فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً على ما أفاء به علينا من النعم، ومن أعظمها نعمة الإسلام فهي أعظمها جميعاً، ونعمة اتباع سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن الاجتماع واللقاء الحافل الحاشد الذي حصل كان اجتماعاً عظيماً مباركاً، كما عبر عنه فضيلة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فقال: ''لا أعلم في تاريخ المنطقة حفلاً مثله'' وهذه شهادة من هذا العلامة الثقة على كبر سنه وغزارة علمه،نعم إنه حفل لا نقول: إن المنطقة لم تشهد مثله قط، بل نقول: إنه لم تشهد مثله منطقة أخرى، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك جهود القائمين عليه، وأن يوفق جميع العاملين لإحياء سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يحقق لهم نصره المبين الذي وعد به عباده المؤمنين إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51] وإنني لأعجز كل العجز مهما كانت العبارات عن شكركم وعن تقديري لحفاوتكم، وإكرامكم البالغ الذي لا أستحق جزءاً يسيراً منه، ولكنه طبعكم الكريم، فأسأل الله تبارك وتعالى أن يجازيكم عن هذا خير الجزاء، وأن يجعلنا جميعاً خداماً وجنوداً لدينه، ولدعوته.
ولقد كان من توفيق الله تبارك وتعالى لهذه الفكرة التي نريد في هذا الدرس أن نعرضها على هذه الوجوه الخيرة الطيبة، أن يأتي هذا اللقاء بعد ذاك اللقاء الحاشد، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى. وحفظ سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما تعلمون يكون على نوعين:
أما النوع الأول: حفظها في ذاتها واتقانها.
والنوع الثاني: هو حفظها بالذب عنها، والدفاع عن حوضها، ودفع شبهات المبطلين الذين يكيدون لها، وهذا هو الجانب الذي أرجو أن يكون ما أعرضه في هذا الدرس كافياً في حدود طاقتنا البشرية، لكي نسد هذا العجز والخلل بإذن الله تبارك وتعالى، فإن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه وشرعه لها علينا حق عظيم، فهي الأمانة التي حُملنا إياها نحن معاشر طلبة العلم، وهي الميثاق الذي أخذه الله تبارك وتعالى، وهي الميراث الذي أورثنا إياه رسول الهدى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك فإنه من الواجب علينا أن نجتهد في حفظها كل الاجتهاد ولا نألوا في حفظها.
وحفظ السنة والشريعة والدين بدفع الصائل عليها، وإقامة الحجة عليه، وجهاده بالقرآن جهاداً كبيراً، هذا يستدعي جهوداً عظيمة نعجز عنها، ولا سيما من كان في هذا الزمان والله المستعان، ولكن الله بفضله وجوده ومنَّه وكرمه منَّ علينا بوسائل عظيمة، ومنَّ علينا بعلماء أفذاذ في الماضي قاموا بهذا الواجب قياماً عظيماً، ولو أننا قمنا بإحياء ما كتبوه ونشره وشرحه وإيضاحه لكان ذلك عملاً عظيماً، ثم نسد ما بقي مما استجد من ضلالات وشبهات وغيرها مما يقتضي الحال أن نبينه، وأن نكون قائمين لله تبارك وتعالى بالحجة في عصرنا الذي نحن فيه.
والأعداء الذين يكيدون لسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم كثيرون جداً، وعلى رأسهم أهل الكتاب الذين ذكر الله تبارك وتعالى عداوتهم وحسدهم ومكرهم وغيظهم لنا -لأن الله تعالى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العرب الأميين- في غير ما موضع من كتابه، يقول الله تبارك وتعالى:
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] ويقول الله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] فهذا شأنهم، وهذا دأبهم في جميع العصور منذ أن بعث الله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام عليهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجة، ولا سيما النصارى الذين هم موضوع هذا الدرس.
فقد أقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم الحجة عندما أتاه وفد نجران، وقرأ عليهم ما أنزل الله تبارك وتعالى عليه من الحجج العظيمة في صدر سورة آل عمران، وكذلك كتابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل والمقوقس وغيرهما من ملوك النصارى، وجهاده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنصارى معروف كما حدث في غزوة تبوك، وأمثال ذلك مما يظهر به عداوة هؤلاء، ويظهر به أيضاً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام بأمر الله وبمجاهدتهم وإقامة الحجة عليهم؛ فإنهم كانوا أول كافر به، وبالذات اليهود، ثم إنهم عادوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك حذر أمته من عداوتهم، وأخبر عن ذلك بأنهم في آخر الزمان سيجتمعون وينـزلون بـالأعماق أو بـدابق لمقاتلة المسلمين، والأحاديث في الفتن والملاحم كثيرة، ولن تنتهي هذه المعركة مع أهل الكتاب إلا بنـزول المسيح عليه السلام عبد الله ورسوله، الذي ألهوه وعبدوه من دون الله، فإذا نزل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَم وكسر الصليب، وقتل الخنزير، ورفع الجزية، وقتل المشركين هؤلاء، حينئذٍ يظهر الحق، وتتطهر الأرض من شرك هؤلاء المنتسبين إليه زوراً وظلماً وعدواناً.
إن الكلام في هذا الموضوع -أيها الإخوة- طويل، وحقيقة الأمر أن موضوعنا في هذا الدرس إنما هو غرفة من بحر شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وهو كذلك عمل بطريقة أو بطرق -لأنها قد تكون أكثر من طريقة- مما اقترحه فضيلة أخونا الشيخ سلمان بن فهد العودة -حفظه الله- في مقاومة التنصير، ومن هنا كان لا بد أن نتعرض بشيء من العجلة للبداية التاريخية لهذه العداوة ولهذا التنصير، ثم للكتاب الذي هو الموضوع الرئيس في عملنا، ثم نوجز لكم شيئاً مما نريد أن نعمله إن شاء الله.
ورحم الله شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية هذا العلم العلامة الجهبذ الفهامة، كم من طواغيت قد حطمها! طاغوت المنطق فنده ودمره قبل أن تعرف ذلك أوروبا بأكثر من خمسة قرون، لأن هيجل المعروف في التاريخ الأوروبي بأنه دمر أو قضى على منطق أرسطو لم يكتب شيئاً مما يقارب عشرة أو عشرين في المائة مما كتبه شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله، ونقول: هذا والحمد لله عن علم واطلاع، والغربيون يسمون هيجل إله العلم أو إله الفكر، تعالى الله عما يقولون! ولو اطلعوا على كلام شَيْخ الإِسْلامِ ونظروا بعين الإنصاف والتجرد لكانوا يؤمنون بالله وبرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا فقط في المنطق، وأيضاً رد على المتكلمين، وتعلمون كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل، وكتابه الآخر نقض التأسيس وغير ذلك ورد على الأشعرية، ورد على المؤولة، ورد على الرافضة بكتابه العظيم المشهور منهاج السنة، وهنا رد على اليهود والنصارى في هذا الكتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وهكذا رحمه الله.
فالكتاب لا نظير له في بابه لأنه من تأليف هذا العلامة رحمه الله رحمة واسعة، وإن كان شَيْخ الإِسْلامِ في الحقيقة لا يحتاج هو ولا كتبه إلى تعريف، ولكني رأيت أن أعرض لشيء مما في هذا الكتاب لسبب أراه مهماً، وهو أن بعض طلاب العلم إن لم أقل الكثير ممن عرفته وسألته وناقشته عند بداية فكرتنا هذه ومشروعنا هذا يقولون: إنهم لم يقرءوه، ووقع لي أن سبب ذلك أن كثيراً من الإخوة طلاب العلم أو العلماء بارك الله فيهم جميعاً يقولون: إن الكتاب يتحدث عن الأقانيم وعن الصلب وعن فرق النصارى وغير ذلك من أمور قد لا يكون من الضروري أن يطلع عليها إلا من يريد التجرد للرد على هؤلاء، وربما لا يكون كثير من هؤلاء لديه هذا الاهتمام بهذا القدر.
لذلك أحببت أن أطلعكم على بعض ما أرى من نقول، وأرجو ألا أطيل فيها عليكم -إن شاء الله- لكنها تبين لكم غزارة ما في هذا الكتاب من علم، وتنوع موضوعاته، فالكتاب في الحقيقة ليس فقط فيما يتعلق بالنصارى، بل هو يقرر تقريراً عجيباً عظيماً حقائق قد لا توجد ولا أظنها توجد في أي كتاب آخر غيره، إنها علوم جمة يحتويها هذا الكتاب، فهو دائرة معارف أو معلمة في علم مقارنة الأديان.
من ذلك القاعدة العامة في توحيد الأسماء والصفات المعروفة، إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى آخره مع شرحها، ومن ذلك بيان حقيقة ما يضاف إلى الله تبارك وتعالى، والتفريق بين ما يضاف إليه عز وجل من ذوات قائمة بنفسها، وبين ما يضاف إليه تعالى من المعاني التي لا تقوم إلا بغيرها، لأن النصارى يحتجون بكون المسيح كلمة الله أو روح الله، فقرر هذه القاعدة رحمه الله وبين أن الذوات القائمة بنفسها، كما في قول الله تبارك وتعالى: نَاقَةُ اللَّهِ [الأعراف:73] أو في قولنا بيت الله أو ما أشبه ذلك، فهذه لا تكون صفاتاً لله، وأما ما لا يقوم بنفسه من المعاني فإنها تكون صفاتاً لله، وفصل القول في هذا رحمه الله.
ثم تعرض لتوحيد الألوهية، وبين فيه حقائق عظيمة فيما وقعت فيه الصوفية وأشباههم، والنصارى من تعظيم الموتى والغلو فيهم إلى حد عبادتهم، وما أحدثوه من البدع عند القبور والتصوير وغير ذلك في مواضع كثيرة، وكيف وقع فيها النصارى ومن تبعهم من المسلمين، وهذا أيضاً جانب عظيم، ولا يخفى على أمثالكم أنه لو كتب للمسلمين اليوم أو ترجم أو حقق لهم كتاب، عن الغلو في الموتى وحكم الاستغاثة بهم ودعائهم، لربما رفضه الكثير وقالوا: هؤلاء وهابية أو هؤلاء لا يؤمنون بكرامات الصالحين أو ينكرون حق الأولياء أو ما أشبه ذلك، لكن إذا قدم إليهم هذا ضمن الرد على النصارى.
تقبلوه لشدة حاجة المسلمين اليوم كما تعلمون إلى الرد على النصارى، فإذا قرأه المسلم، فإنه يقرؤه من باب معرفة باطل هؤلاء النصارى والرد عليهم، فيستفيد أنه يصحح عقيدته هو أيضاً، فتكون الفائدة مزدوجة، وسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز رحمه الله لما عرضت عليه الفكرة، سُرَّ بها جداً، وقال: هذا عمل عظيم (عصفوران بحجر واحد) وهذا مما سيحققه هذا الكتاب إذا ترجم بإذن الله كما سنبين.
ثم إن الكتاب يتضمن فوائد علمية من نواحي أخرى، مثلاً: يتضمن الرجوع إلى مصادر مفقودة، أو ربما تكون نادرة أو مخطوطة في هذا الزمن، مما يكشف اطلاع شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله اطلاعاً عظيماً ودقيقاً واسعاً على واقع عصره وعلى أحواله، وعلى الفرق التي هي فيه من أمور ثبتت صحتها الآن، عندما يسر الله تبارك وتعالى وجمعت العلوم، واستطعنا أن نعرف الكتب في أي مكتبة في العالم مما كتب عن الإسلام أو ضده.
ثم أخذ يضرب أمثلة لطيفة جداً، فيقول: ''لو قال قائل: إن زفر وابن القاسم والمزني والأثرم كانوا فقهاء وكل واحد منهم ينتمي إلى مذهب من المذاهب الأربعة وإن أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد لم يكونوا فقهاء، أو قال: إن الأخفش وابن الأنباري والمبرد كانوا نحاة، والخليل، وسيبويه والفراء لم يكونوا نحاة فهذا مستحيل، ولا يوافقه أحد من أهل هذا الفن، وأيضاً لو قال أحد: إن صاحب الملكي والمسيحي ونحوهما من كتب الطب كانوا أطباء، ولكن بقراط وجالينوس ونحوهما لم يكونوا أطباء، فقوله مردود عند الأطباء وأصحاب كل فن يعرفون المتقدم في هذا الفن، ولا يمكن أن يقروا بصحة علم الأدنى، ويتركوا الأفضل أو الأعلى'' ثم قال: ''ولو قال: إن كوشيار والخرقي ونحوهما كانوا يعرفون علم الهيئة -الجغرافيا- وبطليموس ونحوه لم يكن لهم علم بالهيئة -الجغرافيا الفلكية- لكان قوله في غاية البطلان'' ثم تكلم بكلام نفيس لولا الإطالة لأكملته، ولكن حسبكم أن تراجعوا الكتاب.
وفي معرض الرد على النصارى، يرد على طوائف الضلال جميعاً وهذا شأنه رحمه الله، فإنك تذهب لتريد فائدة معينة، وإذا بك تخرج بفوائد عظيمة مركبة.
ثم يبين أن أهل العلم بأحوال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقطعون بكذب الأحاديث التي فيها الوصية لأحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانية بين الناس من دون اشتهار ذلك وتواتره بناء على هذه القواعد العقلية المقررة، والتي هم أهلها وأخبر الناس بها، فمثلاً يقطع من يعلم مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يقاتل في غزوة تبوك وأنه لم يغز العراق ولا اليمن بنفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لم يحج بعد الهجرة إلا حجة الوداع، وهكذا؛ فلو أن أحداً أخطأ وروى حديثاً بهذا الشأن فإن العلماء يعلمون قطعاً أن هذا الحديث باطل، ويستدلون به على أحد أمرين: إما أنه أخطأ، وإما أنه تعمد الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهكذا.
ثم ذكر أمثلة منها: الحديث المشهور في الوضع (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) لما زاد عليه بعضهم (أو جناح) عُلمَ أن هذه اللفظة موضوعة وهكذا، ثم يستطرد في ذكر علوم كثيرة فلا تريد وأنت تقرأ أن تفارق هذا الكتاب أبداً.
ثم يستطرد فيصل إلى القضية المهمة -قضية النبوة- فيقول: ''لو قيل: إن مسيلمة الكذاب لم يُقَاتل، لأن النصارى يدعون ذلك ليستشهدوا على أن النبوة قد ظهر من يدعيها، أو الرافضة تقول: إنما قوتل مسيلمة ؛ لأنه لم يؤد الزكاة، وهذا رد عليه رحمه الله في منهاج السنة، فهو هنا يرد رداً مجملاً فإنهم لما قالوا: إن الخليفة أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم تجمع الأمة على خلافته، بدليل أن بني حنيفة لم يبايعوه، فيقول شَيْخ الإِسْلامِ: هؤلاء اتبعوا مسيلمة الكذاب الذي ليس من الإسلام في شيء لا هو ولا من آمن معه ولا من اتبعه، فلا يكون قولهم هذا حجة'' ثم يستطرد في الكلام عنه وعن الأسود العنسي إلى آخر كلامه في هذا الباب.
والجانب الآخر أنه قد تكون الدلائل هي صفات في المخبَر به أي: في الحقائق التي يخبر بها المخْبِر، التي يُعلم بها أن ذلك المخبر لا يكذب في مثل ذلك الخبر، ويضرب لذلك أمثلة عقلية فيقول: '' كحاجب الأمير إذا قال بحضرته لعسكره: إن الأمير قد أذن لكم بالانصراف، أو أمركم أن تركبوا غداً أو قال: قد أمرَّ عليكم فلاناً ونحو ذلك، فإنهم يعلمون أنه لم يتعمد الكذب في مثل هذا وإن لم يكن بحضرته، فكيف إذا كان بحضرته؟! وإن كانوا قد يكذبونه في غير هذا، مع أن هذا الحاجب قد يكون كذاباً لكن إذا قال هذا بحضرة الأمير أو الملك أو الخليفة عُلم صدقه..كل هذه الدلائل العقلية يركب عليها رحمه الله فيما بعد صدق رسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ''.
فالموجود في الأعيان: هو الشيء الخارج، أي الأجسام الخارجة.
والموجود في الأذهان: هو تصور هذا الشيء في الذهن.
والموجود في اللسان: هو نطقك به، كما تقول لم يرد البخاري... فهذا هو الوجود اللفظي، فإذا قلت: البخاري هنا، فأنت تعني أن البخاري مكتوب هنا، فهذا الوجود الرسمي، فيقول: من أي نوع من أنواع الوجود عندما نقول: إن الله في قلب فلان؟ ثم يوضح فيقول: ''ليس وجوداً ذاتياً يقتضي الحلول بل وقع في هذا الحلول النصارى ووقع فيه الصوفية، ويستطرد ويذكر الذين قالوا من الصوفية بكلمات تعني عقيدة الحلول كمثل: سبحاني، أو ما في الجبة إلا الله، أو ما أشبه ذلك من الكفريات الشطحية '' ويقول: ''إنه إذا قيل: إن الله في قلب فلان أو ما في قلب فلان إلا الله قالها بحسن النية، فالمقصود بذلك محبته والإخلاص له والتقرب إليه، وهذا لا يقتضي الوجود الذاتي'' وهكذا.
أيضاً مما يدل على معرفته للواقع من جهة، واطلاعه على المؤلفات من جهة أخرى، قوله رحمه الله مثلاً: ''وقد صنف بعض الناس مصنفاً في حيل الرهبان، وقد ذكر عجائب منها.
أن يجعلوا في الماء زيتاً على المنارة ثم يوقد فيظنون أن الماء انقلب زيتاً''، والحيلة أنهم يجعلون الزيت في الأعلى لأنه يطفو فوق الماء ويصبون الماء، فإذا ظهر في المنارة وقدح فيه أصبح زيتاً، وقالوا: هذا من كرامات العذراء ومن كرامات الراهب، وهذا من الحيل.
وذكر من الحيل أيضاً: النخلة التي يقال إنها تصعد إلى الراهب وقد بين أن هذه النخلة مغروسة في سفينة، وأن هناك سداً، فإذا أريد -كما يزعمون- أن تُرى هذه المعجزة: فتح الماء فتعلو السفينة فترتفع النخلة إلى محاذاة الراهب، فإذا أجري الماء نزلت، فيقال: إنها ارتفعت إليه وأكل من جناها ثم هبطت!! وغيرها من أنواع الحيل والمخاريق.
ولم يكتف بالحيل عند النصارى، بل يأتي أيضاً بما عند المسلمين، وهذا من عدله رحمه الله، فيذكر أن هذا الشطح وهذا الدجل أيضاً موجود عند الصوفية وأمثالهم، وأن هذه الأحوال الشيطانية والمخاريق البهتانية، يوجد عند أهل الإلحاد المبدلين لدين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلها.
ثم يتعرض في أثناء كلامه إلى تكلم الجني على لسان المصروع، وأنه يتكلم بكلام لا يعرفه ذلك المصروع ولا يدري عنه؛ لأن المتكلم هو الجني أو الشيطان المتلبس به، وقد يخبر بعض الحاضرين بما في قلبه، ويكون ذلك من الشيطان، فإذا فارق الشيطان ذلك الشخص لم يدر ما قال، وهذا هو الواقع كما ذكر رحمه الله.
وشَيْخ الإِسْلامِ يبين ذلك ويريد منه أن يبطل قولهم في التثليث.
أيضاً نقد المنطق، وإن كنت لا أريد الإطالة فيه، لأن كثيراً من الإخوان ربما لا يهمهم ذلك؛ لأنه لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد، لكن في علم المنطق موضوع مهم جداً وهو في التعريفات، ونحتاجه في جميع العلوم، وهو أنهم يفرقون في التعريف بين الذاتي الذي هو جزء الماهية، وبين العرضي اللازم للماهية، فيأتي شَيْخ الإِسْلامِ هنا ويبطل هذا الكلام بحجج عجيبة، ويقول: لا فرق بين هذا وهذا، يقول: ''إن ما يسمى تمام الماهية، والداخل في الماهية، والخارج عنها واللازم لها، يعود عند التحقيق إلى ما يدل عليه اللفظ بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام'' .
الدلالات الثلاث المعروفة عندنا، فيقول: كل ما يقولونه يرجع إلى هذه الثلاثة، فليست المسألة تمام الماهية أو داخله في الماهية، أو عرض لازم للماهية، ويطيل في هذا وفيه كلام طويل ينقد به المنطق نقداً بديعاً عجيباً؛ ليصل به إلى نقد قولهم في الجوهر، وأن الأقانيم مركبة، وأن الجوهر ذاتي، وكلام في طبيعة المسيح إلى غير ذلك.
يرد شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله على هذا كالعادة، ولا يكتفي بالقول بأن المجادلة لا تعترض مع المجاهدة، وله في ذلك عدة ردود، بل يستطرد ليبين ما حقيقة النصر، ويعطينا مواضع مفيدة جداً وعظيمة ترد على من ينكر النسخ مطلقاً.
كما تعلمون أن بعض الأصوليين ينكر النسخ مطلقاً، والبعض يكثر منه جداً، فهو يأتيك بمواضع محددة هي الأدلة الصحيحة للنسخ وما عداها فهو يحتمل مثلاً.
وهناك فرق بين النافي وبين المانع المطالب، فإن من أثبت شيئاً فقال له آخر: أنا لا أعلمه ولا أوافقك عليه ولا أسلم لك حتى تأتي بالدليل، كان هذا مصيباً، ولم يكن على هذا المانع المطالب بالدليل دليل، وإنما الدليل على المثبت بخلاف من نفى ما أثبته غيره فإن عليه بالدليل؛ إلى آخر ما قاله وهو كلام نفيس جداً لا يمكننا الإطالة فيه.
ثم يعقب بعد ذلك بذكر قاعدة عظيمة جداً في التاريخ قل من يتفطن لها من المؤرخين إلا من كان يربط التاريخ بالعلم والإرث النبوي، يقول: ''ومما يبين ذلك أن المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراةلم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب سماوي يعمهم كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار'' فهذه من قواعد التاريخ التي يجب أن تعلم: أن الله منذ أن أنزل التوراة لم يهلك أمة من الأمم المكذبة برمتها، وإنما فرض الجهاد على أهل هذه الكتب التوراة أو الإنجيل أو القرآن، فهم الذين يجاهدون وليس العذاب من عند الله، وهذا مما يدل عليه قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى [القصص:43] فبين الله تعالى أنه أهلك القرون الأولى، ثم أنزل الكتاب، وبعد ذلك لم يهلك قرناً أو أمة بعامة.
وفي علم النفس يتعرض رحمه الله إلى الحديث بأن غاية علم الفلاسفة أو ما يسمونه الحكمة العملية هو: أن النفس فيها شهوة وغضب من حيث القوة العملية، ولها نظر من جهة القوة العلمية، ثم يقررون أن كمال الشهوة في العفة وكمال الغضب في الحلم والشجاعة، وكمال القوة النظرية في العلم، وهكذا يكون كلامهم كله في حدود ما يفكرون وما تقترحه عقولهم، فيأتي رحمه الله فيقول: وما ذكروه من العمل متعلق بالندب، لكنهم لم يثبتوا خاصية النفس، ما هي؟ وما هو الذي به تكون حقيقتها وتزكوا وتطهر وتكمل؟ يقول: هو محبة الله وتوحيده؛ فإن كل علم النفس المتجرد عن ربط هذه النفس بخالقها تبارك وتعالى وتوحيده وكمال الذل والخضوع والمحبة له، هو باطل، وهو لغو، وهو إنما يتعرض لأمور خارجية عرضية شكلية مما يمكن أن يعمله الناس.
ثم يقول: ''إن محبة الله تبارك وتعالى وتوحيده هو الغاية التي فيها صلاح للنفس وهي عبادة الله وحده لاشريك له، فلا صلاح للنفس ولا كمال لها إلا في ذلك، وبدون ذلك تكون فاسدة لا صلاح لها'' ثم يطيل في بسط ذلك رحمه الله.
فأقول: إن موضوع رفع المسيح عليه السلام ينكره الفلاسفة، ويقولون: إن الجسم الثقيل لا يمكن أن يرتفع أو يصعد في الفضاء، فيرد عليهم شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله ويقول: ''إن هذا القول ضعيف في غاية الضعف، فإن صعود الأجسام الثقيلة إلى الهواء مما تواترت به الأخبار في أمور متعددة، مثل عرش بلقيس الذي حمل من اليمن إلى الشام في لحظة، عندما قال سليمان: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا [النمل:38] ومثل حمل الريح لسليمان عليه السلام، ومثل حمل قرى قوم لوط ثم إلقاؤها في الهواء، ومثل المسرى إلى بيت المقدس'' وهذا من حكمته -رحمه الله- أنه بدأ بالأمثلة التي يعرفونها؛ لأنه يخاطب كفاراً، وهي في كتبهم، وفي الأخير ذكر مسرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعراجه، وأيضاً لا بد أن يستطرد وأن يصحح العقيدة، فيقول: ''ورجال كثيرون في زماننا وغير زماننا يُحملون من مكان إلى مكان في الهواء -وهو ما تفعله الشياطين مع الصوفية وأشباههم ثم يقول: ومعلوم أن النار والهواء الخفيف تحركه حركة قسرية فيهبط'' يذكر قانوناً من قوانين الفيزياء.
''والتراب والماء ثقيلان يحركان حركة قسرية فيصعد، وهذا مما جرت به العادة''
ولعل فيما تقدم كفاية من حيث أهمية الكتاب، واشتماله على علوم جمة وموضوعات غزيرة متفرقة، وأصول وقواعد عظيمة في علوم شتى، ولننتقل الآن إلى ما نريد أن نعمله تجاه هذا الكتاب القيم العظيم.
لكن لعلي أن أوجز لكم بعض البواعث التي حركت هذا المشروع الذي أساسه هذا الكتاب:
أولاً: أننا ننظر إلى أننا نعيش في مرحلة كتلك المرحلة التي كانت الأمة الإسلامية تعيشها في أيام شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله، فعندما كتب ذلك الراهب أو الأسقف، وافترى ما افترى نحن الآن نجد الكذب العظيم الذي تتناقله وسائل الإعلام في كل مكان وفي كل آن بمثل هذا القول المفترى الباطل الداحض، والأمة الإسلامية -ولله الحمد- هي الآن في حالة صحوة ويقظة ونهضة كما نهضت في عهد شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وكان لها ما كان من مقاومة الصليبيين والتتار بالجهاد بنوعيه: الجهاد بالقرآن، والجهاد في الميدان، فالحال كالحال، وما أشبه الليلة بالبارحة! وما أحوجنا الآن؛ بل الحاجة أعظم وأعظم إلى أن ينشر هذا الكتاب، كما كانت كتبه رحمه الله في تلك الحقبة التاريخية المهمة من حياة وتاريخ الأمة الإسلامية.
نحن الآن نعيش هذا التحدي الصليبـي المعاصر الذي يريد أن يدمر وجودنا، وأن يسحق كياننا، وألا يبقي لهذه الأمة وجوداً على الإطلاق، يريدون أن يملكوها عقيدة وسياسة واقتصاداً وإعلاماً ومناهجاً وفي كل منحىً من مناحي الحياة، وأن تصبح جزءاً من ممتلكاتهم العريضة، وتصبح تابعاً ذليلاً لهم لا تملك مجرد مقوم من مقومات الذات أو الشعور بالذات، وإنما أجزاء ممزعة ممزقة تابعة للغرب في ظل ما يسمونه بالنظام الدولي الجديد، وهذا التحدي جعلهم يتطاولون على ديننا وعلى رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى هذه البلاد التي يعتبرونها مقر الإسلام الأول، وأنها لا بد أن تدمر ويقام فيها دينهم، فتدمر العقيدة الصحيحة فيها لينتشر فيها دينهم الباطل، ولذلك كانت لهم جهود خاصة لنشر دينهم في هذه البلاد.
ومن أشهر ما يجب أن يُذكر أن صومئيل زويمر الخبيث المبشر والمنصر المعروف، والذي كان رئيساً لمؤتمر القدس عام 1906 ثم استقر في البحرين كما تعلمون، وكان يريد في الأصل أن يستقر في جدة، وخطط لإنشاء معهد تنصيري فيها، وذلك لينفذ منه إلى مكة وإلى المدينة، ووضع الخطة لذلك إلا أن الدولة العثمانية وهذا مما يحسب لها من حسناتها لم تكن تسمح بدخول النصارى واليهود جزيرة العرب على الإطلاق، وكل المستشرقين الذين دخلوها، وكتبوا عن الإسلام والمسلمين فيها إنما دخلوا متنكرين كأنهم مسلمون وكأنهم حجاج وهم أفراد قلة، ولم يظفروا في هذه الجزيرة بموضع قدم ولا بإقامة على الإطلاق مدة حكم الدولة العثمانية، ولذلك ذهب إلى البحرين لأنها كانت مستعمرة بريطانية، وأنشأ المركز الذي لا يزال إلى الآن منطلقاً لنشر النصرانية في هذه البلاد الطاهرة.
وأحدثكم عن تجربتي أنا، فقد جاءتني باسمي الشخصي وعلى عنواني رسائل تنصيرية، واحدة منها اسمها البذور، تتكلم عن الأناجيل، ويريدون مني أن أدخل في دينهم الحق كما يزعمون، نعم هذا أنا ولا أقوله عن غيري، وجاءت مئات من الرسائل، وجاءت رسالة أخرى ليست بهذا الشكل، ولكنها رسالة للحوار، كتبها أحد الذين درسوا الأديان، وذكر اسمه وولايته وعنوانه وأنه يريد نوعاً من المحاورة والمناظرة، وأثبت أنه يكفر بكثير مما في الأناجيل، وأن لديه شك فيما يعتقده المسلمون في بعض الأمور، ويريد أن نقدم له الرأي -رأي الإسلام كما يقول- في مثل هذه الأمور وهكذا. ولا يخفى عليكم كم تأتي في البريد مما قد يتلف كثير منه فلا يدخل، لكن الذي يصل إلى الإخوة مما يتجاوز الرقابة البريدية، كمٌ من الأناجيل.
وكتاب عاصفة الصحراء الذي كتب بعد الحرب الأخيرة بين الغرب والعراق، يريدون بالعاصفة جانباً آخر وهو نشر دينهم، والذي رد عليه الشيخ أحمد ديدات بنفس العنوان.
فذكروا بما لا يتسع المقام الآن لشرحه أنهم يطمعون في تنصير أبناء هذه البلاد.
ثانياً: الحقيقة التي يجب أن أضيفها هنا وهي أيضاً من البواعث على الترجمة، أنني دعوت الإخوة منذ أكثر من سنتين إلى أن كلاً منا يبدي رأيه في كيفية محاربة التنصير.
والحمد لله جمعت لدي رسائل كثيرة، واقتراحات عظيمة ونافعة، ثم جاء أخونا الشيخ سلمان حفظه الله (ولا عطر بعد عروس) فتعرض لهذا الموضوع وقلت له: كنت أريد أن ألقي محاضرة عن صانعي الخيام في نفس الأسابيع وأنا أتحدث عن هذا المشروع، فلما ظهرت أشرطته اكتفيت بذلك، وذلك دون أن ينسق بعضنا مع بعض، أو يكلم بعضنا بعضاً؛ لأن الإحساس بالخطر واحد، ولأن ما يأتي إليه يأتي إليَّ مثله، لأن المسلمين الآن يضجون في هذه البلاد -ولا أقول في غيرها- من هذا الخطر التنصيري الدامي، فجاء الشعور واحداً مشتركاً، فجاءتني عدة اقتراحات وحلول، وكان منها أن نقوم بعمل علمي، إذ نحن لا نستطيع أن نجاهدهم بالسيف، ولا نستطيع أن ننشئ جمعيات ذات الأموال العريضة كما يفعلون، فما الحل إلا أن نجاهدهم بالعلم والبيان، فكان أن اخترت وعزمت -بفضل الله وتوفيقه- على أن نترجم هذا الكتاب.
عدد النصارى في العالم: مليار وسبعمائة وواحد وعشرين مليوناً.
- عدد المنظمات التنصيرية في العالم: أربعة وعشرون ألفاً وخمسمائة وثمانين منظمة هذا قبل ثلاث سنوات وهذه المنظمات بعضها يمتلك مئات الملايين من الدولارات.
- عدد المنظمات التنصيرية العاملة في مجال الخدمات: عشرون ألفاً وسبعمائة منظمة تعمل في مجال الخدمات العامة، والطب، والإغاثة، وما أشبه ذلك.
- عدد المنظمات التنصيرية التي ترسل منصرين: (يتخرجون من معاهد لاهوتية عليا، ويذهبون للتنصير) ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانين منظمة.
- عدد المعاهد التنصيرية التي تخرج القساوسة والدعاة: ثمانية وتسعون ألفاً وسبعمائة وعشرين معهداً!!
نحن نفرح والحمد لله أن يوجد مركز في العالم الإسلامي، أو مقر لتحفيظ سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو مقر لتحفيظ القرآن أو ما أشبه ذلك، لكن المعاهد عند هؤلاء تقارب مائة ألف معهد، وإذا توقعنا أن يفتحوا في خلال الثلاث السنوات معاهد أخرى، فالمائة ألف تكون رقماً واقعياً، مائة ألف معهد يخرج القساوسة لنشر هذا الدين.
سبحان الله العظيم! والله الذي لا إله غيره لولا أن هذا الدين حق لما بقي له قائمة، ولولا أن دينهم باطل لما بقي على ظهر الدنيا إلا نصراني، جهود عظيمة: مائة ألف معهد! وهذه هي المعاهد الثابتة، وأما الدورات الطارئة فإنها لا تحسب! ولهم دورات ولهم جولات وأمور أخرى، لكن هذه فقط هي المعاهد الثابتة.
- عدد المنصرين في البلدان الخارجية غير الأصوليين الإنجيليين في أمريكا وأمثالها: مائتان وثلاثة وسبعون ألفاً وسبعمائة وسبعين منصراً، وهؤلاء أيضاً المتفرغون للتنصير!!
ونحن نفرح عندما تقوم مؤسسة بكفالة عشرة دعاة! والحمد لله بدأت مؤسسات تقوم هنا في المملكة تكفل عشرة دعاة، أو عشرين داعية يدعون إلى الله، فمثلاً: الرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد عندها ثلاثمائة داعية، والرابطة يمكن أن يكون فيها مائتين أو ثلاثمائة، والحمد لله على ذلك.
لكن هؤلاء وهم على الباطل عندهم هذه الآلاف، وهذا في الخارج غير الداخل، وهذا في حالة التفرغ الكلي، أما في الإجازات -وهذا شيء يعرفه الإخوة المسلمون- فإنه في أمريكا يمكن أن يسمحوا لأي موظف أمريكي أن يتبرع بسنة أو سنتين أو أكثر للعمل التنصيري الخيري، فيرسل إلى تلك البلاد، وتسهل له كافة الإمكانات، ويظل راتبه وخدمته تمشي في قطاع العمل الذي يعمل فيه كما كان يعمل، ثم يرجع بعد ذلك إلى عمله، بعد أن يقوم بالخدمة التي أراد، وهذا أمر معلوم.
وإذا أراد أحد أن يتبرع، فما يتبرع به فإنه يقتطع من الضرائب التي تستحق عليه، وتأخذها الحكومة منه، فسواءً أُعطيت الحكومة ضرائب أو أُعطيت للكنيسة فلا فرق عندهم نظامياً، ولهذا يلجأ الناس إلى أن يدفعوا إلى الكنائس، وسوف نذكر لكم كم يدفعون لها:-
- عدد الكتب المؤلفة لأغراض التنصير: اثنان وعشرون ألفاً ومائة كتاب، وهذا بجميع اللغات؛ بل بجميع اللهجات، وقد وزع ورأيته في جدة، فقرأت من الأناجيل بجميع اللهجات، باللهجة المصرية واللبنانية والجزائرية، وغيرها، ومن كثرة تعمقهم ترجم الإنجيل إلى ألف ومائتان لغة، ولم ينتهِ الأمر إلى هذا الحد، بل أخذوا يترجمون إلى اللهجات.
المجلات والدوريات والنشرات: ألفان ومائتان وسبعون نشرة ومجلة، وبجميع اللغات، والبعض منها يطبع ملايين النسخ، ولا نقول عشرات الألوف، بل ملايين النسخ إما شهرياً وإما أسبوعياً.
- محطات الإذاعة والتلفاز العاملة لأغراض التنصير: ألف وتسعمائة محطة، وبعض هذه المحطات ينشر عبر الأقمار الصناعية إلى مائة بلد أو أكثر.
- الوسائل: الكمبيوتر، الأقمار الصناعية، الطائرات!!
رأيت فلماً عن التنصير -عجيباً- بالطائرات، يطير مجموعة من الدعاة المنصرين بطائرة خاصة، حتى يقعوا على مكان في الغابة أو في أعلى الجبل فيه أناس من الهنود الحمر مثلاً أو غيرهم، فيأتون إليهم وهم في قذارتهم وعريهم، فيغسلونهم بأيديهم، يغسلونهم بالشامبو والصابون وينظفونهم ويلبسونهم، ويعالجون أمراضهم، ثم يدعونهم إلى النصرانية، فكل الوسائل مهيأة لهم بشكل قد لا نصدقه نحن، مطارات، ومستشفيات، ومطاعم، وأمور عجيبة؛ ومع هذا فإنهم قد يبقون في البلد الواحد عشر سنوات ولا ينصرون شخصاً، تضحيات وجهود مبذولة، مع أن النتائج غريبة في الضآلة، ونحن والحمد لله إذا نشر كلمة أو شريط يسلم أناس كثيرون والحمد لله، ففي الدرس الماضي، عدد الذين أشهروا إسلامهم: أربعة عشر، من عرض بسيط للإخوة قاموا به لهذا الدين، وقد افتتح في المدينة الصناعية في جدة مركز خاص لهؤلاء، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا وإياهم لما يحب ويرضى.
- مجموع التبرعات الكنسية لأغراض التنصير: مائة وواحد وخمسون ألف مليون دولار.
وإذا قدرنا ميزانية المملكة العربية السعودية بما يعادل خمسة عشر ألف مليون دولار، فمعنى ذلك أنه في عام واحد وفي سنة واحدة فقط يتبرعون للتنصير بما يعادل ميزانية المملكة عشرة أضعاف وأكثر! ونحن إذا فكرنا في إنشاء مشروع، وقلنا هذا المشروع يكلف عشرة ملايين، وضع الناس أيديهم على رءوسهم: من أين لنا ذلك، نعم من أين؟! لكن أقول: هذا المشروع سنعرضه على الأمة ونطرحه عليها، وهي وغيرتها وشيمتها وإيمانها، إنما الذي علينا نحن أن نتقن الترجمة ونقدمها، ثم لا بد أن نطبعها بإذن الله وأن ننشرها، لكن العجيب فعلاً أن تكون مثل هذه المليارات للكفر والباطل ونحن لا نقدم شيئاً لديننا، فيا سبحان الله!!
أولاً: ترجمة ونشر الكتاب إلى اللغات الحية في العالم.
ثانياً: تأسيس معلمة أو دائرة معارف فكرية في الأديان والفرق والمذاهب الفكرية المعاصرة، بجميع اللغات أيضاً إن شاء الله.
ثالثاً: الرد على الشبهات والافتراءات التي يثيرها المستشرقون والمنصرون التي نستقبلها من جميع أنحاء العالم وبجميع اللغات على المدى البعيد.
رابعاً: الدعوة إلى الإسلام وتقديم الخدمات العلمية المتنوعة للداخلين فيه حديثاً.
خامساً: متابعة ورصد النشاط التبشيري أو التنصيري في العالم الإسلامي وغيره من الحركات الهدامة.
سادساً: إنشاء مركز بالوثائق والمعلومات التي تخدم الدعوة والدعاة.
سابعاً: تشجيع البحوث والدراسات، ولا سيما الدراسات العقدية المقارنة.
ثامناً: تقديم الاستشارات العلمية في مجال الأديان والفرق والمذاهب الفكرية المعاصرة.
وهذا النشاط يشمل ترجمة، ويشمل نشراً وتوزيعاً وإهداء، وأضرب لكم مثلاً: الجامعات الأمريكية والمعاهد تقدر بعشرة آلاف، ونريد بإذن الله تعالى أن نهدي لكل جامعة في أمريكا وأوروبا وغيرها، ما لا يقل عن نسختين إهداء، فضلاً عما قد يكون بسعر التكلفة، لكن لا بد من إهداء وبتجليد فاخر معين، وهذا يقتضي كماً كبيراً من الآلاف، وهذا رقم لا شك تدركون ضخامته، وأيضاً نصدر رسائل تؤخذ من الكتاب أو من غيره ترد على الشبهات وتناقشها، وتنشر أيضاً بجميع اللغات، وتنسيق الاتصال بين المراكز المختلفة التي تُعنى بهذا الشأن، وتوفير المراجع والوثائق للدعاة في كل مكان.
وأما البداية وسنة التأسيس فتحتاج الانطلاقة فقط إلى مليون ريال بعد الضغط الشديد والاقتصاد، وإذا أردتم أن أضرب لكم -مثلاً- كم يحتاج طباعة الكتاب باللغة الإنجليزية، ونحن قد بدأنا في هذا والحمد لله، والمترجم أخ أمريكي مسلم، درس اللاهوت في بلاده، ثم هداه الله للإسلام وتعمق فيه والحمد لله، وأصبح يفهم كلام شَيْخ الإِسْلامِ فهماً جيداً، وقد كدت أن آتي به لكن كان الحجز والوقت غير مناسب، والآن بدأنا به باللغة الإنجليزية لنجعلها أصلاً، ثم بعد ذلك يستعين بها من يترجم إلى غيرها مما هو قريب منها من اللغات اللاتينية.
إذا أردنا أن نطبع خمسمائة ألف نسخة، وعدد المجلدات ستة مجلدات تقريباً، وتكلفة المجلد الواحد يساوي تقريباً عشرة ريالات، فمعنى ذلك أن ترجمته إلى الإنجليزية فقط، يكلف ثلاثين مليون ريال، وإذا أردنا الإنجليزية والفرنسية فتكون ستين مليون ريال، وقس على ذلك بقية اللغات، وقد عرضنا الموضوع على مشايخنا الكرام، فأيدونا كل التأييد وهذا تأييد سماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله، ومما قاله فيه عن الكتاب: ''والعمل عظيم، ونافع للمسلمين وغيرهم -كما تقدم- والكتاب عظيم ونفعه كبير، والمؤلف معروف لدى العلماء وغيرهم، بإمامته وعلمه الغزير، وقيامه بالرد على طوائف المشركين والمبتدعة -رحمه الله رحمة واسعة- وأسأل الله أن يضاعف لكم المثوبة إنه جواد كريم'' .
وأيضاً شيخنا: الشيخ محمد العثيمين زكى المشروع وقال: ''قرأت كتابكم المتضمن ترجمة كتاب شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله الجواب الصحيح، ولا شك أن نشر مثل هذا الكتاب فيه فائدتان: إحداهما: دفع الشبهات التي قد يظن بها من يظن من المسلمين، والثانية: بيان الحق لمن أراد الله تعالى هدايته من النصارى إذا قاموا صادقين ونظروا بعين العدل والإنصاف، وهم إذا اهتدوا إلى الإسلام وكانوا من أهله فيرجى أن يؤتوا أجرهم مرتين -ثم يقول:- وأنا أؤيد مشروعكم هذا لما فيه من الخير الكثير والنفع العميم، وفقنا الله وإياكم لما فيه رضاه ونفع عباده'' وشكر الله لفضيلته.
والحقيقة أن الشيخ محمد هو أول من تبرع نقدياً لهذا المشروع جزاه الله خيراً، وأما سماحة الشيخ عبد العزيز فتعلمون ولا يخفى عليكم أيضاً كرمه، فإنه كتب لبعض التجار ويريد أن يجمع مبالغ تودع لذلك يقدمها لنا، فكتب باسمه رحمه الله إلى عدد من التجار والأعيان والمسؤولين وكل من يرى أن يكتب له؛ ليجمع المبلغ لما رأى أنه بهذه الضخامة، ولا شك أن المشروع يحتاج إلى الجهد العلمي وإلى الجهد المادي، وإلى التعاون من جميع جوانبه من الإخوة الكرام المسلمين في كل مكان.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وحطم الأصنام وقضى على الطواغيت ورفع راية التوحيد, وأعز الله تبارك وتعالى به ملة إبراهيم ودين إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط الذين كانوا جميعاً لا يعبدون إلا الله، ولا يؤمنون إلا بالله وحده لا يجعلون له صاحبة ولا ولدا.
ثم أما بعد: فإن الموضوع الذي نريد الحديث عنه في هذا الدرس -نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا في ذلك، وأن يتقبل منا ومنكم- هو تكملة لحلقة تقدمت عن هذا الكتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وما منكم إلا ويعلم أن هذا هو عنوان الكتاب العظيم الذي ألفه وكتبه الشيخ الإمام العلامة المجاهد شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية, رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه وجزاه خير الجزاء على ما قدم لهذه الأمة من جهود في كل ميدان من ميادين العلم، وما رفع الله تبارك وتعالى به من رايات الحق، وما نكَّس بكتاباته وبعلمه من رايات الباطل، وهذه هي الحلقة الأخيرة في هذا الموضوع.
وإن الموضوع أو المشروع الذي نتحدث عنه في هذا الدرس هو منكم وإليكم, وتعلمون جميعاً أننا قد ذكرنا أكثر من مرة أن كل أخ لديه أي اقتراح أو فكرة لمقاومة التنصير ومجابهته فليتقدم بها, وقد جمعت بالفعل, وقد أفدت منها فائدة عظمى, وأشكر كل أخ بذل جهده وكتب لنا شيئا من ذلك، وأشكركم جميعاً على تعاونكم وعلى غيرتكم في هذا الشأن، وانبثاقاً وانطلاقاً من واقع نعلمه ونشهده هنا من أعمال التنصير وجهوده ومما اقترحتم وكتبتم -وفقكم الله جميعاً- كان هذا المشروع وبرز, وسوف نحدثكم عنه إن شاء الله في آخر المحاضرة.
واتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله، فهذه العقائد الوثنية المرفوضة، والتي بيَّن علماء الأديان والمؤرخون قديماً وحديثاً أنها ليست من عند الله تبارك وتعالى في شيء وشهد بذلك كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالبحوث جميعاً تُجمِع على أن ما يعتقده هؤلاء هو من بقايا الوثنيات السابقة التي أدخلها عليهم بولس الذي كان يسمى شاؤل اليهودي، فغير الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام، ومع ذلك فإنهم مع شركهم ووثنيتهم وإلحادهم وسبهم لله تبارك وتعالى وقولهم فيه ما لم يقله أحد إلا من شابههم من قبل من المشركين الأولين -مع ذلك كله- فإنهم أشد الأمم في الأرض اليوم حرصاً على نشر هذا الدين الباطل.
و أعجب من ذلك أنهم أشد ما يكونون نشراً له وحرصاً على تبليغه في بلاد المسلمين، بين المؤمنين الموحدين الذين يشهدون: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وهم يريدون هذه البلاد بالذات.
من الناحية التاريخية: نجد أطماعهم قديمة للدخول في هذه البلاد، ففي أيام الحروب الصليبية حاولوا ذلك مراراً, وأوضح مثالٍ على ذلك أن إحدى الحملات الصليبية في أيام صلاح الدين رحمه الله استطاعت أن تدخل إلى ميناء ينبع, ومن هنالك اقتحم بعض أفرادها الجبال وتوغلوا فيها، وحاصرهم المسلمون، وأُبيدوا عندما وصلت طائفة منهم قرب مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وكان غرضهم إغاظة المسلمين، بنبش قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإحراق جثته قاتلهم الله وقبحهم، ولكن خيب الله فَأْلَهُمْ وظنهم.
ومن هنا انصب اهتمام صلاح الدين رحمه الله على تقوية الموانئ الإسلامية على البحر الأحمر بجانبيه الشرقي والغربي، وينتهي عهده، ويأتي بعد ذلك بأمد عصر المماليك، وتبدأ أوروبا تفكر في الالتفاف حول العالم الإسلامي عن طريق الكشوفات والرحلات التي ابتدأها البرتغاليون، ومن هنا ظهرت لهم فكرة جديدة، وهي الدخول إلى جدة واحتلالها، ومن ثم اقتحام مكة والمدينة.
وقد حاول البرتغاليون ذلك في زمن المماليك ثم في زمن الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية تصدت لهم، وهذا من أعمالها المشكورة في التاريخ، ولما عرفت هذه الأطماع أعلنت أن البحر الأبيض المتوسط كله بحيرة إسلامية، وأن البحر الأحمر كله بحيرة إسلامية، ومنعت دخول السفن والبواخر النصرانية في البحر الأحمر من أوله إلى آخره، ووسعت ميناء عدن، وجعلته مقراً لاستقبال كل البواخر التي تقدم من أوروبا وغيرها للنصارى، وآخر مدى يمكن أن تصل إليه سفنهم هو ميناء المخا في اليمن جنوب الحديدة، ولا يمكن أن يتعدوا ذلك شمالاً؛ بل يفرغون حمولتهم في سفن إسلامية تحملها إلى جدة أو ينبع أو السويس حتى لا يقربوا البحر الأحمر بتاتاً.
وكذلك عملت الدولة العثمانية على ألا يدخلوا الخليج مطلقاً, فبذلك استطاعت أن تحفظ الجزيرة بحرياً، لأنهم لم يستطيعوا في ذلك الحين أن يدخلوها أو ينفذوا إليها.
وظل هذا العمل حتى سقطت الدولة العثمانية، وجاء الاستعمار الذي خلفها، وجاءت الحملات الصليبية تحت رايات الاستعمار الجديد, وحينئذٍ عادت إلى أذهانهم فكرة اقتحام هذه الجزيرة، وهذه الأماكن المقدسة، وجاء المُنَصِّر المشهور الذي لا يخفى اسمه على أحد في عالم التنصير والذي باسمه اليوم تسمى كليات ومعاهد في التنصير في أمريكا وغيرها وهو زويمر، فجاء بالفكرة وأحياها، وأراد أن يتخذ من جدة مقراً له في أواخر الدولة العثمانية, وفي ظل الحكم البريطاني الذي كان يدعي المهادنة والمصادقة للدولة العثمانية، فلم يستطع الإقامة في جدة؛ لأن هذه البلاد من طبعها في تلك الأيام أن ترفض كل من لا يدين بالإسلام، ليست الحكومات بل الشعوب، وعلم أن كثيراً ممن جاءوا إلى هذه الجزيرة من قبله قد قتلوا ورجموا, فرجم بعضهم في اليمن, ورجم بعضهم في نجد, ورجم بعضهم في الحجاز، ولم يستطع أحد أن يدخل هذه الديار إلا من تزيَّا بزي المسلمين، وادعى أنه اعتنق الإسلام ودخله, وكثير من هؤلاء دخلوا تحت شعار وستار اكتشاف جزيرة العرب.
ولكم أن تقرءوا الكتاب المعروف الذي حققه وأخرجه حمد الجاسر بعنوان (اكتشاف جزيرة العرب) يعتبرون ذلك اكتشافاً، منهم بلجراف وهوجارث، ومنهم كذلك امرأة تدعى جروترد بل وكانت نائبة للمندوب السامي في العراق, وأمثالهم ممن كانوا يجمعون بين الجاسوسية والتنصير تحت شعار التنقيب عن الآثار.
وكان زويمر يعلم أن من تقدموه لقوا حتفهم ولاقوا مصيراً غير حسن, فبدأ عمله في البحرين، وقال كلمة مشهورة، قال: ''عن طريق الخليج نستطيع الوصول إلى الحجاز'' فبدأ العمل في البحرين، وأسس هنالك مركزاً للتنصير الذي لا يزال إلى اليوم من أكبر أوكار التنصير في جزيرة العرب، وكانت تحت حكم الإنجليز، فبدأ زويمر هنالك عام (1905م)، ثم عقد في عام (1910م) مؤتمر أدمبره في بريطانيا، وهو مؤتمر ضخم مشهور كبير جداً، وكان من أهم المواضيع التي عقد من أجلها كيفية الدخول إلى الحرمين واقتحامهما، وأعاد زويمر في المؤتمر الفكرة وطرح الموضوع وقال: لا بد من ذلك، واقترح لذلك أن ينشأ تحت الانتداب البريطاني وفي ظله معهداً خاصاً للتنصير في جدة، لأنها كما قال: بوابة مكة والمدينة؛ ولكن المشروع أيضاً تعثر، وكانت الأحداث التي جاءت من بعده وهي الحرب العالمية الثانية جديرة بأن لا يفتح وينفذ هذا المشروع، ولكن العمل استمر في الجانب الآخر -أي في الخليج- فأنشئوا في الكويت وأنشئوا في الموانئ التي تسمى الآن دولة الإمارات مراكز تنصيرية، وكذلك في البصرة في جنوب العراق.
فكانت جدة كما ترون هي محط أنظار هؤلاء، ولكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إليها في ذلك الحين، فبقيت لديهم محفوظة في قلوبهم، لكنهم لم يستطيعوا ذلك عملياً إلا عن طريق السفارات أو القنصليات؛ أما الوسيلة التي اتخذوها للتنصير في الخليج، فكانت قوية وفعالة، وكان من أعظم الوسائل في ذلك أنه عندما تفجر النفط في المنطقة الشرقية، جاءت الشركات الأمريكية الأربع،التي وحدت باسم أرامكو.
وعندما جاءت أرامكو جاء معها المنصرون والمستشرقون، بل إن الذي أبرم العقد أول الأمر وجاب المنطقة كان مستشرقاً يتكلم اللغة العربية، ودرسها في بلاد الشام مع الإرساليات التنصيرية، فهو من المستشرقين، والشريط الذي توزعه شركة أرامكو عن تاريخها ونشأتها يظهر فيه ذلك بوضوح.
ولما نزلت أرامكو بَنَتْ أكبر مستوطنة تنصيرية في العالم، وإلى الآن لا يوجد أكبر منها، وتبلغ مساحتها حوالي 160 كيلو متر مربع، ولها منفذ على البحر، ولا يستطيع أحد أن يدخل إليها إلا من يريدون، وكانوا يمارسون كل شعائر دينهم كما يريدون، ويخططون كما يريدون، ولا أستطرد في ذلك، لكن أذكر لكم مثالاً واحداً مما عملته شركة أرامكو أول ما نزلت، وهو يبين أنها لم تكن مجرد شركة بترول، وذلك أنها أرسلت مندوبيها لجمع المخطوطات، فكانوا يتجولون في المساجد: في المنطقة الشرقية, وفي الرياض, وفي القصيم، وفي مناطق أخرى، حتى جمعوا كل ما وجدوه في المساجد أو عند بعض الأشخاص, وشروا المخطوطات بثمن بخس، وجمعت جميعاً في مكتبة أرامكو في الظهران، وأرسل بعضها إلى مكتبة الكونجرس في أمريكا ولا تزال هنالك، فهي شركة ذات عمل مزدوج، وكان لأتباع زويمر والقائمين على منهجه اليد الطولى في أن تظل مستوطنة كبرى لهم، ينفذون من خلالها إلى الخليج كله، وتحت ستار وشعار البترول، لكنهم يعملون في حذر شديد جداً، وبشكل سري لا بشكل مكشوف؛ لأنها وصية بولس لهم، عندما كانوا في ظل الاضطهاد الروماني، قال لهم بولس في رسائله: ''إذا عجزتم أن تكونوا وعّاظاً، فكونوا من صانعي الخيام'' فاذهبوا إلى القرى والأرياف، وكأنكم تصنعون الخيام وتبيعونها، وعظوهم بهذا الدين ومن هنا أصبح المصطلح المشهور عنهم، وهو صانعو الخيام، أو الخيامون.
وليست الخيام وحدها، بل أي عمل, أو أي حرفة, أو أي مهنة فهي داخلة تحت وصية بولس، فدخلوا بهذا الاتجاه، ولذلك اسألوا أي موظف من قدماء الموظفين في الشركة، كانوا يحرصون على النصراني، إن كان مصرياً أو سورياً أو ليبياً أو عراقياً قبل أي عربي غير نصراني، حتى في الهند تجد أن كثيراً من موظفي أرامكو الهنود نصارى, رغم أن النصارى في الهند لا يشكلون إلا واحداً بالمائة من السكان، لأنها شركة تنصيرية، ومكتبها في نيودلهي يشترط بأن يكون المتقدم نصرانياً في الدرجة الأولى.
كانت هذه هي المركز الوحيد, حتى شاء الله تعالى وجاءت الطفرة الهائلة في هذه البلاد جميعاً, والقفزة العمرانية, والتوسع الكبير في الحياة الدنيا ومباهجها, ومفاتنها، وهي نعمة لا شك والحمد لله على ذلك، لكنها في جانبها الآخر نقمة.
وعندما توسع وانتشر هذا أصبح المسلم يحار! وأصبح في غربة! لا يدري كيف يقاوم هذا؟! لا يدري ماذا يفعل بهؤلاء الناس؟!
فكثير منا أطرقوا رءوسهم, وقالوا: لا حرج في هذا وكثير لم يهتموا بالموضوع, لأن همهم هو الدنيا، حتى إن البعض إذا قيل له: لِمَ لَمْ تأت بعمال من المسلمين, يقول: يهمني إنجاز العمارة، أو المشروع، والمسلمون يصلون ويعتمرون وهم يتأخرون في العمل, لكن هؤلاء جادون في العمل!! فأهم شيء عند كثير من الناس الدنيا! وأصبحت الدنيا عندهم أعظم من الدين! والعياذ بالله، وصدق فينا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {دينار أحب إلى أحدهم من صلاته} وفعلاً صارت هذه القاعدة في تلك الأيام، ولا يزال لها أثر إلى اليوم، فتوغلوا في كثير من مجالات الحياة قبل أن تفيق الصحوة الإسلامية وتبدأ تمارس بعض المجالات الدعوية التي شهدتموها جميعاً, والحمد لله.
وعندما تأتي للدعوة إلى الله في هذا البلد, وقد قرأت في الكتب عن التنصير وأعماله، تفاجئ وأنت ترى هذه الأعمال أمام عينيك مكشوفة وواضحة في قطاعات كثيرة!! حتى إنني فكرت مرة, وقلت: لماذا لا نعرض على الإخوان بعض الإحصائيات عن الشركات التي يديرها نصارى؟ ثم قلت لنفسي: قد نكون بهذا العمل مثل الذي يعد نجوم السماء أو يعد موج البحر..!
هل أستطيع أن أحصي الشركات في جدة وحدها التي يديرها ويرأسها بالكامل مدراء نصارى، ولا يوظفون إلا نصارى، ويمنعون الشاب المسلم أو العمال المسلمين من الصلاة؟! لا أستطيع ذلك أبداً!! رغم ما جمع لدي من حقائق في هذا، فقلت: لا يمكن أن نستطيع ذلك، ولا نضيع وقت الإخوان بالحديث عنهم, أو ذكر أسمائهم أو أعمالهم أو وظائفهم, لكنها موجودة ومعروفة؛ إنما الذي يمكن في الجملة أن نشير إليه هو أوكار التنصير.
وهذا القطاع من أخطر القطاعات، وأين ما ذهبت فتجدهم فيه ظاهرين، وتجد أعمالهم إن كنت منقباً وكان لديك عينان كما في المثل: من كان له عينان نظر بهما رأيت في كل هذه المستشفيات أعمال التنصير ماثلة للعيان، ولا داعي للتعديد أو للتفصيل، ولعلنا نذكر نموذجاً واحداً وهو الذي تذكرونه في الدرس كما نبهنا عليه، وقلنا: نرجو أن نجد من ينكر لجرأتهم ووقاحتهم، أعني المنصرين فيه، وهو مستشفى الملك عبد العزيز، ولم يحدث شيء من ذلك، فأحببت أن أذكره كمثال فقط :
المنصرون -زعماء التنصير- في مستشفى الملك عبد العزيز:
1- د: صارفو: أخصائي النساء والتوليد: وهو قسيس وداعية للتنصير، وتعرض بدعوته لبعض المسلمين صراحة، فدعاهم إلى الإيمان بـالنصرانية صراحة، وهو يقيم في منزله وبالاشتراك مع أصحابه اجتماعاً تنصيرياً باسم الإخوة، أو الإخوان، يجتمعون فيه لمدارسة شئون التنصير في المستشفى, وفي هذا البلد، يرافقه ويعاونه:
2- د: بنكولي: أخصائي جراحة الأطفال، وهو يجتمع مع د/ صارفو، وزوجة الدكتور/ بنكولي تحمل على صدرها لافتة مكتوب عليها بالإنجليزية ما معناه: أنا أحب المسيح، وهذه الشعارات تباع في المستشفى ولدينا نماذج منها، وتباع ملصقات في السوبر ماركت أو السوق الصغير في المستشفى، وفيها شعارات ملصقة عن المسيح وما أشبه ذلك، وموجود منها نماذج معي أيضاً.
3- د: لايث: أخصائي المسالك البولية، انظروا الاختصاصات! توليد، أطفال، مسالك؛ لأنهم يريدون من وراء ذلك شيئاً، ولا أظن أنه يخفىعلى واحد منكم، ما حصل منه في التعقيم الذي ثبت في عدة حالات وفي عدة مستشفيات؛ وهذا الطبيب لايث، كان هو وزوجته في إيران ثم في البحرين، وقد استطاعت زوجته أن تنصر أربعة من المسلمين في البحرين، ثم ذهبوا إلى جنوب إفريقيا، ثم جاءوا إلى جدة، والزوجة نشطة جداً أنشط من الزوج، فأرادت أن تعمل في مدرسة خاصة من أجل أن تنشر هذا الدين، فاستطاعت أن تتعاقد مع دار الحنان، لتدرس اللغة الإنجليزية، المحببة لدى الجميع, والتي يراد أن تكون من الابتدائي, فتحت شعار اللغة تأتي هذه المرأة التي تدعى هيلين، وتدرس في دار الحنان، ومن هنالك بدأت في أعمالها التنصيرية مع الأطفال، حتى إنها تحرص على تعلم اللغة العربية، وإقامة علاقات قوية جداً مع العاملين والعاملات في المدرسة أو في خارجها، وتأتي بأفلام تنصيرية، أو دعاية للتنصير معها، ومن الأطفال الذين تهتم بهم: أسرة إنجليزية مسلمة, يرجع الأطفال إلى أمهم المسلمة, ويسألونها: لماذا لا يوجد عندنا إنجيل مثل كتاب أولاد هيلين؟! ولماذا -يا أماه- ليس عندنا صورة لعائلة الرب مثل هيلين وأبنائها؟!!
وهذا دليل على أنها ناجحة ونشطة في عملها هذا، وغير ذلك كثير ولا نطيل بذكر الأمثلة.
والمهم أن المستشفيات هي أحد أوكار التنصير، ولهم أكثر من هدف في ذلك، وقد عملوا في عدة مناطق، وثبتت قضايا تعقيم قام بها أطباء أقباط، كما ثبتت أيضاً قضايا أخرى، ومنها محاولة تنصير بعض العوام من سكان المناطق النائية، ولولا أن الله تعالى قدر لتنصرت أسرة مسلمة بأكملها في إحدى المناطق، لا نريد أن نذكرها، وبعضكم يعرفها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
أيضاً: المدينة الصناعية، وما أدراك ما المدينة الصناعية!
- المدينة الصناعية التي في إحدى مصانعها بني مسجد وظل سنتين، والعمال المسلمون بجواره لا يستطيعون أن يصلوا فيه، ولا نسمي لكن القضية معروفة.
يوجد بها -كما قيل- عشرون ألفا أو ثمانية عشر ألفاً أكثرهم نصارى، من العمال والمهندسين ومن الخبراء إلى آخره، يسكنون فيها، ويقومون بتنصير من يعيشون معهم من البوذيين وأشباههم، فيأتي البوذي بوذياً ويرجع نصرانياً، واكتشفت عدة شبكات للتنصير في المدينة الصناعية، بعضها إيطالي كاثوليكي، وبعضها يتبع الجمعيات البروتستانتية الأمريكية، وبعضها الأرثوذكسي.
من الأوكار أيضاً:
- جامعة الملك عبد العزيز, وقد تكلمنا عن هذا الموضوع، وقد وصلتنا الأدلة والإثباتات على ذلك، والمعاملة ذهبت ولا تزال تدور ولا ندري متى تنتهي، لكن هناك حقائق عن أعمال التنصير بين العاملات والعاملين في الجامعة من الفلبينيين وغيرهم، وبكل برود وعدم اكتراث، وعدم اهتمام, يبارك لهم رسمياً بأعياد الميلاد ويهنئون بها، بل ربما يحضر البعض حفلاتهم في ذلك ولا يبالون بشعائر دينهم!!
- الخطوط السعودية، وهي وكر من أوكارهم، وأذكر لكم مثالاً واحداً فقط: الخطوط السعودية تعطي إعفاءات للأعمال الخيرية، وهذا شيء طيب في الحقيقة، لكن بعض الطيارين الأمريكان يجمعون من هذه البلاد التبرعات ويحملونها مجاناً في طيارات الخطوط السعودية، فإذا نزلوا في باكستان أو بنجلادش، أوصلوها إلى منظمة تنصيرية تستقبلهم في المطار أو يذهبون إليها، وهذا أيضاً ثابت، وتحدثنا عن هذه القضية فيما مضى، فلا نطيل وإنما قصدنا التمثيل، ويضيق الوقت عن الاستطراد.
- المدارس الخاصة -وهذه أمرها عجيب- ففي بعض المدارس الخاصة ثبت لدينا وتواتر أنها تقوم بنشاط تنصيري مكثف، بمدرسات أمريكيات ولبنانيات وغيرهن، وأنهم يقومون جميعاً بأعمال لا منهجية: نشاطات خارج المنهج، ورحلات إلى البحر يومين أو ثلاثة أيام، ورحلات إلى مناطق أخرى، ومن خلالها يربون الأولاد والبنات على الأفكار التنصيرية تدريجياً.
كذلك هناك معاهد التدريب، ومعاهد اللغات, ومعاهد الكمبيوتر, إلى آخره, وهي كثيرة.
ولدي وثائق وحقائق عن كثير منها، تنتشر في جدة، ويذهب إليها الناس ليتعلموا اللغة العربية، أو الكمبيوتر، أو دورة إدارية، أو ما أشبه ذلك. وإنما يسيرون وفق خطط تنصيرية محددة الأهداف، ومبرمجة تماماً، والمناهج تدل على ذلك، والأسلوب يدل على ذلك، وسلوك المدرسين أو المدرسات يدل على ذلك، وفي النهاية يخرجون بثمرات واضحة ولا شك فيها، ولو لم يكن منها إلا الخطوة الأولى كما يقولون وهي: إخراج المسلم من دينه، ثم بعد ذلك الجيل الآخر يدخل في دينهم، وهنا تلتقي العلمانية والتنصير، أو جهود التغريب وجهود التنصير، فالتغريب خطوة إلى التنصير؛ ولذلك تتعاون المؤسسات والشبكات التنصيرية في جميع أنحاء العالم مع الحكومات, والمستعمرات، ومع وزارات الخارجية، ومع الاستخبارات الغربية؛ لأنهم يعتبرون أن هذا مقدمة لهذا, وأن هذا مصير إلى هذا، وكتاب (التبشير والاستعمار) وإن كان قديماً، لكنه مثال لعملهم الذي تطور فيما بعد وارتقى, وخاصة بعد مؤتمر كولورادوا الشهير الذي أصدر الكتاب المترجم الذي رأيتموه, الكتاب الضخم والذي لا بد أنكم اطلعتم عليه، ولديهم مؤتمر ضخم سيعقدونه بعد حوالي ثلاثة أشهر أو أربعة، لإتمام ما عقدوا من قبل.
- كذلك الأسواق والتجارة: وهي من أهم المنافذ التي ينفذون منها.. فهم خبثاء جداً، يهمهم أن يرتفع شعار الصليب على المباني, والرخام، وعلى صدور الشباب في الملابس, وعلى صدور النساء، في حِلق الأذان, وفي الأقلام، وفي أي شيء، صورة المسيح المصلوب كما يزعمون، أو على الأقل الصليب وحده, يهمهم أن تنتشر في كل مكان؛ لأن هذا يهيئ الأذهان للتنصير مستقبلاً. وكذلك عن طريق الوكالات التجارية, وعن طريق البضائع, وعن طريق كثير من هذه المنافذ يدخلون أيضاً إلى عقول المسلمين ولا سيما المرأة.
و أضرب لكم مثلاً على دخولهم إلى عالم المرأة, لأنهم يعلمون أن كل امرأة تحتاج إلى الطبيخ, لأنه عمل النساء, خاصة في مجتمعنا هذا -والحمد لله- وأي بيت يريد أن يطبخ, فإنه لا بد له أن يحتاج إلى الزيت، وعن طريق زيت عافية -كما يسمونه- أرادوا أن يدخلوا إلى أسرار البيوت التي لا يعرفها أحد، فأنا وأنت لا نقدر أن نعرف ما اسم زوجة جارنا في الشقة, وما عملها, وكم عمرها, لكنهم وعن طريق نشرات بعنوان (عالم عافية للسيدات) التي وزعوها, ونشروها، استطاعوا أن يعرفوا الاسم, والعمر, والعنوان، والعمل, والهواية, ثم بعد التعرف تبدأ لقاءات في مطعم كذا أو في فندق كذا، ثم بعد ذلك الحديث عن التسريحات, وعن الأصباغ, وعن الفنون, ثم بعد ذلك القيام بالرحلات للخارج, وهنالك تستقبل عن طريق المنصرات, وهكذا! عمل بطيء ولكنه أكيد المفعول لإفساد المرأة المسلمة.
مجلة الأشبال هذه, إذا تأملتها فإن أول ما تجد في الداخل، هو اسم الجلالة, كما هو مكتوب عادة عندنا في المساجد، فتظن أنها مجلة إسلامية، وكلمة (الأشبال): كلمة عربية, فتقول: هذه مجلة لأطفال المسلمين، ثم إذا بدأت تقرأ فيها تجد الموضوعات الأولى تتحدث عن خلق الله, وعن حياة النمل, وكيف يمكن للطفل أن يقوم ببعض التجارب مع النمل، فهي مسلية ومضحكة، فينجذب الطفل لمتابعة هذه المجلة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى موضوع عن الصداقة والأصدقاء، وتقول: هذه الفقرة يحتاجها الشباب، ثم يتحدث عن قصة طويلة تشرح موضوع الغيرة بين الأطفال، وهذا موجود بين الشباب في العلاقات، هذا يصاحب هذا وهذا يعارض هذا، ثم يختتمون فقرات المجلة بقولهم: إن كلمة خالدة من كتاب الله الكريم فانتبهوا إلى قولهم: من كتاب الله الكريم، وما قالوا: الإنجيل، فأي طفل يقرأ هذا الكلام فسيظن أنه في القرآن، وكم رأينا من أناس يقولون: قال الله, ثم يأتي أحياناً بحكمة، ويأتي أحياناً بحديث! ويقول قال الله، فكيف بالأطفال؟! يقول: ''إن كلمة خالدة من كتاب الله الكريم، تنفعك لمثل هذه الظروف، من يكثر الأصحاب يخرب نفسه, ولكن يوجد صديق أقرب من الأخ, إن اسم هذا الصديق هو عيسى'' ولا يقولون: هو ابن مريم, بل يكتفون بكلمة (عيسى) فيتساءل هذا الطفل عن عيسى هذا, من هو؟ من هذا الذي هو أقرب إليّ من جميع أصدقائي؟ وإذا سأل والديه فليس لهم وقت يرشدونه فيه.
وقد يفتح إذاعة أحياناً, كإذاعة مونتكارلو، ساعة الإصلاح، فإذا بها تتحدث أن عيسى هو الذي صلب من أجلنا, وخلصنا, وأنقذنا، فيتذكر أن هذا هو الذي يجب علي أن أصاحبه. وهكذا, والمهم أنهم أثاروا في ذهنه قضية مهمة من خلال أصدقائك الذين تغار منهم أو يغارون منك.
وبعد ذلك يكتب عن موضوع (إنه حيران) موضوع الحيرة وكيف يمكن أن تحل حيرته، ثم يأتي بقصة، والقصة كما تعلمون مصورة كعادة مجلات الأطفال، ويبتدئون كتابتها بخط كبير.
فيقولون فيها: ''ذات مرة جاء واحد من علماء الدين -لاحظوا أنه لم يقل راهب أو قسيس كما هو في أصل القصة- إلى عيسى -وأيضاً ما قال ابن مريم-.
وسأله: يا معلم, ما ذا أعمل لكي تكون حياة الخلود من نصيبـي؟
فأجابه عيسى: أحب الله, وقريبك.
لكن هذا الرجل عاد وسأل: من هو قريـبي؟'' فأخبره عيسى بهذه القصة.
ثم يأتون بقصة، تصور وتشرح على أنها حكاية بين عالم الدين وبين عيسى، وهي قصة تنصيرية، غايتها وخلاصتها الرحمة والشفقة بالفقراء والضعفاء.
ثم بعد ذلك يعرضون في مجلة حقائق عن بلادنا:
البلد: جمهورية موريتانيا الإسلامية
الموقع:...., اللغات:..... إلخ.
ثم يقول: في القرن الثامن الميلادي فتحها العرب، وفي سنة (1902م) أصبحت مستعمرة فرنسية، ثم حصلت على استقلالها سنة (1960م)، إذاً يقول: العرب فاتحون ومستعمرون، ولا نجد للإسلام أي ذكر.
بعد ذلك نجد -وهذا هو بيت القصيد- صور الأطفال الذين يراسلون هذه المجلة، وبعضهم لم يرسل الصور، والأطفال هم من المغرب، والسودان والجزائر، ومصر، وتونس، ونيجيريا، والأردن، وسوريا، واليمن، وعُمان، والسعودية، والكويت.
فيراسلونهم وتنشر صورهم هاهنا، وفي الأخير يكتبون إعلاناً مهماً مضمونه: أننا نعرف أن الكثيرين من أصدقائك سوف يتمتعون ويستفيدون إذا حصلوا على مجلة الأشبال، وأنت تستطيع مساعدتهم بالحصول عليها بواسطة إرسال خمسة أسماء من أصدقائك إلينا، مع عناوينهم وأعمارهم وصورهم إذا استطعت، ثم يرسلونها إليهم على عناوينهم، ولا يدري الطفل من أين جاءت إليه، وتأتيه بالمجان، ثم بعد ذلك يقولون له: هل لديك أية مشكلة؟ أو تفتش عن حل؟ نحن بعون الله تعالى وحده نعينك على هذا فاكتب لنا, ونحن نعينك على الحل أيضاً.
ويعرضون -أيضاً- في المجلة كلمة (لأشبالنا): ''تستطيع أن تتعلم الكثير عن الصداقة الحقيقية من خلال سيرة سيدنا عيسى المسيح''
الآن بدأت كلمة سيدنا المسيح! في آخر المجلة!! في الأول: مذكور "عيسى" فقط وثم رجل دين، أو واعظ يعظ رجال الدين، بعدها سيدنا عيسى المسيح، وهنا يضع لك مبادئ ونقاطاً معينة، كيف تستخرج الصداقة والعلاقة منها، لكن من خلال سيرة سيدنا عيسى المسيح، وهنا بعض المبادئ عن الصداقة يمكنك أن تتعلمها من سيرته العطرة، ثم يذكر لك المثال.
وحقيقة إننا نريد أن نُذكر بأنواع وألوان هذا الغزو الذي تغلغل في عقول أطفالنا, ونسائنا, وصغارنا, وكبارنا, ونحن لا نعلم.
فأنشئوا نوادٍ خاصة للرجال، ونوادٍ للسيدات، ويقيمون رحلات في الإدارات التي يعملون فيها مع الموظفين وغيرهم إلى الأماكن التي يريدون؛ مثلاً: والرحلات تنطلق من جدة إلى خيبر وتنطلق من جدة إلى وادي فاطمة، وإلى الطائف، يفعلون كل شيء ولا يبالون.
ومن خلالهم لا يكون تنصير فقط، بل هناك رصد أيضاً لهذا المجتمع, ولمعرفة مكامن القوة فيه واتجاهاته.
وما الكلمات التي تكتب في الصحافة الغربية عن هذه البلاد والصحوة فيها، والأصوليون وما إلى ذلك إلا من آثار هؤلاء الذين بيننا، ونحن لا نعلم ولا ندري عنهم شيئاً، ولا يفتشون في دخول ولا خروج؛ فكل الوسائل لديهم متوفرة وممكنة...!
وطبعة الإنجيل الكبيرة التي توزع في إفريقيا وغيرها بالملايين، هي طبعة كورية، طبعها النصارى الكوريون بدعم من المؤسسات التنصيرية.
وهناك حركة تنصيرية مضادة، ولها نشاط كبير في جدة مع الفلبينيين الذين أسلموا، تهاجمهم من أجل إرجاعهم إلى الدين الذي كانوا عليه.
بين السرلانكيين وغيرهم، فكل هذه الشعوب، يوجد بينها من يريد أن يردها عن الإسلام إلى النصرانية، أو يثبتهم على دينهم إن كانوا نصارى، أما إذا كانوا بوذيين أو غير ذلك، فهؤلاء من أسهل ما يكون أن يُدْعَوا إلى النصرانية في هذه البلاد.
ولعل هناك جوانب أخرى لا نستطيع الإطالة فيها، لأترك لكم المجال في الحقيقة، بعد أن نعرض المشروع بإيجاز للتساؤل عن المشروع بالذات.
ومنها نشرة تقول: في دعايتها للإنجيل: ''إن الإنجيل هو كلمة الله التي لم تتغير -وهذا من الكذب على الله, ثم يقولون:- إن الإنجيل قد ترجم إلى أكثر من ألف وأربع مائة لغة'' .
ومن ذلك أنه ترجم داخل اللغة الواحدة إلى عدة لهجات -وقد قرأنا ذلك في درس سابق- ترجم باللهجة المصرية، واللهجة اللبنانية, ولهجة بدوية للبدو، وترجموه إلى جميع اللهجات حتى يقربوه إلى أفهام الناس, ثم يقولون في الدعاية: '' الرب أعطانا كلمته بدون ثمن, ونحن المسيحيين نحب أن نعطيها أصدقاءنا المسلمـين بدون ثمن -ثم يقولون:- وما عليك إلا أن تعبئ البطاقة وتأتيك الأشرطة مجاناً'' لأنهم كما أخذوها بغير ثمن يعطونها بغير ثمن!!
يقول: ''أكثر ما آلمني في السعودية أننا نرى ملايين من الناس يذهبون إلى أماكن العبادة يومياً عدة مرات, ولكنهم -للأسف- يعبدون الله على ضلال'' يتحرق قلب أبو فيليب أننا لا نعبد الله كما يعبدونه, ويريد أن نشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا, ويريد أن نجعل له صاحبه ولداً, ونجعل له شريكاً! ويعجب الواحد منا من شدة حرقتهم على ذلك، وهذا الكلام إذا قرأه الإنسان الأمريكي -وهو من أسذج الشعوب- يتأثر كثيراً, وتظل هذه القضية في حسه, ويقول: فعلاً لماذا لا أتبرع؟. ونتيجة ذلك تكون هذه التبرعات مبالغ خيالية, وقد ذكرنا أن مجموع التبرعات -كما نشر ذلك في مصدر تنصيري موثوق- مائة وواحد وخمسون ألف مليون دولار, جمعتها الكنيسة في سنة واحدة، أي ما يعادل ميزانية المملكة عشر سنوات، ولذلك يستفيدون من هذه الأموال فائدة كبيرة جداً.
ونذكر لكم مثالاً واحداً من أمثلة إفادتهم من هذه الأموال ضد هذه البلاد: عندما بدأ البث المصري يصل إلى جدة أو خطط له لكي يصل إلى جدة, قالوا: لا بد أن نستفيد من هذا البث لإدخال النصرانية إلى جدة وهذا كان قبل البث المباشر.
فأقاموا شركة تنصيرية في يوليو 1998م كما نشرت جريدة المسلمين بأنه بدأت في القاهرة الخطوة الأولى لمشروع تنصيري مشترك بين الفاتيكان والتلفاز المصري حول إنتاج مسلسل معاني القرآن الكريم، وهذه الفكرة خبيثة بحيث لا يستطيع أحد أن ينكر عليهم ذلك.
وأيضاً قالوا: هذه البلاد متدينة، وأفضل شيء يجعلها تقبل عليه هو عن القرآن، فعملوا على إنتاج مسلسل معاني القرآن الكريم بالرسوم المتحركة التي تجذب عقول ملايين الأطفال, وتقوم بإنتاجه إحدى شركات النشر الكاثوليكية التي يقوم بالإشراف عليها مجموعة من القساوسة، وتخضع للإشراف المباشر من قبل أضخم مؤسسة تنصيرية في العالم وهي الفاتيكان.
وعهدت الشركة الكاثوليكية بالأعمال التي تتم في القاهرة لشركة مصرية وضعت تحت تصرفها (21.000.000) دولاراً لإعداد الفيلم.
وتخيل شركة مصرية تعطى مبدئيا مبلغ واحد وعشرين مليون دولار. ينفقون من سعة هائلة، ولا بد أن يكون مثل هذا العمل مما تتنافس وتتسابق عليه الشركات المصرية لكي تظهره في أروع وأبدع ما يمكن بغض النظر هل هو ضد الدين أو معه، وتعلمون أن تجارة الفنانين هي الدعارة والفساد والانحلال والإلحاد، فكيف إذا جاءت هذه المبالغ الخيالية في عمل مبدئي, وربما إذا انتهى تكون ضعف ذلك المبلغ, وذلك مقابل حلقات تعرض -ستة وعشرين حلقة- فما بالك بالجهود المستمرة للجامعات التي تعد بالمئات والآلاف في إفريقيا وغيرها، وللمراكز التنصيرية التعليمية, وللمستشفيات التي تقطع العالم ذهاباً وإياباً.
ونقول: وماذا بعد هذا الطوفان؟ وماذا بعد هذا المد الهائل؟ وماذا بعد هذه الجهود التي نجدها في كل شارع، وفي كل شركة، وفي كل مكان؟!
وماذا بعد هذا الموج العاتم, وهذا التيار الهائل الذي سينصب علينا من الأقمار الصناعية فيما بعد؟! وما هو موقفنا من ذلك؟ هل سنظل نقول: قاتلهم الله, ولعنهم الله, لقد فعلوا كذا, وعملوا كذا، ونظل نخطب؟! هذا لا يعفينا أمام الله عز وجل, وإن كانت التوعية بهذا في المنابر والخطب مفيدة, وهي ضرورية ومقدمة للعمل, لكن لا نكتفي بالمقدمة, بل لا بد أن نعمل وأن نواجه هذه الجهود بشيء مهما قل، حتى لو تخلت هذه الأمة -ولن تتخلى عن دينها- فلا بد أن يقوم لله تعالى من يقوم بإعلاء كلمة الدين، وأن يعمل أي عمل لمواجهة هؤلاء المجرمين..، ونحن لا نعمل لأنفسنا, بل نعمل لله عز وجل, ولذلك نحن نثق بنصر الله، ولم تنجح جهودهم الهائلة والضخمة, لأنهم يعملون لغير الله، وإلا لو كانوا على الحق, لما بقي على ظهر الأرض أحد إلا دخل دينهم، إذ من الذي يملك هذه الوسائل؟! حتى الطائرات, وكذلك المطارات يملكونها في كثير من بلاد العالم!!
فكّرت في هذا مع بعض الإخوة الأفاضل -جزاهم الله خيرا- وقلنا: ولم لا يكون ذلك, ولم لا تكون البداية في ترجمة ذلك الكتاب العظيم الذي كتبه شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله, عندما رأى بدايات محاولات التنصير، وهو كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح.
وقد عرضت هذا الموضوع على علمائنا الأفاضل جزاهم الله خيراً, ولقد قابلوه بكل ترحاب, ومنهم سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز, ومحمد العثيمين, وعبد الله الجبرين, وكل العلماء، ولقد سرهم هذا العمل، وجعلوا من أنفسهم القدوة في تأييد هذا المشروع ودعمه والتبرع له؛ فحقيقة إن أول من أيده وأول من كتب عنه هم هؤلاء العلماء الأجلاء بارك الله فيهم ووفقهم وجزاهم عنا كل خير.. وبدعائهم وبتشجيعهم, وبتشجيعكم نرجو أن يستمر هذا العمل وأن ينجح بعون الله تبارك وتعالى, وأن تكون ترجمة الكتاب نواةً لأعمال أخرى.
وبين يدي الآن هذه الدراسة -دراسة تكاليف المشروع- وربما أكون قد أشرت إليها في المحاضرات السابقة إشارات مجملة، فلا أريد أن أكررها الآن, إنما أقول: إن هذه بداية وخطوة إن شاء الله لتكوين مركز صغير للترجمة، ترجمة الكتاب وتلك النشرات المتفرعة عنه إن شاء الله.
وما يقف في سبيل هذا المشروع هو عقبتان: الأولى: هي الناحية المادية، والثانية: هي الناحية العلمية، والحمد لله قد توفر لنا من الناحية العلمية أخ أمريكي هداه الله تعالى للإسلام, وكان قد درس دينهم وتعمق فيه, ويعرف بعضاً من لغاته الأساسية، بالإضافة إلى إتقانه اللغات الإنجليزية، والحمد لله أنه قد أثبت كفاءة في فهمه للكتاب ودقته في ذلك, وقد بدأ في الترجمة، وهذه اللغة الإنجليزية نجعلها أساساً ثانياً مع اللغة العربية لدى من يترجم إلى اللغات الأوروبية، أما اللغات الإسلامية مثل الهوسا والأوردو والتركية والفارسية، فهذه الترجمة إليها من العربية ليس فيها إشكال كبير والحمد لله لأنها سهلة، وقد استعد كثير من الإخوة للتعاون معنا في المجال العلمي: تنقيح المصطلحات, وتخريج الأحاديث والروايات؛ فنحن نعمل سوياً مع إخوة متخصصين في اللغات والأديان.
الجانب الآخر: هو الجانب المادي, وأقول لكم: إنه جانب مكلف كثيراً، حتى إن سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز عندما قلت له: قد يكلف ثلاثين مليوناً، على أساس أن تكلفة المجلد الواحد مثلاً عشرة ريالات، وعدد مجلدات الكتاب ستة مجلدات, ونحتاج أن نترجم خمسمائة ألف نسخة فقط, فتبلغ التكلفة الإجمالية ثلاثون مليون ريال, فقال الشيخ: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، قلنا: سنفعل ما بوسعنا ثم نضعه للأمة، ونأمل إن شاء الله أملاً كبيراً جداً في غيرة هذه الأمة, وفي حرصها على دينها، وفي مقاومتها لهؤلاء الأعداء، فيمكن أن يغطى هذا الجانب بوسائل وبأسباب كثيرة ليس هذا مجالها.
وليس المقصود من هذه المحاضرة أن نجمع التبرعات، وإنما المقصود أن نعلن لكم عن الفكرة، وأن نبين لكم المشروع وأهميته، وليس المقصود أن نقول لكم: نجمع شيئاً من المال اليوم أو غداً ثم نمضي!! لا فهذا عمل متكامل، ويحتاج إلى جهود مستمرة، فنريد من كل أخ منكم أن يعد نفسه جندياً للإسلام، إن رأيت أي نشرة تنصيرية فأرسل بها، إن سمعت أي خبر عن التنصير في جريدة أو مجلة فاكتبه، أو وجدت شبهة من شبهاتهم فاجمعها، أو حصل لك مبلغ مادي أو لديك تاجر يفعل خيراً فقل له: تعال يا أخي، أتتبرع لـمنظمة اليونسيف؟! أتتبرع لنادٍ من النوادي؟! أتتبرع لبطولة القارات؟! وعندنا مشاريع إسلامية مهمة جداً وضرورية جداً لا بد منها؟ فتدل على الخير، والدال على الخير كفاعله.
على كل حال أرجو أن أكون قد وفيت بشيء مما أردته، والمشروع حقيقة لا مجاملة فيها هو منكم وإليكم ومن أفكاركم واقتراحاتكم جزاكم الله خيراً، وإن كان كثير منكم من خارج جدة، وخاصة من المنطقة الشرقية والرياض والقصيم، بل والله من أمريكا وصلت رسائل ومكالمات، كل واحد من المسلمين ممن لا نعرفه، يقول: أنا مستعد لأي عمل، ماذا تريدون أن أفعل، أنا مستعد ونحن نعلم أن الخير باقٍ في هذه الأمة إلى قيام الساعة, ونعلم أن الذي ينقص هذه الأمة هو من يفتح لها الطريق، من يريها كيف تعمل، وإلا فهي مستعدة لأن تجاهد، وتبذل كل شيء، لكن الذي ران على عقولها وقلوبها من الشهوات والشبهات والتخدير الإعلامي والتضليل الذي يمارس ضدها فكرياً من قبل أعدائها هو الذي جعلها كذلك، وإلا فالحمد لله ما من مسلم إلا ولديه من الغيرة على دينه بحيث لو استطاع أن يقدم روحه لقدمها، بشرط أن تنجلي عنه هذه الغشاوة، ويعلم أنه جندي من جنود الله عز وجل، وتابع من أتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وأن هؤلاء الوثنيين والمشركين والمجرمين الذين يسعون لإطفاء نور الله يريدون أن ينتزعوا إيمانه وعقيدته من قلبه وعقيدة أبنائه من بعده، وهذه هي التي نعلق عليها الأمل في إنجاح هذا المشروع, إن شاء الله تعالى.
الجواب: يضم إلى الاقتراحات الموجودة.
الجواب: أقول: أولاً: إن المنهج يجب أن يتضمن ذلك، فإن لم يتضمنه أو حذف منه، -كما بلغنا ورأينا- فالواجب أن يتدارك أولاً المنهج ليصحح ويعود، بل يضاف إليه الآن مثلما يضيفون من العداوات، فنضيف نحن زيادة تكافئ ذلك في المنهج.
وثانياً: يعوض ذلك ويكثف في المحاضرات والمواعظ والدروس العلمية وبكل وسيلة إعلامية ممكنة؛ فإن قضية الولاء والبراء من أعظم القضايا، وهي من أهم الأمور التي تعاني منها الأمة الآن، وتحتاج إلى معرفة عداوة هؤلاء -من أهل الكتاب- لنا.
الجواب: هذه كثيرة والحمد لله، ويوجد بفضل الله تعالى الآن ترجمات طيبة وصحيحة المعتقد يترجمها أخوة فضلاء منهم الأخ أبو أمين بلال فلبس الموجود في الرياض، وأيضاً كتاب التوحيد ترجمه إسماعيل فاورقي رحمه الله، وبعض الكتب التي ترجمها بعض المسلمين في أمريكا، والحمد لله في الفترة الأخيرة أخذت تنحو المنحى السلفي الواضح والعقيدة المتميزة، ونحن إن شاء الله من جملة الأعمال التي نسعى إليها ضمن هذا المشروع الكبير ترجمة مثل هذه الكتب، أو تصحيح ما فيها من أخطاء وأيضاً إعادة طبعها، وعمل الدعاية اللازمة لها، وإيجاد مكاتب دعوة الجاليات وأمثالها.
الجواب: التعميد عند النصارى هو: أن يُغمس المولود أو الداخل في دينهم في الماء إيذاناً بدخوله في هذا الدين، ويقولون: إن يوحنا الذي هو يحيى عليه السلام قد عَمَّد المسيح عليه السلام، وأصبح ذلك سُنَّة وعادة عندهم، وكلما احتاجوا إلى ذلك أو ولد لهم مولود حسب طقوسهم فإنهم يغمسونه، بأن يأتي القسيس ويغمس ذلك الرجل في الماء ويقرأ بعض الأوراد والأذكار المعينة عندهم، ويكون بذلك قد عُمّد، فأصبح هذا إيذاناً بدخوله في الدين، أو بالتزامه به بعد أن كان تاركاً لبعض شعائره.
وبهذه المناسبة أقول وهذا ما قرره شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في مواضع، وهو معلوم من الواقع: أن الكفار يختلفون في شرائعهم اختلافاً عظيماً جداً، تختلف طوائفهم في شرائعهم، مثلما ما تختلف في عقائدهم، ويقول ابن القيم رحمه الله: ''لو التقى عشرة من النصارى وسئلوا عن عقيدتهم، لافترقوا على أحد عشر قولاً'' من كثرة خلافاتهم، أما في الشريعة فأيضاً الخلاف شديد وعظيم، والشرائع الثابتة في التوراة والأناجيل مغيرة ومنسوخة، ومبدلة، حتى القبلة، وحتى الصيام، وحتى كيفية الصلاة مغيرة ومنسوخة، بعمل بولس وأتباعه، وبالنسبة للماء فالظاهر أنه أي ماء؛ لكن قد يكون عندهم بعض المياه المفضلة.
الجواب: حقيقة بلغني هذا واطلعت بنفسي على المناهج ورأيت ذلك وقلت أحد أمرين، إما أن يكون قد نُقِل إلى مرحلة أعلى، وهذا من باب حسن الظن، ونرجو أن يكون كذلك، أو يوجد من أهل الغيرة من يقول في وزارة المعارف: إن الحروب الصليبية هي خطيرة وعظيمة وإنها تحتاج إلى بسط وإلى إفاضة، فتوسع وتنقل إلى سنة أخرى، وإن كان هذا الاحتمال قد لا يرجح، لكن نرجو أن يكون موجوداً.
وأما الاحتمال الآخر فهو أن تكون حذفت لئلا تجرح مشاعر اليهود والنصارى، لأنه هذا ربما يؤثر فيهم أو يغضب بعضهم، كما منعت فتوى بعض العلماء، وقيل: إنها قد تجرح مشاعرهم!!
فيكون هذا جزء من إبعاد هذه الأمة عن عقيدة الولاء والبراء، سواءٌ كان القائم بذلك يعلم أو لا يعلم، فالحاصل في النهاية أن هذه الأمة يرسم لها مخطط إجرامي خبيث، لكي تبعد عن عقيدة الولاء والبراء، فتوالي أعداء الله، وتعادي أولياء الله بأسماء خداعة كالسلام العالمي، والإنسانية، والمحبة لشعوب العالم، كما سمعناها منذ يومين في لقاء القارات أو دوري القارات وأمثالة، ويقولون: إن الأعداء هم الأصوليون والمتطرفون وإلى آخر العبارات، نرجو ألا يكون الأمر بالاحتمال الأخير؛ لكن على كلٍ فالأمر لا يخرج عن هذين الاحتمالين.
الجواب: الحقيقة أنه ليس متميزاً، وإنما هو مشروع عادي أو فكرة عادية جداً، والإخوة يتطوعون بالذهاب وتحسب المدة لهم، وطبعاً ليسوا دعاة متفرغين كالمنصرين بالملايين أو بمئات الآلاف، ولا عندنا أيضاً من يتفرغ لمدة سنة براتبه؛ بل بعض الإخوة يقول: لا أستطيع أكثر من عشرة أيام، فتكفل بعض المحسنين أثابهم الله بالتذاكر والإخوة بالذهاب، وبعض الجمعيات هنالك: كجمعية الوقف، والمنتدى، ومؤسسة الحرمين، تكفلت بترتيب أمور الدعاة، فكان التعاون من أطراف عدة، وليس لنا فيه كبير فضل، ولكن فوائده عظيمة ولله الحمد والفضل والمنة، وأثمرت ثمرة كبيرة جداً رغم ضعف الجهود وقلتها، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبارك فيها.
وقلت للإخوان الكرام الذين رجعوا: لو لم يكن إلا أنكم رأيتم ما رأيتم، وقد رأو المنصرين من أمريكا، وألمانيا، والسويد وغيرها يأتون لتنصير المسلمين ويأخذون أطفال المسلمين وهم ينظرون، وبعض الإخوة كتب كتابات مبكية، وبعضهم تأثر تأثراً بالغاً جداً حتى إن حياتهم قد تغيرت، لما رأوا ما آلمهم من الحرقة على هذا الدين، يقول أحدهم: أنا أتكلم مع المسلمين وأشرح لهم التوحيد أو الصلاة، ويأتي الراهب الأمريكي بموز وبحلوى، وإذا بهم يذهبون من الجوع -وخاصة الأطفال- إليه، ثم يحملهم في الحافلات إلى الكنيسة، وأنا واقف أتكلم! فكيف يكون شعور المسلم؟! وأحداث أخرى، يطول المقام لو ذكرناها.
فمما أفدناه فعلاً هو أن نعرف خطر هؤلاء الأعداء، وأنهم مهما أظهروا ومهما قالوا، فإن الأمر كما قال الله تبارك وتعالى في حقهم: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] يُرِيدُونَ أَنْ يطفئوا نُورَ اللَّه بأفواههم وبتنصيرهم كما ذكر الله تبارك وتعالى: يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ونرجوا أن يتحقق فيهم قول الله فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] ونرجوا أن يكون لهذا المشروع أثره الطيب، وأن يحتذى بمثله، وقد سبقنا في هذه المنطقة الطيبة إلى شيء من هذا وأكثر إن شاء الله.
الجواب: هذا من الأسئلة المهمة جداً؛ لأن من أهم الأعمال التي نحن نريد الآن أن نحققها، أنك لا تجد هذا التقسيم، ومن قرأ إغاثة اللهفان، أو هداية الحيارى، فإنه لاحظ الأقسام الموجودة في القديم التي يقسمها علماؤنا وهم الملكية، والنسطورية، واليعقوبية.
فهذه الأسماء والمصطلحات تختلف عن الثلاث الفرق المعاصرة الآن، وربما تكون هذه الثلاثة من طائفة واحدة، وهي طائفة الأرثوذكس، وقد يكون بعضهم كاثوليك، وهذه من الأشياء التي نريد أن نحققها إن شاء الله.
أما البروتستانتية فهي لم تظهر إلا بعد شَيْخ الإِسْلامِ، فلم يكتب عنها، وهي أخطر أنواع التنصير، وهي التي تشكل ما يقارب ستين في المائة من نصارى الولايات المتحدة الأمريكية، ومعظم الأصوليين الإنجيليين هم من هذه الفئة الخبيثة الخطيرة، وهذا مما نريد أن نوضحه بإذن الله في تعليقنا على الكتاب.
الجواب: لا شك أن الأصل في معاملتهم هو هذا، وأن يضطروا إلى أضيق الطريق، لكن نحن الآن ننظر من زاوية أخرى، لا أعني في هذه البلاد، فالأصل في هذه البلاد ألا يكون فيها نصارى مطلقاً؛ لكن كل ما يتعلق بالهجر أو الزجر لأهل الكتاب أو المبتدعة، فهو يندرج تحت القاعدة العامة والأصل العام في المصالح والمفاسد، فالشروط العمرية مثلاً التي تضمنها كتاب ابن القيم رحمه الله المشهور المعروف أحكام أهل الذمة، وشرحها فيه، هذه في حالة قوة المسلمين، كما كان في عهد عمر رضي الله عنه، والخلفاء من بعده، أما في حالة الضعف فتقتضي الحكمة نوعاً من التلطف بهم واللين معهم والترفق بهم، فهذا أيضاً وارد؛ فلا نقتصر على نوع واحد من المعاملة، وهذا قد يحصل في حق القسيس المعادي المخالف، ولكن ربما كان لدى البعض منهم، عملاً منفراً منا ومن ديننا، وهذا له تفصيل قد لا يتسع له المقام.
الجواب: فُتِحَ حساب للمشروع في فرع شركة الراجحي المطار برقم (5848) لأنه أقرب, ويمكن فتح آخر إن شاء الله، وحجم الكتاب أربعة أجزاء في مجلدين كبيرين، ومع الشرح والتعليق والإضافات والمقدمة، سيكون ستة مجلدات، هكذا المتوقع إن شاء الله.
الجواب: الناسوت واللاهوت عند النصارى جزء من عقيدتهم.
وسأوجز لكم عقيدة النصارى، فأقول: لا يجتمع النصارى مهما كثروا في العالم، وهم كما يقولون: إن أكثر الأديان هو دينهم من ناحية العدد، ولكن لا يجمعهم إلا شيء واحد، وهو أن المسيح هو رأسهم الذي ينتسبون إليه.
ثم بعد ذلك يختلفون في كل شيء: في العقيدة وفي الشريعة وفي الأحكام، إلا ما حرفه بولس من دينهم فإنهم أجمعوا عليه، وهو استحلال الخنزير وترك الطهارة وتعليق الصلبان, وكلها محرمة في دينهم وفي شريعتهم، فالصليبيون كلهم في العالم، الذي يجمعهم هو تعظيم المسيح نوعاً ما -وكل واحد له تعظيم، هذا يقول: إله، وهذا يقول: ابن إله- وأنه يرفع الصليب، وأنه يأكل الخنزير والميتة ولا يتطهر، أما ما عدا ذلك فالخلافات بينهم على أشد ما يمكن، حتى معنى اللاهوت ومعنى الناسوت.
فمعنى اللاهوت: هو الجزء الإلهي من طبيعة المسيح، والناسوت الجانب الإنساني، فمثلاً يقولون عندما خاطب المسيح البحر, وقال: اسكن، كان الجانب اللاهوتي هو الذي يعمل، عندما يقول للميت: قم، هذا الجانب اللاهوتي،لكن لما صلب بزعمهم: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] وقال: يا إلهي لماذا تركتني؟! كان يتكلم الجانب الناسوتي، وهذا من الخرافات، فهو مرة إله يأمر وينهى، ومرة يشكو إلى الإله أنه تركه! تعالى الله عما يشركون وعما يصفون!
الجواب: العمل إن شاء الله سيكون كبيراً جداً, ونحن سوف نترجم هذا الكتاب -إن شاء الله- وغيره، وأيضاً كتاب السموأل الذي كان نصرانياً ثم أسلم.
وكذلك بعض المخطوطات، التي حققت منها نحن نترجمها، والتي لم تحقق سوف نعمل على أن تحقق ثم تترجم ثم تطبع، ثم يستخرج من مجموعات هذه الكتب: دائرة معارف، ومن خلال المادة التي تبحث عنها تعرف كل شيء عن هذه الأديان والمذاهب والفرق، وبجميع اللغات نسأل الله أن ييسر ذلك.
الجواب: هذا الاقتراح عظيم, ونرجو من الأخ الكريم -ومنكم جميعاً- أن تتقدموا بمثل هذه الاقتراحات إلى سماحة الشيخ عبد العزيز أو إلى رابطة العالم الإسلامي مثلاً، لعله يوجد شيء من هذا، وتكون هذه الجهود الفردية نواة أو جزء من هذا العمل الكبير الذي تتمنونه جميعاً.
الجواب: كما أشرت السبب هو تخدير إعلامي، وتضليل فكري، وغفلة، وإلا لو أوقظت القلوب والمشاعر الإيمانية فلسوف ترى العجب العجاب، حتى ممن لا تظن أنه يدفع، وهذا شيء مجرب.
الجواب: في الحقيقة الأخ الكريم أشار إلى جانب مهم نحن لا نستطيعه وهو الجانب التدريـبي، أو التعليمي، والذي نستطيعه هو الجانب العلمي أن نقرأ ونشرح ونفسر ونترجم فقط، والجانب التدريـبي مهم جداً، لكن المؤسسة الخيرية للدعوة، وهي من مهماتها ومن برامجها جانب التدريب، وهم إخوة نشطاء, ونسأل الله تعالى أن يوفقهم، ونحن وهم نتكامل في هذا الأمر، ولا بد أنكم تعرفونها ولا تخفى عليكم، هنا في جدة موجودة والحمد لله، ونرجو أن تقدم لها هذه الاقتراحات, ونحن مستعدون للمشاركة في محاضرات أو غيرها، أنا أو الإخوة العاملون معي، مستعدون أن نشارك الإخوة في المؤسسة، فكلنا هدفنا واحد، ومسعانا واحد، لكن هم لديهم جوانب تدريبية وتعليمية، أما نحن فهي جوانب علمية بحتة.
الجواب: يا أخي كل مسلم له دور, لو لم يكن من دورك إلا أن تكتب عنهم وماذا يفعلون، أن يروا منك أنك حريص وغيور على دينك، وأنهم لو فعلوا شيئا ضد دينك فإنك تغضب عليهم ولو بالعين، ولو ببعض العبارات، ويعرفون من وجهك -ولو لم تتكلم- أنك غيور على الإسلام، ثم في إمكانك شيء آخر وعظيم وهو الدعاء! ندعوا الله أن يخذلهم، وأن يدمرهم، وأن يجعل كيدهم في نحورهم، ويجعل تدبيرهم تدميرهم.
وفي الجانب الآخر ندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفق جهود المخلصين الذين يقاومونهم، وهذا الشيء يستطيعه: العجوز والشيخ الكبير، والمقعد، والمريض، والفقير، وكل واحد منا يستطيعه، وهو أمر عظيم، ونحن إنما ننصر ونرزق بضعفائنا، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الجواب: نعم يمكن ذلك, وكل أخ يستطيع أن يعطينا فليتقدم وليتفضل -جزاه الله خيراً- ونحن نتعاون ومع الإخوان في مكتب الجاليات، ومع الإخوان في المؤسسات الخيرية، ومع مركز الدعوة، وكلنا جنود لهذا الدين، كلنا دعاة، من أجل أن نعرف حجم العمالة والدين الذي تدين به، وبالتالي نوجه لهم الدعاة، أو النشرات، بحسب اللغة، وبحسب الدين الذي يدينون به في هذه الشركات، ولاشك أن العلاج الأساس والأصلي، الذي لا نتجاوزه أبداً هو ما أمرنا به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وغيرهم أولى منهم، فهذا هو الحل، وكل الحلول الأخرى جزئية وغير مكتملة؛ لأنها مخالفة، لأن بقاءهم في هذه البلاد المطهرة مخالف لما أمر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما قال: {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} فهذه بلاد التوحيد لا يجوز أن يدخلوها، ولم يدخلوها ولم يستوطنوها في تاريخهم كله، إلا في ظل هذه الطفرة المادية من البترول فصاعداً، وإلا قبل ذلك -كما أشرت- ما كانوا يحلمون أن يقيموا فيها أبداً إلا قناصل، بل حتى القناصل من شدة حرص المسلمين ومن خوف الكافرين كان القنصل الروسي مسلماً والقنصل البريطاني في بعض الأحيان مسلماً ولو بالاسم، لأنهم يعلمون أن هذه البلاد لا يمكن أن يكون فيها إلا المسلم، والله المستعان على هذه الأحوال الأخيرة.
الجواب: وهذا لا شك فيه، وقد أهديت أحد النصارى في العام كتيب الدين الصحيح بالإنجليزية، وقد بدأ يسألني وأنا لا أعرف لغته ووعدته أن أنقله إلى مركز ثقافي أو مكتبة إسلامية، ولكني لا أعرف أين هذه المكتبات أو المراكز الثقافية، وقد جاءتني فكرة لماذا لا توجد باصات، تنقل هؤلاء إلى تلك المراكز لتعرفهم على الإسلام، ولو قلنا لهم رحلة ترفيهية، والتعرف على الإسلام، فكثير منهم مستعد، المهم أن الأخ يشير إلى جانب آخر, وهو جانب الهجوم، وفعلاً لماذا لا ندعوهم في بلادنا بحكم أننا غُلِبنا وقد أقاموا بيننا؟!
ومن الوسائل التي ذكرها الأخ ما هو جدير بالاعتناء ففعلاً: لماذا لا نفكر في ذلك، وخاصة أنهم يعيشون في الغالب في مجمعات سكنية,كـالمدينة الصناعية. فيمكن أن تهيأ لهم وسائل نقل لحضور محاضرة معينة، أو تهيأ لهم رحلة، أو أي عمل من شأنه أن يكون وسيلة لأن ننقل إليهم حقائق هذا الدين.
الجواب: هذا الموضوع أحد الموضوعات التي أجاب عليها شَيْخ الإِسْلامِ في الكتاب، فلا تعارض بين المجادلة والمجالدة، لأن من جادلناه فأبى أن يقتنع، فالحل هو المجاهدة والمجالدة بالسيوف، فنحن نخاطب النصارى أفراداً ونخاطبهم أمماً، فالأمم تدعى إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، أما الفرد فلا تقاتله، ولا يرغم، ولا يكره الواحد منهم على اعتناق ديننا، ولكن يرغم على دفع الجزية، أو يسلم طواعية واختياراً, فهو إما أن يرتبط بأحكام أهل الذمة، فيدفع الجزية، ويكون ضمن أهل الذمة المقيمين في بلاد الإسلام، أو يسلم طواعية، فإن كان حربياً فلا يعيش بيننا.
الجواب: نعم, بالإمكان أن نجعل من صحافتنا وإذاعتنا وتلفازنا ناطقاً بديننا، بدلاً من أن تَعرِضَ اللهو والعبث وما لا خير فيه، ولو كانت القناة الثانية مثلاً تعرض الإسلام وتهتم به بأساليب منوعة ومشوقة، لأسلم الكثير بإذن الله.
الجواب: المشروع بما أنه علمي فلا يحتاج إلى سواعد كثيرة، وإنما يحتاج كما أشرنا إلى جهود أخرى تخدم الجانب العلمي، فإذا كان الأخ يقصد بعمله أنه مثلاً يتبرع بشيء، لعله هذا في مراحل فيما بعد -إن شاء الله- فمثلاً إذا طبع الكتب، فبالإمكان أن توزع عن طريق الإخوة في الداخل وفي الخارج.
وبالمناسبة نشكر القائمين على بعض المشاريع: أحدها في الرياض قامت به الدار العالمية، والآخر في جدة، والثالث في الرياض جزاهم الله خيراً، وهم مجموعة من الإخوة الذين تحابوا في الله, وجمعتهم الغيرة على الدين, يوزعون الكتب في أنحاء العالم عن طريق المراسلة، والكتيبات في العقيدة بالعربية وبغيرها، وهذا مشروع ناجح وجيد ومفيد، وهو من الأمور التي يمكن أن يشارك فيها عدد كثير من الإخوة.
و على كل حال فإن المستعد وإن لم يجد إلا نفسه أو يده للعمل، يمكن أن نجد له -إن شاء الله- وسيلة يعمل بها لخدمة هذا الدين.
ونشكركم جميعاً، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بمنِّه وجوده وكرمه أن يوفقنا وإياكم للإخلاص في القول والعمل, وأن ينفعنا جميعاً بما نسمع وما نقول, إنه سميع مجيب, والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر