العلم رحمهم الله.

    1.   

    وجوب الوفاء بالسلم في موضع العقد

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجب الوفاء موضع العقد إن لم يشرط في غيره، ولا يصح بيع مسلم فيه قبل قبضه، ولا الحوالة به ولا عليه، ولا أخذ رهن وكفيل به، ولا أخذ غيره عنه.

    فصل: وكل ما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم، ويجب رد مثل فلوس ومكيل وموزون، فإن فُقد فقيمته يوم فقده، وقيمة غيرها يوم قبضه، ويحرم كل شرط يجر نفعاً، وإن وفاه أجود أو أهدى إليه هدية بعد وفاء بلا شرط فلا بأس].

    شروط السلم السبعة زائدة على شروط البيع، فالشروط السبعة التي في أول باب البيع لابد منها هنا، فلابد من التراضي بينهما، ولابد أن يكون العاقدان جائزي التصرف، وأن يكون المبيع مالاً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون المبيع معلوماً... إلى آخر ما تقدم.

    وذكر هنا أنه يجب الوفاء موضع العقد إن لم يشترط في غيره، وذلك لأنهما عندما تعاقدا كان الأصل أنه يسلم المبيع في الموضع الذي تعاقدا عليه، صورة ذلك: إذا تعاقدا -مثلاً- في الرياض، والمزارع في القصيم أو في الأفلاج أو في الأحساء، وجاء صاحب الزرع أو صاحب الثمر واشتريت منه في ذمته مائة صاع أو مائة كيلو تحل بعد نصف سنة، ودفعت إليه الثمن، فإذا حل الوفاء فعليه أن يأتي به على بعيره أو على سيارته ليحضره لك في موضع العقد، أي في البلد الذي تعاقدا فيه؛ لأن العادة أن المبيع يسلم في مكان التبايع، هكذا ذكروا أنه يسلم في مكان التعاقد، ويجوز شرطه في غيره، فلو قال البائع: بشرط أن ترسل إليّ في الأحساء من يستلم التمر جاز ذلك، أو قال صاحب الأفلاج أو الخرج: أنا لا أنقله، فأرسل من يستلمه في البلد الذي أنا فيه؛ فنقله صعب عليّ فإن المشتري يرسل من يستلمه، أما لو تعاقدا مثلاً في صحراء برية أو تعاقدا في لجة بحر فلابد أن يحددا موضع التسليم؛ لأن مكان العقد ليس محلاً للوفاء مثل لجة البحر، فيحددان أين يكون التسليم في البلاد الفلانية، سواءٌ أكانت بلد المشتري أم بلد البائع.

    حكم التصرف في المسلم فيه قبل قبضه

    مسألة: ما حكم التصرف في المسلم فيه قبل قبضه؟

    الجواب: لا يجوز، وذلك لأنه لا يدخل في ملك المُسْلِم المشتري إلا بالقبض، وقد ذكرنا أن القبض في جميع المبيعات شرط لصحة التصرف، فمن اشترى شيئاً بالكيل فلا يتصرف به إلا بعد كيله، ومن اشترى شيئاً بالوزن فلا يتصرف فيه إلا بعد وزنه، وهكذا ما في الذمة، فإذا اشتريت في ذمة هذا المزارع مائة صاع تحل -مثلاً- في رجب وسلمته ثمنها في المحرم كل صاع بريالين، ثم بعد شهر أو نصف شهر جاءك إنسان وقال: بعني دينك الذي في ذمة فلان الذي هو مائة صاع والذي يحل في رجب فهل يجوز أن تبيعه؟ لا تبعه قبل قبضه، وذلك لأنه ما يزال من ضمان البائع الذي هو المزارع إلى أن تقبضه، فلا يزال في ذمة البائع إلى أن يستوفيه المشتري، فيدخل حينئذ في ملكيته.

    ومن التصرف أيضاً الحوالة به أو الحوالة عليه، فإذا فرضنا أن صاحب الدراهم اسمه سعد، وصاحب الزرع أو النخل اسمه سعيد، والتمر أو الزرع يحل في رجب، فصاحب الدراهم إن جاءه إنسان يطالبه بدينه فقال: عندك لي مائة صاع أوفها لي الآن. فهل يقول: أحيلك على سعيد؛ فإن عنده لي مائة صاع تحل في رجب؟ لا يصح؛ لأنها لم تدخل في ملك سعد إلا بالقبض، فلا يحيل عليها.

    وإذا جاء رجب وحلّت في ذمة سعيد، وجاءه سعد وقال: أوفني مائة صاع فقد حلت. فقال سعيد: أُحيلك على خالد فإن عنده لي مائة صاع هل يصح؟ لا يصح، وذلك لأن الذي في ذمة خالد لم يدخل في ذمة سعيد، فلا تدخل في ذمته إلا بالقبض، فلا يحيل عليها قبل قبضها، وقبضها يكون بالكيل، وأجاز بعض العلماء الحوالة إذا حُددت، وقال: إنّ قبض كل شيء بحسبه، وإن المحال يكون كالوكيل. أي: إذا جاءك يستوفيك فقال: أعطني مائة صاع التي في ذمتك فقد حلّت فكأنك توكله عندما تقول: في ذمة خالد لي مائة صاع أو مائة كيلو، وكلتُك أن تستلمها. فلعل هذا لا مانع منه، وذلك لقيام الوكيل مكان الموكل.

    1.   

    حكم أخذ الرهن والكفيل في السلم

    يقول: [ولا يصح أخذ رهن وكفيل به] قالوا: لأن دين الرهن عرضة للفسخ. وذلك أنه قد لا يتيسر. وذكر المؤلف في الشرط السادس أنه إن تعذر أو بعضه صبر أو أخذ رأس ماله، فأخذ رأس ماله دليل على أن دين السلم عرضة للفسخ، وإذا كان عرضة للفسخ فليس هو ديناً ثابتاً، فليس مثل قيمة الوديع ما دام أنه ليس له إذا تعذر إلا رأس ماله، فهو دليل على أنه عرضة للفسخ، فإذا كان كذلك فليس له أن يطلب رهناً ولا أن يطلب كفيلاً؛ لأن الرهن والكفيل إنما يصح التزامه في الشيء الذي لا يتأتى عليه الفسخ، ويمكن أن نقول: يصح الرهن والكفيل على رأس المال، فأنت دفعت إليه -مثلاً- مائتين من الدراهم على أن يعطيك مائة صاع في رجب، ثم تخشى أن يماطل إما أن لا يعطيك مائة صاع وإما أن لا يقدر على ذلك، فتقول: أعطني رهناً وأنا أسلمك مائتين أو أعطني كفيلاً، فإذا لم تعطني مائة صاع فعلى الأقل رأس المال، فإذا جاء رجب ولم تزرع ولم تغرس -مثلاً- فعلى الأقل أعطني رأس المال الذي هو مائتان.

    فالصحيح أنه يجوز أخذ رهن أو كفيل حتى يوفيه إذا حل إما نفس الدين الذي هو مائة الصاع وإما رأس المال الذي هو مائة ريال، فالوثيقة منه أن ترهن هذا البعير أو هذا السيف، ويقول: إذا حل الدين في رجب أبيع البعير إذا لم توفني، وآخذ دراهمي، أو الكفيل يحضر لي الدين الذي هو مائة صاع.

    1.   

    عدم صحة أخذ غير المسلم فيه عنه

    قوله: [ولا أخذ غيره عنه] صورة ذلك إذا قال: حلت المائة الصاع، وأنا لم أزرع، والبر غال، وليس عندي مائة صاع، ولا أستطيع أن أشتريها لك، ولكن أعطيك تمراً أو شعيراً أو ثياباً بدل المائة الصاع. فهل هذا يصح؟

    لا يصح ذلك؛ لأنه تصرف فيه قبل قبضه، إذاً ليس لك إلا رأس المال أو تصبر.

    1.   

