أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:30-35].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ [غافر:30]، السياق ما زال مع فرعون ومؤمن آل فرعون، وفرعون في مجلسه الذي يجلسه للحكم ومعه رجاله، وقد سبق أن المؤمن طلب من فرعون أن يتنازل ولا يقتل موسى، فصرخ وقال: كيف لا أقتله وهو .. وهو؟ ووصفه بصفات.
وهذا المؤمن اسمه شمعان ، وهو أحد رجال فرعون، وهو ابن عمه، وكان مؤمناً يكتم إيمانه، وكان معهم في مجلس الحكومة، وهو مؤمن آمن بموسى وبما جاء به، فهو موحد، ولكنه ما أفصح عن إيمانه؛ خشية أن يقتلوه، ولكنه في نهاية الأمر أعلن عن ذلك. وها نحن معه وهو في مجلس فرعون.
قال تعالى: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ [غافر:30]. ويدخل في لفظ قومه فرعون ورجاله وتلك الأمة الهابطة كلها، فقال لهم: يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ [غافر:30]، أي: مثل العذاب الذي نزل بالأحزاب وأصابها.
ثم قال: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ [غافر:31]. وهذه كلمة شمعان ، فهو الذي قال: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ [غافر:31]. وهذا حق والله. فالله لا يريد ظلماً للعباد أبداً، ولكن هم الظالمون، فهم الذين يحاربون أولياء الله، وهم الذين يكفرون بالله، ويكفرون بعبادته، والله ما يريد ظلماً للعباد، ولكنهم لما ظلموا وفسقوا وفجروا واستمروا على الشرك والكفر فأنزل بهم نقمته وأهلكهم.
فهو يقول: أخشى عليكم إن بقيتم على كفركم أن تهلكوا في الدنيا، ثم تدخلون النار، والعياذ بالله، وتشقون فيها شقاء أبدياً.
والذي يضله الله هو ذاك الذي يعرف الحق ويتعمد بطلانه، ويعرف الباطل وينغمس فيه، ويعرف الشر ويقوم به، وهو ذاك الذي توغل في الشر والفساد والخبث، فهذا ما يهديه الله عز وجل، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37]. فعجلوا بالتوبة إلى الله، وأنيبوا إليه، وآمنوا بموسى ورسالته، وانضموا إلى جماعة المؤمنين والمسلمين. هكذا يقول هذا الداعي العظيم شمعان ابن عم فرعون.
قال تعالى: كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34]. وهذه صالحة أن يكون قالها شمعان أو قالها الله عز وجل.
وقوله: كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ [غافر:34]، أي: متوغل في الشر .. في الفساد .. في الخبث .. في الكفر، مُرْتَابٌ [غافر:34]، أي: ما عنده يقين، ولا إيمان سليم ولا صحيح. فهكذا يضله الله عز وجل.
ثم قال تعالى لهم: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]، أي: هكذا يختم الله على كل قلب متكبر من الناس، أو قلب متكبر جبار. فالقلب إذا كان متكبراً صاحبه يختم الله عليه، ولا يدخله النور، ولا يؤمن، ولا يدخل في الإسلام أبداً. فهكذا يطبع الله على كل قلب متكبر عن عبادة الله وتوحيده، جبار يريد أذية الناس وقتلهم كفرعون وغيره.
ثم قال هذا المؤمن لقومه: وَيَا قَوْمِ [غافر:32]! فهو أيضاً يناديهم ليجذب قلوبهم إليه، فهو يقول: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ [غافر:32]. وهو يوم القيامة. فأخاف عليكم يوم القيامة، أي: يوم ينادي أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. فأنا أخاف عليكم عذاب ذلك اليوم، أي: يوم التناد، وهو يوم القيامة يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ [غافر:32]، أي: هاربين. فهم لما يقربون من النار يرجعون إلى الوراء، فيدفعونهم ويجرونهم بالسلاسل إلى جهنم. والرجل عرف الجنة وعرف النار؛ لأنه لازم موسى، ويمكن أنه لازمه بطريق خفي، وأصبح ذا علم. ولذلك قال: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ [غافر:33]، أي: يعصمكم ويحفظكم من الله أبداً، بل لابد وأن تدخلوا النار، وتخلدوا فيها.
ثم قال: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [غافر:33]. فهو لما وعظهم وذكرهم وبين لهم ما استجابوا، فقال: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [غافر:33]، أي: أنا بينت لكم، وشرحت لكم، وعلمتكم، وأبيتم أن تستجيبوا؛ لأن الله أضلكم، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [غافر:33] يهديه. هكذا يقول هذا الرجل المؤمن. وعندنا أبو بكر الصديق أفضل منه. فهم ثلاثة رجال كما تقدم بالأمس، وهم أبو بكر الصديق ، وحبيب النجار ، وقد ذكر في سورة يس، ومؤمن آل فرعون . ولكن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه، ثم في ما بعد صرح به. وهذا الموقف وضع فيه نفسه متوكلاً على الله. فهو يقول لهم: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [غافر:33] يهديه. وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ [غافر:34] نبياً ورسولاً. وقد جاء من أرض فلسطين بتدبير الله عز وجل، وحكم البلاد، وسادها الأمن والطهر والصفاء، ولكن كان النفاق في قلوبهم، فما آمنوا حق الإيمان، ولو آمنوا حق الإيمان ما كانوا يتبعون فرعون، ويؤمنون بألوهيته الباطلة، ولهذا قال لهم: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ [غافر:34] والحجج القاطعة، فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ [غافر:34] إلى الآن. وهذا شأن الشعب أو الأمة إذا استمرت على الفسق والفجور والباطل، فيجيء الرسول ويجيء الداعي فيستجيبون أياماً، وينتكسون أياماً أخرى. ولذلك قال لهم هذا المؤمن: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ [غافر:34]، أي: من قبل موسى بِالْبَيِّنَاتِ [غافر:34] والحجج الظاهرة، فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ [غافر:34] حتى الآن. حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا [غافر:34]. ومعنى هذا: أنهم فرحوا بموت يوسف وانتهوا منه.
وقد كانوا مؤمنين بوجود الله، ويعرفون أن الله هو رب العالمين وخالق الخلق أجمعين، ولكنهم كانوا يعبدون الأصنام بتزيين الشياطين وتحسين أهل الباطل، وإلا لما قالوا: لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا [غافر:34]. ولولا أنهم يؤمنون بالله رباً وإلهاً ما قالوا هذا.
وقد قلت لكم بالأمس: إنكار وجود الله وجحوده وعدم الإيمان بوجوده لم تعرفه البشرية قط إلا منذ قرن ونصف أيام الشيوعية فقط، وأما قبل ذلك فقد كان الكفار يؤمنون بوجود الله عز وجل، وكانوا يعبدون الأصنام، ويتوسلون بها إلى الله في نظرهم، وكان يبعث الله إليهم الرسل، فلا يقبلون ولا يستجيبون، مع أنهم يأتونهم بالحلال والحرام، فكانوا لا يريدون الهداية، ولذلك كانوا يكفرون بالرسول ويحاربونه، وأما الإيمان بوجود الله فهم مؤمنون.
وهذا مؤمن آل فرعون يقول لهم: قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا [غافر:34].
ثم قال لهم: كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34]. وقد أضلكم الله؛ لأن الله يضل من كان هذه حالته، وهو المسرف المتوغل في الشر والفساد .. في الباطل والشرك والكفر. فهذا المسرف وهذا المرتاب ما آمن إيماناً سليماً يقيناً، بل إيمانه مضطرب كإيمان المنافقين. وهذا لن يهديه الله، بل يضله الله عز وجل، كما قال تعالى: كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34]. والإسراف في كل شيء هو: التوغل في الشيء والإكثار منه، حتى في الأكل والشرب، وهو في الكذب من باب أولى، وكذلك في الشرك والباطل من باب أولى.
والمرتاب: الذي في نفسه ريب، وليس في نفسه يقين كامل، فهو مؤمن، ولكن إيمانه ضعيف جداً، وفيه نوع من الشك والارتياب. فهذا ما يهديه الله عز وجل.
ثم قال تعالى: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ [غافر:35] ومقتهم. فالذين يجادلون في آيات الله ليبطلوها وليصرفوا الناس عنها؛ حتى لا يؤمنوا ولا يعملوا بها بغير أن يكون عندهم حجة ولا برهان ولا سلطان، فعلهم هذا كبر مقتاً عند الله، أي: مقتهم أكبر المقت عند الله. والمقت: شدة البغض، أي: يبغضهم الله عز وجل. فهذا الفعل كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا [غافر:35] بالله ورسوله ولقائه إلى يوم الدين. فالمؤمنون الصادقون يمقتون أهل الشرك والباطل والكفر ويبغضونهم. وهذا واجبهم.
وسبحان الله! فهذا مؤمن آل فرعون يقرر هذه الحقائق، ويقول: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ [غافر:35] هؤلاء كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا [غافر:35] كذلك. فيبغضهم الله ويبغضهم المؤمنون دائماً وأبداً. كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]، أي: هكذا يطبع، بمعنى: يختم، فلا يدخل الإيمان هذا القلب أبداً. فإذا توغل الشخص في الكفر والشرك والعناد والفساد يختم الله على قلبه، فيصبح لا يدخله نور من الإيمان أبداً، بل يبقى على كفره ولا يهتدي، وهذا مصداقاً لقوله تعالى: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]. والجبار هو: الذي يجبر الناس على هواه وشهوته وما يريد منهم، والعياذ بالله، كما كان فرعون يجبر الناس على عبادته.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في القلب: ( ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ). ومؤمن آل فرعون عرف هذه الحقيقة، فقال: يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]. فعلينا أن نصلح قلوبنا ولا نفسدها. ونصلح قلوبنا بالإيمان الصادق بكتاب الله ورسول الله ولقاء الله، ثم بالعمل الصالح المزكي للنفس، المطهر لها، والاستمرار على ذلك، وعدم العودة إلى الفسق والفجور، ونستمر على هذا النور حتى يتوفانا الله مؤمنين طائعين، فيرفعنا إليه، وينزلنا منازل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم حقق لنا ذلك.
[ من هداية الآيات:
أولاً: قوة الإيمان تفجر قلب المؤمن بأنواع من المعرفة والحكمة في قوله إذا قال ] فإذا كان العبد مؤمناً فهذا الإيمان يفجر فيه أنواراً من الهداية والمعرفة والحكمة، بخلاف الكافر، فإن قلبه ميت، مختوم عليه، ولكن المؤمن لا بد وأن يتفجر إيمانه في قلبه بالمعرفة والحكمة والبصيرة. وهذا المؤمن أصبح أعلم الناس، وهو بين أيديهم.
[ ثانياً: التذكير بالأمم الهالكة، إذ العاقل من اعتبر بغيره ] فقد ذكر الأحزاب وذكرهم بالأمم الماضية؛ من أجل الاعتبار؛ حتى يعتبر به أولو البصائر، وأولو النهى والمعرفة. والعاقل من اعتبر بغيره. وهذه قاعدة عامة، وهي: أن العاقل من اتعظ بغيره. فلما يذكر تعالى أمم مضت وسبب هلاكها يعتبر بذلك المؤمنون، ويواصلون إيمانهم، ويحافظون عليه، ويصبرون عليه حتى يتوفاهم الله.
[ ثالثاً: التخويف من عذاب الآخرة وأهوال القيامة ] فهذا شمعان خوف قومه من عذاب يوم التناد. وهكذا كل واعظ ومرشد، وكل نبي ورسول يذكر الناس ويخوفهم بعذاب يوم القيامة. وهم يخافون العذاب في الدنيا، ويعملون على عدم وجوده، وينسون عذاب الآخرة. فالتذكير بعذاب الآخرة من أسباب الهداية للسامعين من المؤمنين وغير المؤمنين.
[ رابعاً: التنديد بالإسراف والارتياب وعدم اليقين ] فالإفراط في الظلم والشر والفساد -وهو المعبر عنه بالإسراف- ندد به هذا المؤمن، فقال: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا [غافر:35]. وهو عنادهم وضلالهم، وفسقهم وفجورهم.
[ خامساً: حرمة الجدال بغير علم، وأن صاحبه عرضة لمقت المؤمنين بعد مقت الله تعالى ] ونحن أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندنا العلم نصفان: علم عند كل واحد منا، وعلم لا بد من طلبه والحصول عليه. فالعلم الذي عندنا هو كلمة: الله أعلم، فإذا سئل أحدنا عن شيء ليس عنده فيه دليل من الكتاب ولا من السنة يقول: الله أعلم. فهذا نصف العلم. والنصف الثاني نطلبه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما بينه أئمة الأمة وعلماؤها من آيات الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالعلم نصفان: نصف في يد كل مؤمن ومؤمنة، فإذا سئلت عن شيء فقل: الله أعلم. فهذه نصف العلم. وإذا علمت وعرفت بالدليل عندك فقل: قال الله أو قال رسوله، أو أباح الله وحرم الله.
فلا ننسى هذه الحقيقة، وهي: أن العلم نصفان أو قسمان، قسم مع كل مؤمن ومؤمنة، فأي مؤمن ومؤمنة إذا سُئل عن شيء ما يعرفه فعليه أن يقول: الله أعلم. وإن عرف فليقل: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. وإذ لم يعرف يقول: الله أعلم. ومع هذا يجب أن نطلب العلم، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
والعلم الذي طلبه فرض علينا هو: أولاً: معرفة الله بأسمائه وصفاته.
ثانياً: معرفة محابه تعالى، ومعرفة مكارهه، أي: ما يحب الله وما يكره الله. ونجد محاب الله ومكارهه في كتابه القرآن العظيم، وفي هدي نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. فلا بد من العلم والمعرفة. ولكن إذا سئلت عما لا تعلم فقل: الله أعلم؛ حتى تسلم ويسلم من سألك.
[ سادساً ] وأخيراً: [ عرضة المتكبر الجبار للطبع على قلبه، ويومها يحرم الهداية، فلا يُهدى أبداً ] ولا يهتدي أبداً. فصاحب القلب المتكبر المتجبر الطاغي عرضة لأن يختم الله على قلبه فينسد، وهنا والله ما يدخله إيمان أبداً، وقد ختم الله على قلب أبي لهب وأبي جهل ، وبقوا سنيناً لم يؤمنوا؛ لأن الله ختم على قلوبهم. فلهذا نحذر من علة الكبر؛ فإنه مرض خطير، وإذا وجد الكبر في قلب الإنسان فإنه يتعرض لطبع الله عليه.
والله تعالى أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر