أيها الإخوة: إن الحديث عن موضوع الشباب حديث ضروري ومهم، وذلك لأسباب عديدة:
أولاً: يعيش الشباب في هذه المرحلة، كثيراً من التغيرات الجسمية والنفسية والعقلية وغيرها، وهذه التغيرات تسبب للشباب كثيرا ًمن المشكلات التي يحتاج معها إلى من يأخذ بيده إلى جادة الصواب، وإلى طريق السلامة.
ثانياً: إن الشاب يتمتع في شبابه بطاقات هائلة جبارة، هذه الطاقات المتنوعة، من الطاقة الجسمية، والقدرة الفكرية، والاستعداد للتضحية؛ يمكن أن تكون طاقة بناءة مثمرة إذا وجدت من يوجهها التوجيه الصحيح، ويمكن أن تكون طاقة هدامة للفرد والمجتمع إذا لم تحض بالعناية والتوجيه.
إن الطاقة التي يمتلكها الشاب أشبه ما تكون بالسيل الجارف، فهذا السيل إذا وضعت له السدود والمعابر وصرف بطريقة صحيحة؛ فإنه يكون خيراً للإنسان ولما يمتلكه الإنسان من الحيوانات والزروع وغيرها، وإذا أُهْمِلَ؛ فإنه يكون تياراً جارفاً يكتسح الإنسان والحيوان والزروع وغيرها من المنشئآت، وهكذا طاقة الشباب.
ثالثاً: إن الشاب يمتلك قدراً كبيراً من الفراغ لا يمتلكه غيره، وقديماً قيل:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة |
نعم! إن الفراغ إذا صاحبه إهمالٌ في التوجيه وغفلة؛ فإنه يصبح مفسدة أي مفسدة، لكن إذا وفق الشباب بمن يوجهه إلى تصريف فراغه بطريقة صحيحة؛ فإنه يكون مصلحة أي مصلحة ومنفعة أي منفعة، وليس المقصود بالفراغ هو وجود أوقات لا يعرف الشاب كيف يصرفها، بل إن الفراغ يشمل أمراً آخر: وهو أن الشاب قد تعدى مرحلة الطفولة، التي كان فيها مجرد كائن بسيط تابع للبيت الذي يعيش فيه، وهو مستعد لقبول التوجيهات التي يلقيها إليه أبواه، تعدى الشاب هذه المرحلة، ولم يدخل بعد إلى المرحلة التي يرتبط فيها ارتباطاً كبيراً ببيت وأسرة وزوج وأعمال كثيرة تأخذ عليه وقته، فهو في مرحلة وسيطة بين هذه وتلك، فلهذه الأسباب الثلاثة؛ يصبح الحديث عن الشباب حديثاً ضرورياً ومهماً.
وحين تتأمل هذا الحديث يلفت نظرك إلى أمور منها:
العمر هو الوسيلة لكسب جميع الأشياء، وإنما سعد من سعد في الدنيا وفي الآخرة؛ باستغلال أوقاتهم فيما يرضي الله عز وجل، وشقي من شقي في استغلال أوقاتهم فيما يسخط الله عز وجل، ولهذا فإن من الطبيعي والمنطقي، أن يسأل الإنسان عن عمره قبل أن يسأل عن علمه، وقبل أن يسأل عن عمله، وقبل أن يسأل عن ماله.
يقول مجاهد بن جبر رحمه الله -أحد أئمة التابعين في التفسير- في تفسير هذه الآية، أي في تفسير الذرية: [[إنهم أبناء الذين بعث إليهم موسى بعد طول الزمان وبعد موت آبائه]] وهذا القول يفهم منه أن غالب الذين آمنوا بموسى واتبعوه، كانوا من الشباب، من أبناء الجيل الذي بعث فيه موسى، أما الكبار الذين بعث فيهم، فلم يؤمن منهم معه إلا قليل.
وحين ننظر في دعوة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، نجد هذه القضية واضحة كل الوضوح، فأنت لو تأملت أسماء الذين عذبوا في الله بـمكة، أو أسماء الذين هاجروا إلى الحبشة، أو إلى المدينة، أو الذين حضروا الغزوات، أو الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله عز وجل؛ لوجدت أن غالبهم من الشباب.
وأضرب لذلك مثلاً واحداً، وهو ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، في بيعة العقبة، يقول رضي الله عنه وأرضاه: [[إن
لقد أبدى العباس دهشته حين نظر في طلعات هؤلاء المبايعين، وربما كان يظن أنه سيجد مجموعة من كبار الشيوخ الذين خطهم الشيب، أو الشيوخ الذين عرفهم في المدينة، من خلال مجيئه إليها ومروره بها في أعمال التجارة وغيرها، وإذا به يفاجئ أن هذه الطليعة المؤمنة، التي تبايع النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي من الشباب، فلم يُخف هذه الدهشة وهذا الاستغراب، فقال أمامهم وهم يسمعون: [[هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث ]] والحديث رواه الإمام أحمد والحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي، ورواه ابن حبان في صحيحه، وله طرق يتقوى بها.
وحين ننتقل إلى الحركات التجديدية، التي جدد أصحابها ودعاتها ما اندرس من شأن الدين؛ نجد أيضاً أن أنصار هذه الدعوات والذين يمشون خلف هؤلاء القادة والزعماء، أنهم كانوا -أيضاً- من الشباب، ومالنا نذهب بعيداً في التاريخ، ونضرب الأمثلة من الماضي السحيق، ونحن نجد اليوم في هذه الأزمنة وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بل في مختلف أنحاء العالم، نجد الذين رفعوا راية الإسلام، وأقبلوا على العلم والتعليم، والدعوة إلى الله عز وجل، ومعرفة السنة والعمل بها، والدعوة إليها، نجد أن غالبيتهم من الشباب.
وكل متأمل في أوضاع المسلمين اليوم، يجد أنهم يعيشون توبة وأوبة إلى الله عز وجل، وصحوة لا عهد لهم بمثلها، ليس على مستوى الشباب فحسب ذكوراً وإناثاً، كلا، بل وحتى على مستوى الكبار، وعلى كافة المستويات، ولكن للشباب في هذه الصحوة دور بارز ليس لغيرهم، وما كان لهذا العلم أن ينتشر لولا إقبال الشباب عليه ورغبتهم فيه بتوفيق الله تعالى.
إذاً فالذين يحملون مشعل الهداية، ويقبلون على الخير، هم في الغالب من الشباب.
وحين نقلب الصفحة نجد في المقابل، أن أعداء الأنبياء والرسل الذين يجاهرون بالعداوة ويستميتون في سبيلها؛ نجد أن من بينهم شباباً ممن لم تستنر قلوبهم بنور الإيمان، ونجد لهؤلاء الشباب من القوة في مقاومة دعوة الأنبياء وأتباعهم ما ليس لغيرهم من الشيوخ الكبار، ونجد في واقع المسلمين اليوم، وفي ماضيهم القريب أيضاً.
إن كثيراً من حملة المبادئ المنحرفة، ومن دعاة الأفكار الهدامة، كـالشيوعية والقومية والبعثية وغيرها من المذاهب التي عرفها المسلمون في ماضيهم القريب وفي حاضرهم، نجد أن كثيراً من الذين نعقوا بهذه الدعوات، وصرخوا بها بين أظهر المسلمين، أنهم كانوا من الشباب.
ولا غرو أن نجد أعداء الإسلام من المستعمرين، يحرصون على أن يكون دعاة المبادئ المنحرفة من شباب المسلمين؛ لأنهم يعرفون أن شجرة الإسلام لا تجتث إلا بغصن من غصونها.
أيها الشباب! لقد عرفتم الآن أن للشباب أهمية كبيرة، وأن الشباب هم قادة الموكب، وأن الخير التي تنتظره الأمة يكون بإذن الله على يد الشباب ذكورهم وإناثهم، وبناءً على ذلك: فإن من حق الشباب الحديث عن المشكلات والقضايا التي يحتاجون إلى التنوير بشأنها.
وسأتحدث في هذه الدقائق عن أربع قضايا تربوية مهمة، يحتاج كل شاب إلى تفهمها:
تأمل هذه السنة الحسنة الواردة في هذا الحديث وهي الصدقة، فإن الناس اقتدوا فيها بمن سبقهم فتصدقوا، وتجد في مقابل ذلك -أيضاً- من أعرض عن الصدقة، أو سخر من المتصدقين، فقال لمن أتى بمال كثير: إن هذا إنما أراد الرياء والسمعة. وقال لمن أتى بصاع من تمر مثلاً: إن الله غني عن صاع هذا، كما حكى الله عز وجل عن المنافقين الذين يلمزون المطّوعين من المؤمنين في الصدقة، قال: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ [التوبة:79].
فالقدوة تكون في الخير وتكون في الشر، ويقول صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه: {لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل} وهو عليه الصلاة والسلام يشير بهذا إلى قصة ابني آدم، التي حكاها الله عز وجل في كتابه، في قوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ..الآية [المائدة:27] وهي المشهورة بقصة قابيل وهابيل.
مرة أخرى: إذا كنا نعرف أن القدوة تكون في الخير كما تكون في الشر، فكيف السبيل إلى تحصيل القدوة السالمة من الخطأ، السالمة من النقص، السالمة من الشر؟
السبيل إلى ذلك هو أن يكون قدوتك الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنك إذا اقتديت بغيره اقتداءً مطلقاً، لا محيد لك عن الوقوع في الخطأ، أما الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو سالم من ذلك، ولذلك قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
هذا هو المستوى الأول والأعلى والأسمى من مستويات القدوة، ولكن هل هناك مستويات للقدوة تأتي بعد هذا المستوى؟ يمكن أن نجد مستويات أخرى، فمثلاً: يكون الشاب في كثيرٍ من الأحيان ذا ميل إلى نوع معين من أنواع النبوغ، كالعلم أو العمل أو الدعوة، أو التخصص أيضاً في علم من العلوم أو ما أشبه ذلك، فيحتاج إلى أن يكون أمامه شخص بارز بصفة خاصة في هذا المجال؛ ليسير على خطاه، ويجعله مثلاً أعلى له في هذا المجال، وهذا أمر طبيعي، فمثلاً الاقتداء بـعمر بن عبد العزيز في العدل، أو بالإمام ابن تيمية في الجهاد والدعوة، أو بالإمام أحمد في الزهد أو في الصبر على العقيدة الصحيحة والثبات عليها، أو الاقتداء مثلاً بالإمام محمد بن عبد الوهاب في الدعوة إلى الله تعالى، وإقامة مجتمع صالح على أساس الكتاب والسنة، إلى غير ذلك من الشخصيات الكثيرة التي يمتلئ بها التاريخ الإسلامي.
هذا النوع من الاقتداء، يلبي رغبة وناحية جبلية وفطرية موجودة لدى الإنسان، وينبغي للإنسان أن يجعل له مثلاً أعلى من هؤلاء الأئمة ومن غيرهم، ولذلك روى أبو نعيم في الحلية، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان يقول: [[من كان متأسياً فليتأس بمن قد مات]] وكذلك تجد أن الفتاة المسلمة -مثلاً- هي بحاجة إلى أن تجعل من خديجة أو عائشة أو أسماء بنت أبي بكر، أو غيرهن من المسلمات مثلاً أعلى لها.
فأقول: ارجع إلى الحديث السابق الذي رواه جرير بن عبد الله. إننا نعلم جميعاً أن الصدقة مشروعة بنصوص كثيرة من القرآن والسنة، ومع ذلك لما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالصدقة، فجاء هذا بصرة كادت يده تعجز عنها، وجاء آخر بقليل، وجاء ثالث بما يقدر عليه من المال أو التمر أو غيره، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: {من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها}.
إذاً حتى الأمور المشروعة الثابت مشروعيتها في الكتاب والسنة، نحن بحاجة والناس جميعاً بحاجة، إلى أن يروا في واقع الحياة أشخاصاً أحياء يعملون هذه الأشياء المشروعة؛ فتثور أريحية الناس للقيام بهذه الأعمال وأدائها، ولذلك فإن الله عز وجل لما أراد إقامة الحجة على الناس، لم ينـزل إليهم الكتب فحسب، بل أنـزل إليهم الكتب وأرسل إليهم معها الرسل، فالكتاب منـزل على رسول، وهذا الرسول لم يكن ملكاً، وإنما كان بشراً حتى يتحقق للناس كمال الاقتداء، أما لو كان الرسول ملكاً من الملائكة؛ لقال الناس: هذا ملك لا طاقة لنا بأن نعمل كما عمل.
الخلاصة: أنه لا بد لك أيها الشاب أن تنظر فيمن حولك، إلى إنسان تتحقق فيه الصفات الحميدة جملة، فتحرص على القرب منه، والأخذ عنه، والاستفادة مما عنده، ولقد كان سلفنا الصالح يعتبرون هذا شرطاً من شروط العلم والتحصيل والتربية، فيقولون -مثلاً- في الشروط التي لا بد منها لتحصيل العلم، بعد أن يذكروا -مثلاً- الذهن الثاقب، يذكرون المعلم الحاذق، وكلكم يحفظ قول الإمام الشافعي:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان |
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان |
فصحبة الأستاذ والمربي والموجه لا بد منها.
فتجد الواحد منهم يقتدي بهذا الشخص -مثلاً- في طريقة تحريك اليدين، في طريقة النطق بالكلام، وفي ترديد عبارات معينة يكون هذا الإنسان قد درج على تكرارها، حتى في الخط، وفي طريقة المشي، وفي أشياء كثيرة عادية جداً، بل يتعدى الأمر إلى أن يقتدي به في الأمور غير الصحيحة، فيصبح من الصعب على التلميذ أن يخالف أستاذه حتى في أبسط الأشياء، فتذوب شخصية التلميذ في أستاذه، ويفنى فيه فناءً مطلقاً، وهذا خطأ، وبهذه الطريقة لا يمكن أن يبرز الشاب، ولا أن توجد الإمكانيات والقدرات القيادية لديه. هذه هي القضية الأولى وهي قضية القدوة.
وهذه الصداقات تتميز بالاستمرار والاستقرار، فالطفل مثلاً يكون مع زملائه في الحي، فإذا انتقل أهله إلى حي آخر بدأ يلعب مع الأطفال في الحي الثاني، ونسي أصدقاءه السابقين، يكون في فصل في المدرسة -مثلاً- ويلعب مع زملائه، فإذا انتقل إلى فصل آخر نسي زملاءه السابقين وكوَّن صداقات جديدة، فصداقاته غير مستقرة ولا ثابتة، أما الشاب فصداقته تميل إلى الاستقرار والثبات.
الأمر الآخر: أن الشاب يحرص على الشعور بالانتماء إلى هذه الجماعة، سواءً كانت المجموعة مكونة من زملاء في المدرسة، أو في الحي، أو في المكتبة، أو في الحلقة، أو في المسجد، أو في غير ذلك، ويشعر بالأمن والطمأنينة بينهم، ويبثهم شجونه وآلامه وأحزانه، ويتحدث معهم في المشكلات التي يواجهها، وفي الطموحات التي يطمح إليها، وهو ينتظر من هؤلاء الشباب، لا أن يكونوا زعماء متسلطين يفرضون رأيهم عليه بالقوة، فإنه يكره مثل هذا النوع من العلاقة، وإنما ينتظر مجموعة من الأصدقاء الذين هم نظراء له يبادلونه الود والمحبة والمشورة.
والشاب أيضاً يكره الصداقة المفروضة عليه، فمن الصعب أن يفرض عليه أبوه أصدقاءً معينين، بل هو يختار لنفسه صداقة بنفسه، وهنا تكمن الخطورة، فإن الشاب لم يتدرب على اختيار الأصدقاء، وكثيراً ما يختار أصدقاء ويحسن بهم الظن، فيفاجئ بأنهم برزوا بصورة غير ما توقع؛ ولذلك يُحكى أن أعرابياً بـالكوفة. اختار صديقاً له، وكان يحسن الظن به أي إحسان، ويتخذه من عدده في الشدائد، فنـزلت بهذا الأعرابي نازلة، فجاء لصديقه يطمع منه أن يعينه فيها، فتنكر له هذا الصديق وقلب له ظهر المجن، وكأنه لم يعرفه يوماً من الأيام، فولى هذا الأعرابي وهو يقول عن صديقه:
إذا كان ود المرء ليس بزائد على مرحباً أو كيف أنت وحالك |
أو القول إني وامق لك مشفق وأفعاله تبدي لنا غير ذلك |
ولم يك إلا كاشراً أو محدثاً فأف لود ليس إلا كذلك |
لسانك معسول ونفسك هشة وعند الثريا من صديقك مالك |
وأنت إذا همت يمينك مرة لتفعل خيراً قابلتها شمالك |
فكم من إنسان يختار الأصدقاء ويحسن الظن بهم؛ فيجدهم على خلاف ذلك.
والضابط في اختيار الجليس الصالح هو أن تختار الشاب المتدين، الذي تزيدك صداقته قرباً من الله عز وجل، وتقوى له وعلماً وعملاً، وكم من الشباب كانوا منحرفين، فكانت هدايتهم -بعد توفيق الله وإرادته- على يد قرناء صالحين، وكم من شاب كان صالحاً فكان انحرافه وفساده، ووقوعه في المخدرات والمسكرات، وفي السفر وغيرها من ألوان الانحراف، على يدي قرناء سيئين.
فإن الشاب في هذه المرحلة له طاقات كثيرة، منها: الطاقة العقلية حيث تنمو طاقته، ويتسع تفكيره؛ فيصبح الشاب ميالاً إلى القراءة والاطلاع بشكل كبير، كما تبرز لديه بسبب هذه الحركة الفكرية، بعض الوساوس والمشكلات، التي يسميها العلماء والباحثون، أو يسميها بعضهم بالشك الديني.
كما أن عليه أن يختار في كل فن من الفنون أو علم من العلوم كتاباً أو أكثر، يكون موثقاً ويختاره بواسطة أستاذه أو معلمه، فتقرأ في العقيدة كتاب التوحيد، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو شرحه فتح المجيد، أو تيسير العزيز الحميد أو غيرهما من الشروح، وكذلك كتاب: معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي، وتقرأ في الحديث -مثلاً- كتاب رياض الصالحين، أو كتاب مختصر صحيح البخاري، أو مختصر صحيح مسلم، أو شرح خمسين حديث، المسمى بـجامع العلوم والحكم لـابن رجب الحنبلي، أو غيرها من كتب ابن رجب رحمه الله، فهي كتب نفيسة مفيدة، وتقرأ في العلوم الأخرى أيضاً كتباً موثقة مختارة.
فأرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الانتهاء، وبالتجربة ثبت أن أعظم علاج يواجه به الشاب هذه المشاعر أو الوساوس، هو ألَّا يعيرها اهتمام، ولا يكترث لها ولا يعظمها في نفسه، فإن الشيطان إذا رأى أنك قد تأثرت وانـزعجت من هذه الوساوس؛ فإنه يحرص على الزيادة منها والتركيز عليها، أما إذا رأى أنك لم تكترث لها؛ فإنه يلتفت أو يتجه إلى نوع آخر من التأثير أو الوسوسة.
الأمر الثاني: هو كثرة الاستعاذة بالله من كيد الشيطان، ويتمثل ذلك في الأوراد الصباحية والمسائية، والاستعاذة بالله في كل حال، وبالذات إذا خطر الشيطان بينك وبين نفسك، فتستعيذ بالله منه في جميع الأحوال.
الأمر الثالث: قراءة الكتب التي تزيد في تثبيت العقيدة، فإذا كانت الوسوسة في ذات الله تبارك وتعالى؛ فاقرأ الكتب التي تتحدث عن إثبات وجود الله، وتذكر ذلك بالأدلة العقلية والنقلية، وتؤكده بسرد الآيات الكونية التي تزيد الإيمان وتركزه وتؤكده في القلب.
الأمر الرابع: هو أن تفضي بما لديك إلى ثقة من الثقات، فتبحث عن إنسان تثق إليه وتطمئن به، وليكن -مثلاً- هو أستاذك وقدوتك التي اخترتها؛ لتقتدي بها في الحياة، فتفضي إليه بما تجده في نفسك، حتى يكون عوناً لك على الخروج من هذه المشكلة التي تعانيها.
هذا هو الجانب الأول: وهو الجانب العقلي الذي يحتاج الشاب إلى الحديث عنه، وقد كان الحديث عنه من شقين:
الشق الأول: الحديث عن إشباع رغبة حب الاستطلاع؛ لتوجيه الشاب إلى الكتب المفيدة التي تناسب هذه المرحلة.
الشق الثاني: هو الحديث عن المشكلات أو الوساوس التي تعتري الشاب في مثل هذا الوقت.
والحديث عن الغريزة الجنسية ذو شجون، وكثير من الشباب يكتبون مئات، بل آلاف الأسئلة حول هذا الموضوع، وإن التوجيه الذي يمكن أن يقال بهذه المناسبة يتلخص في النقاط التالية:
وإذا كنت تعرف أن الإحصان هو الطريق الصحيح للسلامة من آثار هذه الغريزة المدمرة في كثير من الأحيان، فإن عليك أن تفكر تفكيراً جدياً في موضوع الزواج، وإذا فكرت في هذا الموضوع تفكيراً جدياً، فكرت أيضاً في إزالة وزحزحة العقبات التي تحول بينك وبينه.
كثير من الشباب يفترضون آلاف العقبات: لا أستطيع الزواج، أو لا أملك المال، أو لا أستطيع أن أتزوج وأبقى في البيت، أو أنا شابٌ صغير السن أمامي عدد من الإخوة يكبروني ولم يتزوجوا بعد، أو أريد أن أكمل الدراسة، إلى غير ذلك من العقبات التي يفترضونها بل ويضخمونها، ومثل ذلك عند الفتيات بل وأكثر منه أيضاً.
فيجب على الشاب الذي يشعر أن التفكير الجدي في الزواج أمر ضروري له، يجب أن يفكر فيه بصفة جدية ويفكر في إزالة العقبات التي تحول بينه وبينه.
لكن هذا تفكير غير صحيح؛ لأن القضاء على هذه الغريزة غير ممكن ولا مطلوب، وإذا كان ذلك كذلك، ولم تستطع تصريفها بالطريق الصحيح، فليس أمامك إلا طريق المجاهدة، مع فعل الأشياء المعينة التي سبقت، لكن لا بد من المجاهدة، وضبط النفس على العفاف والبعد عما حرم الله، وهذا ليس كبتاً -كما يسميه بعض المنحرفين- أبداً، لا يجد الإنسان السعادة إلا بذلك، وبالعكس إذا وقع الإنسان في المعصية، أصابه من توبيخ الضمير وتقريعه والشعور بالندم، ما لا يخطر له على بال.
أما إذا امتنع، فإنه كلما تذكر أنه منع نفسه من الحرام، شعر بلذة قلبية غامرة، فلا بد من المجاهدة وهي السبيل الوحيد أمام الشاب، ومع المجاهدة يقع الخطأ أيضاً، قد يقع من الإنسان نظرة محرمة غير دائمة ولا مستقرة، بل قد يتعدى الأمر إلى وقوع الشاب -أحياناً- في بعض الأشياء التي يكرهها، كثير من الشباب يشتكون -مثلاً وخاصة الشباب المنحرف أو العادي الذي لم يوفق بتوجيه سليم- يشتكون مما يسمونه بالعادة السرية، وأن الإنسان يقع فيها، ثم قد يتوب، ولكن ما إن يزول توبيخ الضمير وتقريعه، تبدأ المثيرات وتتحرك الغريزة من جديد، حتى يقع الشاب مرة أخرى وهكذا، فهو يشعر أنه بين شد وجذب، وبين توبة ونقض للتوبة.
الأمر الأول: أن يغري الإنسان بترك التوبة، لأنك تتوب ثم تنقض التوبة، والجواب الصحيح أن نقول: كلا، بل يجب على الإنسان أن يتوب من كل ذنب، وحتى حين يذنب ثم يتوب، ثم يذنب عليه أن يتوب، حتى يموت، وهو مطالب بالتوبة في كل حال، ومطالب بأن يجدد التوبة ويصبر عليها.
الأمر الثاني الذي يريده الشيطان من الإنسان: هو أن يترك الجلساء الصالحين؛ لأنه يشعر بأنه متناقض إذا جلس معهم، فيغريه الشيطان بالبعد عن المجالس الطيبة، فإذا ابتعد عن هذه المجالس انفرد به الشيطان؛ لأنه إنما يأكل من الغنم القاصية، فأغراه بما هو أعظم وأطم من ذلك، فربما دعاه إلى الوقوع في الفواحش، وربما دعاه إلى السفر إلى بلاد الكفر والإباحية، وربما دعاه إلى ألوان ودروب أخرى من الرذيلة، فعلى الإنسان ألَّا يستجيب لهذه الوسوسة التي تدعوه إلى ترك التوبة، أو تدعوه إلى ترك مجالسة الناس الطيبين.
ولذلك مثلاً إذا علم الشاب أن الطريقة الصحيحة في الصلاة هي كذا وكذا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بهذه الطريقة، فيضع -مثلاً- يده اليمنى على يده اليسرى على صدره أثناء القيام وبعد القيام من الركوع، فإن الشاب لا يجد أي صعوبة في تطبيق هذه السنة، لكن الشيخ الكبير السن، فمهما اقتنع بأن هذا صحيح، يصعب عليه أن يمتثل ذلك، في كثير من الأحيان، ويجد نفسه مقوداً إلى تطبيق الأشياء التي اعتادها والتي وجد عليها من حوله، وهذه مزية عند الشاب، تدعو إلى ضرورة حرص الشاب ومن حوله على تلقي المعلومات الصحيحة عن الدين.
ومن الجانب الآخر: فإن الشاب لو تلقى معلومات منحرفة عن الدين -مثلاً- فإنه يتمسك بها ويسهل عليه قبولها، ولو تلقى أفكاراً منحرفة ومبادئ وضعية، كالمبادئ التي يدعو إليها أهل الضلالة، من الشيوعيين أو الاشتراكيين أو القوميين، فأنه يتقبلها بسهولة أيضا.
فهذه القضية سلاح ذو حدين، فعلى الشاب أن ينتبه لهذا من نفسه، ويحرص على تلقي العلم الصحيح، وعلى الحرص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى التأسي بالقدوة الصالحة.
وأرجو أن تسامحوني على هذه الإطالة؛ لأنني أحببت أن أعرض الموضوع بشكل متكامل، وأستغفر الله لي ولكم، وأشكركم على حسن إنصاتكم، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: الحقيقة أن هذا المشكلة التي يتحدث عنها السائل قائمة، ولا بد من معرفة الأسباب التي تدعو إليها، قد يكون السبب -مثلاً- شعور الشاب -أحياناً- بأنه قد فاته شيء ما، فيستيقظ بشكل مفاجئ، ويحرص على تدارك الأمر الذي فاته. مثلاً: يكون الشاب مشتغلاً بالدعوة إلى الله عز وجل صارفاً وقته لذلك، ثم تفاجأ يوماً من الأيام بأنه قد ترك الدعوة إلى الله، وقال: أنا أريد أن أطلب العلم الشرعي، الناس قد حصلوا العلم ووصلوا منه إلى كذا وكذا، وأنا ضاع عمري في الذهاب والإياب، ولم أحصل على شيء، وهذا مظهر من مظاهر فقدان التوازن.
فالإنسان مطالب -أصلاً- بأن يحرص على أن يكون متوازناً، وألا يلهيه القيام بالدعوة عن العبادة، ولا عن طلب العلم الشرعي، ولا عن القيام بحقوق الأهل، ولا غير ذلك، ثم على الإنسان حين ينتبه إلى أنه قصر في مجال من المجالات، أن يحرص على استدراكه بطريقة تدريجية، ولذلك قال بعض السلف: من ظن أنه سيحصل العلم كله في يوم وليلة فهو مجنون.
الإنسان الذي يعتقد أنه سوف يحصل على العلوم، ويصبح شخصاً مشاراً إليه مرموقاً في العلم، نافعاً للناس خلال فترة وجيزة مخطئ في حسابه، أما إن كان السبب الداعي إلى الإنـزواء سبباً آخر غير هذا، فلا بد من معرفته حتى يمكن معالجته. وعلى كل حال فكم من إنسان يندفع بدافع حماس الشباب، وطفرة الشباب، ثم إذا تقدمت به السن بعض الشيء، وارتبط ببيت وزوج وأهل ومسئوليات وعمل، أصابه فتور وملل وتأخر، والمنة على من وفقه الله للاستمرار، ورزقه العزيمة الصادقة، والصبر على المبدأ والاستمرار على الطريق.
الجواب: هذه المشكلة وهي قضية احتقار الإنسان لنفسه -فعلاً- مشكلة حقيقة، ويجب على من يشعر بها أن يحرص على التخلص منها، والواقع أن أكثر الناس ضعفاً، وأقل الناس مواهب، لو بحثت لوجدت لديه جانباً من الإبداع قد لا يوجد لدى غيره.
أضعف الناس لو فكر في نفسه، لوجد أنه يتمتع بمواهب وقدرات لا توجد عند غيره، ولكنه أهملها فضمرت وذبلت، ودفنت بركام من الغفلة عنها، ومن الشعور بالنقص واحتقار الذات، وعلى الإنسان أن يكون واثقاً بنفسه، وفرق بين الثقة بالنفس وبين الكبرياء أو الغرور، فثقة الإنسان بنفسه أن يحاول في كل مجال، إذا وجدت أن أمامك أمراً من الأمور، نشاطاً من الأنشطة، طموح من الطموحات تسعى إليه، فعليك أن تحاول بكل ما تستطيع من وسيلة، وتستعين بالله عز وجل، ثم بمن حولك من أهل الخبرة الذين سبقوك في هذا المجال، وستجد من النجاح بإذن الله ما يغريك بمواصلة الطريق.
والواقع أيها الإخوة، أن الإنسان إذا ابتلي باحتقار النفس، مهما يكن لديه من المواهب والطاقات؛ فإنه لا يمكن أن يستفيد منها، ولذلك أقول: فعلاً أن هذه مشكلة حقيقة، لأن الإنسان إذا لم يكن لديه ثقة بنفسه مهما يكن موهوباً؛ فإنه لا يستفيد من هذه المواهب، واعلم أيها الشاب! أن أي موهبة أعطاك الله إياها، فإن الله سيسألك عنها، وبهذه المناسبة أذكرك بقول الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165].
إذا تأملت هذه الآية؛ وجدت أن الله عز وجل ذكر أنه رفع بعضنا فوق بعض درجات بكل شيء، سواءً بالعلم أو بالمنـزلة أو بغير ذلك، ومن ذلك اختلاف الناس في القدرات والمواهب والإمكانيات، ثم قال: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165] وأشار بعد ذلك إلى الحساب والعقاب والمغفرة والرحمة، إشارة إلى أن الإنسان سيحاسب على الطاقة التي أعطيها، والشخص الذي يستطيع أن يعمل شيئاً كثيراً، يحاسب على تقصيره بهذا الشيء الكثير الذي عمله، لكن الشخص الذي لا يستطيع أن يعمل إلا شيئاً قليلاً وعمل هذا الشيء القليل، لا يطالب بأكثر مما يستطيع، ولا يحاسب على ما لا يستطيع، فانتبه لهذا الأمر، فكل موهبة أو ملكة موجودة عندك؛ فأنت مطالب بتصريفها في خدمة الإسلام والدعوة إلى الله عز وجل ومحاسب على التقصير.
الجواب: أولاً: يجب أن نوسع مفهوم طلب العلم الشرعي، والواقع أيها الإخوة، أنك إذا نظرت اليوم إلى الإمكانيات المتاحة للشاب في تحصيل العلم، وجدتها إمكانيات لم يسبق أن توفرت للشاب المسلم في زمن من الأزمنة، فطلبة العلم كثيرون، والفرص للدراسة مهيأة للشاب على كافة المستويات، والأشرطة التي تسجل فيها دروس العلماء، في الفقه أو في العقيدة أو في التفسير، أو في غيرها من ألوان وفنون العلم وضروبه متوفرة، فأنت تستطيع وأنت في هذا البلد -مثلاً- أن تسمع دروس الشيخ عبد العزيز بن باز، أو الشيخ عبد الله بن جبرين في الرياض، أو الشيخ محمد بن عثيمين في عنيزة، بل أن تسمع فيها دروس مشايخ وعلماء في شتى أنحاء الأرض، وأن تسمع فيها محاضرات وندوات ألقيت في أماكن مختلفة.
إذاً فالوسائل الممكنة للشاب لطلب العلم وتحصيله كثيرة، وعلى الإنسان أن يفكر بصورة معتدلة وواقعية، ما هو السبيل المناسب له هو شخصياً لتحصيل العلم، ويرسم لنفسه برنامجاً يتناسب مع ظروفه، ويسعى في تحقيق هذا البرنامج، وإزالة العقبات التي تحول بينه وبينه، ولا أعتقد أن ما يشير إليه السائل متحقق -فعلاً- من إنـزواء العلماء أو بعدهم.
الجواب: الحقيقة أنا ذكرت عدداً من الكتب، وليس معنى ذكر كتاب ما أو النصيحة بقراءة كتاب ما، أن هذا الكتاب كتاب موثق من جميع الجوانب ومأمون من الأخطاء، فطالب الكمال في غير القرآن يطلب المحال، كل كتاب غير كتاب الله لا بد فيه من النقص، أبى الله أن يتم إلا كتابه، كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله، ما عدا ذلك فيه نقص، فيه خطأ ولابد، والخطأ يقل ويكثر، وما ذكري للكتب السابقة إلا لأنها مناسبة للشباب، مع الإشارة إلى أن في هذه الكتب أخطاء ينبغي للشاب أن يتجنبها، سواءً كتب الكيلاني، أو كتب غيره من المؤلفين القدماء والمعاصرين.
الكتب من الخطأ أن نصنفها إلى كتب قديمة وكتب معاصرة؛ لأن هذا التقسيم تقسيم زمني ليس له ثمرة كبيرة، بل الصواب أن نقسم الكتب إلى قسمين: كتب مفيدة وكتب غير مفيدة، لأننا نجد فيما يسمى بكتب التراث أو الكتب القديمة، نجد كتباً فلسفية، ونجد كتب الأدباء والمؤرخين، المشحونة بقصص الخلاعة والمجون والفساد، ونجد دواوين الشعراء المنحرفة، ونجد كتب الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم.
فالكتب قسمان: كتب مفيدة وكتب غير مفيدة، والكتاب إذا كان في جملته مفيداً ونافعاً يتغاظى عما فيه من الأخطاء، ليس معنى التغاظي عما فيه من الأخطاء، أنها تقبل أو يسكت عنها، كلا. بل يقرأ ويستفاد منه وينبه على ما فيه من خطأ.
.
الجواب: أن يقترب من هذا الشخص إن استطاع، ويستفيد منه بشكل أوسع، حتى تزول الموانع النفسية والحواجز، التي تحول بينه وبين محادثته بما قد يوجد لديه من هموم أو تساؤلات أو مشكلات، ولذلك فإننا نجد في السلف الصالح رضي الله عنهم حين تحدثوا عن طلب العلم، وضرورية التلقي عن أستاذ، تحدث أنه بقدر قربك من هذا الأستاذ، وملازمتك له يكون تحصيلك، ولذلك كان يزيد بن هارون رحمه الله يقول: [[من غاب خاب وأكل نصيبه الأصحاب]] ذكر هذا أبو هلال العسكري في كتاب الحث على طلب العلم، فحاول أن تقترب من هذا الشخص؛ لتستفيد منه أكثر من جهة، ولتتمكن من عرض ما لديك من مشكلات من جهة أخرى.
الجواب: لعل هذه المشكلة جزئية داخلة في عموم الكلام الذي ذكرتُه أثناء المحاضرة، ماذا يمكن أن يقال لمثل هذا الشاب، نرجع ونقول: لا بد من المجاهدة، هذا هو الطريق الذي ذكره الله عز وجل لنا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] لا بد من سلوك هذا الطريق، وفي خلال المجاهدة، حصلت سقطة، أتجنب هذه العثرة وأحرص على أن أنهض سريعاً وألحق بركب الإيمان والمؤمنين.
ينبغي للشاب أن يحرص على البعد عن الأماكن والأسباب التي تثير غريزته؛ لأن الإنسان إذا تسبب في إثارة الغريزة؛ فعليه ألَّا يأمن من الوقوع في المحرم، سواءً كانت إثارة الغريزة عن طريق مشاهدة صور النساء، أو صور الشباب، أي صور تثير غريزة الإنسان، أو مشاهدة الأفلام، أو مشاهدة المجلات، أو سماع الأغاني أو أي أمر يتسبب في إثارة الغريزة؛ فيجب أن تركز جهادك على تجنب هذا الأمر، فإذا أفلحت في تجنبه؛ فإنك ترتاح حينئذٍ راحة كبيرة، لكن إذا أرخيت لنفسك العنان في المرحلة الأولى، فأطلقت النظر إلى النساء، وإلى الصور، وسماع الأغاني، وغيرها من الأشياء التي تشحذ الغريزة، فحينئذٍ ستجد صعوبة كبيرة في الامتناع عن إشباع هذه الغريزة.
وليس هناك من حل سحري ينتظره هذا الشاب، ليس هناك وصفة طبية تذكر للشاب، فيذهب ليشتريها غداً أو بعد غد؛ ليتعاطاها ثم يصبح بحمد الله بارداً أبداً!!
الله عز وجل أوجدنا في هذه، الدار وسلَّط علينا النفس الأمارة بالسوء، والشيطان والقرناء السيئين أيضاً، وبين لنا طريق الخير، وأرسل لنا الرسل، وأنـزل الكتب، وجعل في نفوسنا دوافع للخير، وقيض لنا أيضاً قرناء صالحين، وأقام علينا الحجة، وعلى الإنسان أن يختار، قال تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] هذا طريق الهداية وهذا طريق الضلال.
الجواب: أما الأذكار فهي كثيرة، ويمكن للشاب أن يختار كتاباً في هذه الأذكار، فيقتنيه ويقرأ فيه ويحفظ الأذكار الموجودة، ومن الكتب المرشحة في هذا المجال، كتاب: الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو محقق، وقد انتقى الشيخ ناصر الدين الألباني صحيحه في كتيب صغير سماه صحيح الكلم الطيب، فيمكن أن يقتنيه الشاب، ويحفظ الأذكار الواردة فيه، سواءً الأذكار التي تقال في الصباح أو في المساء، أو الأذكار التي تقال في تقلب الأحوال، عند دخول المنزل، وعند الخروج، وعند دخول الخلاء، وعند النوم، وعند الاستيقاظ إلى آخره.
لكن لا بد لهذا الشاب أن يبحث عن مجموعة من الناس الصالحين، يقضي وقت فراغه معهم؛ لأن الإنسان لا بد له من جليس كما سبق، ومن الصعب جداً أن يعيش الفرد في عزلة، فلينظر لمجموعة من الأصدقاء الصالحين في حيه مثلاً أو في مدرسته، وليطلب منهم أن يشاركهم في أنشطتهم وأعمالهم وذهابهم وإيابهم، حتى يستفيد من وقته معهم.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر