إسلام ويب

واحة القرآن - بداية سورة الأعلىللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • استهلت سورة الأعلى بالثناء على الله والتنزيه له من جميع النقائص، وإثبات علو الله بجميع أنواع العلو، ثم تحدثت عن خلق الله الإنسان على أحسن تقويم وتسويته وجعله أفضل المخلوقات خلقة، وتقدير مقادير العباد وفق إرادة الله، وهدايته للعباد إلى ما قدره لهم، وكما أن الله عز وجل قدر للإنسان ما يحتاجه، فقد قدر للحيوانات ما تحتاجه، فأخرج لها المرعى

    1.   

    افتتاح سورة الأعلى بالثناء على الله

    الشيخ محمد الخضيري: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.

    أحبائي الكرام! اليوم نقف مع آيات في بداية سورة الأعلى، هذه السورة التي تقرءونها جميعاً في كل ليلة عندما تريدون أن تصلوا صلاة الوتر، أي أنه في شفع صلاة الليل يصلي الإنسان بسورة (سبح اسم ربك الأعلى)، ثم يقرأ في الركعة التي تليها سورة الكافرون، ثم يختم بسورة الإخلاص

    قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    سورة الأعلى سورة عظيمة؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها كما ذكرت في الوتر، ويقرؤها عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة، وفي صلاة العيد، وفي صلاة الاستسقاء، كل ذلك يدل على أهميتها وعظمتها.

    نريد أن نقف مع بعض الآيات في مقدمة هذه السورة.

    يقول الله عز وجل: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ))[الأعلى:1-5]

    نتحدث عنها إن شاء الله في هذه الحلقة، ومعي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف أبو عمر ، ونبدأ الآن بهذه السورة.

    الشيخ عبد الحي يوسف: أكرمك الله أبا عبد الله ، نذكر في البداية بأن في القرآن أربع عشرة سورةً افتتحت بالثناء، خمس سور منها افتتحت بـ (الحمد) وهي سورة الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر، وسورة افتتحت بـ (سبحان) المصدر وهي سورة بني إسرائيل سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى[الإسراء:1]، وعندنا بعد ذلك ثمان سور تراوحت بين فعل الأمر سبح، وبين المضارع يسبح، وبين الماضي سبح في المفصل.

    الشيخ عبد الحي يوسف: هذه السورة المباركة يفتتحها ربنا جل جلاله بالأمر بتسبيحة فيقول: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1].

    وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلى)، وثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوها في سجودكم)، ولذلك شرعت في كل سجود، سواء كان سجود الفريضة، أو سجود النافلة، أو سجود التلاوة، أو سجود السهو، وأنبه إلى أنه لا صحة لما يعتقده بعض الناس بأن في سجود السهو يقال: سبحان من لا يسهو ولا ينام، هذا لا أصل له، وإنما تقول كما تقول في صلاتك: سبحان ربي الأعلى، (ولما نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم).

    1.   

    أنواع علو الله تعالى

    الشيخ عبد الحي يوسف: وهنا قد يرد السؤال الذي يطرح نفسه: لم ذكر ربنا جل جلاله هذا الاسم الحسن (الأعلى)؟

    الشيخ محمد الخضيري: الجواب: لأن الأعلى فيه إثبات العلو لله عز وجل، ويتضمن أنواع العلو كلها.

    والعلو لله عز وجل ثلاثة أنواع:

    علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر.

    أما علو الذات: فنحن نثبت أن الله سبحانه وتعالى في العلو، وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف، وبالعقل والفطرة.

    وأما علو القدر: فقد أجمع عليه الناس كلهم، ولم يختلف فيه أحد من الطوائف.

    وأما علو القهر: فهو كذلك محل إجماع قال تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، بمعنى أنه هو الذي قهر كل أحد، وخضع له كل أحد سبحانه وتعالى؛ ولذلك عندما يسجد الإنسان ويتظامن ويسفل يتذكر علو الله جل وعلا، ويذكر الله جل وعلا.

    فأنت عندما تنزه الله تذكر علوه، كأنه في مناقض أصل ما تُنزه الله عنه، والعادة فيمن ينزه الله أن يكون سافلاً؛ ولذلك تذكر ما يكون الله سبحانه وتعالى جديراً به في مقابل ذلك، فتقول: سبحان ربي الأعلى.

    الشيخ عبد الحي يوسف: وهنا سؤال آخر: من هو هذا الأعلى؟ قال أهل التفسير: هذا من عطف المترادفات، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى:2]، هذه الصفة للأعلى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [الأعلى:3-4]، يعني كما قال القائل:

    إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

    فهذه كلها من عطف الصفات.

    1.   

    خلق المخلوقات وتسويتها

    الشيخ عبد الحي يوسف: فهنا ربنا جل جلاله يذكر لنفسه هذه الصفات.

    أولها: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى:2]، هو الخالق جل جلاله، ولا خالق سواه، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، ليس في الكون خالق سواه، وحتى في الاستغفار تقول: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني )، تثبت لله عز وجل هذه الصفة، ( خلقتني وأنا عبدك ).

    الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى:2]، لو تأملنا في مخلوقات الله عز وجل فإننا نجد التسوية هذه أجلى ما تكون في خلق الإنسان، يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار:6-7]، وفي قراءة: (فعدَّلك)، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:8]، قال أهل التفسير: ما خلق الله شيئاً أحسن من الإنسان، فقد خلقه الله عز وجل مديد القامة، ينظر أمامه، وخلق سائر الدواب مكبةً على وجهها، وزينه بهذا الوجه الصبوح الجميل، أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10]، وخلق سائر الدواب تأكل بأفواهها، وخلق للإنسان يداً بهذا التركيب، وهذه الأصابع المتفاوتة، من أجل أن يتخير، ويميز ما يريد مما لا يريد، وزوده الله عز وجل بما يطول ذكره، ثم بعد ذلك زينه بهذا اللباس: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

    1.   

    تقدير الله لعباده شئون حياتهم وهدايتهم

    الشيخ محمد الخضيري: يقول تعالى: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:3] لما خلق الخلق سبحانه وتعالى وسواهم، وجعلهم على حال الاستواء التي تناسبهم، وقدر لكل شيء ما يصلحه ويناسبه وهداه له، (قدر فهدى)، حتى النمل في جحورها، وانظر إلى الطفل يخرج من بطن أمه لا يعلم من الحياة شيئاً، فتلقمه أمه الثدي فيلتقم ويبدأ يمص، وتصور لو كان التقام الثدي والمص منه يحتاج إلى تعليم؛ بل إني رأيت بعيني الشاة وهي تنتج سخلتها، فقلت: الآن من سيلقم هذه السخلة ثدي أمها؛ لأن هذه الشاة لا تستطيع أن تلقم ثديها لطفلها، فما شعرت إلا وهذه السخلة في أقل من ساعة بدأت تتحرك، ثم تقف على يديها ورجليها، ثم تذهب مباشرةً إلى ثدي أمها، فمن الذي دلها؟ ومن الذي هداها؟ وكذلك كل مخلوق قد هدي إلى ما يصلحه ويناسبه، فالذي هدي إلى اللحم يعرف كيف يكسب اللحم، ويعرف كيف يصل إليه، وانظر إلى القطة الصغيرة كيف تصيد الفأرة، من الذي علمها طريقة الصيد؟ إن الذي هداها لذلك هو الله سبحانه وتعالى.

    ولو رأينا هذه الدابة التي خلقها الله عز وجل، وجعلها لنا آية وهي السلحفاة، فانظر إلى هذا الغطاء الذي على ظهرها، وانظر إلى هذه الخلقة، فالإنسان يعجب، كيف تتغذى؟! وكيف تمشي؟ وكيف تدبر أمرها؟

    ولما كانت ضعيفة، جعل الله عز وجل لها هذا الحجر الذي يحميها؛ ولذلك إذا جاء أحد يريدها بسوء، فإنه لا يستطيع لهذه الحجارة التي تحميها؛ ولذلك انظر إلى قوله تعالى: قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:3]، فيأتي الطير إذا أراد أن يأكلها فيعلم أنه لا يستطيع عليها؛ لأنه أضعف منها، فلا يستطيع أن يمسها بسوء؛ لأنها مخلوقة من مادة صلبة، حتى تستطيع أن تقف عليها ولا يضرها، سبحان الله.

    والنسر يأتي إليها ويعلم أنه لا يستطيع أن يصل إليها، فيقلبها، فإذا قلبها أكلها؛ لأنه قد جردها، فمن الذي هداه لأن يقلب هذه الصخرة، وهذه السلحفاة؟

    ولذلك يقول القائل من أهل الإيمان:

    قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداكا

    قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا

    إلى أن يقول:

    قل للبصير وكان يحذر حفرةً فهوى بها من ذا الذي أهواكا

    بل سائل الأعمى خطا بين الزحام بلا اصطدام من يقود خطاكا

    إلى أن يقول:

    قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاكا

    واسأل بطون النحل حين تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاكا

    ولا نستطيع إلا أن نقول:

    الله أنشأ كل ذاك بفضله فتبارك الخلاق منشئ ذاكا

    وهنا لفتة جميلة جداً، وهي أننا كلما رأينا شيئاً نتعجب من خلق الله جل وعلا ينبغي لنا أن نسبح الله، وأن نقول: سبحان ربي الأعلى، اقتداءً بهذه الآية؛ لأن الله عز وجل يعلمنا كيف نقول عندما نرى شيئاً من تقديره وهدايته، ومن خلقه وتسويته.

    وفي الآية الأولى وهي قوله: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، فيها لفتة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال: لما أراد الله أن يكون التسبيح ذكراً باللسان، قال: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]؛ فأتى بالاسم؛ لأنه يمكن أن يسبح الإنسان بقلبه.

    فلما أراد أن يكون اللسان مواطئاً لما في القلب، قال: (سبح اسم)، أي: سبح ربك ذاكراً اسمه.

    إخراج المرعى بعد خلق العباد

    الشيخ محمد الخضيري: وبعدها قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [الأعلى:2-4]، أي: المرعى للدواب.

    الشيخ عبد الحي يوسف: يعني: مثلما خلق لنا معشر بني الإنسان ما يناسبنا، كما في سورة النحل الله عز وجل يذكر عالم الإنسان فيقول: خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل:4]، ثم يذكر عالم الحيوان: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ...[النحل:5-7]، إلى أن قال: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، ثم يذكر عالم الأفلاك، وعالم البحار، ويعدد هذه العوالم كلها إلى أن يقول: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ [النحل:72]، فالله جل جلاله مثلما خلق لنا ما يناسبنا من المطاعم والمشارب والملابس والمراكب فقد خلق لهذه الدواب ما تقتات عليه؛ ولذلك يعجبني قول القائل:

    لو كانت الأرزاق تجري على الحجا هلكن إذاً من جهلهن البهائم

    فالمسألة ليست مسألة عقول، وقد ذم ربنا من قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78]، هذا المسكين.

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بآياته الكونية، وآياته الشرعية، فهذه آية من آيات الله عز وجل.

    وهذه الآيات التي ترونها آيات عظيمة، وفيها من المعاني ما لو بقينا فيه حلقات وحلقات لما كفت، من يقرأ في أعاجيب خلق الله للإنسان أو للحيوان أو البحار وغيرها، سيجد شيئاً يذهل منه، ولكنه قليل في حق ربنا سبحانه وتعالى، وفي الوقت ذاته دال عليه، وعلى عظمته جل وعلا.

    وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في القرآن الكريم، اللهم زدنا إيماناً وهدىً ويقيناً، اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمةً ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، ونسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفد، ونسألك مرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد، والحمد لله في البدء والختام، والصلاة والسلام على خير الأنام، والسلام عليكم ورحمة الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756930595