    أحكام القرض

    تعريفه وفضله

    القرض: هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله. ويكون القصد منه الإرفاق والتوسعة على المستقرض، والعادة أنه لا يقترض إلا من حاجة، والمقترض هو الذي يأتي فيقول: أقرضني. والعامة يعبرون عنه بالسلف، فيقول: سلفني ألف ريال. أو: سلفني عشرة آصع من البر. أو: سلفني عشرة أذرع من القماش الفلاني. هذا هو القرض، ورد فيه حديث ذكره صاحب بلوغ المرام وغيره: (ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقة عليه مرة) أي: له أجر الصدقة. فإذا أقرضته مائتين فكأنك تصدقت عليه بمائة، مع أنه سوف يرد عليك المائتين؛ لأنها قرض سيردها عليك، ولكن لك أجر؛ لأنك وسعت عليه، حتى قال بعض العلماء: إن أجر القرض أعظم من أجر الصدقة. وذلك لأن المستقرض محتاج، فلا يأتي إليك ويقول: أقرضني. إلا وقد اشتدت حاجته، فهو في حاجة شديدة حيث لا يستطيع أن يشتري حاجته هذه، ولا يجد لها ثمناً، فكان إقراضه توسعة عليه، وهذا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، فالمقرض محسن على المستقرض، والاستقراض لا يعد من المسألة المنهي عنها، التي ورد فيها الحديث: (لا تزال المسألة بالرجل حتى يقوم يوم القيامة وليس على وجهه بضعة لحم)، فله أن يستقرض ولا يلحقه عيب؛ لأنه قد تشتد به الحاجة، ويمكن أن يكون له دين وتأخر وفاؤه فيستقرض حتى يحل الدين، أو نزل به ضيف واحتاج إلى إكرامه، فلابد أن يستقرض إلى أن يأتيه ماله أو نحو ذلك، فعرف بذلك أن الاستقراض ليس من السؤال المنهي عنه.

    كل ما صح بيعه صح قرضه إلا الرقيق

    ما الذي يصح قرضه وما هو الذي لا يصح؟

    كل ما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم، فيصح القرض في كل شيء يصح بيعه، مثلاً: تقرضه شاة أو كبشاً ويرد عليك مثله، وتقرضه بعيراً ويرد عليك مثله، وتقرضه ثوباً، وتقرضه صاعاً من بر فيرد مثله، أو من شعير أو من تمر، وهكذا لو أقرضته نقوداً فيرد مثلها ريالات أو دولارات أو دنانير أو جنيهات أو ما أشبهها، فعليه أن يرد مثلها، وهكذا كل الأشياء التي ينتفع بها وتملك، أما الأشياء التي لا تملك فلا يصح قرضها. ولا يصح بيعها، وقد تقدم في أول البيع أنه لا يصح بيع الكلب فلا يصح قرضه، وكذلك الحشرات لا يصح قرضها، واستثنوا من الحشرات دودة القز والنحل، وذلك لأنه ينتفع بنسيج دودة القز، وينتفع بما يخرج من بطون النحل، فهذا يصح قرضه.

    وأما النجاسات فلا يصح بيعها ولا يصح قرضها، ولو كان فيها منفعة، والأسمدة التي يحكم بأنها طاهرة يجوز قرضها وبيعها، فصاحب المزرعة قد يحتاج من جاره -مثلاً- إلى عشرة أكياس من الأسمدة التي تسمد بها الأرض، وإذا اقترضها رد مثلها، وذلك لأنها مما يصح بيعه، وأما إذا كانت نجسة كروث الحمر وما أشبه ذلك من النجاسات فلا يصح بيعها، ولا يصح قرضها.

    واستثنوا بني آدم، أي: المماليك، فلا يصح أن يقرض عبداً، ولا أن يقرض أمة، وذلك لأنه قد يقترض أمة ليطأها ثم يردها، ومعلوم أنه لا يحل الوطء إلا بعقد نكاح أو بملك يمين، فلو أنه استقرض الأمة ليردها فيمكن أن تدخل في ملكه فيرد بدلها، وقد لا يتأتى مماثلاً لها من كل وجه، فلذلك لا يصح قرض العبيد.

    تأجيل القرض

    هل القرض يتأجل؟

    معلوم أن الذي أقرضك أحسن إليك، فما ربح في بيعك ولا ربح في القبض، ولا استفاد من ذلك، وإنما وسع على المقترض، فهذا القرض يعتبر حالاً غير مؤجل، فلو أنه أقرضك ألف ريال ثم قال: أعطني الألف بعد يوم فحق عليك الوفاء؛ لأنه ما ربح، لكن لو أجل القرض فينبغي له أن يفي بوعده، فلو قال: أقرضك الألف وأُمهلك مدة شهر فطلبه قبل الشهر فنقول له: لك حق؛ لأنك ما ربحت، ولكن ننصحك أن تفي بوعدك، فأنت قد أمهلته شهراً، فليس لك أن تضايقه، بل تصبر إلى أن يمضي هذا الشهر الذي أمهلته وأخرته فيه. فهذا هو الصحيح، وهو أنه ينبغي له أن يفي بالوعد، فإذا وعده لا يضايقه قبل ذلك.

    وذكرنا في تعريف القرض أنه: دفع مال إلى من ينتفع به ويرد بدله، وهذا دليل على أن المال الذي اقترضه يخرج من ملك المقرض ويدخل في ملك المقترض، فيصبح له حق التصرف فيه، فإذا اقترض شاة خرجت من ملك المالك الأول ودخلت في ملك المقترض، فله أن يحجزها، وله أن يجزها، وله أن يذبحها، ويثبت بدلها شاة مثلها في ذمته مماثلة للتي دخلت في ملكه.

    رد القرض بمثله

    إذا قبض المقترض العين المقرضة فتلفت في يده فإنها تذهب عليه، وليست كالأمانة، بل يرد بدلها إذا تلفت، فلو أقرضك إنساناً ألفاً، ولما خرجت بها سرقت منك فالدين ثبت في ذمتك، وأنت الذي تغرم هذا الألف الذي ذهب عليك؛ لأن صاحبه أثبته في ذمتك، وعند الرد يرد المثل بالمثليات، وترد القيمة بغير المثليات، فالفلوس التي تسمى (الهلل) يرد مثلها، وإن بقيت عند الذي اقترضها ردها بعينها، والمكيل كذلك، فإذا اقترض صاع بر أو صاع ملح فإنه يرد مثله، وكذلك المعدود، ويحدث كثيراً بين الجيران أنهم يقترضون أشياءً ثم يتسامح فيها ولو كانت متقاربة، وقد لا تكون متماثلة، فيقترضون لطعامهم شيئاً من الطماطم أو الباذنجان أو القرع ما يُصلحون به طعامهم، وكذلك قد يقترضون بعض الأشياء من الصابون أو المناديل التي هم بحاجة إليها، يقترضونها ويردون بدلها، والتفاوت بينها يسير، فيرد المثلي بمثله.

    والموزون كذلك، فإذا اقترض منه -مثلاً- قدر كيلو من لحم الإبل رد مثله، أو من لحم السمك رد مثله، أو دجاجة رد مثلها، فإن عدم المثل رجع إلى القيمة، ومتى يقومها؟ يوم الرد، فمثلاً: أقرضك مائة كيلو من التمر السكري، ولما طلبها لم يوجد هذا النوع من التمر، وفي هذه الحال له قيمته، فمتى يقوّم هذا القرض؟ نفرض أنه أقرضك في محرم، وقيمة السكري يومها -مثلاً- الكيلو بعشرة، وطلبه منك في شهر رمضان وعُدم، ولو وجد لكانت قيمته الكيلو بعشرين، فترد عليه الكيلو بعشرين، وذلك لأنه وقت الطلب ووقت وجوب الدفع ووقت وجوب الوفاء.

    ويحدث كثيراً أن بعض الناس من خارج البلاد يقترض منك -مثلاً- ألف ريال، وهو سوداني مثلاً، وفي ذلك الوقت كان الريال السعودي يساوي جنيهين سودانيين، وبعد خمس سنين قال: أعطني ألف ريال. فقال: في هذا الوقت ليس عندي إلا جنيهات سودانية، والجنيه الآن قيمته عُشر ما كان عليه في ذلك الزمان، وصار الريال يساوي عشرين جنيهاً، وأنت الآن تطلب قيمته، فهل قيمته يوم فقده أو يوم طلبه؟

    في هذه الحال نقول: هو أقرضك ألف ريال فرد عليه ألف ريال أو قيمة الألف عند الطلب، ولو كانت قيمته في ذلك الوقت -مثلاً- ألفي جنيه والآن قيمته عشرة آلاف أو أكثر أو أقل، فرد عليه قيمة ما أقرضك؛ لأنه موجود.

    وهكذا لو اتفقا في الاسم، فلو أن بعض الإخوان اليمنيين أقرض أحد أصدقائه ألف ريال سعودي، وذلك المقترض حولها إلى ثلاثة آلاف ريال يمني، ثم بعد خمس سنين طالبه من اليمن فقال: أعطني ألف ريال سعودي، فقال: في ذلك الوقت كانت تساوي ثلاثة آلاف، فأعطيك الآن ثلاثة آلاف ريال يمني. وفي هذا الوقت تساوي -مثلاً- مائة ألف ريال يمني أو قريباً منها، فنقول: لا، بل أعطه ألف ريال سعودي أو قيمتها بالريال اليمني؛ وذلك لأن على المقترض أن يرد مثلما أقرض، أو قيمته وقت الطلب.

    أما ما ليس له مثل فيرد بقيمته يوم قبضه، فبعض الأشياء لا يوجد لها مثل، مثل بعض الفواكه، فلو اقترض -مثلاً- بعض البطيخ أو بعض الفواكه والخضار وما أشبه ذلك مما لا يوجد لها مثل فإنه يرد قيمتها يوم القبض، فعندما قبضته كم كانت قيمته؟ قيمته ألف أو نصف الألف.

    أما إذا طالبك بها في بلد آخر، كأن أقرضك في الرياض ألفاً وطلبه في مكة فعليك أن تقضيه؛ لأنه ليس في حمله مئونة عليك، أما إذا أقرضك -مثلاً- عشرة كيلو تمر في الرياض، وطلبه منك في الأحساء فهل ترده؟

    الجواب: ترده؛ لأنه خفف عليك قيمته وحمله إليه، وقد تكون قيمته أنقص، ولو كان الأمر بالعكس، فلو أقرضك في الأحساء عشرة كيلو وطلبها منك في الرياض. فإنك تعطيه قيمتها في الأحساء؛ لأنه إذا أعطيته هناك فكأنك نقلتها له وأسقطت عنه أجرتها، وقد تكون قيمتها هناك أكثر، فلذلك قالوا: إذا كانت في بلد القرض أرخص فإنه يعطيه قيمتها.

    كل قرض جر نفعاً فهو ربا

    يقول: [ويحرم كل قرض يجر نفعاً].

    كل قرض جر نفعاً فهو ربا، كأن يشترط المقترض على المقرض فيقول: أقرضك مثلاً عشرة آصع في الرياض، بشرط أن تقضيني إياها في القصيم أو في الحجاز، وأراد بذلك أن تسقط عنه أجرة نقلها، فهذا شرط جر نفعاً، فلا يجوز، وكل قرض جر منفعة فهو ربا، ويدخل في ذلك جميع المنافع، فلو قال -مثلاً-: أقرضك خمسة آلاف بشرط أن تعطيني سيارتك خمسة أيام استعملها، فهذا القرض جر نفعاً، ويحدث في بعض البلاد أن إنساناً يقرض إنساناً -مثلاً- مائة ألف، ثم يقول له: أعطني مزرعتك أستغلها حتى ترد عليّ قرضي، فيأخذ مزرعته أو بئره وماكنته ثم يستغلها ويزرعها ويغرس فيها ويأخذ غلتها، وقد تبقى معه خمس سنين أو عشراً وهو يستغلها ويقول: لا أسلمها لك إلا إذا رددت عليّ المائة ألف التي هي قرض، ومن أين يردها؟ فليرد عليه أرضه حتى يستغلها ويعطيه من غلتها، فهذا قرض جر نفعاً، وقد لا يسمونه قرضاً وإنما يسمونه ديناً، كما لو قال: أقرضك مائة بشرط أن تبيعني هذه الشاة بمائة، وهي شاة تساوي مائة وعشرين، فقد يكون محتاجاً إلى المائتين، وشاته تساوي مائة وعشرين، فيقول: نعم، أبيعك الشاة بمائة لأجل إقراضك لي مائة أخرى؛ لأني محتاج، فنقول: هذا قرض جر منفعة فهو ربا.

    حكم الجمعية التعاونية بين الموظفين

    يسأل كثيراً عن الجمعية التي يفعلها الموظفون الذين يكونون في دائرة واحدة كمدرسة أو إدارة خاصة، فإذا دخلت السنة اجتمعوا على أن كل واحد منهم يقتطع من راتبه -مثلاً- ألفاً أو ألفين، فيجمعونه في كل شهر فيكون عشرين أو ثلاثين ألفاً، ويعطونها في الشهر الأول واحداً منهم، ثم يجمعونها في الشهر الثاني ويعطونها آخر، ثم يعطون ثالثاً في الشهر الثالث، إلى أن يدور الدور عليهم كلهم في السنة أو في السنتين، ويسمونها (جمعية الموظفين)، فهل هذه الجمعية جائزة أم لا؟

    منعها بعض المشايخ مثل صالح بن فوزان وغيره، وعرضت على هيئة كبار العلماء فأصدروا فيها فتوى بالجواز، والأكثر من أعضاء الهيئة وافقوا على ذلك، وبعض الذين خالفوا لم يوقعوا، وكتبوا: أنا مخالف أو أنا متوقف ولم يعتبروا خلافهم، وعللوا قولهم بالمنع بأن فيها منفعة، ولكن ليس فيها منفعة للمقرض، وإنما المنفعة للمقترض، ففيها مصلحة، وكأنهم يقولون: أنت -يا هذا- بحاجة إلى أن نعطيك في هذا الشهر ثلاثين ألفاً تؤثث منزلك -مثلاً- أو توفي ديناً حل عليك، ولو لم نعطك لاقترضت أو لاستدنت فتضررت بالدين، وفي الشهر الثاني يكون الآخر أشد حاجة فنعطيها له، وهكذا، فكل واحد يقرضك شهراً، ثم إذا جاءت النوبة رد عليه ما اقترضه، فكأنه أقرضه ثم رد عليه، فلا يكون فيها زيادة، ولا يكون فيها منفعة للمقرض، وإنما المنفعة للمقترضين كلهم، فلا تدخل في قرض جر منفعة.

    جواز الزيادة في قضاء الدين بلا شرط

    يقول: [وإن وفاه أجود أو أهدى إليه هدية بعد وفاء بلا شرط فلا بأس] ورد أنه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً، فجاءه يستوفيه فلم يجد إلا خياراً رباعياً فأعطاه وقال: (إن خيركم أحسنكم وفاءً)، والبكر هو ولد الناقة الذي قد تم له سنة، والأنثى بكرة، فاحتاج النبي صلى الله عليه وسلم مرة إلى هذا البكر، فأقرضه هذا الرجل بكراً، فرده رباعياً، والرباعي أكبر من البكر، فالبكر ابن سنة، والرباعي لعله ابن ثلاث سنين، فهذا دليل على أنه يجوز الوفاء بأحسن، فإذا أقرضك أحد شاة متوسطة وأعطيته شاة أحسن منها فلا بأس، وهكذا لو أقرضك ثوباً متوسطاً وأعطيته ثوباً جديداً أجود من غير شرط فلا حرج في ذلك.

    وكذلك إذا أهدى لك بعد الوفاء فإنك تقبل الهدية إذا لم يكن هناك شرط، أقرضته مثلاً ألفاً أو عشرة آلاف، وبعدما أوفاك أهدى إليك ثوباً أو فاكهة أو عسلاً أو سمناً أو شيئاً مما يهدى عادة، وأنت لم تشترط عليه، واعتبر ذلك مكافأة لك على كونك أحسنت إليه، فلا بأس بقبول ذلك إذا لم يكن هناك شرط.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756573422