فإنني سأتحدث عن موضوع محدد خاص، وأود أن نتفهم هذا الموضوع ونتناقش فيه لنصل فيه إلى مفاهيم واضحة، ونتائج محددة نستفيد منها في حياتنا العملية الخاصة والعامة.
فأصل تسمية كلمة معروف وكلمة منكر في الشرع إنما جاءت لأن المجتمع الصالح المسلم يعرف هذا، وينكر ذاك، فيعرف -مثلاً- الطاعة والصلاة والذكر والبر والنصيحة والخير، فتسمى هذه الأشياء معروفاً؛ لأن الناس يعرفونها في المجتمع الطيب.
وبضد ذلك هناك أشياء مكروهة كالفسوق والعصيان والإثم، سواء في ذلك كان إثماً قلبياً أم لسانياً أم عملياً، فهو مكروه منكر بين الناس لا يعرفونه ولا يقرون به ولذلك سمي منكراً، فأصل وضع الكلمتين معروف ومنكر مبنية على أساس وجود مجتمع صالح يعرف الخير ويقر به، وينكر المنكر ولا يرضاه فسمي هذا معروفاً وهذا منكراً.
على سبيل المثال أيضًا: خلافة أبي بكر رضي الله عنه، الآن المسلمون منذ عهد خلافة أبي بكر إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يكتبون في العقائد أن المؤمنين، وأن أهل السنة والجماعة يعتبرون أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر، وهو الأجدر بالخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موضع إجماع عندهم.
هذا الإجماع لم يرد نص قرآني ينص عليه، ولم يرد حديث نبوي صريح يحدد هذه القضية بصورة حاسمة، نعم، وردت أحاديث كثيرة أشبه ما تكون بالإيماء والتلميح والإشارة إلى جدارة أبي بكر رضي الله عنه، لكن بعدما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام واجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة وتقاولوا وتفاوضوا وتحادثوا، ثم انتهى بهم الأمر إلى الاتفاق والإقرار بولاية أبي بكر رضي الله عنه، وبايعوه عن طواعية واختيار، وجعلوه أميراً للمؤمنين، وسمعوا له وأطاعوه، واستقر الأمر على ذلك، بعد هذا عرفنا؛ بأن ولاية أبي بكر أصبح معروفاً في ذلك المجتمع الأول بدليل أنه وجد بينهم واستقر وقام، فعرفنا بذلك أن ولاية أبي بكر رضي الله عنه وأفضليته وتقدمه على الصحابة هي من الأمور المتفق عليها عند الأمة، ومثل ذلك أشياء كثيرة قد لا تكون النصوص فيها حاسمة بصورة نهائية لكن واقع المجتمع الإسلامي الأول هو المقياس.
أضرب مثالاً آخر -أيضاً- موضوع كتابة الحديث النبوي، هل يكتب الحديث أو لا يكتب؟
الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الحديث خشية أن يختلط بالقرآن الكريم، ولأن الكُتَّاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قليلاً، فكان يخشى أن ينشغلوا بكتابة الحديث عن كتابة القرآن الكريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه} فنهى عن الكتابة.
ولذلك ذهب جماعة من الصحابة إلى تحريم كتابة شيء من الحديث النبوي، ومن أشهرهم عمر رضي الله عنه حيث كان ينهى عن كتابة الحديث في أول أمره، ولما توفى الرسول عليه الصلاة والسلام، وجمع القرآن وأمن اختلاطه بالسنة بعد ذلك، ثم وجد الناس في القرن الأول مشكلة وهي خشية ضياع السنة النبوية؛ لأن المشافهة مع أنها وسيلة قوية لكن مع ذلك قد يموت الحفاظ فيضيع شيء من العلم الذي كان عندهم، ولابد من التدوين والكتابة، فاستقروا على جواز كتابة الحديث النبوي حتى أجمعوا على ذلك بلا مخالف، وبدءوا يكتبون الحديث النبوي.
ولاشك أنه يوجد أحاديث اعتمدوا عليها، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـعبد الله بن عمرو بن العاص: {اكتب فوالله ما خرج منه - وأشار إلى فمه - إلا حقٌ} ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: {اكتبوا لـ
وهو رجل من أهل اليمن لما سمع الخطبة، قال: اكتب لي يا رسول الله، فقال: {اكتبوا لـ
فكتابة الحديث النبوي ليس فيها نصوص حاسمة قاطعة أنها مطلوبة وواجبة، لكن لما واجه المسلمون الأولون ضرورة الواقع رجحوا القول بمشروعيته، بل بوجوب كتابة الحديث النبوي، واتفقوا على ذلك من غير مخالف ولا نكير.
ومقصودي من هذا المثال والذي قبله وغيرها كثير: أن المعروف هو ما عرف بين المسلمين الملتزمين بمنهج الكتاب والسنة أنه معروف مطلوب من الشرع، والمنكر هو ما عرف بين المسلمين الملتزمين بالكتاب والسنة أنه مكروه مطلوب تركه.
يقضى على المرء في أيام مختلفة حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن |
فيشيع عند الناس يوماً من الأيام عادة أو موضة تقليد أي أمر من الأمور، ويتحول إلى أمر مستحسن في أذواقهم وأمزجتهم وهو منبوذ شرعاً ومحرم أو مكروه، إذاً لا عبره بانطباع الناس عن هذا الأمر، إنما العبرة بثلاثة أمور:
الأمر الأول: القرآن: فإذا ثبت في القرآن أن أمراً من الأمور معروف فهو معروف ولا يحتاج إلى كلام فيه.
الأمر الثاني: السنة النبوية: فإذا جاءت الأحاديث عن المصطفى عليه الصلاة والسلام بأن هذا الأمر مطلوب وجوباً أو استحباباً، فهو معروف، وإذا جاءت بأن هذا الأمر مطلوب تركه إما تحريماً أو كراهية فهو منكر.
الأمر الثالث: الذي يتميز به المعروف والمنكر هو واقع المجتمع النظيف السليم، وأخص المجتمع الأول فهو المقياس ولذلك نقول أيضاً في أبواب الاعتقاد عموماً: أن ما كان عليه الجيل الأول هو العقيدة الصحيحة بدون جدال ولا نـزاع يختلف مثل الأشاعرة عن المعتزلة وعن الماتريدية وعن الجبرية وعن القدرية وعن الخوارج، فنقول: إن المقياس في ذلك هو الرجوع إلى ما كان عليه الجيل الأول.
ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث الفرقة الناجية لما ذكر: {أن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي} فجعل المعيار والمقياس في معرفة الطريق الصحيح وهو طريق النجاة في السلوك والقول والعمل والاعتقاد، هو التزام ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ويمكن أن نقول: إن القرون الفاضلة إجمالاً كان رجالاتها وزعماؤها على المنهج وعلى الخط والطريق نفسه، لم يغيّروا ولم يبدلوا ولذلك قال عليه السلام: {خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم}.
حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ذكر الله في القرآن الكريم عنهم كمثل آدم عليه السلام، وموسى، وغيرهما من الأنبياء، حتى محمد عليه الصلاة والسلام، كان يحدث منهم أمور أقل ما يقال فيها أن الأولى تركها، وبعضها قد يكون ممنوعاً كما حدث لآدم عليه السلام وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122] فيقول النبي من الأنبياء: يا رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، والله عز وجل أبوابه لا تغلق للتائبين.
وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث صفوان بن عسال قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن باب قبل المغرب مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها} فنقول ونحن جميعاً من العصاة المذنبين الخطائين: الحمد لله الذي لم يجعل وقوع الواحد منا في زلة أو سقطة سبباً في إغلاق أبواب الرحمة دونه، وبعده وطرده، بل إن الله جل وعلا وهو الغني يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، فلك الحمد.
وإن الله جل وعلا كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من بني إسرائيل -والحديث في صحيح مسلم {- أذنب ذنباً ثم ندم، وقال: اللهم إني أذنبت فاغفر لي فغفر الله له، ثم أذنب مرة أخرى فقال: رب إني أذنبت فاغفر لي، فغفر له، ثم المرة الثالثة، فقال: رب إني أذنبت فاغفر لي، فقال الله عز وجل: عبدي علم أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، افعل ما شئت فقد غفرت لك}.
لكن علينا ألا نغتر بهذا لأن الله عز وجل قال لهذا الإسرائيلي: افعل ما شئت فقد غفرت لك، وهو أعلم سبحانه أن هذا الرجل قام بقلبه من شدة الانكسار بين يدي الله، وشدة الخوف منه، وشدة الندم على الذنب ما كان سبباً إلى رحمة الله له، وعفوه عنه، لكن أنا وأنت وأنتما وأنتم وأنتن، ما يدرينا أن يكون قام بقلوبنا ذلك؟
فربما يعصي الإنسان ثم يستغفر، ثم يعصي ثم يستغفر ثم يعصي ثم يستغفر، ويقال له: لا يغفر لك لأنك كذاب مخادع تعاهد الله عز وجل ثم تغش وتنكث.
فلا يغتر الإنسان بهذا الحديث؛ لأن هذا الرجل أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الله قال له ذلك؛ لكن نحن من يخبرنا أن الله تعالى قال لنا ذلك، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
ولذلك كان من صفات عباد الرحمن في الجنة أنهم كانوا يخافون عذاب الله عز وجل وقد وصفهم بهذا في مواضع كثيرة قال تعالى: الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المؤمنون:57] وقال: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:26-28].
وهم يقولون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] أي: خائفين وجلين فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:27-28].
المهم أني أريد أن أشير إلى أن الإنسان من طبيعته أنه قد يخطئ، وكل ابن آدم خطاء، هكذا يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وسنده حسن: {كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون}.
لكن لاحظ أنهم كانوا خطئوهم وكان خطأهم يتميز عن غيرهم بأن الإيمان موجود مستقر في النفوس، والصلة بالله عز وجل قائمة، والإحساس برقابته موجودة، وإن حصلت بادرة خطأ، لكن يكون توبته منها أمر عجيب.
قصة ماعز:
مثلاً ماعز بن مالك الأسلمي يأتي للرسول عليه الصلاة والسلام وقد وقع في الزنى وندم عليه، ومع ذلك يأتي للرسول ولو تاب وستر نفسه لستره الله وتاب الله عليه؛ لكنه ما رضي، فيأتي للرسول عليه السلام في مجلسه ويقف أمامه، ويقول: يا رسول الله! إني زنيت فطهرني، ثم من هنا: يا رسول الله! إني زنيت فطهرني، والرسول عليه الصلاة والسلام يعرض عنه أربع مرات، وكلما أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم قام الرجل وجلس أمام وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إني زنيت فطهرني، والرسول عليه الصلاة والسلام يريده أن ينصرف ليتوب فيتوب الله عليه، وهذا أولى لكنه لم يفعل من شدة الاحتراق في قلبه، وشدة الخوف من الله، حتى فضح نفسه أمام الناس فدعاه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: أبك جنون؟
قال: لا، قال: استنكهوه -أي شموه قد يكون سكران الآن ويدلي بهذا الاعتراف- فلم يجدوا شيئاً، ثم دعا النبي قومه وقال: ماذا تعرفون عن ماعزٍِ؟
قالوا: يا رسول الله! ما نعلم عنه إلا خيراً، رجل من أفضلنا وأعقلنا لكنه أصابه ذنباً لا نرى أنه يخرج منه إلا ذلك، فأصدر النبي صلى الله عليه وسلم حكماً بأن يرجم؛ لأنه كان محصناً متزوجاً فرجم.
هذا نموذج لصدق التوبة فحين يخطئون كانت تظهر منهم رجولة وصدق، ورجوع لا يوجد عند من بعدهم.
قصة الغامدية:
وأعجب من قصة ماعز قصة الغامدية، وأنا ما وقفت أمام هذه القصة إلا أتعجب منها أشد العجب.
جاءت الغامدية بعد قصة ماعز، ولذلك كانت الغامدية تعرف ما مصيرها، وتدري ما هو العقاب الذي ينتظرها وقد زنت وهي محصنة.
فجاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالت: يا رسول الله! أصبت حداً فأقمه عليَّ، إني زنيت فطهرني، فأعرض عنها الرسول عليه الصلاة والسلام لعلها تذهب فتتوب فيتوب الله عليها، لكن المرأة ما قبلت، وقالت: يا رسول الله! كأنك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً والله إني لحبلى من الزنا.
غريب أهذا منطق امرأة! لكن الإيمان يصنع المعجزات، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {أما الآن -يعني مادام الأمر كذلك- فاذهبي حتى تلدي} وإن ذهبت وما رجعت تاب الله عليها وانتهى الأمر، لكنها يمكن أن نقول: إنها أول مرة كانت لكونها حديثة عهد بالمعصية، المعصية قريبة ولازال يكون الندم شديداً؛ لأن الإنسان إذا وقع في معصية أول ما يقع يندم ندماً شديداً، ثم يبدأ الندم يخف حتى يذهب أحياناً، فيمكن أن نقول: أنها أول مرة جاءت بسبب شدة الندم مع أنها لم تكن تعلم أنها حامل إلا بعد وقت من وقوع الجريمة.
ولما ولدت الصبي، وبمجرد ما ولدته؛ جاءت به ملفوفاً في خرقة تحمله: يا رسول الله! هذا الصبي قد ولدته فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {اذهبي حتى تفطميه} رجعت المرأة، تعهدها رجل من الأنصار وحفظها والصبي معها ترضعه حولين كاملين، وهذا الرضاع الشرعي لمن أراد أن يتم الرضاعة.
بعد سنتين وتسعة أشهر من جريمة الزنا جاءت بالصبي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بعدما فطمته في أول وقت الفطام أي بعد مضي سنتين، ثم وضعت في يده كسرة خبز يمسكها حتى تقول للرسول عليه الصلاة والسلام: إنه الآن مفطوم يأكل الخبز.
شيء عجيب! تمر قرابة ثلاث سنين، وتأتي وهي تعرف أن مصيرها سيحفر لها حفرة في الأرض وترمى بالحجارة حتى الموت.
إذا كان هذا شأن الذين وقعوا في المعاصي من الجيل الأول فكيف يكون شأن الطائعين المخلصين الذين لم يتورطوا في مثل هذه الأمور، إن مثل هذا لشيء عجاب، والله المستعان!
المهم حتى حين تقع منهم هذه المعاصي فقد كان رجالهم رجالاً ونساؤهم نساء، كانت نساء حقيقيات صادقات مع الله تعالى ومع أنفسهن.
هذا النوع الأول من المعاصي والأخطاء التي توجد في المجتمع الصالح هي المنكرات الفردية، يعني فلان زنى، فلان سرق، فلان كذا، فلان تخلف عن الجهاد، فلان فر من المعركة أو ما أشبه ذلك، ثم يتوبون ويتوب الله عليهم، لا يعلم في حدود علمي أن واحداً من الجيل الأول مات مصراً على معصية.
قصة أبي محجن:
ولعل من أقرب الأمثلة قصة أبي محجن الثقفي، وكان متورطاً في شرب الخمر ولا يستطيع أن يصبر عليها، بل جلد مرات عديدة، وسجن بدون جدوى، لكن من رحمة الله قبل أن يموت بزمن أنه كان مسجوناً في بيت سعد بن أبي وقاص في أيام القادسية في العراق، فلما رأى القتال بين المؤمنين والفرس تحمس وقال لـسلمى زوجة سعد: فكي لي فرس سعد -وكانت مربوطة- وأطلقيني أقاتل، فإن قتلت فهذا خير لي، وإن نجوت فأعاهد الله أن آتي حتى تضعي القيد في رجلي، فرفضت، فبدأ يتغنى بأبيات من الشعر يقول:
كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدوداً علي وثاقيا |
إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصاريع دوني قد تصم المناديا |
وقد كنت ذا مالٍ كثير وأخوةٍ فقد تركوني واحداً لا أخَا ليا |
ولله عهد لا أخيس بعهده لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا |
أي: حانات الخمر، فهو يحلف بالله إن نجا وفرج عنه من هذا الكرب ألا يزورها، أي أماكن الخمور ففكت قيوده وأعطته الفرس (البلقاء) فذهب يقاتل في المعركة ويفتك بالفرس فتكاً شديداً، وسعد بن أبي وقاص ينظر ويقول: والله إن الطعن طعن أبي محجن والفرس فرسي، وأبو محجن في القيد كيف هذا؟
رجل يشبه أبا محجن وهذه تشبه فرسي، فلما رجع قال لزوجته فقالت: نعم، والله هو أبو محجن وهي فرسك فقال له سعد: اذهب لا سجنتك بعد اليوم، فقال: وأنا لا شربت الخمر بعد اليوم.
فلا أعلم أحداً من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام مات مصراً على معصية من المعاصي الظاهرة.
ففي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وجد منافقون، وهؤلاء يمكن أن نعتبرهم جماعة أو مؤسسة أو حزباً أو طائفةً أو جمعية أو سميهم ما شئتِ؛ ومهمتهم إشاعة المنكرات في المجتمع الإسلامي، وليست منكرات فردية كما هو الحال فيمن تغلبه نفسه أو يغلبه الشيطان ويقع ثم يتوب، لا،منكرات منظمة ومدروسة ومقصودة، فهم يكيدون ويتتبعون عورات المؤمنين، ويحاولون أن يشيعوا الإشاعات وينشروها، ويعملوا ضد الإسلام.
وهذه الطائفة أو الحزب كان موجوداً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فأولى أن يكون موجوداً بعده وأقوى أيضاً؛ لأنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم دقت شوكتهم وقل دورهم؛ لأنهم انكشفوا وعرفهم الناس فأصبح لا شأن لهم، ولا قيمة إلا في حدودٍ ضيقة.
حتى أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لما قرأ قول الله عز وجل: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ [التوبة:12] قال: ما بقى من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة أحدهم: شيخ كبير السن هارم لو شرب الماء البارد لما وجد برده، إنسان هرم انتهى والبقية هلكوا.
ففي عهد الرسول عليه السلام، مجتمع صالح نظيف محكم، أفراده يوالون الإسلام ولاءً حقيقياً، يوالون الله ورسوله، ولذلك نبذوا المنافقين ولم يعد للمنافقين دور عندهم.
أما فيمن بعدهم وخاصة في العصور المتأخرة في عصرنا هذا وما بعده، فإننا نجد أن شأن المنافقين يكبر ويتسع، فيكون لهم مؤسسات وأجهزة وقوى كثيرة وشخصيات ورموز تعمل باسمهم، وبغض النظر نحن لا نتهم أشخاصاً معينين بأنهم منافقون، لكن نقول عموماً ميزة المنافق أنه يعمل على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، ويعمل على نشر الرذيلة بين المؤمنين، ويعمل على التشهير بأهل الخير والإسلام، ويحرص على تحويل المجتمع من مجتمع طيب صالح إلى مجتمع منحط منحرف، وعلى تحويله من بيئة نظيفة لتربية النشء الصالح إلى بيئة ملوثة بجراثيم الفساد والشر؛ بحيث ينشأ الصغير فيها ويتنفس الجراثيم، ويتقبل هذه الانحرافات والمنكرات لأنها موجودة في المجتمع، وهي أمر طبيعي عندهم.
إذاً: إذا كان الهواء ملوثاً كل من شم هذا الهواء تلوث وتضرر به.
فهذه منكرات جماعية خطيرة وهي التي تميز ما إذا كان المجتمع سليماً أو غير سليم، ففي المجتمع السليم يتقلص دور المنافقين، أما المجتمع المختلط الضعيف فإنه يبرز دور المنافقين، ويصبحون لهم مراكز ولهم إمكانيات ووسائل قوية ولهم تأثير واضح.
ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم وأصحاب السنن وهو حديث صحيح: {لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم} أي: حين نتحول نحن المسلمين إلى أناس يقدرون المنافق ويطلقون عليه ألقاب التبجيل (يا سيدي، أو يا سيد) نكون أسخطنا الله عز وجل، لماذا؟
لأن معنى ذلك أن عندنا قابلية لتقبل ما عند المنافق، والمنافقون ليسو مجرد أناس متسترين، لكن لهم أهداف الفساد والإفساد في المجتمع المسلم.
إذاً: النقطة الأولى التي أود أن أذكرها:
النوع الأول: أن المنكرات على نوعين:
النوع الأول: منكرات فردية يخطئ شخص فيندم على ذنبه، ويستغفر الله عز وجل، وهذا يوجد وإن كان يتفاوت، ففي المجتمع النبوي حالات توجد فردية لكن كلما تقدم الزمن زادت.
النوع الثاني: منكرات جماعية منظمة ومؤسسات وتجمعات، ولذلك تجدين أحياناً في بعض المدارس والجامعات سواء للذكور أو للإناث تجمعات معينة، هذه التجمعات اجتمعت على أساس التعاون على الرذيلة وعلى الإثم والعدوان، كالتعاون -مثلاً- على نشر الفاحشة، والتعاون على نشر الوسائل السيئة كالمجلات المنحرفة والكتب الهابطة وتبادل أرقام الهاتف، ونشر الصور والتصوير إلى غير ذلك من الوسائل السيئة، وتجدين عشر أو عشرين من الصديقات تجمعهن على هذا الأساس.
أنا لا أقول: إن هؤلاء المجموعات منافقات؛ لكن أقول: هنا الخطورة أنه لم يعد المنكر أمراً يخاف منه الإنسان ويستحي منه، وقد يقع فيها ويستتر ويتوب إلى الله، لا، إنما أصبح يجاهر بها ويوالي على أساسها، فإذا وجد من يكون مثله اجتمع معه وهنا الخطورة؛ لأن هؤلاء من حيث يريدون أو لا يريدون يصبحون سوساً ينخر في المجتمع، ويجر المجتمع جراً إلى الهاوية، وهؤلاء ولاشك أنهم في غاية الخطورة، والتصدي لهم في غاية الأهمية.
حين ننظر -أيتها الأخوات- إلى المجتمعات منذ عهد الرسول إلى اليوم نجد هذا أمراً طبيعياً، وليس بغريب أن المجتمع يتفاوت، فأحياناً تقل المنكرات وأحياناً تكثر، والأسباب في ذلك كثيرة، وأريد أن أتحدث عنها لأن الوقت ضيق، لكن أنبه إلى أن المجتمعات تتفاوت في زيادة المنكرات وفي قلتها بحسب عوامل كثيرة جداً تتعلق بوضع المجتمع، وبقيادة المجتمع وأفراده، ووجود العلماء والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وانتشار العلم، وغلبة الأعداء إلى غير ذلك من الوسائل التي لا أريد أن أدخل فيها أو في تفصليها.
ولو نظرنا في مجتمعنا الذي نعيش فيه الآن وقومناه، وحاولنا أن نضبطه بالميزان الذي تحدثت عنه قبل قليل لوجدنا أن هذا المجتمع فيه وفيه، فمن جهة يوجد في مجتمعنا المعروف سواء في الميدان العام، مثل كون المجتمع لا يزال محافظاً على حجاب المرأة وستر جسمها ويعتبر ذلك من الأمور السائدة في المجتمع، وهو أمر طبيعي لا يستغرب.
وقضية تجنب الاختلاط في الميادين العامة، وفي المدارس، وفي الجامعات بشكل عام، دعينا من وجود حالات فردية أو بدايات من قبل بعض المغرضين، هذا أمر آخر، لكن الأصل القائم أنه لا يزال التعليم غير مختلط، والرجال يدرسون وحدهم، والنساء يدرسن وحدهن -وعلى حِدَهٍ- معزولات، حتى -مثلاً- حين يكون هناك حاجة إلى أن يكون هناك رجل يعلم من خلال شاشة أو من وراء حجاب، أو ما أشبه ذلك.
حين تنظرين -مثلاً- إلى واقع الأسر والعوائل تجدين فيها مجموعة من الخصائص الخيرة مثلاً: الصلوات، وصيام رمضان، والحج والعمرة، والبر وصلة الرحم إلى غير ذلك.
وهذه الصحوة الآن ظاهرة، لا يجادل فيها أحد من المسلمين أو الكفار، بل الكفار الآن هم أكثر الناس تخوفاً منها، والتقارير الغربية من أمريكا وبريطانيا وغيرها تصدر يومياً من مراكز بحوثهم ودراساتهم عن هذه الصحوة وخطرها والخوف منها، وأنها تهدد مخططاتهم في القضاء على المسلمين، وتحويل الأمة الإسلامية إلى مجرد سوق لمنتجاتهم وأفكارهم وعقائدهم وبضائعهم.
فالصحوة الآن ظاهرة لا يستطيع أحد أن يتجاهلها بحال من الأحوال، وهي بفضل الله تعالى، وصحيح أن الدعاة والمخلصين والعلماء لهم جهود كبيرة لا يمكن أن تنسى؛ لكن جهودهم كان من الممكن أن تضيع، ولكن الله عز وجل بارك في جهودهم وسددها، ووفق إلى أن يستمع الناس إلى نذيرهم وصياحهم ودعائهم وندائهم، حتى وجدت هذه الصحوة الإسلامية المباركة في أوساط الرجال وفي أوساط النساء، وهذا من الخير الموجود في المجتمع.
وفي مقابل ذلك تجدين في المجتمع منكرات كثيرة سائدة، بعضها مستقر وبعضها الآن يأخذ طريقه إلى الاستقرار، هذه المنكرات السائدة قد تكون موروثة أحياناً في بعض الأسر أو في بعض المجتمعات، وليس بالضرورة في كل مجتمع، فهناك مجتمعات معينة الرجل فيها قد يخلو بقريبته، ويعتبر هذا أمراً عادياً، وقد ينظر إليها، وقد لا يكون هناك تستر كافي في بعض بيئات البادية وفي بعض المناطق الأخرى.
وهناك منكرات -أيضاً- استقرت في البيوت، وكثيرٌ من البيوت يوجد فيها -مثلاً- أجهزة هدم وتخريب ويوجد فيها أفلام، ويوجد فيها كتب وروايات سيئة، ومجلات سيئة، وكذلك تساهل وتسامح في العلاقات الاجتماعية، فهذا نوع من المنكرات الموجودة، وهي منكرات متوارثة بين الناس اشتهرت واستقرت.
وهناك منكرات في طريقها أو تحاول -لا نتفاءل ولا نتشاءم- لكن تحاول أن تكون في طريقها إلى الاستقرار، فهناك لاشك من يحاول غزو المجتمعات الإسلامية في كل مكان، فهناك من يتمنى أن تظهر المرأة المسلمة سافرة، ويعتبر أن هذا الحجاب سجن -مثلاً- للمرأة، وهو يريد أن يستمتع بالمرأة وهي سافرة وقد حسرت عن وجهها وشعرها ونحرها وذراعيها، بل يتمنى ما هو أشد من ذلك وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] والمنافقون خلف المؤامرة كلها، يسعون بجهودهم ليلاً ونهاراً لتحقيق هذه المقاصد.
وهناك من يتمنى أن يحدث الاختلاط بين الأولاد والبنات في المدارس وفي الجامعات وغيرها، حتى يستمتع بشهوته ومراده على ما يحب دون حسيب أو رقيب من الناس.
وهناك من يحاول أن يوجد الاختلاط في أوسع من إطار التعليم، هناك منكرات يحاول الكثير من المغرضين فرضها على الأمة الإسلامية من خلال وسائل الإعلام، وأجهزة التعليم، والمناهج التعليمية، والعلاقات بين طبقات المجتمع، ومن خلال إشاعة أخلاقيات معينة، وهذا النوع الجديد من المنكرات غالبها أو كثير منها منظمة مدروسة يقف خلفها -كما أشرت قبل قليل- أجهزة ومؤسسات وبيوت يديرها غالباً أناس يتعمدون هذا الأمر، وقد يكونون من المنافقين الذين بليت بهم الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وصنعهم الاستعمار وغرسهم في البلاد الإسلامية حتى يقوموا بالمهمة بالنيابة عنهم.
النقطة الأساسية: أنه ما موقفنا إزاء هذه المنكرات الشائعة الآن بنوعيها؟
يمكن أن نلخص الموقف بالحديث النبوي، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده} إذاً موقفنا التغيير، والتغيير لا يعني -بالضبط- أن المنكر قد زال، لأنك لست سلطة تزيلين المنكر بالقوة، {فإن لم يستطع فبلسانه -أي: يتكلم أن هذا لا يصلح ولا يجوز، أو يكتب- فإن لم يستطع فبقلبه}.
إذاً بالقلب -أيضاً- يكون تغييراً، كأن تكون كارهاً لهذا المنكر لكنك لا تستطيع أن تفعل شيئاً، وهذا سماه الرسول عليه الصلاة والسلام تغييراً {فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل} فحين ترى الأخت المسلمة المنكر ثم لا تكرهه فهنا لا إيمان في قلبها مطلقاً، ولا حبة خردل، هذا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام {وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، وذلك أضعف الإيمان} فإذا زال الأضعف ما بقى شيء من إيمان، وفي لفظ فقال: {وذلك أضعف الإيمان }.
من أهم خصائص المؤمنين بغض المنكر، أحياناً قد يكون المؤمن مقصراً في الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج، لكنه غيور على حرمات الله، فهذا دليل على صدق الإيمان في قلبه، وآخر قد يكون عابداً زاهداً مصلياً قائماً ذاكراً لكن هذا الإنسان قلبه ميت يرى المنكر فلا يتمعر وجهه ولا يغضب لله، فهذا في إيمانه نظر، وأعماله هذه لا تدل على قوة إيمانه وصدق ولائه لله تعالى ولرسوله.
أما بالنسبة لكيف يكون التغيير؟
فإن الناس -سواء في ذلك الفتيات أو الشباب- يسلكون إحدى طريقتين أمام هذه المنكرات الشائعة أشير إلى كل من الطريقتين، وأبين المحمود منها.س
الخطأ الأول: أنها أصبحت تنظر بعين واحدة، نظرة عوراء لماذا؟
لأن المجتمع فيه كما ذكرت قبل قليل خير وشر، فلماذا أنظر إلى الشر وأترك الخير؟
هذا خطأ كبير، ولذلك في صحيح مسلم يقول الرسول عليه السلام: {من قال هلك الناس فهو أهلكهم} يعني أكثرهم هلاكاً.
فالإنسان عندما يقول دائماً: الناس فعلوا والله المستعان، وفيهم وفيهم، فهذا في قلبه مرض، وهذا أمر رأيته بعيني من كثير الشباب الذين يدمنون الحديث عن المفاسد والمنكرات خاصة المفاسد الأخلاقية، فمنهم من يظل يقول: على شاطئ البحر يوجد كذا، وفي أجهزة الإعلام يوجد كذا، ويكثرون من هذا الموضوع، ويشتغلون بالتفصيل حتى حين يذهبون للمواقع الطيبة كالمساجد وأماكن العلم والتعليم والبيئات الطيبة والحرمين وغيرها، تجد أعينهم دائماً تلاحظ الظواهر السلبية، هؤلاء في قلوبهم مرض.
فعلى المسلم أن يمسك الميزان من الوسط، نعم، يوجد شر، ويوجد انحراف، حتى في أوساط الطيبين يقع؟
نعم، لكن نقول أيضاً: يوجد خير وصلاح، واستقامة وصحوة وإقبال، لا بد أن نمسك الميزان من الوسط ونعرف هذا وهذا، ونكون معتدلين في النظرة، وهذا الاعتدال في النظرة ضروري ليتصرف الإنسان التصرف المناسب.
الخطأ الثاني: الذي وقعت فيه هذه الطائفة أنهم بعدما تشاءموا وساءت نظرتهم إلى المجتمع، وبالغوا في تضخيم المنكرات؛ قرروا الهروب منها واعتزالها.
فتجدين -مثلاً- الأخت تترك التعليم، وتترك الدراسة في الجامعة، وتترك المواصلة في الدراسات العليا، وتترك المناصب الإدارية، وتترك التفتيش -مثلاً- وتترك المشاركة في الأعمال العامة، وتترك الاختلاط بالناس، وتترك المناسبات والأعراس والحفلات، وتترك الاتصال والذهاب والإياب بحجة وجود منكرات، وأنا لا أستطيع تغييرها -يا سبحان الله!-.
هل معنى ذلك أن نترك المجتمع لغيرنا من المنحرفين والضالين؟
لا هذا انحراف في مفهوم الورع؛ لأنه قد يكون واجباً فتعين عليك أنت أيتها الأخت أن تشاركي وتدخلي؛ حتى لو ترتب على ذلك بعض المفاسد، لكن المصلحة أكبر من أجل إزالة المنكر ونشر المعروف، وإلا الهروب منها سهل فعله، ولا توجد مشكلة، فالإنسان إذا رأى الوضع لا يعجبه انسحب وترك الحبل على الغارب، ترك الأمر للشيطان وأوليائه وجنوده، وهذا أهون حل، لكنه في الواقع لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يزيد الداء إلا علة، إذاً هذا خطأ ثانٍ، والرسول عليه الصلاة والسلام ما أذن لنا بالعزلة وترك المجاملات هذه إلا في حالات؟
الحالة الأولى: حين يصل الناس من الانحراف إلى حد لا يقبلون منك الخير، كما قال النبي: {إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإعجاب كل ذي رأى برأيه} تقول له شيئاً فلا يقبل منك؛ هنا اعتزلهم، لأنه لا فائدة، لا يوجد أحد يقبل منك، لكن الواقع الآن أن الناس يقبلون والهداية الآن بالعشرات، بل بالمئات، بل الكفار الآن يدخلون في دين الله فضلاً عن المسلمين الضالين الفاسقين الذين إذا دعوا إلى الله ورسوله استجابوا.
إذاً ما وجد هذا في مجتمعنا بالصورة المذكورة في الحديث، ولازال الناس عندهم استعداد وتقبل، حتى من يظهر فيه فسق أو سفه خاصة في فترة المراهقة، بعض الفتيات قد تلج فيه، لكن باللطف وبالأسلوب الهادي، فقد أثبتت هذه الوسائل والأساليب نجاحاً.
الحالة الثانية: التي يمكن فيها للفتاة أو الفتى أن يعتزل الناس في المجامع العامة، حين يعلم من نفسه أنه شديد الضعف، بحيث أنه إذا اختلط بالناس وقع فيما وقعوا فيه، فتاة مثلاً تقول: أنا لو ذهبت إلى مجموعة من الطالبات عندهن شيء من الانحراف، أنا أعلم من نفسي جيداً أنني لو ذهبت معهن؛ سوف أنساق معهن وأكون واحدة مثلهن، وتعلم هذا وتعرفه يقيناً أو ظناً غالباً على نفسها -مثلاً- لا يكاد يكون منه شك. هنا نقول: نعم، كونكِ أنتِ تنجين بنفسك أفضل من أن تنحرفي فابقي حيث أنت.
الحالة الثالثة: أن توجد فتاة -وهذه انتبهن لها معاشر الأخوات- توجد فتاة شديدة الغيرة، شديدة الغضب، فإذا رأت المنكرات قامت وهاجت وماجت واضطربت وصاحت وغيرت بأسلوب يزيد المنكر ويضاعفه، ولا تغير منه شيئاً لكن هذه اتخذت موقفاً استفزازياً وأغضبت الجميع، وفي النهاية ما غيرت شيئاً فهي غضوبة لا صبر عندها ولا حكمة ولا روية في معالجة الأمر بأسلوب سهل وتدريجي، أي أنها لا تأتي البيوت من أبوابها، بل أتت من النافذة فسقطت وضرت وأضرت، أسلوبها وهذا هو طبعها، فهي لا تصبر، وهذه أيضاً لا بأس أن تبتعد عن هذه المجالات حتى لا تعرض نفسك لإحراجات مع أنه في النهاية ما نفع أسلوبك، فهنا نقول اعتزلي لا نقول مطلقاً ولكن اعتزلي بعض المجالات التي تثير هذا عندك.
إذاً: يمكن للفتاة أن تبتعد إذا كانت ممن تتحلى بها، لكن غالبية النساء والرجال ممن يكون عنده اعتدال في المزاج وتوسط في النظرة، وتعقل وهدوء وقدرة على معالجة الأمور بحكمة، هذا قد يكون متعيناً عليه أن يخوض في هذه المجالات المختلفة حتى يغير. وهذا هو الأسلوب الثاني، أنا قلت أن هناك طائفة إذا رأوا المنكرات وشيوعها بالغوا في تصوير المنكرات وبالتالي ابتعدوا وسحبوا بحجة أن لا يد لهم في ذلك وهذا خطأ.
أولاً: ينظر للمجتمع نظرة معتدلة فيرى المنكرات موجودة وفي مقابلها يرى خيراً وصلاحاً في المجتمع، فهو معتدل النظرة حتى حين يسمع أخباراً تبقى عنده في نطاق ضيق، ما وصلت إلى حد تصبح شيئاً يلوث البيئة العامة وظاهرة مفسدة للناس عموماً.
الأمر الثاني: بالنسبة للموقف السليم المعتدل أنه بناءً على هذه النظرة المتوازنة تتصرف الأخت المسلمة تصرفاً سليماً، وذلك عن طريق الدخول في الميادين المباحة كلها والمشاركة فيها والتغيير من خلالها، فينبغي أن تدخل الفتاة المتدينة الداعية الواعية إلى التعليم، تتعلم، وتعلم، وتواصل في الدراسات العليا، وإدارة جمعيات خيرية، ومناسبات، ورسائل وصحف، ومجلات، وهي تستطيع أن تكتب فيها وترد وتدافع، فكل هذه الوسائل الآن التي أصبح الأعداء يستخدمونها في حرب الإسلام، ينبغي للأخوات المتدينات أن يبدءن في التفكير فيها، بدلاً من كون مهمتهن تتوقف عند الشكوى بأن المدرسة الفلانية فيها كذا، والمكان الفلاني فيه، والجريدة الفلانية قالت كذا، وهذا شكوى إلى من؟
هذه الأمور لا تنضبط، تبين أن مجرد الشكوى لا تجدي شيئاً؛ لأن بعض الناس الذين لا خلاق لهم ولا غيرة قد يكونوا تسللوا إلى بعض هذه المواقع وأصبحوا لا يلتفتون إلى هذه الشكاوى، وقد يفسرونها على أنها طبقة من الناس عندهم نوع من التشدد أو ما أشبه ذلك، أو لا يفهمن حقائق الأمور وبالتالي جاءت الشكوى منهن، فيوجد هذا أحياناً في مؤسسات كثيرة.
لكن الحل الحقيقي العملي الناجح، هو أن نقول للمتدينات الصالحات الغيورات على الدين اتركن من قضية الشكوى والكلام الطويل، ينبغي أن تنـزل الفتاة للساحة وتعمل على تغيير الواقع من خلال موقعها كمدرِّسة أو كمديرة أو كموجهة أو كمرشدة، أو كمشرفة أو كمسئولة في جهاز معين أو قطاع معين من أي قطاعات المجتمع، أو مناسبة أو وليمة أو حفلة أو تجمع طالبات أو نشاط أو في صحيفة أو إذاعة مدرسية مثلاً أو تأليف الكتب وما أشبه ذلك.
المهم ننـزل في الميادين التي بدأ الشر يأتينا منها، ونحاول أن نعمل على تغييرها؛ لأن هذه الميادين ميادين حيادية، بمعنى أنه يمكن أن يقوم عليها إنسان طيب وصالح فتتحول إلى مجال للخير، والهداية، والإصلاح واستقبال البنات وتربيتهن، ويمكن أن يليها أناس ليس عندهم دين ولا غيرة فيحولونها إلى ضد ذلك.
إذاً: ينبغي أن نناقش في تلك الميادين ولا ينبغي للفتاة أن تعتبر أن مهمتها تنتهي عندما تتزوج، وتهتم بزوجها، وبأطفالها، وهذا غاية ما تريد وتترك أمر الناس وتنسى أننا في الواقع بحاجة إلى داعية معروفة.
الآن مثلاً لما تقرئين في الكتب المعاصرة في مصر وغيرها من البلاد التي انتشر فيها موضوع تحرير المرأة تجدين أسماء عديدة من النساء اللاتي تبنين حملة دعوة تحرير المرأة ومزقن الحجاب، وفعلن وفعلن، وموجود في البلاد المجاورة والمحيطة وفي بلادنا أسماء معروفة، فلماذا لا يوجد بين الصالحات من يكون لها نشاط إسلامي قوي واضح تعرف به سواء كانت داعية، أو مجاهدة، أم آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، أو ترد على المنحرفين بالأسلوب المناسب، وتكتب، وتنشر، وتحاضر، وتتحدث، وتقوم بدور في مجالها العلمي القريب والبعيد؟
ونحن بأمسِّ الحاجة إلى أن نفكر جيداً في أن هذا هو السبيل العلمي الحقيقي لتغيير المنكرات، أما كوننا بعيدين وننتقد، ونقول: حصل في المكان الفلاني كذا، وحصل في الوليمة الفلانية كذا، وحصل في المناسبة الفلانية كذا... الخ. هذا أمر لا يغني شيئاً، وليس بصحيح أن كون مثل ذلك الأعرابي الذي كان في الجاهلية فجاءه اللصوص وأخذوا إبله، فبدأ يشتمهم وأخذوا الإبل وتركوه؛ لأنهم لا يهمهم أن يشتمهم فيقول: أوسعته شتماً وأودى بالإبل.
فليس بصحيح أن نترك المجتمع لمثل هذه الطبقة تربيه، ونحن نقول فسد الناس وفسد المجتمع، لا، بل ينبغي أن ننـزل للميدان، وننـزل للساحة ونؤدي دورنا من خلال مجالاتنا العملية التي نشتغل فيها ونعرض أنفسنا، وبغير ذلك فإنه مهما تحدثنا عن المنكر وأطلنا فإن هذا لا يغير المنكر.
وفي الواقع أن هذه النقطة الأخيرة هي بيت القصيد وهي الهدف من المحاضرة، أن أقول للأخوات وأختم بهذا: ينبغي أن يكون دورنا في معالجة الأمور والمنكرات أن ننـزل للميدان، وننـزل للساحة، ونعمل على تغيير المنكر من خلال وجودنا، وقد يترتب على ذلك أحياناً نوع من شعور الأخت بأن قلبها ليس كما تريد؛ لأن الإنسان المعتزل في المسجد يعبد ويصلي ويقرأ القرآن يحس بانشراح في قلبه أكثر مما يحس في ميدان المعركة، هذا شيء طبيعي لكن المجاهد أفضل وأعظم عند الله منه.
فالأخت التي تنـزل للميدان وتختلط ببعض النساء اللاتي أوضاعهن مستورة تحس بشيء من القسوة في قلبها لكنها على خير أيضاً، وعلى أجر، وهي أفضل عند الله فيما أعلم من امرأة معتزلة تتعبد وتصلي إذا كانت نيتها خالصة؛ لأن التي تعبد الله وتصلي هذه تنفع نفسها، لكن التي تنـزل للميدان وتختلط بالناس وتأمر وتنهي وتصلح بقدر ما تستطيع، إذا كانت نيتها صالحة فهي أفضل منها؛ وذلك لأن نفعها يتعدى ولا يقتصر على نفسها.
وأقول: أخشى ما أخشاه الآن هو أن يأتينا الشر من قبل المرأة، لأن أعداء الإسلام يركزون على المرأة ويعملون على إفساد وضع المرأة، لأنه إذا فسد وضع المرأة، فقولي على المجتمع السلام، إذا مشت المرأة متبرجة وسافرة وأظهرت زينتها في الأسواق والشوارع وحصل الاختلاط فمعنى ذلك أن المجتمع انهار -وهذا الذي يوجد في كثير من المجتمعات- فالأعداء يركزون جيداً على ذلك، فضلاً عن أن المرأة هي التي تتولى تربية الأجيال، فإذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، وإذا تلفت المرأة وفسدت فسد الجيل الذي تربي على يديها، إنك لا تجني من الشوك العنب.
إذاً: من المهم أن تشعر الأخوات بضرورة أن يكون هناك حالة استنفار بينهن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله وخوض غمار هذه المجالات والميادين الخيرية للإصلاح.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
الجواب: ليس من شروط التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أن تكون عالمةً، بل يكفيها أن تكون عالمة بالمنكر نفسه، فإنه إذا لم تكوني متأكدة أن هذا منكر فقد تنكرين معروفاً؛ فإذا كنتِ عارفة أن هذا منكر -أيضاً- فحينئذ يجب أن تنكرينه.
وهناك منكرات متفق على أنها منكرات مثل الغيبة والنميمة، لأنه ليس هناك أحد لا يعرف أن هذه من المنكرات مثل ترك الصلاة، والسفور، أو التشبه بالكفار، فهذه منكرات متواترة وكل واحد يعرف أنها منكرات، حتى الأعرابي الذي يركض خلف أذناب الإبل يعرف أن هذه منكرات، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أيضاً أقول -وأود أن تنتبهن لذلك-: ليس من شرط الآمر بالمعروف أن يكون فاعلاً لما يأمر به، ولا من شرط الناهي عن المنكر أن يكون تاركاً لما ينهى عنه، والأكمل أن يكون فاعلاً لما يأمر به وتاركاً لما ينهى عنه، لذلك الأنبياء يقولون كما قال شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88] أي: أنا إذا أمرتكم بشيء فلا أتخلف عنه، وإذا نهيتكم عن شيء فأنا أول المنتهين، لكن لو فرض أن امرأة فعلت منكراً سراً ووجدت من يفعله، يجب عليها شرعاً أن تنكره وإن كانت تفعله، أي: وقعت في معصية فعل المنكر فإنه لا يجوز ولا يسوغ لها أن تقع في معصية أخرى وهي ترك المنكر وعدم الإنكار.
فالإنسان إذاً مطالب بأربعة أشياء: فعل المعروف والأمر به، وترك المنكر والنهي عنه فهذه أربعة أمور، وتقصيرك في أمر لا يسوغ لكِ أن تقصري في أمرٍ آخر، مثلاً لو تركتِ قيام الليل وهذا معروف، فطلب منكِ أن تلقي محاضرة عن قيام الليل، فتقولي: لا والله لا أتكلم، يقال لك لماذا؟
تقولي: أنا والله ما أقوم الليل، لا،تكلمي عن قيام الليل واذكري النصوص، ويمكن أن يكون الكلام سبباً في أن واحدة من المسلمات سمعت الكلام فقامت الليل، فيكون لكِ أجر قيامها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن أنتِ حين تعودين توبخين نفسكِ وتقولين: كيف تأمرين الناس بالقيام ولا تفعلين أنتِ؟
فيكون هذا أمراً لكِ ولغيركِ.
فهذه النقطة يغلط فيها كثير من الجهلة، وهذه القضية ظاهرة ولو كان في المجال متسع لأفضت في الحديث عنها.
الجواب: هذا جوابه كما سبق، إذا كنتِ مطالبة شرعاً بأن تنكري المنكر حتى لو أنتِ واقعة فيه، وتأمري بالمعروف حتى وإن كنت تاركة له، فمن باب الأولى أن تأمري بالمعروف حتى وإن كان أهل البيت يتركونه، وتنهي عن المنكر حتى وإن كان أهل البيت يفعلونه، ولو قال لك أحد: إن في بيتكِ فيه كذا، قولي له: أنا فعلت ونصحت وأمرت لكنهم ما أطاعوني وإن شاء الله هم في الطريق للهداية، وكل إنسان يحاسب على انفراد إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95].
الجواب: إذا كان صيامه لغرضٍ آخر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه} أي: صادف يوم الإثنين أو الخميس، أو إنسان يصوم عادةً، أو يصوم الشهر كله، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً، فوافق آخر يوم من شعبان يوم صيامه، فإنه يجوز له صيام ذلك اليوم، والممنوع هو أن يصومه لذاته أو احتياطاً لرمضان أو ما أشبه ذلك.
الجواب: هذا صحيح، ولذلك الكبير كالأم والأب والأخت الكبيرة والمعلمة أحياناً، ينبغي أن يكون هناك تلطف في التغيير معه، ويذكر في هذا المجال أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وجدا رجلاً يتوضأ وضوءاً غير شرعي، فأرادا أن يعلماه، لكن ما استساغوا أن يقولوا له: أنت لا تحسن الوضوء وهو رجلٌ كبير السن.
فقال له أحدهم: اختلفت أنا وأخي في الوضوء، ونريد أن نتوضأ أمامك لتحكم بيننا، فقام الحسن وتوضأ وضوءاً شرعياً سليماً لا غبار عليه، ثم قام الحسين وتوضأ وضوءاً شرعياً سليماً لا غبار عليه، فقالا: أينا الأحسن في الوضوء؟
قال كلاكما حسن بارك الله فيكما، وانتبه أنهما يريدان أن يعلماه بطريقة مناسبة.
بعض الأخوات قد يكون لديها حماس، فتريد أن تغير منكراً وهي ليست لها سلطة لا في البيت ولا في المدرسة ولا في غيرهما، ولا تستطيع أن تغير كل ما يرضيها، فينبغي أن يكون الإنسان حكيماً يأتي البيوت من أبوابها، ويتدرج شيئاً فشيئاً.
فمثلاً: إذا أرادت تغيير منكراً في البيت فلتغيره بالتدريج وبالأسلوب الهادئ عن طريقة توزيع الأشرطة، أو كتب، أو مجلات إسلامية، أو ذكر، أو كلام طيب، يعني من هنا ومن هنا وعلى مدى فترات، ونعرف بعض الأخوات غيرت بيوت بأكملها، بيت منحرف فيه سائق وخادمة وتلفاز وفيديو واختلاط... وكانت البداية أنها اهتدت فصلحت ثم أثرت على بقية أخواتها ثم تأثر الإخوة، ثم تأثر الوالدان، وسُفِّرت الخادمة والسائق، وألغيت الأجهزة السيئة فيه وأصبح بيتاً صالحاً حتى الأب أصبح يتردد المسجد ويصلي الصلوات الخمس، والأم كذلك صلحت.
المهم بالتدرج، وليس بالضرورة في كل بيت أن يحدث هذا، فالإنسان إذا سلك المسالك الشرعية وبذل ما يستطيع فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الجواب: وكأن الأخت تسأل عن مسألة الهجر الشرعي، والهجر الشرعي من الموضوعات التي يخطئ فيها كثيرٌ من الناس، فالهجر الشرعي مربوط بمصلحة، إذا كان هناك أحد لو هجرتيه أقلع فهذا جيد، مثلاً صديقة لكِ وقعت في خطأ وهي تقدركِ ولا تستطيع أن تعيش بدونكِ، يمكن أن تهجريها؛ لأن هذا سبب لإقلاعها، لكن إذا كان هناك إنسان تعرفيه لو هجرتيه لا يأبه بكِ ولا يهتم لكِ، إن كلمتيه أو هجرتيه لا تعني بالنسبة له شيء، فهذا لا مصلحة من هجره، إلا إذا يأس منه الإنسان يأساً تاماً، لذلك أرى في مثل السؤال التي سألته الأخت وما أشبهها ألا يتسرع الإنسان في اتخاذ أي موقف غضب، لا، بل يوسع البال ويتحدث ويطيل ولا يمل.
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا< |
الجواب: ما تفعلينه خطأ كبير جداً، الأكمل في حال الإنسان أن لا يكترث للناس، وجدوا أو لم يوجدوا، فكما أننا نلوم من يرائي ويعمل من أجل الناس، كذلك نلوم من يترك العمل من أجل الناس، لا، بل عليك أن تجعلي الناس بالنسبة لك قدر المستطاع صفر على الشمال، يعني وجودهم لا ينفع وغيبتهم لا تضر، فإن وجدوا لم أترك شيئاً من أجلهم خوفاً من الرياء، هذا خطأ، هذا من أعظم مداخل الشيطان كما ذكره الإمام ابن حزم وغيره، أن هذا مدخل للشيطان أنه لا يزال بالإنسان يخوفه من الرياء حتى يجعله، يترك العمل الصالح خوفاً من الرياء، وهذا من مراعاة الناس وترك العمل من أجلهم.
فالعمل من أجل الناس ممنوع، وكذلك ترك عمل؛ لأن ترك العمل عمل فلا تتركي شيئاً من أجل الناس، ولا تعملي شيئاً من أجل الناس، بل اتركي واعملي ما ترين فيه مصلحة، ولا تلتفتي إلى هذا الشعور، وإذا حدث أن مدحت الأخت بما يراه الناس فيها فلتحمد الله وتلك عاجل بشرى المؤمن.
الجواب: عليه أن يحسن صلاته دائماً، ليقتدي به من يراه، سواء علم أنه يرى أم لم يعلم، أما أنه يحسن صلاته من أجل أن يعلم الناس فلا أرى أن يفعل ذلك، أرى أن يحسن من أجل الله سبحانه وتعالى، وإن كان المقصد بحد ذاته ليس لرياءٍ مذموم، لكن هذه عبادة ينبغي أن يقصد من ذاتها التقرب إلى الله عز وجل.
الجواب: ينبغي للأخت التي تنكر أن تعلم أن ما أنكرته محرم فعلاً، ومعنى ذلك أن عندها دليل على أنه محرم، فليس كل أمر جديد محرم، لا شك في هذا، فمجرد كونه جديداً لا يعني هذا أنه محرم، قد يكون جديداً وهو مباح، إنما المحرمات معلومة.
فإذا كانت الأخت تعرف أنه محرم، أي أن عندها دليل، فإذا قالت لمن ترى أنها تقع في المنكر: إن هذا لا يجوز وقالت لها الأخرى: اختلف العهد بيننا وبين الصحابة، فنحن لا نحتج بأن الصحابة كانوا يفعلون هذا أو لا يفعلونه فقط، بل نحتج بالأدلة الشرعية والكتاب والسنة وبإجماع العلماء، فتقول لها: لا يا أختي، الله قال كذا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو أجمع العلماء على كذا، بحيث تبين لها الأمر بالدليل الشرعي الذي يقطع قول كل خطيب.
الجواب: أشرت إلى شيء من ذلك.
أنه لا بد من سعة الصدر والتلطف، أحياناً يقتنع الإنسان أنه لا داعي للجدل، فامرأة شابَ رأسها على شيء وتعصبت وتمسكت به، فهي مصرة عليه، حتى أنها لو كان أمامها أكبر عالم من العلماء، لكن الأولى أن تعرض ما لديها على أنها أمور بديهية ومسلمة ومفروغ منها، وتعلمها وتقول لها: الأمر كذا وكذا فإذا رأيتِ أن الموضوع ليس له فائدة ولا مجال للتقبل فلا داعي أن تستمري في جدل عقيم.
يمكن أتحين فرصة أخرى بعد وقت وأجد أنها عندها تقبل فأتحدث في الموضوع بصورة لبقة إذا أمكن.
الجواب: هذه القضية لا تنضبط فهي قضية نسبية، يختلف الأمر، فقد تجد المرأة أنه ينبغي عليها أن تقبل بهذا الشخص الذي تقدم لخطبتها ما دام أنه ليس عليه مأخذ في دينه، ولو كانت تعلم أنه لا يساعدها، لأن عندها ظروف معينة تتطلب ذلك، وأحياناً قد يكون من المصلحة أن تنتظر، يعني إذا نظرت لحالها ووضعها وسنها وخصائصها ومميزاتها وتوقعاتها، وقدرت مجمل الأشياء تستطيع أن تقرر أنه ما إذا كان من مصلحتها أن تقبل هذا أو لا تقبله.
الجواب: والله الأولى في مثل هذه الأمور سواء كانت مع الأب أم الأخ أن تسلك معهما مسلك الإقناع والحكمة واللباقة، لأنه إذا وصلت الأمور لحد العصيان لأصبح الأمر صعباً، حتى الأخ لو عصيتيه وذهبت مرة، المرة الأخرى قد يكون في الأمر صعوبة وهو أقدر منكِ على أن يفرض شخصيته، وقد يذهب بكِ بنفسه إلى المحل، وقد يترتب على ذلك الأثر السييء، فالأولى أن للأخت أن تعمل على الإقناع، والحديث، وكثرة الإلحاح بدون أن تصل القضية إلى حد الحسم والذهاب بدون موافقة الأخ أو موافقة الأب.
الجواب: هذا من الوسائل، قد ترين من المصلحة ألا تكلميها مباشرة، لكن تعطينها شريطاً أبلغ في التأثير، فهذه وسيلة، وقد يكون أحياناً أفضل من مخاطبتها مباشرةً، لكن ربما تأخذ الشريط ولا تستمع إليه، ولذلك يحسن أن تتابعي، فإذا عرفت أنها استمعت إلى الشريط وعرفت ما فيه وأنتِ ليس عندك زيادة، لا بأس أن تناقشيها وتتحدثي معها، وإن لم تسمعه فينبغي أن تتحدثي معها في هذا الأمر.
الجواب: كما أسلفت الحديث، يقول المثل: (الحاجة أم الاختراع) فأنا حين أقرر أن هذا منكر، ويجب أن أغيره، لا أتسرع وأغير في الحال بصورة لا أدري هي الأنسب، بل ينبغي أن أدرك أن هذا منكر ويجب أن أغيره، ثم ننتقل بعد ذلك إلى التفكير كيف نغير هذا المنكر؟
اخترعي وسائل معينة لطيفة للوصول إلى تغيير هذا المنكر وإزالته.
الجواب: قد يصعب التغيير بلا شك، إذا خرجتِ إلى السوق فرضاً سترين مائة واحدة عليها منكر، فأنتِ خارجة لغرض معين، وليس معقولاً أن تتركي الغرض الذي خرجت من أجله وتجلسين مع امرأة وتقولين على الأخرى أنتِ سافرة، متبرجة، وأنتِ، وأنتِ، هذا ليس مطلوباً وليس ممكناً للمرأة، فهي خرجت لوقتٍ يسير لغرض معين، فتريد أن تقضي غرضها فلا يتيسر لها ولا يتسنى لها أن تنكر، خاصةً في المنكرات العامة التي انتشرت بين النساء، وإنما لو رأيتِ منكراً ربما أكبر من هذه المنكرات، كمنكر واضح اتصال أو محادثة، هنا ينبغي أن يكون لكِ موقف سواء مع أصحاب المنكر الواقعين فيه أم مع غيرهم، بقدر المستطاع يغير الإنسان.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم مدح القرن عموماً وليس بأفراده بالضرورة (خير القرون قرني) الحكم هنا إجمالاً على مجمل القرن أنه خير القرون، أي قرن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم القرن الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، هذا من جهة القرن بشكل عام، لكن الأفراد لا يلزم من ذلك الحكم بخيرية كل فرد، فقد يوجد في التابعين العصاة، والفساق، والفجار، والمبتدعة، كما أنه يوجد في المتأخرين من جاءوا بعد القرون الفاضلة من يكون بأفضل من التابعين، بسبب أنهم أكثر اتباعاً من الرسول صلى الله عليه وسلم وأكثر جهاداً وبلاءً في الدين.
إذاً: يفرق بين المجتمع وبين الأفراد.
الجواب: نقول: من قال: هلك الناس فهو أهلكهم، ونقول لها:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإن انتهيت إذاً فأنت حكيمُ |
فالذي يشتغل بعيوب الناس، فهذا غالباً مريض، ينبغي أن يطلب لنفسه الشفاء.
الجواب: فيما يتعلق بالواقع الرمضاني فليس عندي وصايا محددة، لكن أوصي أخواتي بتقوى الله تعالى، وحفظ صيامهن بتجنب الإكثار من الكلام؛ خاصةً فيما لا جدوى منه، وتتجنب ما حرم الله كالنميمة والوقوع في أعراض الناس، وكثرة قراءة القرآن، وأن يكون الصيام فرصة لدعوة الأخريات إلى الله؛ لأن النفوس في رمضان تكون أقرب منها في غيره، والشيطان مأسور مصفد.
ولذلك يكون هناك إقبال، فهناك فرص كالمدارس والمؤسسات والاجتماعات لدعوة الناس، ينبغي أن نركز على التوبة والعودة إلى الله سبحانه وتعالى، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لـعلي بن أبي طالب: {والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} وهذا ليس خاصاً بالرجال، بل هذا عام للرجل والمرأة فهو باعتبار الغالب المخاطب، فالمرأة تكون كذلك.
فلتكن منكن منارة دعوة وهدى وإصلاح تقول كلمة الحق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحرص على أن تكون قدوة على الخير للفتيات وخاصة صغار السن، لأنهن يحتجن إلى قدوة، فلا مانع أن تكون الواحدة وإن أحست في نفسها تقصير لا يعلمه الناس، فعليهما أن تستتر بستر الله، وتحرص على أن تكون قدوة للأخريات في الخير والصلاح، والأمر والنهي والدعوة إلى الله عز وجل، فالمجتمع أحوج ما يكون إلى مثل هذه النوعية من النساء.
وكذلك أوصي الأخوات بوصية مهمة فيما يتعلق بالخروج إلى صلاة التراويح والقيام: إذا خرجت المرأة فينبغي أن تخرج متسترة بعيدة عن التزين حتى في ملابسها، ففي الواقع أحياناً قد تكون المرأة متسترة لكن بملابس لماعة جذابة تلفت الأنظار، مثل أن يكون ثوب لونه فاقع والعباءة تلمع، وكذلك الحجاب بطريقة معينة، ملفتة أحياناً، فينبغي أن تتقي الأخت ربها وتحرص على البعد عن ذلك إذا خرجت.
أمرٌ آخر: في آخر رمضان في العشر الأواخر يذهب كثيرٌ من الناس إلى العمرة، وهناك في مكة تقع ظواهر غريبة جداً، آباء وأمهات وناس يفترض أنهم جاءوا يريدون ما عند الله عز وجل، ومع ذلك يقع التبرج والسفور، وخروج الفتيات، وتسيبهن في الشوارع والأسواق - الله يعافينا وإياكم - أمورٌ كثيرة ما تقبل أبداً، فأقول لمن كتب الله له الذهاب إلى هناك أن يخاف الله سبحانه وتعالى، هذا الحرم الله عز وجل يقول عنه: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] فعليكن بتقوى الله والبعد عما يغضبه ويسخطه.
الجواب: عندما ذكرت قبل قليل أن الإنسان يجب أن يأمر بالمعروف ولو كان لا يفعل وينهى عن المنكر ولو كان يفعل، وكنت متوقعاً أن أسأل مثل هذا السؤال عن الآية أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:44] ومثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2].
ومثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين حديث أسامة بن زيد: {يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه
لكن كل هذه تفهم على غير وجهها، فالآية أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:44] فإن هذا عتاب ومعنى الآية أنتم تعرفون البر وتأمرون الناس به، فكيف لا تفعلونه؟
فالعتاب في قوله: وتنسون أنفسكم، أي: لماذا تنسون أنفسكم؟
لم يعاتبهم علىالأمر بالمعروف بل عاتبهم على نسيان أنفسهم، لأن الذي يأمر معناه أنه عالم، فقد يفعل الإنسان المعصية عن جهل، لكن إذا كان يأمر بها فمعناه أنه عالم بأن هذا معروف، فكيف ينسى نفسه، وهذا يعاتب بلا شك، فتارك المعروف وفاعل المنكر يعاتب على ترك المعروف ويعاتب على فعل المنكر، لكن لا يعاتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ففرق بين النقطتين.
الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2] هذه عن إنسان يدعي فعل شيء وهو ما فعله، يقول: فعلت وقاتلت وهو ما فعل، أو يقول سأفعل وسأقاتل وسأقوم، ولم يفعل فإن هذا يعاتب على ذلك.
أما حديث أسامة فهو في أحد رجلين: إما رجل منافق يتاجر بالكلمة، يقول للناس افعلوا واتركوا وكذا وكذا وهو خائن -والعياذ بالله- فهذا لا شك أنه من أهل النار.
الثاني: إنسان قد يأمر فعلاً وينهى فعلاً، لكنه له ذنوب يستحق بها النار، يعني ما كان دخوله النار لأنه يأمر بالمعروف - نعوذ بالله من ذلك - فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة لا تُدخِلُ النار، بل تؤدي إلى الجنة، إنما هذا الرجل لا يأتي المعروف فهو تارك للمعروف، فوقع عليه ذنوب كثيرة لأنه ترك الصيام، وترك الصلاة، وترك الزكاة، فهذه ذنوب سجلت عليه ولو كان يأمر بها، ما سجلت عليه لماذا كان يأمر بها، سجلت عليه لماذا يتركها، وكذلك يفعل المنكر وإن كان ينهى عنه، وسجل عليه أنه يشرب الخمر ويأكل الربى، ويفعل كذا وكذا..، ولو كان ينهى عنها، فسجل عليه منكرات كثيرة وسجل عليه ترك معروف كثير فدخل النار بسبب فعل المنكر وترك المعروف.
الجواب: هذه الآية فسرها أبو بكر رضي الله عنه في الحديث الذي جاء مرفوعاً وموقوفاً أنه قال: إنكم تقرءون هذه الآية وتحملونها على غير وجهها، وإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقابه}.
والآية لا إشكال فيها لأن من الهداية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن نقول لكل مسلم ومسلمة: عليك نفسك، اهتد، اطلب الهداية باتباع دين الله، ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بعد ذلك لا يضرك من ضل، فكونك أمرت إنساناً ولم يطعك، هذا لا يضرك لأنك لست عليهم بمسيطر، كما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22].
فلست سلطاناً تجبر الناس بالإكراه على سلوك الطريق المستقيم، وعلى فعل الخير وترك المنكر، غاية ما تملك الكلمة، أن تقول للناس: هذا خطأ فاتركوه، وهذا صواب فافعلوه، ثم كون الناس يقبلون أو لا يقبلون هذا أمر آخر لا تحاسب عليه.
الجواب: الأصل أن الصلاة في زمزم جائزة، إذا لم يكن فيها ضرر على الذين يأتون لشرب الماء وغير ذلك من الأغراض التي وضع المكان لها، فإن رأيت امرأة تصلي فإذا كانت تصلي من أجل الظل والبراد وما أشبه ذلك فلا حرج ولا تمنع من ذلك ولا تنهى.
أما إذا كانت تصلي تحية لـزمزم فهذه لا شك بدعة، ليس لـزمزم تحية خاصة بها، لكن كيف لكِ أن تعلمي أنها تصلي تحية لـزمزم؟
فهي تصلي وقلبها غير مكشوف حتى تعلمي أنها تصلي لله أو تصلي لـزمزم.
اللهم لو وجدت معك امرأة ظاهر معكِ مثلاً ونـزلت معكِ فصلت وقالت لا بد من تحية زمزم ورأيتيها مصرة على ذلك، فتصلي كلما نـزلت، وعرفت أنها تصلي تحية لـزمزم، هذه تنهى ويبين لها أن زمزم جزء من البيت، فلو انتقلت من مكانٍ إلى آخر في الحرم لا صلاة تخصه.
الجواب: إذا كان الذي يحدث في حفلات الزواج هو ضرب بالدف وغناء من نساء حاضرات، ولا يسمعهن الرجال، وليس هناك اختلاط، والغناء ليس فيه بذاءة وفحش فهذا لا ينكر، أما إذا كان الذي يحدث في الزواج أمرٌ محرم مثل الموسيقى -مثلاً- كغناء في شريط، أو المغنيات حاضرات لكن يغنين بألفاظ بذيئة وفاحشة، كما يحدث أحياناً، فهذا منكر ينبغي إنكاره، فإذا وجد مثل هذا والأخت في العرس فعليها أن تعمل على إنكاره بقدر ما تستطيع، وإذا عجزت وكانت تستطيع أن تخرج فتخرج، وإن عجزت وهي لا تستطيع الخروج مثل أن يكون وليها قد أتى بها وذهب فلا حرج عليها، لكن لا تستمع لهذا ولا تلتفت إليهم، فإذا سمعت هذا من غير إرادة منها لا حرج عليها في ذلك.
أما إذا علمت سلفاً قبل أن تأتي أن هذا العرس سيكون فيه منكر، وأنها لا تستطيع أن تغيّر وإن كان هذا قد يصعب أحياناً الجزم به، لكن إذا علمت ذلك وعرفت من نفسها أنها ضعيفة فلا تدخل.
وينبغي أن نفهم الناس أن الدين يسر وسماحة وخير، ولكن ليس يسراً على مزاجهم ورغباتهم، إنما بحسن الخلق والتلطف، وبيان فسحة الدين مطلوب، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: {حتى تعلم يهود أن في ديننا فسحة} بعض الناس أخذوا انطباعاً عن الدين والمتدينين أنهم معقدون، وأن فيهم وفيهم، فينبغي أن نعدل هذه الصورة في نفوس الناس.
أما موضوع الرقص: ففي الحقيقة لا أعلم نصاً خاصاً بمنعه أو تحريمه، لكن في الزواجات قد يكتنفه مخاطر عديدة منها أنه قد يراها رجال، ومنها أنه قد تبالغ المرأة في الرقص وتظهر مفاتنها ومحاسنها بصورة معينة، فهذا ضار حتى في النساء الحاضرات، فأرى أن الأولى ألا تفعل.
الجواب: الأصل في تسريحة الشعر الإباحة إلا إذا كانت من باب التشبه بالرجال كما تفعل بعض النساء حين تقص الشعر حتى كأنه شعر رجل، هذا لا يجوز، كذلك بعض النساء تتشبه بالكافرات في قص الشعر، وهذا أيضاً لا يجوز {من تشبه بقومٍ فهو منهم} وما عدا ذلك الأصل فيه الإباحة، فمثلاً إذا وجدت قصة شائعة عند الكفار أو اليهود أو النصارى، أو عند الممثلات الكافرات أو الفاجرات، بل إن معظمهن من هذا الصنف، وكذلك والعياذ بالله بعض البغايا والمومسات يشيع بينهن قصة معينة، مثلما كان عند بعض السلف القصة الميلا، فهذه تجتنب.
إذا كان الشعر مجموعاً فلعله لا حرج -إن شاء الله- أن تصلي المرأة وهو على صفته التي قد سرحته عليها، لكن إن فعلت هذا من أجل الصلاة، يعني لفت الشعر وأبعدته من أجل الصلاة، هذا تمنع منه، تترك شعرها بطبيعته، لكنه إذا كان أصلاً ملفوفاً أو مجموعاً فلعله -إن شاء الله- لا حرج في ذلك مما يظهر لي.
الجواب: أولاً: النذر مذموم فهو مكروه، حتى أن بعض العلماء قالوا أنه محرم، فينبغي تجنب النذر، وإذا فعل الإنسان شيئاً ينوي أن يتوب منه دون أن يحتاج إلى نذر، لأن النذر لا يلجأ إليه إلا ضعيف الإرادة، الذي جرب نفسه مرة ومرتين وثلاثاً وتخونه إرادته، فينذر حتى يلزم نفسه، ثم لا يستطيع أن يلزم نفسه فيقع فيما نذر ويحرج نفسه، فهذه المرأة التي نذرت أن تصوم شهرين متتابعين إن رقصت ثم فعلت، نقول لها: عليكِ أن تصومي شهرين متتابعين، فإن قالت: هل هناك حلاً آخر؟
نقول لها: نعم هو أن تصومي شهرين متتابعين كما نذرتي، لا بد من الصيام، لماذا نحرج أنفسنا بأمور ما كلفنا الله سبحانه وتعالى بها.
وقراءة القرآن مع نية الأجر للأب أو الأم؟
الجواب: والله بالنسبة لعشاء الوالدين ليس هناك شيء يسمى عشاء الوالدين، إنما الصدقة مشروعة عن النفس وعن الوالدين، فيستحب أن يتصدق الإنسان عن والديه، فيعطي الفقراء أو المساكين أو المحتاجين، أو يصنع غداءً أو عشاءً ويدعو إليه الفقراء والمساكين والأقارب عموماً.
أما قضية الختمة فإن أحق بالعمل أنتِ. لماذا أنا أتصدق عن غيري؟
يوم القيامة الإنسان يتمنى حسنة من أمه أو من أبيه فلا تحصل له، فلا داعي للإنسان أن يتصدق بعبادته عنه، ولم يكن هذا معروف عند السلف، فعلى الإنسان إذا قرأ أن ينويها عن نفسه، لكن يمكن أن يدعو لوالديه.
هذا والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبيه وعلى آله وأصحابه.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك نتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر