من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل: قيام الساعة، وعلى هذا فكل قول بتحديد موعد قيام الساعة فهو ظن وتخريف، بل كذب لا يجوز تصديقه، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بعلاماتها الصغرى والكبرى، فهذه العلامات يجب الإيمان بها، وقد ظهرت كثير من علامات الساعة الصغرى، ولم تبق إلا الكبرى.
-
تحديد نهاية العالم ظن وتخمين باطل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
المقدم: أعزاءنا المشاهدين والمشاهدات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحداث العالم الآن جعلت أناساً كثيراً يتكلمون عن النهاية، وأن القيامة اقتربت، وظهرت كتب تحدثت عن سنة (99) وأن القيامة ستقوم فيها، وأن أمريكا ستدمر، ولا أدري كيف؟! وهناك أحداث كثيرة وقعت جعلت الناس تتنبأ بأشياء كثيرة!
ومعنا فضيلة الشيخ
محمد حسان الداعية الإسلامي الكبير، فضيلة الشيخ! ما رأيك في الأحداث الموجودة الآن في العالم؟ حيث نجد أهل الكتاب سواء أهل التوراة أو أهل الإنجيل كلهم يسيرون على (سيناريو) واحد، وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى كلما أرسل رسولاً كان ينبئ قومه بالأحداث وبالبداية والنهاية، وتجد أيضاً أن الأفلام الأمريكية تتكلم عن حرب (هرمجدون) وأغانيهم كذلك تتكلم عن (صن ريسس) يعني: أنهم ينادون سيدنا عيسى عليه السلام، وسنجد أن عندهم وجهة نظر معينة؛ لأنهم يعتقدون أن التوراة والإنجيل أشارت إلى أحداث معينة هم يعرفونها، لكننا لا ندري ما هي نظرتهم؟! وكيف يخططون؟! فيا ترى! هل يوجد في السنة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم إخبار بالأحداث المستقبلية؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام! أيتها الأخوات الفاضلات! أسأل الله تعالى أن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا الموضوع الذي نود أن نطرحه للنقاش موضوع شائك، وموضوع ساخن في الوقت ذاته، لاسيما ونحن نعيش هذه الأحداث المؤلمة، وهي أحداث عالمية ليست محلية، واسمح لي أن أستهل الجواب على أسئلتك التي طرحتها بهذا التأصيل العلمي المهم؛ لأني أرجو ألا ينسى المسلم وألا تنسى المسلمة هذا التأصيل.
أقول: لا يستطيع عاقل فضلاً عن عالم بالقرآن والسنة أن يقطع بوقت محدد معلوم لنهاية العالم أو لقيام الساعة، فالقول بأن القيامة ستقوم سنة (1998) وسنة (2002) وسنة (2010) كل هذا ظن وتخمين وقول باطل؛ لأن علم الساعة علم اختص الله تبارك وتعالى به نفسه، فلا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا حتى المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الله جل وعلا لحبيبنا عليه الصلاة والسلام:
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:63] ، وقال سبحانه وتعالى:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا *
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا *
إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا *
إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا *
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].
-
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة
-
معركة هرمجدون من عقائد أهل الكتاب
ثم إن أهل الكتاب يعتقدون اعتقاداً جازماً في هذا اليوم الذي تفضلت بالسؤال عنه، ويعتقدون قدوم هذه المعركة التي تسمى: بمعركة (هرمجدون)، وكلمة (هرمجدون) كلمة عبرية، مكونة من مقطعين: (هر) و(مجدون) وكلمة (هر) تعني: جبل، و(مجدون) تعني: واد في فلسطين، وقد تكلمت كتب أهل الكتاب كما ذكرت، وتكلم علماؤهم عن هذه المعركة، وهذه اللفظة ليست من كلمات نبينا الصادق صلى الله عليه وسلم، وإنما هي لفظة موجودة عند أهل الكتاب، وهم يؤمنون بها، ويعتقدون هذه المعركة، بل وينتظرونها، ولو رجعت إلى الإصحاح السادس عشر من سفر (الرؤيا) لوجدت الإصحاح يقول: وجمعت جيوش العالم كلها في مكان يسمى (هرمجدون)!
ثم إنك تفضلت وسألت: كيف يفكر هؤلاء الناس؟ يقول الرئيس الأمريكي الأسبق
رونالد ريجن: إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى (هرمجدون) وليس بالضرورة أن يكون بالتوقيت السنوي المراد، وإنما هذا على حسب قوله.
ويقول:
أورل ردتسن صاحب كتاب (دراما نهاية الزمن) وسيمضي كل شيء في بضع سنوات، فستقوم المعركة العالمية الكبرى: معركة (هرمجدون).
وتقول الكاتبة الأمريكية المشهورة:
جيلس هالسن : إننا نؤمن كمسيحيين -هذا على حد تعبيرها- بأن تاريخ الإنسانية سوف ينتهي بمعركة كبيرة تدعى (هرمجدون) وسوف تتوج هذه المعركة بعودة المسيح إلى الأرض مرة أخرى.
ويقول القس الأمريكي الشهير
سويجرت الذي كان يناظر الشيخ
أحمد ديدات: كنت أستطيع القول بأننا سنحصل على السلام؛ لأن (هرمجدون) مقبلة، وسيخاض غمارها في وادي (مجيدو) أي: في قلب فلسطين، فدعهم يوقعون ما شاءوا من اتفاقيات السلام، إنهم لن يحققوا شيئاً، وهناك أيام سوداء. وهذا كلام قوي.
ولكن نبينا الصادق عليه الصلاة والسلام أخبرنا أننا سنشترك مع الروم في حرب عدو مشترك، الله تبارك وتعالى أعلم بهذا العدو المشترك، هل هو الإرهاب؟! أو هل هو المعسكر الشرقي كما ذكرت؟ الله أعلم ، لكنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن هناك مرحلة سيغدر فيها الروم، ويجمعون الجيوش الجرارة لاستئصال شأفة الأمة بالكلية، وللقضاء عليها.
-
علامة خروج المهدي عليه السلام
-
المعارك التي يخوضها المهدي
وأما ما هي هذه المعارك؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام يصف لنا هذه المعارك كأننا نراها الآن على شاشة التلفاز. فيقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح
مسلم من حديث
نافع بن عتبة: (
تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم الدجال فيفتحه الله) وأول جيش يطلع على
المهدي يطلع من جزيرة العرب، فينصر الله
المهدي عليه، فيخرج إليه الجيش الثاني من فارس، إذا علموا أن الذي خرج ليس هو
المهدي الذي ينتظرونه، فينصر الله
المهدي والموحدين معه على هذا الجيش؛ ليخوض
المهدي المعركة الثالثة وهي أخطر معارك التاريخ على ظهر الأرض! ألا وهي معركة
المهدي والموحدين في الأرض مع الروم، والنبي صلى الله عليه وسلم يصف المعركة وصفاً عجيباً، ويبين أين ستقع؟ وهكذا اليوم الأول ماذا يكون فيه، واليوم الثاني والثالث؛ لأن أيام المعركة أربعة أيام.
روى
مسلم من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق) والأعماق ودابق: موضعان أو مكانان بين حلب في سوريا وأنطاكيا في تركيا، وانظر الآن إلى القواعد العسكرية في تركيا، وانظر إلى العلاقات المتوترة بين تركيا وسوريا، وانظر إلى العلاقة بين تركيا وبين دولة اليهود الصهاينة! وأيضاً فقد وضعت سوريا في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ووضعت المنظمات الجهادية الإسلامية في فلسطين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية! انظر إلى كلام الصادق، واعلم أن الذي يهيئ الكون؛ ليقع فيه ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هو الله جل وعلا، وهانحن نرى الأحداث تتلاحق بشكل عجيب في السنوات القليلة الماضية!
قتال المهدي للروم
قتال المهدي لليهود
-
واجب المسلمين ودورهم تجاه الأحداث الحالية
مداخلة: واضح من كلامك أننا في غفلة عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والأحداث المستقبلية، المشاهدون يتساءلون: ما هو دورنا نحن الآن؟! وبماذا تنصحنا أن نعمل؟
الشيخ: أولاً: أيها الأفاضل! يجب علينا جميعاً أن نجدد التوبة، وأن نتزود للآخرة، قال عز وجل:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1].
وقال الشاعر:
دع عنك ما فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها وتعد وتحسب
فإلى متى هذه الغفلة؟! ومتى سنرجع إلى الله عز وجل؟! إن الله يهيئ الكون الآن لأحداث عظام، فيجب علينا جميعاً أيها الإخوة! وأيتها الأخوات! أن نتزود للآخرة، كما قال تعالى:
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، ويجب أن نجدد التوبة والأوبة ، وأن نرجع إلى الله؛ لنلقى الله تبارك وتعالى على طاعة.
ثانياً: يجب علينا أن نهتم بالعلم، وأن نسأل العلماء الربانيين المتمكنين في علم الشريعة في مثل هذه المسائل؛ لأن مثل هذه المسائل لا تقدم تقديماً عقلياً بعيداً عن النقل الصحيح، فيجب علينا أن نرجع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لنفهم أحاديثه، ولنفهم هذه الأحاديث من خلال كلام الصحابة وأهل العلم الذين تبعوهم بإحسان إلى يومنا هذا.
ثالثاً: أرجو ألا يظن أخ أو أخت ظناً خاطئاً، فيقول: إن الشيخ قد بشرنا بأن الجولة المقبلة للإسلام فلمَ العمل؟! وأقول: أنسيت أن الذي أخبرنا بكل ما أصلت لك هو النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومع ذلك هل نام صلى الله عليه وسلم واستراح؟! بل قال له ربه:
قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:2] فقام، ولم يذق طعم الراحة حتى لقي الله جل وعلا، فيجب عليك ويجب علينا جميعاً أن نعمل لدين الله، كل في موقع إنتاجه، وكل في موطن عطائه بحسب ما يستطيع وبقدر ما يقدر، قال صلى الله عليه وسلم: (
إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة -شجرة صغيرة- فاستطاع أن يغرسها فليغرسها) ولا تقل: هذه فسيلة متى تكبر ومتى تنمو؟! والقيامة قد قامت فمن سيأكل منها؟! هذا ليس شأننا، وإنما عملنا أن نغرس لدين الله، وإذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها، ودع النتائج إلى الله تبارك وتعالى، فيجب علينا ألا نتكاسل، وألا نتوانى، وإنما يجب أن يدفعنا هذا الأمل للعمل، فإن أملاً بغير عمل هو أمل الجهلة السفهاء.
رابعاً: يجب علينا أن نجدد الإيمان، فإن قال قائل: وهل الإيمان يحتاج إلى تجديد؟! فنقول: نعم، لأن الله قال:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] فأثبت لهم زيادة في إيمانهم إذا نزلت السكينة، وقال صلى الله عليه وسلم كما في مستدرك
الحاكم بسند حسن من حديث
عبد الله بن عمرو : (
إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب -أي: كما يبلى الثوب- فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) وكيف أجدد الإيمان في قلبي؟ الجواب: بتعريض القلب إلى بيئة الطاعة، بالصلوات والزكوات، والصيام والحج والعمرة والصدقة، وزيارة المرضى والإحسان إلى الفقراء والإحسان إلى اليتامى، وقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، وكل عمل صالح يجدد الله عز وجل به إيمانك.
أيضاً: يجب علينا جميعاً أن نهيئ أنفسنا، وأن نهيئ أجيالنا لهذه المراحل المقبلة، ويجب علينا أن نربي في بيوتنا نشئاً على علم بكلام الله وبكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أتألم غاية الألم حينما أرى كثيراً من بيوت المسلمين لا تقدم لله تبارك وتعالى إلا الرديء الزاهد، فإذا رأى الوالد ولده ذكياً ألمعياً يقول: هذا الولد سيكون طبيباً.
وهذا جميل، فنحن في حاجة إلى الأطباء المسلمين ، فإذا رأى الولد يكسر، يقول: هذا الولد سيكون مهندساً، الولد دماغه دماغ مهندس ، وهذا جميل، فنحن في حاجة إلى المهندسين وإلى العلماء في كل المجالات.
لكن الذي يتألم له القلب: أنه إذا خرج الولد بليداً غبياً فتسمع من يقول: هذا لربنا، أو هو لله! أو سيكون شيخاً! فيجب علينا أن نقدم أولادنا جميعاً لله عز وجل، كما قال عز وجل عن امرأة
عمران :
رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] قالت هذا
أم مريم قبل أن تلد.
فيجب علينا أن نربي أبناءنا، وأن نقدم أولادنا لله تبارك وتعالى، ونحن نرى الأم الآن على أرض فلسطين تقدم أولادها جميعا لله ثم للأقصى، وقد سمعنا ورأينا جميعاً الأم التي تقول: أنا عندي سبعة أولاد نذرتهم جميعاً لله ثم للأقصى.
فنريد أن نربي أبناءنا، وأن نخرج جيلاً يفهم عن الله، ويفهم عن رسول الله؛ ليكون مؤهلاً لهذه الأحداث المقبلة؛ لأن الذي سيفتن في هذه الأيام المقبلة هو الجاهل بالله وبرسوله، الذي لم يحقق الإيمان وإن حصل أرقى الشهادات، لقد أخبرنا الصادق صلى الله عليه وسلم أن الذي سيفتن بـ
الدجال رجل جاهل بالله وبكلام رسوله، وأول ما يرى
الدجال ويرى فتن
الدجال التي تأخذ القلوب والأبصار، ويقول له
الدجال: أنا ربك، فيقول له: لست ربي، فيظهر له
الدجال شيطانين: الأول على صورة أبيه، والآخر على صورة أمه، فيقولان له: آمن به إنه ربك! فإذا رأى الشيطانين على هيئة أبويه آمن به، ويخر ساجداً له من دون الله، فيكفر والعياذ بالله! ولا يقرأ كلمة كافر التي على جبهة
الدجال إلا المؤمن، حتى ولو كان المؤمن أمياً لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب!
فنحن نحتاج إلى علم بالله، وإلى علم برسول الله، وإلى علم بهذه الفتن وبهذه الأحداث، ثم نحول هذه العلم إلى عمل، ونستعد للآخرة بتجديد التوبة والأوبة إلى الله سبحانه وتعالى.
وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينجينا وإياكم جميعاً من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يقر أعيننا جميعاً بنصرة الإسلام وعز الموحدين، وأن يشفي صدور قوم مؤمنين، وأن ينصر إخواننا، ويحفظ أهلنا في فلسطين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.