الجواب: هذه الدراهم التي عزلتها لتؤديها زكاةً عن مالك، وأديت منها ألفاً وخمسمائة وبقي بعضها فجعلته في صندوق السيارة ثم فقدته بعد ذلك، يجب عليك أن تخرج مقابل هذا الذي فقدت؛ لأن هذا المال لم يصل إلى مستحقيه فهو في ملكك حتى يصل إلى مستحقيه، وعلى هذا فيلزمك أن تخرج ستة آلاف وخمسمائة عن زكاة مالك.
أولاً: هل عقد الزواج صحيحاً بذلك الشكل؟ وما حكم عمل الحجاب الذي عملته، والذي يبدو أنه أعطى نتيجة عكسية؟ وهل بقاء أختي على مثل هذه الحالة جائز شرعاً أم أنها تعتبر عند أجانب وتعتبر طالقة؟ وما هي توجيهاتكم ونصائحكم لنا لحل هذه القضية ونحن خائفون إذا أقدمنا على أي أمر أن نغضب به الله سبحانه وتعالى؟
الجواب: هذا سؤال مطول وفيه فقرات لا داعي لذكرها كعدد الأسر وما أشبه ذلك، والذي أنصح به إخواني المقدمين للسؤال أن يجعلوا الأسئلة مركزة مختصرة حتى يمكن استيعاب فهمها ثم الإجابة عليها، ولكن من توفيق هذا السائل أنه حصر السؤال في النقاط التالية:
أولاً: هل عقد النكاحين صحيحان؟
والجواب على ذلك: أن العقدين صحيحان إذا لم يكن هناك شرط، فإن كان هناك شرط بأن قال أحدهما للآخر: لا أزوجك حتى تزوجني، فإن هذا من نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا سمي لامرأتين مهراً كاملاً، وكان كل من الزوجين كفؤاً للمرأة ورضي كل من الزوجتين، هل يكون نكاحه في هذه الحالة صحيحاً أم يكون باطلاً؟ على قولين لأهل العلم، والذي يظهر من ظاهر صياغة السؤال: أنه ليس بينهما شرط، وعلى هذا يكون النكاحان صحيحين.
وأما الفقرة الثانية: وهي وضع الحجاب المسمى في عرف كثير من الناس بالخط، فإن عمل هذا الحجاب محرم ولا يجوز؛ لأن ذلك لم ترد به السنة، فإن كان من أدعية محرمة طلاسم محرمة فإنه لاشك في تحريمه، وإن كان من القرآن ففي تحريمه نزاع بين أهل العلم، والراجح أنه لا يجوز؛ لأن الاستشفاء بالقرآن على وجه لم ترد به السنة ليس بصحيح، إذ أن مثل هذه الأمور موقوف على الشرع، فما ورد به الشرع فهو جائز وما لم يرد به فالأصل أنه ممنوع؛ لأن إثبات سبب ما لم يرد به الشرع ولم يشهد به الواقع فهو نوع من الشرك، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يعلق شيئاً في عنقه يستشفي به من المرض أو يدفع به سوءاً؛ لأن ذلك لم يرد والأصل المنع في هذه الأمور.
وأما الفقرة الثالثة: وهي بقاء أختك عند زوجها الذي قال: لترجع إلى بيتها على أنها ليست بزوجة، ولكن لتكون عند أولادها، هذا يرجع إلى نية الزوج، فإذا كان نيته بها الطلاق فإنها تكون طالقاً، وبقاؤها في هذا البيت عند أولادها إذا كانوا قد بلغوا وعقلوا لا بأس به؛ لأنها تكون امرأة عندها محارمها، وإن لم يكونوا بالغين عاقلين فإنه كذلك لا بأس به مادام الفتنة مأمومنة ولا يخلو بها أحد من غير محارمها.
الجواب: الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء كما ذكر الله ذلك عن نفسه في كتابه، حيث قال سبحانه وتعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17]، وكما شهد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقر الجارية التي سألها: ( أين الله؟ قالت: في السماء. قال: أعتقها فإنها مؤمنة ) وكما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعظم مجمع من أمته يوم عرفة، حين خطب الناس خطبته الشهيرة، فقال: ( ألا هل بلغت. قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد ) وجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس، فهذا دليل من القرآن ومن السنة على أن الله في السماء، وكذلك دليل العقل أن الله في السماء، فإن السماء علو والعلو صفة كمال، والرب سبحانه وتعالى قد ثبت له صفة الكمال، فكان العلو من كماله تبارك وتعالى، فثبت له ذلك عقلاً، كذلك في الفطرة فإن الناس مفطورون على أن الله تعالى في السماء، ولهذا يجد الإنسان من قلبه ضرورة لطلب العلو حينما يسأل الله شيئاً ويقول: يا رب! فلا يجده في قلبه التفاتاً يميناً ولا يساراً ولا أسفل، وإنما يتجه قلبه إلى العلو بمقتضى الفطرة التي سلمت من اجتيال الشياطين، وما من أحد يصلي فيقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، إلا وهو يشعر بأن الله تعالى في السماء، وقد انعقد إجماع السلف على ذلك كما ذكر ذلك الأوزاعي وغيره، وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة كل هذه الأدلة قد تطابقت على أن الله تعالى في السماء، وأنه جل وعلا عالٍ بذاته كما أنه عالٍ بصفاته، ولكن يجب أن يعلم أن كونه في السماء لا يعني أن السماء تظله أو محيطة به، فإن الله تعالى أعظم من أن يظله شيء من خلقه، وهو سبحانه وتعالى غني عما سواه وكل شيء مفتقر إليه سبحانه وتعالى، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فلا يمكن أن تظله السماء، وعلى هذا فيزول المحظور الذي أظن أنه قد شبه على هذا السائل بأنه إذا قلنا: إن الله في السماء لزم أن تكون السماء مظلة له عز وجل وليس الأمر كذلك، فإن قال قائل: إن قوله: (في السماء) قد يفهم منه أن السماء تحيط به؛ لأن (في) للظرفية والمظروف يكون الظرف محيطاً به، فالجواب: أن ذلك ليس بصحيح؛ لأننا إذا جعلنا (في) للظرفية فإن السماء بمعنى العلو، والسماء بمعنى العلو قد ورد في القرآن، كما في قوله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:22] والماء ينزل من السحاب والسحاب مسخر بين السماء والأرض، فيكون معنى قوله: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ) أي: أنزل من العلو، ويكون معنى قوله: أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: من في العلو، وهناك وجه آخر بأن نجعل (في) بمعنى (على) ونجعل السماء هي السماء وهو السقف المحفوظ، ويكون معنى: (مَنْ فِي السَّمَاءِ)، أي: من على السماء، وإذا كان عالٍ عليها فلا يلزمها أن تكون محيطة به ولا يمكن أن تكون محيطة به، و(في) تأتي بمعنى: (على) كما في قوله تعالى: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ [النحل:15] أي: على الأرض، وكما في قوله تعالى عن فرعون: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] أي: على جذوع النخل، بكل هذا يزول الإشكال والوهم الذي قد يعتري من لم يتدبر دلالة الكتاب والسنة في هذه المسألة العظيمة، ولا ريب أن من أنكر أن الله في السماء فهو مكذب بالقرآن والسنة وإجماع السلف، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يتدبر دلالة الكتاب والسنة، على وجه مجرد عن الهوى ومجرد عن التقليد حتى يتبين له الحق، ويعرف أن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يحيط به شي من مخلوقاته.
أما قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] ، فإن الاستواء بمعنى العلو، كما في قوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ [الزخرف:13] أي: تعلو عليها، وكما في قوله تعالى: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [المؤمنون:28] أي: علوت، فالاستواء في اللغة العربية بمعنى: العلو، ولا يرد بمعنى الاستيلاء والملك أبداً، ولو كان هذا صحيحاً لبينه الله عز وجل في القرآن ولو في موضع واحد، والاستواء على العرش ذكر في القرآن في سبعة مواضع، ما فيها موضع واحد عبر عنه بالاستيلاء أبداً، ولو كان بمعنى الاستيلاء لعبر عنه في بعض المواضع حتى يحمل الباقي عليه، فإن لم يكن في القرآن، فتكون قد بينت السنة، وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد يدل على أن استواء الله على عرشه بمعنى استيلائه عليه، وليس في كلام السلف الصالح والأئمة على أن استواء الله على العرش بمعنى استيلائه عليه، والمعروف عنهم أنه بمعنى: العلو، والاستقرار، والارتفاع، والصعود، هكذا نقل عن السلف، وعلى هذا فيكون المعنى الصحيح على قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وما أشبهها من الآيات، أي: الرحمن على العرش علا علواً خاصاً يليق بجلاله تبارك وتعالى، ولا يستلزم ذلك أن يكون الله تعالى محتاجاً إلى العرش، بل إنه لا يقتضي ذلك أبداً، فإنه قد علم أن الله تعالى غني عما سواه، وأن كل ما سواه محتاج إليه، فنرجو من الأخ السائل عن الجواب الأول أن يضيف إليه هذا الجواب حتى يتبين له الحق وأن يجرد نفسه قبل كل شيء من التقليد حتى يكون قلبه سليماً على الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
الجواب: قسمة ماله بين أولاده لا حرج عليه فيها مادامت القسمة على مقتضى العدل، بأن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يفعل؛ لأنه إذا قسم ماله بينهم أخرجه عن ملكه وربما يحتاج إليه في حياته، ثم إنه قد يحدث له أولاد جدد كما في هذا السؤال، فالذي ينبغي للإنسان أن لا يقسم ماله على ورثته في حياته، حتى وإن قدر أنه لا يرجو أولاداً في المستقبل؛ وذلك لما أشرنا إليه من كونه قد يحتاج إلى ماله ويكون قد أخرجه من ملكه.
وأما قوله: إنه قسم ذلك لئلا يكون بين الأولاد خلاف بعد موته، فهذا سوء ظن، والله سبحانه وتعالى قد جعل الميراث يقسم بعد موت المورث، فاللائق بالإنسان أن يبقي ماله على ملكه، فإذا توفاه الله عز وجل فإن الأمر معلوم لا يمكن أن يقع فيه اشتباه؛ لأن الله تعالى بين المواريث بياناً كافياً شافياً كما قال الله تعالى في آخر آية من آيات المواريث: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].
الجواب: الاستحاضة عند أهل العلم هي: أن يستمر الدم على الأنثى أكثر أيامها أو كل أيامها، وحكم الاستحاضة أنها إذا كان لها عادة صحيحة قبلها -أي: قبل وجوب الاستحاضة- فإنها تجلس عادتها، ثم بعد ذلك تغتسل وتصلي وتصوم ولكنها عند الصلاة تتوضأ لكل صلاة، بمعنى: أنها لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها، فإذا دخل الوقت غسلت الفرج وتحفظت بحفاظة، ثم تغسل أعضاء الوضوء ثم تصلي ما شاءت من فروض ونوافل إلى أن يخرج الوقت، فإن لم تكن لها عادة من قبل مثل أن تأتيها الاستحاضة من أول ما ترى الدم فإنها ترجع إلى التمييز، والتمييز هو: أن دم الحيض يكون أسود ثخيناً منتناً، ودم الاستحاضة بخلاف ذلك، فتجلس ما كان دم الحيض ثم تغتسل وتصلي وتفعل كما سبق، وذكر بعض المتأخرين من الأطباء أن من علامات دم الحيض أنه إذا خرج لا يتجمد بخلاف دم الاستحاضة، وإذا كان هذا صحيحاً فإنه يضاف إلى الطرق الثلاث السابقة، فتكون الفروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة أربعة، وإذا لم يكن لها عادة سابقة ولا تميز بأن كان دمها على وتيرة واحدة، فإنها تجلس غالب أيام الحيض عند أكثر النساء وهو ستة أيام أو سبعة، وتبتدئ المدة من أول مدة جاءها الحيض فيها أو جاءت الاستحاضة فيها، فإذا قدر أن ابتداء هذا الدم كان من نصف الشهر، فإنها تجلس عند نصف كل شهر ستة أيام أو سبعة ثم تغتسل وتفعل كما سبق، هذا هو حكم المستحاضة.
وأما من يأتيها الدم متقطعاً يوماً يأتيها الدم ويوماً تطهر فإن المشهور عند فقهاء الحنابلة أن من ترى يوماً دماً ويوماً نقاءً فإن النقاء طهر والدم حيض، ما لم يتجاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوماً، وإن تجاوزه صار استحاضة.
مداخلة: إذاً: ماذا نقول لها بالنسبة لهذه الأيام؟
الشيخ: هذه الأيام الذي يظهر أنها ليست استحاضة؛ لأنها ما تجاوزت أكثر الحيض بل تعتبر حيضاً وما أفطرته فيها فإنها تقضيه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر